26 Oct 2008
باب لا يُرد من سأل بالله
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (بَابُ لاَ يُرَدُّ مَنْ سَأَلَ بِاللهَ فِيهِ مَسَائِلُ:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنِ
اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ،
وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا
فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ
حَتَّى تُرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ))رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
الأُولَى: إِعَاذَةُ مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللهِ.
الثَّالِثَةُ: إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ.
الرَّابِعَةُ: الْمُكَافَأَةُ عَلَى الصَّنِيعَةِ.
الْخَامِسَةُ: أَنَّ الدُّعَاءَ مُكَافَأَةٌ لِمَنْ لَمْ يَقْدِرْ إِلاَّ عَلَيْهِ.
السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ:((حَتَّى تُرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)).
تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ
قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ((1) أيْ: إعظامًا وإجلالاً للهِ تعالى أنْ يُسْأَلَ بهِ في شيءٍ ولا يُجَابَ السائلُ إلى سؤالِهِ ومطلوبِهِ؛ ولهذا أمرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإبرارِ القسمِ.
وتَنَازَعُوا: هلْ هوَ أَمْرُ استحبابٍ أوْ إيجابٍ؟
ولا يَجِبُ إذا كانَ للإكرامِ؛ لأَمْرِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكرٍ بِوُقوفِهِ في الصفِّ ولمْ يَقِفْ، ولأنَّ أبا بكرٍ أقسَمَ
على النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُخْبِرَنَّهُ بالصوابِ
والخطأِ لَمَّا فَسَّرَ الرُّؤْيَا، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ((لاَ تُقْسِمْ))كما في (الصحيحَيْنِ) قالَ: لأنَّهُ عَلِمَ أنَّهُ لمْ يَقْصِد الإقسامَ عليهِ معَ المصلحةِ المُقْتَضِيَةِ لِلْكَتْمِ.
وظاهرُ كلامِ شيخِ الإسلامِ التفريقُ
بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ إلزامَهُ بالقَسَمِ فتجِبُ إجابتُهُ، أوْ يَقْصِدَ
إكرامَهُ فلا تَجِبُ عليهِ؛ ولهذا أوجبَ على المُقْسِمِ في الأولى
الكفَّارَةَ إذا لَم يُفْعَل المحلوفُ عليهِ، دُونَ الثانيَةِ؛ لأنَّهُ
كالأَمْرِ.
(فَأَعِيذُوهُ) أي: امْنَعُوهُ مِمَّا استعاذَ منهُ، وكُفُّوهُ عنهُ لتعظيمِ اسمِ اللهِ تعالى. ولهذا قَالَت الْجَوْنِيَّةُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعوذُ باللهِ مِنْكَ، قالَ:((لَقَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ)). ومعناهُ
ظاهرٌ، وهوَ يَقُولُ: أسألُكَ باللهِ أوْ بِوَجْهِ اللهِ، ونحوِ ذلكَ، أنْ
تَفْعَلَ، أوْ تُعْطِيَنِي كذا. ويَدْخُلُ في ذلكَ الْقَسَمُ عليهِ باللهِ
أنْ يفعلَ كذا.
قالَ الطِّيبِيُّ: (سَقَطَتْ منْ غيرِ ناصبٍ ولا جازمٍ؛ إمَّا تخفيفًا، أوْ سَهْوًا من الناسخِ).
ولفظُ أبي دَاوُدَ: ((مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ)).
قولُهُ: (وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ) وفي حديثِ
ابنِ عبَّاسٍ عندَ أحمدَ وأبي داودَ: ((وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِوَجْهِ اللهِ فَأَعْطُوهُ)).
وظاهرُ الحديثِ وُجُوبُ
إعطائِهِ ما سألَ ما لمْ يَسْأَلْ إثمًا أوْ قطيعةَ رحمٍ، وقدْ جاءَ
الوعيدُ على ذلكَ في عِدَّةِ أحاديثَ؛ منها حديثُ أبي موسى مرفوعًا: ((مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللهِ، وَمَلْعُونٌ مَنْ يُسْأَلُ بِوَجْهِهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَمْ يُسْأَلْ هُجْرًا)) رواهُ الطَّبَرَانِيُّ.
