26 Oct 2008
باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (بَابُ لاَ يُسْأَلُ بَوَجْهِ اللهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ فِيهِ مَسَائِلُ: الثَّانِيةُ: إِثْبَاتُ صِفَةِ الْوَجْهِ.
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لاَ يُسْأَلُ بَوَجْهِ اللهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ)) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ
قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ((3) أيْ: إعظامًا وإجلالاً وإكرامًا لِوَجْهِ اللهِ أنْ يُسْأَلَ بهِ إلاَّ غايَةُ المَطَالِبِ.
وهذا منْ معاني قولِهِ تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:27]. وفيهِ إثباتُ الوجهِ خلافًا للجهمِيَّةِ ونحوِهم؛ فإنَّهُم أوَّلُوا الوَجْهَ بالذَّاتِ. قولُهُ: (إلاَّ الْجَنَّةُ) كأنْ يقولَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ أَنْ تُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، وقيلَ:
المُرَادُ: لا تسْأَلُوا من الناسِ شيئًا بوجِهِ اللهِ، كأنْ يقولَ:
أَعْطِنِي شيئًا بوجْهِ اللهِ؛ فإنَّ اللهَ أعظمُ منْ أنْ يُسْأَلَ بهِ
شيءٌ من الْحُطَامِ. قُلْتُ: والظاهِرُ أنَّ كِلا المَعْنَيَيْنِ صَحِيحٌ. قالَ الحافِظُ العِرَاقِيُّ: (وذِكْرُ
الجنَّةِ إنَّما هوَ للتنبيهِ بهِ على الأمورِ العِظامِ، لا للتخصيصِ، فلا
يُسألُ بوجهِهِ في الأمورِ الدَّنِيئَةِ، بخلافِ الأمورِ العِظَامِ
تَحْصِيلاً أوْ دَفْعًا، كما يُشِيرُ إليهِ اسْتِعَاذَةُ النبيِّ صلَّى
اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ بِهِ). قُلْتُ: والظَّاهِرُ
أنَّ المرادَ: لا يُسْأَلُ بوجْهِ اللهِ إلاَّ الجنَّةُ، أوْ ما هوَ
وَسِيلَةٌ إليها، كالاسْتِعَاذَةِ بوجهِ اللهِ مِنْ غَضَبِهِ ومِن النارِ،
ونحوِ ذلكَ مِمَّا هوَ وارِدٌ في أدْعِيَتِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
وتَعَوُّذَاتِهِ. ولَمَّا نَزَلَ قولُهُ تعالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((أَعُوذُ بِوَجْهِكَ)){أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}[الأنعام:65].
وهذا الحديثُ رَوَاهُ في (المُخْتَارَةِ) أيضًا، ولكنْ في إسنادِهِ سليمانُ بنُ مُعَاذ، قال ابنُ مَعِينٍ: (ليسَ بشيء)، وضَعَّفَهُ عبدُ الحقِّ وابنُ القَطَّانِ.
قولُهُ:
(لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللهِ إِلاَّ الجَنَّةُ) رُوِيَ بالنَّفْيِ
والنَّهْيِ، ورُوِيَ بالبناءِ للمجهولِ، وهوَ الذي في الأصلِ، ورُوِيَ
بالْخِطَابِ للمُفْرَدِ.
فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ((3) قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (بابُ لا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ) عَنْ جابِرٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ)). رَواهُ أَبو داودَ
(4) قَوْلُهُ: (بابُ لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ) ذَكَرَ فيهِ حديثَ جابرٍ.
وهنا سؤالٌ: وفي آخِرِهِ: ((أَعُوذُ
بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلَحَ
عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَنْ يَحِلَّ عَلَيَّ غَضَبُكَ،
أَوْ يَنْزِلَ بِي سَخَطُكَ. لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلاَ حَوْلَ
وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ)).
فالجوابُ: أنَّ ما وَرَدَ منْ ذلكَ فهوَ في سؤالِ ما يُقرِّبُ إلى الْجَنَّةِ، أوْ
ما يَمْنَعُهُ من الأعمالِ التي تَمْنَعُ مِن الْجَنَّةِ، فيكونُ قدْ سألَ
بوَجهِ اللهِ وبنُورِ وَجْهِهِ ما يُقَرِّبُ إلى الْجَنَّةِ كما في
الحديثِ الصحيحِ: ((اللهُمَّ
إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا يُقَرِّبُ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ
عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا يُقَرِّبُ إِلَيْهَا مِنْ
قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ)) بخِلافِ ما
يَخْتَصُّ بالدُّنْيَا كسؤالِهِ المالَ والرزْقَ والسَّعَةَ في الْمَعيشةِ
رَغبةً في الدُّنيا، معَ قَطْعِ النَّظَرِ عنْ كونِهِ أَرادَ بذلكَ ما
يُعِينُهُ على عَمَلِ الآخرةِ.
