9 Nov 2008
باب المقطوع والموصول
قال الحافظ محمد بن محمد ابن الجزري (ت: 833هـ) : (باب المقطوع والموصول
وَاعْـرِفْ لِمَقْطُـوعٍ وَمَوصُـولٍ وَتــا ... فِي مُصْحَـفِ الْإِمَـامِ فِيمَـا قَـدْ أَتَـى
فَاقْـطَـعْ بِعَـشْـرِ كَـلِـمَـاتٍ أَنْ لاَ ... مَـــعْ مَـلْـجـأٍ وَلاَ إِلَــــهِ إِلاَّ
وَتَعْبُـدُوا يَاسِـيـنَ ثَـانِـي هُــودَ لاَ ... يُشْرِكْنَ تُشْـرِكْ يَدْخُلَـنْ تَعْلُـوا علـى
أَنْ لاَ يَقُـولُـوا لاَ أَقُــولُ إَنْ مَـــا ... بالرَّعْـدِ وَالْمَفْتُـوحَ صِـلْ وَعَـنْ مَــا
نُهُوا اقْطَعُـوا مِـنْ مَـا بِـرُومٍ وَالنِّسَـا ... خُلْـفُ الْمُنَافِقِـيـنَ أَمْ مَــنْ أَسَّـسَـا
فُصِّلـتِ النِّسَـا وذِبْـحٍ حَيْـثُ مَــا ... وَأَنْ لَـمِ الْمَفْتُـوحَ كَـسْـرَ إِنَّ مَــا
الاَنْعَـامِ وَالْمَفْتُـوحَ يَـدْعُـونَ مَـعَـا ... وَخُلْـفُ الاَنْـفَـالِ وَنَـحْـلٍ وَقَـعَـا
وَكُـلِّ مَــا سَأَلْتُـمُـوهُ وَاخْتُـلِـفْ ... رُدُّوا كَذا قُـلْ بِئْسَمَـا وَالْوَصْـلَ صِـفْ
خَلَفْتُمُونِـي وَاشْتَـرَوْا فِـي مَـا اقْطَعَـا ... أُوحِـي أَفَضْتُـمُ اشْتَهَـتْ يَبْلُـو مَـعَـا
ثَانِـي فَعَـلْـنَ وَقَـعَـتْ رُومٍ كِــلاَ ... تَنْزِيْـلِ شُـعَـرَا وَغَـيْـرَ ذِي صِــلاَ
فَأَيْنَمَـا كَالنَّحْـلِ صِــلْ وَمُخْتَـلَـفْ ... في الشُّعَـرا الأَحْـزَابِ وَالنِّسَـا وَصَـفْ
وَصِـلْ فَإلَّـمْ هُـودَ أَلَّــنْ نَجْـعَـلاَ ... نَجْمَـعَ كَيْـلاَ تَحْزَنُـوا تَأْسَـوْا عَـلَـى
حَــجٌّ عَلَـيْـكَ حَــرَجٌ وَقَطْعُـهُـمْ ... عَنْ مَـنْ يَشَـاءُ مَـنْ تَوَلَّـى يَـوْمَ هُـمْ
وَمَــالِ هَــذَا وَالَّـذِيْـنَ هَـــؤُلاَ ... تَحِيْـنَ فِـي الإِمَـامِ صِــلْ وَوُهِّــلاَ
وَوَزَنُـوهُـمُ وَكَـالُـوهُـمْ صِـــلِ ... كَـذَا مِـنَ الْ وَهَـا وَيَـا لاَ تَفْـصِـلِ
الدقائق المحكمة لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري
قال الإمام زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاريِّ السُّنَيْكِيِّ
(ت: 926هـ) : (المتن: (79) وَاعْرِفْ لِمَقْطُوعٍ وَمَوصُولٍ وَتا = فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ فِيمَا قَدْ أَتَى ___________________ قَطْعُ "أنْ لاَ" وَوَصْلُهَا ثمَّ بيَّنَ المواضِعَ المُحتاجَ إلى معرفَتِهَا من ذلكَ. فقالَ: فَاقْطَعْ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ أَنْ لاَ = مَعْ مَلْجأٍ وَلاَ إِلَهِ إِلاَّ نُهُوا اقْطَعُوا مِنْ مَا بِرُومٍ وَالنِّسَا = خُلْفُ الْمُنَافِقِينَ أَمْ مَنْ أَسَّسَا فُصِّلتِ النِّسَا وذِبْحٍ حَيْثُ مَا = وَأَنْ لَمِ الْمَفْتُوحَ كَسْرَ إِنَّ مَا الاَنْعَامِ وَالْمَفْتُوحَ يَدْعُونَ مَعَا = وَخُلْفُ الاَنْفَالِ وَنَحْلٍ وَقَعَا وَكُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَاخْتُلِفْ = رُدُّوا كَذا قُلْ بِئْسَمَا وَالْوَصْلَ صِفْ خَلَفْتُمُونِي وَاشْتَرَوْا فِي مَا اقْطَعَا = أُوحِي أَفَضْتُمُ اشْتَهَتْ يَبْلُو مَعَا فَأَيْنَمَا كَالنَّحْلِ صِلْ وَمُخْتَلَفْ = في الشُّعَرا الأَحْزَابِ وَالنِّسَا وَصَفْ وَصِلْ فَإلَّمْ هُودَ أَلَّنْ نَجْعَلاَ = نَجْمَعَ كَيْلاَ تَحْزَنُوا تَأْسَوْا عَلَى حَجٌّ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَقَطْعُهُمْ = عَنْ مَنْ يَشَاءُ مَنْ تَوَلَّى يَوْمَ هُمْ وَمَالِ هَذَا وَالَّذِيْنَ هَؤُلاَ = تَحِيْنَ فِي الإِمَامِ صِلْ وَوُهِّلاَ وَوَزَنُوهُمُ وَكَالُوهُمْ صِلِ = كَذَا مِنَ الْ وَهَا وَيَا لاَ تَفْصِلِ
(80) فَاقْطَعْ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ أَنْ لاَ = مَعْ مَلْجأٍ وَلاَ إِلَهِ إِلاَّ
(81) وَتَعْبُدُوا يَاسِينَ ثَانِي هُودَ لاَ = يُشْرِكْنَ تُشْرِكْ يَدْخُلَنْ تَعْلُوا على
(82) أَنْ لاَ يَقُولُوا لاَ أَقُولُ إَنْ مَا = بالرَّعْدِ وَالْمَفْتُوحَ صِلْ وَعَنْ مَا
(83) نُهُوا اقْطَعُوا مِنْ مَا بِرُومٍ وَالنِّسَا = خُلْفُ الْمُنَافِقِينَ أَمْ مَنْ أَسَّسَا
(84) فُصِّلتِ النِّسَا وذِبْحٍ حَيْثُ مَا = وَأَنْ لَمِ الْمَفْتُوحَ كَسْرَ إِنَّ مَا
(85) الاَنْعَامِ وَالْمَفْتُوحَ يَدْعُونَ مَعَا = وَخُلْفُ الاَنْفَالِ وَنَحْلٍ وَقَعَا
(86) وَكُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَاخْتُلِفْ = رُدُّوا كَذا قُلْ بِئْسَمَا وَالْوَصْلَ صِفْ
(87) خَلَفْتُمُونِي وَاشْتَرَوْا فِي مَا اقْطَعَا = أُوحِي أَفَضْتُمُ اشْتَهَتْ يَبْلُو مَعَا
(88) ثَانِي فَعَلْنَ وَقَعَتْ رُومٍ كِلاَ = تَنْزِيْلِ شُعَرَا وَغَيْرَ ذِي صِلاَ
(89) فَأَيْنَمَا كَالنَّحْلِ صِلْ وَمُخْتَلَفْ = في الشُّعَرا الأَحْزَابِ وَالنِّسَا وَصَفْ
(90) وَصِلْ فَإلَّمْ هُودَ أَلَّنْ نَجْعَلاَ = نَجْمَعَ كَيْلاَ تَحْزَنُوا تَأْسَوْا عَلَى
(91) حَجٌّ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَقَطْعُهُمْ = عَنْ مَنْ يَشَاءُ مَنْ تَوَلَّى يَوْمَ هُمْ
(92) وَمَالِ هَذَا وَالَّذِيْنَ هَؤُلاَ = تَحِيْنَ فِي الإِمَامِ صِلْ وَوُهِّلاَ
(93) وَوَزَنُوهُمُ وَكَالُوهُمْ صِلِ = كَذَا مِنَ الْ وَهَا وَيَا لاَ تَفْصِلِ
أ- المقطوعُ والموصولُ
ولمَّا كانَ القارئُ يحتاجُ في الوقفِ إلى معرفةِ المَقطوعِ والمَوْصولِ؛ بيَّنهما بقولِه:
(79) "واعرِفْ لِمقطوعٍ ومَوْصولٍ" – بزيادةِ اللاَّمِ للتَّأكيدِ – "و" اعرِفْ "تا" التَّأنيثَ، الَّتي تُكتَبُ تاءً مفتوحةً لا هاءً مربوطةً. كما أنَّ ذلك موجودٌ "في مُصحَفِ الإمامِ" عُثمانِ بنِ عفَّانَ – رضيَ اللُه عنهُ – الذي اتَّخذَهُ لنفسِهِ، "فيما قد أتَى" رسْمُهُ فيهِ.
وَتَعْبُدُوا يَاسِينَ ثَانِي هُودَ لاَ = يُشْرِكْنَ تُشْرِكْ يَدْخُلَنْ تَعْلُوا على
أَنْ لاَ يَقُولُوا لاَ أَقُولُ إَنْ مَا = بالرَّعْدِ وَالْمَفْتُوحَ صِلْ وَعَنْ مَا
(80) "فاقطَعْ بعشرِ كلماتٍ". يعني: فاقطَعْ كلمةَ "أنْ" النَّاصِبةَ للاسْمِ أو للْفعلِ، بأنْ ترسُمَهَا مقطوعةً عنِ لاَ النَّافيةِ في عشْرَةِ مواضعَ. وهي:
1- {أَنْ لاَ مَلْجَأَ} [التوبة: 118].
2- و {وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ} [هود: 14].
(81) و { أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ }[يس: 60].
3- و { أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ } [هود: 26]. بخلافِه في أوَّلِهَا فإنَّهُ موصولٌ.
4- و { أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ باللهِ شَيْئًا }[الممتحنة: 12].
5- و { أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي شَيْئًا }[الحج: 26].
6- و { أَنْ لاَ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ } [القلم: 24].
7- و { أَنْ لاَ تَعْلُوا عَلَى اللهِ } [الدخان: 44].
(82) و { أَنْ لاَ يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [الأعراف: 169].
و{ أَنْ لاَ أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ}[الأعراف: 105].
وما عدا العشْرَةَ نحوُ { أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ }[هود: 2]، و { أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً } [طه: 89]، و { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }[النجم: 38] موصولٌ، لا ترسمُ فيه النُّونُ.
قَطْعُ "إنْ مَا" وَوَصْلُهَا
واقْطَعْ "إن ما" في قولِهِ – تعالَى -: { وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ } [الرعد: 40] بـ "الرَّعدُ".
وما عداهُ نحوُ: { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ }[يونس: 46] بـ "يونس"، و "غافر" [غافر: 77]، و { وَإِمَّا تَخَافَنَّ }[الأنفال: 58] بِـ "الأنفال"، و { فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا }[مريم: 26] بـ "مريم" موصولٌ.
وَصْلُ "أمْ مَّا"وأمَّا "المفتوحُ" الهمزةِ "صِل" ميمٌ "أَمْ" منهَا بـ "مَا" الاسميَّةِ. نحوُ {أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ}[الأنعام: 143] بـ "الأنعام". و { أَمَّا يُشْرِكُونَ }[النمل: 59] و{أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[النمل: 84] كلاهما في "النَّمل".
قطعُ "عنْ مَا" "من ما" وَوَصْلُهُمَا
قَطْعُ "أمْ مَّنْ" وَوَصْلُهَا
(83) و { عَنْ مَا نُهو عَنْهُ } [الأعراف: 166] بـِ "الأعرافِ" اقطعُوا. وما عدَاهُ نحوُ { عَمَّا يَقُولُونَ} [الإِسراء: 43] و [المائدة: 73]، و { عَمَّا يُشْرِكُونَ }[الأعراف: 190] [التوبة: 31]، و { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ: 1]، و { عَمَّا قَلِيلٍ }[المؤمنون: 40] موصولٌ.
واقْطَعُوا: { مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [الروم: 28] بروم. أي: بِسُورةِ "الرُّومِ والنِّسِا". { وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [المنافقين: 10] بـ "المنافقين".
ولَكِنْ
"خُلْفُ" ما في "المنافقين" ثَبَتَ ففي بعضِ المصاحفِ مقطوعٌ، وفي بعضِها
موصولٌ. ووجْهُ القطعِ فيهِ – وفيمَا يأتي ممَّا اختُلِفَ فيه- كونُ
الأصْلِ انفصالَ إحدى الكَلمتيْنِ عنِ الأُخرى. وَوَجْهُ الوَصْلِ
التَّقويةُ وقصدُ الامتزاجِ. وفي نسخةٍ بدَلُ "مِنْ مَا برُومٍ والنِّسَا"
مِن مَا مَلَكَتْ برومٍ النِّسَا.
(84) "أمْ مَنْ أَسَّسَا" – بألفِ الإطلاقِ – أي: واقطَعْ "أمْ مَن" في قولِهِ تعالَى -: { أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} [التوبة: 109] في "التوبة". مِن قولِهِ: { أَمْ مَنْ يَأْتِي ءَامِنًا }[فصلت:40] في "فصلت". ومن قولِهِ: { أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وكيلا} [النساء: 109] في "النِّساءِ". وقولُهُ { أَمْ مَنْ خَلَقْنَا }[الصافات: 11] في "ذِبْحٍ" أي: "الصَّافاتِ". سُمِّيَتْ بِهِ لقولِهِ تعالى فيها: { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}[الصافات: 107].
وما عدا ذلكَ نحوُ { أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي } [يونس: 35]، و { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ }[النمل: 60]، و { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } [النمل: 62] موصولٌ.
قطعُ "حيث ما"
واقطعُوا "حيثُ ما" من قولِهِ تعالى: { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }[البقرة: 144، 150] أي نحوُهُ. في موضعي البقرةِ.
قَطْعُ "أَنْ لَمْ"
واقطَعُوا "أَنْ لَم" المفتُوحَ همزتُهُ حيثُمَا وقعَ. نحوُ: { ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ }.
[الأنعام: 131]، {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد:7].
قَطْعُ "إنَّ مَا" وَوَصْلُهَا "كَسْرُ" "إنَّ مَا" يعني: واقطعُوا "إنَّ مَا" المكسورةَ مِن قولِهِ تعالَى: { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآَتٍ } [الأنعام: 134] في "الأنعام" – بنقلِ حركةِ الهمزَةِ إلى اللاَّمِ، والاكتِفاءِ بهَا عن همزةِ الوَصْلِ-.
وما عداهُ نحْوُ { إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ } [طه: 69]، و { إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ } [المرسلات: 7] موصولٌ.
قَطْعُ "أنَّ مَا" وَوَصلُهَا
قَطْعُ "كلِّ مَا" وَوَصْلُهَا
"معًا" أي في "الحجِ"، و "لقمانَ".
"وخُلْفُ" ما في "الأنفال" – بدرجِ الهمْزَةِ – "ونحل" أي: وفي "النَّحل" من قولِهِ تعالَى: – في الأولى: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ } [الأنفال: 41]، وقولِهِ في الثَّانيةِ: { إِنَّ مَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[النحل: 95] "وقعا" – بألِفِ الإطلاقِ -.
وما عدَاها نحوُ: { فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } [المائدة: 92] موصولٌ.
وَصْلُ "بئسَ مَا" وقَطْعُهَا
كذَا "قُلْ بئسَمَا" والوصْلَ صِف
(86) واقطعُوا لامَ { وَءَاتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ }[إبراهيم: 34] بـ "إبراهيم". "واخْتُلِفْ" في قطعِ: {كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ} [النساء: 91] بـ "النساءِ"، { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ } [الأعراف: 38] بـ "الأعراف"، و { كُلَّمَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا }[المؤمنون:44] بـ "المؤمنينَ"، و {كُلَّمَا أُلْقِيَ فيهَا فَوْجٌ}[الملك: 8] بـ "الملك".
وما عدَا ذلكَ نحوُ: { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ }[البقرة: 87]، و{ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ }[النساء: 56]، و { كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ }[المائدة: 64] مَوْصُولٌ.
وقد
نبَّهَ الزَّجَّاجُ على أنَّ "كُلَّمَا" إن كانت ظَرْفًا كُتِبتْ
مَوْصولةً. أو شَرْطًا فمقطوعةً. فهي إنْ لم تَحْتَمِلِ الظرفيَّةَ
كقولِهِ: { وَءَاتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [إبراهيم: 34] فمقطوعةٌ، وإن احْتَمَلَتْهَا وعَدَمَهَا؛ كالمواضعِ المذكورةِ آنفًا؛ ففيها خِلافٌ. وإن تعيَّنَت الظَّرفيَّةُ فموصولةٌ.
كذا اخْتُلِفَ في قطعِ "بئسَ مَا" مِن قولهِ: { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ }[البقرة: 93] بـ "البقرة".
"والوصْلَ صِفْ" في { بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي } بـ "الأعرافِ"، و { بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ } [البقرة: 90] بـ "البقرة".
وما عدَاها مقطوعٌ. وذلكَ في قولِهِ: { وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ } [البقرة: 102] بـ "البقرةِ"، وفي قولِهِ: { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [المائدة: 62]، { لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }[المائدة: 63] بـ "المائدة".
قَطْعُ "في مَا" وَوَصْلُهَا
ثَانِي فَعَلْنَ وَقَعَتْ رُومٍ كِلاَ = تَنْزِيْلِ شُعَرَا وَغَيْرَ ذِي صِلاَ
(87) "في مَا" اقطَعَا. أي: واقطَعْ "في" عنْ "ما" الموصولةِ في قولِهِ تعالَى -: { قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] بـ "الأنعام"، وفي قولِهِ: { لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ } [النور: 14] بـ "النور"، وفي قولِهِ تعالَى -: { فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهمْ }[الأنبياء: 102] بـ "الأنبياءِ"، وفي "يَبْلُو" من قولِه: { لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا ءَاتَاكُمْ }[المائدة: 48] و [الأنعام: 165] "معًا" أي بـ "المائدة"، و "الأنعام".
(88) وفي "ثاني فعلن" من قولهِ" { فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ }[ البقرة: 240] بـ "البقرة"، وفي قولِه تعالى -: { وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ }[الواقعة: 61] في إذا وَقَعَتْ، وفي قولِه تعالى -: { فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الزمر: 3] و{ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الزمر: 46] بـ "الزمرِ". وإلى ذلك أشارَ بقولِهِ: "كلا تنزيلٌ". وفي قولهِ: { أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا ءَامِنِينَ } [الشعراء: 146] في "شُعَرَا" أي: في "الشعراء".
وهذهِ الأحدَ عَشَرَ متَّفقٌ على قطعِهَا، إلاَّ الأخيرَ فمُخْتَلَفٌ فيه. فذكرَهُ معَ المتَّفَقِِ على قطعهِ سهوًا.
"وغير ذي" أي المواضعِ الأحدَ عشَرَ نحوُ: { فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة: 234] بـ "البقرة"، و (فِيمَا كُنْتُمْ)، و (فِيمَ أَنْتَ) "صِلاَ" أي صِلْهَا.
قَطْعُ "أَينَ مَا" وَوَصْلُهَا
(89) فـ "أينَمَا كالنَّحلِ صِلْ" أي: وَصْلُ قولِهِ تعالَى -: { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ }[البقرة: 115]، كـ "النَّحلِ" أي كَمَا تَصِلُ قولَهُ: { أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ }[النحل: 76] بـ "النَّحلِ".
"ومُختلِفْ" أي: والاختلافُ في: { أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ }[الشعراء: 92] في "الشُّعَرَاءِ"، و { أَيْنَمَا ثُقِفُوا } [الأحزاب: 61] في "الأحزابِ"، و { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ }[النساء: 78] في "النساء" وُصِفْ أي: ذكرَهُ أهلُ الرَّسمِ.
وما عدَا الثَّلاثةَ؛ نحوُ { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا }[البقرة: 148]، و { أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ }[الأعراف: 37] بـ "الأعرافِ"، و { أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ }[غافر: 73] بـ "غافر"، و { أَيْنَ مَا كَانُوا }[المجادلة: 7] بـ "قدْ سَمِعَ" مقطوعٌ.
وَصِلُ "إن لَمْ" "أَنْ لنْ" "كَيْ لاَ" وقَطْعُهَا
(90) "وَصِلْ" { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لكم } [هود: 14] في "هود". وما عَداه مقطوعٌ. نحوُ: { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا } [البقرة: 24]، { وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا } [المائدة: 73]، و { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا } [القصص: 50] مقطوعٌ.
وَصِلْ "ألن نجعلاَ" أي: { أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا }في "الكهفِ"، و { أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ }[القيامة: 3] بـ "القيامةِ".
وما عدَاهُمَا نحوُ: { أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ } [الفتح: 12]، و { أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنْسُ وَالْجِنُّ }[الجن: 5]، و { أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } [البلد: 5] مقطوعٌ.
وَصِلْ "كَيْلاَ" من قولِهِ: { لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } [آل عمران: 153] بـ "آلِ عمرانَ"، و{ لِكَيْ لاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } [الحديد: 23] بـ "الحديدِ"، و { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا}[الحج: 5] في "حجٍّ" أي في "الحجِ".
قَطْعُ "عنْ مَّنْ"، يوْمَ هُمْ" وَوَصْلُهَا
وما عدَا ذلِكَ وَهُوَ: { لِكَيْ لايَكُونَ على المُؤمِنينَ حرج }[الأحزاب: 37]. و { كَيْ لاَ يَكونَ دُولَةً} [الحشر: 7] مقطوع.
وثبتَ "قطعُهُم" في قولِهِ: { ويصرِفُه عن مَّن يشَاء } [النور: 43] و { عن مَّنْ تولَّى عن ذِكْرِنا}[النجم: 29] وما عداهُما موْصولٌ.
و"يومَ" في قولِه تعالى: { يومَ هم بارزون }[غافر: 16]، و { يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ }[الذاريات: 13]؛ لأنَّ هُمْ مرفوعٌ بالابتداءِ فيهمَا. فالمناسِبُ القطعُ.
وما عداهُمَا نحوُ: { يومِهمُ الذي يُوعَدُونَ }[المعارج: 42]، و { حتَّى يُلاقُوا يومَهُمْ الذي فيه يُصْعَقُونَ}[الطور: 45] موصولٌ. لأنَّ "هُم" مجرورٌ. فالمُناسِبُ الوَصْلُ.
قَطْعُ لاَمِ الجَرِ عَن مَجْرُورِهَا ووَصْلُهَا
وما عداها نحوُ: { فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [يونس: 35]، و { مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا } [يوسف: 11]، و { وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى } [الليل: 19] موصولٌ.
وأبو
عمرٍو يقفُ في الأربعةِ الّتي في النَّظمِ علَى "ما"، والكِسَائيُّ عليْهَا
وعلَى "اللاَّمِ"، ونافعٌ، وابنُ كثيرٍ، وابنُ عامرٍ، وعاصمٌ، وحمزةُ
يقفونَ على "اللاَّم" اتباعًا للرَّسمِ.
وما في الأربعةِ للاستفهامِ.
وَصِلْ "لاتَ حينَ"
"تَحينُ في الإمامِ صِلْ" أي: وَصِل التَّاءَ بحينَ في قولِهِ تعالَى: { وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } [ص: 3]، كمَا هُوَ في مُصحَفِ الإمامِ.
"وَوَهِّلاَ" أي: غَلّطْ قائِلَهُ – وفي نُسخةٍ "وقيلَ لاَ" – أي لاَ تَصِلْهَا بِهَا.
"ولاتَ" هي النَّافيةُ. دَخَلَتْ عليْهَا التَّاءُ علامةً لتأنيثِ الكَلمَةِ، كمَا دَخَلَتْ علَى "رُبَّ"، و "ثُمَّ" كَذِلكَ.
واختلَفَ القُرَّاءُ في الوَقْفِ علَيْهَا فالكِسَائيُّ يقِفُ
بـِ
"الهاءِ"؛لأصَالَتِهَا والباقون بـ[ـ "التَّاءِ". وقال أبو عُبَيْدٍ:
الوقفُ عندي علَى "لا" والابتداءُ بـ "تحينَ" لأنَّني نظرتُها في مُصحَفِ
الإمامِ "تحينَ". وقال: هذه التَّاء تُزادُ في "حينَ". يقالُ: هذا تحينُ
كان كَذَا.
الموصولُ والمقطوعُ حُكْمًا
(93) وَ "وَزَنُوهُمْ وكَالُوُهُمْ صِلْ" أي: صِلْهَا حُكْمًا؛ لأنَّهم لم يَكْتُبُوا بعدَ "الواوِ" أَلِفًا.
كذا
مِن أَلْ – وَلَوْ مُعَرَّفَةً – وهَا التَّنبيهِ، ويا النِّداءِ. أيْ: كذا
لا تَفْصِلْ ما بعدَ الثَّلاثةِ منها. بل صِلْهُ بهَا قِراءةً ورَسْمًا –
وإنْ كانت كلماتٍ مُستَقِلَّةً – لشِدَّةِ الامتزاجِ نَحْوُ:
الكتابِ، والرَّجلِ، والمُتقينَ.
ونحْوُهَا: أَنتُم، وهؤلاءِ، وهذَا.
ونحوُ: يَا أَيُّها، ويَا آدمُ..
فلا يُوقَفُ على "أَلْ" و "هَا" و "يَا" ويُبتدأُ:
بـ: كتابٍ، ورجلٍ، ومتقينَ.
و: أنتُم، وأولاَءِ، وذَا.
و: أيُّها، وآدمُ.
(تتمَّةٌ):
نِعِمَّا بالبقرةِ والنّساءِ، ومهْمَا بالأعرافِ، وربَّمَا بالحجرِ
موصولٌ. وكذا كلُّ كلمَةٍ على حرْفٍ واحِدٍ. نَحْوُ: باللهِ"، و "وبربهِ" …
إلاَّ ما مرَّ.