قالَ في (تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ): (ورجالُ إسنادِهِ رجالُ الصحيحِ، إلاَّ شيخَهُ يحيى بنَ عثمانَ بنِ صالحٍ، والأكثرُ على توثيقِهِ.
فإنْ بَلَغَ هذا الإسنادُ أوْ إسنادُ غيرِهِ مَبْلَغًا يُحْتَجُّ بهِ كانَ ذلكَ من الكبائرِ).
وعنْ أبي عُبَيْدَةَ مولى رِفَاعَةَ بنِ رَافِعٍ مرفوعًا: ((مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللهِ، وَمَلْعُونٌ مَنْ سُئِلَ بِوَجْهِ اللهِ فَمَنَعَ سَائِلَهُ)) رواهُ الطبرانيُّ أيضًا.
وعن ابنِ عبَّاسٍ مرفوعًا:((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ: رَجُلٌ يُسْأَلُ بِاللهِ وَلاَ يُعْطِي)) رواهُ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وابنُ حِبَّانَ في (صحيحِهِ).
وعنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ الْبَرِيَّةِ؟))
قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: ((الَّذِي يُسْأَلُ بِاللهِ وَلاَ يُعْطِي)) رواهُ أحمدُ.
إذا تَبَيَّنَ هذا؛ فهذهِ الأحاديثُ دَالَّةٌ على إجابةِ مَنْ سألَ باللهِ أوْ أَقْسَمَ بهِ، ولكنْ قالَ شيخُ الإسلامِ: (إنَّما
تجبُ على مُعَيَّنٍ، فلا تجبُ على سائلٍ يُقْسِمُ على الناسِ، وظاهرُ
كلامِ الفقهاءِ أنَّ ذلكَ مُسْتَحَبٌّ كإبرارِ الْقَسَمِ، والأوَّلُ
أَصَحُّ).
قولُهُ: (وَمَنْ دَعَاكُمْ
فَأَجِيبُوهُ) أيْ: مَنْ دَعاكُمْ إلى طعامٍ فَأَجِيبُوهُ؛ فإنْ كانَتْ
وَلِيمَةَ عُرْسٍ وتَوَفَّرَت الشروطُ المُبَيَّنَةُ في كُتُبِ الفقهِ
وجبَت الإجابةُ، وإنْ كانَ لغيرِها اسْتُحِبَّ إجابتُها، وَتَجِبُ
مُطْلَقًا وهوَ الصحيحُ؛ لظاهرِ الأحاديثِ، وهيَ لمْ تُفَرِّقْ بينَ وليمةِ
العرسِ وغيرِها، وإنْ كانَتْ وليمةُ العرسِ آكَدَ وأَوْجَبَ.
قولُهُ: (وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ) المعروفُ: اسمٌ جامعٌ للخيرِ.
وقولُهُ: (فَكَافِئُوهُ) أيْ: على إحسانِهِ بِمِثْلِهِ أوْ خَيْرٍ منهُ.
وقدْ أشارَ شيخُ الإسلامِ
إلى مَشْرُوعِيَّةِ المكافأةِ؛ لأنَّ القلوبَ جُبِلَتْ على حُبِّ مَنْ
أحسنَ إليها، فهوَ إذا أحسنَ إليهِ ولمْ يُكَافِئْهُ يَبْقَى في قلبِهِ
نوعُ تَأَلُّهٍ لِمَنْ أحسنَ إليهِ، فشرعَ قطعَ ذلكَ بالمكافأةِ؛ فهذا معنى
كلامِهِ.
وقالَ غيرُهُ: (إنَّما أمرَ بالمكافأةِ لِيَخْلُصَ القلبُ منْ إحسانِ الخَلْقِ ويتَعَلَّقَ بالحقِّ).
ولفظُ أبي داودَ: ((مَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا)).