وحديثُ البابِ منْ جُملةِ
الأَدِلَّةِ الْمُتواتِرَةِ في الكتابِ والسُّنَّةِ على إثباتِ الوَجْهِ
للهِ تعالى؛ فإنَّهُ صِفَةُ كَمالٍ، وسَلْبُهُ غايَةُ النَّقْصِ
والتَّشْبيهِ بالناقصاتِ.
والحديثُ الْمَرْوِيُّ في (الأذكارِ): ((اللهُمَّ أَنْتَ أَحَقُّ مَنْ ذُكِرَ، وَأَحَقُّ مَنْ عُبِدَ)) وفي آخرِهِ ((أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ)).
كَسَلْبِهم جميعَ الصفاتِ أوْ بعضَها، فوَقَعُوا في أَعْظَمَ مِمَّا فَرُّوا منهُ، تعالى اللهُ عَمَّا يَقولُونَ عُلُوًّا كبيرًا.
وطَريقةُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ سَلَفًا وخَلَفًا: الإِيمانُ بما وَصَفَ اللهُ بهِ نفسَهُ في كِتابِهِ، ووَصَفَهُ بهِ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سُنَّتِهِ،
على ما يَليقُ بجَلالِ اللهِ وعَظَمَتِهِ، فيُثْبِتُونَ لهُ ما أَثْبَتَهُ
لنفسِهِ في كتابِهِ، وأَثْبَتَهُ لهُ رسولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ويَنْفُونَ عنهُ مُشابَهَةَ المخلوقِ، فكما أنَّ ذاتَ الربِّ
تعالى لا تُشْبِهُ الذواتِ، فصِفاتُهُ كذلكَ لا تُشْبِهُ الصفاتِ، فمَنْ
نَفَاهَا فقدْ سَلَبَهُ الكمالَ.
القول السديد للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): (البابُ الثاني:
خطابٌ للسائِلِ ، وأنَّ
عليه أنْ يَحْتَرِمَ أسماءَ اللهِ وصفاتِه، وَأَنْ لا يَسأَلَ شيئًا مِن
المطالِبِ الدُّنيَوِيَّةِ بوجْهِ اللهِ، بلْ لا يَسألَ بوجْهِهِ إلاَّ
أهمَّ المطالبِ وأعظمَ المقاصدِ وهي الجنَّةُ ، بما فيها من النعيمِ
المُقيمِ ، ورضا الربِّ ، والنظرِ إلى وجهِهِ الكريمِ ، والتلذُّذِ
بخطابِهِ، فهذا المطلَبُ الأَسْمَى هو الَّذي يَسْأَلُها بوجهِ اللهِ. وأمَّا المطالِبُ الدُّنْيَويَّةُ والأمورُ الدنيئةُ وإنْ كانَ العبدُ لا يسأَلُهَا إلاَّ مِنْ ربِّه ، فإنَّه لا يَسْأَلُ بوجْهِهِ.
تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي
قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (9) مُنَاسَبَةُ هذا البابِ للتَّوحيدِ:
أنَّ فيهِ تعظيمَ وَجْهِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ بحيثُ لا يُسْأَلُ بهِ إلاَّ الجنَّةُ. (10) قولُهُ: ((لاَ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللهِ إِلاَّ الْجَنَّةُ)). القولُ الأوَّلُ: أنَّ المُرَادَ: لا تَسْأَلوا أحدًا من المخلوقينَ بوجهِ اللهِ، فإذا
أرَدْتَ أنْ تَسْأَلَ أحدًا من المخلوقينَ فلا تَسْأَلْهُ بوجهِ اللهِ؛
لأنَّهُ لا يُسْأَلُ بوجهِ اللهِ إلاَّ الجنَّةُ، والخَلْقُ لا يَقْدِرونَ
على إعطاءِ الجنَّةِ؛ فإذًا لا يُسْأَلونَ بوجهِ اللهِ مُطْلَقًا،
ويَظْهَرُ أنَّ المؤلِّفَ يَرَى هذا الرَّأيَ في شرحِ الحديثِ؛ ولذلكَ
ذَكَرَهُ بَعْدَ: (بَابُ لا يُرَدُّ مَنْ سَأَلَ باللهِ). قالَ:((أَعُوذُ بِوَجْهِكَ)){أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}. وقولُهُ: ((بِوَجْهِ اللهِ)) فيهِ إثباتُ الوجهِ للهِ عزَّ وجلَّ، وهوَ ثابتٌ في القرآنِ والسُّنَّةِ وإجماعِ السَّلَفِ. هلْ
هوَ وجهٌ حقيقيٌّ، أوْ أنَّهُ وَجْهٌ يُعَبَّرُ بهِ عن الذَّاتِ، وليسَ
للهِ وجهٌ، بلْ لهُ ذاتٌ، أوْ أنَّهُ يُعَبَّرُ بهِ عن الشَّيءِ الذي
يُرادُ بهِ وَجْهُهُ، وليسَ هوَ الوْجَهَ الحقيقيَّ، أوْ أنَّهُ يُعَبَّرُ
بهِ عن الجهةِ، أوْ أنَّهُ يُعَبَّرُ بهِ عن الثَّوابِ؟ فـ(ذِي) صفةٌ لـ(ربِّ)، وليستْ صفةً لـ(اسمُ)، و(ذُو) صفةٌ لـ(وَجْهُ) وليْسَتْ صفةً لـ(ربِّ). الأولى: (النَّهْيُ
عَنْ أنْ يُسْألَ بِوَجْهِ اللهِ إلاَّ غَايَةُ المَطالِبِ)تُؤْخَذُ منْ
حديثِ البابِ، وهذا الحديثُ ضَعَّفَهُ بعضُ أهلِ العلمِ. لَكِنْ على تقديرِ
صِحَّتِهِ؛ فَإِنَّهُ من الأدبِ أنْ لا تَسْأَلَ بِوَجْهِ اللهِ إلاَّ ما
كانَ منْ أَمْرِ الآخرةِ؛ الفوزِ بالجنَّةِ، أو النَّجاةِ من النَّارِ.
فأُمُورُ الآخرةِ تُسْأَلُ بوجهِ اللهِ،كقولِكَ مثلاً: (أَسْألُكَ بوجهِكَ أنْ تُنْجِيَنِي من النَّارِ).
والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ اسْتَعَاذَ بوجهِ اللهِ لَمَّا نَزَلَ قولُهُ تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قالَ: ((أَعُوذُ بِوَجْهِكَ)){أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}.
قالَ: ((هَذِهِ أَهْوَنُ أَوْ أَيْسَرُ)).
ولوْ قيلَ: إنَّهُ يَشْتَمَلُ المعْنَيَيْنِ جميعًا لكانَ لهُ وَجْهٌ.
قال في (قرة عيون الموحدين) (ص:231): (قوله صلى الله عليه وسلم ((لا يسأل بوجه الله إلا الجنة))هنا سؤال: وهو أنه قد ورد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الطائف حين كذبته ثقيف دعا بالدعاء المأثور ((اللهم أشكوا إليك ضعف قوتي))وفيه ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات)) والحديث الآخر وفيه ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض)) ونحو هذه الأحاديث المرفوعة التي فيها السؤال بوجه الله غير الجنّة؟
فالقرآنُ في قولِهِ تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}.
وقولِهِ تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} والآياتُ كثيرةٌ.
والسُّنَّةُ كما في الحديثِ السَّابقِ: ((أَعُوذُ بِوَجْهِكَ)).
فيهِ خلافٌ، لكنْ هَدَى اللهُ الَّذين آمنوا لِمَا اخْتَلَفوا فيهِ من الحقِّ، فقالُوا: (إنَّهُ وَجْهٌ حقيقيٌّ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قالَ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ}.
فإذا كانَ الوجهُ موصوفًا
بالجلالِ والإكرامِ فلا يُمْكِنُ أنْ يُرَادَ بهِ الثَّوَابُ أو الجهةُ أو
الذَّاتُ؛ لأنَّ الوجهَ غيرُ الذَّاتِ).
شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (باب: لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة
مثل البخاري؛ الشيخ -رحمه الله- صنع هذا كصنيع البخاري في (صحيحه)؛والبخاري في (صحيحه) على ثلاثة أصناف: - أو تقول بابْ.. وتسكت، ثم تكمل الكلام. من أنَّ تعظيم صفات الله جل وعلا، وسواء في ذلك: هذا من تحقيق التوحيد، ومن كمال الأدب والتعظيم لله جل وعلا؛ فإنَّ تعظيم الله جل جلاله، وتعظيم أسمائه، وتعظيم صفاته: يكون بأنحاء وأشياء متنوعة، ومن ذلك: أنك لا تسأل بالله، أو بوجه الله، أو بصفات الله جل جلاله، إلاّ المطالب العظيمة التي أعلاها الجنة. - لما يجب من تعظيم الله جل جلاله. (إلاّ الجنة) الجنة: هي دار الكرامة التي أعدّها الله -جل وعلا- للمكلفين من عباده الذين أجابوا رسله، ووحدّوه، وعملوا صالحاً.