وكَذَا "حينئذٍ"، و "يومئذٍ". ونحوُ{ مَنَاسِكَكُم }[البقرة: 200]، و { أُنلزِمُكُموهَا } [هود: 38] وكذا { يا بنؤُمَّ } بـ (طه).
وأمَّا: { قالَ ابنَ أُمَّ } الأعرافُ فمفصولٌ.
ثُمَّ في المُنفصليْنِ وقفانِ، على آخرِ كلِّ كَلمَةٍ منهُمَا وقفٌ. وفي المُتَّصِلَيْنَ وقفٌ واحِدٌ آخرُ الثَّانيةِ.
و (وَيْكَأَنَّ اللهَ)،
و (يكَأنَّهُ) مَوْضِعَيِ القَصَصِ يُوصَلُ فيهمَا الياءُ بالكافِ. قالهُ
الدانيُّ في مُقْنِعِهِ، والشّاطِبيُّ في عقيلتِهِ – رضيَ اللهُ عنهُمَا –
ووقَفَ أبو عمرٍ على الكافِ، والكسائيُّ على الياءِ.
وَ (وَيْكَأَنَّ) كلمةُ تَندُّمٍ، وتَنْبيهٍ على الخَطأِ.
أ-حَذْفُ ياءِ الإِضَافَةِ وإثْبَاتُهَا
واعلمْ أن كُلَّ اسمٍ مُنادًى أضَافَهُ المُتكلِّمُ إلى نفسِهِ، فاليَاءُ منه سَاقِطةٌ نحْوُ: { يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [الأعراف: 59و65و73و85]، و { يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ }[المائدة: 20]، و { رَبِّ ارْجِعُونِ } [المؤمنون: 99]، و{ يَاعِبَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ }[الزمر:10].
إِلاَّ: { يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ } [العنكبوت: 56]، و { يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ }[الزمر: 53] فاليَاءُ ثَابِتَةٌ فيهمَا بالاتِّفاقِ واخْتَلَفَتْ المَصَاحِفُ في قولِهِ تعالى: { يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ } [الزخرف: 68].
وَسَقَطَتْ اليَاءُ بالاتِّفاقِ في نحوِ: { فَارْهَبُونِ } ([1]) و { فَاتَّقُونِ }([1]) و { وَلَا تَكْفُرُونِ}[البقرة: 152]، { وَأَطِيعُونِ } [آل عمران: 50 والشعراءُ والزخرفُ ونوح]، و { بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ }[طه: 12].
وثَبُتتْ باتِّفاقٍ في نحوِ: { وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي } [البقرة: 150]، و { يَأْتِي بِالشَّمْسِ }[البقرة: 258]، و { فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ } [آل عمران: 31].
وثَبُتَتْ قِراءةً لا رَسْمًا بخلافِ في { وَادِ النَّمْلِ } [النمل: 48] فالكَسائيُّ يقفُ باليَاءِ، والباقون بحذفِهَا. و{ الْوَادِ الْأَيْمَنِ } [القصص: 30]، و { بِهَادِي الْعُمْيِ}بالرومِ [الروم: 53]. فحمزةُ والكِسائيُّ يقفانِ بالياءِ، والباقون بحذفِهَا.
وقد عدَّ ابنُ النَّاظِمِ وغيرُهُ المواضِعَ المتَّفَقَ على حَذْفِ الياءِ فيها، والمواضعَ المُتَّفَقَ على إثباتِهَا فيهَا.
ج- حَذْفُ الواوِ وإثْباتُهَا.
وكلُّ واوٍ في الواحدِ والجمْعِ ثابتةٌ نَحْوُ: { وَيَرْجُو رَحْمَةَ ربِّه }[الزمر: 9]، و { وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}[المائدة: 15]، و { بَنُو إِسْرَائِيلَ } [يونس: 90]، و { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ }[الرعد: 39]، و { صَالُوا النَّارِ } [ص: 59]، وكـ { صَالُوا الْجَحِيمِ }[المُطَفِّفِينَ: 16].
إلاَّ أربعةَ مواضِعَ. فحُذِفَتْ فيهَا واوُ الواحِدِ. وهي: { وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ }[الإسراء: 11]، و { ويَمْحُ اللهُ الباطلَ }[الشورى: 24]، و { ويومَ يَدْعُ الدَّاعِ }[القمر: 6]، و { سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}[العلق: 18].
المنح الفكرية لنور الدين علي بن سلطان محمد القاري
قال الإمام نور الدين علي بن سلطان محمد القاري
(ت:1014هـ): (بـابُ مَعْرفـةِ المقطـوعِ والموصـولِ: ...................... = أُوحِي أَفَضْتُمْ اشْتَهَتْ يَبْلُومعَا (فَأَيْنَمَا كالنحلِ صلْ ومُخْتَلِفٌ = في الشعراءِ الأحزابِ والنساءِ وُصِفَ) العاطفونَ تَحِينَ مامِن عاطفٍ = والمُطْعِمُونَ زمانَ أينَ المُطْعِمُ
(واعرفْ لمقطوعٍ وموصولٍ وتا) أي: كنْ عَارِفًا بها وعالمًا بمواضعِ اختلافِها وقَدَّمَ المقطوعَ؛ لأنَّه الأصلُ الموضوعُ (في مصحفِ الإمامِ فيما قَدْ أَتَى)
والمرادُ بالتاءِ تاءُ التأنيثِ التى كُتِبَتْ بالتَّاءِ المجرورةِ
وحقُّها علي القياسِ أنْ تُكْتَبَ بالتاءِ المربوطةِ، فالجمهورُ يَقِفُونَ
عليها بالتاءِ متابعةً للرسمِ العثمَانيِّ، وبعضُهم يَقِفُونَ بالهاءِ، كما
فَصَّلَه الشاطبيُّ، بِناءً على قواعدِ كتابةِ العربيَّةِ، فخرَجَ بما
قرَّرْنَا نحوُ: قالَتْ، والمؤمناتُ، فإنَّه لاخلافَ فيهما رسمًا ووقفًا
عندَ جميعِ القُرَّاءِ، والمرادُ بمصحفِ الإمامِ هو مصحفُ أميرِ المؤمنينَ
عثمَانَ بنِ عفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه الذي اتَّخَذَه لنفسِه يقرأُ فيه،
كما قالَ الشيخُ زكريَّا، وليسَ هو بخطِّه كما تَوَهَّمَهُ بعضُهم على ما
ذكرَه الشيخُ خالدٌ ولعلَّه أرادَ الشارحَ اليمنيَّ حيثُ قالَ: هو المرادُ
بمصحفِ الإمامِ في البيتِ ما كتبَه أميرُ المؤمنينَ عثمَانُ رَضِيَ اللهُ
عنه لنفسِه على الخصوصِ ا.هـ. وهو وهمٌ إذ هو أَمَرَ زيدَ بنَ ثابتٍ كاتبَ
الوحيِ وغيرَه بأنْ يكتبُوا المصاحفَ المتعدِّدَةَ، وَأَرْسَلَهَا إلى
مواضعَ مختلفةٍ، واختارَ واحدًا منها لنفسِه، ولأهلِ المدينةِ، وما بقِي
منها شيءٌ، والأظهرُ أنَّ المرادَ بمصحفِ الإمامِ جنسُه الشاملُ لِمَا
اتَّخَذَهُ لنفسِه في المدينةِ ولِمَا أَرْسَلَه إلى مكَّةَ والشامِ
والكوفةِ والبصرةِ وغيرِها، ولامٌ (لِمَقْطُوعٍ)
زِيدَ لتأكيدِ التعديةِ والتقويةِ وقَصْرُ (تا) كوقفِ حمزةَ، وهو مجرورٌ
للعطفِ على مثلِه فيما قَبْلَهُ، وقدْ أبعدَ الشيخُ زكريَّا حيثُ قَطَعَهُ
عمَّا قبلَه وقالَ: واعرفْ تاءَ التأنيثِ إلخَ، وكذا قولُ المصريِّ: إنه
يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ بمعنى على، والتقديرُ اعرف الوقفَ على المقطوعِ
والموصولِ ليسَ في مَحَلِّهِ؛ لأنَّ المُرادَ ههنا مَعْرِفةُ المقطوعِ
والموصولِ رسمًا، وإنَّما يَتَرَتَّبُ عليه علمُ الوقفِ والوصلِ فرعًا،
وأمَّا قولُ ابنِ المصنِّفِ ومَن تابعَه الروميُّ: إنها بمعنَى "في" كقولِه
تعالى: { وَنَضَعَ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيومِ القيامةِ}
فليسَ في مَحَلِّه؛ ولذا قالَ المصريُّ: ولا معنَى لقولِ القائلِ: واعرفْ
في مقطوعٍ. لكني أقولُ: يمكنُ أنْ يقالَ: التقديرُ: واعرِف المرسومَ في
مقطوعٍ وموصولٍ، وتاءٍ كائنةٍ في مصحفِ الإمامِ في ما قَد وَصَلَ رسمُه
إلينا من طريقِ علمائِنا الأعلامِ. والحاصلُ أنَّهُ لاعِبْرَةَ بكتابةِ
مصاحفِ العوامِّ.
ثمَّ اعلمْ أنَّ الناظمَ (أتَى)
بجملةٍ مِن المرسومِ، وهو كثيرٌ، صُنِّفَ فيه كتابُ (المُقْنِعِ) لأبيِّ
عمرٍو الدانيِّ، ونَظَمَهُ الشاطبيُّ في الرائيَّةِ، وهي مشروحةٌ مبسوطةٌ،
وإنَّما اختارَ هذه المواضعَ المذكورةَ لما يَتَرَتَّبُ عليها من المنافعِ
المسطورةِ، أمَّا في المقطوعِ فإنَّهُ يجوزُ الوقفُ على الكلمةِ الأُولَى
وكذا الابتداءُ بالثانيَةِ، بخلافِ الموصولِ فإنَّهُ لا يجوزُ فيه كلاهما،
وأمَّا تاءُ التأنيثِ فلِمَ تَقَدَّمَ واللهُ أعلمُ.
وممَّا يجبُ التنبيهُ عليه أنَّهُ سُئِلَ مالكٌ رحمَهُ اللهُ: هلْ تُكْتَبُ المَصَاحِفُ على ما أَحْدَثَهُ الناسُ مِن الهجاءِ؟
فقالَ:
لا إلا على الكتابةِ الأُولَى. وقالَ أبو عمرٍو الدانيُّ: ولا مُخَالِفَ
له في ذلكَ مِن علماءِ الأمَّةِ وهذا معنى قولِ الشاطبيِّ في الرائيَّةِ:
وقالَ مالكٌ: القرآنُ يُكْتَبُ بالكتابِ الأَوَّلِ لامُسْتَحْدَثًا سطرًا
(فاقطعْ بعشْرِ كلماتٍ أنْ لا) ضُبِطَ بتنوينِ (كلماتٍ)
وإضافتِها، والثاني يحتاجُ إلى تقديرٍ: أي: اقطعْ (أنْ) في عشرِ كلماتِ أن
لا، والأَوَّلُ أساسٌ في المبنى وأحسنُ في المعنى، (فإنَّ لا ) مفعولُ
(اقطعْ) أو خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ تقديرُه هي أنَّ لا، حالَ كونِها
مُقْارِنَةً (معَ ملجأٍ ولا إلهَ إلا) فالأَوَّلُ قولُه تعالى في التوبةِ: { أنْ لامَلْجَأَ مِن اللهِ } والثاني قولُه في هودٍ {أنْ لا إلهَ إلا هوَ}
وفَتَحَ (مَلْجَأَ) على الحكايةِ، ويَجُوزُ جَرُّه منوَّنًا على الإعرابِ،
أو للضرورةِ، وفي نسخةٍ (ملجأَ أنْ لا إلهَ إلا) وهي أَوْلَى كما لا
يخفىَ، قالَ ابنُ المصنِّفِ: اتَّفَقَت المصاحفُ العثمانيَّةُ على قطعِ
نونِ (أنْ الناصبةِ للفعلِ، و أنَّ الناصبةِ للاسمِ، عن (لا) النافيةِ في
عشرةِ مواضعَ ا.هـ. وتبِعَه الشيخُ زكريَّا والروميُّ أيضًا، والظاهرُ أنْ
يقالَ: نونُ أنْ المفتوحةِ المُخَفَّفَةِ عن لا النافيَّةِ الداخلةِ على
الاسمِ كما تقدَّمَ، والناصبةِ الداخلةِ على الفعلِ كَمَا فى قولِه: "وَتَعْبُدُوا يسَ ثاني هودَ لا" أي و { أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ } َ الواقعةُ في سورةِ يس،
فَنصَبَ (يسَ) على الظرفيَّةِ وكانَ حقُّه أنْ يقولَ: وثاني هودَ،
بالنصبِ، فَحَذَفَ العاطفَ وَسَكَّنَ الياءَ ضرورةً، والمرادُ به قولُه
تعالى: { أنْ لاَتَعْبُدُوا إلا اللهَ } واحترزَ بثانيِها عن أَوَّلِها، فإنَّه مَوْصُولٌ بلا خلافٍ، ثمَّ قولُه: (لا) متعلِّقةٌ بقولِه: (يُشْرِكْنَ تُشْرِكُ يَدْخُلَنَ تَعْلُوا على ) أي { على أنْ لايُشْرِكْنَ باللهِ شيئًا} في المُمْتَحِنَةِ و { أنْ لاتُشْرِكَ بي شيئًا } في الحجِّ { أنْ لايَدْخُلَنَّهَا اليومَ } في (ن)، وخُفِّفَ نون (يَدْخُلَنَ) وقُطِعَتْ عمَّا بعدَها من ضميرِها المُتَّصِلِ بها رسمًا لضرورةِ الوزنِ، و { أنْ لا تَعْلُوا على اللهِ } في الدُّخَانِ، وبقيدٍ (على الألفِ احْتُرِزْ ممَّا فى سورةِ النملِ) {ألاَّ تَعْلُوا عليَّ} بتشديدِ الياءِ (أنْ لايقولُوا إلا أقولَ) أي: {أن لايقولُوا على اللهِ إلا الحقَّ} في الأعرافِ، على خلافٍ في الخطابِ والغَيْبةِ و {أنْ لا أقولَ على اللهِ إلا الحقَّ }
فيها أيضًا في أَوَّلِ السورةِ، وَأُخِّرَ للضرورةِ و (لا أقولُ) عطفٌ على
(لايقولوا) بحذفِ العاطفِ، لا أنَّ (أن) حُذِفَ ضرورةً كما تَوَهَّمَ
المصريُّ، وقالَ الروميُّ: قولُه: (أنْ لايقولُوا) عطفٌ على ما سبقَ،
وكَرَّرَ (أنَّ لا) ههنا لطولِ العهدِ، وقولُه (لا أقولُ) عطفٌ على (أنْ
لايقولُوا) بحسبِ المعنى، فتقديرُه (أنْ لا أقولَ) وإنَّما ذَكَرَ (لا)
وَحَذَفَ (أن) للوزنِ، لكن جعلَ (لا أَقُول) منصوبًا لِيَدُلَّ على تقديرِ
(أن) ا.هـ. ولا يَخْفَى أن لامعنى لطولِ العهدِ أصلًا في ذكرِ (أن لا)
فإنَّه على أصلِه وصلًا وفصلًا، والصوابُ ما قدَّمْنَاه مِن أن (لا أقول)
عطفٌ على (لايقولُوا) كما هو صحيحُ المبنى فلا يحتاجُ عطفُه على (أنْ لا
يقولُوا) بحسبِ المعنى وبهذا تَمَّت العشرةُ، والمفهومُ مِن إفادةِ الحصرِ
أنَّ كُلَّمَا جاءَ (أنْ لا) مِن غيرِها تكونُ موصولةً اتفاقًا، نحوَ { ألاَّ يَرْجِعَ إليهم قولًا } و {ألاَّ تَزِرُ وازرةٌ وزرَ أُخْرَى} إلا في سورةِ الأنبياءِ مِن قولِه: {أنْ لا إلهَ إلا أنتَ}
فإنَّهم اخْتَلَفُوا في قطعِها ووصلِها، ويمكنُ إدراجُها تحتَ عمومِ قولِه
سابقًا: (ولا إلهَ إلا)، أو يقالُ لعلَّ مختارَ الشيخِ أنَّهُ موصولٌ، وقد
ذهبَ الشيخُ زكريَّا إلى ظاهرِ كَلاَمِ المصنِّفِ رحمَهُ اللهُ حيثُ قالَ:
وما عدا العشرةَ موصولٌ، نعم قالَ اللبيبُ: والوصلُ أشهرُ، فالقطعُ هو
الأَوْلَى، فإنَّه الأصلُ، من انفصالِ إحدى الكلمتينِ عن الأخرى، ووجهُ
الوصلِ هو التقويةُ، وقصدُ الامتزاجِ، وتنزيلُه منزلةَ المحذوفِ؛ لأنَّ
النونَ لمَّا أُدْغِمَتْ بلا غُنَّةٍ فكأنَّهَا ذهبتَ بالكُلّيَّةِ لفظًا،
فسَقَطَتْ رسمًا، فيجري عليها حكمُ نونِ (جنَّةٍ) المُدْغَمَةِ، مِن
أنَّهَا لم تُرْسَمْ، فإنَّها لكمالِ اتِّصَالِها عُدَّتْ كلمةً واحدةً،
واعْتُبِرَتْ تلك الحالةُ، ثمَّ المرادُ بالوصلِ وصلٌ اعبتاريٌّ، وهو أنْ
يوجدَ هناكَ حذفُ حرفٍ لا وصلٌ صوريٌّ لِاستحالةِ اتِّصَالِ الهمزةِ
بالنونِ في الكتابةِ ثمَّ قال: (إنَّ ما بالرعدِ والمفتوحَ صلْ وعن ما) أي: وكذا اتَّفَقُوا أيضًا على قَطْعِ (إن) الشرطيَّةِ عن (ما) المُؤَكِّدَةِ في قولِه تعالى: { وإنْ مَا نُرِيَنَّكَ بعضَ الذي نَعِدُهُمْ} بالرعدِ، واتَّفَقُوا على وصلِ ميمِ (أم) (بما) الاسميَّةِ حيثُ جاءتْ، نحوُ { أمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ} بالأنعامِ، و { أمَّا يُشْرِكُونَ} و { أمَّاذا كنُتْمُ } كلاَهما بالنملِ،
لكنْ عبارةُ الناظمِ قاصرةٌ عن ذلكَ؛ لعدمِ تَقَدُّمِ (أم) هنالكَ، وأمَّا
قولُ ابنِ المصنِّفِ في هذه الأمثلِة: إنَّهُم اتَّّّّّفَقُوا على (وصلِ)
(أنْ) المفتوحةِ بما الاسميَّةِ فَوَهْمٌ، لذِكْرِهِمْ هذِه الأمثلةَ في
مُقَابَلَةِ (إن) المكسورةِ معَ (ما) , والتحقيقُ ما قَدَّمْنَا، نعم
احْتُرِزَ بقيدِ (الرعدِ) المفيدِ للحصرِ عن غيرِها ما جاءَ في سائرِ السورِ مِن قولِه تعالى: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى } في البقرةِ، { وإمَّا تَخَافَنَّ} بالأنفالِ، {فإمَّا تَريِنَّ} بمريمَ، و { إمَّا نُرِيَنَّكَ } بـ يونُسَ وغافِرٍ، فقولُه (والمفتوحَ صِلْ)
أرادَ به (أمَّا) المفتوحَ الهمزةِ ولو كانَ أصلُه (أم ما) لا (أنَّ ما)،
وإنَّما ذكَرَه بعدُ اسْتِطْرَادًا، أو لمِا بينَهما مِن نسبةِ اللفظِ
اشتباهًا، ذكرَ المصريُّ أنَّهُ قالَ في المُقْنِعِ: وقولُه: { أمَّا اشْتَمَلَتْ } هي في المصحفِ حرفٌ واحدٌ، ومَعْناها (أمْ الذي).
قلتُ:
وأطلقَ الناظمُ الحكمَ فيه ولم يُقَيِّدْهُ بموضعٍ، وهو الصوابُ،
لاتِّفَاقِ المصاحفِ عليه، وأَفْهَمَ كَلاَمُ المُقْنِعِ تَقْيِيدَه بـ (ما
اشْتَمَلَتْ) وليسَ كذلكَ. أقولُ: التَّخْطِئَةُ خطأٌ فاحشٌ على إمامِ
الكُلِّ في هذا الفنِّ، وإنَّما نشأَ هذا مِن قُصُورِ فهمِ القائلِ؛ لأنَّ
قولَه: (أمَّا اشْتَمَلَتْ) أولُ ما وقعَ في القرآنِ وقد بيَّنَه بتعليلِه
الشاملِ له ولغيرِه حيثُ قالَ: مَعْناه (أمْ شيءٍ) فكُلُّ الصيدِ في جوفِ
الفرا، فافهمْ بلا امتراءٍ.
واتَّفَقَت المصاحفُ أيضًا على قَطْعِ (عن) عن (ما) الموصولةِ في قولِه تعالى: { فلمَّا عَتَوْا عِن ما نُهُوا عنه} في الأعرافِ، وإليه أشارَ بقولِه (نُهُوا اقْطَعُوا مِن ما مَلَكَ رُومَ النساءِ)، ففي غيرِ الأعرافِ تكونُ موصولةً كَمَا في قولِه تعالى: { عَمَّا تَعْمَلُونَ } { وَلَئِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عمَّا يَقُولُونَ}و {سُبْحَانَه وتَعَالَى عمَّا يُشْرِكُونَ} و { عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} و { عَمَّا قَلِيلٌ}
هذا وقد ضُبِطَ (رومَ) بالرفعِ، والنصبِ , وهو الأَوْلَى؛ ليكونَ نصبُه
على نزعِ الخافضِ، ويُؤَيِّدُهُ ما في نسخةٍ صحيحةٍ وهي أصلُ الشيخِ
زكريَّا: (نُهُوا اقْطَعُوا ممَّا برومِ النساءِ) والمعنى أنَّ المصاحفَ اتَّفَقَتْ على قطعِ (مِن) الجارَّةِ عَن (ما) الموصولةِ نحوَ: {مِن مَامَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِن شُرَكَاءَ} بالرَّومِ، و {مِن مَامَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِن فَتَيَاتِكُمْ} بالنساءِ،
وقَدَّمَ الرُّومَ لأجلِ الوزنِ، والخِطَابُ في (اقْطَعُوا) للقُرَّاءِ
ولكَتَبةِ المصاحفِ، ومفعولُه (عَن مَانُهُوا) وما بعدَه مَعْطُوفٌ على
ماقبلَه بحذفِ العاطفِ. (خُلْفُ المُنَافِقِينَ أمْ مَن أَسَّسَا)
بالألفِ الإطلاقِ مَعْروفًا ومجهولًا، كما قُرِيءَ بهما في السبعةِ،
والأكثرُ على الأَوَّلِ وقولُه (خُلْفُ) ضبط بالرفعِ، أي خُلْفُ مافي
المنافقين ثَبَتَ، كما ذكَرَه الشيخُ زكريَّا، وبالنصبِ على أنَّهُ ظرفٌ
لاقْطَعُوا، بتقديرِ مضافٍ، أي: معَ خُلْفِ المنافقينِ، والمعنى
اخْتَلَفَتْ المصاحفُ في قطعِ {وأنْفِقُوا ممَّا رَزَقْنَاكُمْ} في المنافقينَ، بخلافِ ما عدا هذه الثلاثةَ فإنَّهُ موصولٌ اتِّفاقًا، نحوُ: {ممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} و {ممَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنا}َ، وأمَّا قولُه: {مِن مالِ اللهِ} و {مِن ماءٍ مَهِينٍ}
وشبهُهُ فمقطوعٌ، ولعلَّه قَيَّدَه بقولِه (مَالكَ) لهذا وكذا لاخلافَ في
نحوِ (ممَّنَ منعَ) و (ممَّن افترى) ونحوِ ذلكَ في أنَّ (مِن) موصولةٌ
(بِمَن) المَوْصُولَةِ، ثمَّ قولُه: (أمْ مَنْ أَسَّسَا) مَعْطُوفٌ على
مفعولِ (اقْطَعُوا) بحذفِ العاطفِ، والجملةُ بينَهما مُعْتَرِضةٌ، والمعنى
أنَّهُم اتَّفَقُوا على قطعِ (أمْ عن (مَن) الاستفهاميَّةِ في {أمْ مَن أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} في التوبةِ و {أمْ مَن يَأْتِي آمِنًا} في فُصِّلَتْ، و {أمْ مَن يكونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} بالنساءِ، و {أمْ مَنْ خَلَقْنَا} في الذَّبْحِ بكسرِ الذالِ، وهو الصافَّاتُ، لقولِه تعالى فيها: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
كما قالَ: (فُصِّلَتْ النسا وذِبْحٌ حيثُ ما) وقَصَرَ النساءَ ضرورةً،
وكذا حذْفُ العاطفِ فيهما، وقد أغربَ المصريُّ حيثُ قالَ: أبعدَ المصنِّفُ
في الدلالةِ بقولِه (وذِبْحٌ)، ولوْ قالَ (فُصِّلَتْ النساءُ خُلِقْنَا حيثُ ما)
لكانَ أقربَ كعادتِهَ ولعدمِ نظيرِه ا.هـ. وغرابةُ تعبيرِه لاتَخْفَى،
وأمَّا قولُ الروميِّ: إنَّ (النساءَ) عطفٌ على (فُصِّلَتْ) بحسبِ المعنى،
فلا معنى له؛ إذ يصحُّ مِن حيثُ المبنى، واتَّفَقُوا على وصلِ ما عدا
الأربعةَ نحوَ: {أَمَّنْ لا يَهْدِي} و {أَمَّن خَلَقَ السمواتِ} و {أَمَّنْ يُجِيبُ المُضطرَّ إذا دَعَاهُ}
فوجهُ الفصلِ كونُه الأصلَ، ووجهُ الوصلِ التقويةُ، ووجهُ الخُلْفِ
الجمعُ، ثمَّ قولُه: (حيثُ ما) مَعْطُوفُ المَحَلِّ على مفعولِ (اقطعُوا)َ،
والمعنى أنَّهُم اتَّفَقُوا على قطعِ (حيثُ) عن (ما) في مَوْضِعَي
البقرةِ، ولمْ يأتْ غيرُهُمَا، وَهُمَا قولُه تعالى: {وحيثُ ما كُنْتُم فَوَلُّوا وُجُوهَكُم شَطْرَهُ} وقولُه: {وحيثُ مَا كُنْتُم فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لئلاَّ} وقد دلَّ إطلاقُ الناظمِ على إرادةِ شمولِها وِفَاقًا للشاطبيِّ في الرائيَّةِ، وقد نصَّ (المُقْنِعُ) على موضعي البقرةِ.
