14 Jan 2010
الباب الثالث: في تفسير كلمات يحتاج إليها المعرب، النوع الأول: ما جاء على وجه واحد
قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (الباب الثالث: في تفسير كلمات يحتاج إليها المعرب وهي عشرون كلمة، وهي ثمانية أنواع
أحدها: ما جاء على وجه واحد وهو: أربعة.
أحدها:
(قط)، بفتح القاف، وتشديد الطاء وضمها في اللغة الفصحى فيهن، وهو ظرف
لاستغراق ما مضى من الزمان نحو: ما فعلته قط. وقول العامة: لا أفعله قط
لحن.
والثاني:
(عوض)، بفتح أوله، وتثليث آخره ، وهو ظرف لاستغراق ما يستقبل من الزمان ـ
ويسمى الزمان عوضا، لأنه كلما ذهبت منه مدة عوضتها مدة أخرى، أو لأنه يعوض
ما سلف في زعمهم ـ تقول: لا أفعله عوض. فإن أضفته نصبته فقلت: عوض
العائضين، كمل تقول: دهر الدهراين. وكذلك (أبدا)، تقول فيها: ظرف لاستغراق
ما يستقبل من الزمان.
والثالث: (أجل) بسكون اللام، وهو حرف لتصديق الخبر، يقال: جاءني زيد، أو ما جاءني زيد، فتقول: أجل، أي: صدقت.
والرابع: (بلى) وهو حرف لإيجاب المنفي، مجردا كان النفي نحو: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن}، أو مقرونا بالاستفهام نحو: {ألست بربكم قالوا بلى} أي: بلى أنت ربنا.
نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي
قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (
قَــطُّ وعَــوْضُ أَبَــداً ظُــرُوفُ ... لَكِنَّـمَـا اسْتِغْـرَاقُـهـا مَـعْــرُوفُ
قَـطُّ لِمَـا مَضَـى وعَــوْضُ أَبَــدَا ... حَتْـمـاً للاسْتِقْـبـالِ حَـيْــثُ وَرَدَا
أَجَـلْ بِهَـا يُـرادُ تَصْـدِيـقُ الخَـبَـرْ ... بَلَـى للايجـابِ لِنَفْـيٍ قَــدْ ظَـهَـرْ
شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي
قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي
(ت: 879هـ): (هذا
ثم إنه لما ابتدأ بأبحاث الجمل التي ينتهي إلى كلمات وهي متأخرة عنها من
حيث التحليل وإن كانت متقدمة عليها من حيث الجزئية والتركيب وقد فرغ من
تعليم أبحاث الجمل ومن أبحاث لواحقها أراد أن يعلمك أبحاث كلمات مخصوصة من
بين الكلمات لا يكفي فيها علم اللغة كما هو حقها بخلاف سائر الكلمات مع إنك
تحتاج إلى معرفتها لكثرة دورها في اللسان ولعرض معانيها على الأذهان فقال:
الباب الثالث من الأبواب
الأربعة في تفسير كلمات من جهة هيهاتها ووجود استعمالاتها فعلم من هذا أن
من قال أن الذي يذكره بعد هذا لا يصدق عليه حقيقة التفسير لا لغة ولا
اصطلاحا فقد سهى عن مقصود هذا الباب كما ترى بمحتاج احتياجا تاما إليها أي
إلى معرفتها من هذه الحيثيات المعرب لا لام الصلة للموضع فكثيرا بشبه
الأولى بالثانية في مثل هذا المقام كذا قال بعض الشارحين ههنا وعند العموم
ليس من الموضع من وقوع قط في سياق النفي نحو ما فعلته قط اشتقاقه من قطقطة
أي قطته فمعنى ما فعلته قط ما فعلته فيما انقطع من عمري فإن الزمان الماضي
ينقطع من الحال والمستقبل وبينت لتضمنها معنى مذ وإلى إذا المعنى ما فعلته
مذ أن خلقت أو إلى الآن وأما بناؤها على الحركة فلئلا يلزم التقاء الساكنين
وبنيت على الضم تشبيها بالغايات وقد أنكر فإن الأصل في تحريك الساكن هو
الكسر ثم إنه لما ادعى اختصاص استعماله بنفي الفعل الماضي ووجود استعماله
مع نفي الفعل المضارع مخالف له بحسب الظاهر أشار إلى دفع مخالفته بنفي
اعتباره بقوله وقول العامة لا أفعله قط لحن أي استعمال على سبيل الخطأ
فيكون تقولا من عند أنفسهم فلا يلتفت إليه كما لا يلتفت إلى المحرفات فيكون
وجوده كعدمه فإن قلت لا يكون اللحن الخطأ في الاستعمال بل في الإعراب كما
قال الجوهري اللحن الخطأ في الإعراب قلت: سلمناه لكن استعمل ههنا في الخطأ
في الاستعمال على سبيل المجاز فإن قلت لا يلزم من استعمال العامة مع نفي
الفعل المضارع أن يكون خطأ لجواز أن يكون استعماله معه على سبيل المجاز
وأما القول بأن أئمة اللغة لم ينقل عنهم أنهم استعملوا معه لا حقيقة ولا
مجازًا فهو لا يمنع الاستعمال لجواز أن يوجد الاستعمال مع عدم نقله عنهم
