26 Oct 2008
باب قول الله تعالى: {فلما أتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما أتاهما فتعالى الله عما يشركون}
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[الأَعْرَافُ:190].
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: ( اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ اسْمٍ مُعَبَّدٍ لِغَيْرِ اللهِ كَعَبْدِ عَمْرٍو، وَعَبْدِ الْكَعْبِةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حَاشَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ).
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الآيَةِ قَالَ: (لَمَّا تَغَشَّاهَاآدَمُ حَمَلَتْ فَأَتَاهُمَا إِبْلِيسُ فَقَالَ:
إِنِّي صَاحِبُكُمَا الَّذِي أَخْرَجْتُكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ
لَتُطِيعُنَّنِي أَوْ لأََجْعَلَنَّ لَهُ قَرْنَيْ أَيِّلٍ فَيَخْرُجَ مِنْ
بَطْنِكِ فَيَشُقَّهُ.
وَلأَفْعَلَنَّ وَلأَفْعَلَنَّ يُخَوِّفُهُمَا.
سَمِّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ.
فَأَبَيَا أَنْ يُطِيعَاهُ فَخَرَجَ مَيِّتًا.
ثُمَّ حَمَلَتْ فَأَتَاهُمَا فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ؛ فَأَبَيَا أَنْ يُطِيعَاهُ فَخَرَجَ مَيِّتًا.
ثُمَّ حَمَلَتْ فَأَتَاهُمَا فَذَكَرَ لَهُمَا فَأَدْرَكَهُمَا حُبُّ الْوَلَدِ فَسَمَّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ.
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا}) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَلَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ( شُرَكَاءَ فِي طَاعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي عِبَادَتِهِ ). وَذَكَرَ مَعْنَاهُ عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدٍ وَغَيْرِهِمَا.
وَلَهُ بَسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ:{ لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} قَالَ: (أَشْفَقَا أَنْ لاَ يَكُونَ إِنْسَانًا).
الأُولَى: تَحْرِيمُ كُلِّ اسْمٍ مُعَبَّدٍ لِغَيْرِ اللهِ.
الثَّانِيةُ: تَفْسِيرُ الآيَةِ.تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ
قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ( (1) قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الأعراف:189]).
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ في مَعْنَى هَذِهِ الآيَةِ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عن الحَسَنِ، عنْ سَمُرةَ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَمَّا
وَلَدَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ، وَكَانَ لاَ يَعِيشُ لَهَا
وَلَدٌ، فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الحَارِثِ؛ فَإِنَّهُ يَعِيشُ.
فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الحَارِثِ، فَعَاشَ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ
الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ)). رَوَاهُ أَحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ، وابنُ جَرِيرٍ، والحَاكِمُ وصَحَّحَهُ.
ولِهَذَا ذُكِرَ الضَّمِيرُ في آخِرِهَا بصِيغَةِ الجَمْعِ اسْتِطْرَادًا مِنْ ذِكْرِ الشَّخْصِ إلى الجِنْسِ. وقَالَ ابنُ جَرِيرٍ: (اسْتَمَرَّتْ بالمَاءِ وقَامَتْ بهِ وقَعَدَتْ). وقَوْلُهُ: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ}؛
أيْ: للهِ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا؛ أيْ: لَمْ يَقُومَا بِشُكْرِ
ذَلِكَ عَلَى الوَجْهِ المَرْضِيِّ كَمَا وَعَدَا بذَلِكَ، بَلْ جَعَلاَ
لِي فيهِ شُرَكَاءَ فيما أَعْطَيْتُهُمَا مِن الوَلَدِ الصَّالِحِ
والبَشَرِ السَّوِيِّ، بأَنْ سَمَّيَاهُ عَبْدَ الحَارِثِ؛ فَإِنَّ مِنْ تَمَامِ الشُّكْرِ أَنْ لاَ يُعَبَّدَ الاسْمُ إِلاَّ للهِ.
قَالَ: (عَبْدُ الحَجَرِ). وقَالَ الحَافِظُ: (وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الزُّبَيْرَ أَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهِ بنَسَبِ قُرَيْشٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ اسْمَهُ إِلاَّ المُطَّلِبُ).
فيَحْتَمِلُ أَنَّ
مُرَادَهُ حِكَايَةُ الخِلاَفِ فيهِ، ويَكُونُ التَّقْدِيرُ: اتَّفَقُوا
عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ اسْمٍ مُعَبَّدٍ لغَيْرِ اللهِ حَاشَا عَبْدَ المُطَّلِبِ؛ أيْ: فَإِنَّهُم لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ، بل اخْتَلَفُوا.
وَقَد اسْتَشْكَلَهُ
بَعْضُ المُعَاصِرِينَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُم قَدْ فَسَّرُوا
العِبَادَةَ بالطَّاعَةِ، فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِ قَتَادَةَ أنْ يَكُونَ الشِّرْكُ في العِبَادَةِ.
ومَعْنَى الآيَةِ:
أَنَّهُ تَعَالَى يُخْبِرُ عنْ مَبْدَأِ الجِنْسِ الإِنْسَانِيِّ، وَمَا
فِيهِ للهِ مِنْ عَجَائِبِ القُدْرَةِ، فَأَوْجَدَ هَذَا الجِنْسَ عَلَى
كَثْرَتِهِ واخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهِ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وهوَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَها، ليَسْكُنَ إليها.
{ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} ؛
أيْ: وَطِئَهَا وحَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا، وذَلِكَ الحَمْلُ لاَ تَجِدُ
المَرْأَةُ لَهُ أَلَمًا، إِنَّمَا هيَ النُّطْفَةُ، ثُمَّ العَلَقَةُ،
ثُمَّ المُضْغَةُ.
({فَلَمَّا أَثْقَلَتْ}؛ أيْ: صَارَتْ ذَاتَ ثِقَلٍ بحَمْلِهَا، قَالَ السُّدِّيُّ: (كَبُرَ في بَطْنِهَا).
{دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا} ؛ أيْ: أَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ دَعَوَا اللهَ {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا}؛ بَشَرًا سَوِيًّا.
وإِذَا تَأَمَّلْتَ
سِيَاقَ الكَلاَمِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ مَعَ مَا فَسَّرَهُ بِهِ
السَّلَفُ تَبَيَّنَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِكَ في آدَمَ وحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ؛ فَإِنَّ فيهِ غَيْرَ مَوْضِعٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.
والعَجَبُ مِمَّنْ
يُكَذِّبُ بهَذِهِ القِصَّةِ، ويَنْسَى ما جَرَى أَوَّلَ مَرَّةٍ
ويُكَابِرُ بالتَّفَاسِيرِ المُبْتَدَعَةِ، ويَتْرُكُ تَفَاسِيرَ السَّلَفِ
وأَقْوَالَهُم، ولَيْسَ المَحْذُورُ في هَذِهِ القِصَّةِ بِأَعْظَمَ مِن
المَحْذُورِ في المَرَّةِ الأُولَى.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {عَمَّا يُشْرِكُونَ}
هَذَا -واللهُ أَعْلَمُ- عَائِدٌ إِلَى المُشْرِكِينَ مِن القَدَرِيَّةِ،
فاسْتَطْرَدَ مِنْ ذِكْرِ الشَّخْصِ إِلَى الجِنْسِ، وَلَهُ نَظَائِرُ في
القُرْآنِ.
قولُهُ: ((قَالَ ابنُ حَزْمٍ)): هوَ أبو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَعِيدِ بنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ المَشْهُورُ، صَاحِبُ كِتَابِ (الإِجْمَاعِ) و(الإِيصَالِ) و(المُحَلَّى)، وغيرِهِمَا مِن المُصَنَّفَاتِ.
قولُهُ:((اتَّفَقُوا))،
الظَّاهِرُ أَنَّ المُرَادَ أَجْمَعُوا، فمَقْصُودُهُ حِكَايَةُ
الإِجْمَاعِ، لاَ حِكَايَةُ الاتِّفَاقِ عَلَى طَرِيقَةِ المُتَأَخِّرِينَ.
قَوْلُهُ: ((حَاشَاعبدَ المُطَّلِبِ)).
قَالَ ابنُ القَيِّمِ: (لاَ تَحِلُّ التَّسْمِيَةُ بِعَبْدِ عَلِيٍّ، وعَبْدِ الحُسَيْنِ، وَلاَ عَبْدِ الكَعْبَةِ، وَقَدْ رَوَى ابنُ أَبِي شَيْبَةَ عَن هَانِئِ بنِ شُرَيْحٍ قَالَ: (وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ، فسَمِعَهُم يُسَمُّونَ رَجُلاً عَبْدَ الحَجَرِ).
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا أَنْتَ عَبْدُ اللهِ)).
فقِيلَ: كيفَ يَتَّفِقُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الاسْمِ المُعَبَّدِ لغَيْرِ اللهِ، وقدْ صَحَّ عنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ)) الحَدِيثَ، وصَحَّ عنه أَنَّهُ قَالَ:((أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ))؟
فالجَوَابُ: أَمَّا قَوْلُهُ:((تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ))؛
فَلَمْ يُرِد الاسْمَ، وإِنَّمَا أَرَادَ بهِ الوَصْفَ والدُّعَاءَ عَلَى
مَنْ يَعْبُدُ قَلْبُهُ الدِّينَارَ والدِّرْهَمَ، فَرَضِيَ
بعُبُودِيَّتِهِمَا عنْ عُبُودِيَّةِ اللهِ تَبَارَكَ وتَعَالَى.