و (أنْ لم المفتوحَ كسرُ إنْ ما)
بنصبِ المفتوحِ، على أنَّهُ مفعولٌ، تقديرُه: واقْطَعُوا أنْ لم المفتوحَ
همزتُه، وهو (أنْ) المصدريَّةُ عن (لم) الجازمةِ أينَما وقعتْ لإطلاقِ
حُكْمِه، نحوَ {ذلكَ أنْ لم يكنْ رَبُّكَ}في الأنعامِ، {أَيَحْسَبُ أنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} في البلدِ
(وَقَيَّدَ بالمفتوحِ احترازًا عن المكسورِ فإنَّ بعضَه مقطوعٌ وبعضَه
موصولٌ كما سيأتي) و (كسرُ إنَّ ما) منصوبٌ أيضًا على المفعوليَّةِ أي:
اقطعُوا (إنْ) المكسورةَ عن (ما) الموصولةِ بالأنعامِ فقطْ، نحوُ: {إنْ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ}
ولهذا قالَ: (الأنعامَ والمفتوحُ يَدْعُونَ معَا) إعلالُ الأنعامِ سبقَ في
الأضراسِ، وهو منصوبٌ على نزعِ الخافضِ، (والمفتوحَ) منصوبٌ، أي:
اقْطَعُوا (أنْ ما المفتوحَ) همزتُه مِن قولِه تعالى: {وأنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِه هو الباطلُ} في الحجِّ، و {أنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِه الباطلُ} في (لقمانَ) على خلافِ خطابِهِمَا وَغَيْبَتِهِمَا، وهذا معنى قولِه: (معَا) أي: في الموضعينِ جميعًا وحَذَفَ تَنْوِينَه وقفًا (وَخُلْفُ الأنفالِ)
بالنقلِ (ونحلٌ وَقَعَا) بألفِ الإطلاقِ نظرًا إلى إفرادِ لفظِ الخُلْفِِ،
أو بألفِ التثنيَّةِ نظرًا إلى وقوعِ الْخُلْفِ في السورتينِ، والتقديرُ
وَخُلْفُ مافيهما وقعَ في رسومِ المصاحفِ، وهو بمنزلةِ الاستثناءِ مِن
مفهومِ كَلاَمِه السابقِ لفًّا ونشرًا مُشَوََّشًا مِن (أنَّ) المكسورَ
والمفتوحَ معَ (ما).
والحاصلُ أنَّهُم اختلفُوا في وصلِ إنَّ ما المكسورةِ وقطعِه في قولِه تعالى: {إنَّما عندَ اللهِ هو خيرٌ لَكُمْ } في النحلِ، والوصلُ أَثْبَتُ، كما في الرائيَّةِ، والباقي موصولٌ اتِّفَاقًا، نحوُ:
{إنَّما صنعُوا كيدَ ساحرٍ} {إنَّما تُوَعَدُونَ لَصادقٌ} {إنَّما
تُوعَدُونَ لَواقعٌ} {إنَّما اللهُ إلهٌ واحدٌ} {إنَّما أنتَ منذرٌ}
{إنَّما أنا بشرٌ مِثْلُكُمْ}.
وكذا اختلفُوا في وصلِ (أنَّما) المفتوحِ وَقَطْعِه في قولِه: {واعْلَمُوا أنَّما غَنِمْتُمْ مِن شيءٍ} بالأنفالِ، والواصلُ أثبتُ، كما في الرائيَّةِ، واتَّفَقُوا على وصلِ ماعدَاه نحوُ: {يُوحَى إليَّ أنَّما إلهُكُمْ إلهٌ واحدٌ} {إنْ يُوحَى إليَّ إلا أنَّما أنا نذيرٌ مبينٌ} و {فَاعْلَمُوا أنَّما على رسولِنا البلاغُ المبينُ}،
ثمَّ اعلمْ أنَّ في كَلاَمِه ما لا يَخْفَى مِن الإيهامِ والإبهامِ،
فإنَّهُ أوهمَ أنَّ كُلاّ منهما مفتوحةٌ، وَأَبْهَمَ المكسورةَ، معَ أنَّ
في النحلِ ثمانيةَ مواضعَ غيرُ هذِهِ المكسورةِ، قالَ بحْرَقٌ: وإنَّما
تَعَيَّنَتْ؛ لكونِها اسميَّةً وماعداها فعْلَيَّةٌ {إنَّما يَبْلُوكُم} {إنَّما سُلْطَانُه} {إنَّما قَوْلُنَا لشيءٍ} أ.هـ.
وخَطَؤُهُ ممَّا لايَخْفَىَ؛ لأنَّ كُلاّ مِن المِثَالينِ الآخرينِ
اسميَّةٌ، ولا يفيدُه وقوعُ الجملِ الفعليَّةِ بعدَهما، مِن قولِه: (إذا
أَرَدْنَا) ومن قولِه: (يَتَوَلَّوْنَه) إلا بتكَلُّفٍ لا يَخلُو مِن
تَعَسُّفٍ في الجملةِ، نعم لو قالَ وما عداها عُرْفيَّةٌ لكانَ تَفْرِقَةً
منه خفيَّةً. (وكُلِّ ما سَأَلْتُمُوه واخْتَلَفْ)
بكسرِ (كُلٍّ) على الحكايةِ، وإلا فهو منصوبٌ على المفعوليَّةِ أي:
اقطعُوا لفظَ (كُلٍّ) عن (ما) في (سَأَلْتُمُوهُ) في سورةِ إبراهيمَ،
واخْتَلَفَ أربابُ الرسومِ في غيرِه فوقعَ الاختلافُ في (كُلِّ ما) (رُدُّوا كذا قلْ بِئْسَما والوصلُ صِفْ) فـ {كُلُّ مارُدُّوا إلى الفتنةِ} بالنساءِ مُخْتَلَفٌ في فصلِه وقطعِه، وكذا وقعَ الاختلافُ في {كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ} في الأعرافِ و {كُلَّماجاءَ أُمَّةً} بالمؤمنينِ و {كُلَّما أُلْقِيَ} بالْمُلْكِ،
كما نصَّ أبو عمرٍو الدانيُّ في (المُقْنِعِ) على الخلافِ في هذه
الثلاثةِ، ففي هذا قصورٌ من الناظمِ للكَلاَمِ عن مقامِ المرامِ، حتَّى
قالَ ابنُ المصنِّفِ: وعبارةُ الناظمِ لا تُفْهِمُ الخلافَ في هذه
الثلاثةِ، وأمَّا قولُ الروميِّ: وَلَعَلَّهُ سَكَتَ عنها اكتفاءً بذكرِ
واحدٍ منْها ولاشتهارِ ماعدَاه عندَهم، فعذرٌ باردٌ، وعن خطورِ الفهمِ
شاردٌ، فَنَظَمْتُ فَقُلْتُ:
وجاءَ أُمَّةٌ وَأُلْقِيَ دَخَلَتْ = فِي وَصْلِهَا وَقَطْعِهَا فَاخْتُلِفَتْ
ثاني فَعَلْنَ وَقَعَتْ رومٌ كَلاَ = تنـزيلُ شُعَرَا وغيرَهـا صِلاَ
أي: صِلَنَّ. أمرٌ بالوصلِِ مُؤَكَّدًا بالنونِ المُخَفَّفَةِ المُبْدَلَةِ ألفًا حالَ الوقفِ، أرادَ قولَه تَعَالَى: {قلْ لا أجدُ فيما أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّمًا} بالأنعامِ، و {فيما أَفَضْتُم فيه} بالنورِ، و {في ما اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ} بالأنبياءِ، و {لكنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ} بالمائدةِ، {لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتاكُم} آخرُ الأنعامِ، وإليها أشارَ بقولِه: (معَا) و {فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ مِن مَعْروفٍ} ثاني البقرةِ، وإليه أشارَ بقولِه (ثاني فَعَلْنَ) احْتِرَازًا مِن أَوَّلِه، وهو قولُه: {فيما فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بالمَعْروفِ} و {نُنْشِئُكُمْ في مَالا تَعْلَمُونَ} بالواقعةِ و {هلْ لكم مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِن شُرَكَاءَ في مارَزَقْنَاكُمْ} بالرَّومِ، {يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ في مَاهُمْ فِيه يَخْتَلِفُونَ} {أنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ في ماكانُوا فيه يَخْتَلِفُونَ} كلاهما بالزُّمَرِ، وإليه أشارَ بقولِه: (كَلاَّ تنزيلُ) قولُه تعالى: {أَتُتْرَكُونَ في مَاهَهُنَا آمِنِينَ} بالشعراءِ،
ثمَّ الضميرُ في قولِه: و (غَيْرَها صِلاَ) راجعٌ إلى سورةِ الشعراءِ؛
لكونِها أقربَ مذكورٍ؛ ولأنَّهُ المُطَابِقُ لكتبِ الرسمِ والموافقُ لما
صَرَّحَ، الشاطبيُّ في قولِه (وفي سوى الشعراءِ بِالْوَصْلِ بَعْضُهمْ)
وفي
نسخةٍ: (وغيرَ ذي صِلاَ) وفي أخرى: (وغيرَه صِلاَ) بالتذكيرِ فهو راجعٌ إلى
لفظِ الشعراءِ، والمعنى: فماعدَا الشعراءَ صلةٌ أيضًا لاختلافٍ وقعَ فيه
بخلافِ الشعراءِ؛ فإنَّهُ لا خلافِ في قطعِه، وبخلافٍ ما عدا المذكوراتِ
فإنَّه لاخلافَ في وصلِه، سواءٌ كانَ (ما) خبريَّةً أو استفهاميَّةً، نحوُ {فيما فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ بالمَعْروفِ} في أَوَّلِ البقرةِ، كما فُهِمَ مِن قيدِ (ثاني البقرةِ)، ونحوَ (فِيمَ كُنْتُمْ) (وفيمَ أَنْتَ) وقولُه تعالى: {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ يومَ القيامةِ فيما كانُوا فيه يختلفُون}
فَحَصَلَ أنَّ ما في سورةِ الشعراءِ هو الحرفُ المُتَّفَقُ على قطعِه، كما
صرَّحَ به المصنِّفُ، وسائرُ المذكوراتِ قد اخْتَلَفُوا في وصلِها
وقطعِها، وإنَّما حَكَمَ عليها بالقطعِ أولًا ثمَّ جَوَّزَ وصلَها آخر؛
إشعارًا بأنَّ القطعَ هو الأَوْلَى؛ لأنَّه هو الأصلُ في رسمِ المبنى،
فقولُ خالدٍ الأزهريِّ: وأمَّا {أَتُتْرَكُونَ في ما هَهُنَا آمِنِينَ} في الشعراءِ
فهو مِن المُخْتَلَفِ فيه فَذِكْرُهُ معَ المُتَّفَقِ عليه سهوٌ منه هو
خطأٌ فاحشٌ صَدَرَ عنه، حيثُ عكَسَ القضيَّةَ، وأمَّا قولُ ابنِ المصنِّفِ:
أي: وغيرُ هذِه الأحدَ عشرَ موضعًا صِلْه بلا خلافٍ، فَيُفْهَمُ منه أنَّ
المواضعَ الأحدَ عشرَ كُلَّها ليسَ فيها خلافٌ، وليسَ كذلكَ، لِما
تَقَدَّمَ، ولِما صرَّح أيضًا مِن أنْ قَطْعَ (في) عن (ما) الموصولةِ في
عشرةِ مواضعَ بخلافٍ، وفي موضعٍ بلا خلافٍ، ولا يُفْهَمُ الخلافُ مِن
عبارةِ الناظمِ؛ لأنَّه لم يذكرْهُ صريحًا ولا إشارةً ا.هـ. فَتَبَيَّنَ
لكَ أنَّ ضميرَ غيرِها إلى جميعِ المذكوراتِ خطأٌ ظاهرٌ وتَرَتَّبَ عليه
فسادٌ باهرٌ وقدْ غفَلَ عنه المصنِّفُ أيضًا وأمَّا قولُ الروميِّ: وقد
جزمَ الناظمُ في جميعِها بالقطعِ، والمشهورُ الاختلافُ في العشرةِ الأُولَى
منها، والجزمُ الحاديَ عشرَ فقطْ، اللهمَّ إلا أنْ يَتَرَجَّحَ عندَه
جانبُ القطعِ فيها أيضًا فغلطٌ منه، وكأنَّهُ تبِعَ خالدًا في نَقْلِه،
وقلَّدَ ابنَ المصنِّفِ في مرجعِ ضميرِ (غيرِها)، وأمَّا الشيخُ زكريَّا
فقدْ اسْتَرَاحَ في هذا المقامِ واكْتَفَى بتحصيلِ المرامِ، حيثُ قالَ:
وهذِه الأحدَ عشرَ فيها خلافٌ، إلا الأخيرَ فَمُتَّفَقٌ على قطعِه. لكنْ
غَفَلَ عَن موضعِ حَلِّه إذ قالَ (وغيرُ ذي) أي: المواضعِ الأحدَ عشرَ،
فَتَدَبَّرْ، ثمَّ قولُه:(صِلاَ) أي: صِلْهَا غيرَ صحيحٍ؛ لأنَّ مفعولَ
(صلْ) (غيرَها) وقد تبيَّنَ لكَ اضطرابُ كَلاَمِ الشيخِ زكريَّا في هذا
المَحَلِّ، وقد وقعَ في الوَحْلِ مِن جهةِ الحلِّ، ولهذا اعترضَ المصريُّ
عليه بقولِه: إنه أجْرَى الخلافَ في التي في الشعراءِ وجَزَمَ بالقطعِ في
العشرةِ وهو مُخَالِفٌ لما في المُقْنِعِ / ا.هـ.
ولا
يخفى أنَّهُ ليس مُخَالِفًا للمُقْنِعِ لاباعتبارِ أَوَّلِ كَلاَمِه ولا
بالنسبةِ إلى آخرِ مرامِه، فَتَأَمَّلْ فإنه موضعُ زللٍ، واللهُ سبحانَهُ
هو المُلْهِمُ بالصوابِ وإليه المرجعُ والمآبُ.
بصيغةِ
المجهولِ، أي: وُصِفَ الاختلافُ في السورِ الثلاثِ، قالَ اليمنيُّ: وفي
بعضِ النسخِ (اتَّصَفَ) المعنى واحدٌ، أقولُ وفيه أنَّ المَبْنَى
مُخْتَلَفٌ؛ لأنَّ الفعلَ اللازمَ لا يُبْنَى مجهولًا، ثمَّ قولُه:
(مُخْتَلِفٌ) اسمُ فاعلٍ، والتقديرُ مُخْتَلِفٌ رَسْمُه، أو الرسمُ
مُخْتَلِفٌ، وقولُه: (وُصِفَ) الجملةُ استئنافيَّةٌ، أَغْرَبَ بُحْرَقٌ
حيثُ قالَ: و (مُخْتَلِفٌ) حالٌ أي: وُصِفَ لنا مُخْتَلِفًا، وقَصَرَ
الشعراءَ والنساءَ ضرورةً، وفي نسخةٍ بَدَلَ الشعراءِ (الظُّلَّةِ) وهي
أصلُ الشيخِ زكريَّا، لِمَا جاءَ في السورةِ: {عذابُ يومِ الظُّلَّةِ} أي اتَّفَقَتْ المصاحفُ على وصلِ قولِه تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فثَمَّ وجهُ اللهِ} بالبقرةِ، وكذلكَ: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِي بِخَيْرٍ} بالنحلِ
فالفاءُ في الآيةِ الأُولَى من نفسِها، وقولُه (كالنحلِ) بالعطفِ على
المعنى، أو على أصلِ المبنى؛ لئلاَّ يَلْزَمَ التشبيهُ من جميعِ الوجوهِ
كما لايَخْفَى، ثمَّ تُصْرَفُ الأُولَى للبقرةِ؛ لأنَّها في الإطلاقِ أولُ
سورةٍ، وهي أولُ ما وقعَ فيها، وقالَ اليمنيُّ: وعُلِمَ كونُه في سورةِ
البقرةِ مِن الفاءِ في (فَأَيْنَمَا) بالفاءِ؛ لأنَّ أَيْنَمَا بالفاءِ لم
تَقَعْ غيرُها، والمعنى: صلْ بالبقرةِ كوصلِكَ بالنحلِ، وأمَّا قولُه: {أَيْنَمَا كُنْتُم تَعْبُدُونَ} في الشعراءِ وقولُه: {أَيْنَمَا ثُقِفُوا} بالأحزابِ و {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ} في النساءِ،
فأكثرُ المصاحفِ على قطعِ (أين) عن (ما) كذا ذكرَه الشرَّاحُ، والمفهومُ
مِن الرائيَّةِ أنَّ وصلَ النساءِ قليلٌ، ويستوي الأمرانِ في الأحزابِ
والشعراءِ، وأمَّا ما بَقِيَ فَمُتَّفَقٌ على قطعِه، نحوُ قولِه: {فاسْتَبِقُوا الخيراتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا} وقولِه {أَيْنَمَا كُنْتُم تَدْعُونَ}، وفي بعضِ نسخِ ابنِ المصنِّفِ: {أَيْنَمَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ}، وهو وهمٌ أوسهوُ قلمٍ و {أَيْنَمَا كُنْتُم تُشْرِكُونَ} و {أَيَنْمَا كَانُوا}
فوجهُ القطعِ الأصلُ، ووجهُ الوصلِ شبهةُ التركيبِ للجزمِ، وهو معنى قولِ
ابنِ قتيبةَ: لأنَّها أَحْدَثَتْ باتِّصَالِها مَعْنىً لم يكنْ معَ مناسبةِ
النونِ الميمَ بخلافِ حيثُ، كَمَا قالَ الجُعْبُرِيُّ (وَصِلْ فإلم هودَ
أَلَّنْ نَجْعَلاَ) بألفِ الإطلاقِ، وهو مَعْطُوفٌ بالعاطفِ المُقَدَّرِ
على (فَإِلَّمْ هودَ) وهودٌ منصوبٌ على الإضافةِ؛ لكونِها عَلَمَ السورةِ،
أو على نزعِ الخافضِ واعتبارِ الظرفيَّةِ، والمعنى أنَّ المصاحفَ
اتَّفَقَتْ على وصلِ (إن) الشرطيَّةِ بـ (لم) في قولِه تعالى: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} بهودٍ، وعلى قطعِ ما عداهَ، نحوُ: {فإنْ لَمْ تَفْعَلُوا} {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهُوا} {فإنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لكَ}
فوجهُ القطعِ هو الأصلُ، ووجهُ الوصلِ اتِّحَادُ عملٍ (إن) و (ولم) وكذلكَ
اتَّفَقُوا على وصلِ (أن) المصدريَّةِ بـ(لن) الناصبةِ في موضعينِ؛ قولِه
تعالى: {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} بالكهفِ، و {أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَه} بالقيامةِ، وعلى قطعِ مَاسِواهُمَا، نحوَ {أنْ لنَ يَنْقَلِبَ الرسولُ} و {أَن لَّنْ تقولَ الإنسُ والجنُّ} {أَن لَّنْ يَقْدِرَ عليه أحدٌ} وأمَّا قولُه: {أَلَّنْ تُحْصُوُه}
فقالَُ بعضُهم: موصولٌ، وقالَ آخرونَ: مفصولٌ، على مافي (المقنعِ) ولعلَّ
الشيخَ اختارَ الفصلَ، الذي هو الأصلُ؛ ولهذا لم يتعرَّضْ لبيانِ الخلافِ
فيه، فوجهُ القطعِ الأصلُ، معَ التنبيهِ على أنَّ العملَ للثاني، ووجهُ
الوصلِ التقويَةُ، معَ مجانسةِ الإدغامِ، وهذا معنى قولِه: (نجمعُ كَيْلاَ
تَحْزَنُوا تَأْسَوْا عَلَى) و (نَجْمَعُ) عطفٌ على (نجمعَ) و (كيلا) عطفٌ
على (فإلم) و (تَأْسَوْا) على (تَحْزَنُوا) و (على) يَتَعَلَّقُ
(بِتَأْسَوا)، والمعنى أنَّ المصاحفَ اتَّفَقَتْ على وصلِ ياءِ (الكي)
بـ(لا) في أربعةِ مواضعَ {لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا على ما فَاتَكُم} بآلِ عِمْرَانَ، {كَيْلاَ تَأْسَوا على ما فَاتَكُمْ} بالحديدِ، {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بعدِ عِلْمٍ شيئًا} بالحجِّ، {لِكَيْلاَ يكونَ عليكَ حرجٌ}
وهو الثاني مِن الأحزابِ؛ ولهذا احْتَرَزَ بقولِه (عَلَيْكَ) مِن
أَوَّلِه؛ لأنَّ مُتَعَلَّقَة على المؤمنينَ واتَّفَقَتْ على قطعِ ما
عدَاها وهو الأَوَّلُ مِن الأحزابِ {لكي لايَكُونَ على المؤمنينَ حَرَجٌ} و {كي لا يَكُونَ دُولَةً}بالحشرِ، و {لكي لا يَعْلَمَ بعدَ عَلْمٍ شيئًا} بالنحلِ، فوجهُ القطعِ الأصلُ، ووجهُ الوصلِ التقويةُ معَ تحقُّقِ عدمِ الحجزِ، وهذا معنى قولِه:
(حجٌّ عليكَ حرجٌ وقَطْعُهُمْ = عن مَن يشاءُ مَن تولىَّ يومُهم)
أي: وثالثُها: موضعُ حجٍّ، أي: ما وقعَ في سورةِ الحجِّ، ورابعُها الذي بعدَه (عليكَ حرجٌ) كما سبقَ، ثمَّ قولُه (وقَطْعُهُمْ) مبتدأٌ، أي: مقطوعُ أربابِ الرسومِ، واتِّفَاقُهُمْ على قطعِ عن (من) الموصولةِ في موضعينِ، وهما قولُه: {وَيَصْرِفُه عَن مَنْ يَشَاءُ} بالنورِ، و {عَن مَن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنا} بالنجمِ، وليسَ
ثَمَّ غيرُهما، كما نبَّه عليه ابنُ المصنِّفِ، وتبِعَه الأزهريُّ، وقدْ
قالَ في (المُقْنِعِ) وليسَ في القرآنِ غيرُهما، قالَ الجُعْبُرِيُّ: أي:
لامفصولًا ولا موصولًا، وأمَّا قولُ الشيخِ زكريَّا وتبِعَه الروميُّ:
بأنَّ ما عدَاهما موصولٌ فَوَهْمٌ منهما، وكذا اتَّقَفَتْ المصاحفُ على
قطعِ (يومٍ) عن (هُمْ) في المرفوعِ المَحَلِّ وحدَه في موضعينِ: {يومَ همُ بَارِزُونَ} بغافرٍ و {يومَ هُمْ على النارِ يُفْتَنُونَ} في الذارياتِ، واتَّفَقَتْ على وصلِ (يَومِهِمْ) المجرورةِ المَحَلِّ نحوُ: {مِن يومِهم الذي يُوعَدُون} {حتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الذي فيه يُصْعَقُونَ}،
فوجهُ القطعِ أنَّ (هُمْ) مرفوعٌ بالابتداءِ، مُنْفَصِلٌ، فيُناسِبُه
الفصلُ، معَ كونِه هو الأصلَ، ووجهُ الوصلِ أنَّ (هم) المجرورَ مُتَّصِلٌ
حُكْمًا، فيلائِمُه الوصلُ، وقد أغربَ اليمنيُّ حيثُ قالَ: وقطعُ لفظِ (هم)
الساكنِ الميمَ وقفًا ووصلًا ثابتٌ أيضًا في السورتينِ، قالَ: وإنَّما
قَيَّدْنا بالساكنِ الميمَ احترازًا من {يَوْمِهِمْ الذي} فإنَّهُ موصولٌ /
ا.هـ. ووجهُ غرابتِه أنَّ هذا فرقٌ عامٌّ لفظيٌّ لا حُكْمٌ خاصٌّ حقيقيٌّ،
معَ أنَّ ميمَ الأَوَّلينَ ليسَ ساكنًا في الوصلِ عندَ الكُلِّ، بل فيه
خلافٌ لبعضِهم، وأمَّا الوقفُ فلا فرقَ أصلًا.
