9 Nov 2008
باب المد والقصر
قال الحافظ محمد بن محمد ابن الجزري (ت: 833هـ) : (باب المد والقصر
وَالْـمَـدُّ لاَزِمٌ وَوَاجِـــبٌ أَتَـــى ... وَجَـائِـزٌ وَهْــوَ وَقَـصْـرٌ ثَـبَـتَـا
فَـلاَزِمٌ إِنْ جَـاءَ بَعْـدَ حَــرْفِ مَــدْ ... سَاكِـنُ حَالَـيْـنِ وَبالـطُّـولِ يُـمَـدْ
وَوَاجِـبٌ إِنْ جَــاءَ قَـبْـلَ هَـمْـزَةِ ... مُـتَّـصِـلاً إِنْ جُـمِـعَـا بِكِـلْـمَـةِ
وَجَـائِــزٌ إِذَا أَتَـــى مُنْـفَـصِـلاَ ... أَو عَـرَضَ السُّكُـونُ وَقْفـاً مُسْـجَـلاَ
الدقائق المحكمة لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري
قال الإمام زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاريِّ السُّنَيْكِيِّ (ت: 926هـ) : (المتن:
(69) وَالْمَـدُّ لاَزِمٌ وَوَاجِــبٌ أَتَــى ... وَجَـائِـزٌ وَهْــوَ وَقَـصْـرٌ ثَـبَـتَـا
(70) فَلاَزِمٌ إِنْ جَاءَ بَعْـدَ حَـرْفِ مَـدْ ... سَاكِـنُ حَالَـيْـنِ وَبالـطُّـولِ يُـمَـدْ
(71) وَوَاجِـبٌ إِنْ جَـاءَ قَبْـلَ هَمْـزَةِ ... مُـتَّـصِـلاً إِنْ جُـمِـعَـا بِكِـلْـمَـةِ
(72) وَجَـائِـزٌ إِذَا أَتَــى مُنْفَـصِـلاَ ... أَو عَـرَضَ السُّكُـونُ وَقْفـاً مُسْـجَـلاَ
_______________
1-بابُ أحكامِ المدِّ
ثُمَّ أخذَ في بيانِ أحكامِ المَدِّ. فقالَ:
وَالْمَدُّ لاَزِمٌ وَوَاجِبٌ أَتَى = وَجَائِزٌ وَهْوَ وَقَصْرٌ ثَبَتَا
(69) "والمَدُّ" وَهُوَ لُغَةً: الزِّيَادةُ. واصْطِلاحًا: إِطالةُ الصَّوْتِ بحرفٍ مَدِّيٍّ مِنْ حروفِ العلَّةِ.
وهو على ثلاثةِ أقسامٍ:
أ. لازمٌ.
ب. واجبٌ أتَى.
ج. وجائِزٌ.
"وَهُوَ" – أي المدُّ – "وقَصرٌ" – وهُوَ لُغةً: الحَبْسُ، واصطِلاحًا: ترْكُ المدِّ، وَهُوَ الأصْلُ – "ثَبَتَا".
(70) "فلازِمٌ إن جاءَ بعدِ حرفٍ مدُّ" حرفٌ "ساكِنُ حاليْنِ" – بالإضافَةِ – أيْ ساكنٌ في حالَيْ الوصلِ والوقْفِ.
"وبالطُّولِ يُمَدُّ" بقدرِ أَلِفَيْنِ.
واللاَّزِمُ قِسمانِ:
1.لازمٌ كَلِميٌّ: نحو: { دَابَّةٍ }، و { ءَالذَّكَرَيْنِ } في وجهِ الإبدالِ.
2.لازِمٌ حَرْفيٌّ. نحْوُ { قَ } و { صَ }. لكنْ يجوزُ في "عَيْن" من فاتِحتَيْ "مريمَ" و "الشُّورَى" التَّوسُطُ، تفرقةً بينَ ما قبلَهُ حركةٌ من جِنسهِ، وبينَ ما قبلَهُ حركةٌ منْ غيرِ جنسِهِ؛ ليكونَ لحرْفِ المدِّ مزيَةٌ على "حرْفِ الِّلينِ".
أ-المدُّ الطَّبيعيُّ "اللاَّزِمُ".
وقد أخذَ في بيانِ أقسامِ المدِّ. فقالَ:
فَلاَزِمٌ إِنْ جَاءَ بَعْدَ حَرْفِ مَدْ = سَاكِنُ حَالَيْنِ وَبالطُّولِ يُمَدْ
ب. المَدُّ المُتَّصِلُ "الوَاجِبُ".
(71) "وواجِبٌ إنْ جاءَ قَبْلَ همزة" حالَ كونِهِ "مُتَّصِلاً إن جُمعا" بمعنى: بأنَّ جَمْعَ المدِّ والهمْزِ "بكلمةٍ: نحو {جاءَ}، و {بالسُّوءِ}، و{سِيءَ} وسُمِّيَ "مُتَّصِلاً" لاتِّصالِ الهمزَةِ بكلمةِ حرفِ المدِّ.
ولَهُ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ: وهو اتِّفاقُ القُرَّاءِ؛ على اعتبارِ أَثَرِ الهَمْزَةِ منْ حرفِ المدِّ.
ومَحَلُّ اختلافٍ: وَهُوَ تفاوتُهُم في الزِّيادَةِ. والمَدُّ فيه عندَ أبي عمرٍو، وقالُونَ، وابنِ كثيرٍ مِقْدَارُ أَلِفٍ ونِصْفٍ. وقيلَ: ورُبْعٍ، وعندَ ابنِ عامرٍ، والكِسائيِّ مِقْدَارُ أَلِفَيْنِ، وعندَ عاصِمٍ مِقْدَارُ أَلِفَيْنِ ونصفٍ. وعندَ حمزةَ وَوَرْشٍ مقدارُ ثلاثِ أَلِفَاتٍ. وكلُّهُ تَقْرِيبٌ لا يُضبطُ إلا بالمشافهةِ والإدمانِ.
ج- المَدُّ المُنفَصِلُ "الجائِزُ".
(72) "وجائِزٌ إذا أتَى" حالَةَ كونِهِ "مُنْفَصِلاً"، بأنْ يكونَ حرفُ المدِّ آخرَ الكلمةِ، والهمزةُ أوَّلُ كلمةٍ أُخرى. نَحْوُ: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ}.
"أو عرَضَ السُّكونُ وقفًا" أَوْ إدغامًا "مسجلاً" أي مُطْلقًا، وسواءٌ كانَ سكونًا محضًا، أو مَعَ إشْمامٍ.
بخلافِ الوقْفِ بالرَّوْمِ، فإنَّه كالوصلِ. نحوُ: { نستعينُ } ، ونحوُ { الرَّحيمِ مَلِكِ }– وفي قراءةِ أبي عمرٍو -، ونحوُ { وَلَا تَيَمَّمُوا } في قراءةِ البزِّيِّ.
وفي المدِّ للسُّكونِ المذكورِ ثلاثةُ أوجهٍ:
1- الطُّولُ حَمْلاً لهُ على اللاَّزِمِ بجامعِ اللَّفظِ والتَّوسُطِ لعرُوضِ السُّكونِ المحضِ عن لُزومِهِ.
2- والقصْرُ لجوازِ التِقَاءِ السَّاكنيْنِ في الوقفِ. فاستغنِي عن المدِّ.
3- وفي المَدِّ المُنفصِلِ خِلافٌ:
فَوَرْشٌ، وابنُ عامرٍ، وعاصِمٌ، وحمزةُ، والكِسائيُّ. يُثْبِتُونَهُ بلاَ خلافٍ.
وابنُ كثيرٍ، والسُّوسيُّ: ينفيانِهِ بلا خلافٍ. وقالونَ، والدوريُّ يُثبتانِهِ، وينفيانِهِ.
وتَفاوتُ المادِّينَ في الزيادةِ، كَتفاوتِهِم فيهَا – فيمَا مرَّ – في المدِّ المُتَّصِلِ.
والحاصِلُ أنَّ المدَّ قسمانِ:
أ- أَصْليٌّ: وَهُوَ المدُّ الطَّبيعيُّ الذي لا تقومُ ذاتُ الحرْفِ، إلاَّ بهِ، ولاَ يتوقَّفُ على سبَبٍ. نَحْوُ: { الذين آمنوا }، و { عَفَا}.
أ- وفَرعيٌّ: وهُوَ بخلافِ ذلكَ. وهُوَالذي تكلَّم عليهِ النَّاظِمُ. وسببُهُ همزٌ، أو سكونٌ؛ فَزِيدَ في حرفِ المدِّ لضَعْفِهِ، فيتقوَّى بالزِّيادَةِ.
وليسَ المدُّ حرفًا، ولا حرَكَةً.
والمدُّ معَ الهمزةِ قِسمانِ:
1- لاحقٌ لَهُ: نَحْوُ: {مَنْ ءَامَنَ}و {بِإِيمَانٍ}و {أُوتُوا}؛ فَلوَرْشٍ فيهِ المدُّ، والقصرُ، والتَّوسُّطُ.
2- وسابقٌ عليْهِ: وهو قِسمانِ: مُتَّصِلٌ، ومُنْفَصِلٌ.
والمدُّ مع السُّكونِ قسمانِ: لازمٌ، وجائِزٌ.
1- واللازمُ: قسمانِ:
- لازمٌ كَلِميٌّ.
- ولازمٌ حرفيٌّ.
وقد مرَّ ذلكَ، لكن اخْتَلَفُوا في مدِّ الميمِ منَ: {الم اللهُ} [آل عمران: 1].
ومنَ: { الم أَحَسِبَ النَّاسُ} [العنكبوت: 1-2] على قراءةِ ورشٍ بالنَّقلِ. فقيلَ: تُمَدُّ اعتبارًا بعدَمِ الاعتدادِ بالعارضِ – وهو الأكثرُ – وقيلَ: لا تُمَدُّ اعتبارًا بالاعتدادِ بالعارِضِ.
2- والجائِزُ: ما كانَ بسببِ سكونٍ لوقفٍ، أَوْ إدغامٍ.
وكذَا المدُّ المُنفَصِلُ – كما مرَّ – هذا وقد ذكَر ابنُ القَاصِحِ للمدِّ عشرةُ ألقابٍ. ذَكَرْتُها في مصنَّفٍ مُفرَدٍ، مُشتمِلٍ على أحكامِ النُّونِ السَّاكِنةِ والتَّنوينِ، والمدِّ، والقصْرِ.
المنح الفكرية لنور الدين علي بن سلطان محمد القاري
قال الإمام نور الدين علي بن سلطان محمد القاري
(ت:1014هـ): (بـــابُ المـَـدَّاتِ: وفي نحوِ طه القصرُ إذ ليسَ ساكنٌ = وما في أَلِفٍ من حرفِ مدٍّ فَيُمْطَلاَ والمدُّ قبلَ المُسَكَّنِ دونَ ما = قد مدَّ للهمزاتِ باستيقانِ مَدَدْتُ لأنَّ الساكنينِ تلاقيا = فصارا كتحريكٍ كذا قالَ ذو الخبرِ ومُدَّ له عندَ الفواتحِ مُشْبعًا = وفي عينٍ الوجهانِ والطولَ فَضَّلاَ وأطولُهم مدًّا بها جَوَّدَ فاضلٌ = ودونَهما نورٌ ودونَه رمْ كلا يمدُّ بقدرِ الخمسِ جَوَّدَ فاضلٌ = والأربعُ نجمٌ والثلاثُ رضًا كـلا عِبَارَاتُنا شتَّى وحسنُك واحدٌ = وكُلٌّ إلى ذاكَ الجمالِ يشيرُ.
(والمدُّ لازمٌ وواجبٌ أَتَى) أي: المدُّ (وجائزٌ وهو) أي: المدُّ (وقصرٌ ثبتَا) بألفِ التثنيَّةِ أي ثبتَ كِلاَهما؛ إذ الكَلاَمُ في المدِّ جائزٌ.والمدُّ لغةً الزيادةُ، واصطلاحًا: إطالةُ الصوتِ بحرفٍ مديٍّ مِن حروفِ العلَّةِ.
القَصْرُ لغةً: الحبسُ، واصطلاحًا:
تركُ المدِّ، وهو الأصلُ؛ إذ المدُّ لابدَّ له من وجودِ سببٍ يتفرَّعُ
عليه، وقالَ الجُعْبُرِيُّ: المدُّ طولُ زمانِ صوتِ الحرفِ، واللِّينُ:
أقلُّه، والقصرُ: عدمُهما، وقدَّمَ الناظمُ المدَّ على القصرِ معَ أنَّ
القصرَ هو الأصلُ؛ لأنَّه هو المقصودُ بالذكرِ؛لأنَّه يَبْحَثُ فيه
القُرَّاءُ، وأمَّا قولُ المصريِّ: إذ لافائدةَ في ذكرِ حكمِ القصرِ فخروجٌ
عن الحدِّ، إذ فيه الفوائدُ أيضًا من غيرِ الحصرِ، معَ أنَّ الأشياءَ
إنَّما تتبيَّنُ بأضدَادِهَا.
ثمَّ اعلمْ أنَّ حروفَ المدِّ ثلاثةٌ:
الألفُ , ولا تكونُ إلا ساكنةً، ولا توجدُ حركةُ ما قبلَها إلا مِن
جنسِها، وهو الفتحةُ، والياءُ الساكنةُ إذا كانَ قبلَها كسرةٌ، والواوُ
الساكنةُ إذا وقعَ قبلَها ضَمَّةٌ، أمَّا إذا كانَ قبلَ الواوِ والياءِ
الساكنتينِ فتحةٌ فيسمَّيَانِ حروفَ اللينِ (وإذا كانتا مُتَحَرِّكَتَيْنِ
فاخْتُصَّا بحرفِ العِلَّةِ. والحاصلُ أنَّ العِلَّةَ أعمُّ من المدِّ،
واللينِ) والألفُ دائمًا مدٌّ بخلافِ أخَويْها ثمَّ قيلَ بِتبايُنِ حرفيِ
المدِّ واللينِ وعدمِ صدقِ أحدِهما على الآخرِ في التمكينِ، لكن من
المحقِّقِينَ من جعلَ بينهما عمومًا وخصوصًا مطلقًا، معَ قولِه بذلكَ
الفرقِ السابقِ قاطعًا بصدقِ حروفِ اللينِ على حرفِ المدِّ، من غيرِ عكسٍ.
ثمَّ المدُّ نوعانِ (أصليٌّ)
وهو اللازمُ لحروفِ المدِّ الذي لا يَنْفَكُّ عنها، بل ليسَ لها وجودٌ
بعدمِه، لابتناءِ بِنْيَتِهَا عليه، ويسمَّى مدًّا ذاتيًّا وطبيعيًّا،
وامتدادُه قدرَ أَلفٍ، واجتمَعَت الثلاثةُ في كلمةِ (أُوتِينَا) فالحروفُ
الثلاثةُ شرطٌ لمُطْلَقِ المدِّ (وفرعيٌّ):
وهو ما يكونُ فيه سببٌ للزيادةِ على مِقْدَارِ المدِّ الأصليِّ، والمرادُ
(بالقصرِ) هو تركُ مدِّ تلكَ الزيادةِ , لا تركُ أصلِ المدِّ لما تقدَّمَ،
فافهمْ.
ثمَّ
السببُ لزيادةِ المدِّ إمَّا (همزٌ) أو (سكونٌ) والهمزُ: إمَّا توجدُ معَ
حرفِ المدِّ في كلمةٍ أو في كلمتينِ، والسكونُ (إمَّا لازمٌ أو عارضٌ، فالأقسامُ أربعةٌ:
لازمٌ، وواجبٌ , وجائزٌ , وعارضٌ،وسيأتي تعريفُ كُلٍّ في مَحلِّه معَ ما
يتعلَّقُ بحكمِه. قالَ ابنُ المصنِّفِ: وإلى الأربعةِ أشارَ في البيتِ.
قلتُ:
المصنِّفُ ما ذكرَ سابقًا في مقامِ الإجمالِ إلا ثلاثةً، وأمَّا فيما
سيأتي من بيانِ التفصيلِ فذكرَ الأربعةَ، وكأنَّهُ أدرجَ هنا العارضَ في
ضمنِ الجائزِ، لاشتراكِهما في حكمِ جوازِ المدِّ والقصرِ في الجملةِ، أو
بالنسبةِ إلى اختلافِ أهلِ القِراءةِ (فلازمٌ إنْ جاءَ بعدَ حرفِ مدٍّ) بتشديدِ الدالِ يُوقَفُ عليه بالسكونِ كما في قولِه تعالى: (تَبَّ) و (حَجَّ) ونحوِهما، ويخفَّفُ للوزنِ ( ساكنُ حالينِ وبالطولِ يُمَدُّ )
أي: يزدادُ حرفُ المدِّ، والمرادُ بالطولِ قدرُ ثلاثِ أَلِفَاتٍ، على
خلافٍ في اعتبارِ المدِّ الأصليِّ معَهما أو بدونِه، فلازمٌ خبرٌ لمبتدأٍ
مُقَدَّرٍ أي: فالمدُّ لازمٌ، وقولُه: (ساكنُ حالينٍ) فاعلُ (جاءَ) وهو
بالإضافةِ، أي: ساكنٌ في حاليِ الوصلِ والوقفِ، وقيلَ هو الذي لا يخلُو عن
السكونِ، والمؤدَّى واحدٌ والمعنى مُتَّحِدٌ وأمَّا العارضُ الذي يقابلُه
فهو أنْ يكونَ سكونُه عارضًا لأجلِ وقفٍ أو إدغامٍ كما سيأتي. والحاصلُ
أنَّ الفاءَ لتفصيلِ ما أُجْمِلَ أولًا فأخذَ بينَ كُلِّ نوعٍ مِن أنواعِ
المدِّ مُفَصَّلًا، فأخبرَ أنَّ المدَّ اللازمَ هو الذي جاءَ بعدَ أحدِ
حروفِ المدِّ حرفٌ ساكنٌ لازمٌ سكونُه في الحالينِ لا يختلفُ حالُه
باعتبارِ اختلافِ الوصلِ والوقفِ، فلا يَضُرُّ كونُ سكونِه عارضًا عندَ
الإعلالِ نحوُ (دَابَّةٌ) فإنها في الأصلِ كانت دَابِبَةً، على وزنِ
فَاعِلَةٍ فسُكِّنَت الباءُ الأُولَى وَأُدْغِمَتْ في الثانيَةِ، فلا
يُسَمَّى سكونُه عارضيًّا عندَ القُرَّاءِ، ثمَّ السكونُ إمَّا مُدْغَمٌ
نحوَ {ولا الضالِّين } و { أَتُحَاجُّونِي } و (هذانِ) (واللذانِ) عندَ مَن شدَّدَ نونَهما، و { آلذَّكَرَيْنِ }
في وجهِ الإبدالِ دونَ التسهيلِ، وهذا لازمٌ كَلِمِيٌّ ويُسَمَّى لازمًا
مشدَّدًا، وإمَّا غيرُ مُدْغَمٍ كما في فواتحِ السورِ مِن (ص) و (ق)
ونحوِهما، وهذا لازمٌ حرفيٌّ باعتبارِ أصلٍ كُلِّيٍّ، ويُسَمَّى لازمًا
مُخَفَّفًا، ويَلْحَقُ به نحوَ (آلآن) في موضعيِ يونسَ، وكذا في (واللائي) و
(مَحْيَايَ) في قراءةِ مَن أسكنَ ياءَيْهِما، (لأنَّهُ اعتبرَ فيه اللفظَ
اعتبارًا بالاعتدادِ العارضِ) واختلفَ في (آلم) في فاتحةِ البقرةِ وكذا في
فاتحةِ آلِ عمرانَ وقفًا، هل مدَّ اللامَ لكونِه مشدَّدًا أكثرَ، أو مدَّ
الميمَ؛ لأنَّه في محلِّ الوقفِ أظهرُ، والجمهورُ على التساوي على ماصرَّحَ
به الجُعْبُرِيُّ.