- تارة يضيف فيقول (بابُ كذا).
- وتارة يقول (بابٌ) فتقول بابٌ وتُكمل.
هذا (باب لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة)
ومناسبته لكتاب التوحيد ظاهرة:
- أو صفات الفعل.
لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة؛ فلو فُرضَ أنه يُختار هل سيقع أو لا يقع، فإنه يُنفي وقوعه أصلاً:
- وتعظيم أسماء الله جل وعلا، وصفاته.
(لا يُسأل بوجه الله) وجه الله جل جلاله: صفةُ ذاتٍ من صفاته سبحانه، وهو غير الذات.
الوجه صفة من الصفات وهو في اللغة:ما يُواجه به؛ وهو مَجْمَعُ أكثر الصفات في اللغة؛ الوجه ما يُواجه به، ويكون مجمعاً لأكثر الصفات.
فالله -جل وعلا- متصفٌ بالوجه،
متصف به على ما يليق بجلاله، وعظمته؛ نثبت ذلك إثباتاً؛ نعلم أصل المعنى،
ولكن كمال المعنى، أو الكيفية؛ فإننا نَكِلُ ذلك إلى عالمه، وإلى المتصف به
جل جلاله؛ ولكن نثبت على أصل عدم التمثيل، والتعطيل؛ كما قال جل وعلا: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
فإن
الله -جل جلاله- لا يُسأل بصفاته الأشياء الحقيرة الوضيعة، بل يُسأل أعظم
المطلوب؛ وذلك لكي يتناسب السؤال مع وسيلة السؤال؛ وهذا معنى هذا الباب في أنَّ تعظيم صفات الله جل وعلا، في ألاّ تدعو الله بها، إلاّ في الأمور الجليلة؛ فلا تسأل الله جل وعلا بوجهه، أو باسمه الأعظم، أو نحو ذلك في أمور حقيرة وضيعة لا تناسب تعظيم ذلك الاسم.
قال: (عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة)) رواه أبو داود.
وهذا ظاهر في ما بوّب له الإمام المصنف
رحمه الله تعالى، وقد قال العلماء هنا: إن وجه الله -جل جلاله- يُسأل به
الجنة؛ فلا يجوز أن يُسأل به غيرُها، إلا ما كان وسيلة إلى الجنة، أو كان
من الأمور العظيمة التي هي من جنس السؤال بالجنة، أو من لوازم السؤال
بالجنة؛ كالنجاة من النار، وكالتثبيت عند السؤال؛ ونحو ذلك.
فالأمر المطلوب الجنة، أو
ما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ؛ والنجاة من النار، أو ما قرب إليها من
قولٍ وعمل؛ هذا يجوز أن تسال الله -جل وعلا- إيّاه متوسلاً بوجهه العظيم
سبحانه وتعالى.
وأما غير الوجه من الصفات،
أو من الأسماء: فالأدب ألاّ تسأل إلاّ في المطالب العظيمة؛ وإذا كان ثَمَّ
شيء من المطالب الوضيعة أو التي تحتاجها مما ليس بعظيم، فلا يكن ثمّ توسلٌ
بصفات الله الجليلة العظيمة، بل تقول: (اللهم أعطني كذا) (اللهم أسألك
كذا) ونحو ذلك.
أما التوسل بصفات الله
العظيمة؛ كالوجه؛ وكاسمه الأعظم؛ ونحو ذلك: فإن ذلك يختصّ بالمطالب العالية
لما بين الاسم الأعظم والصفات العظمى، مع المطالب العالية من المناسبة.
والله أعلم.
تخريج أحاديث منتقدة في كتاب التوحيد للشيخ: فريح بن صالح البهلال
قال الشيخ فريح بن صالح البهلال: (بابُ لا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللهِ إلا الجَنَّةَ
عنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يـُسـْأَلُ بوَجْهِ اللهِ إلا الجَنَّةَ)). أخرجَهُ أبو داودَ والبيهقيُّ والخطيبُ البغداديُّ وابنُ عديٍّ.
وأوردَهُ النَّوويُّ في (رياضِ الصَّالحيَن): (بابِ كراهةِ أنْ يَسْأَلَ الإِنسانُ بوجهِ اللهِ إلا الجنَّةَ).