(ومالَ هذا والذينَ هؤلاءِ) أي: وثبتَ قطعُهم أو وَكَذَا قطعُهم (لامَ الجرِّ) عن مجرورِها في أربعةِ مواضعَ: {مالِ هذا الكتابِ} في الكهفِ و {مَالِ هذا الرسولِ} في (الفُرْقانِ)، فالمرادُ بهذا جنسُ (هذا) الواقعِ بعدَ (مَالِ)، {فَمَالِ الذينَ كَفَرُوا} بالمَعْارجِ، {فَمَالِ هؤلاءِ القومِ} بالنساءِ، وعلى وصلِ لامِ الجرِّ بمجرورِها فيما عداها، نحوُ {فَمَا لَكُمْ} و {مَالَكَ لاَ تَأْمَنَّا} و {مَالِأَحَدٍ عَنْدَهُ}،
فوجهُ قطعِ لامِ الجرِّ هو التنبيهُ على أنَّهَا كلمةٌ برأسِها ووجهُ
وصلِها بما بعدَها تقويتُها؛ لأنَّها على حرفٍ واحدٍ؛ ولأنَّهَا غيرُ
مُسْتَقِلَّةٍ؛ ولأنَّهَا تُكْتَبُ موصولةً بما دخلتْ عليه غالبًا كما هو
قاعدةُ كتابةِ العربيَّةِ، ثمَّ (ما) في هذِه الأربعةِ للاستفهامِ،
فالجمهورُ يقفونَ اختبارًا أو اضطرارًا، لا اختيارًا على اللامِ، اتباعًا
للرسمِ، وأبو عمرٍو يقفُ في هذه الأربعةِ على (ما)، والْكِسَائِيُّ يقفُ
على (ما) في روايةٍ وعلى اللامِ في الأخرى، وفي نسخةٍ بعدَها ولأنَّهَا مِن
تتِمَّةِ المسألةِ السابقةِ، و (لا) مُتَعَلِّقَةٌ بالقضيَّةِ الللاحقةِ،
وهي قولُه:
(تَحَيَّنَ في الإمامِ صَلْ وَوُهِّلاَ)
بالألفِ الإطلاقِ وبضمِّ الواوِ وتشدِيدِها مكسورٍ، أي: ضُعِّفَ وَغُلِّطَ
قائلُه،وَنُسِبَ إلىالْوَهْلِ والْوَهْمِ ناقلُه، وفي أكثرِ النسخِ
(وقيلَ: لا) كما اقتصرَ عليه الروميُّ، اختارَه الأزهريُّ، أي: وقيلَ:
لاوصلَ، أو المعنى: لا تصلْ بل اقْطَع التاءَ عن حينَ، لكن تعبيرُه بِقِيلَ
مُشْعِرٌ بتضعيفِه وهو خلافُ ماعليه الجمهورُ، الصوابُ الأَوَّلُ، وهو
مختارُ الشيخِ زكريَّا وعليه المعولُ، فَتُكْتَبُ التاءُ مفصولةً من الحاءِ
على هذه الصورةِ {لاتَ حينَ مَناصٍ} لا
على هذه الكيفيَّةِ (لاتحين)، واعلمْ أنَّ أباعُبَيْدٍ قالَ: رُسِمَ في
الإمامِ – يعني: مصحفِ عثمَانَ رَضِيَ اللهُ عنه الخاصِّ به – لا تحينَ،
نصٌّ على أنَّ التاءَ مُتَّصِلَةٌ بحينٍ، وفي رسمِ المصاحفِ الحجازيَّةِ
والشاميَّةِ والعراقيَّةِ التاءُ مُنْفَصِلَةٌ عن حينٍ، خطأٌ، ومُتَّصِلَةٌ
بلا حكمًا، وذلكَ؛ لأنَّ (لات) في قولِ الأكثرينَ هي (لا) النافيَّةُ،
دَخَلَتْ عليها التاءُ علامةً لتأنيثِ الكلمةِ، كما دَخَلت على (رُبَّ) و
(ثمَّ) لذلكَ فقيلَ: رُبَّةَ وَثَمَّةَ، فهي زائدةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بما
قبلَها لا بما بعدَها، والمعنى ليستْ تلكَ المُدَّةُ حينَ الفرارِ، واختلفَ
القُرَّاءُ فالْكِسَائيُّ يقفُ بالهاءِ لأصالتِها، والباقونَ يقِفونَ
بالتاءِ تبعًا لرسمِها، فأجمعُوا على أنَّهُ لا يجوزُ الوقفُ على (لا) ولا
الابتداءُ بـ (تحين) وبهذا يَظْهَرُ صحَّةُ نسخةِ (وُهِّلاَ) وإنَّما
خالفَهم أبو عبيدٍ حينَ قالَ: الوقفُ عندي على (لا) والابتداءُ بقولِه:
(تحين) فيكونُ قراءةً شاذَّةً؛ لأنَّها مُخَالِفَةٌ لقواعدِ العربيَّةِ في
المبنى والمعنى، وأنَّ وَجْهَ قراءتِه بقولِه: لأنَّي نَظَرْتُها في
الإمامِ فوجدتُها (تَحِينَ) قالَ: وهذه التاءُ تُزَادُ في (حينَ) فيقالُ:
هذا تَحِينَ كانَ كذا،
وأنشدَ شعرًا:
وقالَ
القسْطلاَنِيُّ: الأكثرونَ على خلافِ ذلكَ، وحمَلُوا ماحكاه أبو عبيدٍ على
أنَّهُ ممَّا خرجَ في خطِّ المصحفِ عن القياسِ. وأمَّا قولُ المصريِّ:
فحيثُ صحَّ النقلُ عن أبي عبيدٍ أنَّهُ وجدَ ذلكَ كذلكَ في مصحفِ الإمامِ
فيكونُ كافيًا في حُكْمِ المرسومِ فيكونُ حكمُه كحكمِ غيرِه؛ إذ لافرقَ.
فمدفوعٌ، بأنَّ الفرقَ هو مُخَالفتُه للجمهورِ معَ مُخَالفتِه لسائرِ
المصاحفِ فغايتُه أنَّ وصلَه شاذٌّ، حيثُ لم يَثْبُت التواترُ في نقلِه.
(وَوَزَنُوهُمْ) بالإشباعِ (وكَالُوهُمْ صلْ) بالإشباعِ أي كَتَبَ أربابُ الرسومِ {وإذا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ}
مُوصُولِينَ أي: حُكْمًا؛ لأنَّهم لم يكتبُوا بعدَ الواوِ ألفًا، فعدمُ
الألفِ يدلُّ على أنَّ الواوَ غيرُ مُنْفَصِلَةٍ، فتكونَ مَوْصُولَةً،
بخلافِ قولِه تعالى: {وإذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}
في سورةِ الشورى؛ فإنَّ الألفَ تُكْتَبُ بعدَ الواوِ، فيجوزُ الوقفُ على
غَضِبُوا، كذا الابتداءُ بقولِه: (هم ) قالَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ: قالَ أبو
عمرٍو وعاصمٌ وعليٌّ – يعني الكِسَائِيَّ- والْأَعْمَشُ – أي: مِن
الأربعةَ عشرَ- (كَالُوهُم) حرفٌ واحدٌ – أي حكمًا – والأصلُ كالُوا لَهُمْ
فَحُذِفَت اللامُ على حدِّ: كِلْتُكَ طعامًا. فَحُذِفَت اللامُ وَأَوْقَعَ
الفعلَ على (هم) فصارا حرفًا واحدًا؛ لأنَّ الضميرَ المُتَّصِلَ معَ
ناصبِه كلمةً واحدةً، وكانَ عيسى بنُ عمرٍو يقولُ: (كَالُوهُمْ أو
وَزَنُوهُمْ) كلمتانِ، أي: كُلٌّ منهما وكانَ يقفُ على (كَالُوا) و
(وَزَنُوا) ويبتدىءُ بهم، والمعنى أنَّهُ كان يُجَوِّزُ الوقفَ على الواوِ
والابتداءَ بقولِه (هم) لا أنَّهُ كان يفعلُه اختيارًا بخلافِ القُرَّاءِ
أجمعَ؛ فإنَّهم لا يُجَوِّزُونَ الوقفَ على الواوِ أصلًا؛ ولذا قالَ أبو
عبيدٍ: الاختيارُ الأَوَّلُ، أي فإنَّ مختارَ الجمهورِ هو المعولُ. ثمَّ
اعلمْ أنَّ في معنى (وَزَنُوهُمْ) نحوَ (رَزَقْنَاهُمْ) و (أَعْطَيْنَاكَ) و
(أَنَزْلَنْاهُ) و (أَنُلْزِمُكُمُوهَا) و (أُورِثْتُمُوهَا) وأمثالِ
ذلكَ.
(كذَا مِن ألِ وهايا لاتفصلْ)
بالإشباعِ، أي: لاتَفْصِلْ مدخولَ لامِ التعريفِ مِن ألِ، ولو قمريَّةً لا
كتابةً ولا قراءةً، وكذا مدخولُ هاءِ التنبيهِ، وياءِ النداءِ وإنْ كانتْ
كلماتٍ مُسْتَقِلَّةً لشدَّةِ الامتزاجِ بينَهما في الصورةِ، نحوُ
(الْحَمْدُ) و(الحقُّ) و (الأرضُ) و (الآخرةُ)َ، ونحوُ: (يا أَيُّها) و (يا
آدمُ) و (يابُنَيَّ) ونحوَ (هَاأَنْتُمْ) و (هَؤلاءِ) و (هذا) وأمثالِ
ذلكَ، فلا يُوقَفُ على ألِ ويائِها ولا يُبْتَدَأُ، حمدُ، وحقُّ، وأرضُ،
وآخرةُ، وآدمُ، وبني، وأنتم، وأولا، وذا، في الأمثلةِ المذكورةِ، وأمثالُها
كما يفعلُه كثيرٌ مِن جهلةِ القُرَّاءِ وقفًا عليها وبدأَ بما بعدَها وقد
أخطأَ الروميُّ حيثُ قالَ في إعرابِ البيتِ: وإضافةُ الياءِ إلى الضميرِ
العائدِ إلى ألِ للمناسبةِ بينَهما في التعريفِ، فإنَّ الصوابَ أنَّ (ها)
عُطِف على (يا) وليسَ تلكَ الواوَ وعلامةَ ضمَّةِ الهمزةِ، وفي نسخةٍ
بالعكسِ، وهو الأَولَى، كما اخترْنا، لِمَا فيها مِن دفعِ التوهُّمِ، كما
لا يَخْفَى، وأيضًا (مِن) في البيتِ ليستْ زائدةً كما قرَّرْناهُ خلافًا
للروميِّ ثمَّ قولُ الناظمِ: (كذا) مَحْمُولٌ عَلَى التشبيهِ المَعْنويِّ
بينَ قولِه: (صِلْ) و (لاتَفْصِلْ) لأنَّ مؤدَّاهما واحدٌ، وإن كانَ بينَ
الأمرِ والنهيِ خلافٌ صوريٌّ، وممَّا يجبُ التنبيهُ عليه أنَّ (نِعِمَّا) و
(مَهْمَا) و (رُبَّمَا) موصولةٌ في جميعِ المصاحفِ، قالَ ابنُ
الأَنْبَارِيِّ: حَدَّثَنَا خلفٌ، قالَ: قالَ الكِسَائِيُّ: (نِعِمَّا)
حرفانِ، أي كلمتانِ؛ لأنَّ مَعْناه: نِعْمَ الشيءُ، وكُتِبَ بالوصلِ أي:
كلمةً واحدةً، ثمَّ قالَ ابنُ الأَنْبَارِيِّ: عن الكسائيِّ: ومن قطَعَ لم
يُخْطِىءْ، أي: في اللفظِ، بِناءً على الأصلِ، وإنْ أخطأَ مِن حيثُ إنَّهُ
خالفَ الرسمَ، ثمَّ كُلُّ كلمةٍ على حرفٍ واحدٍ مُتَّصِلَةٌ، إمَّا
أَوَّلًا وإمَّا آخَرَ، بخلافِ الواوِ العاطفةِ، نحوُ: (باللهِ) و
(لرسولِه) و (كلمةُ رَبِّه) و (حينئذٍ) و (يومئذٍ) موصولاتٌ و (مِمَّنْ)
كُلُّه موصولٌ، و (أَنُلْزِمُكُمُوهَا) كذلكَ وأنْ (يُمِلَّ هُوَ) مفصولٌ،
وكَتَبُوا (ابنَ أمَّ) في سورةِ الأعرافِ مفصولًا، وصورتُه (يبنؤم) بـ طه
حرفُ النداءِ موصولٌ بالياءِ، وكتَبُوا صورةَ الهمزةِ واوًا مُتَّصِلَةً
بالنونِ، ومِن المَعْلومِ أنَّ في المُنْفَصِلَيْنِ يَجُوزُ الوقفُ على
آخرِ كُلٍّ مِنْهُمَا، بخلافِ المُتَّصِلَيْنِ فإنَّهُ لا وقفَ إلا في آخرِ
الثانيَةِ، و {وَيْكَأَنَّ اللهَ} و {ويكأنَّهُ}
في موضعي القصصِ يُوصِلُ فيهما الياءَ بالكافِ، كما قالَ الدانيُّ في
مُقْنِعِه، والشاطبيُّ في عَقِيلَتِهِ، لكنْ وقفَ أبو عمرٍو على الكافِ،
والكِسَائِيُّ على الياءِ، والجمهورُ على آخرِهما، على وَفْقِ رسمِهما،
ومَعْناه: تَندَّمَ وتَنَبَّهَ على الخطأِ، فأمَّا {يا عباديَ الذينَ آمَنُوا إنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} و {ياعبادي الذينَ أَسْرَفُوا على أَنْفُسِهِمْ} فياءُ الإضافةِ ثابتةٌ فيهما اتِّفَاقًا، كما اتَّفَقُوا على حذفِها في {ياعبادِ الذينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ} في الزُّمَرِ، واخْتَلُفُوا في قولِه سبحانِه وَتَعالى: {ياعبادِ لاخوفٌ عَلَيْكُمْ} في الزُّخْرُفِ، وحذفُ ياءِ الإضافةِ أيضًا بعدَ نونِ الوقايةِ كثيرٌ، نحوُ قولِه تعالى: {فَارْهَبُونِ} و {لاتَكْفُرُونِ} و {إنْ يُرَدْنِ الرَّحْمَنُ}، وكذا مِن غيرِ نونِ الوقايةِ كقولِه {متاب} و {مآب}، ومَحَلُّ بسطِها كُتُبُ الرسمِ، ومنَها {واخْشَوْنِ} فهي محذوفةٌ بالمائدةِ في الأُولَى وهي التي بعدَها {اليومَ} وثابتةٌ في البقرةِ وهي قولُه: {واخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ} إجماعًا فيهما، كتابةً وقراءةً، وأمَّا الثانيَةُ في المائدةِ وهي التي بعدَها {ولا تَشْتَرُوا} فمحذوفةٌ رسمًا، ويُثْبِتُها أبو عمرٍو وصلًا، ومِن المحذوفاتِ ما يكونُ مِن أصلِ الكلمةِ نحوُ قولِه {وسوفَ يُؤْتِ اللهُ المؤمنينَ} و {يَقْض الحقَّ} على قراءةِ الضادِ المُعْجَمةِ و {نُنْجِ المؤمنينَ} بـ يونسَ، و {بالوادِ المُقَدَّسِ} و {وادِ النَّمْلِ}، إلا أنَّ الكِسَائِيَّ يقفُ فيه بالياءِ، و {بِهَادِ العُمْيِ} بالرومِ، إلا أنَّ حمزةَ والكِسَائِيَّ يَقِفانِ بالياءِ، و {صالِ الجحيمِ} {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} {الجوارِ المنشأتُ} {الجوارِ الكُنَّسِ}، وأمَّا قولُه: {ومِن آياتِه الجوارِ} فمحذوفةُ الياءِ أيضًا، لكنْ أثبتَها نافعٌ وأبو عمرٍو وَصْلًا، وابنُ كثيرٍ في الحالينِ، ثمَّ قولُه: {ذا الأيدِ} وكذا {والسماءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} فصحيحُ الآخرِ، لأنَّ وزنَه فَعْل، فمعنى الأيدِ القوةُ، بخلافِ { أُوِلِي الْأَيْدِ} لأنَّه جمعُ يدٍ، أصلُها يَدَي، أو جمعُ أيدٍ، وأمَّا {هادٍ} و {والٍ} و {باقٍ} و {واقٍ}
فمحذوفُ الياءِ، إلا أنَّ ابنَ كثيرٍ يُثْبِتُها وَقْفًا و {المهتدي}
بالأعرافِ ثابتةٌ، وفي غيرِه محذوفةٌ، لكن فيه الخلافُ كما سبقَ في {ومِن آياتِه الجوارِ} وأمثالُ هذا كثيرٌ مَحَلُّه الشاطبيَّةُ الصغرى وهي الرائيَّةُ من جهةِ الرسمِ، والكبرى من جهةِ اختلافِ القُرَّاءِ.
وحُذِفَت الواوُ مِن لامِ الفعلِ مِن غيرِ جازمٍ في أربعةِ مواضعَ، {يَدْعُ الإنسانُ بالشَّرِّ} و {ويمحُ اللهُ الباطلَ} و {يومَ يَدْعُ الداعِ} و {سَنَدْعُ الزبانيةَ}, وليسَ منه: {وقلْ لعبادي يقولُوا التي} كما في بعضِ المصاحفِ العوامِّ فإنَّه خطأٌ عظيمٌ في هذا المقامِ، وأمَّا {صالحُ المؤمنينَ} فبالحذفِ اتِّفَاقًا على خلافٍ في كونِه جمعًا أو مفردًا, أو أُرِيدَ به الجنسُ.
ثمَّ
اعلمْ أنَّهُ كانَ مكيٌّ يقولُ في نحوِ {يقض الحقَّ} بأنْ لا ينبغيَ
للقارئِ أنْ يقفَ عليه؛ لأنَّهُ إن وقفَ الرسمَ خالفَ الأصلَ، وإنْ وقفَ
على الأصلِ خالفَ الرسمَ، قالَ الحافظُ أبو عمرٍو الدانيُّ: وكانَ أبو
حاتمٍ سهلٌ بنُ محمدٍ وغيرُه مِن النحويِّينَ لايُجِيزُونَ الوقفَ على ذلكَ
إلا بردِّ ماحُذِفَ، وهو القياسُ في العربيَّةِ، قالَ: على أنَّ الأئمةَ
على خلافِ ذلكَ والقِراءةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ / ا.هـ.
وفيه
بحثٌ لا يَخْفَى، إذ لم يَثْبُت القِراءةُ بالوقفِ عن الصحابةِ في مثلِ
تلكَ الكلمةِ لامقطوعةً ولا موصولةً، وإنَّما ثَبَتَ على خلافِ القياسِ
رسمُ الكتابةِ، فالتحقيقُ ماقالَه المكيُّ، حيثُ لا ضرورةَ في العدولِ عن
الدرايةِ مِن غيرِ ثبوتِ الروايةِ، قالَ المصريُّ: فإنْ قلتَ كيفَ يوقفُ
على نحوِ {يُحْيِ الأرضَ} قلتُ: يوقفُ على
ذلكَ بردِّ الياءِ؛ لأنَّها حُذِفَتْ مِن الكتابةِ؛ لكراهةِ الجمعِ بينَ
صورتينِ مُتَّفِقَتَينِ، واكتفاءً بالكسرةِ التي قبلَها، وما حُذِفَ لذلكَ
لم يُحْذَفْ في الوقفِ، بل يُرَدُّ ما حُذِفَ واللهُ أعلمُ.
قلتُ:
يَرِدُ عليه أنَّ هذا خلافُ ما أجمعَ عليه القُرَّاءُ، وكأنَّهُ اختارَ
بعضَ النحاةِ في هذا الاقتفاءِ على أنَّ عروضَ الساكنِ في الوقفِ لا
يَرْفَعُ الحكمَ كسرُ ما قبلَها؛ ولذا جَوَّزَ النحاةُ أيضًا اجتماعَ
الساكنينِ حينئذٍ حيثُ لم يُعْتَبَرْ بالعارضِ.
الفوائد التجويدية للشيخ: عبد الرازق بن علي موسى
قال الشيخ عبد الرازق بن علي بن إبراهيم موسى المصري (ت: 1429هـ): (بابُ المقطوعِ والموصولِ وما يَتعلَّق بهما:
هذا البابُ أيضاً لا نَقتصرُ فيه على ما وَردَ في المقدِّمةِ بل سنضيفُ إليه ما وَردَ فيها وفي النشْرِ والعَقيلةِ إلخ. 79 - واعْرِفْ لمقطوعٍ وموصـولٍ وَتَا = فـى مصحفِ الإمامِ فيما قدَ أَتَـى 80 - فـاقطَـعْ بعشْـِر كلمـاتٍ أن لا = مــع ملجــأٍ ولا إلـــهَ إلاَّ ولا خُلْفَ في قطْعِ مِن مع ظاهرِ ذَكَروا = ممَّن جميعاً فصل ومِمَّ مُؤْتَمِرا 80 - فـاقْطَـعْ بعشْـرِ كلمـاتٍ أن لا = مــع ملجــأٍ ولا إلـــهَ إلاَّ وجـاءَ أمَّـةً وأ ألْقِــي دَخَلَــتْ = في وصلِها وقَطْعِهـا اخْتَلَفَــتْ 86 - وكـلَّ ما سَأَلْتموه قطْعـاً واختُلِفْ = رُدُّوا كذا قـلْ بئسما والوصلَ صِفْ والخُلْفُ في سورةِ الأحزابِ والشعرا = وفي النساءِ يَقِلُّ الوصلُ مُعتَمِرا كذاك في المـزمِّـلِ الوصـلُ ذُكِرْ = فـي مقنـعٍ عـن بعضِهـم وما شُهِـرْ وقِفْ على ما أو على اللامِ لكلْ = في مالِ كالفرقانِ سالَ الكهفِ قلْ 90 - وصِلْ فـإلَّمْ هـودَ أَلَّـنْ نَجْعَــلاَ = نَجمعَ كيْلاَ تَحزنوا تـأْسَوْا علــى تُقطـعُ أن عـن كـلِّ لـم ولو نَشَا = كانوا يَشَا والخُلْفُ فـي الجـنِّ فَشَـا وقِفْ للابْتِلا على أيًّا وما = لِكلِّهمْ صُحِّحَ كلٌّ منهمــا وجـاءَ إل ياســينَ بانفصـالْ = وصـحَّ وقفُ من تَلاهـا آلْ
ولما
كان الوقْفُ يَنقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ كما تقدَّمَ، وعُلمَ أن الوقفَ
الاختباريَّ بالباءِ الموحَّدةِ متعلِّقُه الرسمُ وكان القارئُ محتاجاً إلى
معرفةِ المقطوعِ والموصولِ وتاءِ التأنيثِ أمَرَ الناظمُ بمعرفتِه فقال
رحِمَه اللهُ تعالى:
أي
اعْرِفْ أيُّها القارئُ حكْمَ المقطوعِ والموصولِ وتاءِ التأنيثِ التي
كُتبتْ بتاءٍ مجرورةٍ لا بهاءٍ مربوطةٍ على ما هو مرسومٌ في المصحفِ
الإمامِ، وهو مصحفُ سيِّدِنا عثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه، أو المرادُ به جنْسُ
المصْحَفِ الشريفِ.
واعلمْ
أن فائدةَ معرفةِ الرسْمِ فيما ذُكرَ، أن القارئَ قد يَنقطعُ نفَسُهُ
فيقفُ على ما يَجوزُ قطْعُه في محَلِّ قطعِه دون ما لا يَجوزُ إلا وصلُه.
وأيضاً فإنَّ القارئَ قد يُختبرُ في ذلك فيقالُ له: كيفَ تَقفُ على نحوِ: {أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ} (هود: آية2)، من حيثُ القطْعِ والوصْلِ فيَقفُ على لفظةِ (أن) ولا يَقفُ على لفظةِ (لا). لأنه مقطوعٌ فلو كان موصولاً، نحوُ: {أَلاَّ تَعْبُدُوا} (التوبة: آية 118)
الموضعُ الأوَّلُ من سورةِ هودٍ، فيَقفُ على (ألاَّ)، والمقطوعُ هو ما كان
مقطوعاً في رسْمِ المصحفِ الشريفِ، والمرادُ بالموصولِ: ما كان موصولاً في
الرسْمِ كذلك.
واللامُ
في قولِ الناظمِ: لمقطوعٍ، زائدةٌ للتأكيدِ، وإنما قدَّمَ الناظمُ رحِمَه
اللهُ تعالى، القطْعَ على الوصْلِ، قالوا: لأنه الأصْلُ، وقدَّمَ المقطوعَ
والموصولَ على تاءِ التأنيثِ لإجماعِ القرَّاءِ عليهما بخلافِ تاءِ
التأنيثِ فإنها بحسْبِ مذاهبِهم فبعضُهم يَقفُ عليها بالهاءِ، وبعضُهم
يَقفُ عليها بالتاءِ، ثم شرَعَ في تفصيلِ ذلك فقالَ:
81 - وتَعبدُوا يـا سينَ ثـاني هـودَ لا = يشركْـنَ تُشركْ يَدخُلْـنَ تَعْلُوا على
82 - أنْ لا يَقولـوا لا أقولَ إنْ مـــا = بالرعْدِ والمفتوحَ صِــلْ وعـن ما
83 - نُهوا اقْطَعـوا مِـن مـا بِــرومٍ = خُلْفُ المنافقـينَ أمْ مَــنْ أسَّسَـا
84 - فُصِّلَتْ النِّسا وذَبْـح حيـثُ مـا = وأنْ لـم المفتـوحَ كَسـرَ إنَّ مـا
85 - الأنعام والمفتـوحَ يَدْعَـوْنَ معـا = وخُلْفُ الأنفالِ ونحْـلٍ وقَعَـــا
الكلماتُ
المقطوعةُ والموصولةُ والمختلَفُ فيها بين القطْعِ والوصْلِ التي جاءتْ في
المقدِّمةِ الجَزْرِيَّةِ ستٌّ وعشرون كلمةً، منها ما هو مقطوعٌ
بالاتِّفاقِ، ومنها ما هو موصولٌ كذلك، ومنها ما هو مختلَفٌ فيه بين
القطْعِ والوصْلِ، وسنذكرُ هذه الكلماتِ كلَّها حسْبَ ترتيبِها في
المقدِّمةِ الجَزْرِيَّةِ ليَسْهُلَ فهمُها وليكونَ بمثابةِ شرْحٍ لهذا
البابِ فنقولُ وباللهِ التوفيقُ.
قولُه: " فاقْطعَ بعشْرِ كلماتٍ"
اعلمْ أنَّ المصاحفَ اتَّفقَتْ على قطْعِ تسعَ عشرةَ كلمةً فأخبَرَ
الناظمُ أنَّ الكلمةَ الأُولى هي "أن" مفتوحةُ الهمزةِ ساكنةُ النونِ مع لا
النافيةِ جاءت في القرآنِ الكريمِ على ثلاثةِ أقسامٍ:
أوَّلُها: مقطوعٌ بالاتِّفاقِ.
وثانيها: موصولٌ بالاتِّفاقِ.
وثالثُها: مختلَفٌ فيه بينَ القطْعِ والوصلِ.
ولكلٍّ كلامٌ خاصٌّ نوضِّحهُ فيما يلي:
أما القسمُ الأوَّلُ:
فقد اتَّفقَت المصاحفُ على قطْعِ "أن" الناصبةَ للفعلِ عن "لا" ويُوقفُ
على "أن" اختباراً بالموحَّدةِ، وتُدغمُ النونُ في اللامِ لفظاً لا خطًّا
في عشْرةِ مواضعَ:
الأوَّلُ والثاني: قولُه تعالى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَ أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ} (الأعراف: آية 105)، وقولُه: {أَنْ لاَ يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ} (الأعراف: آية 169).
الثالثُ: قولُه تعالى: {وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلاَّ إِلَيْهِ} (التوبة:آية118)
الرابعُ والخامسُ: قولُه تعالى: {وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} (هود: آية 14)، وقولُه سبحانَه: {أَنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ} (هود: آية26).
الموضعُ الثاني بسورةِ هودٍ عليه السلامُ ليُخرجَ الموضعَ الأوَّلَ وهو {أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ} (هود آية: 2).
السادسُ: قولُه تعالى: { أَنْ لاَ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً}، (الحج: آية 26).
السابعُ: قولُه تعالى: {أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} (يس: آية 60)
الثامنُ: قولُه تعالى: {وَأَنْ لاَ تَعْلُوا عَلَى اللهِ} (الدخان: آية 19).
التاسعُ: قولُه تعالى: {أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً} (الممتحنة: آية 12).
العاشرُ: قولُه تعالى: {أَنْ لاَ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} (القلم: آية 24).