ثمَّ
اعلمْ أنَّ القُرَّاءَ أجمعُوا على مدِّ اللازمِ بقسميه مدًّا مُشْبَعًا
قدرًا واحدًا من غيرِ إفراطٍ فقدْ قالَ الناظمُ في (النشرِ): لا أعلمُ
بينَهم في ذلكَ خلافًا سَلَفًا ولا خَلَفًا إلا ما ذكرَه الأستاذُ الجاجانُ
في كتابِ (حِلْيةُ القُرَّاءِ) اتصالًا عن أبي بكرِ بنِ مِهْرانَ حيثُ
قالَ: والقُرَّاءُ مُخْتَلِفُونَ في مِقْدَارِه فالمحقِّقُون منهم على
أنَّهُ الإشباعُ، والأكثرونَ على إطلاقِ تمكينِ المدِّ فيه. ثمَّ اختلفُوا
أيضًا في تفاوتِ بعضِ ذلكَ على بعضٍ، فذهبَ كثيرٌ إلى أنَّ مدَّ المُدْغَمِ
منه أشبعُ تمكينًا مِن المُظْهَرِ، مِن أجلِ الإدغامِ، مثلَ (دَابَّة)
بالنسبةِ إلي (محياي) عندَ مَن أسكنَ، ويَنْقُصُ عندَ هؤلاءِ مدُّ (ص
والقرآنِ ذي الذكرِ) و (ن والقلمِ) عندَ مَن أظهرَ بالنسبةِ إلى مَن أدغمَ،
وذهبَ بعضُهم إلي عكسِ ذلكَ، وهوَ أنَّ مدَّ غيرِ المُدْغَمِ فوقَ
المدغَمِ، وقالَ: لأنَّ المدَّ يتحصَّلُ ويتقَوَّى بالحرفِ المدغمِ فيه
لحركتِه، فكأنَّ الحركةَ في المدغمِ فيه حاصلةٌ في المدغمِ فَقَوِيَ بتلكَ
الحركةِ،وإنْ كانَ الإدغامُ يُخْفِي الحرفَ، وذهبَ الجمهورُ إلى التسويَةِ
بينَ مدِّ المدغمِ والمظهرِ في ذلكَ كُلِّه، إذ المُوجِبُ للمدِّ هو
التقاءُ الساكنينِ، والتقاؤُهما موجودٌ في كُلٍّ، فلا حاجةَ للتفصيلِ في
ذلكَ كُلِّه، وهذا هوَ التحقيقُ فلا يُعْدَلُ عنه، وبه صرَّحَ أبو عمرٍو
الدانيُّ رحمَهُ اللهُ، وأمَّا ما ذكرَه ابنُ المصنِّفِ، وتبِعَه غيرُه،
هنا من نوعِ الجائزِ في الإدغامِ نحوُ {الرحيمِ ملكِ} { وفيه هدًى } كما هو قراءةُ أبي عمرٍو بروايةِ السوسيِّ، وكذا {لا تَيَمَّمُوا} و {لا تَعَاوَنُوا}
على روايةِ البَزِّيِّ عن ابنِ كثيرٍ، فليسَ في مَحَلِّهِ، إذ كَلاَمُ
المصنِّفِ على حسبِ مرامِه إنَّما هو في ساكنِ حالينِ، والأمثلةُ المذكورةُ
ليستْ كذلكَ، إذ الإدغامُ عندَ الوقفِ على الكلمةِ الأُولَى منهما،
فحقُّها أنْ تُذْكَرَ في المدِّ الجائزِ؛ لجوازِ مدِّها وقصرِها، كما
اختلفَ القُرَّاءُ فيها، أو في المدِّ العارضِ؛ لأنَّ العارضَ كما يكونُ في
الوقفِ يكونُ عارضًا في الوصلِ، وكذا (آلم الله) في الوصلِ عندَ الكُلِّ و { آلم أَحَسِبَ الناسُ }
عندَ الناقلِ وهو وَرْشٌ مطلقًا وحمزةُ وقفًا، من المدِّ الجائزِ أو
العارضِ؛ لأنَّه إن اعْتُبِرَ فيه اللفظُ اعتبارًا بالاعتدادِ بالعارضِ
جَرَى فيه وجوهُ سكونِ الوقفِ، من الطولِ، والتوسُّطِ، والقصرِ، لكن
صرَّحُوا بأنَّ التوسُّطَ ضعيفٌ، ولعلَّ هذا وجهُ اقتصارِ زكريَّا على ما
عدَاهُ، وأنَّ اعتبارَ الأصلِ عدمُ الاعتدادِ بالعارضِ، وهو الأكثرُ،
فالإشباعُ وأغربَ المصريُّ حيثُ جعلَ نحوَ { والصافاتِ صفًّا }بالإدغامِ عندَ حمزةَ ونحوَ { فَلاَ أَنْسَابَ بينَهُم } { ولا تَيَمَّمُوا }
مِن المدِّ اللازمِ، وقالَ خلافًا لبعضِهم حيثُ جعلَ مِن القسمِ الجائزِ،
والمَعْتمَدِ الأَوَّلُ، وهذا زللٌ منه وخَطَلٌ، فإنَّهُ ذهبَ إلى (خلافِ)
ما صرَّحُوا به، فما ذكَرْناه فهو المَعْوَّلُ.
ثمَّ
اعلمْ أنَّ أهلَ الأداءِ اتَّفَقُوا على إشباعِ المدِّ للساكنِ اللازمِ في
فواتحِ السورِ التي وُجِدَ فيها حرفُ المدِّ والسكونِ؛ ولذا قالَ الشاطبيُّ
رحمَهُ اللهُ تعالى:
واختلفُوا
في قدرِ مدِّ غيرِ الفواتحِ فمنهم مَن مدَّ قدرَ أَلِفَيْنِ كالفواتحِ،
وهو اختيارُ الناظمِ، وإليه أشارَ بقولِه (وبالطولِ يُمَدُّ) كذا ذكرَه
المصنِّفُ مُجْمَلًا، وينبغي أنْ يكونَ كَلاَمُه محمولًا على أنَّ المرادَ
بقدرِ أَلِفَيْنِ زيادةً على المدِّ الأصليِّ؛ ليَصِحَّ إطلاقُ الطولِ
عليه، فإنَّ أقلَّ الطولِ ثلاثُ ألفاتٍ، والتوسطُ قدرُ أَلِفَيْنِ ليَبْقَى
قدرُ ألفٍ للقصرِ، ثمَّ قالَ: ومنهم مَن مدَّ قدرَ ألفٍ واختارَه
الأهْوازيُّ، والسخاويُّ في قولِه شعرٌ:
أقولُ:
ومِن المَعْلومِ أنَّ أقلَّ مدِّ الهمزاتِ ثلاثةٌ إجماعًا فمرادُه بقدرِ
ألفِ غيرِ ما في حرفِ المدِّ من المدِّ الطبيعيِّ، ثمَّ وجهُ المدِّ
اللازمِ أنَّهُ تقرَّرَ في علمِ التصريفِ أنَّهُ لا يُجْمَعُ في الوصلِ
بينَ الساكنينِ، فإذا أدَّى الكَلاَمُ إليه حُرِّكَ أو حُذِفَ أو زِيدَ في
المدِّ لِيُقَدَّرَ مُحَرَّكًا، وهذا موضعُ الزيادةِ؛ ولذا قالَ
الخَاقَانِيُّ شعرٌ:
هذا
ويسمَّى (مدُّ العدلِ) أيضًا؛ لأنَّه يَعْدِلُ حركتَه، ولتساوِي القُرَّاءِ
في قدرِ مدِّهِ، قالَ ابنُ المصنِّفِ: ويُسَمَّى (مدَّ الحجزِ) أيضًا
لأنَّه فصلٌ بينَ الساكنينِ، وجعلَه خالدٌ في شرحِه (مدَّ الحجزِ) كقولِه: { أَأَنْذَرْتَهُمْ }
و (أَئِذَا) سُمِّيَ بذلكَ؛ لدخولِ الألفِ بينَ الهمزتينِ حاجزةً بينهما
وَمُبْعِدَةً إحدَاهما عن الأخرى عندَ بعضِ القُرَّاءِ ممَّن يُدْخِلُ
الألفَ بينَ الهمزتينِ كراهةَ توالِيهما مُتَحَرِّكَتَيْنِ سواءٌ كانتا
مُتَّفِقَتَيْنِ أو مُخْتَلِفَتَيْنِ.
ثمَّ
اعلمْ أنَّ لفظَ عينٍ في فاتحتي سورةِ مريمَ والشُّورى لمَّا كانَ ياؤُه
لينيَّةً غيرَ مديَّةٍ وإنْ كانَ سكونُ النونِ لازمًا اختلفَ القُرَّاءُ في
مقدارِ مدِّها فقالَ ابنُ المصنِّفِ: فيه الإشباعُ، والتوسُّطُ، وتبِعَه
الشيخُ زكريَّا، والمحقِّقُون مِن شرَّاحِ الشاطبيّةِ على جوازِ القصرِ
أيضًا كما أشارَ إليه الشاطبيُّ بقولِه:
لأنَّ
الوجهينِ وقعا مُبْهَمَيْنِ يحتملُ القصرَ والتوسُّطَ، ويحتملُ الطولَ معَ
أحدِهما، فيتحصَّلُ جوازُ الوجوهِ الثلاثةِ، فوجهُ الإشباعِ أنَّهُ قياسُ
مذاهبِهم في الفصلِ بينَ الساكنينِ وهو أعمُّ مِن اعتبارِ حرفِ اللينِ
والمدِّ معَ ما فيه من المناسبةِ لما جاورَه من الممدودِ، كصادٍ في مريمَ،
وسينٍ في الشورى، ووجهُ التوسِّطِ هو التفرقةُ بينَ ما يكونُ حركةُ ما
قبلَه من جنسِه وبينَ مالا يكونُ، لتوجدَ مَزِيَّةٌ لحرفِ المدِّ على
اللَّينِ، ووجهُ القصرِ أنَّ المدَّ من خواصِّ حرفِ المدِّ فينتفي
بانتفائِه، معَ أنَّ القصرَ هو الأصلُ.
هذه ثلاثةُ أوجهٍ
صرَّحَ الناظمُ بها في طَيِّبَتِه فقالَ: (ونحوُ عينٍ فالثلاثةُ لهم)
فَثَبَتَ الأوجهُ مِن الطريقينِ، فلا يُعْبَأُ بقولِ مُخَالفِها.
ثمَّ
اعلمْ أنَّهُ حيثُ قيلَ بالقصرِ في كلمةٍ فلا يُخْرِجُ بها عن المدِّ
الأصليِّ الذي لا يقومُ ذاتُ الحرفِ إلا به ولا يُتَوَقََّفُ على وجودِ
سببِ مَدِّهِ، فالمُخْرِجُ عنه مخطىءٌ؛ لأنَّه لايُتَوَصَّلُ إليه إلا
بإسقاطِ حرفٍ مِن القرآنِ.
(وواجبٌ إنْ جاءَ قبلَ همزةٍ) بالإشباعِ (مُتَّصِلًا إنْ جُمِعَا بكلمةٍ)
المشهورُ على ما في النسخِ المحررةِ والأصولِ المَعْتبرةِ بكسرِ همزةِ
(إنَّ ) على أنَّهَا للشرطِ، قالَ اليمنيُّ: والأَوْلَى أنْ يكونَ بفتحِ
الهمزةِ وتكونُ الباءُ مُقَدَّرَةً، قلتُ لم يَتَّجِهْ وجهُ الأُولَى معَ
أنَّ النسخةَ الأُولَى مُسْتَقِيمَةٌ في المعنى غيرُ محتاجةٍ إلى تقديرٍ في
المبنى ثمَّ قالَ: وفي بعضِ النسخِ (إذ جمعَا) فيكونُ تعليلًا للاتصالِ،
قلتُ: إن صحَّتْ (إذ) ولم يكنْ تصحيفًا (لأنَّ) فحينئذٍ ينبغي أنْ يكونَ
للظرفيَّةِ، إذ لم يَسْتَحْسِنْ تقديمَ التعليليَّةِ، أي والمدُّ واجبٌ إن
جاءَ حرفُ المدِّ قبلَ الهمزةِ حالَ كونِ حرفِ المدِّ مُتَّصِلًا بها بأن
اجْتَمَعَا في كلمةٍ واحدةٍ كما مثَّلَه الشاطبيُّ بقولِه: (كجِيءَ وعن
سوٍء وشاءَ اتِّصَالُه) ومنه قولُه: هاءُ (هؤلاءِ) فتنبَّهْ لهذا الأمرِ
اللغويِّ، فإنَّ الاعتبارَ بالاتِّصَالِ الأصليِّ، لا بالاتِّصَالِ
الكُتُبِيِّ ولا بالانفصالِ الرسميِّ، ومنه (النهيُ) عندَ مَن هَمَزَ
ويُسَمَّى هذا المدُّ مدَّ المُتَّصِلِ، لما ذكرَ، وله مَحَلُّ اتفاقٍ
ومَحَلُّ اختلافٍ، أمَّا الأَوَّلُ فاتَّفَقَ القُرَّاءُ جميعُهم من
السبعةِ والعَشْرَةِ وغيرِهم على اعتبارِ أثرِ الهمزةِ إذا كانتْ بعدَ
المدِّ، بخلافِه إذا كانَ الهمزُ قبلَ حرفِ المدِّ، كآمنَ وَأُوتِي،
وإيمانٌ، والآخرةُ، فإنَّه من مختصَّاتِ روايةِ وَرْشٍ، ويجوزُ له فيه
المدُّ، والتوسُّطُ، والقصرُ، وَيُسَمَّى مدَّ البدلِ، وكذا يجوزُ له
الوجهانِ في نحوِ (شيءٌ) و (سوءٌ) ممَّا يَقَعُ الهمزَ بعدَ أحدِ حرفي
اللينِ وصلًا ويجوزُ فيه الأوجهُ الثلاثةُ له ولغيرِه وقفًا لم يتعرَّض
الناظمُ لهما؛لأنَّ غرضَه في هذه المقدِّمَةِ بيانُ ما اتُّفِقَ عليها لا
ما اخْتُلِفَ فيها؛لأنَّها موضوعةٌ للمُبْتَدِئِينَ، على أنَّ مدَّ البدلِ
اقتصرَ على قصرِه ابنُ مجاهدٍ، وعليه العراقيُّونَ، واختارَه بعضُ
المحقِّقِينَ كالجُعْبُرِيِّ، من أنَّ حرفَ المدِّ الذي وقعَ بعدَ همزةٍ
مُتَّصِلَةٍ مُحَقَّقَةٍ أو مُخَفَّفَةٍ بالإبدالِ أو التسهيلِ، أو النقلِ
الجائزِ، مقصورٌ لكُلِّ القُرَّاءِ وجهًا واحدًا إلا أنَّ وَرْشًا مِن
طريقِ الأزرقِ.
وردَ عنه ثلاثُ طرقٍ:
القصرُ، وهو مذهبُ ابنِ غلبونَ، والتوسُّطُ وهو مذهبُ أبي عمرٍو الدانيِّ
ومكيٍّ، والطولُ وهو مذهبُ الهُذَلِيِّ فيما رواه عن شيخِه أبي عمرٍو،
وضبَطَه بالإشباعِ المفرطِ، وذهبَ الجمهورُ إلى الإشباعِ من غيرِ إفراطٍ،
وهو قدرُ ثلاثِ أَلِفَاتٍ، وممَّن روَى الثلاثةَ الصفراويُّ في إعلانِه،
والشاطبيُّ في قصيدتِه. وأمَّا الثاني وهو تفاوتُ الزيادةِ في مراتبِ
المدِّ فالذي نقلَه السخاويُّ عن شيخِه الإمامِ الشاطبيِّ أنَّهُ كانَ يرى
في هذا النوعِ مرتبتينِ طوليٌّ لوَرْشٍ وحمزةَ، ووسطَيٌ للباقينَ، قالَ
ابنُ المصنِّفِ: وكانَ الناظمُ يأخذُ به إذا قرأَ مِن طريقِ الشاطبيِّ،
أقولُ: وفي الطوليِّ خلافٌ، هل هو مِقْدَارُ خمسِ ألفاتٍ، أو أربعَ، وكذا
في الوسطيِّ، هل هو مِقْدَارُ أربعٍ، أو ثلاثٍ، ومنشأُ الخلافِ إدخالُ
المدِّ الأصليِّ فيه وتركُه، فالنزاعُ لفظيٌّ لاتحقيقيٌّ، قالَ ابنُ
المصنِّفِ: وإذا اعتَبَرْتَ مراتبَ القُرَّاءِ في الترتيلِ، والتوسطِ،
والحدرِ، تلخَّصَ منها أربعُ مراتبَ، فيكونُ أطولَهم في هذا النوعِ وَرْشٌ
وحمزةُ، ثمَّ عاصمٌ، ثمَّ ابنُ عامرٍ والكِسَائِيُّ، ثمَّ أبو عمرٍو وابنُ
كثيرٍ وقالونُ. وأقولُ: وقد جمعَها الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ الجَزْرِيِّ في
بيتينِ فقالَ:
وأقصرُ من هذينِ حافةُ بحرِه = بخلفِهما والقصرُ لا تَعُدَّ مُطَوَّلًا
لكن قولُه (بخلفِهما) إنَّما أرادَ في المدِّ المنفصلِ لهما، وقدْ أوضحَ المراتبَ بعضُهم بقولِه:
والاثنـانِ برٌ دارمٌ ثمَّ حامـدٌ = مراتبُ مدٍّ جاءَ في الهمزِ مُسَجَّلًا
ثمَّ
تفصيلُه ما ذكرَه المصنِّفُ في (التقريبِ) حيثُ قالَ: فالمُتَّصِلُ
اتَّفَقَ جمهورُ القُرَّاءِ على مدِّهِ قدرًا واحدًا مُشْبِعًا من غيرِ
إفحاشٍ، وذهبَ آخرون إلى تفاضُلِ مراتبِه كما تقدَّمَ، وهذه طريقةُ صاحبِ
التيسيرِ وغيرِه، وبه قرأتُ على عامَّةِ مشايخي، وبعضُهم لم يجعلْ سوى
مرتبتينِ، وهو اختيارُ أبي بكرِ بنِ مجاهدٍ، وصاحبِ العُنْوَانِ،
والشاطبيِّ، وبه كانَ يُقْرِئُ وبه أخذَ غالبًا، وقالَ أيضًا في (التقريبِ)
بعدَ ذِكْرِ اختلافِ مراتبُ القُرَّاءِ في المدِّ المُنْفَصِلِ على ماسبقَ
بيانُه:
وهذا بِناءً على ما عليه أكثرُ أهلِ الأداءِ من المشارقةِ والمَغَارِبَةِ،
وذهبَ آخرونَ على أنَّ وراءَ القصرِ مرتبتينِ، طوليٌّ لحمزةَ والأزرقِ،
ووسطيٌّ لمن بقِي، كما هو اختيارُ الشاطبيِّ ومَن مَعَه في المُتَّصِلِ،
وبه أُخِذَ اختصارًا / ا.هـ.
وأمَّا المدُّ اللازمُ
نحوَ (دابَّةٌ) فكُلُّهم يَقْرَءُونَ على نهجٍ واحدٍ على المختارِ، هكذا
نُقِلَ عن الجَزْرِيِّ مطلقًا واللهُ أعلمُ. وأمَّا ما نقلَه أبو شامةَ من
جوازِ قصرِ المُتَّصِلِ نقلًا عن الهُذَلِيِّ فمردودٌ بما صرَّحَ به
الناظمُ في (النشرِ) حيثُ قالَ: وهذا شيءٌ لم يَقُلْه الْهُذَلِيُّ ولا
ذكرَه العراقيُّ، وإنَّما ذكرَ العراقيُّ التفاوتَ في مدِّهِ فقطَ، ثمَّ
قالَ الناظمُ: وقدْ تَتَبَّعْتُه فلم أَجِدْه في قراءةٍ صحيحةٍ ولا شاذَّةٍ
بل رأيتُ النصَّ بمدِّهِ عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه يرفعُه إلى
النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (أنَّ ابنَ مسعودٍ كان يُقْرِئُ
رجلًا فقرأَ الرجلُ: { إنَّما الصدقاتُ للفقراءِ والمساكينِ }
مُرْسَلَةً فقالَ ابنُ مسعودٍ: ما هكذَا أقرأَنِيها رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: فقالَ: كيفَ أَقْرَأَكَها يا أبا عبدِ الرحمنِ؟
فقالَ: أقرأَنِيها: { إنَّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ والْمَسَاكِينِ } فمدَّها. قالَ الناظمُ: وهذا حديثٌ جليلٌ حُجَّةٌ ونصٌّ في هذا البابِ ورجالُ إسنادِه ثقاتٌ، رواه الطبرانيُّ في مُعْجَمه الكبيرِ.