قولُهُ: (فَادْعُوا لَهُ)
إلخ، يَعْنِي: مَنْ أحسنَ إليكم أَيَّ إحسانٍ فكافِئُوهُ بمثلِهِ، فإنْ لمْ
تَقْدِرُوا فبالِغُوا في الدعاءِ لهُ جَهْدَكُمْ حتَّى تَحْصُلَ المسألةُ،
ووَجْهُ المبالغةِ أنَّهُ رأى في نفسِهِ تقصيرًا في المُجَازاةِ لعدمِ
القدرةِ عليها، فأحالَهَا إلى اللهِ، ونعمَ المُجَازِي هوَ.
وهذا الحديثُ رواهُ أيضًا أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ، وصحَّحَهُ النووِيُّ.
فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ((1) قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (بابُ لا يُرَدُّ مَنْ سأَلَ باللهِ).
(2) عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((مَنِ
اسْتَعَاذَ بِاللهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللهِ فَأَعْطُوهُ،
وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا
فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ
حَتَّى تُرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ)) رواهُ أبو داودَ والنَّسائِيُّ بسَنَدٍ صحيحٍ. وكذلكَ: إذا سَأَلَ الْمُحتاجُ مَنْ في مالِهِ فَضْلٌ فيَجِبُ أنْ يُعْطِيَهُ على حَسَبِ حالِهِ ومَسألتِهِ، خُصوصًا
إذا سألَ مَنْ لا فَضْلَ عِندَهُ، فيُسْتَحَبُّ أنْ يُعْطِيَهُ على قَدْرِ
حالِ المَسْئُولِ ما لا يَضُرُّهُ ولا يَضُرُّ عائلتَهُ، وإنْ كانَ
مُضْطَرًّا وَجَبَ أنْ يُعْطِيَهُ ما يَدْفَعُ ضَرُورتَهُ. ومَقامُ الإِنفاقِ منْ أَشْرَفِ مَقاماتِ الدِّين، وتَفاوُتُ الناسِ فيهِ بِحَسَبِ ما جُبِلُوا عليهِ من الكَرَمِ والْجُودِ وضِدِّهما من البُّخْلِ والشُّحِّ. فالأَوَّلُ: مَحمودٌ في الكتابِ والسُّنَّةِ. والثاني: مَذمومٌ فيهما. - قالَ تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ
مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ
الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً
مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:267،268]. - وقالَ تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}[الحديد:7]. وذَكَرَهُ تعالى في الأعمالِ التي أَمَرَ بها عِبادَهُ وتَعَبَّدَهم بها وَوَعَدَهُمْ عليها الأَجْرَ العظيمَ، قالَ تعالى: {إِنَّ
الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِـظَاتِ وَالذَّاكِـرِينَ اللهَ
كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا
عَظِيمًا}[الأحزاب:35].
وكانَ النبيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُثُّ أصحابَهُ على الصَّدَقَةِ حتَّى النساءَ؛
نُصْحًا للأُمَّةِ وحَثًّا لهم على ما يَنْفَعُهم عاجِلاً وآجِلاً.
وقدْ أَثْنَى اللهُ سُبحانَهُ على الأَنصارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم بالإيثارِ، فقالَ تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:9]. والإيثارُ منْ أَفْضَلِ خِصالِ المؤمنِ ، كما تُفِيدُهُ هذهِ الآيَةُ الكريمةُ، وقدْ قالَ تعالى: {وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا}[الإنسان:8،9]. قولُهُ: (وَمَنْ دَعَاكُمْ
فَأَجِيبُوهُ) هذا منْ حُقوقِ المسلمينَ بعضِهم على بعضٍ؛ إجابةُ دَعوةِ
المسلمِ. وتلكَ منْ أسبابِ الأُلْفَةِ والْمَحَبَّةِ بينَ المسلمينَ.
قولُهُ: (وَمَنْ صَنَعَ
إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ) نَدَبَهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ على الْمُكافأةِ على المعروفِ؛ فإنَّ الْمُكافأةَ على المعروفِ
من الْمُرُوءةِ التي يُحِبُّها اللهُ تعالى ورسولُهُ، كما دَلَّ عليهِ هذا
الحديثُ.