أما القسمُ الثاني: وهو المختلَفُ فيه بين القطْعِ والوصْلِ، فوَقَعَ في موضعٍ واحدٍ، وهو قولُه عزَّ وجلَّ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء: آية 87)، فرُسمَ في أكثرِ المصاحفِ مقطوعاً وفي أقلِّها موصولاً، والقطْعُ أشهَرُ وعليه العملُ.
وأما القسمُ الثالثُ:
وهو الموصولُ بالإجماعِ وتُدغمُ فيه النونُ في اللامِ لفظاً وخطًّا ففي
غيرِ مواضعِ القطْعِ العشرةِ المتَّفَقِ عليها والموضعِ المختلَفِ فيه نحوُ
قولِه تعالى:{أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ} الموضعُ الأوَّلُ بسورةِ سيِّدِنا هودٍ عليه السلامُ (آية:2)، وقولِه سُبْحَانَهُ:{أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ} بـ (سورةِ النملِ: آية 31)
وقولِه تعالى: {أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} بالمائدةِ (آية: 71)، وقولِه تعالى: {أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} بسورةِ طه (آية:40) ونحوِ ذلك.
الكلمةُ الثانيةُ:
"إن" مكسورةُ الهمزةِ ساكنةُ النونِ، وهي الشرطيَّةُ مع ما المؤكِّدةِ،
جاءت في التنزيلِ على قسمين، القسمُ الأوَّلُ: مقطوعٌ بالاتِّفاقِ وذلك في
مَوضعٍ واحدٍ فقط، وهو قولُه تعالى: {وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ}بسورةِ الرعدِ (آية: 40)
اتَّفقَت المصاحفُ على قطْعِ (إن) عن (ما) في هذا الموضعِ ويُوقَفُ على
"إن" اختباراً بالموحَّدةِ أو اضطراراً، وتُدغمُ النونُ في الميمِ لفظاً لا
خطًّا.
القسمُ الثاني: وهو موصولٌ باتِّفاقِ المصاحفِ.
وتُدغمُ فيه النونُ خطًّا ولفظاً وهو ما سِوى موضِعِ القطْعِ نحوُ قولِه تعالى: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} بسورةِ سيِّدِنا يونسَ عليه الصلاةُ والسلامُ (آية/46)، وقولِه سبحانَه: {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ}بسورةِ غافرٍ (آية/77)، وقولُه سبحانَه: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ} بالأنفالِ (آية/57)، وما إلى ذلك.
الكلمةُ الثالثةُ:
"أما" بفتحِ الهمزةِ مشدَّدةُ الميمِ، والمرادُ بها المركَّبَةُ من (أم) و
(ما) الاسْمِيَّةُ، وهي في القرآنِ قسمٌ واحدٌ، موصولٌ باتِّفاقٍ، فقد
اتَّفقَت المصاحفُ على وصْلِ أمْ بما ووقَعتْ في أربعةِ مواضعَ في
التنزيلِ، وهي قولُه تعالى: {أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ} في موضِعَي الأنعامِ (الآيتان/ 144،143) وقولُه تعالى: {أَمَّا يُشْرِكُونَ} (آية/59) {أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (آية/84) الموضعان في سورةِ النَّملِ، وليس منها: أَمَّا حرْفُ الشرطِ والتفصيلِ نحوُ قولِه تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ}بالضُّحَى (الآيتان/ 9-10)، وقولِه تعالى {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُه فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} بالقارعةِ (الآيتان/ 7،6)، وهو كثيرٌ في القرآنِ الكريمِ، كما أنه موصولٌ بالاتِّفاقِ في جميعِ المصاحفِ.
الكلمةُ الرابعةُ: "عن" الجارَّةُ مع ما الموصولةِ، وهي في القرآنِ على قسمين:
القسمُ الأوَّلُ: مقطوعٌ بالاتِّفاقِ وذلك في موضِعٍ واحدٍ فقط، وهو قولُه تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَا نُهُوا عَنْهُ}سورةُ الأعرافِ (آية/166)،
فقد اتَّفقَتْ المصاحفُ على قطْعِ "عن" "ما" في هذا الموضعِ، ويُوقَفُ على
(عن) اختباراً بالموحَّدةِ أو اضطراراً وتُدغمُ النونُ في الميمِ لفظاً لا
خطًّا.
القسمُ الثاني: وهو موصولٌ باتِّفاقِ المصاحفِ، وتُدغمُ فيه النونُ لفظاً وخطَّا، وهو ما عدا موضعِ القطْعِ المتَّفقِ عليه، نحوُ قولِه تعالى بالإسراءِ: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً} (الإسراء: آية 43)، وقولِه عزَّ وجلَّ: {سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص: آية 68)،
وأما "عن" الجارَّةُ مع "ما" الاستفهاميَّةِ محذوفةِ الألِفِ فموصولةٌ
باتِّفاقِ المصاحفِ، وتُدغمُ النونُ في الميمِ لفظاً وخطًّا، وذلك في موضعٍ
في التنزيلِ: وهو قولُه تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (النبأ: آية 1).
الكلمةُ الخامسةُ: "من" الجارَّةُ مع "ما" الموصولةِ جاءت في القرآنِ الكريمِ على أقسامٍ ثلاثةٍ:
أوَّلُها: مقطوعٌ باتِّفاقٍ.
ثانيها: موصولٌ كذلك.
ثالثُها: مختلَفٌ فيه بينَ القطْعِ والوصْلِ.
أما القسمُ الأوَّلُ: فقد اتَّفقَتْ المصاحفُ على قطْعِ "من" عَن "ما".
ويُوقَفُ على مِن اختباراً بالموحَّدةِ أو اضطراراً وتُدغمُ النونُ في الميمِ، لفظاً لا خطًّا وذلك في موضعين اثنين:
أوَّلُهما: قولُه تعالى: {فَمِن مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} (النساء: آية 25)
وثانيهما: قولُه تعالى: {هَل لَّكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (الروم: آية 28)
وأما القسمُ الثاني: وهو المختلَفُ فيه بينَ القطْعِ والوصْلِ فوَقعَ في موضعٍ واحدٍ في التنزيلِ، وهو قولُه تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} (المنافقون: آية 10)، فرُسِمَ في جُلِّ المصاحفِ مقطوعاً وفي أقلِّها موصولاً والقطْعُ أشهَرُ وعليه العمَلُ.
وأما القسمُ الثالثُ:
وهو الموصولُ بالإجماعِ ففي غيرِ موضِعَي القطْعِ المتَّفَقِ عليهما
وموضعِ الوصْلِ المختلَفِ فيه، والنونُ فيه مدغَمَةٌ لفظاً وخطًّا نحوُ
قولِه تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (أوَّلُ مواضِعِه سورةُ البقرةِ آية/3)، وقولِه سبحانَه: {مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} (النور: آية 33) وما إلى ذلك.
فـائـدةٌ:
إذا
دَخلَتْ (مِن) الجارَّةُ على الاسمِ الظاهرِ فاتَّفقَت المصاحفُ على
قطْعِها عنه وتُدغمُ النونُ فيه لفظاً لا خطًّا وذلك نحوُ قولِه تعالى: {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} (المؤمنون: آية 55)، {مِنْ مَالِ اللهِ} (النور: آية 33)، وقولِه سبحانَه: {مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} (السجدة: آية 8).
وإذا دَخلَتْ على مَن الموصولةِ، فاتَّفقَت المصاحفُ على وصْلِها بها، وتُدغمُ النونُ في الميمِ لفظاً وخطًّا نحوُ قولِه تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ} (البقرة: آية 140)، وقولِه سبحانَه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ} (فصلت: آية 140)، وقولِه تعالى: {وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ} (هود: آية 48)
وما إلى ذلك، وكذلك إذا دَخلَتْ "مَن الموصولةُ على "ما" الاستفهاميَّة
محذوفةِ الألِفِ فاتَّفقَت المصاحفُ على وصلِها بها وتُدغمُ فيها النونُ
لفظاً وخطًّا وذلك في موضعٍ واحدٍ في التنزيلِ وهو قولُه تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} (الطارق: آية 5)، وقد أشار إلى ما ذكرْناه في هذه الفائدةِ إمامُنا الشاطبيُّ رضيَ اللهُ عنه في كتابِه "العَقيلةُ" بقولِه:
الكلمةُ السادسةُ: (أم) مع (من) الاستفهاميَّةِ جاءت في التنزيلِ على قسمين:
أوَّلُهما: مقطوعٌ بالاتِّفاقِ.
وثانيهما: موصولٌ كذلك.
أما القسمُ الأوَّلُ:
فقد اتَّفقَت المصاحفُ على قطْعِ "أم" عـن "من" ويُوقَفُ على "أم"
اضطراراً أو اختباراً بالموحَّدةِ، وتُدغمُ الميمُ في الميمِ لفظاً لا
خطًّا وذلك في أربعةِ مواضعَ في التنزيلِ.
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} (النساء: آية 109).
الثاني: قولُه تعالى: {أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ} (التوبة: آية 109).
الثالثُ: قولُه تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} (الصافات: آية 11).
الرابعُ: قولُه تعالى: {أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ } (فصلت: آية 40).
وأما القسمُ الثاني:
فقد اتَّفقَت المصاحفُ على وصْلِ (أم) بـ(من) وتُدغمُ الميمُ في الميمِ
لفظاً وخطًّا وذلك في غيرِ مواضعِ القطْعِ الأربعةِ السالفةِ الذكْرِ، نحوُ
قولِه تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضَ} (النمل: آية 60)، وقولِه تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً} (النمل:آية 61)، وقولِه تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (النمل: آية 62)، وقولِه تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ} (الملك: آية 20) وما إلى ذلك.
الكلمةُ السابعةُ:
"حيث" مع "ما" جاءت في القرآنِ الكريمِ قسماً واحداً اتَّفقَت المصاحفُ
فيه على قطْعِ (حيث) عن (ما) وذلك في موضعين لا ثالثَ لهما في التنزيلِ.
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (البقرة:آية 144)، والتي بعدَها {وِإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} وقولُه سبحانَه: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ} (البقرة: آية 150).
الكلمةُ الثامنةُ:
"أن" مفتوحةُ الهمزةِ ساكنةُ النونِ وهي المخفَّفةُ مع "لم" الجازِمةُ
وهذه الكلمةُ وَردَتْ في التنزيلِ قسماً واحداً، اتَّفقَت المصاحفُ على
قطْعِ "أن" عن "لم" وتُدغمُ النونُ في اللامِ لفظاً لا خطًّا في عمومِ
القرآنِ الكريمِ وهي في عدَّةِ مواضعِ منها: قولُه تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} (الأنعام: آية 121)، وقولُه عزَّ شأنُه: {كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي} (النساء: آية 73)، وقولُه تعالى: {كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} (آية/ 24)، وقولُه تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} (آية/ 45) كلاهما بسورةِ يونسَ عليه السلامُ، وقولُه تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} (الأعراف: آية 92)، وقولُه تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ} (آية/ 68)، وقولُه تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ بُعْداً لِمَدْيَنَ} (آية/ 95)، الموضعان بسورةِ هودٍ، وقولُه تعالى: { كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً} (لقمان: آية7)، وقولُه سبحانَه: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (الجاثية: آية 8)، وقولُه تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} (البلد: آية 7) وما إلى ذلك.
الكلمةُ التاسعةُ: "إن" مكسورةُ الهمزةِ مشدَّدةُ النونِ مع "ما" الموصولةِ، وهذه الكلمةُ وردَتْ في التنزيلِ على ثلاثةِ أقسامٍ:
أوَّلُها: مقطوعٌ بالإجماعِ.
وثانيها: مختلَفٌ فيه بين القطْعِ والسكْتِ.
وثالثُها: موصولٌ بلا خلافٍ وإليك تفصيلُ الكلامِ على هذه الأقسامِ الثلاثةِ:
أما القسمُ الأوَّلُ: فقد اتَّفقَت المصاحفُ فيه على قطْعِ (إنَّ) عن "ما" في موضعٍ واحدٍ في القرآنِ الكريمِ، وهو قولُه تعالى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لاَتٍ} (الأنعام: آية 134).
وأما القسمُ الثاني:
وهو المختلَفُ فيه فقد رُسمَ في بعضِ المصاحفِ مقطوعاً وفي بعضِها
موصولاً، أي وُصِلَ "أن" بـ"ما" وهذا في موضعٍ واحدٍ في التنزيلِ، وهو
قولُه تعالى: {إِنَّمَا عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(النحل:آية 95)، والوصْلُ هو الأشهرُ وعليه العمَلُ.
وأما القسمُ الثالثُ:
فقد اتَّفقَت المصاحفُ فيه على وَصْلِه وذلك في غيرِ موضعِ القطْعِ
المتَّفقِ فيه على قطعِه وغيرِ الموضِعِ المختلَفِ فيه نحوَ قولِه تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ} (الرعد: آية 19)، وقولِه سبحانَه: {إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} في النساءِ (آية: 12)، والنحلِ (آية: 51)، وما إلى ذلك.
الكلمةُ العاشرةُ:
"أن" مفتوحةُ الهمزةِ مشدَّدةُ النونِ، مع "ما" الموصولةِ أيضاً، وقد جاءَ
ذكرُها في التنزيلِ على ثلاثةِ أقسامٍ: مقطوعةٌ باتِّفاقٍ وموصولةٌ كذلك،
ومختلَفٌ فيها بينَ القطْعِ والوصْلِ.
أما القسمُ الأولُ: فقد أجمَعَت المصاحفُ فيه على قطْعِ (أن) عن "ما" وثَبتَ هذا في موضعين اثنين فقط.
أوَّلُهما: بسورةِ الحجِّ {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (آية: 62).
وثانيها: بسورةِ لقمانَ {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} (آية: 30).
وأما القسمُ الثاني:
فقد اختلَفَتْ فيه المصاحفُ فرسِمَ في بعضِها مقطوعاً وفي بعضِها موصولاً
وذلك في موضعٍ واحدٍ في التنزيلِ في سورةِ الأنفالِ في قولِه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} (آية: 41)
والأشهرُ هو الوصْلُ وعليه العملُ، وهذا معنى قولِه (وخُلْفُ الأنفالِ)
وأما قولُه (ونحلٍ) راجعٌ إلى (إنما) بكسرِ الهمزةِ لأنه ذَكرَ خلافَ
النوعين معاً كما أنه ذَكرَ قطْعَهما معاً فتأمَّلْ.
وأما القسمُ الثالثُ:
فقد أجمَعَت المصاحفُ فيه على وصْلِ "أن" بـ"ما" وذلك في غيرِ موضِعَي
القطْعِ المتَّفقِ عليهما وغيرِ الموضِعِ المختلَفِ فيه، نحوُ قولِه تعالى:
{فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ}(المائدة: آية 92)، وقولِه تعالى {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} (الحديد: آية 20) وما إلى ذلك.
وقد أشارَ الحافظُ ابنُ الجَزْرِيِّ رحِمَه اللهُ تعالى إلى هذه الكلماتِ العشرِ بقولِه:
وقد
سَبقَ ذِكرُ هذه الأبياتِ الستَّةِ في أوَّلِ البابِ، وفي هذه الأبياتِ لم
يَتعرَّض الناظمُ لذكرِ (أن لا) موضعِ الأنبياءِ وتَعرَّضَ لها في النشْرِ
جـ2/148 كما تَعرَّضَ لها غيرُه ولذا ذَكرناها.
الكلمةُ الحاديةَ عشرةَ: موضِعُ الأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وتَعرَّضَ لها في النشرِ 2/148 كما تَعرَّضَ لها غيرُه ولذا ذَكرناها.
" كل " مع "ما" وهي في القرآنِ الكريمِ على ثلاثةِ أقسامٍ:
القسمُ الأوَّلُ: مقطوعٌ بالاتِّفاقِ وجاءَ في موضعٍ واحدٍ في التنزيلِ في سورةِ سيِّدِنا إبراهيمَ عليه السلامُ في قولِه تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ} (آية/34)، فقد أجمَعَت المصاحفُ في هذا الموضِعِ على قطْعِ "كل" عن "ما".
القسمُ الثاني: مختلَفٌ فيه بين القطْعِ والوصْلِ، فقد رُسمَ في بعضِ المصاحفِ مقطوعاً وفي بعضِها موصولاً، وذلك في أربعةِ مواضعَ في التنزيلِ.
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا} (النساء: آية 91)
الثاني: قولُه تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} (الأعراف: آية 38).
الثالثُ: قولُه تعالى: {كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا} (المؤمنون: آية 44).
الرابعُ: قولُه عزَّ مِن قائلٍ: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} (الملك: آية 8).
هذا
ولم يَتعرَّضْ الحافظُ ابن الجَزْرِيِّ في مقدِّمتِه إلى هذه المواضعِ
المختلِفِ فيها إلا لموضِعِ النساءِ فقط وتَعرَّضَ لها في النشْرِ 2/149
كما تَعرَّضَ لها شارِحو الجزْرِيَّةِ وغيرُهم، وقد نظَمَها العلاَّمَةُ
مُلاَّ عَلِيٌّ القاري فقالَ:
القسمُ الثالثُ:
موصولٌ بالإجماعِ، أيْ: وَصْلُ "كل" بـ"ما" وذلك في غيرِ موضعِ القطْعِ
المتَّفَقِ عليه، وفي غيرِ المواضعِ الأربعةِ المختلَفِ فيها بين القطْعِ
والوصْلِ، نحوُ قولِه تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} (البقرة آية 20)، وقولِه سبحانَه: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً} (البقرة: آية 26)، وقولِه تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ} (المائدة: آية 64)، وما إلى ذلك.
تنبيهاتٌ:
الأوَّلُ:
بالنسبةِ للخلافِ الذي في المواضعِ الأربعةِ في كلمةِ "كلما" قد اختُلِفَ
في الأشهَرِ فيها هل الوصلُ أو القطْعُ؟ أو هما مستويان؟ أقوالٌ:
منها: أنَّ الوصْلَ هو المشهورُ فيها ذَكرَ ذلك الحافظُ ابنُ الجَزْرِيِّ في النشْرِ 2/149.
ومنها:
أن الوصْلَ والقطْعَ يَستويان، جاءَ ذلك في العَقيلة بشرْحِ ابنِ القاصحِ ص
92، واتحافِ فُضَلا العشْرِ للشهابِ البنَّا آخِرَ سورةِ النساءِ ص 197،
وكتابِ نهايةِ القَوْلِ المفيدِ ص 195، والعِقْدِ الفريدِ الكبيرِ ص 97،
وملخَّصِ العِقدِ الفريدِ ص 27، وبعضِ شرَّاحِ الجزريَّةِ، كشرْحِ الشيخِ
زكريَّا الأنصاريِّ ص 68، وشرحِ ابنِ يالوشه ص55.
ومنها:
أنَّ المعمولَ به هو القطْعُ في موضِعِ النساءِ والمؤمنون، وأنَّ الوصلَ
هو المعمولُ به في موضِعِ الأعرافِ والمُلكِ ذَكرَ ذلك العلاَّمةُ
المارغنيُّ في كتابِه "النجومُ الطوالعُ" ص 170، و "دليلُ الحيرانِ شرْحُ
مورِدِ الظمآنِ" ص 226، وذَكرَ ذلك أيضاً الضبَّاعُ في "سميرُ الطالبين" ص
93، والذي أَمِيلُ إليه من هذه الأقوالِ ما قالَه العلاَّمةُ المارغنيُّ
والضبَّاعُ وعليه رُسمَ المصحفُ المصريُّ المعروفُ بمصحفِ الأزهرِ وغيرِه.
الكلمةُ الثانيةَ عشرَةَ: "بئسَ" مع "ما" وَردَتْ هذه الكلمةُ في تِسعةِ مواضعَ، وهي في القرآنِ الكريمِ على ثلاثةِ أقسامٍ، وإليك تفصيلُها:
القسمُ الأوَّلُ: مختلَفٌ فيه بينَ القطْعِ والوصْلِ وهو موضِعٌ واحِدٌ في التنزيلِ في قولِه تعالى: {قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ} (البقرة: آية 92)، في الموضعِ الثاني منها فرُسمَ في بعضِ المصاحفِ مقطوعاً وفي بعضِها موصولاً والأشهرُ الوصْلُ وعليه العملُ.
القسمُ الثاني: موصولٌ باتِّفاقٍ، أي وصْلُ "بئس" بـ"ما" وذلك في موضعين اثنين.
أوَّلُهما: قولُه تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} وهو الموضعُ الأوَّلُ من سورةِ البقرةِ (آية: 90).
وثانيهما: قولُه تعالى: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي} (الأعراف: آية 150).
القسمُ الثالثُ: مقطوعٌ باتِّفاقٍ، أي اتَّفقَت المصاحفُ على قطْعِ (بئسَ) عن "ما" وذلك ستَّةُ مواضعَ، وهي الباقيةُ من هذه الكلمةِ.
الموضعُ الأوَّلُ: قولُه تعالى: {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} وهو الموضعُ الثالثُ في سورةِ البقرةِ (آية: 90).
الموضعُ الثاني: قولُه تعالى: {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران: آية 102)، والمواضعُ الأربعةُ الباقيةُ كلُّها بسورةِ المائدةِ وهي {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (آية: 187)، {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (آية: 62) {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (آية: 63)، {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} (آية:79).
الكلمةُ الثالثةَ عشرَةَ:
"في" الجارَّةُ مع "ما" الموصولةِ، اختلَفَ كُتَّابُ المصاحفِ في هذه
الكلمةِ ويَنحصرُ اختلافُهم هذا في أربعةِ أقوالٍ وإليك بيانُها:
القولُ الأوَّلُ وفيه ثلاثةُ أقسامٍ:
القسمُ الأوَّلُ: مقطوعٌ باتِّفاقٍ، أي قَطْعُ (في) عن (ما) وذلك في موضعٍ واحدٍ، وهو قولُه تعالى: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَهُنَا آمِنِينَ} (الشعراء:آية 146).
القسمُ الثاني:
مختلَفٌ فيه بينَ القطْعِ والوصْلِ فرُسِمَ في بعضِ المصاحفِ مقطوعاً وفي
بعضِها موصولاً، والأشهرُ القطْعُ وعليه العملُ، وذلك في عشرةِ مواضعَ.
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} الموضعُ الثاني بالبقرةِ (آية: 240).
الثاني: قولُه سبحانَه: {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} بسورةِ المائدةِ (آية: 165) وآخِرِ الأنعامِ.
الثالثُ: قولُه تعالى: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} (الأنعام: آية 145).
الرابعُ: قولُه تعالى: {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} (الأنبياء: آية 14).
الخامسُ: قولُه تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفْضْتُمْ} (النور: آية 28).
السادسُ: قولُه تعالى: {فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} (الروم: آية 3).
السابعُ: قولُه تعالى: {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (الزمر: آية 61).
الثامنُ والتاسعُ: قولُه تعالى: {فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (الزمر: آية 234).
العاشرُ: قولُه تعالى: {وَنُنْشِئُكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الواقعة: آية 61).
القسمُ الثالثُ:
موصولٌ باتِّفاقِ عمومِ المصاحفِ، أي وصْلُ "في" بـ"ما" وذلك في غيرِ
موضِعٍ القطْعِ المتَّفَقِ عليه، والمواضعُ العشرةُ المختلَفُ فيها بينَ
القطْعِ والوصْلِ وذلك نحوَ قولِه تعالى: {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (آية: 34) الموضعُ الأوَّلُ من البقرةِ، وقولِه تعالى: {فِيمَا طَعِمُوا} (المائدة: آية 93)، وقولِه تعالى: {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (يونس: آية 19)
وما إلى ذلك، وذَكرَ هذا القولَ جُلُّ علماءِ التجويدِ والقراءاتِ، هذا
ولم يَتعرَّض الحافظُ ابنُ الجَزْرِيِّ في الجزْرِيَّةِ إلى الخلافِ في
المواضعِ العشرةِ بل ذَكرَ فيها القطعَ ولعلَّه اقتصَرَ عليه لشهرَتِه ولكن
تَعرَّضَ له في النشْرِ وشهَّرَ فيه القطْعَ كما تَعرَّضَ له غيرُه.
(تذييلٌ)
إذا دخلَتْ "في" الجارِّةُ على "ما" الاستفهاميَّةِ محذوفةِ الألِفِ فلا
خلافَ في وصلِها بها في جميعِ المصاحفِ، مثلُ قولِه تعالى: {فِيمَ كُنْتُمْ} (النساء: آية 97)، وقولِه تعالى: {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا} (النازعات: آية 43)، وقد أشارَ الحافظُ ابنُ الجَزْرِيِّ إلى الكلماتِ الثلاثِ التي بعد العشرِ في المقدِّمةِ الجزْرِيَّةِ بقولِه:
87 - خَلَفْتُمُوني واشتَرَوْا فـي مـا اقطَعَا = أُوحِـي أفَضْتُمْ واشتَهَتْ يَبلُـو معا
88 - ثانـي فَعلْـن وقعَت روم كِــلا = تنـزيـلُ شُعَـرَا وغيرَ ذي صِـلا
القولُ الثاني:
الوصْلُ قولاً واحداً في المواضعِ العشرةِ والقطْعُ الحادي عشرَ وهو موضعُ
الشعراءِ، ذكرَ هذا القولَ الحافظُ أبو عمرٍو الداني في المقنعِ ص 71.
القولُ الثالثُ: وهو قسمان أيضاً، أوَّلُهما: القطْعُ في المواضعِ الأحَدَ عشرَ المتقدِّمِ ذِكرُها، ثانيهما:
الوصْلُ قولاً واحداً في المواضعِ العشرةِ. والقطعُ في الحادي عشرَ وهو
موضعُ الشعراءِ، كالقسمِ الثاني عندَ الداني ذَكرَ هذا القولَ الإمامُ
الشاطبيُّ في العَقِيلةِ ص 90.
القولُ الرابعُ: ويَنقسمُ إلى قسمين:
القسمُ الأوَّلُ: القطْعُ قولاً واحداً في المواضعِ الأحدَ عشرَ.
القسمُ الثاني:
مختلَفٌ فيه بين القطْعِ والوصْلِ، وذلك في تسعةِ مواضعَ من المواضعِ
الأحدَ عشرَ باستثناءِ موضِعَي الأنبياءِ والشعراءِ ففيهما القطْعُ. ذَكرَ
هذا القولَ الإمامُ الخرَّازُ في مَوْردِ الظمآنِ ص 226.