ثمَّ
اعلمْ: أنَّ القُرَّاءَ اختلفُوا في مقدارِ هذه المراتبِ عندَ من يقولُ بها
فَقِيلَ: أولُ الرتبِ ألفٌ وربعٌ، قالَ زكريَّا: وهذا عندَ أبي عمرٍو
وقالَونَ وابنِ كثيرٍ، ثمَّ أَلِفٌ ونصفٌ، ثمَّ أَلِفٌ وثلاثةُ أرباعٍ ثمَّ
أَلِفَانِ، وقيلَ: أَوَّلُها أَلِفٌ ونصفٌ، ثمَّ أَلِفَانِ ثمَّ أَلِفَانِ
ونصفٌ، ثمَّ ثلاثُ ألفاتٍ، وهذا هو الذي اختارَه الجُعْبُرِيُّ، وقيلَ
أَوَّلُها ألفٌ ثمَّ ألفانِ، ثمَّ ثلاثٌ، ثمَّ أربعٌ، قالَ الروميُّ: وهذا
مذهبُ الجمهورِ. ولا يَخْفَى عليكَ أنَّ المرادَ بالألفِ ما عدا الألفَ
الذي هو المدُّ الأصليُّ، للإجماعِ على ذلكَ، وإمَّا مَعْرفَةُ مِقْدَارِ
المَدَّاتِ المُقَدَّرَةِ بالألفاتِ، فأنْ تقولَ مَرَّةً أو مرتينِ أو
زيادةً وتَمُدُّ صوتَكَ بقدرِ قولِك ألفٌ ألفٌ، أو كتابتُها، أو بقدرِ عقدِ
أصابعِك في امتدادِ صوتِها، وهذا كُلُّه تقريبٌ لا تحديدٌ للشأنِ، إذ لا
يَضْبِطُه إلا المشافهةُ والإدمانُ.
ثمَّ
وجهُ المدِّ أنَّ حرفَ المدِّ ضعيفٌ خفيٌّ، والهمزةُ حرفٌ قويٌّ صعبٌ،
فزِيدَ في حرفِ المدِّ تقويةً للضعيفِ عندَ مجاروةِ القويِّ، وقيلَ
ليتمكَّنَ من التلفُّظِ بالهمزةِ على حقِّها من شدَّتِها وجهرِها، ثمَّ لا
يَخْفَى أنَّ المدَّ ليسَ حرفًا ولا حركةً، بل زيادةً على كميَّةِ حرفِ
المدِّ إلا أنَّهَا عارضةٌ لا تقومُ إلا بها كالحركةِ عليها، وسيجيءُ
زيادةُ بيانٍ لها.
(وجائزٌ إذا أتَى مُنْفَصِلا)
أي: والمدُّ جائزٌ إذا جاءَ حرفُ المدِّ قبلَ الهمزةِ حالَ كونِ حرفِ
المدِّ مُنْفَصِلًا عن الهمزةِ، بأن اجتمعَا في كلمتينِ، وهو أنْ يكونَ
حرفُ المدِّ في آخرِ الكلمةِ الماضيةِ، والهمزةُ في أَوَّلِ الكلمةِ
الآتيةِ، وقد جمعَ الشاطبيُّ أمثلتَه في قولِه: (ومفصولُه في امها أمرُه
إلى) مُنَبِّهًا على أنَّ المُعْتَبَرَ في حرفِ المدِّ أنْ يكونَ
مَلْفُوظِيًّا لا أنْ يوجدَ مكتوبيًّا، ومِن اللَّطافةِ ما أشارَ في
العبارةِ مِن (أن) حصولَ الجمعِ بينَ المِثَالَيْنِ يُوَلِّدُ مثالًا
ثالثًا، وهو وقوعُ حرفِ الألفِ قبلَ الهمزةِ، فَتَأَمَّلْ فإنه عليه
المُعَوَّلُ، وإنَّما سُمِّيَ هذا المدُّ جائزًا لاختلافِ القُرَّاءِ فيه،
فإنَّ ابنَ كثيرٍ والسُّوسِيَّ يَقْصُرانِه بلا خلافٍ، وقالَونُ
والدُّوريُّ يَقْصُرانِه ويَمُدَّانِه، والباقونَ يَمُدُّونَه بلاخلافٍ،
وتفاوُتُ هذا المدِّ المنفصلِ في الزيادةِ كتفاوتِهم فيها، كما مرَّ في
المدِّ المُتَّصِلِ، وقد يقالُ: سُمِّي جائزًا؛ لأنَّه إنَّما يجوزُ مَدُّه
إذا وصلَ بينَ الكلمتينِ في القِراءةِ، وأمَّا إذا وقفَ على الكلمةِ
الأُولَى فلا مدَّ أصلًا كما لا يَخْفَى، وقيلَ: سُمِّيَ جائزًا لجوازِ
زوالِ سببِهِ فيجوزُ قصرُه حينئذٍ كما بيَّنَاهُ، وأمَّا قولُ المصريِّ:
فالجائزُ ما كانَ مدُّه جائزًا عندَ جميعِ القُرَّاءِ معَ جوازِ القصرِ،
وقيلَ ما جازَ مدُّهُ عندَ جميعِ القُرَّاءِ والعبارةُ الأُولَى أَوْلَى،
فلا يخفى أن كِلَيْهِما لا يصحُّ عندَ أربابِ المبنى وأصحابِ المعنى كما
سبقَ مِن أنَّ المدَّ المُنْفَصِلَ يَجِبُ قصرُه عندَ بعضٍ، فلا يجوزُ
مَدُّهُ عندَهم، ويجبُ مدُّه عندَ آخرينَ، فلا يجوزُ قَصْرُه عندَهم،
وإنَّما جازَ الوجهانِ عندَ بعضِهم، نعم يجوزُ حملُ الجائزِ في كَلاَمِه
على أحدِ نوعيه وهو المدُّ العارضُ، لكن إطلاقُه في مقامِ الفرقِ بينَ
الواجبِ واللازمِ خطأٌ، معَ أنَّ مؤدَّى العبارتينِ في كَلاَمِه مُتَّحِدٌ،
فلله درُّ القائلِ:
فالرجلُ
كحاطبِ ليلٍ، لا يفرِّقُ ما وقعَ في يدِه من حصولِ نَيْلٍ، فوجهُ المدِّ
اعتبارُ اتصالِهما لفظًا في الوصلِ، واعتبارُ العارضِ كاللازمِ،ولما رُوِيَ
"أنَّهُ سُئِلَ أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه عن قراءةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيهِ وَسَلَّمَ فقالَ: " كانَ يَمُدُّ صوتَه مَدًّا " وهذا الخبرُ عامٌّ
في المُتَّصِلِ والمُنْفَصِلِ وغيرِهما من أنواعِ المدِّ، كذا ذكَرَه
المصنِّفُ، لكن ينبغي أنْ يُفْصَلَ ويُحْمَلَ كُلُّ موضعٍ مِن مُحالِّ
المدِّ على مِقْدَارِه اللائقِ به، حتى يَشْمَلَ المدَّ الأصليَّ
والفرعيَّ، والاتفاقيَّ والاختلافيَّ.
وأمَّا وجهُ القصرِ
فهو إلغاءُ أثرِ الهمزةِ، لعدمِ لزومِه باعتبارِ حالِ الوقفِ؛ فإنَّ
العارضَ بمنزلةِ المَعْدومِ. وأمَّا مانَقَلَ أبو عليٍّ الْأَهْوَازِيُّ عن
الحلوانيِّ والهاشميِّ كِلاَهُما عن القَوَّاسِ عن ابنِ كثيرٍ في جميعِ ما
كانَ مِن كلمتينِ تجويزُ البترِ، وهو حذفُ الألفِ والواوِ والياءِ، فقد
قالَ أبو عمرٍو الدانيُّ: هذا مكروهٌ قبيحٌ لا يُعَوَّلُ عليه ولا يُؤْخَذُ
به؛ إذ هو لحنٌ لا يجوزُ بوجهٍ ولا تَحِلُّ القِراءةُ به.
قالَ: ولعلَّهم أَرَادُوا حذفَ الزيادةِ لحرفِ المدِّ وإسقاطَها وعبَّرُوا عن ذلكَ بحذفِ حرفِ المدِّ وإسقاطِه مجازًا.
(أوعَرَضَ السُّكُونُ وقفًا مُسْجَلا)
أو للتنويعِ لا للترديدِ، عاطفةٌ لما بعدَها على قولِه: (أتى) أي: والمدُّ
جائزٌ أيضًا إذا عرضَ السكونُ حالَ كونِ السكونِ ذا وقفٍ أو موقوفًا عليه،
ومعنى (مُسْجَلا) مطلقًا بأنْ يكونَ الوقفُ بالإسكانِ، سواءٌ يكونُ معَه
الإشمامُ أم لا، بخلافِ ما إذا كانَ الوقفُ بالرَّوْمِ، فإنَّهُ حينئذٍ
حُكْمُهُ حكمُ الوصلِ، وسيأتي بيانُ الرَّوْمِ والإشمامِ في مَحَلِّهِما،
معَ اختلافِ مَحَالِّهِما، وأمَّا عطفُ الشيخِ زكريَّا (وقفًا) على قولِه
(أو إِدْغَامًا) أي: صاحبَ إدغامٍ، فلا دلالةَ عليه في كَلاَمِ المصنِّفِ
أصلًا، إلا أنَّهُ كالمُسْتَدْرِكِ عليه أوردَه فصلًا، ويُعْتَذَرُ عن
المصنِّفِ بأنَّهُ إنَّما حصلَ هذه المقدِّمَةُ لما اتَّفَقَ عليه
الأُمَّةُ أو ذهبَ إليه أكثرُ الأئمَّةِ، ثمَّ الأمثلةُ في الوقفِ العارضِ
نحوُ: (الرحيمُ) و (نستعينُ) و (الصراطُ) فيجوزُ في كُلٍّ منها لكُلِّ
القُرَّاءِ ثلاثةُ أوجهٍ: الطولُ، والتوسُّطُ، والقَصْرُ، فوجهُ الطولِ
حملُه على اللازمِ بجامعِ اللفظِ، ووجهُ التوسُّطِ اعتبارُ سكونِ الوقفِ
العارضِ مُلاحَظًا عن سكونِ اللازمِ، أو التعادلِ بينَ الحالينِ رعايةً
للجانبينِ، ووجهُ القَصْرِ معَ ما ذكَرَ فيما سبقَ أنَّ الوقفَ يجوزُ فيه
التقاءُ الساكنينِ مطلقًا فاسْتُغْنِيَ عن المدِّ. أقولُ: وهذه الأوجهُ
الثلاثةُ تجوزُ في السكونِ العارضِ عندَ الجميعِ أيضًا، ولو كانَ بعدَ حرفِ
اللينِ، نحوُ (لاخوفَ) و (لاضيرَ) إلا أنَّ الطولَ (أفضلُ ثمَّ التوسطُ،
وهذا في حرفِ المدِّ، وأمَّا حرفُ اللينِ فالقصرُ أولى ثمَّ التوسُّطُ،
وقالَ زكريَّا: وفي نحوِ { الرحيمِ مالكِ }
في قراءةِ أبي عمرٍو أي: بروايةِ السُّوسِيِّ، ونحوِ: { ولاتَيَمَّمُوا }
في قراءةِ البزيِّ يجوزُ ثلاثةُ أوجهٍ. أقولُ: فكأنَّهُم قاسُوا العارضَ في
الوصلِ على العارضِ في الوقفِ، فأُعْطِي له حُكْمُهُ، فالشرطُ أنْ لا
يَقِفَ على الكلمةِ الأُولَى، سواءٌ وقفَ على الأخرى أو أوصلَها بما
بعدَها. فإنْ قلتَ: إنَّ ما يُفْهَمُ من قولِ الناظمِ (وجائزٌ) أنَّ المدَّ
جائزٌ، وكذا قَصْرُه، بحكمِ مفهومِه، أو باعتبارِ أنَّ أحدَ الجائزينِ
مدٌّ والآخرَ منهما قصرٌ، فالتوسُّطُ أمرٌ زائدٌ لا يُؤْخَذُ منه، ولا
يشيرُ إليه ما يدلُّ عليه، فالجوابُ: أنَّ المُرَادَ بالمدِّ هو الحدُّ
الزائدُ على القَصْرِ، وهو أعمُّ مِن أنْ يكونَ طُولًا أو توسطًا، ولهذا
نصَّ المصنِّفُ على الأَوَّلِ في المدِّ المُتَّصِلِ بقولِه: (بالطولِ
يُمَدُّ)؛ لئلاَّ يُتَوَهَّمَ مطلقًا المدُّ الشاملُ له ولغيرِه، أو نأخذُ
مِن عمومِ القصرِ الذي هو نقيضُ المدِّ ما يكونُ قصرًا حقيقيًّا أو
إضافيًّا، كما يُسْتَفَادُ من صنيعِ الشاطبيِّ رحمَهُ اللهُ في قولِه
(بطولٍ وقصرٍ وصلُ وَرْشٍ ووقفُه) فإنَّ الإجماعَ على أنَّ مرادَه (بقصرٍ)
هو التوسُّطُ، لكن لو قالَ بدلَه: (ووسَطٍ) لكانَ صريحًا على المقصودِ.
ثمَّ
اعْلَمْ أنَّ ههنا دقيقةً، وهي أنَّ إدخالَ الألفِ بينَ الهمزتينِ على ما
هو المُقَدَّرُ عندَ بعضِ القُرَّاءِ وإنْ كانَ حرفَ مدٍّ فليسَ بموجِبٍ
لزيادةِ الامتدادِ، وإن وقعَ بعدَه سببٌ مِن همزٍ مُحَقَّقٍ أو مُسَهَّلٍ،
كروايةِ هشامٍ عن الإمامِ الشاميِّ في نحوِ (أأنتم) بخلافِ إبدالِ الهمزةِ
الثانيَةِ ألفًا حيثُ يَتَوَلَّدُ منه المدُّ اللازمُ، والفرقُ أنَّ أصلَ
هذه الألفِ موجودٌ في بنيةِ الكلمةِ، بخلافِ الأُولَى فإنَّه ليسَ له ثبوتٌ
في الرسمِ أصلًا، وبهذا يتبيَّنُ أنَّ صورةَ الألفِ إنَّما هي للهمزةِ
الثانيَةِ وأنَّ الأُولَى هي الساقطةُ خلافًا لِمَن خالفَ في هذه القاعدةِ.
ثمَّ
اعلمْ أنَّ الألفَ مُرَكَّبٌ مِن فتحتينِ، والواوَ مُرَكَّبٌ مِن
ضمَّتَينِ، والياءَ مُرَكَّبٌ مِن كسرتينِ، فإذا أَشْبَعْتَ الفتحةَ
يتولَّدُ منها ألفٌ، وإذا أَشْبَعْتَ الضمَّةَ يتولَّدُ منها الواوُ، وإذا
أشبعتَ الكسرةَ يتولَّدُ منها الياءُ، كذا ذكرَ الشارحُ اليمنيُّ، وفيه
إيماءٌ إلى أنَّ هذه الحركاتِ هي أصولُ هذه الحروفِ، ومختارُ الشاطبيِّ
أنَّ القضيَّةَ مُنْعَكِسَةٌ حيثُ قالَ: وأمَّا هما واوٌ ياءٌ. يؤيدُه
ماذكرَه مِن أنَّ الحروفَ ذاتٌ، والحركةَ عَرَضٌ يَحُلُّهَا.
ثمَّ
اعلمْ أنَّ الفرقَ المذكورَ بينَ اللازمِ والواجبِ اصطلاحيٌّ، أمَّا
اعتبارُ المعنى اللغويُّ وكذا العرفيِّ فلا فرقَ بينهما، فإنَّه لايجوزُ
قصرُ أحدِهما عندَ جميعِ القُرَّاءِ، فلو قُرِيءَ بالقصرِ يكونُ لحنًا
جليًّا وخطًأ فاحشًا مُخَالِفًا لما ثبَتَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالطرقِ المُتَوَاتِرَةِ، وكذا إذا زاد في المدِّ
الأصليِّ والطبيعيِّ على حدِّه العرفيِّ مِن قدرِ ألفٍ، بأنْ جعلَه قدرَ
ألفينِ أو أكثرَ، كما يفعلُه أكثرُ الأئمَّةِ مِن الشافعيَّةِ والحنفيَّةِ
في الحرمينِ الشريفينِ في الحرمِ المُحْتَرَمِ، فإنَّه مُحَرَّمٌ قبيحٌ،
لاسيَّما وقدْ يَقْتَدِي بهم بعضُ الجهلةِ ويَسْتَحْسِنُ ما صدرَ عنهم من
القُرَّاءِ، وأمَّا إذا قصَرَ المُنْفَصِلَ جازَ، لكن ينبغي أنْ لا يقعَ
تركيبٌ وتلفيقٌ في قراءتِه، بأنْ يَمُدَّ في موضعٍ ويَقْصُرَ في موضعٍ
فإنَّهُ مكروهٌ، وأمَّا إذا كانَ في نَفَسٍ واحدٍ فهو أشدُّ كراهةً.
ثمَّ
اعلمْ أنَّ الزيادةَ على مِقْدَارِ الواردِ في حدِّ المدِّ أيضًا ممنوعٌ،
فمذهبُ الجمهورِ أنَّ قَدْرَ المدِّ الأطولِ خمسُ أَلِفَاتٍ وقدرَ المدِّ
الطولِ أربعُ أَلِفَاتٍ، وَقَدْرَ المدِّ المُتَوَسِّطِ ثلاثُ (أَلِفَاتٍ)
وَقَدْرَ المدِّ فوقَ القصرِ ألفانِ، وَمَذْهَبُ العراقيَِّينِ أنَّ قَدْرَ
المدِّ الطولِ أربعُ أَلِفَاتٍ، ثمَّ يَنْقُصُ النصفَ في كُلِّ مرتبةٍ حتى
ينتهيَ إلى مرتبةِ القصرِ وهي ألفٌ واحدٌ، ومذهبُ الصقليِّ أنَّ المدَّ
الطولَ ألفانِ، ثُمَّ يَنْقُصُ في كُلِّ مرتبةٍ ربعَ ألفٍ، لكن
الجُعْبُرِيُّ ردَّ المذهبَ الأَوَّلَ في المُتَّصِلِ والمُنْفَصِلِ، حيثُ
قالَ: ولا تحصيلَ لمن قالَ غايتُهما خمسٌ للخروجِ مِن الحدِّ، واختارَ
المذهبَ الثانيَ حيثُ قالَ وهذا أعدلُ وبه قرأتُ. أقولُ: والأَولَى أنْ
يكونَ مرادُ الجمهورِ بالخمسِ بِناءً على إدخالِ المدِّ الأصليِّ، ومرادُ
غيرِهم بالأربعِ ما عدَاه، فالخلافُ لفظيٌّ لا حقيقيٌّ.
والحاصلُ
أنَّهُ لايجوزُ الزيادةُ على مِقْدَارِ خمسِ أَلِفَاتٍ إجماعًا فما
يَفْعَلُه بعضُ الأئمَّةِ وأكثرُ المؤذِّنِينَ فمِن أقبحِ البدعةِ وأشدِّ
الكراهةِ، وأمَّا تقديرُ الهُذَلِيِّ الطُّوليَ بستِ أَلِفَاتٍ وذلكَ في
(كاملِه) لوَرْشٍ فيما رواهُ الحدَّادُ وابنُ نفيسٍ وابنُ سفيانَ وابنُ
غلبونَ فنسَبُوه في ذلكَ إلى الوهمِ كما قالَ المصنِّفُ رحمَهُ اللهُ في
(نشرِه) واللهُ أعلمُ.