ورمَزَ لصحَّتِهِ السّيوطيُّ وعزاهُ أيضاً للضِّياءِ، وجعلَهُ البغويُّ في (الحسانِ).
وقالَ عن أبي زرعةَ:(ليسَ بذاكَ).
وقالَ المنذريُّ: (رجالُهُ رجالُ الصَّحيحِ إلا شيخَ الطَّبرانيِّ يحيى بنَ عثمانَ بنَ صالحٍ وهو ثقةٌ وفيه كلامٌ).
من طريقِ أحمدَ بنِ عمرو بنِ عبيدةَ أبي العبَّاسِ العصفريِّ: ثنَا يعقوبُ بنُ إسحاقَ الحضرميُّ عن سليمانَ بنِ قَرم بنِ معاذٍ عن محمَّدِ بنِ المنْكَدِرِ عن جابرٍ بهِ.
وأخرجَهُ أيضاً البغويُّ تعليقاً، وسكتَ عنه أبو داودَ.
قلْتُ: سليمانُ بنُ قَرم بنِ معاذٍ، قالَ ابنُ أبي حاتمٍ:
وقالَ عن أبيهِ أنَّهُ قالَ: (ليسَ بالمتينِ).
وقالَ الذَّهبيُّ: قالَ أحمدُ: ثقةٌ.
وذكرَهُ ابنُ حبَّانَ في (الثِّقاتِ) وقالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ: (قالَ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حنبلَ: كانَ أبي يتتبَّعُ حديثَ قطبةَ بنِ عبدِ العزيزِ وسليمانَ بنِ قَرم ويزيدَ بنِ عبدِ العزيزِ بنِ سياه، وقالَ: هؤلاءِ قومٌ ثقاتٌ، وهمْ أَتَمُّ حديثاً من سفيانَ وشعبةَ، وهم أصحابُ كتبٍ، وإن كانَ سفيانُ وشعبةُ أحفظَ منهُمْ) اهـ.
وذكرَهُ الذَّهبيُّ في معرفةِ الرُّواةِ المتكلَّمِ فيهِمْ بما لا يُوجِبُ الرَّدَّ.
وقالَ المزّيُّ: (استشهدَ بهِ البخاريُّ، ورَوَى له الباقُونَ سوى ابنِ ماجهَ).
وعليهِ فالسَّندُ حسنٌ - إنْ شاءَ اللهُ-، ويشهدُ له حديثُ أبي موسى الأشعريِّ - رَضِي اللهُ عَنْهُ - أنَّهُ سمعَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((ملعونٌ مَنْ سألَ بوجهِ اللهِ، وملعونٌ من سُئِلَ بوجهِ اللهِ فمنَعَ سائلَهُ ما لمْ يسأَلْ هجراً)).
عزَاهُ الهيثميُّ والمنذريُّ للطَّبرانيِّ في (الكبيرِ).
ورمَزَ لحسنِهِ السّيوطيُّ وقالَ المناويُّ: قالَ الحافظُ العراقيُّ: (إسنادُهُ حسنٌ).
وقالَ الحافظُ ابنُ منده بعدَ إخراجِهِ لهذا الحديثِ من طريقِ سليمانَ بنِ قَرم مجوِّداً لإِسنادِهِ: (وذلك
أنـَّهُ ثبتَ عنِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ سألَ
بوجهِ اللهِ، واستعاذَ بوجهِ اللهِ، وأمرَ من يُسألُ بوجهِ اللهِ أن
يُعْطِيَ، من وجوهٍ مشهورةٍ بأسانيدَ جيادٍ، ورواهُ الأئمَّةُ عن عمارِ بنِ ياسرٍ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، وأبي أسامةَ، وعبدِ اللهِ بنِ جعفرَ وغيرِهِمْ).
العناصر
مناسبة باب (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) للتوحيد
بيان الفرق بي باب: (لا يرد من سأل بالله)، وباب: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)
شرح ترجمة الباب (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة...)
- صيغ تراجم أبواب صحيح البخاري وكتاب التوحيد
شرح حديث جابر: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)
- الروايات في قوله: (لا يسأل)
- إثبات الوجه لله تعالى على ما يليق به، والرد على من نفاه
- الحكمة من النهي عن أن يسأل بوجه الله إلا الجنة
- الأقوال في المراد بحديث: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)
- الجمع بين حديث (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)، وحديث (أعوذ بوجه الله الكريم.. من شر السامة واللامة..)
شرح مسائل باب: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)