الكلمةُ الرابعةَ عشرةَ: "أين" مع "ما" وهي في الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ على ثلاثةِ أقسامٍ:
القسمُ الأوَّلُ: موصولٌ باتِّفاقٍ أي وصْلُ النونِ من "أين" بالميمِ مِن "ما" في موضعين اثنين هما قولُه تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} (البقرة: آية 115)، وقولُه سبحانَه: {أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ}(النحل: آية 76).
القسمُ الثاني: مُختلَفٌ فيه بين القطْعِ والوصْلِ فرُسمَ في بعضِ المصاحفِ مقطوعاً وفي بعضِها موصولاً وذلك في ثلاثةِ مواضعَ:
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} (النساء: آية 78).
الثاني: قولُه تعالى: {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} (الشعراء: آية 92، 93).
الثالثُ: قولُه سبحانَه: {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا} (الأحزاب: آية 61).
القسمُ الثالثُ:
مقطوعٌ باتِّفاقٍ أي اتَّفقَت المصاحفُ على قطْعِ "أين" عن "ما" وذلك فيما
سوى الموضعين المتَّفَقِ على الوصْلِ فيهما، والمواضعِ الثلاثةِ المختلَفِ
فيها بينَ القطْعِ والوصْلِ وذلك نحوُ قولِه تعالى: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً} (البقرة: آية 148)، وقولِه تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (الحديد: آية 4)، وقولِه تعالى: {إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (المجادلة: آية 7)، وما إلى ذلك، هذا، وقد اختلِفَ في الأشهَرِ في المواضعِ الثلاثةِ المختلَفِ فيها هل القطْعُ أو الوصْلُ؟ أقوالٌ:
أُولاَها:
أن الوصْلَ والقطْعَ يَستويان في موضعِ الشعراءِ والأحزابِ، وأنَّ القطْعَ
هو الأشهَرُ في موضِعِ النساءِ وهذا هو المفهومُ من قولِ الإمامِ
الشاطبيِّ في العَقيلةِ:
الكلمةُ الخامسةَ عشرةَ: "إن" مكسورةُ الهمزةِ ساكنةُ النونِ وهي الشرطيَّةُ مع "لم" الجازمةِ وهي في كتابِ اللهِ نوعان:
الأوَّلُ:
موصولٌ باتِّفاقٍ، أي اتَّفقَت المصاحفُ فيه على وصْلِ "إن" بـ"لم"،
وتُدغَمُ النونُ في اللامِ لفظاً وخطًّا وذلك في موضعٍ واحدٍ في التنزيلِ
هو قولُه تعالى {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} (هود: آية 14).
الثاني:
مقطوعٌ باتِّفاقٍ، أي اتَّفقَت المصاحفُ فيه على قطْعِ "إن" عن "لم"
وتُدغَمُ النونُ في اللامِ لفظاً لا خطًّا ويُوقفُ على النونِ اضطراراً أو
اختباراً بالموحَّدةِ، وذلك في غيرِ الموضعِ المتَّفقِ فيه على الوصْلِ حيث
وَردَ في التنزيلِ سواءً كانت "إن" مقترِنةً بالفاءِ أمْ باللامِ أمْ
بالواوِ أمْ لم تقتَرِنْ.
فمثالُ المقترِنةِ بالفاءِ نحوُ قولِه تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} (آية: 24)، وقولِه تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} (آية: 282) الموضعان بالبقرةِ، وقولِه تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} (القصص: آية 50)، ومثالُ المقترِنةِ بالواوِ نحوُ قولِه تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة: آية 67)، وقولِه تعالى: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ} (المائدة: آية 73).
ومثالُ المقترِنةِ باللامِ نحوُ قولِه تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا} (الأعراف: آية 149)، وقولِه تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً} (العلق: آية 15).
ومثالُ غيرِ المقترِنةِ بشيءٍ من هذه الحروفِ الثلاثةِ نحوُ قولِه تعالى: {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} (الكهف: آية 6) وما إلى ذلك.
وأما إنْ الشرطيَّةُ مع "لا" النافيةِ فاتَّفقَت المصاحفُ على وصلِها بها وإدغامِ النونِ في اللام لفظاً وخطًّا نحوُ قولِه تعالى: {إِلاَّ تَفْعَلُوه} (الأنفال: آية 73) وقولِه تعالى: {إِلاَّ تَنْفِرُوا} (التوبة: آية 39)، {إِلاَّ تَنْصُروه} (التوبة: آية 40).
الكلمةُ السادسةَ عشرةَ: "أن" المصدريَّةُ مفتوحةُ الهمزةِ مخفَّفةُ النونِ مع "لن" وَردَتْ هذه الكلمةُ في القرآنِ على ثلاثةِ أقسامٍ:
القسمُ الأوَّلُ: موصولٌ باتِّفاقٍ وذلك في موضعين وهما {أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} (الكهف: آية 48)، {أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} (القيامة: آية 3)، هذا هو القسمُ الأوَّلُ منها.
القسمُ الثاني: مختلَفٌ فيه بين القطْعِ والوصْلِ وذلك في موضعٍ واحدٍ في القرآنِ الكريمِ، وهو قولُه تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} (المزمل: آية 20)، فرُسِمَ في جُلِّ المصاحفِ مقطوعاً وفي أقلِّها موصولاً، والقطْعُ هو الأشهَرُ وعليه العمَلُ.
هذا:
ولم يَتعرَّض الناظمُ لهذا الموضعِ في المقدِّمةِ الجزْرِيَّةِ ولا في
النشْرِ, ولا غيرُه من العلماءِ, وتَعرَّضَ لها الحافظُ أبو عمرٍو الداني
في المقنعِ وكذلك الإمامُ الخرَّازُ في موْرِدِ الظمآنِ وشهَّرَ فيه
القطْعَ وفيه يقولُ:
والقسمُ
الثالثُ: مقطوعٌ باتِّفاقٍ، أي اتَّفقَت المصاحفُ على قطْعِ "أن" عن "لن"
وإدغامِ النونِ في اللامِ لفظاً لا خطًّا والوقفِ على "أن" اضطراراً أو
اختباراً بالموحَّدةِ وذلك في غيرِ موضِعَي الوصْلِ المتَّفقِ عليهما،
وغيرِ الموضِعِ المختلَفِ فيه بينَ القطعِ والوصْلِ وذلك نحوُ قولِه تعالى:
{أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} (الأنبياء: آية 5)، {أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنْسُ وَالْجِنُّ} (الجن: آية 5)، وقولِه تعالى: {أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} (البلد: آية 5)، وما إلى ذلك.
الكلمةُ السابعةَ عشرةَ: "كي" الناصبةُ مع "لا" النافيةِ جاءَتْ في القرآنِ الكريمِ في سبعةِ مواضعَ وتَنقسمُ إلى قسمين:
القسمُ الأوَّلُ: موصولٌ باتِّفاقٍ، وذلك في أربعةِ مواضعَ من السبعةِ:
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} (آل عمران: آية 153).
الثاني: قولُه تعالى: {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} (الحج: آية 5).
الثالثُ: قولُه تعالى: {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} (الأحزاب:آية 50) وهو الموضعُ الثاني.
الرابعُ: قولُه تعالى: {لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} (الحديد: آية 23).
القسمُ الثاني: مقطوعٌ باتِّفاقٍ، أي اتَّفقَت المصاحفُ على قطْعِ "كي" عن "لا" وذلك في ثلاثةِ مواضعَ، وهي بقيَّةُ السبعةِ المشارِ إليها آنفاً:
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} (النحل: آية 70).
الثاني: قولُه تعالى: {لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} (الأحزاب:آية 37) الموضعُ الأوَّلُ.
الثالثُ: قولُه تعالى: {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} (الحشر: آية 7).
الكلمةُ الثامنةَ عشرةَ:
"عن" الجارَّةُ مع "من" الموصولةِ وهي في كتابِ اللهِ تعالى قسمٌ واحدٌ
وقد اتَّفقَت المصاحفُ فيه على قطْعِ (عن) عن (من) وتُدغمُ فيه النونُ
لفظاً لا خطًّا وذلك في موضعين اثنين في التنزيلِ لا ثالثَ لهما، وهما
قولُه تعالى: {وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} (النور: آية 43)، وقولُه تعالى: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} (النجم: آية 29).
الكلمةُ التاسعةَ عشرَ:
"يوم" مفتوحُ الميمِ مع "هم" الضميرِ المنفصِلِ المرفوعِ المحلِّ، وهي في
القرآنِ الكريمِ قسمٌ واحدٌ وقد أجمَعَت المصاحفُ على القطْعِ فيه، أي
قطْعُ "يوم" عن "هم" وذلك في موضعين اثنين لا ثالثَ لهما في القرآنِ
الكريمِ.
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} (غافر: آية 16).
الثاني: قولُه تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ } (الذاريات: آية 13).
أما إذا كان الضميرُ مجرورَ المحَلِّ فاتَّفقَت المصاحفُ على وصلِه بـ"يوم" نحوُ قولِه تعالى: {حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} (الزخرف: آية 83) و (المعارج: آية 42)، وقولِه سبحانَه: {حَتَّى يُلاَقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} (الطور: آية 45) وكذلك اتَّفقَت المصاحفُ على وصْلِ كلمةِ {يَوْمِهِمْ} مكسورِ الميمِ والهاءِ، كقولِه تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} (الذاريات: آية 60).
الكلمةُ العشرون: "لام الجرِّ" مع مجرورِها وهي في القرآنِ الكريمِ قسمان:
القسمُ الأوَّلُ: مقطوعٌ باتِّفاقِ المصاحفِ العثمانيَّةِ أي قطْعُ لامِ الجرِّ عن مجرورِها وذلك في أربعةِ مواضعَ وهي:
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {فَمَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} (النساء: آية 78).
الثاني: قولُه تعالى: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ} (الكهف: آية 49).
الثالثُ: قولُه تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} (الفرقان: آية 7).
الرابعُ: قولُه تعالى: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} (المعارج:آية 36).
وما في هذه المواضعِ الأربعةِ كلمةٌ بنفسِها استفهاميَّةٌ.
القسمُ الثاني:
موصولٌ باتِّفاقِ المصاحفِ العثمانيَّةِ، أي وصْلُ لامِ الجرِّ بمجرورِها
وذلك في غيرِ مواضعِ القطْعِ الأربعةِ المتقدِّمةِ كقولِه تعالى: {فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (يونس: آية 35)، وقولِه سبحانَه: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} (الصافات: آية 154)، وقولِه تعالى: {وَمَا لأَِحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} (الليل: آية 19)، وما إلى ذلك.
هذا
والمفهوم من كلامِ المقدِّمةِ الجزْرِيَّةِ أن الوقْفَ في حالةِ الاختبارِ
بالموحَّدةِ أو الاضطرارِ في مواضعِ القطْعِ الأربعةِ يكونُ على اللامِ،
والأصحُّ كما في النشْرِ وتقريبِه وإتْحَافِ البشَرِ وغيرِهما، جوازُ
الوقْفِ على "ما" أيضاً لأنها كلمةٌ برأسِها منفصلةٌ لفظاً وحكْماً.
وقد قال الطبَّاخُ مُشيراً إلى جوازِ الوجهين في هذه المواضعِ فقالَ:
الكلمةُ الحاديةُ والعشرون: "لات" مع "حين" في سورةِ "ص" في قولِه تعالى: {وَلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ}(آية: 3)، وليس في الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ غيرُها.
وقد
اختلِفَ في قطْعِ التاءِ عن "حين" ووصْلِها بها والصحيحُ المشهورُ الذي
عليه العملُ، قطعُها وعليه فتكونُ "ولات" كلمةً و "حين" كلمةً أخرى، وعلى
غيرِ المشهورِ وصْلُ التاءِ بحينٍ وعليه فتكونُ "ولا" كلمةً و "تحينَ"
كلمةً أخرى وهذا القولُ لا يعوَّلُ عليه.
الكلمةُ الثانيةُ والعشرون والثالثةُ والعشرون: {كَالُوهُمْ}، {وَزَنُوهُمْ} في قولِه تعالى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين: آية 3)،
وليس غيرُهما في التنزيلِ، وقد كُتِبتا في جميعِ المصاحفِ العثمانيَّةِ
موصولتين ومعنى الوصْلِ فيهما: ترْكُ رَسْمِ الألِفِ الدالَّةِ على
الانفصالِ بعدَ الواوِ في الكلمتين، وكان عدَمُ الرسْمِ للألِفِ دليلاً على
أنهما موصولتان بما بعدَهما، وعليه فلا يَجوزُ الوقْفُ على كلمةِ
{كَالُوهُمْ} أو {وَزَنُوهُمْ} دون (هم) معهما، وإنما يكونُ الوقْفُ على
كلمةِ (كَالُوهُم) بأسرِها وكذلك (وَزَنُوهُمْ).
الكلمةُ الرابعةُ والعشرون: "أل" التي للتعريفِ المعروفةُ في هذا الفَنِّ ((بلاَمِ أل)).
نحوُ: (الأرض) و (الليل) في قولِه تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} (الأنبياء: آية 31)، وقولِه تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} (النبأ: آية 10)،
وسواءً كانت شمسيَّةً أمْ قمريَّةً فقد اتَّفقَت المصاحفُ على وصلِها بما
بعدَها قراءةً ورسماً، ولا يَجوزُ الوقْفُ على "أل" والابتداءُ بـ"الأرض"
أو بـ"الليل" بل الوقفُ على كلمةِ الأرضِ بأكملِها والابتداءُ منها وكذلك
كلمةُ الليلِ ونحوُهما في التنزيلِ وهو كثيرٌ، فتأمَّلْ.
الكلمةُ الخامسةُ والعشرون: "ها" التي للتنبيهِ من كلمَتَيْ هؤلاءِ وها أنتم خاصَّةً في نحوِ قولِه تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاَءِ} في كلٍّ من: (آل عمران: آية 66) و (النساء: آية 109) و (القتال: آية 38)، وقد تَنفردُ كلمةُ هؤلاءِ وحدَها، وهي كثيرةٌ في التنزيلِ نحوَ قولِه تعالى: {كُلاّ نُمِدُّ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} (الإسراء: آية 20)،
وما إلى ذلك، فقد اتَّفقَت المصاحفُ العثمانيَّةُ على وصْلِ "ها" التنبيهِ
بما بعدَها قراءةً ورسْماً، ولا يَجوزُ الوقْفُ على "ها" والابتداءُ
بـ"أنتم" والابتداءُ منهما كذلك.
الكلمةُ السادسةُ والعشرون: "يا" التي للنداءِ نحوَ قولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ} (البقرة: آية 73)، وقولِه سبحانَه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (التوبة: آية 73)، وكذلك (التحريم: آية 9)، وما إلى ذلك.
فقد
أجمَعَت المصاحفُ العثمانيَّةُ على وصْلِ "يا" التي للنداءِ بما بعدَها
رسْماً وقراءةً ولا يَجوزُ الوقْفُ على "يا" والابتداءُ بما بعدَها، بل
الوقفُ على كلمةِ يا "أيُّها" بأسْرِها والابتداءُ منها كذلك ومثلُها يا
مريمُ، وهكذا وقد أشارَ الحافظُ ابنُ الجَزْرِيِّ في المقدِّمةِ
الجزْرِيَّةِ إلى الكلماتِ من الخامسةَ عشرَة إلى نهايةِ السادسةِ والعشرين
بقولِه:
91 - حَجٌّ عليـك حَــرَجٌ وقَطْعُهُـمْ = عَنْ مَنْ يشاءُ مَنْ تَوَلَّى يَومَ هُــمْ
92 - ومَــال هـذا والذيـن هَـؤُلاَ = تَحينَ فـي الإمـامِ صِـلْ ووُهِّـلاَ
93 - وزِنوهُـمْ، وكَــالُوهمْ صِــلْ = كـذا من الْ وَهَا وَيَا لا تَفصِــلْ
وبهذا
يَنتهي الكلامُ عن الكلماتِ المقطوعةِ والموصولةِ اتِّفاقاً واختلافاً
الواردِ ذكرُها في المقدِّمةِ الجزْرِيَّةِ، للحافظ ابنِ الجَزْرِيِّ وقد
ذَكرْنا بعضَ كلماتٍ لم تَردْ في المقدِّمةِ الجزْرِيَّةِ استطراداً
لاقتضاءِ المقامِ ذِكرَها هنا، ونَشرَعُ الآنَ بمشيئةِ اللهِ تعالى في
بيانِ الكلماتِ التي يَجبُ على قارئِ القرآنِ معرفتُها والإلمامُ بأحكامِها
لتعلُّقِها بهذا البابِ مقطوعةً أو موصولةً مما لم يَردْ له ذِكرٌ في
المقدِّمةِ الجزْرِيَّةِ في فصْلٍ خاصٍّ، فنقولُ وباللهِ التوفيقُ.
فصــلٌ فـي بيانِ الكلماتِ المقطوعةِ والموصولةِ والمختلَفِ فيها بينَ القطْعِ والوصْلِ من غيرِ المقدِّمةِ الجزْرِيَّةِ:
نَحصرُ هذه الكلماتِ في اثنتي عشرةَ كلمةً وإليك بيانَها:
الكلمةُ الأُولى: "أن" مفتوحةُ الهمْزةِ ساكنةُ النونِ مع "لـو" وَقعتْ هذه الكلمةُ في القرآنِ الكريمِ في أربعةِ مواضعَ وهي قسمان:
القسـمُ الأوَّلُ: مقطوعٌ باتِّفاقِ المصاحفِ، وذلك في ثلاثةِ مواضعَ:
الأوَّلُ: قولُه تعالى: {أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} (الأعراف: آية 100).
الثاني: قولُه تعالى: {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً} (الرعد: آية 31).
الثالثُ: قولُه سبحانَه: {أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} (سبأ: آية 14).
القسمُ الثاني: مختلَفٌ فيه بينَ القطْعِ والوصْلِ وذلك في الموضعِ الرابعِ: قولُه تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} (الجن: آية 16).
وَردَ
في بعضِ المصاحفِ مقطوعاً وفي بعضِها موصولاً وقد اختلِفَ في المشهورِ
فعندَ المغارِبَةِ القطْعُ أشهَرُ وعليه العمَلُ في مصاحفِهم، وعندَ
المشارِقَةِ الوصْلُ أشهَرُ وعليه العمَلُ في مصاحفِهم، ولا وجْهَ لإطلاقِ
بعضِ المحدَثين شهرةَ القطْعِ في هذا الموضعِ دونَ تقييدٍ كما ذَكرْنا
آنِفاً، وإلى هذا الموضعِ قال صاحبُ لآلئِ البيانِ:
الكلمةُ الثانيةُ: "ابن" مع "أم" في قولِه تعالى: {قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} (الأعراف: آية 149)،
فقد اتَّفقَت المصاحفُ العثمانيَّةُ على قطْعِ كلمةِ "ابن" عن كلمةِ "أم"
وعليه فكلمةُ "ابن" كلمةٌ و "أم" كلمةٌ أخرى أما كلمةُ "يَبْنَؤُمَّ" في
قوله تعالى: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي} (طه: آية 94)،
فاتَّفقَت المصاحفُ على وصلِها، أي وصْلِ ياءِ النداءِ بابنٍ مع حذْفِ
همْزةِ الوصْلِ ووصلِها بكلمةِ "أُم" كلمةً واحدةً وتُرسمُ هكذا
{يَبْنَؤُمَّ}.
قال
الحافظُ أبو عمرٍو الداني في المُحكَمِ: وأما رسْمُ {يَبْنَؤُمَّ} كلمةً
واحدةً وهو في الأصْلِ ثلاثُ كَلِمٍ "يا" كلمةٌ و "ابنَ" كلمةٌ و "أُمَّ"
كلمةٌ فعلى مُرادِ الوصلِ وتحقيقِ اللفظِ فذلك حذِفَت ألِفُ "يا" وألِفُ
"ابن" لعدمِهما في النطْقِ بكوْنِ الأُولى ساكنةً والثانيةِ للوصْلِ، وقد
اتَّصلَتا بالباءِ الساكنةِ من "ابن" وصوِّرتْ همزةُ "أم" المبتدأةُ واواً
لما وُصلَتْ بما قبلَها كما تُصوَّرُ الهمزةُ المضمومةُ المتوسِّطةُ من
نحوِ {يَكْلَؤُكُمْ} (الأنبياء: آية 42)، و {يَذْرَؤُكُمْ} (الشورى: آية 11) وشبَهِه فصارَ ذلك كلمةً واحدةً، ا هـ منه بلفظِه.
وبِناءً
عليه فلا يَجوزُ الوقْفُ على الياءِ والابتداءُ بما بعدَها ولا على ابنٍ
والابتداءُ بما بعدَها بل الوقْفُ على الكلمةِ بأسرِها {يَبْنَؤُمَّ}.
والابتداءُ
بكلِّها للاتِّصالِ الرسميِّ بخلافِ موضِعِ الأعرافِ فإنه يَجوزُ فيه
الوقْفُ ضرورةً أو اختباراً بالموحَّدةِ على "ابن" و على "أم" لانفصالِهما
رسْماً. فتأمَّلْ.
الكلمةُ الثالثةُ: "أيًّا" مع "ما" في قولِه تعالى: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (الإسراء: آية 110)،
فقد اتَّفقَت المصاحفُ على قطْعِ كلمةِ "أيًّا" عن "ما" وعليه فتكونُ
"أيًّا " كلمةً و "ما" كلمةً أخرى، وقد اختلَفَ القرَّاءُ في الوقْفِ
عليهما فمنهم من وَقفَ على "أيًّا" دون "ما" ومنهم من وَقفَ على "ما" دون
"أيًّا" ومن بينِ هؤلاءِ حفْصٌ عن عاصمٍ والأَولى والأقربُ للصوابِ كما
ذَكرَ الحافظُ ابنُ الجَزْرِيِّ في النشْرِ وطيِّبتِه وتقريبِه، جواز
الوقْفُ لكلِّ القرَّاءِ على كلٍّ من "أيًّا" "ما" اختباراً بالموحَّدةِ أو
اضطراراً لأنهما كلمتان منفصلتان رسْماً، وفي هذه المسألةِ يقول
الطيبببيُّ في التنويرِ:
الكلمةُ الرابعةُ: كلمةُ "إل يا سين" في قولِه تعالى: {سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} (الصافات: آية 130)،
اتَّفقَت المصاحفُ العثمانيَّةُ على قطْعِ "إل" عن كلمةِ "ياسين" سواءً
قُرئَتْ بفتْحِ الهمزةِ ممدودةً (آل ياسين) وكسْرِ اللامِ أَمْ قُرئَتْ
بكسرِ الهمزةِ مقصورةً وسكونِ اللامِ (إل ياسين) كقراءةِ حفْصٍ عن عاصمٍ
وموافِقِيه، ويَمتنعُ الوقْفُ على كلمة "إل" بدونِ كلمةِ "ياسين" على
القراءِة بكسرِ الهمزةِ مقصورةً وسكونِ اللامِ، لأنها وإن كانت كلمةً
مقطوعةً رسْماً إلا أنها مُتَّصلَة لفظاً، ولا يَجوزُ اتِّباعُ الرسمِ فيها
وقْفاً بالإجماعِ، ولم يَقعْ لهذه الكلمةِ في الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
نظيرٌ، ويَجوزُ الوقْفُ اختباراً بالموحَّدةِ، أو اضطراراً على "إل" بدونِ
"ياسين" على القراءةِ بفتْحِ الهمزةِ ممدودةً وكسْرِ اللامِ لأنها أصبَحتْ
كلمةً مستقلَّةً بنفسِها و "ياسين" كلمةٌ أخرى غيرُها مثلُها حينئذٍ مثل {آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ} (البقرة: آية 248) قالَ صاحبُ لآلئِ البيانِ مشيراً إلى ما ذَكرَناه في هذه الكلمةِ:
الكلمةُ السادسةُ: "حين" مع "إذ" في قولِه تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} (الواقعة: آية 84)
ولا ثانيَ لها في القرآنِ وقد اتَّفقَت المصاحفُ على وصْلِ "حين" بـ "إذ"
كلمةً واحدةً كيومئذٍ ولا يَجوزُ الوقْفُ على "حين" دون "إذ" ولا الابتداءُ
بـ "إذ" دونَ "حين" بل الوقْفُ على الكلمةِ بأكملِها "حينئذٍ" والابتداءُ
منها كذلك.
الكلمةُ السابعةُ:
"كأنَّ" مشدَّدةُ النونِ مع ما حيثُ وقعَتْ في القرآنِ الكريمِ، اتَّفقَت
المصاحفُ العثمانيَّةُ على وصْلِ "كأنَّ" بـ"ما" كلمةً واحدةً كقولِه
تعالى: {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة: آية 22)، وقولِه تعالى: {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ} (الأنفال:آية 6)، وقولِه سبحانَه: {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} (الحج: آية 31).
الكلمةُ الثامنةُ: "رُبَّ" مع "ما" في قولِه تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} (الحجر: آية 2)،
اتَّفقَت المصاحفُ على وصْلِ كلمةِ "رُبَّ" بـ"ما" كلمةً واحدةً ولا
يَجوزُ الوقْفُ على كلمةِ "رُبَّ" دونَ "ما" ولا الابتداءُ بـ"ما" دونَ
"رُبَّ" بل الوقْفُ على "ربما" بأكملِها والابتداءُ منها كذلك.
الكلمةُ التاسعةُ: "وَيْ" مع "كأنَّ" أو مع "كأنه" في قولِه تعالى:
{وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه
وَيَقْدِرُ لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا
وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (القصص:آية 82)،
وقد اختلَفَ القرَّاءُ في الوقْفِ على هذه الكلمةِ فوقَفَ الكِسائيُّ على
الياءِ فيقولُ "وَيْ" والابتداءُ عندَه من "كأنَّ" أو "كأنه" ووَقَفَ أبو
عمرٍو البصريُّ على الكافِ فيقولُ " وَيْكَ" والابتداءُ عندَه من "أنَّ" أو
"أنه" وهذا في وقْفِ الاختبارِ بالموحَّدةِ أو الاضطرارِ وكلاهما ضعيفٌ
ووَقَفَ باقي القرَّاءِ العشرةِ ومنهم حفْصٌ عن عاصمٍ على الكلمةِ بأسرِها
فيَقفون على النونِ في الكلمةِ الأُولى وعلى الهاءِ في الكلمةِ الثانيةِ،
وهذا هو المختارُ لجميعِ القرَّاءِ لاتِّصالِهما رسْماً بالإجماعِ كما في
النشْرِ، وإتحافِ البشَرِ وغيرِهما.