ثمَّ
لمَّا عرَفْتَ أنَّ الهمزةَ والسكونَ هو السببُ لزيادةِ المدِّ فلا وجهَ
لمَن مدَّ (معَايشَ) و (داودَ)؛ إذ ليسَ بعدَ ألفِهما إلا الياءُ والواوُ
المُتَحَرِّكَانِ، وهما ليسا من أسبابِ المدِّ، وأمَّا ما ذكرَه خالدٌ مِن
أنَّ أقسامَ المدِّ أربعةَ عشرَ وكذا عدَّ غيرُه تسعةً وعشرين فكُلُّها
مُنْدَرِجَةٌ فيما ذُكِر إجمالًا، وإنَّما اخْتُلِفَ باختلافِ الأسماءِ،
فكُلُّ الصيدِ في جوفِ الفِرَا، كما وردَ عن سيِّدِ الوَرَى. هذا وقد أطلقَ
الشاطبيُّ في فروشِ المدِّ , وأرادَ به حرفَه كقولِه: و (في حاذرونَ
المَدُّ) واستعملَ القصرَ فيه أيضًا , وأرادَ به حذفَه كقولِه: المدُّ ,
وأرادَ به حرفَه كقولِه: (وفي لابثينَ القصرُ) ثمَّ اعلمْ أنَّ الشارحَ
المصريَّ ذكرَ أنَّ الساكنَ العارضَ بقسميه للقُرَّاءِ فيه ثلاثةُ مذاهبَ:
الأَوَّلُ الإشباعُ، كاللازمِ، لاجتماعِ الساكنينِ اعتدادًا بالعارضِ، وهو
اختيارُ الشاطبيِّ لجميعِ القُرَّاءِ، فهذا قد يُتَوَهَّمُ منه أنَّ مِن
طريقِ الشاطبيّةِ ليسَ لكُلِّ القُرَّاءِ إلا المدُّ، وليسَ كذلكَ لقولِه:
في الشاطبيّةِ ( وعن كُلِّهم بالمدِّ ما قيلَ ساكنٌ) أي: من السكونِ
اللازميِّ لِمُقَابَلَتِه بقولِه: (وعندَ سكونِ الوقفِ وجهانِ أصلًا) معَ
ما فيه مِن الإشارةِ إلى أنَّ الوجهينِ أصلانِ، وهما المدُّ والقصرُ، وجهٌ
فرعٌ يتفرَّعُ عليهما مِن عدمِ اعتبارهِما، هو التوسُّطُ فيما بينَهما،
ليُعَدَّ الأمرُ بالحطِّ عن درجةِ الأُولَى، وبالرفعِ في درجةِ الأُخْرَى.
بـابٌ في أسبـابِ المدِّ المَعْنـويِّ:
ثمَّ
اعلمْ أنَّ أسبابَ المدِّ منها لفظيٌّ كما تقدَّمَ، ومنها مَعْنويٌّ، وهو
قصدُ المبالغةِ في النفيِ، وهو سببٌ قويٌّ مقصودٌ عندَ العربِ، وإن كان
أضعفَ من السببِ اللفظيِّ عندَ القُرَّاءِ، ومنه مدُّ التعظيمِ في نحوِ لا
إلهَ إلا اللهُ، ولا إلهَ إلا أنتَ، وهو قد وردَ عن أصحابِ القصرِ في
المُنْفَصِلِ لهذا المعنى، كما نصَّ على ذلك أبو مَعْشَرٍ الطبريُّ وأبو
القاسمِ الهُذَلِيُّ وابنُ مِهْرانَ، وغيرُهم، ويقالُ له أيضًا: مدُّ
المبالغةِ، قالَ ابنُ مِهْرانَ: وإنَّما سُمِّيَ بمدِّ المبالغةِ؛ لأنَّه
طلبٌ للمبالغةِ في نفيِ إلهيَّةِ سوى اللهِ سبحانَه وتعالى، قال: وهذا
مذهبٌ مَعْروفٌ عندَ العربِ؛ لأنَّها تُمَدُّ عندَ الدعاءِ وعندَ
الاستغاثةِ، وقد استحبَّ العلماءُ المحقِّقُونَ مدَّ الصوتِ بلا إلهَ إلا
اللهُ إشعارًا بما ذكرْنَاه وممَّا يدلُّ على ذلكَ ما رُوِيَ في الحديثِ عن
ابنِ عمرَ مرفوعًا إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ
قالَ لا إلهَ إلا اللهُ ومدَّ بها صوتَه أَسْكَنَهُ اللهُ تعالى دارَ
الجلالِ سَمَّى بها نفسَه فقالَ: ذو الجلالِ والإكرامِ، ورَزَقَهُ النظرَ
إلى وجَهِهِ) وفي الحديثِ عن أنسٍ: (مَن قالَ لا إلهَ إلا اللهُ ومدَّها هدِمَتْ له أربعةَ آلافِ ذنبٍ)
قالَ الناظمُ في النشرِ: وكلا الحديثينِ ضعيفانِ إلا أنَّهُ يُعْمَلُ بهما
في فضائلِ الأعمالِ. أقولُ: وعلى تقديرِ صحَّتِه وجوازِ العملِ بروايتِه
ليسَ فيه إلا تقويَةٌ لِمَذْهَبِ القائلِ بمدِّ المنفصلِ، ولا يلزمُ منه
أنْ يكونَ مدُّه وجهًا لمن يُجَوِّزُ قَصْرَ المُنْفَصِلِ؛ ولهذا ما
عَرَّجَ عليه الشاطبيُّ وجمهورُ القُرَّاءِ، وإنَّما هو من طريقِ
المصنِّفِ، وكذا ما جاءَ مِن مدِّ المبالغةِ للنفيِ في نحوِ (لاريبَ) التي
للتبرئةِ عن حمزةَ فإنَّه لا يصحُّ من طريقِ الشاطبيّةِ وعامَّةِ أهلِ
القِراءةِ، بل هي روايةٌ شاذَّةٌ عندَ أهلِ الدرايةِ.
الفوائد التجويدية للشيخ: عبد الرازق بن علي موسى
قال الشيخ عبد الرازق بن علي بن إبراهيم موسى المصري (ت:
1429هـ): (بابُ المــدِّ والقَصْــرِ: ثم انتَقلَ الناظمُ رحِمَه اللهُ تعالى إلى أحكامِ المدِّ وأقسامِه وتعريفِ كلِّ قِسمٍ فقالَ: 69 - والمـدُّ لازمٌ وواجـبٌ أَتَــى = وجـائزٌ وهْـوَ وقصْـــرٌ ثَبَتَـا 70 - فـلازمٌ إن جاءَ بعدَ حرفِ مدْ = ساكنُ حالَيْن وبـالطـولِ يُمَــدْ الياءُ والواوُ حروفُ عِلَّةٍ أبـدا = ولِينٍ إن سَكَنا مـن غيرِ تَقييدِ للمدِّ عشـرةُ ألقـابٍ أُفيدُكَهـا = الحجْزُ والعدْلُ والتمكينُ والبـدَلُ أقسـامُ لازمٍ لديهِــم أربعـــهْ = وتلـك كَلِمِــيٌّ وحــرفيٌّ معَـهْ
70 - فـلازِمٌ إن جاءَ بعدَ حرفِ مدْ = ساكنُ حالَيْن وبـالطُّـولِ يُمَــدْ
71 - وواجبٌ إن جاءَ قبـلَ همـزةِ = متَّصلاً إن جُمِعَــا بكلـمـــةِ
72 - وجائزٌ إذا أَتــى منْفصِــلا = أو عرَضَ السكونُ وقْفـاً مُسْجَـلا
والمَدُّ لغةً: الزيادةُ ومنه قولُه تعالى: { وَيُمْدِدْكُمْ بَأَمْوَالٍ } (نوح:آية 12) أي يَزِدْكُمْ.
واصطلاحاً: هو إطالةُ الصوتِ بحرفٍ من حروفِ المَدِّ واللِّينِ أو بحرفٍ من حرْفَي اللِّينِ فقط.
والقصْرُ لغةً: الحبْسُ، ومنه قولُه تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ} (الرحمن: آية 72) أيْ مَحبوساتٌ.
واصطلاحاً:
هو إثباتُ ذاتِ حرفِ المَدِّ فقط وحرفِ اللِّينِ وحدَه من غيرِ زيادةٍ
عليهما، والقصْرُ هو الأصْلُ لعدَمِ توقُّفِه على سببٍ والمَدُّ فرْعٌ عنه
لتوقفه على سببٍ سواءً أكان المَدُّ إشباعاً أم توسُّطاً.
وحروفُ المَدِّ ثلاثةٌ وهي:
الواوُ الساكنةُ المضمومُ ما قبلَها والياءُ الساكنةُ المكسورُ ما قبلَها،
والألفُ الساكنةُ ولا يكونُ ما قبلَها إلا مفتوحاً، وإذا تقرَّرَ ذلك
فالمَدُّ على ثلاثةِ أقسامٍ لازمٌ وواجبٌ، وجائزٌ، فالأوَّلُ والثاني يَجبُ
مدُّهما ويَمتنعُ قصْرُهما، والثالثُ يَجوزُ مدُّه وقصْرُه، والألِفُ في
قولِه: ثبتا، للتثنِيَةِ أي ثَبتَ المَدُّ والقصْرُ في الْقُرْآنِ
الْكَرِيمِ هذا ما يَتعلَّقُ بأقسامِ المَدِّ وأما تعريفُ أقسامِه وأحكامِه
فقالَ رحِمَه اللهُ:
يعني
أنَّ المَدَّ اللازمَ، هو أن يَقعَ بعدَ حرفِ المَدِّ في كلمةٍ ساكنٌ لازمٌ
حالَتَي الوصْلِ والوقْفِ، وهو كَلِمِيٌّ وحرْفِيٌّ وكلٌّ منهما مثَقَّلٌ
ومُخفَّفٌ، فالكَلِمِيُّ المثقَّلُ مثلُ {الْحَاقَّةُ} والكَلِمِيُّ المُخفَّفُ مثلُ {آلْآنَ} مَوضِعَي يونُسَ، واجتمَعَ الحرْفِيُّ المثَقَّلُ والمخفَّفُ في {الم}
وسُمِّيَ لازماً للزُومِ سببِه في كلِّ حالٍ أو لأنه يَلزمُ المَدُّ
لجميعِ القرَّاءِ قَدْراً واحداً مشبَّعاً من غيرِ إفحاشٍ ولا خروجٍ عن
منهاجِ العربيَّةِ وقدَّرَه الناظمُ بثلاثِ ألِفَاتٍ وإليه الإشارةُ بقولِه (وبالطُّولِ يُمَدْ)
أي بقدْرِ ألِفَيْن زيادةً على المَدِّ الأصليِّ فتكونُ الجملةُ ثلاثَ
ألفاتٍ كذا قيلَ كما ذكرَه ابنُ يالوشةَ في شرحِه على المقدِّمةِ ص 43،
وجهُ المَدِّ اللازمِ أنه تَقرَّرَ في علْمِ الصرْفِ أنه لا يَجتمعُ في
الوصْلِ بين ساكنَيْن فإذا أدَّى الكلامُ إليه حُرِّكَ أو حُذفَ أو زِيدَ
في المَدِّ ليُقَدَّرَ مُتحرِّكاً وهذا من مواضعِ الزيادةِ.
الأصلُ في المَدِّ:
أما الأصْلُ في المَدِّ فهو حديثُ موسى بنِ يزيدَ الكِنديِّ قالَ: كان ابنُ مسعودٍ يُقرئُ رجلاً فقَرأَ الرجلُ { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ }
مرسَلةً يعني مقصورةً فقالَ ابنُ مسعودٍ: ما هكذا أَقرأَنِيها رسولُ اللهِ
صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ وكيفَ أَقرأكَها؟ قالَ: أَقرأنيها { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَاكِينِ }
فمَدَّها وقد خرَّجَه السيوطيُّ في الدُّرِّ المنثورِ فقالَ: أخرجَه سعيدٌ
ابنُ منصورٍ والطبرانيُّ وابنُ مرْدَوَيْهِ، وذكَره الحافظُ ابنُ
الجَزْرِيِّ في النشْرِ بِسندِه إلى ابنِ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنه بِلفظٍ
مقارِبٍ وقالَ فيه هذا حديثٌ حُجَّةٌ ونَصٌّ في هذا البابِ رجالُ إسنادِه
ثقاتٌ رَواه الطبرانيُّ في معجَمِه الكبيرِ، انتهى من النشْرِ بلفظِه 1/
315.
أقولُ هذا أصلٌ في بابِ المَدِّ خُصوصاً وفي وُجوبِ التجويدِ عُموماً.
ومن
الأدلَّةِ على المَدِّ عموماً، ما رَواه البخاريُّ في صحيحهِ: بابُ مَدِّ
القِراءةِ عن قَتادةَ قالَ: سألتُ أنسَ بنَ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ عن
قراءةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ: (كَانَ يَمُدُّ مَدًّا)، ورواه النسائيُّ عن قتادةَ بلفظِ: سألتُ أنَساً كيفَ كانت قراءةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قالَ: (كَانَ يَمُدُّ صَوْتَهُ مدًّا).
الفرْقُ بينَ حروفِ المَدِّ واللِّينِ وحرفا اللِّينِ وشروطُ كلٍّ:
أما
حروفُ المدِّ واللِّينِ فثلاثةٌ يَجمعُها لفظُ "واي" وهي الواوُ الساكنةُ
المضمومُ ما قبلَها نحوَ: "يَقُولُ" والألفُ الساكنةُ المفتوحُ ما قبلَها
نحوُ: "قَالَ" والياء الساكنةُ المكسورُ ما قبلَها نحوُ: "وَقِيلَ" ويَجمعُ
الكلَّ بشروطِها المذكورةِ الكلماتُ التاليةُ: {نُوحِيهَا} (هود: آية 49)، {وَأُوتِينَا} (النمل: آية 42)، {أُوذِينَا} (الأعراف: آية 129)، وتُسمَّى الحروفُ الثلاثةُ هذه حروفَ المدِّ واللِّينِ، لخروجِها بامتدادٍ ولِينٍ من غيرِ كُلفةٍ على اللسانِ لاتِّساعِ مَخرجِها.
وأما حرْفا اللِّينِ: فهما الواوُ والياءُ الساكنتان المفتوحُ ما قبلَهما نحوَ قولِه تعالى: {أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس: آية 62) وسُمِّيَا بذلك لخروجِهما بلِينٍ وعدَمِ كُلفةٍ على اللسانِ، وقد تقدَّمَ في بابِ الصفاتِ معنى اللِّينِ لغةً واصطلاحاً.
ويُستفادُ
مما سَبقَ أنَّ الواوَ والياءَ تارةً تُوصفان بحرْفَيِ المَدِّ واللينِ
وذلك إذا سَكَنَتَا وانكسَرَ ما قبلَ الياءِ وانضمَّ ما قبلَ الواوِ،
وتارةً تُوصفان بحرَفَيِ اللِّينِ فقط، وذلك إذا سَكَنَتَا إثرَ فتْحٍ،
وإذا خَلَتا من هذين الوصْفَيْن بأن كانتا متحرِّكتين بأيِّ حركةٍ كانتا
حرفَيْ علَّةٍ فقط والأمثلةُ غيرُ خفيَّةٍ وأمَّا الألِفُ فلا تُوصفُ إلا
بحرفِ المدِّ واللِّينِ، وهذا الوصْفُ لازمٌ لها، لأنها لا تَتغيَّرُ عن
سكونِها ولا عن فتْحِ ما قبلَها بخلافِ الواوِ والياءِ في أحوالِهما
الثلاثةِ المتقدِّمةِ، ومما تَقدَّمَ يُفهمُ أن اللِّينَ يَصدُقُ على حرفِ
المدِّ فيقالُ: حرفُ مَدٍّ ولِينٍ بخلافِ العكْسِ، فلا يُوصفُ اللينُ
بالمَدِّ إلا إذا كان هناك سببٌ يَقتضي المَدَّ.
وقد أشارَ العلاَّمةُ الجَمْزُورِيُّ إلى هذا في تُحفتِه بقولِه:
حـروفُـه ثلاثـةٌ فعِيـهَـــا = من لفظِ واي وهي في نُوحِيها
والكسرُ قبلَ الياءِ وقبلَ الواوِ ضَمْ = شرطٌ وفتـحٌ قبـلَ كلٍّ يُلتَزَمْ
واللِّينُ منها اليـاءُ وواوٌ سَـكَنا = إن انفتـاحٌ قبـلَ كـلٍّ أُعْلِنَا
فأمَّا
أقسامُه فهي اثنان، أصليٌّ وفرعيٌّ، ولا ثالثَ لهما، فالأصليُّ هو الذي لا
سَببَ له ولا تُجتلبُ حروفُ المدِّ بدونِه، ويُسمَّى طَبيعيًّا لأنَّ
صاحبَ الطبيعةِ السليمةِ لا يُنقِصُه عن حدِّه ولا يَزيدُه عن مِقدارِه،
ويُسمَّى ذاتيًّا، لأنَّ ذاتَ الحرفِ لا تقومُ إلا به، وذلك نحوُ: ألِفِ {الْعَالَمِينَ}،
وهذا المَدُّ خاصٌّ بالأصليِّ، والمَدُّ الفرعيُّ هو الذي يتوقَّفُ على
سببٍ من همْزٍ أو سكونٍ وأنواعُه خمْسةٌ: المتَّصِلُ،المنفصِلُ، والبَدلُ،
وسببُ المَدِّ في هذه الثلاثةِ هو الهمْزُ، والعارضُ للسكونِ واللازمُ
وسببُ المدِّ فيهما هو السكونُ عارضاً أو لازماً، مثلُ (جاءَ) و (حَاجَّهُ)
فإنَّ الزيادةَ على مِقدارِ المَدِّ الطبيعيِّ سببُها الهمزُ في المثالِ
الأوَّلِ، والسكونُ في المثالِ الثاني، وتقسيمُه إلى هذين القسمين بالنظرِ
للتعريفِ.
وأما أسبابُه:
فاثنان لا ثالثَ لهما من طريقِ الشاطبيَّةِ وهما الهمزُ والسكونُ أمَّا
الهمْزُ فإنه يكونُ سابقاً على حرفِ المَدِّ وهو البدَلُ ولاحِقاً به،
واللاحقُ يكون متَّصلاً بالمَدِّ ومنفصِلٌ عنه، وأما السكونُ فلا يكونُ إلا
لاحقاً، ويكونُ لازماً وعارِضاً للوقْفِ وهذان السببان للمَدِّ الفرعيِّ
فقط كما تَقدَّمَ في تعريفِه، فإن وُجدَ أحدُهما زِيدَ في حرفِ المَدِّ على
مِقدارِ المَدِّ الطبيعيِّ وإلا حُرِّمَ المَدُّ إجماعاً إذ السببُ ما
يَلزمُ من وجودِه الوجودُ ومن عدمِه العدَمُ.
وأما شروطُ المَدِّ الفرعيِّ فهي في حروفِ المَدِّ الثلاثةِ، وقد اجتَمعت الثلاثةُ، بشروطِها في كلمةِ {نُوحِيها}، {وَأُوتِينَا}
فالحركاتُ الثلاثُ شروطُ حروفِ المَدِّ الطبيعيِّ وحروفُ المَدِّ
الطبيعيِّ شروطٌ للمَدِّ الفرعيِّ، إذ الشرطُ ما يَلزمُ من عدمِه العدمُ
ولا يَلزمُ من وجودِه وجودٌ ولا عدَمٌ، فيَلزمُ من عدَمِ وجودِ الحركاتِ
المجانسةِ عدَمُ وجودِ حروفِ المَدِّ ولا يَلزمُ من وجودِها وجودُ الحروفِ
المدِّيَّةِ ولا عدمِ وجودها ويلزم من عدم وجودِ الحروفِ المدِّيَّةِ عدَمُ
وجودِ المدِّ الفرعيِّ ولا يلزمُ من وجودِها وجودُه ولا عدمُ وجودِه ولا
يَخفى أنَّ الشرطَ وجودُ أحدِها، لا جميعِها، وتُسمَّى هذه الحروفُ حروفَ
مدٍّ ولِينٍ لامتدادِ الصوتِ بها، وخروجِها في لِينٍ وعدَمِ كُلفةٍ وأصلُ
المَدِّ واللِّينِ للألِفِ لأنها لا تَتغيَّرُ عن سكونِها ولا يَتغيَّرُ ما
قبلَها عن الحركةِ المجانسةِ لها وهي الفتحُ وليست الواوُ والياءُ كذلك
وإنما يُشبِهان الألِفَ إذا سَكَنا وكانت حركةُ ما قبلَهما مجانسةً لهما.
وتُسمَّى
هذه الأحرفُ أيضاً خفيَّةً لخفاءِ النطقِ بها خُصوصاً الألفُ ولذا قالَ
بعضُهم: حروفُ المدِّ أَخْفَى الحروفِ وأخفاهن وأوسعُهن الألفُ، لانفتاحِ
الحلْقِ والفمِ عندَها، ثم الياءُ لأن في الواوِ إعمالُ الشَّفتين معاً
فيَضْعُفُ مَخرجُها.