قلت إن استعماله مع نفي الماضي قد ثبت عند أرباب اللغة ولم يثبت استعماله
مع نفي الفعل المضارع عندهم ويكفي في ذلك استقراء كلامهم وتتبع كتبهم وقد
ثبت أيضا أن استعماله مع نفي المضارع قول العامة وقولهم ملحق بأصوات
الحيوانات عند أهل البلاغة فلا تكون أقوالهم معتبرة أصلا سواء كانت حقائق
أو مجازات فكذا لا يستدل بأقوالهم على شيء أصلا ولا يخفى عليك أن المصنف في
صدور إثبات اللغة فإذن مقصوده أن هذه اللغة لا تثبت بمجرد قول العامة سواء
كان قولهم حقيقة أو مجازا وإن كان يفيد معنى عندهم كالمحذوفات هذا ثم إن
قط بفتح القاف وسكون الطاء تارة يجيء بمعنى حسب تقول قطك هذا الشيء فبنيت
على السكون لكونها موضوعة على الحرفين ولكون السكون أصلا في البناء وأخرى
بمعنى حسبك يجيء بمعنى يكفي تقول قطني بنون الوقاية كما تقول يكفيني وأما
فقط في قولك اضرب زيدا فقط فقد قيل أنه اسم فعل بمعنى انته صدر بالفاء
لتزيين لفظه فكأنه جزاء شرط محذوف أي إذا ضربت زيدا فانته عن ضرب غيره
والثاني من الألفاظ الأربعة عوض بفتح أوله أي بفتح العين وتثليث آخره أي
بالحركات الثلاث في الضاد كله حركات بنائية فبناؤه على الضم كقبل وبناؤه
على الكسر كأمسى وبناؤه على الفتح كأين ومعناه الأمد إلا أنه اختص بالفعل
المضارع المنفي يقول عوض لا أفارقك أبدا ولا يجوز أن يقول عوض ما أفارقك
كما لا يجوز أن يقول قط ما أفارقك وهو ظرف من الظروف الزمانية لاستغراق ما
يستقبل من الزمان أي هو لفظ موضوع للزمان وأما دلالته على الاستغراق فيها
رتبه بالنفي قال الجوهري عوض للزمان المستقبل كما أن قط للزمان الماضي
ويسمى الزمان عوضا أي يطلق عليه عوض كما يسمى مدة ووقتا لأنه كلما ذهبت منه
أي من الزمان مدة بالرفع فاعل ذهبت عوضها مدة أخرى التعويض تقول فلان
عوضني إذا أعطاك العوض فالمقصود أن الزمان إذا مضى جزء منه يجيء جزء آخر
بدله وكذلك مثل عوض أبدا في نحو قولك لا أفعله أبدا وإن كان بينهما فرق من
حيث أن استعمال عوض تختص بالنفي كما أن استعمال أبدا يعم نقول فيها أي في
أبدا ظرف لاستغراق ما يستقبل من الزمان ومما جاء على وجه واحد أجل بسكون
اللام وهو حرف موضوع لتصديق الخبر ولا يجيء بعد الاستفهام يقال جاء زيد في
الإثبات وجاء زيد في النفي فتقول للقائل أجل قوله أي صدقت تفسير مقدر وهو
متعلق ذلك الحرف فإن قلت كان المناسب لقوله لتصديق الخبر أن يقال صدقت قلت
المراد من تصديق الخبر نسبة التصديق إلى المخبر فيكون ذلك الحرف دالا على
تلك النسبة هذا على قول الزمخشري وابن مالك ومن تابعهما وقيل هو حرف جواب
مثل نعم فيكون تصديقا للمخبر وإعلاما للمستخبر ووعداً للطالب فإذا قيل قام
زيدا وأقام زيدا واضرب زيدا يقول أجل قال الأخفش هو مثل نعم إلا أنه أحسن
من نعم في التصديق ونعم أحسن منه في الاستفهام والصنف الرابع من الأصناف
الأربعة التي تستعمل في الكلام على وجه واحد بلى ألفها أصلية عند الجمهور
وقال بعض النحاة أصلها بل فألفها زائدة وهو حرف موضوع لإيجاب المنفي
وإثباته فإذا قال رجل ما قام زيد فإن أردت تصديقه قلت نعم وإن أردت تكذيبه
قلت بلى ثم إن ذلك المنفي لما جاء استعماله على أحد الوجهين أشار إليه
بقوله مجردا عن الاستفهام كان المنفي الذي وقع قبل هذا الحرف {زعم الذين
كفرو} أي ادعى مشركو مكة {أن لن يبعثوا} يوم القيامة قال صاحب الكشاف في
سورة التغابن في تفسير هذا القول الزعم ادعاء العلم ومنه قوله عليه أفضل
الصلاة والسلام ((زعموا مطية الكذب)) وعن شريح: لكل شيء كنية وكنية الكذب
زعموا ويتعدى إلى مفعولين تعدى العلم قال الشاعر:
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري
قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (الباب الثالث: في تفسير كلمات كثيرة يحتاج إليها المعرب
النوع الأول:
(ما جاء على وجه واحد لا غير وهو: أربعة)
(أحدها: قط بفتح القاف وتشديد الطاء وضمها، في اللغة الفصحى فيهن) وهي اللغة الأولى. فلم أر عاما عوض أكثر هالكا
والثانية: فتح القاف وتشديد الطاء مكسورة على أصل التقاء الساكنين.