الكلمةُ العاشرةُ: "نِعِم" مع " ما" في قولِه تعالى: {فَنِعِمَّا هِيَ} (البقرة: آية 271)، وقولِه تعالى: {إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} (النساء: آية 58)،
ولا ثالثَ لهما في التنزيلِ، فقد اتَّفقَت المصاحفُ العثمانيَّةُ على
وصْلِ كلمةِ "نعم" بـ" ما" كلمةً واحدةً ولا يَجوزُ الوقْفُ على كلمةِ
"نِعِم" دون "ما" ولا الابتداءُ بـ"ما" دونَ "نِعِم" بل الوقْفُ على
الكلمةِ بأسرِها " نِعِمَّا" والابتداءُ بها كاملةً.
الكلمةُ الحاديةَ عشرةَ: "مَهْمَا" في قولِه تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} (الأعراف: آية 132)،
فقد اتَّفقَت المصاحفُ العثمانيَّةُ على وصلِها سواءً على القولِ بأنها
مركَّبةً من (مه) و (ما) الشرطيَّةِ أم من (ما) الشرطيَّةِ وما المَزِيدةِ،
وأُبدِلَتْ الألِفُ الأُولى هاءً دفْعاً للتَّكرارِ أو القولِ بأنها اسمُ
شرْطٍ بسيطٌ غيرُ مركَّبٍ، وهذا القولُ اختارَه ابنُ هشامٍ في المُغْنِي.
ولا يَجوزُ الوقْفُ على (مه) دونَ (ما) ولا الابتداءُ بما دونَ (مه) بل الوقْفُ على الكلمةِ بأسرِها "مهما" والابتداءُ بها كذلك.
الكلمةُ الثانيةَ عشرةَ:
"الم " فاتحةُ البقرةِ ونحوُها من فواتِحِ السوَرِ التي افْتُتحَتْ بحروفِ
التهَجِّي نحوُ: (المص)، فكلُّ كلمةٍ من هذه الكلماتِ ونحوِها التي وُجدَت
في فواتحِ السوَرِ سواءً كانت مكوَّنةً من حرفين أم أكثرَ فهي كلمةٌ
برأسِها، ولا يَجوزُ فصْلُ حرفٍ من حروفِها، ولا الوقْفُ عليها بالإجماعِ
ما عدا أبا جعفرٍ فإنَّه فَصلَ كلَّ حرفٍ منها بسكتَةٍ لطيفةٍ من غيرِ
تنفُّسٍ ويَلزمُ منه إظهارُ المدغَمِ والمخفيِّ كما هو مُقرَّرٌ في محلِّه،
والوقْفُ على آخرِها تبعاً للرسْمِ، إذ أنها رُسِمتْ موصولةً في جميعِ
المصاحفِ باستثناءِ (حم) (عسق) أوَّلُ الشُّورى فإنها رُسِمتْ مفصولةً في
كلِّ المصاحفِ أيْ (حم) كلمةُ (عسق) فاتحةُ سورةِ الشورى فإنها رُسمتْ
مفصولةً وهما آيتان في العددِ الكوفيِّ.
وعليه
فالوقْفُ جائزٌ بل مَسنونٌ على (حم) وعلى (عسق) أيضاً، باعتبارِ كلٍّ
منهما رأسَ آيةٍ، هذا إذا قَرأنا للكوفيِّين، أمَّا إذا قرأْنا لغيرِ
الكوفيِّين، فلا يَجوزُ الوقْفُ على (حم) دونَ (عسق) ولا الابتداءُ بـ(عسق)
دون (حم) لأنهما حينئذٍ كالكلمةِ الواحدةِ وإن انفصلَتَا رَسْماً ومن
وَقفَ على (حم) للضرورةِ أعادَ، والله أعلمُ. وقد مَشى على هذا القولِ بعضُ
شرَّاحِ المقدِّمةِ الجزْرِيَّةِ وغيرُهم.
وقد أشارَ الحافظُ ابنُ الجَزْرِيِّ إلى الكلمةِ الرابعةَ عشرةَ بقولِه:
89 - فأينما كالنحلِ صِـلْ ومُختـلَـفْ = في الشُّعَرا الأحزابِ والنِّسَا وُصِفْ
شرح المقدمة الجزرية للشيخ المقرئ: عبد الباسط هاشم
قال الشيخ عبد الباسط بن حامد بن محمد متولي [المعروف بعبد الباسط هاشم] (ت: 1441هـ):
(المبحث الرابع عشر: في الحذف والإثبات:
وهو
يتعلق بالمحذوف والمثبوت من حروف العلة. فقد يوجد في المصحف ألفاً ثابتة
رسماً، ولكنها تحذف وقفاً، وألفاً محذوفة رسماً، ولكنها تثبت وقفاً وياء
ثابتة رسماً ولكنها تحذف وقفاً، أوياء ثابتة وقفاً محذوفة رسماً، وهكذا
الواو فهذا الباب يتعلق بحروف العلة الثابتة والمحذوفة.
وحروف العلة: هي الألف الساكن المفتوح ما قبله، والياء الساكن المكسور ما قبله، والواو الساكن المضموم ما قبله كما تقدم.
وعلْم ذلك مهم جداً؛ إذ أنه من لم يعلم المحذوف من الثابت، تعرض للحن الجلي والخفي وهو لا يعلم، قال الإمام الخراج في (عمدة البيان):
فواجب على ذوي الأذهان = أن يتبعوا المرسوم في القرآن
ويقتدوا بما رأوه نظرا = إذ جعلوه للأنام وزرا
وكيف لا يجب الاقتداء = لما أتى نصابه الشفاء
إلى عياض أنه مَن غيّر = حرفا ًمن القرآن عمداً كفر
زيادة أو نقصاً أو أن يبدلا = شيئاً من الرسم الذي تأصلا
ويا محلي حاضري مع مهلكي = آتي المقيمي معجزي لا تترك ِ يمح بشورى يوم يدع الداعي مع = ويدع الإنسان سندع الواو دع فاقطع بعشر كلمات أن لا = مع ملجأ ولا إله إلا. نهوا اقطعوا من ما بروم والنسا = خلف المنافقين أم من أسسا فصلت النسا وذبح حيث ما = وأن لم المفتوح كسر إن ما الانعام والمفتوح يدعون معا = وخلف الانفال ونحل وقعا وكل ما سألتموه واختلف = ردوا كذا قل بئسما والوصل صف ثاني فعلن وقعت روم كلا = تنزيل شعراء وغير ذي صلا فأينما كالنحل صل ومختلف = في الشعرا الأحزاب والنسا وصف وصل فإلم هود ألن نجعلا = نجمع كيلا تحزنوا تأسوا على كالوهم أو وزنوهم صل = كذا من ال ويا وها لا تفصل وفي عين الوجهان والطول فضلا والمصيطرون لسان عاب بالخلف زملا وفي النمل آتاني ويفتح عن أولي حمى = وخلاف الوقف بين حلى علا سلاسل نون إذ رووا صرفه لنا = وبالقصر قف من عن هدى خلفهم والخلف في فرق لكسر يوجد وخلفهم بفرق جرى بين المشايخ سلسلا وإشمام تأمنا لكل ورومه = وقد قيل بالإدغام محضاً ووهلا والخلف بنخلقكم وقع
فعلم من هذا الكلام النفيس أهمية معرفة الثابت من المحذوف رسماً من حروف العلة فنقول وبالله التوفيق:
هاك بيان لما ثبت من حرف الألف:
أولاً: {ذاقا الشجرة} تقول: ذاقا، وحكمه مد طبيعي عوض عن العارض المحذوف، وهو بسورة الأعراف.
ثانياً: {وقالا الحمد لله} بسورة النمل، تقول: وقالا، وحكمه كالأول.
ثالثاً: أيها في جميع القرآن كـ{يا أيها النبي} و {يا أيها الناس} و{يا أيها الذين آمنوا} و {يا أيها الرسول} تقول: أيها، وحكمه مد طبيعي عوض عن عارض محذوف، كالأولين إلا في ثلاثة مواضع وهي:
_ {وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون} بسورة النور.
_ {وقالوا يا أيه الساحر} بسورة الزخرف.
_ {سنفرغ لكم أيه الثقلان} بسورة الرحمن.
فإنك إن وقفت على أي منها قلت: أيه فتقول: {وتوبوا إلى الله جميعاً أيه}، {سنفرع لكم أيه}، {وقالوا يا أيه}.
رابعاً وخامساً وسادساً: {وتظنون بالله الظنونا} {وأطعنا الرسولا}، {فأضلونا السبيلا} بسورة الأحزاب،
ويسمى مداً طبيعياً للتمييز، أي وتظنون بالله الظنون التي لن يظنها أحد،
وأطعنا الرسول المخصوص وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فأضلونا السبيل أي
سبيل الرسول المخصوص، لذا قلنا مداً طبيعياً للتخصيص، ويقال مد طبيعي
للتمييز.
سابعاً: {إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا} بسورة الإنسان وفيها الوجهين لحفص تقول: {إنا أعتدنا للكافرين سلاسلاَ} أو
{سلاسلْ} وعلى القول بـ{سلاسلاَ} يكون مداً طبيعياً للتخصيص أو التمييز أي
ليست كأي سلاسل، ويجوز أن يسمى مداً طبيعياً لإشباع الحركة.
ثامناً: {وأكواب كانت قواريرا}، وهو مد طبيعي عوض عن التنوين.
تاسعاً: {وليكونا من الصاغرين} بسورة يوسف، تقول: {ليسجنن وليكونَا} مد طبيعي عوض عن التنوين.
عاشراً: {لنسفعاً بالناصية} بسورة العلق، تقول: {كلا لئن لم ينته لنسفعا}
مد طبيعي عوض عن التنوين أيضاً، وكذلك ما سبق تعريفه من البدل العوض عن
التنوين كبناء ونساء وسماء وماء ودعاء، وأيضاً من مد العوض عن التنوين
الطبيعي كعليما وحكيما وخبيرا وبصيرا وما شابه ذلك كله.
الحادي عشر: وتثبت أيضاً في إذا في نحو قوله تعالى: {وإذا لاتيناهم} تقول {وإذا} في سورة النساء، وهو مد طبيعي عوض عن التنوين، وكذلك {فإذا لا يؤتون الناس نقيرا} بسورة النساء أيضاً تقول: {فإذا} وهو أيضاً مد طبيعي عوض عن التنوين، وكذلك نحو: {إذا لابتغوا إلى ذي العرش}بسورة الإسراء تقول: {كما يقولون إذا} عوض عن التنوين.
الثاني عشر: وتثبت في كلمة أنا وذلك نحو: {أنا أحيي وأميت} {أنا آتيك به} وهو مد طبيعي لصلة ضمير المتكلم.
الثالث عشر: تثبت في لفظ {لكنا} بسورة الكهف في قوله {لكنا هو الله ربي}، فإن وقفنا قلت {لكنَا} وهو أيضاً مد طبيعي لصلة ضمير المتكلم بمعنى: لكن أنا.
أما {ثمود} بالفرقان وهود والعنكبوت وكذلك النجم فهي محذوفه تقول: {ثمود} وذلك في قوله: {ألا بعداً لثمودَا} بسورة هود، {وعادا وثمودَا وأصحاب الرس} بالفرقان، تقول {وعاداً وثمود} وكذلك {وعاداً وثمود وقد تبين لكم} بالعنكبوت تقول: {وعادا وثمود} {وثمودَا فما أبقى} بالنجم تقول: {وثمود} كذلك: {ألا إن ثمودَا كفروا ربهم} بسورة هود تقول {ألا إن ثمود}، وحكمه مد عارض للسكون منصوب، فيه القصر والتوسط والمد.
هذا بيان ما أثبت من الألف وما حذف منها. وإليك ما أثبت من الياء:
تثبت الياء فيما ذكره بعض المحققين فقال:
يعني أن الياء في قوله: {محلي الصيد}، يوقف عليها بالياء تقول: {محلي} وكذلك: {حاضري المسجد الحرام} تقول: {حاضري}، والأول بالمائدة والثاني بالبقرة.
وكذلك الياء في قوله: {وما كنا مهلكي القرى} بسورة القصص تقول: {وما كنا مهلكي}.
وكذلك: {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن} بسورة مريم، تقول: {إلا آتي} وأيضا:ً {والمقيمي الصلاة}، بسورة الحج، تقول: {والمقيمي}.
وكذلك {غير معجزي الله} الموضعين بالتوبة تقول: {غير معجزي} وحكمه: مد طبيعي عوض لعارض محذوف.
أما الياء التي بعدها متحرك نحو: {مسني الضر} {مسني الشيطان} {آياتي الذين} {عبادي الذين} {ربي الذي} فقد بينا سابقاً أنها يوقف عليها بالياء وهو مد طبيعي لغياب أل.
وأما {بيتي للطائفين} فيوقف عليها بالياء، وتسمى مداً طبيعياً عارضاً للسكون.
وتثبت الياء في {نأتي الأرض ننقصها} بسورة الرعد، تقول: {أولم يروا أنا نأتي}، وهو مد طبيعي لعارض محذوف.
وكذلك {يلقي الروح} بسورة غافر تقول: {ذو العرش يلقي}، مد طبيعي لعارض محذوف.
وتثبت في: {أولي الأيدي} بسورة ص، تقول: {أولي} وهو مد طبيعي لعارض محذوف أيضاً.
ولا تثبت في {ذا الأيدي} بسورة ص تقول {ذا الأيد} وحكمه مد لين عارض للسكون ممدود مجرور، فيه القصر والتوسط والمد والقصر بالروم.
وتثبت في أربع وعشرين موضعاً وهي:
أولاً: {فلا تخشوهم و اخشوني} بسورة البقرة، تقول: {واخشوني} وقفاً ووصلاً.
ثانياً: {فإن الله يأتي بالشمس} بالبقرة، تثبت وصلا ووقفاً.
ثالثاً: {يوم يأتي بعض آيات} بسورة الأنعام، وقفا ووصلاً.
رابعاً: {يوم يأتي تأويله} بسورة الأعراف، وقفا ووصلا.
خامساً: {يوم تاتي كل نفس} بسورة النحل.
سادساً: {فاتبعوني يحببكم} بسورة آل عمران، كل ذلك وقفاً ووصلا وكل ما يأتي بعده.
سابعاً: {فاتبعوني وأطيعوا أمري}بسورة طه.
ثامناً: {قل إنني هداني ربي} بسورة الأنعام.
تاسعا: {أو تقول لو أن الله هداني} بالزمر.
عاشراً: {من يهدي الله فهو المهتدي} بسورة الأعراف.
الحادي عشر: {فكيدوني جميعاً} بسورة هود.
الثاني عشر: {قالوا يا أبانا ما نبغي} بسورة يوسف.
الثالث عشر: {على بصيرة أنا ومن اتبعني} بيوسف أيضاً.
الرابع عشر: {فلا تسألني عن شيء} بالكهف.
الخامس عشر: {عسى ربي أن يهديني} بالقصص.
السادس عشر: {وأن اعبدوني هذا صراط} بسورة يس.
السابع عشر: {أفمن يتقي بوجهه} بسورة الزمر.
الثامن عشر: {رب لولا أخرتني إلى} بسورة المنافقون.
التاسع عشر: {فلم يزدهم دعائي} بسورة نوح.
عشرون: {ياعباد لا خوف عليكم} بسورة الزخرف وقفاً لا وصلاً، ومده مداً طبيعياً لصلة ضمير المتكلم جل وعلا، تقول: {ياعبادي}.
الحادي والعشرون: {ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي} بالعنكبوت وقفاً لا وصلاً، وهو مد طبيعي لغياب أل.
الثاني والعشرون: {قل يا عبادي الذين أسرفوا} بالزمر، وقفاً لا وصلاً، وهو مد طبيعي لغياب أل.
الثالث والعشرون: {إن كنتم في شك من ديني} بسورة يونس وصلاً ووقفاً.
الرابع والعشرون: {قل الله أعبد ملخصاً له ديني} بالزمر، وصلاً ووقفاً، وما ثبت منها وقفاً فقط أشرنا إليه، والباقي يثبت وصلاً ووقفاً، وما سوى ذلك من الياءات محذوف، والله أعلم.
ثبوت الواو:
أولاً: {يمحو الله ما يشاء} تقول: {يمحو} بسورة الرعد، وهو مد طبيعي لصلة ضمير المتكلم أو قل: مد طبيعي لعارض محذوف.
ثانيا: {وثمود الذين جابوا الصخر}بسورة الفجر تقول: {وثمود الذين جابوا} وحكمه كالأول.
ثالثا: {قالوا الآن} بسورة البقرة، تقول: {قالوا}، وحكمه كالسابقين.
رابعاً: {وقالوا الحمد لله} بسورة الزمر تقول: {وقالوا} وحكمه كسوابقه وقس على ذلك ما ماثله إلا في خمس مواضع تحذف فيهن، وهي:
أولاً: {ويدع الإنسان بالشر} سورة الإسراء، تقول: ويدع.
ثانياً: {ويمح الله الباطل} بالشورى، فإن وقفت قلت: {ويمح}.
ثالثاً: {يوم يدع الداعي} بالقمر، تقول: {فتول عنهم يوم يدع}.
رابعاً: {وصالح المؤمنين} بالتحريم، تقول: {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح}.
خامسا: {سندع الزبانية} بسورة العلق، تقول: {سندع}.
وحكم هذه المواضع عارض للسكون، غير ممدود.
قال العلامة المتولي في اللؤلؤ المنظوم:
وهكذا وصالح الذي ورد = في سورة التحريم فاظفر بالرشد
وقد تم هذا المبحث النفيس بفضل الله وتوفيقه.
المبحث الخامس عشر: في معرفة المقطوع والموصول:
اعلم
أن المقطوع والموصول من خصائص الرسم العثماني، فتجب معرفته ولابد، والجهل
به خطير جداً؛ لأنه إذا وصل مقطوعاً أو قطع موصولاً تعرض للحن الجلي، وهو
لايدري.
واعلم
أن المقطوع هو الأصل، والموصول فرع منه، والمقطوع: كل كلمة مفصولة عن
اختها رسماً ولغة وذلك نحو: حيث ما، أن لا يقولوا، أن لا تعبدوا. وغير ذلك
مما سيرد عليك بيانه.
والموصول: كل كلمة وصلت بغيرها رسماً مفصولة لغة نحو (ويكأن)، أو غير مفصولة لغة نحو (إلياس).
وإليك
بيان أنواع المقطوع والموصول كلمة كلمة، وأين مكان كل في القرآن الكريم،
وفائدة ذلك تظهر عند الوقف الاضطراري أو الاختباري، وبعد ذلك نعلق على ما
نظمه شيخنا في هذا الباب فنقول:
أول المقطوع أن عن لا، أعني (أن) المصدرية عن (لا)، تقطع (أن) عن (لا) في عشر مواضع وهي:
أولاً: {حقيق على أن لا أقول على الله} بسورة الأعراف. تقول: {حقيق على أن}.
ثانياً: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا} بالأعراف أيضاً، تقول: {ألم يوخذ عليهم ميثاق الكتاب أن}.
ثالثاً: {وظنوا أن لا ملجأ من الله} بسورة التوبة، تقول: {وظنوا أن}.
رابعاً: {وأن لا إلاه إلا هو فهل أنتم مسلمون} بسورة هود، تقول: {أنزل بعلم الله وأن}.
خامساً: {أن لا تعبدوا إلا الله} بهود أيضاً، تقول: {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه أن}.
سادساً: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن} بسورة الحج.
سابعاً: {ألم أعهد إليكم يابني آدم أن} بسورة يس.
ثامناً: {وأن لا تعلو على الله} بسورة الدخان. تقول: {إني لكم رسول أمين وأن}.
تاسعاً: {إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن} بسورة الامتحان.
عاشراً: {فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا} بسورة القلم تقول: {وهم يتخافتون أن}.
أما قوله: {فنادى في الظلمات أن لا إله} بسورة الأنبياء. فقد كتب في بعض المصاحف مقطوعاً، وفي بعضه موصولاً، فتقول: {فنادى في الظلمات أن} أو {فنادي في الظلمات ألا}، والوجهان صحيحان.
هذا كله في أن المفتوحة الهمزة الساكنة النون أعني أن الخفيفة، أما (إن) و(لا) نحو:
{إلا تفعلوه} {إلا تنصروه}، فهي موصوله كلها باتفاق، وما سوى ما ذكرناه يوقف عليه: ألا.
ثانياً: (إن) الشرطية مع (ما) تقطع في موضع واحد في القرآن الكريم {وإن ما نرينك} بسورة الرعد تقول: {وإن} وماسواها فهو موصول باتفاق. تقول: وإما.
وأما نحو {أما أشتملت}، {أما ماذا كنتم} فهو موصول كله باتفاق، تقول: {أما}.
ثالثاً: (عن) عن (ما) أعني كلمة: عن وما، كلها موصولة، فتقف عما وتقطع في موضع واحد في الأعراف، {فلما عتوا عن}.
رابعاً: (من) مع (ما) أعني: من وما (مما) تقطع في موضعين {فمن ما ملكت أيمانكم} بسورة النساء، تقول: {فمن}، وفي سورة الروم {هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء} تقول: {هل لكم من}.
وأما التي في سورة المنافقون: {وأنفقوا من ما رزقناكم} ففي بعض المصاحف مقطوعة وفي بعضها موصولة، والوجهان صحيحان. تقول: {وأنفقوا من}، أو {وأنفقوا مما}.
وأما قوله: {من مال الله الذي آتاكم} و{من ماء مهين} فهو مقطوع باتفاق تقول: {وآتوهم من} وتقول: {ألم نخلقكم من}.
وما سوى ذلك فهو موصول تقول: مما، فإذا دخل لفظ: (مِن) على (مَن) كقوله: {ممن افتري} فهو موصول كله في القرآن بلاخلاف تقول: {ممن}.
وأيضاً إذا دخلت (من) على (ما) الاستفهامية كقوله: {فلينظر الإنسان مم خلق} فهو موصول.كلمة في القرآن باتفاق.
خامساً: (أم) مع (من).أعني........
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه وبعد..,
فنقول وبالله التوفيق: كنا نتكلم في باب المقطوع والموصول، ووصلنا إلى النوع الخامس وهو في كلمة أمّن يعني (أم) و(من) مثل قوله: {أم من خلقنا} {أم من خلق السماوات والأرض} {أم من جعل الأرض} وتقطع في أربعة مواضع:
الأول: {أم من يكون عليهم وكيلا} بسورة النساء، تقول {فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم}.
الثاني: {أم من أسس نبيانه على شفا} في سورة براءة، تقول: {على تقوى من الله ورضوان خير أم}.
الثالث: {فاستفتهم أهم أشد خلقاً أم من خلقنا} بسورة الصافات، تقول: {أهم أشد خلقاً أم}.
الرابع: {أفمن يلقى في النار خير أم}، وما سوى ذلك موصول باتفاق تقول: {أمَّن}
سادساً: (حيث) مع (ما) مثل قوله: {وحيث ما كنتم} تقطع في موضعين بسورة البقرة: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتب}، {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا} تقول: {وحيث} ولا ثالث لهما في القرآن الكريم.
سابعاً: (أن) المفتوحة مع (لم) الجازمة (لم) بالميم مثل قوله: {أن لم يره أحد} {أن لم يكن ربك} وتقطع في موضعين {ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى} بسورة الأنعام تقول: {ذلك أن}، {أيحسب أن لم يره أحد} بسورة البلد تقول: {أيحسب أن} ولا ثالث لهما في القرآن.
ثامناً: (إن) المكسورة الهمزة مع (ما) تقطع في موضع واحد {إن ما توعدون لآت} في سورة الأنعام، تقول: {إن}.
وأما قوله: {إن ما عند الله هو خير لكم} بسورة النحل ففيها خلاف، والوصل أقوى وأشهر، وما سوى هذين الموضعين فموصول باتفاق تقول: {إنما}.
تاسعاً: (أنّ) المفتوحة الهمزة والمشددة النون مع (ما) أعني: أنما، تقطع في موضعين بلا خلاف وهما {وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} في سورة الحج {وأن ما يدعون من دونه الباطل} بسورة لقمان. تقول: {وأن}.
وقد جرى الخلاف في قوله: {واعلموا أنما غنمتم} بسورة الأنفال والوصل فيه أقوى وأشهر، تقول: {واعلموا أنما}.
عاشراً: (كل) بالكاف عن (ما) يقطع في موضع واحد {وآتاكم من كل ما سألتموه} بسورة إبراهيم تقول: {وآتاكم من كل}.
وجرى الخلاف في أربع مواضع وهي:
{كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا} بسورة النساء.
ثانياً: {كلما دخلت أمة لعنت أختها} بالأعراف.
ثالثاً: {كلما جاء أمة رسولها} بسورة المؤمنون.
رابعاً: {كلما ألقي فيها فوج سألهم} بسورة الملك.
كتبت هذه المواضع في بعض المصاحف مقطوعة، وفي بعضها موصولة، والوصل أولى وأرجح تقول: {كلما}.
وإلى ذلك أشار العلاَّمة الشاطبي في (العقيلة) فقال:
وقل وآتاكم من كل ما قطعوا = والخلف في كلما ردوا فشى خبرا
وكلما ألقي اسمع كلما دخلت = وكلما جاء عن خلف يلي وقرى
الحادي عشر: (بئس) مع (ما)، تقطع (بئس) عن (ما) في ست مواضع خمسة مسبوقة باللام وواحد مسبوق بالفاء وهي:
أولاً: {ولبئس ما شروا به أنفسهم} في البقرة، تقول: {ولبئس}.
الثاني: {لبئس ما كانوا يعملون} بسورة المائدة، تقول: {لبئس}.
ثالثا: {لبئس ما كانوا يصنعون} بالمائدة أيضاً، تقول: {لبئس}.
رابعاً: {لبئس ما كانوا يفعلون} بالمائدة أيضاً، تقول: {لبئس}.
خامساً: {لبئس ما قدمت لهم أنفسهم} بالمائدة، تقول: {لبئس}.
سادساً: {فبئس ما يشترون} في آل عمران، تقول: {فبئس}.
وتوصل بلا خلاف في موضعين في القرآن الكريم وهما:
أولاً: {بئسما اشتروا به أنفسهم} بالبقرة، تقول: {بئسما}.
الثاني: {بئسما خلفتموني من بعدي} بسورة الأعراف، تقول: {بئسما}.
ووقع الخلاف في قوله: {قل بئسما يأمركم به} بسورة البقرة والوصل أقوى وأشهر.
الثاني عشر: (في) مع (ما) تقطع بلا خلاف في قوله: {أتتركون في ما هاهنا آمنين} تقول: {أتتركون في} بسورة الشعراء.