وإنما
اختُصَّتْ هذه الحروفُ بالمَدِّ دونَ غيرِها، لأنها أصواتٌ والحركاتُ
مأخوذةٌ منها، فامتدادُ الصوتِ بها ممكنٌ ويَسوغُ فيه التطويلُ والتوسُّطُ
والتقصيرُ ولا يَسوغُ ذلك في شيءٍ من الحروفِ سواهُنَّ ولذلك جازَ وقوعُ
الساكنِ المدغَمِ بعدَهن من أجْلِ أنَّ المدَّ عِوَضٌ من الحركةِ، وحروفُ
اللِّينِ اثنان الواوُ والياءُ الساكنتان المفتوحُ ما قبلَهما، نحوَ:
شَيْءٌ، وخَوْفٌ ولا مَدَّ فيهما أصْلاً إلاَّ طبيعيًّا ولا زيادةَ عليه
إلا إذا تَلاهُما همْزٌ أو سكونٌ في كلمتيهما نحوَ: (السُّوءُ) و (شَيْءٌ)
ففيهما التوسُّطُ والمدُّ لوَرْشٍ خاصَّةً أو ساكنٌ لازمٌ كعَيْنٍ من
فاتِحَتَيْ مريمَ والشورى ففيهما التوسُّطُ والمدُّ، أو سكونٌ عارضٌ لوقْفٍ
أو إدغامٍ، كـ "لاَ رَيْبَ" و { يَا قَوْمِ مَا لِي }
عندَ من أَدغمَ ففيهما القصْرُ والتوسُّطُ والمَدُّ، ولا يَجوزُ مدُّهما
في غيرِ ذلك، إجماعاً، وإنما قَبِلاَ المَدَّ عندَ وُجودِ هذين السببين
لأنهما سَبَبَا لِينِهما وعدَمِ صلابتِهما يُشبِهان حروفَ المَدِّ ولا
وُجودَ لكَسْرِ ما قبْلَ الواوِ لوجوبِ قلبِها ياءً كمِيقات إذ الأَصْلُ
مَوْقَات قُلبَت الواوُ ياءً لسكونِها بعدَ كسرةٍ ولا وُجودَ لضَمِّ ما
قبلَ الياءِ لوُجوبِ قلبِها واوًا كمُوقِن أصلُه مييقن قُلِبَت الياءُ
واواً لوقوعِها ساكنةً بعد ضمَّةٍ فَهُما حرْفا علَّةٍ فتَحصُلُ للواوِ
والياءِ ثلاثُ حالاتٍ، حالةٌ يكونان فيهما حرْفَيْ مَدٍّ ولِينٍ وذلك إذا
سَكَنا وجانسَهما ما قبلَهما بأن انضَمَّ ما قبلَ الواوِ وانكَسَرَ ما قبلَ
الياءِ وحالةٌ يكونان فيهما حرْفَا لِينٍ وذلك إذا سَكَنتا وانفتحَ ما
قبلَهما وحالةٌ يكونان فيها حرْفَيْ علَّةٍ شبيهان بالصحيحِ وذلك إذا
تَحرَّكَتا، فالنسبةُ بينَ المَدِّ واللِّينِ العمومُ والخصوصُ المطلَقُ،
لاجتماعِهما في نحوِ: نُوحيها وانفرادِ اللِّينِ عن المَدِّ في نحوِ: خَوْف
وبَيْت ولا يَنْفردُ المدُّ عن اللِّينِ، فكلُّ حرفِ مدٍّ حرفُ لينٍ ولا
عكْسَ أي ليسَ كلُّ حرفِ لينٍ حرفَ مدٍّ، وكما يُطلقُ حرفُ العلَّةِ على
المتحرِّكِ يُطلقُ على الساكنِ، فهو أعمُّ الثلاثةِ والمدُّ أخصُّها
واللينُ أخصُّ من العلَّةِ وأعمُّ من المدِّ، ونظَمَ بعضُهم تعاريفَها في
بيتَيْن فقالَ:
وإن يُجانسْهما ما قبلُ فاعرِفْهما = للمدِّ أيضاً كما في الجودِ والجيدِ
وأما أحكامُ المَدِّ فهي ثلاثةٌ: الوجوبُ والجوازُ واللَّزومُ.
فالواجبُ: هو الذي أَتى بعدَه همزةٌ في كلمتِه نحوُ: {جَاءَ} و {السُّوءُ} و {تَفِيءَ}
ويُسَمَّى متَّصِلاً أيضاً وإنما سُمِّيَ واجباً لوجوبِ مَدِّه عندَ كلِّ
القرَّاءِ وسُمِّيَ متَّصلاً لاتِّصالِ حُروفِ المدِّ بالهمْزِ في كلمةٍ
واحدةٍ وله محَلُّ اتِّفاقٍ ومحَلُّ اختلافٍ, فمحَلُّ الاتِّفاقِ هو
اتِّفاقُهم على اعتبارِ أثَرِ الهمزةِ فيه من زيادةِ المدِّ على مقدارِ
المدِّ الطبيعيِّ, فكلُّهم مجمِعون على تلكَ الزيادةِ لا يُعرفُ عن واحدٍ
منهم خلافٌ فيها، قالَ ابنُ الجَزْرِيِّ تتبَّعْتُ قصْرَ المتَّصِلِ فلم
أجِدْه في قراءةٍ صحيحةٍ ولا شاذَّةٍ بل رأيتُ النصَّ بمدِّه، فَعِلَّةُ
إجماعِ القرَّاءِ على مدِّ المتَّصِلِ أنَّ الهمزةَ قد لزِمَت الكلمةَ،
وصارَ اجتماعُها مع الحرفِ الممدودِ لازماً لا يُفارقُها إذ لا يمكنُ
الوقوفُ على حرفِ المدِّ واللِّينِ فيَنفصلُ من الهمزةِ فلزِمَ المدُّ
لذلك، وأجمَعُوا عليه، ومحَلُّ الاختلافِ هو تَفاوتُهم في مِقدارِ الزيادةِ
كما سَبقَ، فقَالُونُ وأبو عمرٍو يمدُّونَه قدْرَ ألِفٍ ونصْفٍ وابنُ
عامرٍ والكِسائيُّ يَمُدَّانه بقدْرِ ثلاثِ ألِفاتٍ، هذا إذا اعتَبَرْنا
أنَّ مراتبَ المدِّ أربعةٌ، فإن اعتَبَرْنا المراتبَ اثنين فقط فورْشٌ
وحمزةُ يَمُدَّانِه بقدْرِ ثلاثِ ألِفَاتٍ، والباقون يَمدُّونَه بقدْرِ
ألِفَيْن، والألفُ بمقدارِ عقْدِ أُصبُعِكَ مرَّتين وهو المعبَّرُ عنه
بقدْرِ حركتَيْن، هذا هو المتلَقَّى عن الشيوخِ وهذا تقريبٌ ولا يُضبطُ إلا
بالمشافَهَةِ أي الأخْذُ من أفواهِ المشايخِ المتْقِنين مع الإدمانِ أي
الاِستمرارِ على القراءةِ وإنما اتَّفَقوا على مَدِّه لأنَّ حرفَ المدِّ
ضعيفٌ وخَفِيٌّ والهمْزُ قويٌّ وصعبٌ فزِيدَ في حرفِ المدِّ تقوِيَةً
لضعْفِه، وقيلَ ليُتمكَّنَ من النطقِ بالهمْزةِ على حقِّها، وإلى المدِّ
الواجبِ وحكمِه أشارَ الناظمُ بقولِه:
71 - فواجبٌ إن جاءَ قبـلَ همــزةِ = متَّصــلاً إن جُمِعَــا بكلمــةِ
والمدُّ المتَّصلُ أحدُ أنواعِ المدِّ الفرعيِّ الخمسةِ، وسببُ المدِّ فيه الهمزُ.
ويَلِيه المدُّ الجائزُ وهو المنفصِلُ والبَدَلُ والعارِضُ للسكونِ واللازمُ.
والجائزُ ثلاثةُ أقسامٍ: منفصِلٌ وبدَلٌ، وعارِضٌ للسكونِ، فالمنفصِلُ هو أنَّ يأتيَ بعدَ حرفِ المدِّ همزٌ في أوَّلِ الكلمةِ الثانيةِ، نحوَ: { يَا أَيُّهَا } { قَالُوا آمَنَّا }، { عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ }
عندَ من وصَلَ الميمَ، وسُمِّيَ جائزاً لِجوازِ قصْرِه ومدِّه وسُمِّيَ
منفصِلاً لانفصالِ حرفِ المدِّ عن الهمزةِ في كلمةٍ أخرى، وليس له محَلُّ
اتِّفاقٍ بل محَلُّ اختلافٍ فقط، وهو اختلافُهم في قصْرِه ومدِّه، فابنُ
كثيرٍ والسوسيُّ يَقصُرَانِه بلا خلافٍ وابنُ عامرٍ وعاصمٌ والكِسائيُّ
وورْشٌ وحمزةُ يَمدُّونه بلا خلافٍ، وقالونُ والدوريُّ يقْصُرانِه
ويَمدَّانِه وتَفاوُتُ المادِّينَ في الزيادةِ كتفاوتِهم فيها في
المتَّصِلِ، ففيه طريقان يَنقسمان إلى أربعِ مراتبَ، ومَرْتبتان، وكلُّها
مراتبُ للمَدِّ الفرعيِّ، ويزيدُ المنفصِلُ على المتَّصِلِ مرتبةً خامسةً وهي القصْرُ.
والحاصلُ:
أن المنفصِلَ والمتَّصِلَ اتَّفَقا في الزيادةِ وتَفاوَتا في النقْصِ فلا
يَجوزُ الزيادةُ فيهما على ثلاثِ ألِفاتٍ ولا النقْصُ في المنفصِلِ عن
ألِفٍ ولا في المتَّصِلِ عن ألِفٍ ونصفٍ، فأوَّلُ مراتبِ المنفصِلِ ألِفٌ
وآخرُها ثلاثُ ألِفاتٍ وأوَّلُ مراتبِ المتَّصِلِ ألِفٌ ونصفٌ وآخرِها
ثلاثُ ألِفاتٍ وزيادةُ كلِّ مرتبةٍ نصفُ ألِفٍ هذا هو المعمولُ به، ولا
يَخفى أنَّ الخلاف إنما هو في حالةِ الوصْلِ، فإذا وَقفَ على آخِرِ الكلمةِ
التي فيها حرفُ المدِّ تعيَّنَ القصْرُ لكلِّ القرَّاءِ لزوالِ السببِ
بالوقْفِ لكن لا يَجوزُ الوقْفُ على الياءِ من { يَا أَيُّهَا } ولا الهاءِ من { هَؤُلاَءِ }،
لأن هذه الياءَ والهاءَ كلمةٌ واحدةٌ عُرْفاً لا يُفصلُ بعضُها عن بعضٍ
والانفصالُ منظورٌ فيه للمعنى لأن الياءَ والهاءَ زائدتان عن مدخولِهما في
هاتين الكلمتين.
والبدَلُ: هو الذي تقدَّمَ الهمزُ فيه على حرفِ المدِّ مثلُ {آمَنُوا}، {آدَمُ}
، ويُسمَّى جائزاً لجوازِ قصرِه ومدِّه، وسُمِّيَ بدَلاً، لأنَّ الألِفَ
فيه مبدَلةٌ من الهمزةِ، إذ الأصلُ أَأْدَمُ وأَأْتَى في آتَى وآدَمَ
بهمزتين أُولاَهما متحرِّكةٌ وثانيتهما ساكنةٌ فأُبدِلَت الثانيةُ ألِفاً
من جنسِ حركةِ ما قبلَها. أو شبْهُ البدَلِ مثل (يَئُوساً) فإنَّ حرفَ
المدِّ فيها ليس مُبدَلاً من همْزةٍ وإنما أشْبَه البدَلَ بجامعِ أن كلاّ
منهما حرفُ مدٍّ بعدَ همزةٍ، وحكْمُه القصْرُ لكلِّ القرَّاءِ بإجماعٍ ما
عدا ورْشاً، فلَه القصْرُ والتوسُّطُ والمدُّ.
(ألقابُ المدِّ):
قالَ
شيخُ شيوخِنا الشيخُ محمود شاهين العنوسيُّ في شرحِه على الجَزْرِيَّةِ/
مخطوطٌ: وأما ألقابُه فهي أربعةَ عشرَ، مدُّ (الحَجْزِ) نحو: { ءَأَنْذَرْتَهُمْ } عند مَنْ أَدخلَ ألِفاً بينَ الهمزتين، ومدُّ (العَدْلِ) نحو: { الضَّالِّينَ } فإنَّ زيادةَ المدِّ عادَلتْ الحركةَ في الفصلِ بينَ الساكنين ويُسمَّى لازماً.
مدُّ التمكينِ نحوَ: {أُولَئِكَ} فإنه مَكَّنَ الكلمةَ من الاضطرابِ.
مدُّ البِنْيَةِ نحوَ: {دُعَاء} و {نِدَاء} فإنَّ الكلمةَ بُنِيتْ على المدِّ دونَ القصْرِ.
مدُّ الأصْلِ نحوَ: {جَاءَ} و {شَاءَ} فإنَّ المدَّ والهمزَ من أصولِ الكلمةِ.
مدُّ الفصْلِ نحوَ: {بِمَا أُنْزِلَ} فإنه يَفصلُ بينَ الكلمتين ويُسمَّى أيضاً مدَّ البَسْطِ لأنه يَبسُطُ الصوتَ بين الكلمتين بَسْطاً.
المدُّ اللازمُ الحرفيُّ نحوَ: {ص}، {ق} ويُسمَّى لازماً حرفيًّا أقولُ ويمكن اندراجُه تحتَ مدِّ العدْلِ السابقِ.
المدُّ العارضُ للوقْفِ نحوُ: {الْعَالَمِينَ}.
المدُّ العارضُ للإدغامِ نحوَ:{قَالَ رَبِّ} في روايةِ السوسيِّ عن أبي عمرٍو، مدُّ الفرْقِ نحوَ: {آلذَّكَرَيْنِ} لأنه يَفرُقُ بينَ الاستفهامِ والخبرِ.
مدُّ الرَّوْمِ نحوَ: {هَا أَنْتُمْ} عندَ من سَهَّلَ.
مدُّ المبالَغَةِ نحوَ: {لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ} عندَ من قصَرَ المنفصِلَ في بعضِ طُرقِه ونحوَ: {لاَ رَفَثَ} عندَ حمزةَ من طريقِ الطيِّبةِ ومدُّ المبالَغةِ ليس من طريقِ الشاطبيَّةِ وهو بقدْرِ أَلِفين.
مدُّ البدَلِ نحوَ: {آدَمَ}، {آتَى} إذ الأصْلُ فيهما {أَأْدَم، أَأْتَى} فأُبدِلَت الثانيةُ ألِفاً من جنْسِ حركةِ ما قبلَها لسكونِها وفتْحِ ما قبلَها.
مدُّ شبْهِ البدَلِ نحوَ: {يَئُوساً} وقد سَبقَ آنِفاً، وبعضُهم عدَّها عشرةً فقط، وهو العلاَّمةُ الخليجيُّ فقالَ:
ومدُّ رَوْمٍ وفَـرْقِ بنيَـةٍ وكـذا = بسطٍ مبالغـةٍ والأصلُ قـد نقَلُوا
وفي نهايةِ القولِ المفيدِ ص 186، 21 نوعاً.
ومدُّ
البدَلِ مجمَعٌ على قصرِه ما عدا ورْشٍ كما سَبقَ وذلك إذا لم يأْتِ بعدَه
همزٌ أو سكونٌ وإلا بَقيَ المدُّ عمَلاً بأقوى السببين، فقد قالَ في
النَّشرِ متى اجتَمعَ سببان وكان أحدُهما ضعيفاً عُمِلَ بالأقوى وأُلْغي
الأضْعفُ عمَلاً بأقوى السببين، وأقوى المدودِ اللازمُ المدغَمُ ثم اللازمُ
غيرُ المدغَمِ ثم المتَّصِلُ ثم العارضُ المدغَمُ ثم العارضُ غيرُ المدغمِ
ثم المنفصِلُ ثم البدَلُ.
وأما
المدُّ العارِضُ للسكونِ فهو أن يأتيَ بعد حرْفِ المدِّ سكونٌ عارضٌ في
الوقْفِ دونَ الوصْلِ نحوَ: نستعينُ، ومثالُ المدغَمِ للسوسيِّ، {فِيهِ هُدًى}، {دَاوُدُ جَالُوتَ} {النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}،
وسُمِّيَ عارِضا لعُروضِ سكونِه وجائزاً لجوازِ قصْرِه ومدِّه والمرادُ
بالمدِّ ما يَشملُ التوسُّطَ، ففي الموقوفِ عليه القصْرُ والتوسطُ والمدُّ
إن وُقفَ عليه بالسكونِ المحضِ، بخلافِ ما إذا وُقفَ عليه بالرَّوْمِ فإنه
لا يَجوزُ فيه إلا القصْرُ، لأنَّ الرَّوْمَ كالوصْلِ، والخلاصةُ أن في
الوقْفِ على نحوِ: {نَسْتَعِينُ} من كلِّ كلمةٍ آخرُها ضمَّةٌ مثلِ {وَلاَ نَوْمٌ}
ففيه سبعةُ أوجُهٍ: القصْرُ والتوسُّطُ والمدُّ مع السكونِ المحضِ
والإشمامُ فهذه ستَّةٌ، والرَّوْمُ على القصْرِ فهذه سبعةٌ، وفي الوقْفِ
على المجرورِ مثلِ {الرَّحِيم} و {بِالْغَيْبِ}
أربعةُ أوجُهٍ القصْرُ والتوسُّطُ والمدُّ مع السكونِ المحْضِ والرَّوْمِ
على القَصْرِ ولا إشمامَ في المجرورِ، وفي الوقْفِ على المنصوبِ مثلِ {تَعْلَمُونَ} و {لاَ رَيْبَ}
ثلاثةُ أوجُهٍ القصْرُ والتوسُّطُ والمدُّ ولا إشمامَ ولا رَوْمَ في
المنصوبِ، هذا كلُّه إذا كان الموقوفُ عليه غيرَ مهموزٍ فإن كان مَهموزاً
فإما أن يكونَ قبلَه حرفُ مدٍّ ولِينٍ أو حرفَ لِينٍ، فإن كان قبلَه حرفُ
لِينٍ كـ{شَيْءٍ} و {السُّوءِ}
فحكمُه كما تقدَّم إلاَّ أن ورْشاً لا يُجيزُ قصْرَه بل يُوسِّطُه
ويَمدُّه فله في المرفوعِ منه ستَّةُ أوجُهٍ التوسُّطُ والمدُّ مع السكونِ
المجرَّدِ ومع الإشمامِ والرَّوْمِ، وفي المجرورِ أربعةٌ التوسُّطُ والمدُّ
مع السكونِ المجرَّدِ والرَّوْمِ، وإن كان قبلَه حرفُ مدٍّ ولِينٍ، نحوَ: {يَشَاءُ} و {تَفِيءُ} و {تَبُوء}
فلا يجوزُ قصْرُه عند أحَدٍ، ولا توسُّطُه لمن مذهبُه الإشباعُ لأن السببَ
الأصليَّ أقْوى من العارضِ، وسيأتي الكلامُ على الرَّوْمِ والإشمامِ. وإلى
المدِّ الجائزِ بأنواعِه أشارَ الناظمُ بقولِه:
72 - وجـائزٌ إذا أتـى منفصِــلا = أو عَرَضَ السُّكونُ وقفـاً مسْجَـلا
ووجْهُ
مدِّ العارضِ حمْلُه على اللازمِ بجامعٍ أنَّ كلاّ حرفُ مدٍّ بعدَه سكونٌ،
ووجْهُ توسُّطِه انحطاطُ رتبةِ السكونِ العارضِ عن اللازمِ فلم يُعطَ
حكْمَ ما جاورَ السكونَ اللازمَ ولا حكْمَ ما جاوَرَ الحركةَ، بل أُعطِيَ
حكْماً وسَطاً، ووجْهُ القصْرِ، أنه يَجوزُ التقاءُ الساكنَيْن في الوقْفِ
فلم يَحتَجْ إلى المدِّ.
وأما الحكْم الثالثُ
من أحكامِ المدِّ، وهو اللزومُ فقالَ بعضُهم: اللازم (ما سَكَنْ سببُه في
الحالَيْن)، والعارِضُ (ما سَكنَ سببُه في الوقْفِ)، أو أنه ما لا يتحرَّكُ
أصْلاً والعارِضُ ما تحرَّكَ تارةً، فنحوُ: { مَحْيَايَ } (الأنعام: آية 162)
بسكونِ الياءِ في قراءةِ نافعٍ بخلافٍ عن ورْشٍ، لازمٌ على التعريفِ
الأوَّلِ لسكونِ الياءِ عندَه وصْلاً ووقْفاً، وعارِضٌ على التعريفِ الثاني
لتحرُّكِه في قراءةِ غيرِه وصلاً.