ولا يُهْمِلُ الْمُكافأةَ
على الْمَعروفِ إلاَّ اللَّئيمُ من الناسِ، وبعضُ اللِّئامِ يُكَافِئُ على
الإحسانِ بالإساءةِ، كما يَقَعُ ذلكَ كثيرًا منْ بعضِهم، نَسألُ اللهَ
العَفْوَ والعافيَةَ في الدنيا والآخِرَةِ. بخِلافِ حالِ أهلِ التَّقْوَى
والإيمانِ، فإنَّهُم يَدْفَعُونَ بالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ طاعةً للهِ
ومَحَبَّةً لِمَا يُحِبُّهُ لهم ويَرضاهُ، كما قالَ تعالى: {ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ
(96) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ (97)
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ}[المؤمنون:96-98]، وقالَ تعالى: {ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ
صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فُصِّلَتْ:34،35]، وهم الذينَ سَبَقَتْ لهم من اللهِ تعالى السَّعَادَةُ.
قولُهُ: (فَإِنْ لَمْ
تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ) أَرْشَدَهُمْ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أنَّ الدعاءَ في حقِّ مَنْ لمْ يَجِد الْمُكافأةَ
مُكافأةٌ للمَعروفِ. فيَدعُو لهُ بحَسَبِ مَعروفِهِ.
قولُهُ: (حَتَّى تُرَوْا
-بِضَمِّ التَّاءِ: تَظُنُّوا- أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) ويُحْتَمَلُ
أنَّها مَفتوحةٌ بمعنى: تَعْلَمُوا، ويُؤَيِّدُهُ ما في (سُنَنِ أبي دَاوُدَ) في حديثِ ابنِ عمرَ: ((حَتَّى تَعْلَمُوا)) فَتَعَيَّنَ الثاني للتصريحِ بهِ.
وفيهِ ((مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللهِ فَأَجِيبُوهُ)) أيْ: إلى ما سَأَلَ. فيكونُ بمعنى: أَعْطُوهُ.
وعندَ أبي دَاوُدَ في روايَةِ أبي نَهِيكٍ عن ابنِ عَبَّاسٍ: ((مَنْ سَأَلَكُمْ بِوَجْهِ اللهِ فَأَعْطُوهُ)) وفي روايَةِ عُبيدِ اللهِ القَوَارِيرِيِّ لهذا الحديثِ: ((وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللهِ)) كما في حديثِ ابنِ عُمرَ.
القول السديد للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (1) البابُ الأوَّلُ:خِطَابٌ للمَسْؤُولِ، وَأَنَّه إِذا أَدْلَى عَلَى الإِنسانِ أحدٌ بحاجَةٍ وتَوَسَّلَ إليه بأعْظَمِ الوسائِلِ، وهو السؤالُ باللهِ، أنْ يُجيبَه؛ احْتِرامًا وَتَعْظِيمًا لحقِّ اللهِ، وأَداءًا لحقِّ أخيه حيثُ أَدْلَى بهذا السببِ الأَعْظَمِ.
شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (باب: لا يُرد من سأل بالله
هذا الباب مع الباب الذي قبله، ومع ما سبقه كما ذكرنا، كلها: والذي في قلبه تعظيم الله -جل وعلا- ينتفض إذا ذُكر الله؛ كما قال سبحانه: {إنما المؤمنون الذين إذا ذُكر الله وَجلت قلوبهم} بمجرد ذكر الله تجل القلوب: وأما القول الأول: فهو أنَّ من سأل بالله، حَرُم أن يُرد مطلقاً. - وقد لا يكون كذلك) يعني: يكون مباحاً. تفصيل شيخالإسلام ظاهر.
- وربوبيته.
- وأسمائه وصفاته.
لأن تعظيم ذلك من إكمال
التوحيد، ومن تحقيق التوحيد؛ ومن سأل بالله جل جلاله، فقد سأل بعظيم؛ ومن
استعاذ بالله، فقد استعاذ بعظيم؛ بل استعاذ بمن له هذا الملكوت، وله تدبير
الأمر؛ بمن كل ما تراه وما لا تراه عبد له جل وعلا.