وأَمَّا قَوْلُهُ: ((أَنَا ابنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ))هَذَا
ليسَ مِنْ بَابِ إِنْشَاءِ التَّسْمِيَةِ بذلكَ، وإِنَّمَا هوَ مِنْ بابِ
الإِخْبَارِ بالاسْمِ الذي عُرِفَ بهِ المُسَمَّى دونَ غَيْرِهِ.
والإِخْبَارُ
بمِثْلِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ تَعْرِيفِ المُسَمَّى لاَ يَحْرُمُ، وَلاَ
وَجْهَ لتَخْصِيصِ أَبِي مُحَمَّدٍ ذَلِكَ بعَبْدِ المُطَّلِبِ خَاصَّةً؛
فَقَدْ كَانَ أَصْحَابُهُ يُسَمَّوْنَ بِعَبْدِ شَمْسٍ وبَنِي عَبْدِ
الدَّارِ بأَسْمَائِهِم، ولاَ يُنْكِرُ عَلَيْهِم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلكَ.
فبَابُ الإِخْبَارِ أَوْسَعُ مِن الإِنْشَاءِ، فيَجُوزُ فيهِ ما لاَ يَجُوزُ في الإِنْشَاءِ) انتهى مُلَخَّصًا، وهوَ حَسَنٌ.
ولَكِنْ بَقِيَ إِشْكَالٌ، وهوَ أَنَّ في الصَّحَابَةِ مَن اسْمُهُ المُطَّلِبُ بنُ رَبيعَةَ بنِ الحَارِثِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ.
فالجَوَابُ:
وَقَدْ ذَكَرَ العَسْكَرِيُّ أَنَّ أَهْلَ النَّسَبِ إِنَّمَا يُسَمُّونَهُ المُطَّلِبَ، وأَمَّا أَهْلُ الحَدِيثِ فمنهم مَنْ يَقُولُ: المُطَّلِبُ، ومنهم مَنْ يَقُولُ: عَبْدُ المُطَّلِبِ.
وَأَمَّا عَبْدُ يَزِيدَ أَبُو رُكَانَةَ؛ فذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ في (التَّجْرِيدِ) وَقَالَ: أَبُو رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، وهَذَا لاَ يَصِحُّ.
والمَعْرُوفُ أَنَّ صَاحِبَ القِصَّةِ رُكَانَةُ، ورَوَى حَدِيثَهُ أَبُو دَاودَ في (السُّنَنِ) عن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: طَلَّقَ عَبْدُ يَزِيدَ -أَبُو رُكَانَةَ وإِخْوَتِهِ- أُمَّ رُكَانَةَ، وذَكَرَ الحَدِيثَ، ثُمَّ قَالَ: وحَدِيثُ نَافِعِ بنِ عُجَيْرٍ وعبدِ اللهِ بْنِ عَلِيِّ بنِ يَزِيدَ بنِ رُكَانَةَ، عنْ أَبِيهِ، عنْ جَدِّهِ، أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ
امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ، فجَعَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ واحِدَةً -أَصَحُّ؛ لأَِنَّهُم وَلَدُ الرَّجُلِ وأَهْلُهُ، وهمْ
أَعْلَمُ بهِ.
فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ ليسَ مِن الصَّحَابَةِ مِنْ أُولاءِ مَنْ تَصِحُّ لَهُ صُحْبَتُهُ.
فعَلَى هَذَا لاَ تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بعَبْدِ المُطَّلِبِ وَلاَ
غَيْرِهِ مِمَّا عُبِّدَ لغَيْرِ اللهِ، وكيفَ تَجُوزُ التَّسْمِيَةُ
وَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْمِيَةِ بِـ: عَبْدِ النَّبِيِّ، وعَبْدِ الرَّسُولِ، وعَبْدِ المَسِيحِ، وعَبْدِ عَلِيٍّ، وعَبْدِ الحُسَيْنِ، وعَبْدِ الكَعْبَةِ؟! وكُلُّ هذهِ أَوْلَى بالجَوَازِ مِنْ عَبْدِ المُطَّلِبِ لوْ جَازَت التَّسْمِيَةُ بهِ.
وأيضًا فَقَدْ نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِعَبْدِ الحَارِثِ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ، وأَمْرُهُ بعَبْدِ المُطَّلِبِ كعَبْدِ الحَارِثِ، لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا، إِلاَّ أنَّ أَصْدَقَ الأَسْمَاءِ الحَارِثُ وهَمَّامٌ، فلَعَلَّهُ أَوْلَى بالجَوَازِ، لاَ يُقَالُ: إِنَّ الحَارِثَ اسْمٌ للشَّيْطَانِ؛ لأَِنَّهُ وإِنْ كَانَ اسْمًا لهُ، فَلاَ فَرْقَ في ذَلِكَ بَيْنَ جَمِيعِ مَن اسْمُهُ الحَارِثُ، فَلاَ يَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بِهِ وإِنْ نَوَى عَبْدَ الحَارِثِ بنَ هِشَامٍ أوْ غَيْرَهُ.
فَإِنْ قُلْتَ: إِذَا كَانَ ابنُ حَزْمٍ قَدْ حَكَى الإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ التَّسْمِيَةِ بعَبْدِ المُطَّلِبِ، فكيفَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ؟
واتَّفَقُوا عَلَى إِبَاحَةِ كُلِّ اسْمٍ بعدَ ما ذَكَرْنَا مَا لَمْ يَكُن اسْمَ نَبِيٍّ، أو اسْمَ مَلَكٍ إلى آخِرِ كَلاَمِهِ.
ويُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ
قَالَ بَعْدَهُ: واتَّفَقُوا عَلَى إِبَاحَةِ كُلِّ اسْمٍ بَعْدَ مَا
ذَكَرْنَا إِلَى آخِرِهِ، ويَكُونُ المُرَادُ حَاشَا عَبْدَ المُطَّلِبِ،
فَلاَ أَحْفَظُ مَا قَالُوا فِيهِ، ويَكُونُ سُكُوتًا منهُ عنْ حِكَايَةِ
إِجْمَاعٍ أوْ خِلاَفٍ فيهِ، وعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ مُرَادَهُ حِكَايَةُ
الإِجْمَاعِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ حَكَى إِجْمَاعًا
يُسَلَّمُ لَهُ، ولاَ كُلُّ إِجْمَاعٍ يَكُونُ حُجَّةً أَيْضًا، فَكَيْفَ
والخِلاَفُ مَوْجُودٌ، والسُّنَّةُ فَاصِلَةٌ بَيْنَ المُتَنَازِعِينَ؟
وغَايَةُ حُجَّةِ مَنْ أَجَازَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ)) ونَحْوُهُ، أوْ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ اسْمُهُ عَبْدُ المُطَّلِبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الجَوَابُ عنْ ذَلِكَ، وأيضًا فَلَوْ كَانَ قولُهُ: ((أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ))، حُجَّةً عَلَى جَوَازِ التَّسْمِيَةِ بهِ؛ لَكَانَ قولُهُ: ((إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ شَيْءٌ واحِدٌ))، حُجَّةً عَلَى جَوَازِ التَّسْمِيَةِ بعَبْدِ مَنَافٍ، ولكنْ فَرْقٌ بَيْنَ إِنْشَاءِ التَّسْمِيَةِ وبَيْنَ الإِخْبَارِ بذلكَ عَمَّنْ هوَ اسْمُهُ.
وقَوْلُهُ: ((في الآيَةِ))؛ أي: المُتَرْجَمِ لَهَا.
قَوْلُهُ: ((تَغَشَّاهَا))؛ أيْ: حَوَّاءَ؛ أيْ: وَطِئَها، عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ.
قَوْلُهُ: ((أَوْ لأَجْعَلَنَّ لَهُ))؛ أيْ: لِوَلَدِكُما.
قولُهُ: ((قَرْنَيْ أيِّلٍ))،
هوَ بالتَّثْنِيَةِ أو الإِضَافَةِ، وأَيِّلٌ بفتحِ الهَمْزَةِ وكَسْرِ
المُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ المُشَدَّدَةِ: ذَكَرُ الأَوْعَالِ.
والمَعْنَى: أَنَّهُ
يُخَوِّفُهُما بكَوْنِهِ يَجْعَلُ للوَلَدِ قَرْنَيْ وَعْلٍ، فيَخْرُجُ
مِنْ بَطْنِها فيَشُقُّهُ، كَمَا قَالَ: فيَخْرُجُ مِنْ بَطْنِكِ
فيَشُقُّهُ.
قولُهُ: ((وَلأَفْعَلَنَّ ولأَفْعَلَنَّ يُخَوِّفُهُما)) بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ، ويَزْعُمُ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِمَا غَيْرَ ذَلِكَ.
قولُهُ: ((سَمِّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ))، قَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: كَانَ اسْمُهُ في المَلاَئِكَةِ الحَارِثَ، وكَانَ مُرَادُهُ أنْ سَمِّيَاهُ بذَلِكَ؛ ليَكُونَ قَدْ وَجَدَ لهُ صُورَةَ الإِشْرَاكِ بهِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ بَابِ كَيْدِ إِبْلِيسَ، إذا عَجَزَ عن الآدَمِيِّ أَنْ يُوقِعَهُ في المَعْصِيَةِ الكَبِيرَةِ قَنَعَ منهُ بالصَّغِيرَةِ.