والفرْقُ
بين الواجبِ واللازمِ في التسميةِ اصطلاحيٌّ، وأما باعتبارِ المعنى
اللغويِّ فلا فرْقَ بينَهما ولا يُقالُ لكلٍّ منهما باعتبارِ المعنى
اللغويِّ، مدٌ لازمٌ ومدٌ واجبٌ بحسْبِ اللغةِ والواجبُ هو ما لا يَجوزُ
تركُه ومقابلُ اللازمِ العارضُ، ومقابلُ الواجبِ الجائزُ، ثم إنه وَقعَ
خلافٌ في مقدارِه، والذي عليه الجمهورُ أنه يُمدُّ بقدْرِ ثلاثِ ألِفاتٍ
سواءً كان مشدَّداً أو مخفَّفاً كَلِمِيًّا أو حرفيًّا إذ الموجبُ واحدٌ،
وهو التقاءُ الساكنَيْن فلا معنى للتفضيلِ بين المثَقَّلِ وغيرِه، هذا إذا
كان حرفَ مدٍّ ولِينٍ، كما تقدَّمَ من الأمثلةِ، وإذا كان حرفَ لِينٍ كـ{هَاتَيْنِ} (القصص: آية 27) لابنِ كثيرٍ و {عَيْن} من فاتِحَتَيْ مريمَ والشُّورى عندَ الجميعِ أو عَرَضَ تحرُّكُ ما بعدَه كـ{الم اللهُ} (ال عمران: آية 1) عندَ الجميعِ و {الم أَحَسِبَ} (العنكبوت: آية 1) عندَ ورْشٍ مطلقاً وعندَ حمزةَ عندَ الوقْفِ.
ويَنقسمُ المدُّ اللازمُ إلى قِسمين كَلِمِيٍّ وحرْفِيٍّ، وكلٌّ منهما مثَقَّلٌ ومخفَّفٌ.
فالكَلِمِيُّ:
هو ما كان بعدَ حرْفِ المدِّ سكونٌ أصليٌّ ثابتٌ وصْلاً ووقْفاً في كلمةٍ
تزيدُ على ثلاثةِ أحرفٍ فإن أُدغمَ ساكنُه فيما بعدَه، فهو المثقَّلُ،
نحوَ: {دَابَّة}، {صَاخَّة} وإن لم يُدغمْ فهو المخفَّف وذلك في موضعين بسورةِ يونسَ عليه السلامُ، وهي {آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ} (يونس: آية 51) و {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} (يونس: آية 91)،
وسُمِّيَ كَلِمِيًّا لاجتماعِ المدِّ مع سببِه في كلمةٍ واحدةٍ، وسُمِّيَ
مثقَّلاً لإدغامِه، ومخفَّفاً لعدمِ إدغامِه، ولازماً للزومِ سببِه، في
الوصْلِ وفي الوقْفِ، فلو كان حرفُ المدِّ في كلمةٍ والسكونُ في كلمةٍ
أخرى، وَجبَ حذفُ حرفِ المدِّ لالتقاءِ الساكنَيْن نحوَ: {قَالُوا اتَّخَذَ} (البقرة:آية 116)، {وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةَ} (الحج: آية 35) وما تَقدَّمَ من الأمثلةِ لحرفِ المدِّ واللِّينِ، أما أمثلةُ حرفِ اللِّين فمثالُها {هَاتَيْنِ} (القصص: آية 27) و {الَّذَيْنِ} (فصلت: آية 29)
في قراءةِ ابنِ كثيرٍ وحكْمُهما عندَه جوازُ التوسُّطِ والمدِّ في
قراءتِه، وجهُ التوسُّطِ انحطاطُ حرفِ اللِّينِ عن حرفِ المدِّ كما
تَقدَّمَ.
واللازمُ الحرفيُّ:
هو ما جاءَ بعدَ حرفِ المدِّ سكونٌ ثابتٌ وصْلاً ووقْفاً في حرفٍ هِجاؤُه
ثلاثةُ أحرفٍ أوسَطُها ساكنٌ، وذلك في ثمانيةِ أحرُفٍ جمَعَها صاحبُ
التحفةِ في قولِه "سنقص علمك"، فإن أُدغِمَ ساكنُه فيما بعدَه كان
مثقَّلاً، وإن لم يُدغمْ كان مخفَّفاً وقد اجتمَعَ النوعان في {الم}،
فلام مثقَّلٌ وميمٌ مخفَّفٌ وبذلك يَتمُّ للمدِّ اللازمِ أربعةُ أقسامٍ
وتَنقسمُ الحروفُ الموجودةُ في أوائلِ السوَرِ إلى أربعةِ أقسامٍ، قسمٌ
يُمدُّ مدًّا لازماً، بلا خلافٍ وهي حروفُ سنقص علمك، ما عدا العينِ، وقسمٌ
فيه التوسُّطُ والمدُّ وهو عَيْن من فاتِحَتَيْ مريمَ والشورى، لتَخرجَ {عَيْنٌ جَارِيَةٌ}،
ففيها القصْرُ وهو حذفُ حرفِ المدِّ بالكُليَّةِ، وقسمٌ يُمدُّ مدًّا
طبيعيًّا وهو (حي طهر)، وقسمٌ لا يُمدُّ أصلاً وهو الألِفُ وجملةُ الحروفِ
التي وَقعتْ في فواتحِ السوَرِ أربعةَ عشرَ حرفاً جمعَها بعضُهم في قولِه
(من قطعك صله سحيرا) وقد وَقعَتْ في تسعٍ وعشرين سورةً ثلاثٌ منها
أُحاديَّاتٌ، وهي {ق}، {ص}، و {ن}، وتسعٌ ثُنائيَّاتٌ وهي طه، وطس النمل، وحم، السِّتَّةُ أعني ما عدا الشورى، وثلاثَ عشرَ ثُلاثيَّاتٌ، وهي {الم}
أوَّلُ البقرةِ، وآلِ عمرانَ، والعنكبوتِ، والرومِ، لقمانَ، السجدةِ، والر
أوَّلُ يونسَ وهودَ، ويوسفَ، وإبراهيمَ، الحِجْرِ، وطسم، أوَّلُ الشعراءِ،
والقصصِ، وثنتان رُباعيَّاتٌ {المص} أوَّلُ الأعرافِ، {المر} أوَّلُ الرعْدِ، وثنتان خُماسيَّاتٌ، {كهيعص} أوَّلُ مريمَ، {حم عسق}
أوَّلُ الشورى، فأوَّلُها حرفٌ وآخرُها خمْسٌ، ولم تَزدْ على ذلك واللهُ
أعلَمُ، وقد أشارَ صاحبُ التحفةِ إلى دليلِ أقسامِ المدِّ اللازمِ بقولِهِ:
كِلاهمــا مخفَّـفٌ مثـقَّــــلُ = فهــذه أربعــةٌ تُفــصَّـــلُ
فإن بكلمــةٍ سكــونٌ اجتَمَــعْ = مـع حرفِ مدٍّ فهــو كَلِمِيٌّ وقَـعْ
أو في ثُلاثـيِّ الحـروفِ وُجـــدا = والمـدُّ وسَـطُه فحـرفيٌّ بَــــدَا
كِلاهمــا مثقَّــلٌ إن أُدغمــا = مخفَّفٌ كُـــلٌّ إذا لــم يُدغَمَـا
واللازمُ الحــرفيُّ أوَّلُ الســـورْ = وُجــودُه وفي ـان انْحَـصَـــرْ
تَجمعُها حـروفُ كـم عسل نقص = وعينُ ذو وجهيـن والطـولُ أخَـصْ
وما سِوى الحـرفيِّ الثلاثـيِّ لا ألفْ = فمــدُّه مــدًّا طبيعيًّـــا أُلِفْ
وذاك أيضاً في فَواتــحِ الســوَرْ = في لفـظِ حي طاهــر قد انْحَصَــرْ
ويَجمعُ الفواتحَ الأربـعَ عشـــرْ = "صله سحيـرا من قطعـك ذا اشْتَهَـرْ
ذَكرَ
العلامةُ المسعديُّ في شرحِه على الجَزْرِيَّةِ تنبيهاتٍ تَتعلَّقُ ببابِ
المدِّ نَختارُ بعضاً منها لعلَّ القارئَ يَستفيدُ منها.
الثاني:
إنما كانت المراتبُ في المدِّ إذا كان سببُه الهمزَ دونَ ما إذا كان سببُه
الساكنَ اللازمَ، لأنّ الساكنَ أقوى من الهمْزِ في السببيَّةِ بدليلِ ما
قالوه من أنه لا يتمكَّنُ من النطقِ بالساكنِ بحقِّه إلا بالمدِّ بخلافِ
الهمزِ.
الثالثُ: إذا اجتمَعَ الهمزُ والسكونُ وقْفاً نحوَ: الوقفِ على {شَاءَ}،
فالسببُ هو الهمزُ لا السكونَ لأن السكونَ طارئٌ على الهمْزِ هنا، فلا
يَجوزُ القصْرُ لأجلِ السكونِ العارضِ، بل السكونُ مقوٍّ للهمزِ حينئذٍ مع
بقاءِ المراتبِ المتقدِّمةِ ولا يُقالُ تقويَةُ السكونِ للهمزِ تُخرجُه
عمَّا له من المراتبِ فيَجبُ فيه الإشباعُ وإلا فلا فائدةَ في تقويتِه له،
لأنَّا نقولُ هو وإن كان مقويًّا له لا يُخرجُه عن كونِه مدًّا متَّصلاً
وتَقدَّمَ أن القرَّاءَ مختلفون في مراتبِه لا في مدِّه.
الرابعُ: إذا تغيَّرَ السببُ الأصليُّ كـ{الم اللهُ}،
وصْلاً بتحريكِ الميمِ جازَ في حرفِ الميمِ حينئذٍ المدُّ نظراً لأن
الأصلَ السكونُ، والقصَرُ نظراً إلى الحركةِ العارضةِ وهي فتحةُ الميمِ ولا
يَجوزُ التوسُّطُ لعدمِ الروايةِ، وخَرجَ بقولِنا الأصليُّ السببُ
العارضُ: كـ {نَسْتَعِينُ} وقْفاً، فإنه
إذا تغيَّرَ سكونُه بالرَّوْمِ مثلاً لم يَجُز المدُّ، والتوسُّطُ لعدمِ
السببِ المقتَضِي لذلك ولا نَظرَ إلى السكونِ المقدَّرِ لأنه عارِضٌ ووجودُ
الحركةِ يُوجبُ الرجوعَ إلى الأصْلِ وهو القصْرُ.
الخامسُ: إنما قدَّرُوا الزيادةَ بالألِفِ دونَ الواوِ والياءِ لأن الألِفَ هي الأصْلُ في حروفِ المدِّ.
الحادي عشرَ: إذا اجْتمعَ سببان بَعْديَّانِ مثليَّان فالسببُ أسبقُهما كـ{جَاءَ أَحَدٌ}،و {غَيْرَ مُضَارٍّ}
وقْفاً بالسكونِ، فإن السببَ هو الهمْزُ الأوَّلُ في المثالِ الأوَّلِ،
والسكونُ المقدَّرُ في المثالِ الثاني، فإنْ كانا معيَّنَيْن مختلِفين،
فالهمْزُ هو السببُ لأنه هو السببُ في الحالةِ الأصليَّةِ وهي الوصْلُ ففي
الحالةِ الفرعيَّةِ وهي الوقْفُ بطريقٍ أَوْلى.
الثاني عشرَ: إذا تغيَّرَ الشرْطُ بأن كان حرفَ لِينٍ مع لزومِ السببِ نحوَ: {عَيْن} من فاتِحَتَيْ مريمَ والشورى جازَ المدُّ نظراً للأصلِ، والتوسُّطُ لانحطاطِ مرتبةِ حرفِ اللِّينِ عن حرفِ المدِّ، ولم يَجُز القصْرُ للزومِ السببِ.
الثالثَ عشرَ:
قدَّرَ أهلُ الأداءِ زمنَ النطقِ بحرفِ المدِّ بقدْرِ زمنِ النطقِ
بحركتين، فإن كان حرفُ المدِّ ألِفاً، فيُقدَّرُ زمنُ النطقِ بها بفتحتين
أو واواً فبضمَّتين أو ياءً فبكسرتين، وإنما قدَّرُوا ذلك لذلك لأجْلِ
الضبطِ في النطقِ بالمدِّ الفرعيِّ، ونهايتُه إلى الحدِّ المتقدِّمِ.
الرابعَ عشرَ:
كلٌّ من المدِّ اللازمِ والمتَّصِلِ يُمَدُّ في حالةِ وصْلِ كلمتِه بما
بعدَها وفي حالِ الوقْفِ عليها، وأما المنفصِلُ فلا يُمَدُّ إلا إذا
وُصِلَتْ كلمتُه بما بعدَها أما إذا وُقفَ عليها فلا مَدٌّ فرعيٌّ حينئذٍ،
وأما العارِضُ فلا يُمَدُّ إلا إذا وُقفَ على كلمتِه أما إذا وُصلَتْ بما
بعدَها فلا مدٌّ فرعيٌّ حينئذٍ أيضاً.
الخامسَ عشرَ:
المدُّ ليس بحرفٍ خلافاً لبعضِهم لأنه ليس من الحروفِ الأصولِ ولا الفروعِ
المجْمَعِ عليها، وليس المدُّ حركةً خلافاً لبعضِهم أيضاً، وإنما المدُّ
صفةٌ قائمةٌ بحروفِها كغيرِها من الصفاتِ.
السادسَ عشرَ:
تقديرُ مراتبِ المدِّ بما تَقدَّمَ من الألِفاتِ إنما هو بحسْبِ العَرَضِ
والتقديرِ أما بحسْبِ التحقيقِ فإنما ذلك ألِفٌ واحدةٌ إن كان حرفُ المدِّ
ألِفاً أو واوٌ واحدةٌ، إن كان حرفُ المدِّ واواً, أو ياءً واحدةً إن كان
حرفُ المدِّ ياءً.
السابعَ عشرَ:
ما قالَه بعضُهم من أنَّ الحركةَ سببٌ للقصْرِ كما أن السكونَ سببٌ للمدِّ
مردودٌ، لأنّ القصْرَ هو الأصلُ والأصلُ لا يَحتاجُ إلى سببٍ يَقتضيهِ
ولئن سَلَّمنا ذلك للَزِمَ منه منْعُ القصْرِ الذي هو أحَدُ الأوجُهِ
الثلاثةِ في نحوِ: {نَسْتَعِينُ} وقْفاً بغيرِ الرَّوْمِ لفقْدِ سببِه وهو الحركةُ: ولا قائلَ به.
وجهُ المدِّ للهمْزِ:
أنّ حروفَ المدِّ ضعيفةٌ وخفيَّةٌ والهمزُ قويٌّ فإذا لاصَقَ حرفاً خفيًّا
خِيفَ من تطَرُّقِ الخفاءِ إليه، فزيدَ في الخفيِّ ليتمكَّنَ من النطقِ
بالهمزِ, ووجْهُ القصْرِ أنه الأصلُ كما سَبقَ.
ووجهُ المدِّ للساكنِ:
الحجْزُ بينَ الساكنَيْن اللذين هما حرفُ المدِّ الساكنُ الذي بعدَه إذ
الأصْلُ في اجتماعِهما تحريكُ الأوَّلِ لكن لمَّا تعذَّرِ تحريكُ الأوَّلِ
واستثْقَلَ على أُختَيْها زِيدَ في المدِّ ليُتمكَّنَ من النطقِ بالساكنِ،
وكذا وَردَ في شرحِ العلاَّمةِ المسعديِّ هذا التساؤلُ.
فإن
قلت لأيِّ شيءٍ كان التوسُّطُ بقدْرِ ثلاثِ ألِفاتٍ ولم يكن ألِفَيْن
ونصْفاً لأنها نصفُ الخمسةِ، فالجوابُ أنَّ المدَّ الذي بقدْرِ خمْسِ
ألِفاتٍ منه ألِفٌ واحدةٌ وهي المدُّ الطبيعيُّ وأربعةٌ هي الزيادةُ عليه
فنصفُ هذه الزيادةِ عليه ألِفين فإذا أُضيفتْ إلى الألِفِ التى هي المدُّ
الطبيعيُّ صارَ الجميعُ ثلاثةً وهو التوسُّطُ فعُلمَ بذلك أن المرادَ
بالتوسُّطِ نصفُ الزيادةِ مع المدِّ الطبيعيِّ لا أن المرادَ نصفُ جميعِ
الألِفاتِ وقولُه مسْجَلا أي مُطلقاً أي سواءً كان السكونُ مَحضاً أم مع
إشمامٍ بخلافِ الوقْفِ بالرَّوْمِ فإنه كالوصْلِ لوجودِ بعضِ الحركةِ إذ
البعضُ كالكلِّ.
تنبيهٌ:
ذكَرَ صاحبُ نهايةِ القولِ المفيدِ ما يلي: ثم إن هذه الألِفاتِ
المذكوراتِ قدْرُ كلِّ ألِفٍ منها حركتان عربيَّتان، وكان مشايخُنا
يُقدِّرون لنا ذلك بحركاتِ الأصابعِ أي قبْضاً أو بسْطاً، وذلك يكونُ
بحالةٍ متوسِّطةٍ ليست بسرعةٍ ولا بتَأَنٍّ فاعلمْ ضبْطَ ذلك لتكونَ على
يقينٍ في ضبْطِ كلِّ مرتبةٍ ومن قالَ بأنَّ أطولَ المدِّ خمسُ ألِفاتٍ
فعندَه مِقدارُ كلِّ ألِفٍ حركةٌ فتكونُ الجُملةُ ستَّ حركاتٍ لأنه يريدُ
غيرَ ما فيه من المدِّ الطبيعيِّ ومقدارُه عندَه حركةٌ وكذا من قالَ بأن
مقدارَ التوسُّطِ ثلاثُ ألِفاتٍ فإنه يُريدُ غيرَ ما فيه من المدِّ
الطبيعيِّ، انتهى.
تنبيهٌ آخَرُ: إذا اجتَمعَ مدَّان متَّصلان مثلُ { وَأَنْزَلَ مِن السَّمَاءِ مَاءً } (البقرة: آية 22)
فلا يَجوزُ التَّفرِقةُ بينَهما في المدِّ بحُجَّةِ جوازِ الوجهين في كلٍّ
منهما، فلا يَجوزُ مدُّ أحدِهما على قصْرِ الآخَرِ بل يَجبُ التسويةُ،
وكذلك إذا اجتَمعَ مدَّان منفصلان، لقولِ ابنِ الجَزْرِيِّ (واللفظُ في
نظيرِه كمثلِه).
شرح المقدمة الجزرية للشيخ المقرئ: عبد الباسط هاشم
قال الشيخ عبد الباسط بن حامد بن محمد متولي [المعروف بعبد الباسط هاشم] (ت: 1441هـ):
(المبحث العاشر في أحكام المد وأقسامه وأنواعه وربما أطلت النفس في هذا الباب لأهميته فأقول: المد لغة: المط يقال مد جسمه أي: مطه، ومد في الكلام أي: مط.
واصطلاحاً:
إطالة الصوت بحرف من حروف العلة بقدر مخصوص. موجباته ثلاثة: الألف الساكن
المفتوح ما قبله، والياء الساكن المكسور ما قبله، والواو الساكن المضموم ما
قبله.
وأسبابه ثلاثة:
الهمز، والسكون العارض، والسكون الأصلي. وزاد بعضهم اللين وأرى أنه ضمن السكون العارض، وهو قسمان:
أصلي وفرعي، وأنواعه أربعة:
ضروري، ولازم، وواجب، وجائز. وبهذا الترتيب نبين كل صنف فنقول:
أما
الضروري فهو الأصلي، ومعنى أصلي أنه لايتوقف على سبب، وهو الطبيعي وسمي
طبيعياً لأنه تألفه الطبيعة وقلنا بضرورته؛ لأن القرآن بدونه نوع من العبث
بل كلامنا العادي بدونه نوع من العبث، واختبر نفسك أتستطيع أن تقرأ: بسم
الله الرحمن الرحيم، بدون مد طبيعي؟ الجواب: لا, فوجوده في كلام الناس،
فضلاً عن كلام الله ضرورة ويمد مقدار حركتين والحركة بقدر ضم الأصبع أو
فتحه بحالة متوسطة، ومثاله قالوا، قلنا، بسم الله، جئناهم، فرضنا، هي،
نادى، وأقسامه في القرآن أحد عشر نوعاً:
النوع الأول: الذي لا يتغير وقفاً ولا وصلاً، كقلنا: وجعلنا، وقالوا، وعملوا، ونادى، ويسمى مدا طبيعياً ضرورياً وقفاً ووصلاً.