ويستوي قطعها ووصلها في عشر مواضع، والقطع أرجح وهي:
أولا: {فيما فعلن في أنفسهن من معروف}، وهو الموضع الثاني في البقرة في ربع الوالدات تقول: {في} أو {فيما}.
الثاني: {ليبلوكم في ما أتاكم} تقول {ليبلوكم في} أو {فيما} بالمائدة.
الثالث: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرماً} بالانعام تقول: {قل لا أجد في} أو {فيما}.
رابعاً: {ليبلوكم في ما آتاكم} آخر سورة الأنعام تقول: {ليبلوكم في} أو {ليبلوكم فيما}.
خامساً: {وهم فيما اشتهت أنفسهم} بسورة الأنبياء، تقول: {وهم في} أو {وهم فيما}.
سادساً: {لمسكم في ما أفضتم} بسورة النور، تقول: {لمسكم في} أو {لمسكم فيما}.
سابعاً: {هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم} بسورة الروم، تقول: {من شركاء في} أو {من شركاء فيما}.
ثامناً: {إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون} بسورة الزمر تقول: {يحكم بينهم في} أو {يحكم بينهم فيما}.
تاسعاً: {في ما كانوا فيه يختلفون} بسورة الزمر أيضاً تقول: {في} أو {فيما}.
عاشراً: {وننشئكم في ما لا تعلمون} بسورة الواقعة، تقول: {وننشئكم في} أو {ننشئكم فيما}.
والقطع في هذه المواضع أقوى وأشهر، ووصلها لا بأس به.
وقال بعض شراح الجزرية أن الوصل فيها أولى، وهو ضعيف. وادعى بعضهم الخلاف فى موضع الشعراء وهو {في ما هاهنا آمنين} وهو ضعيف أيضاً فلا يلتفت إلى القولين بحال.
الثالث عشر: (أين) مع (ما) موصولة بلا خلاف في موضعين في القرآن الكريم، وهما: {فأينما تولوا فثم وجه الله} في سورة البقرة، تقول: {فأينما}.
الثاني: {أينما يوجهه لا يأت بخير} بسورة النحل تقول: {أينما}.
وقد جرى الخلاف في ثلاث مواضع وهي: {أينما تكونوا يدرككم} بسورة النساء، {أينما كنتم تعبدون من دون الله} بسورة الشعراء، {ملعونين أينما ثقفوا} بالأحزاب، وفي هذه المواضع الثلاثة الوجهان تقول {أين} أو {أينما}.
الرابع عشر: (إن) الشرطية مع (لم) الجازمة نحو قوله: {فإن لم} توصل في موضع واحد في القرآن باتفاق {فإلم يستجيبوا لكم} في سورة هود تقول: {فإلم} وتقطع فيما سواه بلا خلاف تقول: {فإن}.
الخامس عشر: (أن) المصدرية مع (لن) الناصبة كقوله: {ألن نجمع} {أن لن يقدر} توصل في موضعين في القرآن الكريم بلا خلاف وهما: {بل زعمتم ألن نجعل لكم} بسورة الكهف تقول: {بل زعمتم ألن}.
الثاني: {أيحسب الإنسان ألن نجمع} بالقيامة تقول: {أيحسب الإنسان ألن} وتقطع فيما سوى ذلك اتفاقاً تقول: {أن}.
السادس عشر: (كي) المصدرية مع (لا) مثل قوله: {لكيلا} وهي موصولة باتفاق في أربعة مواضع في القرآن الكريم وهي:
الأول: {فأثابكم غماً بغم لكيلا} بسورة آل عمران، تقول: {لكيلا}.
الثاني: {لكيلا يعلم من بعد علم شيئا} سؤرة الحج، تقول: {لكيلا}.
ثالثا: {قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون} بسورة الأحزاب, تقول: {لكيلا}.
رابعاً: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا} الحديد تقول: {لكيلا}.
وما سوى ذلك فمقطوع باتفاق تقول: {لكي}.
السابع عشر: (عن) عن (من) مثل قوله: {عن من يشاء} تقطع في موضعين في القرآن الكريم وهما:
أولاً: {فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء} بسورة النور تقول: {ويصرفه عن}.
ثانياً: {فأعرض عن من تولى عن ذكرنا} بسورة النجم تقول: {فأعرض عن}.
وليس في القرآن غيرهما.
الثامن عشر: (يوم) مع (هم) مثل قوله: {يوم هم بارزون} تقطع يوم عن هم بموضعين في القرآن الكريم وهما:
{يوم هم بارزون} بسورة غافر تقول {يوم}.
الثاني: {يوم هم على النار يفتنون} بأول الذاريات. تقول: {يوم}.
وما سواهما موصول باتفاق في جميع القرآن تقول: {يومهم}.
كلام
الشيخ هنا يوحي بالتناقض، فكأنه سبق ذهنه، وتمثيله يخالف ما في المصاحف،
فكان ينيغي أن يقول: قطع لام الجر عن مجرورها بعد ما، فيمثل بالأربع
المذكورة (فمال...... إلخ) وليس (فما، إلخ) كما فعل. وما سوى ذلك موصول
بمجرورة تقول(ما....) أو نحو هذا.
التاسع عشر: (ما) عن لامها مثل قوله: {فمال هؤلاء القوم} أعني لام الجر عن مجرورها، تقطع لام الجر عن مجرورها في أربعة مواضع، وهي:
الأول: {فمال هؤلاء القوم لا يكادون} بسورة النساء تقول: {فمال}.
الثاني: {ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب} بسورة الكهف تقول: {ويقولون يا ويلتنا مال}.
ثالثاً: {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام} بسورة الفرقان، نقول: {وقالوا مال}.
رابعاً: {فمال الذين كفروا قبلك مهطعين} بسورة المعارج، تقول: {فمال}.
وما سوى ذلك موصول باتفاق تقول {ما}.
العشرون: تاء (ولات) عن (حين) في قوله: {ولات حين مناص} بسورة ص، وهي مقطوعة تقول {فنادوا ولات} وليس في القرآن غيرها.
ومازعمه بعضهم أنهاموصولة فهو ضعيف.
الحادي والعشرون: {كالوهم أو وزنوهم} بسورة التطفيف، وهما موصولتان باتفاق تقول: كالوهم، وزنوهم.
والمراد بوصلهما عدم كتابة الألف في كالوا ووزنوا، وهي الألف التي تكتب دائماً في واو الجماعة.
وأما أل المعرفة كالارض والقمر والشمس والليل فهي موصولة باتفاق.
وكذا هاء التنبيه كهأنتم وهؤلاء موصولة باتفاق تقول: {هأنتم} وكذا ياء النداء كيأيها في {يأيها النبي} و{يأيها الناس} موصولة أيضاً باتفاق.
وفي ذلك كله قال الناظم:
واعرف لمقطوع وموصول وتا = في مصحف الإمام فيما قد أتى
وقوله:
(لمقطوع) زاد اللام للتأكيد، وكذلك اعرف التاءات التي كتبت بالتاء لا
بالهاء كما أتى في مصحف الإمام رضي الله عنه فيما قد أتى رسمه فيه.
ثم أخذ في بيان معرفة المقطوع والموصول فقال:
وتعبدوا ياسين ثاني هود لا = يشركن تشرك يدخلن تعلوا على
أما أولاها فهو موصول {وأن لا يشركن} بالامتحان {وأن لا تشرك} بالحج، {وأن لا يدخلنها} بالقلم {وأن لا تعلوا على الله} بالدخان، و{أن لا يقولوا على الله إلا الحق}. {وحقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق}كلاهما بالأعراف. وما عداها فهو موصول باتفاق كما تقدم.
ومعنى وصله أن لا ترسم فيه النون. واقطع إن عن ما في قوله تعالى {وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم} بسورة الرعد، تقول: {وإن} وما عداه موصول باتفاق.
وقوله والمفتوح صل نحو: {أما اشتملت} {وأما يشركون} {وأما ماذا كنتم تعملون} كل ذلك موصول باتفاق تقول {أما}.
وقوله: نهوا اقطعوا يعني: اقطع (عن) عن (ما) في قوله تعالى: {فلما عتوا عن ما نهوا} بالأعراف، تقول {فلما عتوا عن} وما عداه نحو: {عما يقولون} {عما يشركون} و{عما قليل} فموصول تقول: {عما} وأما {عم يتساءلون} فتقول {عم}.
يعني (نهوا اقطعوا) يعني اقطع (عن) عن (ما) في قوله تعالى: {فلما عتوا عن ما نهوا عنه}، تقول: {فلما عتوا عن} واقطع (من) عن (ما) في قوله: {هل لكم من ما ملكت أيمانكم} بسورة الروم، تقول: {هل لكم من}.
وأما في النساء {فمن ما ملكت أيمانكم} تقول {فمن} وقوله (خلف المنافقين ) يعني: {وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحكم الموت} في سورة المنافقون، جرى فيها الخلاف تقول {وأنفقوا مما} وتقول {وأنفقوا من} ووجه القطع فيه وفي نظائره هو كون الأصل انفصال إحدى الكلمتين عن الأخرى ووجه الوصل فيما وصل التقوية والامتزاج ومعنى قوله( أم من أسسا) أي: واقطع أيها القاريء (أم) عن (من) في قوله {أم من أسس بنيانه} في سورة التوبة تقول {أم}.
قال الناظم:
المعنى: اقطع أيها القارئ (أم) عن (من) في فصلت في قوله: {أم من يأتي آمناً} تقول: {أم} وفي النساء {أم من يكون عليهم وكيلا} تقول {أم}، واقطع (أم) عن (ما) في سورة الصافات وهي المقصودة بقوله: وذبح، يريد {أم من خلقنا} تقول {أم}.
وفيماعدا ذلك نحو {أمن لا يهدي} {أمن خلق السماوات} {أمن يجيب المضطر}، كل ذلك موصول تقول{أمن}.
واقطع أيها القارئ (وحيث) عن (ما) في سورة البقرة في الأولى والأخيرة تقول: {وحيث} وقد تقدم بيانه.
واقطع أيها القارئ (أن) عن (لم) في قوله: {أن لم يكن ربك} بالأنعام تقول: {ذلك أن}، وفي سورة البلد {أيحسب أن} أعني: {أن لم يره أحد}.
واقطع أيها القارئ (إنَّ) عن (ما) في قوله تعالى: {إن ما توعدون لآت} بسورة الأنعام، تقول: {إن}.
وما عدا ذلك نحو: {إنما صنعوا كيد ساحر} و{إنما توعدون لو اقع} موصول باتفاق.
قال الناظم:
قوله: الانعام، يعني: اقطع (إن) عن (ما) في قوله {إن ما توعدون لآت} تقول: {إن}.
قوله: والمفتوح يدعون معا، يعني (أنما) المفتوحة في قوله: {وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} بالحج {وأن ما يدعون من دونه الباطل} بلقمان تقول: {وأن}.
وقوله: وخلف الانفال ونحل وقعا، يعني: {واعلموا أن ما غنمتم} بسورة الأنفال قرئت مقطوعة وموصولة تقول: {واعلموا أن} أو {واعلموا أنما}.
ونحل، في قوله: {إن ما عند الله هو خير لكم}، قرئت مقطوعة وموصولة تقول: {إن} وتقول: {إنما}.
قال الناظم:
قوله: وكل ماسألتموه، أي: اقطع (كل) من (ما) في قوله تعالى: {وآتاكم من كل ما سألتموه} بسورة إبراهيم تقول: {وآتاكم من كل}.
قوله: واختلف ردوا كذا، أي واختلف في قوله: {كلما ردوا إلى الفتنة} بسورة النساء، فكتبت مقطوعة وموصولة تقول: {كل} أو {كلما}.
وأيضاً {كلما دخلت أمة} بالأعراف تقول: {كل} أو {كلما}.
{كلما جاء أمة رسولها} بالمؤمنون تقول: {كل} {كلما}.
{وكلما ألقي فيها فوج} بسورة الملك تقول: {كل} أو {كلما}.
وفيما عدا ذلك موصول باتفاق.
وقد نبه الزجاجي أن (كلما) إن كانت ظرفاً موصولة، وإن كانت شرطاً فمقطوعة.
ومن كلمات كل التي لم تحتمل الظرفية {من كل ما سألتموه} بإبراهيم لذا كتبت مقطوعة, والمواضع التي فيها الوجهان كتبت مقطوعة وموصولة، وما احتملت الظرفية فقط فهي موصولة باتفاق.
وقوله: واختلف قل بئسما، أي: واختلف في قوله تعالى {قل بئسما يأمركم} بسورة البقرة فكتبت في بعض المصاحف مقطوعة وفي بعضها موصولة، وهي موصولة باتفاق تقول: {قل بئسما}.
وقوله: والوصل صف، أي صف أيها القارئ المجيدُ للقارئ المجيدِ الوصل في هذه الكلمة وهي {قال بئسما خلفتموني} بسورة الأعراف تقول: {قال بئسما}، وصل أيضاً {بئسما اشتروا به أنفسهم} بالبقرة، تقول: {بئسما}.
وقوله: (في ما اقطعا، أوحي أفضتم اشتهت يبلو معا) أي اقطع لفظ (في) عن (ما) في قوله: {في ما أوحي إلي} بسورة الأنعام تقول: {قل لا أجد في}، وفي قوله {لمسكم في ما أفضتم} بسورة النور تقول {لمسكم في} وقوله: {وهم في ما اشتهت أنفسهم} بالأنبياء تقول {وهم في}، وقوله {ليبلوكم في ما آتاكم} بالمائدة والأنعام تقول: {ليبلوكم في}.
وهذا معنى قوله: يبلو معا، أي في المائدة والأنعام.
قال الناظم:
قوله: ثاني فعلن. يعني قول الحق تبارك وتعالى: {فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن} فاقطع (في) عن (ما) في هذه الكلمة نقول {في} {فلا جناح عليكم في}.
ومعنى ثاني، أي: الثانية في ربع والوالدات.
وقوله: وقعت، يعني قوله تبارك وتعالى: {وننشئكم في ما لا تعلمون} في سورة الواقعة، تقول: {وننشئكم في}.
وقوله: روم، يريد قوله تبارك وتعالى {هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء في ما} هذا مقطوع أيضاً.
تقول: (هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء في).
الوجه الثانـي:
وقوله: كلا تنزيل، يعني قول الله تبارك وتعالى في الزمر: {في ما هم فيه يختلفون} {في ما فيه يختلفون} مقطوعتان تقول: {في}.
وقوله: شعراء، يريد قول الله تبارك وتعالى: {أتتركون في ما هاهنا}، وهنا القطع قولاً واحداً {أتتركون في} وفيما ذكرناه من العشر مواضع الماضية فيها القطع والوصل تقول: {في} و{فيما} إلا موضع الشعراء، فهو القطع قولا واحداً.
وقوله: وغير ذي صلا، أي: ما سوى هذه المواضع الإحدى عشر موصول باتفاق.
قال الناظم:
يريد قوله تبارك وتعالى: {فأينما تولوا} بسورة البقرة، فهي موصولة، تقول: {فأينما}، وقوله تعالى: {أينما يوجهه} بسورة النحل موصولة أيضاً تقول: {أينما}.
واختلف في ثلاث مواضع: في قوله: {أينما تعبدون} بسورة الشعراء، وقوله تعالى: {ملعونين أينما ثقفوا} بسورة الأحزاب، وقوله تعالى: {أينما تكونوا يدرككم} بسورة النساء، ويقرأ بالوجهين في هذه الثلاث تقول: {أين} و{أينما}.
قال الناظم:
يعني: قوله تبارك وتعالى: {فإلم يستجيبوا لكم} في سورة هود تقول: {فإلم} فهي موصولة، وقوله تبارك وتعالى: {ألن نجعل لكم موعدا} بسورة الكهف موصولة تقول: {ألن}، وقوله تبارك تعالى: {ألن نجمع} بالقيامة تقول: {ألن}.
وصل أيها القارئ {لكيلا تحزنوا} بسورة آل عمران {ولكيلا تأسوا} بسورة الحديد تقول: {لكيلا} {ولكيلا يعلم} بسورة الحج تقول {لكيلا} و{لكيلا يكون عليك حرج} بسورة الأحزاب، تقول: {لكيلا} وهذا معنى قوله: حج عليك حرج.
وقوله: (وقطعهم عن من يشاء من تولى يوم هم) يعني: اقطع أيها القارئ قول الله تبارك وتعالى: {فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء} بسورة النور، تقول: {ويصرفه عن} واقطع {فأعرض عن من تولى} بسورة النجم، تقول: {فأعرض عن}، واقطع يوم عن هم في قوله: {يوم هم بارزون} بسورة غافر، {يوم هم على النار يفتنون} بسورة الذاريات تقول: {يوم}.
قال الناظم:
ومال هذا والذين هؤلا = تحين في الإمام صل ووهلا
يعني واقطع أيها القارئ (ما) عن لامها في قوله: {ما لهذا الكتاب} في سورة الكهف تقول: {فما}، وأيضاً {فما للذين كفروا} بسورة المعارج تقول: {فما}، وأيضاً {فما لهؤلاء القوم} بالنساء، تقول: {فما}, {وما لهذا الرسول} بالفرقان تقول: {وقالوا ما} وفيما سواها فموصول باتفاق.
وقوله: تحين في الإمام صل ووهلا، يريد قوله تبارك وتعالى: {ولات حين مناص} بسورة ص، فقد صرح جماعة بأنها موصولة وهو قول ضعيف، وهذا معنى قوله: صل ووهلا، أي الذين قالوا بوصلها كلامهم موهل ضعيف، والأصح قطعها تقول: {ولات}.
قال الناظم
يعني: قوله تبارك وتعالى: {وإذا كالوهم أو وزنوهم} بسورة التطفيف هما موصولتان تقول: {كالوهم} {وزنوهم} ومعنى صلتهما عدم كتابة الألف بعد واو الجماعة فيهما.
وقوله كذا من أل ويا وها لا تفصل، أراد نحو قوله: {من المؤمنين} {من الذين} تقول من الـ، و الأرض، والليل، والشمس، والبر، والبرق، تقول: وال.
وقوله: ويا وها لا تفصل، يعني: يا أيها من {يا أيها الناس} و{يا أيها النبي} و{يا أيها الذين}، و{ها أنتم}، {هؤلاء} {هاؤم اقرؤا}. كل ذلك موصول. والله تبارك وتعالى أعلم.
المبحث السادس عشر: في الكلمات المختلف فيها عن حفص:
اعلم أن الاختلاف عن حفص إما معنوي وإما لفظي، فنقول وبالله التوفيق:
فأما
المعنوي فنحو الخمسة والأربعة في المتصل والمنفصل، ونحو الحركتان والأربعة
والستة في المد العارض للسكون, ونحو الإشمام والروم، ونحو زيادة الغنة عند
من يقرأ بالتحقيق بخلافها عند من يقرأ بالتدوير بخلافها عند من يقرأ
بالحدر، ونحو اختلاف الغنة في النطق بالإخفاء، إن كان بعد الغنة مرققا
رققت، وإن كان بعدها مفخماً فخمت، ونحو التفخيم والترقيق في الراءات، ونحو
التغليظ والترقيق في لام اسم الذات، وقس على ذلك ما جانسه، وهذا ما اختلف
فيه لفظاً:
أولاً: {الم} بسورة آل عمران فيها ثلاثة أوجه:
وجه بالوقف على ميم بالمد اللازم في اللام والميم.
ووجهان بوصلها بلفظ الجلالة تقول {الم الله لا إله إلا هو} {الم الله لا إله إلا هو} وقد سبق بيان ذلك وعلته في المد اللازم، ودليله قول الإمام خلف الحسيني في إتحافه:
ومد إذا كان السكون بعيده = وإن عرض التحريك فاقصر وطولا
لكلاٍّ وذا في آل عمران قد أتى
وقد سبق بيان ذلك أيضاً.
ثانياً: {عص} بأول مريم و{عسق} ومن الممكن إدراجه مع المعنوي وفي عين في السورتين التوسط والمد، قال ابن الجزري:
وعين ذو وجهين والطول أخص
ثالثا"ً: التسهيل والإبدال في المواضع الستة {آلذكرين} بموضعي الأنعام، {آلآن} بموضعي يونس {آلله خير أم ما يشركون} بالنمل {آلله أذن لكم} بيونس، وقد تقدم بيانها في المد اللازم.
قال الإمام الشاطبي:
وإن همز وصل بين لام مسكن = وهمزة الاستفهام فامدده مبدلا
فللكل ذا أولى ويقصره الذي = يسهل عن كل كالان مُثِّلا
وقال: مبدلا فللكل ذا أولى، يدل على أن الإبدال بالمد اللازم أرجح.
وقال ابن الجزري:
وهمز وصل من كآلله أذن = أبدل لكل أو فسهل واقصرن
تقول: آلذكرين، أالذكرين. أالآن، أالآن. أالله أذن، أالله أذن.
رابعاً: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبا}، قرأ حفص بضم الضاد وفتح الضاد فيهن تقول {من ضَعف} {ثم جعل من بعد ضَعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً}. وتقول: {من ضُعف ثم جعل من بعد ضُعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضُعفاً} والضُّعف بضم الضاد في الصحة والجسم، وبفتحها في العزيمة والذاكرة والإيمان وخلافه.
قال الإمام الشاطبي:
وضُعفاً بضم الضاد فاشيه مثلا = وفي الروم صف عن خنث فصل
فقال عن خنث والعين لحفص.
خامساً: {أم هم المسيطرون} بالطور قرئت بالسين والصاد تقول: {أم هم المسيطرون}، {أم هم المصيطرون}.
قال الإمام الشاطبي:
فقال: عاب بالخلف يعني: حفص بالخلف.
سادساً: {فما آتان} بسورة النمل عند الوقف، يقف حفص بالوجهين {فما آتان} {فما آتاني} بالياء وحذفها.
قال الشاطبي:
فعلى العين لحفص، له الخلاف.
سابعاً: {إنا أعتدنا للكافرين سلاسل} يقف حفص بالألف بعد اللام وبدونها يقول {سلاسلا} و{سلاسل}.
قال الشاطبي:
ثامناً: الإقلاب بالميم الخالصة والإخفاء {من بعد} {من بعد} وقد مضى في أحكام النون الساكنة والتنوين حكمه.
تاسعاً: {فكان كل فرق كالطود} فيها التفخيم والترقيق، {كل فرق} و{كل فرق}
قال الناظم: -
عاشراً: {مالك لا تأمنا على يوسف} فيها الإشمام مع الغنة، والروم بلاغنة، هكذا {مالك لا تأمنا} {لا تأمنا} (هذه) الإشمام مع الغنة.
الروم: {مالك لا تأمنا}.
قال خلف الحسيني في اتحافه:
الحادي عشر: {ألم نخلقكم من ماء مهين}، قرئ بالإدغام الخالص وإخفاء صفة القاف ومخرجها، وقرأ بالإدغام باستحضار صفة القاف هكذا: {ألم نخلقكم} هذا الإدغام الخالص، {ألم نخلقكم} باظهار تفخيم القاف دون قلقلتها.
قال الناظم:
ويسمى عدم إظهار صفة القاف بالإدغام الكامل، وبإظهار صفة القاف بالإدغام الناقص.
الثاني عشر: {بئس الاسم الفسوق} بسورة الحجرات، إن أردنا البدء بما بعد بئس فإما أن نبدأ بالهمزة وإما أن نبدأ باللام بعد الهمزة نقول: {الاسم الفسوق} أو {الاسم الفسوق}
قال خلف الحسني في إتحافه:
وفي بئس الاسم ابدأ بأل أوبلامه = فقد صحح الوجهان في النشر للملا
الثالث عشر:
الخلاف الذي ذكرناه في باب الراءات في الكلمات السبعة وهي: الفجر ويسر
ومصر وقطر وبالنذر ونذر ونذيراً للبشر. وقد تقدم بيانها في الراءات، فهذه
هي الكلمات التي جرى فيها الخلاف لحفص من روايتنا، أعني من طريق الحرز.
وإتماماً للفائدة إليك ما اختلف فيه حفص من روضة الحفاظ من طريق الطيبة، وروضة الحفاظ لابن المعدل فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: يقصر حفص المنفصل فيقرأه حركتان، ويوسط المتصل أربع حركات فقط، ولا يقرأ بالخمس.
ثانياً: القراءة بالمد اللازم في {آلذكرين} و{آلآن} و{آلله} ولا يجوز التسهيل بحال.
ثالثاً: وجوب فتح الضاد في ضعف بالروم، ولا يجوز ضم الضاد بحال في الكلمات الثلاثة.
رابعاً: القراءة بالسين في قوله: {أم هم المسيطرون} بالطور ولا تجوز الصاد بحال.
خامساً: الإدغام الكامل في قوله: {نخلقكم} ولا يجوز إظهار صفة القاف بحال يعني: الإدغام الناقص.
سادساً: القراءة بالغنة مع الإشمام في {مالك لا تأمنا} ولا يجوز الروم بحال.
سابعاً: تفخيم راء فرق بالشعراء تقول: {فكان كل فرق} ولا يجوز الترقيق بحال.
ثامناً: الوقف على قوله {فما آتان} بالنون لا بالياء في سورة النمل، ولا تجوز الياء بحال.
تاسعاً: الوقف بلا ألف على سلاسل بسورة الإنسان تقول: {إنا أعتدنا للكافرين سلاسل} ولا تجوز الألف بحال.
عاشراً: عدم السكت على: عوجا ومرقدنا ومن راق وبل ران. فتقول {عوجاً قيما} {مرقدنا هذا} {وقيل من راق}، {كلا بل ران}، ولا يجوز السكت بحال.
الحادي عشر: القراءة بتوسط: عص، وعسق بمريم والشورى، ولا يجوز مدهما بحال. وقد نظم ذلك العلامة المتولي فقال:
حمدت إلهي مع صلاتي مسلماً = على المصطفى والآل والصحب والولا
وبعد فخذ ما جاء عن حفص عاصم = لدى روضة لابن المعدل تقبلا
فقصّر لمفصول ووسط لمتصل = وهمزة وصل منك آلان أبدلا
وبالفتح ضع في الروم والسين في المسـ = يطرون ونحلقكم فأدغم مكملا
وتأمنا بالإشمام فاقرأ مفخماً = بفرق وآتاني احذفن وسلاسلا
ولا سكت في عوجاً ومرقدنا ولا = ببل ران من راق وكن متأملا
وفيما عدا هذا الذي قد ذكرته = فكالحرز في كل الأمور روى الملا
ووسط لعين أولى شورى ومريم = وصل على المختار ختماً وأولا