وأيضًا فإنَّهُ يَحْصُلُ لهُ منهما طَاعتُهُ كما أَطَاعَا أَوَّلَ مَرَّةٍ، كَمَا رَوَى ابنُ جَرِيرٍ وابنُ أَبِي حَاتِمٍ عنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((خَدَعَهُمَا مَرَّتَيْنِ)).
قَالَ زَيْدٌ:(خَدَعَهُما في الجَنَّةِ، وخَدَعَهُما في الأَرْضِ).
قَوْلُهُ:((فَأَبَيَا أَنْ يُطِيعَاهُ، فَخَرَجَ مَيِّتًا...))
إلخ، هَذَا واللهُ أَعْلَمُ مِن الامْتِحَانِ؛ فَإِنَّ الإِنْسَانَ لاَ
عَزْمَ لَهُ وإِنْ عَايَنَ مَاذَا عَسَاهُ أَنْ يُعَايِنَ مِن الآياتِ
إِلاَّ بتَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى؛ فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ البَشَرِيَّةَ
تَغْلِبُ عَلَيْهِ كَمَا غَلَبَتْ عَلَى الأَبَوَيْنِ مَرَّتَيْنِ، مَعَ
مَا وَقَعَ لَهُمَا قَبْلُ مِن التَّحْذِيرِ والإِنْذَارِ عَن كَيْدِ إِبْلِيسَ وَعَدَاوتِهِ لَهُمَا، ومَعَ ذلكَ أَدْرَكَهُما حُبُّ الوَلَدِ فَسَمَّيَاهُ عَبْدَ الحَارِثِ،
وَكَانَ ذَلِكَ شِرْكًا في التَّسْمِيَةِ وإِنْ لَمْ يَقْصِدَا
العِبَادَةَ للشَّيْطَانِ، بلْ قَصَدَا بهِ فيما ظَنَّا إِمَّا دَفْعَ
شَرِّهِ عنْ حَوَّاءَ، وإِمَّا الخَوْفَ عَلَى الوَلَدِ مِن المَوْتِ.
كَمَا رَوَى عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ أَبِي حَاتِمٍ عنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ قَالَ: (لَمَّا حَمَلَتْ حَوَّاءُ أَتَاهَا الشَّيْطَانُ فَقَالَ: أَتُطِيعِينَنِي ويَسْلَمُ ولَدُكِ؟ سَمِّيهِ عَبْدَ الحَارِثِ، فَلَمْ تَفْعَلْ، فَوَلَدَتْ فَمَاتَ.
ثُمَّ حَمَلَتْ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمْ تَفْعَلْ.
ثُمَّ
حَمَلَت الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: أَتُطِيعِينَنِي يَسْلَمُ لَكِ ولَدُكِ،
وَإِلاَّ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَهِيمَةً، فَهَيَّبَهَا، فَأَطَاعَاهُ) رَوَاهُ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ.
قُلْتُ: وإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، ورَوَاهُ سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ وابنُ المُنْذِرِ.
وعن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ حَوَّاءُ تَلِدُ لآدَمَ أَوْلاَدًا فَتُعَبِّدُهُمْ للهِ، وتُسَمِّيهِ عَبْدَ اللهِ وعُبَيْدَ اللهِ ونحوَ ذلكَ، فيُصِيبُهُم المَوْتُ، فَأَتَاهَا إِبْلِيسُ وآدَمَ فَقَالَ: إِنَّكُما لَوْ تُسَمِّيانِهِ بغَيْرِ ما تُسَمِّيَانِهِ لعَاشَ، فوَلَدَتْ لهُ رَجُلاً فسَمَّيَاهُ عَبْدَالحَارِثِ، ففيهِ أَنْزَلَ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}[الأعراف:189] إلى آخِرِ الآيَةِ، رَوَاهُ ابنُ مَرْدَويَهِ.
قولُهُ: ((شُرَكَاءَ في طَاعَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ في عِبَادَتِهِ))؛ أيْ: لِكَوْنِهِما أَطَاعَاهُ في التَّسْمِيَةِ بعَبْدِ الحَارِثِ، لاَ أَنَّهُمَا عَبَدَاهُ، فهوَ دَلِيلٌ عَلَى الفَرْقِ بَيْنَ شِرْكِ الطَّاعَةِ وبَيْنَ شِرْكِ العِبَادَةِ.
والجَوَابُ:
أوْ يُقَالُ: هوَ مِن التَّفْسِيرِ بالمَلْزُومِ وإِرَادَةِ اللاَّزِمِ؛ أيْ: لَمَّا كَانَت الطَّاعَةُ مَلْزُومًا للعِبَادَةِ، والعِبَادَةُ لاَزِمَةً لَهَا، فَلاَ تَحْصُلُ إِلاَّ بالطَّاعَةِ، جَازَ تَفْسِيرُها بِذَلِكَ وهوَ أَصَحُّ.
وبالجُمْلَةِ فَلاَ إِشْكَالَ في ذَلِكَ بِحَمْدِ اللهِ.فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاعَةَ الأَحْبَارِ والرُّهْبانِ في مَعْصِيَةِ اللهِ عِبَادَةً؟
قُلْتُ: رَاجِع الكَلاَمَ عَلَى حَدِيثِ عَدِيٍّ يَتَّضِح الجَوَابُ.
وفي هَذَا أَنَّ هِبَةَ اللهِ للرَّجُلِ البِنْتَ السَّوِيَّةَ مِن النِّعَمِ، ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ.
وذَلِكَ أنَّ اللهَ سبحانَهُ وتَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهَا غَيْرَ سَوِيَّةٍ، وأنْ يَجْعَلَهَا مِنْ غَيْرِ الجِنْسِ.
فَلاَ يَنْبَغِي للرَّجُلِ
أنْ يَسْخَطَ مِمَّا وَهَبَهُ اللهُ لهُ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ
الجَاهِلِيَّةِ، بلْ يَحْمَد اللهَ الذي جَعَلَهَا بَشَرِيَّةً سَوِيَّةً.
ولِهَذَا كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا إذا بُشِّرَتْ بمَوْلُودٍ لَمْ تَسْأَلْ إِلاَّ عنْ صُورَتِهِ، لاَ عنْ ذُكُورِيَّتِهِ وأُنُوثِيَّتِهِ.
قَوْلُهُ: ((وذَكَرَ)) ، أيْ: ذَكَرَ ابنُ أَبِي حَاتِمٍ؛ فَإِنَّهُ رَوَى ذَلِكَ عَمَّن ذَكَرَ المُصَنِّفُ مَعْنَاهُ، عن الحَسَنِ، وهوَ البَصْرِيُّ.
فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ((1) قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الأعراف:190]).
قالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللهُ في معنَى هذهِ الآيَةِ: حَدَّثَنَا عبدُ الصمدِ، حَدَّثَنَا عمرُ بنُ إبراهيمَ، حَدَّثَنَا قتادةُ، عن الحسنِ، عنْ سَمُرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لَمَّا
وَلَدَتْ حَوَّاءُ طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ، وَكَانَ لاَ يَعِيشُ لَهَا
وَلَدٌ، فَقَالَ: سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ؛ فَإِنَّهُ يَعِيشُ. فسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ، فَعَاشَ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُم عنْ عبدِ الصمدِ، ولمْ يَرْفَعْهُ. قالَ العِمَادُ ابنُ كَثِيرٍ:(وَكَأَنَّ أَصْلَهُ -واللهُ أعلمُ- مَأْخُوذٌ منْ أهلِ الكتابِ). ابنُ حزمٍ: هوَ عالِمُ الأَنْدَلُسِ أبو مُحَمَّدٍ عليُّ بنُ أحمدَ بنِ سعيدِ بنِ حَزْمٍ القُرْطُبِيُّ الظَّاهِرِيُّ، صاحبُ التصانيفِ، تُوُفِّيَ سنةَ سِتٍّ وخمسينَ وَأَرْبَعِمَائَةٍ، ولهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً. وَمَا فَوْقَ عَدْنَانَ مُخْتَلَفٌ فيهِ. ولا رَيْبَ أنَّهُم منْ ذُرِّيَّةِ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الخليلِ عليهِمَا السلامُ. قولُهُ: (حَاشَا عَبْدَ المُطَّلِبِ)
هذا استثناءٌ من العمومِ المستفادِ مِنْ (كُلِّ) وذلكَ أنَّ تَسْمِيَتَهُ
بهذا الاسمِ لا مَحْذُورَ فيها؛ لأنَّ أَصْلَهُ منْ عُبُودِيَّةِ الرِّقِّ؛
وذلكَ أنَّ المُطَّلِبَ أَخَا هاشمٍ قَدِمَ المَدِينَةَ، وكانَ ابنُ أَخِيهِ (شَيْبَةُ) هذا قدْ نَشَأَ في أخوالِهِ بَنِي النَّجَّارِ من الخَزْرَجِ؛ لأنَّ هَاشِمًا تَزَوَّجَ فيهم امرأةً، فَجَاءتْ منهُ بهذا الابنِ. وقدْ صَارَ مُعَظَّمًا في قُرَيْشٍ والعَرَبِ، فهوَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ وأشْرَفُهم في جَاهِلِيَّتِهِ، وهوَ الذي حَفَرَ زَمْزَمَ وَصَارَتْ لهُ وفي ذُرِّيَّتِهِ منْ بعدِهِ. قالَ الحافظُ صلاحُ الدينِ الْعَلاَئِيُّ في كتابِ (الدُّرَّةُ السَّنِيَّةُ في مولدِ خَيْرِ البَرِيَّةِ):(كانَ
سِنُّ أَبِيهِ عبدِ اللهِ حينَ حَمَلَتْ مِنْهُ آمِنَةُ برسولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا، ثمَّ
ذَهَبَ إلى المدينةِ لِيَمْتَارَ منها تَمْرًا لأَِهْلِهِ، فماتَ بها عندَ
أخوالِهِ بَنِي عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَمْلٌ على الصحيحِ) انْتَهَى. قالَ الحافظُ الذَّهَبِيُّ:(وَتُوُفِّيَ أبوهُ عبدُ اللهِ وللنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثمانيَةٌ وعشرونَ شَهْرًا.