والنوع الثاني:
طبيعي في الوصل فقط كالعالمين والدين ونستعين والرحمن والإنسان. ويسمى
مداً طبيعياً ضرورياً وصلاً؛ لأننا لو وقفنا عليه صار مداً عارضاً للسكون
جائزاً.
الثالث: الثالث مد طبيعي وقفاً لا وصلا، وذلك إن وقفت على المنفصل فقلت ياء، وإنه في، أمها أمره؛ لأنه لو وصل لكان منفصلاً جائزاً.
والنوع الرابع: عوض من التنوين كخبيرا بصيراً عليما حكيما، ويسمى طبيعي العوض وقفاً ضرورياً يعني حكمه الضرورة.
والنوع الخامس: عوض لعارض الحذف مثال: {قالوا الآن} عند الوقف {محلي الصيد } {حاضري المسجد} فإنك إن وقفت قلت: قالوا محلي حاضري ويسمى مداً طبيعياً ضرورياً لعارض الحذف.
النوع السادس: هو المخلق من همز الوصل إذا وقفت على ما قبله كأن قلت: {جاءتهم رسلهم بالبينات} فسألتك: قف على بـ تقول: {جاءتهم رسلهم بـ}،
وبالزبر تقول: وبـ، فالآن تقول: فا ويسمى مداً طبيعياً مخلّق من همز
الوصل، مثال: فالآن، بالكتاب، بالغيب، إذا وقفت على الفاء أو الباء ولا
يأتي في المضموم ألبتة، وأصله أننا لو وقفنا على الباء من: بالكتاب نقول:
بـ، بينما ليس هناك حرف مد بعد الباء، وإنما الهمزة التي بعد الباء أبدلت
من جنس حركة ما قبلها فصارت بـ، فالآن وقفنا على الفاء فقلنا: فا، ولم يكن
هناك حرف مد، وإنما همزة الوصل التي بعد الفاء أبدلت من جنس حركة ما قبلها
في الوقف فولَّدت مداً، فيسمى مداً طبيعياً، مخلَّقاً من همزة الوصل.
والفرق
ما بينه وبين السابق أي العِوض عن عارض الحذف أنك تجد بعد الوقف على العوض
حرف العلة، أما هذا المخلّق من همزة الوصل فليس بعده حرف علة فاعلم ذلك،
ويسمى هذا السادس مخلَّق شكلي فإن شئت قلت: مخلَّق من همز الوصل وإن شئت
قلت: مخلَّق من الشكلي.
النوع السابع: المد الطبيعي لغياب أل مثاله: {مسني الضر} تقول: مسني، {ساصرف عن آياتي الذين} تقول: {سأصرف عن آياتي}، {ياعبادي الذين} تقول: {يا عبادي}، واسمه مد طبيعي لغياب أل ضروري.
والنوع السابع:
يسمى مداً طبيعيا لبيان حركة الحرف، أوقل لإشباع حركة الحرف كأن وقفت على
باء بسم تقول بـ، وما أنزل تقول: و, لتقرأه تقول لتـ، ويسمى مداً طبيعياً
لإشباع الحركة ضروري.
وإنما
نركز على مثل هذا لأن الإمام الداني قال: من لم يعلم وقوف الابتلاء لا يعد
من العلماء، لذا ملأ الأشياخ كتبهم ببيان وقف الابتلاء، وهو الامتحان،
وهذا المد الطبيعي لإشباع الحركة شريطة ألا يأتي همزاً بعده.
النوع التاسع: المد الطبيعي العارض للسكون، مثاله: {يبين لنا ما هي} {ويستنبئونك أحق هو} ألا ترى أنك لو وصلت تقول: {أحق هو} {يبين لنا ما هي} فإذا وقفت قلت مداً طبيعياً عارضاً للسكون ضرورياً.
والنوع العاشر: مد طبيعي للتخصيص نحو {أطعنا الرسولا} {فأضلونا السبيلا}
فالرسولا أي الرسول المخصوص. وأضلونا السبيلا، أي: السبيل المخصوص بمحمد،
وقواريرا، أي قوارير مخصوصة لذا سميناه مداً طبيعياً للتخصيص ضروريا.
النوع الحادي عشر: مد طبيعي لصلة الضمير وهو في موضع واحد في القرآن في قول الله تبارك وتعالى: {لكنّاْ هو الله ربي} فإذا وقفت قلت: لكنا بمعنى لكن أنا، فالألف صلة لضمير المتكلم، وقد نظمت هذه الأنواع الإحدى عشر فقلت:
بدأت بحمد الله نظماً منضدا = وصليت تعظيماً على خير من هدى
وبعد فخذ أقسام مد طبيعهم = سبقت به القراء فاعلمه تهتدى
ويقسم عشراً، بعد واحد اعلمن = أعدده نوعا فنوعا مؤكدا
فأولها مد طبيعي احفظن = كقالوا وقلنا ثم جئنا تأكد
وليس به تغيير وقف ووصله = فيثبت في الحالين فاعرفه تقتدى
وثان بحال الوصل لا غير صاحبي = فكالعالمين الدين رحمن اقصدا
وثالثه: وقفاً ولا وصل فادرين = وذلك إن وقف بمنفصل بدا
ورابعه تنوين إن تقف في اعلمن = خبيراً بصيراً مثلنَّ تنل هدى
وخامسه عوض لعارض حذفه = محلي وقالوا الآن فاعلمه ترشدا
وسادسه: قد جاء من همز وصله = إذا رُمت وقفاً قبله لتمجًّدا
كأن قلت وامن والكتاب وبابه = وقسه علىكل ولا تك مسندا
وتفريق بينهما تجد بعد خامس = لدى الوقف حرف المد لاتك مبعدا
وأما الذي قلناه فهو مخلّق = من الهمز أبدلناه مداً فأسندا
فمن جنس ما قبل ابدلنه وسمه = مخلق شكلي فستة اعبدا
وسابعه وقف أتى لغياب أل = عبادي الذين اعلمه مسني العدا
ويدعى طبيعياً لغيبة أل وذا = لغيري ما عرفوه فاعلمه تقتدي
وثامنه: وقف علىالحرف فاعلمن = كواو وما أو قل بما أنزل اشهدا
ويدعى طبيعياً لإشباع حركة = شريطة ألا همز بعد فأوجدا
وتاسعه يدعى سكوناً لعارض = كحق هو اعلم ما هي اجر لتمجدا
وعاشره: مدّ لتخصيص اعلمن = أطعنا الرسولا اقرأ سبيلا لتسعدا
كذاك قواريراً وحادي عشره = بلكنَّه بالكهف وقفاً لترشدا
ويدعى طبيعياً لوصل ضميره = وصل على المبعوث بالنور والهدى
*وعين ذو وجهين والطول أخص * والإشمام إطباق الشفاه بعيد ما = يسكَّن لاصوت هناك فيَصْحَلا *وفي الهاء للإضمار قوم أبوهما* *ومن قبله ضم أو الكسر مثلا أو أماهما * والمد أصلي وفرعي له = وسَمِّ أولاً طبيعياً وهو للمد أحكام ثلاثة تدوم = وهي الوجوب والجواز واللزوم أقسام لازم لديهم أربعة = وتلك كلمي وحرفي معه ومد إذا كان السكون بعيده = وإن عرض التحريك فاقصر وطولا وأما دليل الوجهين في آلآن، وآلذكرين، وآلله أذن، فقول الإمام الشاطبي: فلازم إن جاء بعد حرف مد = ساكن حالين وواجب إن جاء قبل همزة = متصلا إن جمعا بكلمة وجائز إذا أتى منفصلا = أو عرض السكون وقفا مسجلا
هذا
ما نظمته مع أني أعترف أني بليد في اللغة والشعر فمن اطلع عليه ورأى تصحيحه
فليصحح, وبعد الكلام على النوع الضروري نتكلم على ما بعده وهو اللازم
فنقول:
سمي لازماً للزوم حكمه وللزومه ست حركات عند جميع القراء، وهو على قسمين:
_ كلمي. _ وحرفي.
وكل قسم على نوعين:
_ مثقَّل. _ومخفف.
وإليك بيان ذلك مفصلاً فنقول: أما الكلمي
فهو ما جاء في كلمة، وأما مثقَّل فلأن بعد حرف المد ثقل، واختلفوا في هذا
الثقل أهو إدغام أم تشديد، ولنضرب لذلك مثالاً أو مثالين أو ثلاثة لتقيس
ماغاب على ما حضر: الحاقة، الصاخة، الطامة، وحاجه، أتحاجوني.
والمرجَّح
أن سبب الثقل الإدغام؛ لأن الحاقة أصلها الحاققة، والصاخة أصلها الصاخخة،
والطامة أصلها الطاممة، وحاجه أصله حاججه. أتحاجوني: أصله أتحاججونني.
الجان أصله الجانن.
وعلى اعتماد الإدغام سبباً في الثقل جميع القراء وأكثرهم، هذا كله مثال للكلمي المثقّل. ويضم إليه آلذكرين.
كنا
نتكلم في الشريط السابق في المد اللازم الكلمي المثقَّل وقلنا أنه كلمي؛
لأنه في كلمة ولازم لحكمه وللزومه ست حركات، ومثقَّل؛ لأن بعد حرف المد
إدغام، وضربنا أمثلة له وهو نحو {حاقة}، {صاخة}، {طامة}، {الجانَّ} {حاجه}، {أتحاجوني}، {تأمروني} ويسمى مد لازم كلمي مثقل فرعي. ويسمى في الوقت نفسه إدغام مثلين كبير؛ لأن {حاقة} أصلها حاققة، أدغمت القاف في القاف فصارت {حاقة}. {حاجه}، أصلها حاججه، أدغمت الجيم في الجيم. {تحاجوني} أصلها تحاججونني. {تأمروني} أصلها تأمرونني. {الطامة} أصلها الطاممة، {الصاخة}
أصلها الصاخخة، أدغم المثلان الكبيران في بعضهما فأحدثا ثقلاً لذا قلنا
كلمي مثقل، وينبغي أن نقول: مد لازم كلمي مثقَّل وإدغام مثلين كبير، ونقول
كبير لأن سبب المد اللازم السكون الأصلي لا السكون العارض فينبغي أن يكون
الإدغام مثلين كبير.
النوع الثاني: المد اللازم الكلمي المخفف وهو في كلمتي {آلآن}
بموضعي يونس، ويسمى مد لازم كلمي مخفف لازم لحكمه، ولزومه ست حركات.
وكلمي، لكونه في كلمة، ومخفف؛ لأنه ليس بعد حرف المد ثقل، واعلم أن هاتان
الكلمتان مع قوله تعالى: {آلذكرين} بموضعي الأنعام، ومع قوله تعالى: {قل آلله أذن لكم} بيونس {آلله خير أم ما يشركون} بالنمل، في هذه الكلمات الستة لكل القراء وجهين، المد اللازم ست حركات، {آلذكرين} مد لازم كلمي مثقَّل غير أن الثقل هنا ليس إدغاماً، وإنما هو شدة شدة الذال، وكذا {آلله خير} {آلله أذن لكم} كل هذه تعتبر مدا لازماً مثقَّلاً بشدة، فلا يقال فيها إدغام مثلين كبير.
الوجه الثاني: التسهيل مع القصر تقول: {قل أالذكرين}، {أالله}، {أالآن} وكيفية التسهيل أن ترد حرف المد إلى أصله؛ لأن أصله كان {أألذكرين} {أألآن} {أألله} مع تسهيل الهمزة الثانية بين الألف والهمزة هكذا: {أالله}، {أالآن}، وبعض القراء يسميه مد فرق ومعنى فرق لأنا فرقَّنا بين الهمزتين فحققنا الأولى وأبدلنا الثانية حرف مد، فتنبه.
النوع الثاني من المد اللازم: الحرفي وينقسم إلى قسمين:
_ حرفي مخفف
_ وحرفي مثقل.
ومعنى حرفي:
أن المد في حرف، ومثقل؛ لأن بعد حرف المد شدة أو إدغام، ومخفف؛ لأنه ليس
بعد حرف المد شدة ولا إدغام، ويأتي في ثُلاثي الحروف يعني في الحروف
الثلاثية، ويجمعها قولك: (كم عسل نقص). وهي ثمانية أحرف: فالكاف من {كهي}، والميم من {الم}، والعين من {عص} و{عق}، والسين من {طس}، {يس}، واللام من {لم}، النون من {ن * والقلم}، والقاف من {ق * والقرآن}، والصاد من {ص * والقرآن ذي الذكر} أو من {المص}. وإليك بيان ما خفف منها وما ثقل:
أولاً: {كهي} مد لازم حرفي مخفف.
والميم: من{م} أول البقرة، وأول آل عمران وهكذا، وهو مد لازم حرفي مخفف.
والعين: من {عسق}، و{عص} بمريم والشورى.
وفيه لجميع القراء وجهين: المد اللازم الحرفي المخفف و الأربعة على أنه مد لين.
قال الناظم:
والسين. أما من قوله تعالى: {يس * والقرآن} فعند من قرأ بالإظهار يعتبر مداً لازماً حرفياً مخففاً، ومن قرأ بإدغام النون في الواو يعتبر حرفيا مثقلاً، وفي قوله تعالى: {طس تلك آيات} بالنمل يعد مداً لازماً حرفياً مخففاً، أما في قوله تعالى: {طسم} فيعد مداً لازماً حرفياً مثقَّلاً.
أما اللام ففي جميع {الم} يعتبر مداً لازماً حرفياً مثقلاً ولا يخفف إلا في {الر}.
وأما النون فهو مخفف إلا عند من أدغم النون في الواو فهو مثقل.
وأما القاف فهو في قوله تعالى: {ق والقرآن}، وهو مخفف على كل حال.
وكذلك الصاد من قوله: {المص} ومن قوله: {ص والقرآن} فهو مخفف علىكل حال.
وأما الحروف الثنائية التي في أوائل السور وهي في قولك: (حي طاهر) فالحاء من {حم} والياء من {هي}، و{يس}، والطاء من {طه}، والراء من {الر}. فهذا كله يعد مداً طبيعاً ضرورياً كما تقدم، وبهذا يتم تعريف المد اللازم بأقسامه الأربعة، وهو النوع الثاني من المدود.
الشرح الصوتي:
النوع الثالث: هو الواجب وهو المد المتصل، وتعريفه:
أن يجتمع سببه وموجبه في كلمة، فسببه الهمز، وموجبه حرف العلة كجاء، وشاء،
وشيء، وتبوء، وتنوء. وقلنا واجباً؛ لأنه لا يقبل ما دون فويق القصر،
ومقدار ذلك ألف ونصف هذا أقل مراتبه، وإذا كانت القراءة تحقيقاً وتدويراً
وحدراً تعذر التمييز بين الثلاث والأربع، وبين الأربع والخمس، وبين الخمس
والست إلا بالمشافهة والمران على الشيوخ.
فإذا قرأت مثلاً: {وجاءوا على قميصه بدم كذب} هذه طريقة التدوير.
وأما طريقة التحقيق: {وجاءوا على قميصه بدم كذب}.
وأما الحدر {وجاءوا على قميصه}.
والكل ثلاث حركات. لكن مع التحقيق والتدوير والحدر يختلف المقدار؛ لذا قلنا أن المتصل واجب؛ لأنه لا يقبل النفي بحال.
والنفي حركتان، وسمي متصلاً لاتصال سببه بموجبه في كلمة، وهو ثلاثة أنواع:
_ متصل لا يتغير، كجاء وشاء والسماء وتبوء وتنوء. يقال مد منفصل واجب فرعي.
_ الثاني: منفصل وراءه بدل عوض عن التنوين كبناء وماء ودعاء ونداء. نقول: مد منفصل واجب فرعي وبعده بدل عوض عن التنوين.
_ والثالث: مد منفصل واجب عارض للسكون، كالسماء والدعاء ونساء ويشاء.
وهنا
لنا كلام: إذا وقفنا على مثل هذا، فلابن الجزري وأشياعه كلام، ولابن مهران
في كتاب المدود كلام آخر، فأما ابن الجزري وأشياعه فقالوا: إنه يمد في
الوقف ست حركات؛ لأنه زاد سببه فصارا سببين: الهمز والسكون العارض، وما دام
قد زاد سببه تزيد مرتبته فيمد ست حركات فإن كان منصوباً كالسماء والماء
ووقفنا عليه، فيكون فيه ست حركات بالسكون الخالص: السماء، الماء. وإن كان
مجروراً كالنساء والدعاء والماء فست حركات بالسكون وست حركات بالرَومِ تقول:{ربنا وتقبل دعاء} {ربنا وتقبل دعاء} وهذا هو الرَوم، والرَوم هو الإتيان بثلث حركة وصل الحرف بحيث يسمعه القريب ولا يسمعه البعيد.
قال إمامنا الشاطبي:
ورَومك إسماع المحرك واقفا = بصوت خفي كل دان تنولا
وقال ابن الجزري في الطيبة:
والرَوم الاتيان ببعض الحركه = إشمامهم إشارة لاحركه
وإن كان مرفوعاً كيشاء والدعاء كان فيه ثلاثة أوجه،
الستة بالسكون: يشاء، والستة بالرَوم: يشاء،،والستة بالإشمام: يشاء،
والإشمام: هو إطباق الشفتين بعد سكون الحرف إشارة بالضم بلا صوت مع سعة
قليلة للنفس فيهما ولا يدرك إلا بالبصر، يعني لا يعرف إلا إذا قرئ على شيخ.
قال الإمام الشاطبي:
أي
فيسمع وقال ابن الجزري: (إشمامهم إشارة لا حركة) كذا قال ابن الجزري
وأشياعه في المتصل الموقوف عليه فإن سئلت عنه قلت: هذا مد متصل واجب عارض
للسكون، وأصل سبب المتصل الهمز، لكن لما زاد سبباً آخر فوق الهمز وهو
السكون العارض صار ست حركات وقفاً، هذا رأي شيخنا ابن الجزري وأشياعه.
وأما
رأي الشيخ ابن مهران في (كتاب المدود) فيقول: إن المتصل الموقوف عليه سببه
السكون العارض، ومادام سببه السكون العارض فيعامل معاملة السكون العارض،
إلا أن الهمزة تمنع قصره، فصارت الهمزة بمثابة الضيف عند ابن مهران.
بينما صار السكون العارض هو الضيف عند ابن الجزري وأشياعه، فتكون الأوجه كما يلي عند ابن مهران:
إذا
وقفنا على المتصل الواجب العارض للسكون يكون فيه في المنصوب الثلاثة
والأربعة والخمسة والستة هكذا: السماء ثلاثة، السماء أربعة، السماء خمسة،
السماءستة، هذا في المنصوب، ويسمي القراء الثلاث حركات: فويق القصر، والخمس
حركات: فويق التوسط، فهذا هو المعني عندهم بالفويق.
أما
إذا كان مجروراً كالنساء والدعاء، ففيه مايلي: ثلاثة بالسكون، وأربعة
بالسكون والرَوم, وخسمة بالسكون، وستة بالسكون والرَوم، فتصير الأوجه ستة
هكذا:
{ويستفتونك في النساء} ثلاثة بالسكون.
{ويستفتونك في النساء} توسط بالسكون يعني أربع حركات.
{ويستفتونك في النساء} أربعة بالروم، وينبغي أن يكون الروم أضعف من ذلك، ولكن لقرب التسجيل من فمي يخيل للسامع أنه قوي.
{ويستفتونك في النساء} خمسة، خمس حركات فويق التوسط.
{ويستفتونك في النساء} ست حركات بالسكون.
{ويستفتونك في النساء} ست حركات بالروم.
أما
إذا كان مرفوعاً كيشاء والدعاء، ففيه مايلي: الثلاثة بالسكون، والأربعة
بالسكون، والأربعة بالرَوم، والأربعة بالإشمام، والخمسة بالسكون، والستة
بالسكون، والستة بالرَوم، والستة بالإشمام.