فكيف يُردّ من جعل مالكَ كل شيء وسيلةً، حتى تقبل سؤاله؛ ولهذا كان من تعظيم الله التعظيم الواجب، أن لا يُرد أحد سأل بالله جل وعلا؛ فإذا سأل سؤالاً، وجعل الله -جل وعلا- هو الوسيلة؛ فإنه لا يجوز أن يُرد، تعظيماً لله جل وعلا.
- وعلمهم بتدبيره.
- وملكوته.
- وعظمة صفاته.
- وأسمائه جل وعلا.
فإذا سأل أحد بالله، فإن
قلب الموحّد لا يكون رادّاً له؛ لأنه مُعظّم لله، مُجلّ لله جل وعلا؛ فلا
يَرُد أحداً جعل وسيلته إليه ربُّ العزة سبحانه وتعالى.
أهل العلم قالوا: (السائل بالله قد تجب إجابته، ويحرم ردّه، وقد لا يجب ذلك) وهذا القول هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، واختيار عدد من المحققين بعده، وهو القول الثالث في المسألة.
والقول الثالث: ما ذكرنا عن شيخ الإسلام: (أنه: - قد يكون واجباً.
- وقد يكون مستحبّاً.
- وذلك أنه أراد بحالة الوجوب:
- ويستحب فيما إذا كان التوجه ليس لمعين؛ كأن يسأل فلاناً، وفلاناً، وفلاناً.
- ويُباح فيما إذا كان من سأل بالله يُعرف منه الكذب.يحرم رد السائل ويجب إعطاؤه؛ هذا واحد.
الثاني: يستحب، ويكره رَدُّه.
والثالث: هو التفصيل؛ وهذا الثالث هو قول شيخ الإسلام، وعدد من المحققين.قال: (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سأل بالله فأعطوه)) لماذا؟
تعظيماً لله جل وعلا.
(( ومن استعاذ بالله فأعيذوه))
استعاذت بالله منه؛ فتركها عليه الصلاة والسلام.
قال: ((ومن دعاكم فأجيبوه)) عامة أهل العلم على أنَّ هذا مخصوصٌ بدعوة العرس، وليس في كل الدعوات؛ وأما سائر الدعوات، فهي على الاستحباب.- إن كان معروفه من جهة المال، فكافئه من جهة المال، يعني: بما يشمل الهدايا المختلفة.
- إن كان معروفه من جهة الجاه، فكافئه من جهة الجاه؛ أو ما وجدت ما تكافئه من جهة الجاه؛ فيكون من جهة الهدية.العناصر
بيان أهمية باب (لا يرد من سأل بالله)
شرح قول المصنف: (باب لا يرد من سأل بالله)
- بيان معنى السؤال بالله
- أقسام السؤال بالله
شرح حديث ابن عمر: (من استعاذ بالله فأعيذوه ...)
- تخريج حديث ابن عمر وبيان درجته
- معنى قوله: (من استعاذ بالله فأعيذوه)، وما يستثنى منه
- بيان فضل الإنفاق في سبيل الله
- الحكمة من الأمر بإجابة من سأل بالله .
- التفصيل في حال من سأل بالله، وبيان حكم إجابته بناء عليها
- شرط وجوب إعطاء السائل بالله، وذكر أحاديث في الوعيد على من منع السائل بالله
- هل يجوز للإنسان أن يسأل بالله؟
- بيان حكم سؤال المخلوق المال
- حكم سؤال المخلوق الإعانة بالجاه أو البدن
- بيان أن السؤال بكل اسم لله، كالسؤال بلفظ الجلالة
- بيان حكمة الأمر بإجابة الدعوة
- التفصيل في حكم إجابة الدعوة
- شروط وجوب إجابة المدعو الدعوة
- معنى قوله: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه)
- بيان الحكمة من الأمر بمكافأة مسدي المعروف
- بيان الأحوال التي لا تشرع فيها مكافأة صانع المعروف
- معنى قوله: (فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له...) الحديث
- مكافأة صانع المعروف تكون من جنس معروفه
- الحكمة من الأمر بمكافأة صانع المعروف
شرح مسائل باب: (لا يرد من سأل بالله)