ثُمَّ حَمَلَتْ، فَأَتَاهُمَا فَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ، فَأَبَا أَنْ يُطِيعَاهُ، فَخَرَجَ مَيِّتًا.
وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ)).
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابنُ جريرٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ بُنْدَارٍ، عنْ عبدِ الصمدِ بنِ عبدِ الوارثِ بهِ.
ورَوَاهُ الحاكمُ في (مُسْتَدْرَكِهِ) منْ حديثِ عبدِ الصمدِ مَرْفُوعًا وقالَ: (هذاحديثٌ صحيحُ الإسنادِ، ولمْ يُخْرِجَاهُ).
وَرَوَاهُ الإِمامُ أبو مُحَمَّدِ بنُ أبي حاتمٍ في (تَفْسِيرِهِ) عنْ أبي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، عنْ هلالِ بنِ فَيَّاضٍ، عنْ عمرَ بنِ إِبْرَاهِيمَ بهِ مَرْفُوعًا.
وقالَ ابنُ جريرٍ: حَدَّثَنَا ابنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ يُوسُفَ، عنْ عمرٍو، عن الحسنِ، {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} قالَ: (كانَ هذا في بعضِ أهلِ المِلَلِ ولمْ يَكُنْ بآدَمَ).
وحدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سعيدٌ، عنْ قتادةَ قالَ: كانَ الحسنُ يقولُ: (هُم اليَهُودُ والنصارَى، رَزَقَهُم اللهُ أَوْلاَدًا فَهَوَّدُوا وَنَصَّرُوا) وهذا إسنادٌ صحيحٌ عن الحسنِ رَحِمَهُ اللهُ.
قالَ العمادُ ابنُ كثيرٍ في (تفسيرِهِ): (وأمَّا الآثارُ؛ فقالَ مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ: عنْ دَاوُدَ بنِ الحُصَيْنِ، عنْ عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ قالَ:(كانَتْ حَوَّاءُ تَلِدُ لآدَمَ عليهِ السَّلامُ أَوْلاَدًا فَتُعَبِّدُهُم للهِ وَتُسَمِّيهِمْ عبدَ اللهِ وعُبَيْدَ اللهِ ونَحوَ ذلكَ، فَيُصِيبُهُم المَوْتُ.
فَأَتَاها إِبْلِيسُ وآدَمَ فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمَا لَوْ تُسَمِّيَانِهِ بِغَيْرِ الذي تُسَمِّيَانِهِ بهِ لَعَاشَ.
فَوَلَدَتْ لَهُ رَجُلاً فَسَمَّاهُ عَبْدَ الحارثِ، فَفِيهِ أَنْزَلَ اللهُ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}) إلى آخِرِ الآيَةِ [الأعراف:189]).
وقالَ الْعَوْفِيُّ: عن ابنِ عَبَّاسٍ:(فَأَتَاهُمَا الشيطانُ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِيَانِ مَا يُولَدُ لَكُمَا؟
أمْ هلْ تَدْرِيَانِ ما يَكُونُ أَبَهِيمَةً أمْ لا؟
وَزَيَّنَ
لَهُمَا الباطلَ، إِنَّهُ غَوِيٌّ مُبِينٌ. وقدْ كانتْ قبلَ ذلكَ وَلَدَتْ
وَلَدَيْنِ فَمَاتَا، فقالَ لَهُمَا الشيطانُ: إِنَّكُمَا إنْ لمْ
تُسَمِّيَاهُ بي لم يَخْرُجْ سَوِيًّا، وَمَاتَ كما مَاتَ الأَوَّلُ.
فَسَمَّيَا وَلَدَهُمَا عبدَ الحارثِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}).
وَذُكِرَ مِثْلُهُ عنْ سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ ابنُ أبي حاتمٍ.
وقدْ تَلَقَّى هذا الأثرَ عن ابنِ عَبَّاسٍ جماعةٌ منْ أصحابِهِ؛ كَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ.
قُلْتُ: وهذا بعيدٌ جِدًّا.
حَكَى رَحِمَهُ اللهُ اتِّفَاقَ العلماءِ على تَحْرِيمِ كلِّ ما عُبِّدَ لِغَيْرِ اللهِ؛ لأنَّهُ
شِرْكٌ في الربوبيَّةِ والإلَهِيَّةِ؛ لأنَّ الخلقَ كُلَّهُم مِلْكٌ للهِ
وعَبِيدٌ لهُ، اسْتَعْبَدَهُم لعبادتِهِ وحدَهُ وتوحيدِهِ في رُبُوبيَّتِهِ
وإلهيَّتِهِ، فَمِنْهُم مَنْ عَبَدَ اللهَ وَحْدَهُ في رُبُوبِيَّتِهِ
وإلهيَّتِهِ؛ ومنهم مَنْ أَشْرَكَ بهِ في إلهيَّتِهِ وَأَقَرَّ لهُ
بِرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَحْكَامُهُ القدريَّةُ
جَارِيَةٌ عليهم ولا بُدَّ، كَمَا قالَ تَعَالَى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَـنِ عَبْدًا}[مريم:93]. فَهَذِهِ هيَ العبوديَّةُ العامَّةُ.
فَلَمَّا شَبَّ في أخوالِهِ وَبَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ سَافَرَ بهِ عَمُّهُ المُطَّلِبُ إلى
مَكَّةَ بَلَدِ أَبِيهِ وَعَشِيرَتِهِ، فَقَدِمَ بهِ مَكَّةَ وهوَ
رَدِيفُهُ، فَرَآهُ أَهْلُ مَكَّةَ وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ بالسَّفَرِ،
فَحَسِبُوهُ عَبْدًا للمُطَّلِبِ.
فَقَالُوا: هذا عبدُ المُطَّلِبِ.
فَعَلِقَ بهِ هذا الاسمُ
وَرَكِبَهُ، فَصَارَ لاَ يُذْكَرُ ولاَ يُدْعَى إلاَّ بهِ، فَلَم يَبْقَ
للأصلِ معنًى مقصودٌ، وقدْ قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قُلْتُ: وَصَارَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَضَعَتْهُ أُمُّهُ في كَفالةِ جَدِّهِ عبدِ المُطَّلِبِ.
وَقِيلَ: وهوَ حَمْلٌ.
تُوُفِّيَ بالمدينةِ، وكانَ قدْ قَدِمَهَا لِيَمْتَارَ بها تَمْرًا.
وقيلَ: بلْ مَرَّ بِها رَاجِعًا من الشامِ، وَعَاشَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً).
قالَ الوَاقِدِيُّ: (وذلكَ
أَثْبَتُ الأقاويلِ في سِنِّهِ وَوَفَاتِهِ، وَتُوُفِّيَتْ أُمُّهُ
آمِنَةُ بالأَبْوَاءِ وهيَ رَاجِعَةٌ بهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلى مَكَّةَ منْ زيارةِ أخوالِ أبيهِ بَنِي عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ، وهوَ
يَوْمَئِذٍ ابنُ سِتِّ سِنِينَ وَمِائَةِ يَوْمٍ.
وَقِيلَ: ابنُ أَرْبَعِ سِنِينَ.
فَلَمَّا مَاتَتْ أُمُّهُ حَمَلَتْهُ أمُّ أَيْمَنَ مَوْلاَتُهُ إلى جَدِّهِ.
فكانَ
في كَفَالَتِهِ إلى أنْ تُوُفِّيَ جَدُّهُ، وللنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِي سِنِينَ، فَأَوْصَى بهِ إلى عَمِّهِ أبي
طالبٍ) انتهى كَلاَمُ الحَافِظِ.
(3) قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وعن ابنِ عَبَّاسٍ في الآيَةِ قَالَ:(لَمَّا تَغَشَّاهَا آدَمُ حَمَلَتْ، فَأَتَاهُمَا إِبْلِيسُ
فَقَالَ: إِنِّي صَاحِبُكُمَا الَّذِي أَخْرَجْتُكُمَا مِن الجَنَّةِ،
لَتُطِيعُنَّنِي أوْ لأََجْعَلَنَّ لَهُ قَرْنَيْ أَيِّلٍ، فيَخْرُجُ مِنْ
بَطْنِكِ فيَشُقُّهُ، وَلأََفْعَلَنَّ ولأََفْعَلَنَّ، يُخَوِّفُهُمَا.
فَأَبَا أَنْ يُطِيعَاهُ فَخَرَجَ مَيِّتًا.
ثُمَّ حَمَلَتْ، فَأَتَاهُمَا فَذَكَرَ لَهُمَا، فَأَدْرَكَهُمَا حُبُّ الوَلَدِ، فَسَمَّيَاهُ عَبْدَ الحَارِثِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ).
قدْ قَدَّمْنَا نظيرَهُ عن ابنِ عَبَّاسٍ في المعنَى.
قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وَلَهُ بسَنَدٍ صحيحٍ عَنْ قتادةَ قالَ: شُرَكَاءَ في طاعَتِهِ، ولَمْ يَكُنْ في عِبَادَتِهِ، وَلَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ:{لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} قَالَ: أَشْفَقَا أَلاَّ يَكُونَ إِنْسَانًا، وَذَكَرَ مَعْنَاهُ عَن الحَسَنِ وسَعِيدٍ وغَيْرِهِمَا).
القول السديد للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (1) {فَلَمَّا آتاهُما صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكاءَ فيما آتاهُما}مقصودُ التَّرجمةِ أنَّ مَنْ أَنْعَمَ اللهُ عليهِم بالأولادِ، وكمَّلَ اللهُ النعمةَ بهم ، بأنْ جعلَهُم صَالحين في أبدانِهم،وتمامُ ذلك أنْ يَصلُحوا في دينِهِم، فعليهم أنْ يشكروا اللهَ على إنعامِه، وأنْ لا يُعبِّدُوا أولادَهم لغيرِ اللهِ، أو يُضيفوا النِّعَمَ لغيرِ اللهِ، فإنَّ ذلك كفرانٌ للنعمِ منافٍ للتوحيدِ.
تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي
قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) قولُهُ: {فَلَمَّا آتَاهُمَا}، الضَّميرُ يعودُ على ما سبقَ من النفسِ وزَوْجِها؛ ولهذا ينْبَغِي أنْ يكونَ تفسيرها مبدوءاً منْ قولِهِ تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ...}.
قولُهُ: {خَلَقَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} فيها قولانِ: الأوَّلُ: أنَّ المرادَ بالنَّفسِ الواحدةِ العينُ الواحدةُ؛ أيْ: مِنْ شَخْصٍ مُعيَّنٍ، وهوَ آدمُ عليهِ السَّلامُ. قولُهُ: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}. أوَّلاً: لأنَّ بينَهما من المودَّةِ والرَّحمةِ ما يقتضي الأُنسَ والاطمئنانَ والاستقرارَ. ثانيًا: سكونٌ منْ حيثُ الشَّهْوَةُ، وهذا سُكُونٌ خاصٌّ لا يُوجَدُ لهُ نظيرٌ حتَّى بينَ الأمِّ وابنِهَا. وقولُهُ: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} تَعْلِيلٌ لكونِهِ منْ جِنْسِهِ أوْ من النَّفسِ المعيَّنةِ. وتشبيهُ عُلُوِّ الرَّجلِ المرأةَ بالغَشَيانِ أمْرٌ ظاهرٌ، كما أنَّ اللَّيْلَ يَسْتُرُ الأرضَ بظلامِهِ، قالَ تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ولمْ يقُلْ: فَلَمَّا غَشِيَها؛ لأنَّ تَغَشَّى أبْلَغُ، وفيهِ شيءٌ من المُعَالَجَةِ. قولُهُ: {حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا}الحملُ في أوَّلِهِ خفيفٌ؛ نُطْفَةٌ، ثمَّ عَلَقَةٌ، ثمَّ مُضْغةٌ. الأوَّلُ: جانبُ الألوهيَّةِ، منْ جهةِ العبدِ أنَّهُ داعٍ، والدُّعاءُ عبادةٌ. والجملةُ هنا جوابُ قَسَمٍ وشَرْطٍ، قسمٌ مُتَقَدِّمٌ وشرطٌ مُتَأَخِّرٌ، والجوابُ فيهِ للقسمِ؛ ولهذا جاءَ مقرونًا باللامِ: {لَنَكُونَنَّ}. الوجهُ الأوَّلُ: أن يَعْتَقِدَا أنَّ الَّذي أتَى بهذا الولدِ هوَ الوليُّ الفلانيُّ أو الصَّالحُ الفلانيُّ، فهذا شركٌ أكبرُ؛ لأنَّهما أضَافَا الخلقَ إلى غيرِ اللهِ. وسَنُبَيِّنُ -إنْ شاءَ اللهُ تعالى- وَجْهَ ضعفِهِ وبُطْلانِهِ. قولُهُ: ((حَاشَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ)) حاشا الاستثنائيَّةُ إذا دخَلَتْ علَيْها (مَا) وجَبَ نصبُ ما بعدَها، وإلاَّ جازَ فيهِ النَّصبُ والجرُّ. أنـا الــنَّبـيُّ لا كـَذِبْ (فالنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ لا يفعلُ حرامًا، فيجوزُ أنْ يُعَبَّدَ للمُطَّلِبِ إلاَّ إذا وُجِدَ ناسخٌ) ولكنَّ الصَّوابَ تحريمُ التَّعبيدِ لـلمُطَّلِبِ، فلا يَجُوزُ لأحدٍ أنْ يُسَمِّيَ ابنَهُ عبدَ المُطَّلِبِ. قولُهُ: (أَيِّلٍ) ذَكَرُ الأَوْعالِ. وهذهِ القِصَّةُ باطلةٌ منْ وُجُوهٍ: الوجهُ الثَّاني: أنَّهُ لوْ كانتْ هذهِ القصَّةُ في آدمَ وحوَّاءَ لكانَ
حالُهُما إمَّا أنْ يَتُوبا من الشِّركِ، أوْ يَمُوتَا عليهِ، فإنْ
قُلْنَا: مَاتَا عليهِ كانَ ذلكَ أعظمَ منْ قولِ بعضِ الزَّنادقةِ: إِذا مــَا ذَكــَرْنــا آدَمــــًا وفــِعــَالَهُ وَتَزْوِيـجـَهُ بـِنْتـَيـْهِ بـِابـْنَيـْهِ بـِالْخَنَا فَمَنْ جَوَّزَ موتَ أحدٍ من الأنبياءِ على الشِّركِ فقدْ أعظمَ الفِرْيَةَ.
ومع قوة ما قرره الشارح -رحمه الله- إلا أن فيه نظراً يرجع إلى أصلين كبيرين: قال في (تيسير العزيز الحميد) (ص: 63): (وإذا
تأملت سياق الكلام من أوله إلى آخره مع ما فسره به السلف تبين قطعاً أن
ذلك في آدم وحواء عليهما السلام؛ فإن فيه غير موضع يدل على ذلك، والعجب ممن
يكذب بهذه القصة وينسى ما جرى أول مرة، ويكابر بالتفاسير المبتدعة، ويترك
تفاسير السلف وأقوالهم) . (4) الأولى:(تحريمُ
كلِّ اسمٍ مُعَبَّدٍ لِغَيْرِ اللهِ) تُؤخذُ من الإجماعِ على ذلكَ،
والإجماعُ هو الأصلُ الثَّالثُ من الأصولِ الَّتي يُعتمَدُ عليها في
الدِّينِ. والصَّحيحُ أنَّهُ مُمْكِنٌ وأنَّهُ حُجَّةٌ إذا حصَلَ؛ لقولِهِ
تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}.
و(إنْ) هذهِ شرطيَّةٌ لا تَدُلُّ على وقوعِ التَّنَازُعِ، بلْ إنْ فُرِضَ
وَوَقَعَ فَالْمَرَدُّ إلى اللهِ ورسولِهِ، فعُلِمَ منهُ أنَّنا إذا
أَجْمَعْنا فهوَ حُجَّةٌ. وَبِنَاءً على الْقِصَّةِ، فإنَّ آدمَ وحوَّاءَ أطَاعَا الشَّيطانَ ولمْ يَعْبُدَاهُ عبادة، وهذا مَبْنِيٌّ على صِحَّةِ القِصَّةِ.
الثَّاني: أنَّ المرادَ بالنَّفسِ الجنسُ، وجعَلَ منْ هذا الجنسِ زوجَهُ، ولم يجعلْ زوجَهُ منْ جنسٍ آخرَ، والنَّفسُ قدْ يُرادُ بها الجنسُ كما في قولِهِ تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أيْ: منْ جِنْسِهِم.
سُكونُ الرَّجلِ إلى زوجتِهِ ظاهرٌ منْ أمرَيْنِ:
قولُهُ: {فَمَرَّتْ بِهِ} المرورُ بالشَّيءِ تجاوُزُهُ منْ غيرِ تعبٍ ولا إعياءٍ، والمعنى: تجاوزَتْ هذا الحملَ الخفيفَ منْ غيرِ تعبٍ ولا إعياءٍ.
قولُهُ: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ} الإثقالُ في آخرِ الحملِ.
قولُهُ: {دَعَوَا اللهَ}ولمْ يقُلْ: دَعَيَا؛ لأنَّ الفعلَ وَاوِيٌّ، فعادَ إلى أصلِهِ.
الثَّاني: جانبُ الرُّبوبيَّةِ؛ لأنَّ في الدُّعَاءِ تحصيلاً للمطلوبِ، وهذايكونُ متعلِّقًا باللهِ منْ حيثُ الرُّبُوبيَّةُ.
والظَّاهرُ أنَّهما قالا: (اللهُمَّ رَبَّنَا) ويحتملُ أنْ يكونَ بصيغةٍ أخرى.
قولُهُ: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا} أيْ: أعْطَيْتَنَا.