فتلك ثمانية أوجه هكذا: {الله يفعل ما يشاء} ثلاثة حركات، {الله يفعل ما يشاء} أربع حركات بالسكون، {الله يفعل ما يشاء} أربع حركات بالإشمام، {الله يفعل ما يشاء} أربع حركات بالرَوم، {الله يفعل ما يشاء} خمس حركات بالسكون، {الله يفعل ما يشاء} ست حركات بالسكون, {الله يفعل ما يشاء} ست حركات بالإشمام، {الله يفعل ما يشاء} ست حركات بالروم.
وبكلا
الرأيين قرأنا، وسألت أشياخي عن هذا المذهب فقالوا:هو مذهب قوي وقرأنا به.
والفرق بين المذهبين أن ابن مهران قال: إن سبب الوقف السكون العارض، وسبب
الوصل الهمزة. وابن الجزري قال: إن سبب والوقف والوصل الهمزة والعارض ضيف.
وابن مهران قال: إن الهمزة ضيف منعت قصر المتصل وقفاً.
ويتفرع
على المد المتصل ما يسمى باللين المتصل، اللين المتصل الواجب العارض
للسكون، كشيء وسوْء. ومذهب القراء فيه: القصر والتوسط والمد، وقال بعضهم
بكراهة القصر؛ لأنه همز متصل، لكن الوجوه الثلاثة راجحة، ولا يأتي إلا
مجروراً ومرفوعاً مثل: شيءٍ وشيءٌ سوءٍ.
فإذا كان مجروراً ففيه القصر بالسكون والرَوم والتوسط والمد بالسكون، ويسمى مد لين متصل عارض للسكون.
أما
إذا جاء مرفوعاً ففيه سبعة أوجه: القصر حركتان بالسكون والإشمام والرَوم
فتلك ثلاثة، والتوسط بالسكون والإشمام والمد بالسكون والإشمام فتلك سبعة،
فإذا جاء منصوباً كشيئا قلنا: حرف لين متصل وبدل عِوض عن التنوين.
هذا بيان النوع الثالث من أنواع المدود وهو الواجب، وبقي النوع الرابع وهو الجائز، وينحصر في ثلاث مدود:
_ المنفصل.
_ والبدل.
_ والعارض للسكون.
أولاً: المنفصل، سمي منفصلاً لانفصال سببه عن موجبه، فالموجب في كلمة، والسبب في كلمة أخرى. مثال: {يا أيها} {في أمها}، {أمره إلى} {ها أنتم} لذا سمي منفصلا.
وقلنا
جائزاً لجواز الوجوه كلها فيه فيقرأ بالقصر، ويقرأ بالثلاث، ويقرأ
بالأربع، ويقرأ بالخمس، ويقرأ بالست، حسب جميع الروايات، فعندنا في رواية
حفص من طريق الحرز يقرأ بالخمس والأربع. وفي رواية حفص من طريق الطيبة يقرأ
بالقصر والثلاث والأربع والخمس، ويقرأ بالست في غير هذه الرواية؛ فلقبوله
جميع أنواع المدود قلنا جائزاً، واعلم أن حفصاً من طريق الحرز يمده أربع
حركات وخمس حركات.
أما قول صاحب التحفة:
*وجائز مد وقصر إن فصل *
لا
يعني بهذا أنه جائز من طريق الحرز، ولكنه يعني سبب الجواز، أنه يقبل القصر،
ويقبل الثلاثة، أي الفويق ويقبل التوسط أربع حركات، ويقبل فويق التوسط وهو
خمس حركات، ويقبل الإشباع في الروايات الأخرى. وفي روايتنا هذه يمد أربع
حركات وخمس حركات، ويقال له: مد منفصل جائز فرعي، فإذا وقفنا عليه صار مداً
طبيعياً كما تقدم.
وتارة يأتي المد المنفصل بدل كقوله: { وجاءوا أباهم } { السوءى أن كذبوا } فنقول: مد منفصل بدل جائز فرعي، فإن وقفنا عليه قلنا: مد بدل جائز فرعي.
النوع الثاني من المدود الجائزة:
مد البدل، وهو ما تقدم سببه على موجبه، فكل المدود يتقدم موجبها على
سببها، إلا مد البدل فإنه يتقدم سببه على موجبه، وهو كآمن، إيماناً، آدم،
آخره، أوتوا، كل ذلك يسمى مد بدل جائز فرعي، فلم سمي بدل؟ سمي بدلاً لأن
أصله همزتان، أبدلت إحداهما من جنس حركة ما قبلها، فأصل {آمنوا} (أأمنوا) أبدلت الهمزة الثانية الساكنة ألفاً من جنس حركة ما قبلها، فصارت آمنوا، وأصل {إيماناً} (إ ئماناً)، أبدلت الهمزة الثانية الساكنة ياء من جنس حركة ما قبلها، فصارت إيماناً. وأصل {أوتوا}
(أ ؤتوا) أبدلت الهمزة الثانية الساكنة واواً من جنس حركة ما قبلها، فصارت أوتوا، وهكذا.
لذا سمي: مد بدل، وقلنا: جائز؛ لأنه يمد عند غيرنا وهو ورش حركتان وأربع وست، فلقبوله الزيادة عند غيرنا قلنا جائز، وهو أنواع:
النوع الأول: بدل لا يتغير كآمنوا وإيماناً، وأوتوا وآدم، آخرة، ومثل ذلك.
النوع الثاني: بدل عوض عن التنوين كبناء وماء، ونساء، ودعاء. وقد تقدم آنفاً في المد المتصل الواجب، يقال بدل عوض عن التنوين.
النوع الثالث: نحو (خاطئين، خاسئين، مستهزؤون، مآب) يقال مد بدل عارض للسكون جائز فرعي، وكلمة جائز فرعي تذكر في جميع الأنواع.
النوع الرابع: مد بدل لازم مثال: {ولا آمين البيت الحرام} ومثال: {آلآن} و {آلذكرين} و {آلله أذن} تقول: مد لازم بدل مخفف أو مثقَّل حسب ما كان.
النوع الخامس: هو البدل المخلّق، وهو ما خلق من الابتداء بهمزة الوصل، نحو قوله تعالى: {إيتوني بكتاب من قبل هذا} {إيتوا بآبائنا إن كنتم صادقين}، فإنك إن وصلت ذلك قلت {قالوا ائتوا}...
الوجه الثاني
... قلت {أم لهم شرك في السماوات ائتوني} أو {قالوا ائتوا بآبائنا} فأين البدل؟ لكنك إن بدأت بهمز الوصل قلت: (إيتوا) ويسمى هذا بدل مخلَّق من همزة الوصل.
النوع السادس: بدل متصل في قوله تعالى: {ينفقون أموالهم رئاء الناس} ويسمى مد بدل متصل واجب، فإذا وقفت عليه قلت: مد بدل متصل واجب عارض للسكون، وفيه ما في المتصل الموقوف عليه وقد ذكرناه آنفاً.
النوع السابع: مد بدل عارض لمحذوف، مثل قوله: {رأى القمر} {رأى الشمس} فإنك إن وقفت عليه قلت: {رأى} فإذا سئلت عنه قلت: مد بدل عارض لمحذوف.
النوع الثامن: مد بدل لإشباع الحركة، كأن تقف على همزة (أأسجد) هل تقول قال. (أأ) ولا قال (آ)؟ لابد أن تقول: قال (آ). وكذلك {قال أرايتك} إن وقفت على همزة أرى تقول قال (آ) واسمه مد بدل لإشباع الحركة، أي: لإشباع حركة الحرف، لقيام حركة الحرف.
فهذه ثمانية أنواع من المد البدل.
النوع الثالث من المدود الجائزة: هو المد العارض للسكون وهو ثلاثة أنواع: منصوب، ومجرور، ومرفوع.
فالمنصوب نحو: {العالمين} {الذين} {ينفقون} {مفلحون} {يخافون} وفيه ثلاثة أوجه في الوقف، القصر حركتان، والتوسط أربع، والمد ست حركات، ويختصرها القراء بقولهم: فيه التثليث يعني الوجوه الثلاثة.
النوع الثاني: هو المجرور{الرحيم} و {الرحمن} و {الدين} و {مآب} و {الوهاب} و {حساب} و {متاب}، وهذا في الوقف فيه أربعة أوجه، الثلاثة المتقدمة ويزيد عليها القصر بالرَوم تقول: {مالك يوم الدين} {مالك يوم الدين} {مالك يوم الدين} {مالك يوم الدين} هذا هو القصر بالرَوم.
النوع الثالث؛
المرفوع كـنستعين وعظيم وكبير وكريم وعذاب وأليم وتواب ورحيم وفيه سبعة
أوجه: القصر بالسكون، والقصر بالإشمام، والقصر بالرَوم، والتوسط بالسكون،
والتوسط بالإشمام، والمد بالسكون، والمد بالإشمام، تقول: {إياك نعبد وإياك نستعين}، {إياك نعبد وإياك نستعين}، الإشمام {إياك نعبد وإياك نستعين} هذا هو الرَوم {إياك نعبد وإياك نستعين}، التوسط بالسكون {إياك نعبد وإياك نستعين} التوسط بالإشمام {إياك نعبد وإياك نستعين} المد بالسكون {إياك نعبد وإياك نستعين}، المد بالإشمام.
ويلاحظ
أن الرَوم لا يأتي إلا على القصر في المد العارض أما في المتصل الموقوف
عليه والذي سميناه بالمد المتصل الواجب العارض للسكون فيأتي على الأربعة
والست.
ويلاحظ أيضاً أن الإشمام لا ينطق به إلا في حالتين:
الحالة الأولى: في رواية حفص، وعند جميع القراء، في قوله تعالى: { مالك لا تأمنا}.
والحالة الثانية: في إدغام المرفوع في قراءة أبي عمرٍ، نحو قوله: {حيث شيتما}، فيأتي الإشمام منطوقاً به هناك، تقول: {حيث شيتما} {حيث شيتما}.
وباقي أنواع الإشمام لا ينطق بها، ففي قوله: {مالك لا تأمنا} عند جميع القراء وجهان: الرَوم والإشمام؛ لأن أصلها (تأمننا).
ولم يقرأ أحد بالإدغام المحض إلا أبو جعفر رضي الله تبارك وتعالى عنه، لذا قال العلاَّمة خلف الحسيني:
وإشمام تأمنا لكل ورومه = وقد قيل بالإدغام محضاً ووهلا
عني من قرأ بالإدغام المحض غير أبي جعفر فطريقه ضعيف موهل، فالإشمام هكذا {مالك لاتأمنا} بإخراج جزء من الغنة من الشفتين مع الخيشوم. أما الرَوم {مالك لا تأمنا} {مالك لا تأمنا}، بالنطق بثلث حركة النون المضمومة كما تقدم.
ولنعد
إلى ماكنا فيه، يقاس على المد العارض للسكون ما يسمى بهاء التأنيث
الممدودة، كالصلاة والزكاة والحياة، وثقتة وهاء التأنيث في الوقف هاء، وفي
الوصل تاء، فإذا سئلت عنها قلت: هاء تأنيث ممدودة عارضة للسكون، وليس فيها
روماً ولا إشماماً مهما كان جنسها. قال الإمام الشاطبي:
وفي هاء تأنيث وميم الجميع قل = وعارض شكل لم يكونا ليدخلا
أي الرَوم والإشمام. وقال الإمام ابن الجزري في (الطيبة):
وهاء تأنيث وميم الجمع مع = عارض تحريك كلاهما امتنع
أي:
الرَوم والإشمام، وأيضاً ما يسمى بهاء الضمير الممدودة كفيه وعليه وألقوه
ورأوه ورآه. وهي في الوقف هاء وفي الوصل هاء، وهذه الهاء اختلف فيها القراء
في الوقف عليها، فبعضهم لم يبح فيها روماً ولا إشماماً. وبعضهم أباح
الرَوم والإشمام في كل حال.
والمذهب الثالث: هو
إن كان قبلها كسر أوياء أو ضم أو واو، فلا روم ولا إشمام وإن لم يكن ففيها
الروم والإشمام، وعلى هذا فإذا سئلت عن نحو قوله: ألقوه رأوه؟ قلت: هاء
ضمير ممدودة مداً عارضاً للسكون، فإن سئلت هل فيها روم وإشمام؟ قلت: فيها
الروم والإشمام عند من أباح.
وعلى
هذا يكون فيها سبعة أوجه، إذا كانت مرفوعة، وإن كانت نحو عليه وفيه فعند من
أباح الروم فيها أربعة أوجه، وعند من لم يبح روماً ولا إشماماً يكون فيها
القصر والتوسط والمد كالعارض للسكون المنصوب.
قال الإمام الشاطبي:
يعني: أبوا الروم والإشمام، هذا أول مذهب
أم
الضمة الواو، وأم الكسرة الياء. هذا المذهب الثاني، (أو أماهما واو وياء
وبعضهم يرى لهما في كل حال محللا) هذا هو المذهب الثالث: الإباحة على كل
حال.
وما
دمنا في السكون العارض فلنذكر شيئاً آخر: هناك ما يسمى عارضاً للسكون غير
ممدود، كالشمس والقمر والبرق والبر والبحر وما ليس لهم به علم والأمر، وقس
على ذلك، فإن كان منصوباً قلت: هذا عارض للسكون غير ممدود منصوب فيه وجه
واحد السكون فقط، وإن كان مجروراً كالبر والبحر قلت: عارض للسكون غير ممدود
مجرور، فيه السكون والروم، وإن كان مرفوعاً كالبرق والبر والبحر والأمر
والعلم، قلت: عارض للسكون غير ممدود مرفوع، فيه السكون والروم والإشمام.
وكذا
إذا جاءت هاء تانيث غير ممدودة كالصاخة والطامة والقيامة واللوامة قلت: هاء
تأنيث غير ممدوده عارضة للسكون، ليس فيها روماً ولا إشماماً.
وإذا جاءت هاء ضمير غير ممدودة، كقوله: {يعظكم به} {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} {نوله} {نصله} {نؤته}، قلت: هاء ضمير غير ممدودة عارضة للسكون.
فإن
كانت مجرورة ففيها السكون والروم عند من أباح، وإن كانت مرفوعة ففيها
السكون والروم والإشمام عند من أباح، وإلا ففيها السكون فقط.
وهناك مسميات للمدود سمعتها من أشياخنا
أولاً: ما يسمى بمد التمكين وهو نوعان: منفصل، وطبيعي.
فالنوع المنفصل نحو قوله: {وإن تلووا أو تعرضوا} فتقول مد منفصل، ومد تمكين، والتمكين: هو أن تخلص الواو المضمومة من الواو المعتلة، وكذا في قوله: {إن الله لا يستحيي}
فالتمكين هو أن تخلص الياء المتحركة من الياء المعتلة، وفي الطبيعي نحو
النبيين مد طبيعي ومد تمكين، ومعنى التمكين أن تخلص المتحركة من المعتلة،
وما يتصل بهاء الضمير يسمى مد صلة كقوله: {في أمها رسولاً} يقال مد طبيعي ومد صلة صغيرة ونحو: {أمره إلى الله} مد منفصل ومد صلة كبيرة.
هذه
أشياء سمعناها من أشياخنا، وكذا مد التعظيم في نحو (لا إله إلا) عند من قصر
المنفصل في رواية حفص من طريق الطيبة، يسمى مد تعظيم.
وأيضا هناك ما يسمى بمد المبالغة نحو: {لا شية فيها} {لا مرد له من الله} عند
حمزة من طريق الطيبة. هذه أنواع سمعناها من أشياخنا ننبه عليها، وبذلك
نكون قد أحطنا بجميع أنواع المدود علماً، وهذا دليل ما قلناه أولا بأول:
قال صاحب التحفة:
أقسام المد
مالا توقف له على سبب، = ولا بدونه الحروف تجتلب
بل أي حرف غير همز أو سكون = جا بعد مد فالطبيعي يكون
والآخر الفرعي موقوف على = سبب كهمز أو سكون مسجلا
حروفه ثلاثة فعيها = من لفظ واي وهي في نوحيها
والكسر قبل اليا وقبل الواو ضم = شرط وفتح قبل ألف يلتزم
واللين منها اليا وواو سُكِّنا = إن انفتاح قبل كل أعلنا
أحكام المد
فواجب إن جاء همز بعد مد = في كلمة وذا بمتصل يعد
وجائز مد وقصر إن فصل = كل بكلمة وهذا المنفصل
ومثل ذا إن عرض السكون = وقفاً كتعلمون نستعين
أو قدم الهمز على المد وذا = بدل كآمنوا وإيماناً خذا
ولازم إن السكون أصلا = وصلاً ووقفاً بعد مد طولا
أقسام المد اللازم
كلاهما مخفف مثقل = فهذه أربعة تفصل
فإن بكلمة سكون اجتمع = مع حرف مد فهو كلمي وقع
أو في ثلاثي الحروف وجدا = والمد وسطه فحرفي بدا
كلاهما مثقَّل إن إدغما = مخفف كل إذا لم يدغما
واللازم الحرفي أول السور = وجوده وفي ثمان انحصر
يجمعها حروف كم عسل نقص = وعين ذو وجهين والطول أخص
وما سوى الحرف الثلاثي لا ألف = فمده مداً طبيعياً ألف
وذاك أيضاً في فواتح السور = في لفظ حي طاهر قد انحصر
ويجمع الفواتح الأربع عشر = صله سحيراً من قطع كذا اشتهر
ومما كان ينبغي لنا أن نذكره في المد اللازم وقد نسيته الوجوه الثلاثة في أول سورة آل عمران، فلكل القراء في أول سورة آل عمران ثلاثة أوجه:
_ المد اللازم في قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم. الم}، فإذا وصلت بلفظ الجلالة كان لجميع القراء وجهان آخران:
أولاً: القصر: حركتان، هكذا: {الم. الله لا إله إلا هو} والمد اللازم {الم. الله لا إله إلا هو}.
فمن قصر اعتد بالعارض لنقل حركة الهمزة إلى الميم ومن مد لم يعتد بالعارض قال الإمام الحسيني في (إتحافه):
لكل وذا في آل عمران قد أتى = وورش فقط في العنكبوت له كلا
وإن همز وصل بين لام مسكن = وهمزة الاستفهام فامدده مبدلا
فللكل ذا أولى ويقصره الذي = يسهل عن كل كآلان مثلا
فالإبدال بالمد أولى وأحق وأصح، وأكثر طرقاً، والتسهيل صحيح مأخوذ به وقرأنا بالوجهين، وقال الإمام ابن الجزري في الطيبة:
وهمز وصل منك آلله أذن = أبدل لكل أو فسهل واقصرن
واعلم
أنه ليس من الضروري القراءة بكل الوجوه في المد العارض، أو في المتصل
الموقوف عليه وإنما الضروري أن تعلم جوازها كلها فبأي وجه قرأت أصبت، وليس
من الضروري إحصاء كل الوجوه. وقد تم هذا المبحث النفيس بحمد الله وتوفيقه،
والله أعلم.
. . .
استدراك:
تذكرت أني نُسِّيت في خضم باب المد والقصر أن أستدل بما قاله الناظم فأقول:
قال الناظم:
والمد لازم وواجب أتى = وجائز وهو وقصر ثبت
نوع المد إلى ثلاثة أنواع: لازم، وواجب، وجائز. والأصح ما قلناه أنه ضروري ولازم وواجب وجائز.
ثم قال:
يوضح السبب في المد اللازم بأنه الساكن الأصلي الذي لا يتغير في الحالين وقفاً أو وصلاً.
ثم قال: وبالطول يمد، والطول عند القراء هو المد المشبع ست حركات، والحركة بقدر ضم الأصبع أو فتحه بحالة متوسطة.
قال الناظم:
يريد إذا جاء السبب والموجب في كلمة كأولئك، شاء، جاء، السماء، وهو ما يسمى بالمد المتصل قال الناظم:
اختصر على نوعين من أنواع
المد الجائز وهو المنفصل، والمد العارض للسكون، وترك البدل وما تفرع من
العارض للسكون كهاء التأنيث الممدودة وهاء الضمير الممدودة.
وقوله في أول الكلام:
وجائز وهو وقصر ثبت، إن أراد به قصر المد البدل أو التخيير في المد العارض
فمسلَّم، وإن أراد به قصر المد المنفصل فهو جائز عند غيرنا ويكون معنى
الكلام السبب في علة الجواز، وإلا فحفص من طريقنا يقرأ بالتوسط وفويق
التوسط أي بالأربعة والخمس.