والثالثة: إتباع القاف للطاء في الضم.
والرابعة: تخفيف الطاء مع الضم. والخامسة: تخفيف الطاء مع السكون.
(وهي) في اللغات الخمس (ظرف لاستغراق ما مضى من الزمان)، ملازم للنفي (تقول): هذا الشيء (ما فعلته قط)،
أي: لم يصدر مني فعله في جميع أزمنة الماضي. واشتقاقها من القط وهو القطع،
فمعنى ما فعلته قط: ما فعلته فيما انقطع من عمري، لانقطاع الماضي عن الحال
والاستقبال، فلا تستعمل إلا في الماضي.
(وقول العامة: لا أفعله
قط، لحن أي: خطأ لأنهم استعملوها في المستقبل وذلك مخالف للوضع والاشتقاق.
وسماه لحنا لما فيه من تغيير المعنى، يقال للمخطئ لاحن لأنه يعدل بالكلام
عن الصواب.
(الثاني: عوض بفتح أوله) وإهماله وسكون ثانيه (وتثليث آخره) وإعجامه. (وهو ظرف لاستغراق ما يستقبل من الزمان غالبا، ويسمى) الزمان (عوضا لأنه كلما ذهبت مدة عوضتها مدة أخرى)، أو (لأنه) أي: الزمان (يعوض ما سلب في زعمهم) الفاسد واعتقادهم الباطل.
وهو ملازم للنفي (تقول): أنت، هذا الشيء (لا أفعله عوض) أي: لا يصدر مني فعله في جميع أزمنة المستقبل. وهو مبني فإن أضفته أعربته ونصبته) على الظرفية، (فقلت: لا أفعله (عوض العائضين كما تقول: دهر الداهرين). ومن غير الغالب ما ذكره ابن مالك في (التسهيل) من أن عوض قد يرد للماضي فيكون بمعنى قط وأنشد عليه قوله:
(الثالث): مما جاء على وجه واحد، (أجل بسكون اللام) وفتح الهمزة والجيم ويقال فيها (بجل) بالموحدة (وهو حرف) موضوع (لتصديق الخبر)، مثبتا كان الخبر أو منفيا. (يقال) في الإثبات: (جاء زيد). وفي النفي (ما جاء زيد) فتقول: في جواب كل منهما تصديقا للمخبر (أجل أي: صدقت)، هذا قول الزمخشري وابن مالك وجماعة.
وقال المصنف في (المغني):
أنها كـ (نعم) فتكون حرف تصديق بعد الخبر، ووعد بعد الطلب، وإعلام بعد
الاستفهام فتقع بعد نحو: قام زيد وما قام زيد، واضرب زيد، وأقائم زيد؟.
وقيد المالقي الخبر
بالمثبت والطلب بغير النهي، وقيل لا تقع بعد الاستفهام. وعن الأخفش هي بعد
الخبر أحسن من نعم، ونعم بعد الاستفهام أحسن. انتهى.
(الرابع) مما جاء على وجه واحد، (بلى وهو حرف) موضوع (لإيجاب) الكلام المنفي، أي: لإثباته فتختص بالنفي وتفيد إبطاله، مجردا كان النفي عن الاستفهام نحو: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن} فبلى هنا أثبتت البعث المنفي وأبطلت النفي. أو كان النفي مقرونا بالاستفهام الحقيقي نحو: أليس زيد بقائم؟ فيقال: بلى أي: بلى هو قائم. أو التوبيخي نحو: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى} أي: بلى نسمع. أو التقريري نحو: {ألست بربكم قالوا بلى}
(أي: بلى أنت ربنا) أجروا النفي مع التقريري مجرى النفي المجرد، فلذلك قال
ابن عباس: لو قالوا: نعم لكفروا. ووجهه أن (نعم) لتصديق الخبر بنفي أو
إثبات.