وقولُهُ: {صَالِحًا}
هل المرادُ صلاحُ البدنِ أو المرادُ صلاحُ الدِّينِ؛ أيْ: لئِنْ
آتَيْتَنَا بشرًا سَوِيًّا ليسَ فيهِ عاهةٌ ولا نقصٌ، أوْ صالحًا بالدِّينِ
فيكونُ تَقِيًّا قائمًا بالواجباتِ؟
الجوابُ: يشملُ الأمرَيْنِ جميعًا، وكثيرٌ من المفسِّرينَ لم يَذْكُرْ إلاَّ الأمْرَ الأوَّلَ وهوَ الصَّلاحُ البدنيُّ، لكنْ لا مانِعَ منْ أن يكونَ شاملاً للأَمْرَيْنِ جميعًا.
قولُهُ: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا} هنا حصَلَ المطلوبُ، لكنْ لمْ يحْصُل الشُّكْرُ الَّذي وَعَدَا اللهَ بهِ، بلْ جَعَلا لهُ شُركاءَ فيما آتاهُمَا.
قولُهُ: {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} هذا جوابُ (لَمَّا)، والجوابُ مُتَعَقِّبٌ للشَّرطِ.
وهذا يدُلُّ على أنَّ
الشِّرْكَ منهما حصلَ حينَ إتيانِهِ وهوَ صغيرٌ. ومثلُ هذا لا يُعْرَفُ
أيَصْلُحُ في دينِهِ في المستقبلِ أمْ لا يَصْلُحُ، ولهذا أكثرُ
المُفَسِّرينَ على أنَّ المُرَادَ بالصَّلاحِ الصَّلاحُ البَدَنِيُّ.
فَمُعَاهَدَةُ الإنسانِ رَبَّهُ أنْ يفعلَ العبادةَ مُقَابِلَ تَفَضُّلِ اللهِ عليهِ بالنِّعْمَةِ الغالبُ أنَّهُ لا يَفِي بها.
فَفِي سورةِ التَّوْبَةِ قالَ تعالى: {وَمِنْهُمْ
مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ
وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ
بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ}.
وفي هذهِ الآيَةِ قالَ تعالَى: {لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ}
فكانوا من المُشْرِكِينَ لا من الشَّاكِرينَ، وبهذا نَعْرِفُ الحكمةَ مِنْ
نَهْيِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عن النَّذْرِ؛ لأنَّ
النَّذْرَ مُعَاهَدَةٌ معَ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ ولهذا نهَى النَّبيُّ
صَلَّىاللهُ عَلَيهِ وسلَّم عن النَّذرِ وقالَ: ((إِنَّهُ لاَ يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ)).
وقدْ ذَهَبَ كثيرٌ منْ
أهلِ العلمِ إلى تحريمِ النَّذرِ، وظاهرُ كلامِ شيخِ الإسلامِ ابنِ
تَيْمِيَّةَ أنَّهُ يميلُ إلى تحريمِ النَّذرِ؛ لأنَّ الرَّسولَ صَلَّى
اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ نهَى عنهُ، ونفَى أنَّهُ يأتِي بخيرٍ.
وما الَّذي نستفيدُ منْ أمْرٍ نهَى عنهُ الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ؟
أما إننا لا نستفيدُ إلاَّ
المشقَّةَ على أنفسِنَا، وإلزامَ أنفسِنَا بما نحنُ منهُ في عافيَةٍ،
ولهذا فالقولُ بتحريمِ النَّذرِ قَوْلٌ قَوِيٌّ جدًّا، ولا يَعرِفُ مقدارَ
وَزْنِ هذا القولِ إلاَّ منْ عَرَفَ أسئلةَ النَّاسِ وكَثْرَتَها، ورَأَى
أنَّهم يَذْهَبُونَ إلى كُلِّ عالمٍ لعلَّهم يَجِدُونَ خَلاصًا ممَّا
نَذَرُوا.
فإنْ قيلَ: هذا الولدُ الَّذي آتاهما اللهُ عزَّ وجلَّ كانَ صالحًا، فكيفَ جَعَلا في هذا الولدِ شِرْكًا بلْ شُرَكَاءَ؟
الوجهُ الثَّاني: أن يُضِيفَ سلامةَ المولودِ ووِقَايَتَهُ إلى الأطِبَّاءِ وإرشاداتِهِم، وإلى
القَوَابِلِ وما أشبهَ ذلكَ، فيقولونَ مثلاً: سَلِمَ هذا الولدُ من
الطَّلْقِ؛ لأنَّ القَابِلَةَ امْرَأَةٌ مُتْقِنةٌ جيِّدَةٌ.
فهنا أضافَ النِّعْمَةَ
إلى غيرِ اللهِ، وهذا نَوْعٌ من الشِّركِ، ولا يَصِلُ إلى حدِّ الشِّركِ
الأكبرِ؛ لأنَّهُ أضافَ النِّعمةَ إلى السَّبَبِ، وَنَسِيَ الْمُسبِّبَ،
وهوَ اللهُ عزَّ وجلَّ.
الوجهُ الثَّالثُ: أنْ لا يُشْرِكَ مِنْ ناحيَةِ الرُّبُوبِيَّةِ،بلْ
يُؤْمِنَ أنَّ هذا الولدَ خرجَ سالمًا بفضلِ اللهِ ورحمتِهِ، ولكنْ
يُشْرِكُ منْ ناحيَةِ العبوديَّةِ فَيُقَدِّمُ محبَّتَهُ على محبَّةِ اللهِ
ورسولِهِ، ويُلْهِيهِ عنْ طاعةِ اللهِ ورسولِهِ، قالَ تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} فكيفَ تَجْعَلُ هذا الولدَ نِدًّا للهِ في المحبَّةِ؟
ورُبَّما قَدَّمْتَ مَحَبَّتَهُ على مَحَبَّةِ اللهِ، واللهُ هوَ المُتَفَضِّلُ عليكَ بهِ؛ ولهذا قالَ: {فَلَمَّا آتَاهُمَا}ففيهِ نَقْدٌ لاذِعٌ أنْ يجعلَ شريكًا معَ اللهِ معَ أنَّ اللهَ هوَ المتفضِّلُ بهِ.
ثمَّ قالَ: {فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}؛ أيْ: تَرفَّعَ وتقَدَّسَ عمَّا يُشركونَ بهِ مِنْ هذهِ الأصنامِ وغيرِهَا.
ومَنْ تَأَمَّلَ الآيَةَ وَجَدَهَا دالَّةً على أنَّ قولَهُ: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}؛ أيْ: مِنْ جنسٍ واحدٍ، ليسَ فيها تعرُّضٌ لآدمَ وحوَّاءَ بوجهٍ من الوجوهِ، ويكونُ السِّيَاقُ فيها جاريًا على الأسلوبِ العربيِّ الفصيحِ الَّذي لهُ نظيرٌ في القرآنِ كقولِهِ تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أيْ: منْ جِنْسِهِم.
وبهذا التَّفسيرِ الواضحِ البَيِّنِ يسْلَمُ الإنسانُ منْ إشْكَالاتٍ كثيرةٍ.
أمَّا على القولِ الثَّاني بأنَّ المُرَادَ بقولِهِ تعالى: {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} أيْ: آدمَ، {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} أيْ: حوَّاءَ.
فيكونُ معنى الآيَةِ: خَلَقَكُمْ منْ آدَمَ وحوَّاءَ، فلمَّا جَامَعَ آدمُ حوَّاءَ {حَمَلَتْ حَمْلاً خفيفًا فَمَرَّتْ بهِ، فَلَمَّا أثْقَلَتْ دَعَوَا} أَيْ: آدمُ وحَوَّاءُ- اللهَ ربَّهُما لَئِنْ آتيْتَنَا صالحًا لنكُونَنَّ من الشَّاكرينَ.
{فلمَّا آتاهُمَا صالحًا جَعَلا لهُ شُركاءَ فيما آتاهُمَا} فأَشركَ آدمُ وحوَّاءُ باللهِ.
لكنْ يقولونَ: إشراكَ طاعةٍ، لا إشراكَ عبادةٍ، {فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}وهذا التَّفسيرُ مُوافق للْمَرْوِيِّ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما.
وهناكَ قولٌ ثالثٌ:أنَّ المُرَادَ بقولِهِ تعالى: {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} أيْ: آدمَ وحوَّاءَ. {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا}انتقلَ
من العينِ إلى النَّوعِ، أيْ منْ آدمَ إلى النَّوعِ الَّذي هُمْ بَنُوهُ؛
أيْ: فلَمَّا تغَشَّى الإنسانُ الَّذي تَسَلْسَلَ منْ آدمَ وحوَّاءَ زوْجَتَهُ... إلى آخرِهِ.
ولهذا قالَ تعالى: {فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} بالجمعِ، ولمْ يقُلْ عمَّا يُشْركانِ، ونظيرُ ذلكَ في القرآنِ قولُهُ تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} أيْ: جَعَلْنا الشُّهُبَ الخارجةَ منها رُجُومًا للشَّيَاطينِ، ولَيْسَت المصابيحَ نفسَها.
وقولُهُ تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} أيْ: جَعَلْنَاهُ بالنَّوعِ. وعلى هذا؛ فأوَّلُ الآيَةِ في آدمَ وحوَّاءَ، ثمَّ صارَ الكلامُ من العينِ إلى النَّوعِ، وهذا التَّفسيرُ لهُ وَجْهٌ، وفيهِ تَنْزيهُ آدمَ وحوَّاءَ من الشِّركِ، لكنْ فيهِ شيءٌ من الرَّكَاكَةِ لِتَشَتُّتِ الضَّمائرِ.
وأمَّا قولُهُ تعالى: {فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}
فَجَمْعٌ؛ لأنَّ المرادَ بالمثنَّى الجنسُ أو الاثنانِ منْ هذا الجنسِ،
فَصَحَّ أنْ يعودَ الضَّميرُ إليهِ مجموعًا كما في قولِهِ تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} ولمْ يقُل: اقْتَتَلَتَا؛ لأنَّ الطَّائفتيْنِ جماعةٌ.
(2) قولُهُ: ((اتَّفَقُوا)) أيْ: أَجْمَعُوا، والإجماعُ أحدُ الأَدِلَّةِ الشَّرعيَّةِ الَّتي تَثْبُتُ بها الأحكامُ، والأدلَّةُ هيَ: الكتابُ، والسُّنَّةُ، والإجماعُ، والقياسُ.
قولُهُ: ((وما أَشْبَهَ ذلكَ)) مثلِ:عبدِ الحُسَيْنِ، وعبدِ الرَّسولِ، وعبدِ المسيحِ، وعبدِ عَلِيٍّ.
وبالنِّسْبَةِ: (لعبدِ المُطَّلِبِ)
مُستَثْنًى من الإجماعِ على تحريمِهِ، فهوَ مُخْتَلَفٌ فيهِ، فقالَ بعضُ
أهلِ العلمِ: لا يُمْكِنُ أنْ نَقُولَ بالتَّحريمِ، والرَّسولُ صَلَّى
اللهُ عَلَيهِ وسلَّم قالَ:
أنَا ابْنُ عَبدِ المُطَّلِبْ
وهذا تقريرُ ابنِ حزمٍ رَحِمَهُ اللهُ.
ولهذا قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ:((إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ)) ولا يَجُوزُ التَّسَمِّي بِعَبْدِ مَنَافٍ.
وقدْ قالَ العلماءُ: (إنَّ
ناقلَ الكُفْرِ ليسَ بكافرٍ، فالرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ
يتكلَّمُ عنْ شيءٍ قدْ وقعَ وانْتَهَى ومَضَى، فالصَّوابُ أنَّهُ لا يجوزُ
أنْ يُعَبَّدَ لغيرِ اللهِ مُطْلَقًا؛ لا بـعبدِ المطَّلِبِ ولا غيرِهِ،
وعليهِ فيكونُ التَّعبيدُ لغيرِ اللهِ منْ بابِ الشِّركِ).
قال في (تيسير العزيز الحميد) (ص: 641): (
لا تجوز التسمية بعبد المطلب ولا غير مما عُبَّد لغير الله، وكيف تجوز
التسمية وقد أجمع العلماء على تحريم التسمية بعبد النبي، وعبد الرسول، وكل
هذه أولى بالجواز من عبد المطلب لو جازت التسمية به.
أما قوله صلى الله عليه وسلم ((أنا ابن عبد المطلب))
فهذا ليس من باب إنشاء التسمية بذلك، وإنما هو من باب الإخبار بالاسم الذي
عرف به المسمى دون غيره، والإخبار بمثل ذلك على وجه تعريف المسمى لا يحرم،
ولا وجه لتخصيص ابن حزم ذلك بعبد المطلب خاصة).
فإن قيل: إن ابن حزم حكى الإجماع على جواز التسمية بعبد المطلب فكيف يجوز خلافه؟
قيل: كلامه ليس صريحاً في
حكاية الإجماع، وليس كل من حكى إجماعاً يسلم له، ولا كل إجماع يكون حجة
أيضاً، فكيف والخلاف موجود، والسنة فاصلة بين المتنازعين.
(3) قولُهُ: ( إِبْلِيسُ) على وَزْنِ (إفْعِيل) فقيلَ: مِنْ أَبْلَسَ إذا يَئِسَ؛ لأنَّهُ يَئِسَ منْ رحمةِ اللهِ تعالى.
قولُهُ: (لَتُطِيعَانِّي) جملةٌ قسميَّةٌ؛ أيْ: واللهِ لَتُطِيعَانِّي.
قولُهُ: (سَمِّيَاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ) اختارَ هذا الاسمَ؛ لأنَّهُ اسمُهُ، فأرادَ أنْ يُعَبِّدَاهُ لنفسِهِ.
قولُهُ: (فَخَرَجَ
مَيِّتًا) لَم يَحْصُل التَّهديدُ الأوَّلُ. ويَجُوزُ أنْ يكونَ منْ
جُمْلَةِ: (وَلأََفْعَلَنَّ) وَلأنَّهُ قالَ: (وَلأَُخْرِجَنَّهُ
مَيِّتًا).
قولُهُ: (شُرَكَاءَ فِي
طَاعَتِهِ) أيْ: أَطَاعَاهُ فيما أمرَهُمَا بهِ، لا في العبادةِ، لكنْ
عَبَّدَا الولدَ لغيرِ اللهِ، وفرقٌ بينَ الطَّاعةِ والعبادةِ، فلوْ أنَّ
أحدًا أطاعَ شخصًا في معصيَةٍ للهِ لم يَجْعَلْهُ شريكًا معَ اللهِ في
العبادةِ، لكنْ أطَاعَهُ في معصيَةِ اللهِ.
قولُهُ: (أَشْفَقَا أَنْ لاَ يَكُونَ إِنْسَانًا) أيْ: خافَ آدمُ وحوَّاءُ أنْ يكُونَ حيوانًا أوْ جِنِّيًّا أوْ غيرَ ذلكَ.
قولُهُ: (وذَكَرَ مَعناهُ عن الحَسَنِ) لكنَّ الصَّحيحَ أنَّ الحسنَ يرحمُهُ اللهُ قالَ: إنَّ المرادَ بالآيَةِ غيرُ آدمَ وحوَّاءَ، وأنَّ المرادَ بها المشركونَ مِنْ بَنِي آدمَ.
كَمَا ذَكَرَ ذلِكَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِهِوقالَ: (أمَّا نحنُ فَعَلَى مذهبِ الحسنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ في هذا، وأنَّهُ ليسَ المرادُ منْ هذا السياقِ آدمَ وحوَّاءَ، وإنَّما المرادُ منْ ذلكَ المشركونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ).
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّهُ ليسَ في ذلكَ خبرٌ صحيحٌ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ، وهذا من الأخبارِ التي لا تُتَلَقَّى إلاَّ بالوحيِ، وقدْ قالَ ابنُ حَزْمٍ عنْ هذهِ القصَّةِ: إنَّها رِوَايَةٌ خُرَافَةٌ مكذوبةٌ موضوعةٌ.
عـَلِمْنَا بِأنَّ الْخَلْقَ مِنْ نَسْلِ فاجِرٍ وأنَّ جَمِيعَ النَّاسِ مِنْ عُنْصُرِ الزِّنا
وإنْ كانَا تابَا مِن
الشِّركِ فلا يليقُ بحكْمَةِ اللهِ وعدلِهِ ورحمتِهِ أنْ يَذْكُرَ
خطأَهُمَا، ولا يذْكُرَ تَوْبَتَهُمَا منهُ، فيمتنعُ غايَةَ الامتناعِ أنْ
يذْكُرَ اللهُ الخطيئةَ منْ آدمَ وحوَّاءَ وقدْ تَابَا، ولمْ يذْكُرْ تَوْبَتَهُمَا.
واللهُ تعالى إذا ذكَرَ
خَطِيئَةَ بعضِ أنبيائِهِ ورُسُلِهِ ذكَرَ تَوْبَتَهُم منها كما في قِصَّةِ
آدمَ نفسِهِ حينَ أكَلَ مِن الشجرةِ وزَوْجُهُ فَتَابَا مِنْ ذلكَ.
الوجهُ الثَّالثُ: أنَّ الأنبياءَ معصومونَ من الشِّركِ باتِّفَاقِ العلماءِ.
الوجهُ الرَّابعُ: أنَّهُ ثبَتَ في حديثِ الشَّفاعةِ أنَّ النَّاسَ يأتونَ إلى آدمَيَطْلُبونَ
منهُ الشَّفاعةَ، فَيَعْتَذِرُ بأَكْلِهِ من الشَّجرةِ، وهوَ مَعْصِيَةٌ،
ولوْ وقعَ منهُ الشِّركُ لكانَ اعتذارُهُ بهِ أعظمَ وأوْلَى وأحْرَى.
الوجهُ الخامسُ: أنَّ في هذهِ القصَّةِ أنَّ الشَّيطانَ جاءَ إلَيْهِمَا وقالَ: ((أَنَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي أَخْرَجْتُكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ)).
وهذا لا يقولُهُ مَنْ يُرِيدُ الإغواءَ، وإنَّمَا يأتي بشيءٍ يُقَرِّبُ قَبولَ قَوْلِهِ، فإذا قالَ: ((أَنَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي أَخْرَجْتُكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ)) سَيَعْلَمانِ عِلْمَ اليقينِ أنَّهُ عَدُوٌّ لهما فلا يَقْبَلانِ منهُ صَرْفًا ولا عَدْلاً.
الوجهُ السَّادسُ: أنَّ في قَوْلِهِ في هذهِ القصَّةِ:((لأََجْعَلَنَّ لَهُ قَرْنَيْ أَيِّلٍ)) إمَّا أنْ يُصَدِّقَا أنَّ ذلكَ مُمْكِنٌ في حَقِّهِ، وهذا شركٌ في الرُّبُوبيَّةِ؛
لأنَّهُ لا خالقَ إلاَّ اللهُ، أوْ لا يُصَدِّقا، فلا يُمْكِنُ أن
يَقْبَلا قولَهُ وهما يَعْلَمانِ أنَّ ذلكَ غيرُ ممكنٍ في حقِّهِ.
الوجهُ السَّابعُ: قولُهُ تعالى: {فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} بضميرِ الجمعِ، ولوْ كانَ آدمَ وحوَّاءَ لقالَ: عمَّا يُشْرِكانِ.
فهذهِ الوجوهُ تدلُّ على أنَّ هذهِ القصَّةَ باطلةٌ منْ أساسِهَا، وأنَّهُ
لا يجوزُ أنْ يُعْتَقدَ في آدمَ وحوَّاءَ أن يقعَ منهما شركٌ بأيِّ حالٍ
من الأحوالِ، والأنبياءُ مُنزَّهُونَ عن الشِّركِ مُبَرَّءُونَ منهُ
باتِّفَاقِ أهلِ العلمِ.
وعلى
هذا؛ فيكونُ تفسيرُ الآيَةِ كما أسْلَفْنَا أنَّها عائدةٌ إلى بني آدمَ
الَّذينَ أشْرَكُوا شِرْكًا حقيقيًّا؛ فإنَّ منهم مُشْرِكًا، ومنهم
مُوَحِّدًا.
الثاني: أن هذه الأوجه السبعية يمكن نقضها بما نذكره - بإذن الله - في محل آخر، ولو امتنع دفعها فهي ساقطة في مقابل اجماع الصحابة رضوان الله عليهم.
لكنَّ ادِّعَاءَ الإجماعِ يحتاجُ إلى بَيِّنةٍ، ولهذا قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ:(الإجماعُ الَّذي يَنْضَبِطُ ما كانَ عليهِ السَّلَفُ؛ إذْ بَعْدَهُم كثُرَ الاختلافُ).
ولمَّا قيلَ للإمامِ أحمدَ: (إنَّ
فُلانًا يَقُولُ: أَجْمَعُوا عَلَى كذا، أَنْكَرَ ذلكَ وقالَ: وما
يُدْرِيهِ لعَلَّهم اخْتَلَفوا، فَمَن ادَّعَى الإجماعَ فهوَ كاذبٌ).
ولعلَّ الإمامَ أحمدَ
قالَ ذلكَ؛ لأنَّ المُعْتَزِلَةَ وأهلَ التَّعطيلِ كانوا يَتَذَرَّعونَ
إلى إثباتِ تعطيلِهِم وشُبَهِهم بالإجماعِ، فيقولونَ: هذا إجماعُ
الْمُحقِّقيِنَ، وما أشبهَ ذلكَ.
وقدْ سبقَ أنَّ الصَّحيحَ أنَّهُ لا يجوزُ التَّعْبِيدُ للمُطَّلِبِ، وأنَّ قولَ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: ((أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ))
أنَّهُ منْ قَبِيلِ الإخبارِ وليسَ إقرارًا ولا إنْشَاءً، والإنسانُ لهُ
أنْ يَنْتَسِبَ إلى أبيهِ وإنْ كانَ مُعَبَّدًا لغيرِ اللهِ، وقدْ قالَ
النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: ((يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ)) وهذا تَعْبِيدٌ لغيرِ اللهِ، لكنَّهُ منْ بابِ الإخبارِ.
(5) الثَّانِيَةُ:(تفسيرُ الآيَةِ) وقدْ سبقَ ذلكَ.
(6) الثَّالثةُ:(أنَّ هذا الشِّركَ في مُجَرَّدِ تَسْمِيَةٍ لَمْ تُقْصَدْ حقِيقَتُها) وهذا بِنَاءً على ما ذُكِرَ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهما.
والصَّوابُ: أنَّ هذا الشِّركَ حَقٌّ حقيقةً، وأنَّهُ شِرْكٌ مِنْ إِشْراكِ بني آدمَ، لا منْ آدَمَ وحوَّاءَ؛ ولهذا قالَ تعالى في الآيَةِ نفسِهَا: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}، فهذا الشِّركُ الحقيقيُّ الواقعُ منْ بني آدمَ.
وعلى ما سبق ذكره في مقابل قول الشارح يكون ما ذكره المصنف - رحمه الله - صحيحاً.
(7) الرَّابعةُ:(أنَّ هِبَةَ اللهِ للرَّجُلِ البِنتَ السَّوِيَّةَ مِن النِّعَمِ) هذا بِنَاءً على ثُبُوتِ القِصَّةِ، وأنَّ المرادَ بقولِهِ: {صَالِحًا} أيْ: بَشَرًا سَوِيًّا.
وأتى المُؤَلِّفُ بالبنتِ دونَ الولدِ؛ لأنَّ بعضَ النَّاسِ يَرَوْنَ أنَّ هِبَةَ البنتِ من النِّقَمِ، قالَ تعالى: {وَإِذَا
بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ
(58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ
عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}
وإلاَّ فَهِبَةُ الولدِ الذَّكَرِ السَّوِيِّ منْ بابِ النِّعَمِ أيضًا،
بلْ هوَ أكْبَرُ نعمةً منْ هبةِ الأُنْثَى، وإنْ كانَتْ هبةُ البنتِ بها
أجرٌ عظيمٌ فيمَنْ كَفَلها ورَبَّاها وقامَ عليها.
(8) الخامسةُ:(ذِكْرُ
السَّلَفِ الفرْقَ بَيْنَ الشِّركِ في الطَّاعَةِ والشِّركِ في العِبادةِ)
وقبلَ ذلكَ نُبَيِّنُ الفرقَ بينَ الطَّاعةِ وبينَ العبادةِ، فالطَّاعةُ إذا كَانَتْ مَنْسُوبَةً للهِ فلا فَرْقَ بينَها وبينَ العبادةِ؛ فإنَّ عبادةَ اللهِ طَاعَتُهُ.
وأمَّا الطَّاعةُ
المَنْسُوبَةُ لغيرِ اللهِ فإنَّها غيرُ العبادةِ، فنحنُ نُطِيعُ الرَّسولَ
صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّم، لَكِنْ لا نَعْبُدُهُ، والإنسانُ قدْ يُطِيعُ مَلِكًا منْ ملوكِ الدُّنْيَا وهوَ يَكْرَهُهُ.
فالشِّركُ بالطَّاعةِ:
شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن
محمد آل الشيخ: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله حق حمده، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. كذلك: الذي يعتقد في غيره أنه هو المنعم عليه؛ كقول القائل: (لولا فلان لم يكن كذا) أو نحو تلك العبارات التي تدخل في قوله تعالى: {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} وفي قوله: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها}هذه وأمثالها راجعةٌ إلى عدم شكر النعمة؛
ومن شُكر النعم: أنَّ الله -جل وعلا- إذا أنعم على عبدٍ بولدٍ، وجعله
سليماً معافى، ورزقه بتلك النعمة التي هي نعمة الولد: أنْ يشكر الله عليها؛
ومن عدم شكر النعمة تلك، ونسبتها إلى غير الله: أن يُعبِّد الولد لغير
الله جل وعلا؛ فإنَّ هذا مضاد للاعتراف بأن المنعم بذلك الولد هو الله جل
جلاله. - عبد زينب. ونحو ذلك من الأسماء التي فيها اعتقادات. فمن
عبَّد لغير الله جل وعلا، فإن هذا ينافي شكر النعمة؛ ولهذا أتبع الشيخ
-رحمه الله- هذا الباب الأبواب قبله، لما يشترك معها في هذا المعنى، وأن
الواجب على العبد:
أما بعد:
( باب قول الله تعالى: {فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون})
مناسبة هذا الباب للأبواب قبله:
أنه وتلك الأبواب في معنىً
واحد؛ وذلك المعنى: أنَّ شكر النعمة لله -جل وعلا- فيما أنعم به: يقتضي أن
تُنسب إليه جل وعلا، وأن يُحمد عليها ويُثنى عليه بها، وأن تُستعملَ في
مراضيه جل وعلا، وأن يُتحدث بنعمةِ اللهِ؛ فالذي يَنسب النعم إلى نفسه، هذا
لم يُحقق التوحيد؛ فإنه جَمَعَ بين ترك تعظيم الله جل وعلا، وما بين ادعاء
شيء ليس له.
ويقولون:
- وعبد عمرو.
- أن يحقق التوحيد.
قوله: {فلما آتاهما صالحاً} الضمير هنا يرجع إلى آدم وحواء؛ والذي عليه عامة السلف: أنَّ القصة في آدم وحواء، حتى قال الشارح، الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله، قال: (إن نسبة ذلك إلى غير آدم وحواء، هو من التفاسير المبتدعة؛ والذي يعرفه السلف: أنَّ الضمير يرجع إلى آدم وحواء؛ وسياق الآية لا يقتضي غير ذلك، إلا بأوجهٍ من التكلف).
ولهذا الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - اعتمد هذا الذي عليه عامة السلف؛ ففسر هذه الآية بأن المراد بها آدم وحواء {فلما آتاهما} يعني: آتى الله آدم وحواء صالحاً .- السليم في خِلقته.
- السليم في بنيته.قال جل وعلا: {جعلا له} (جعلا) يعني: آدموحواء (له) يعني: لله جل وعلا {شركاء فيما آتاهما} وكلمة (شركاء): جمع الشريك، والشريك في اللغة:هو المقصود بهذه الآية، يعني: هذه الآية فيها لفظ الشركاء، والمقصود بها، معنى الشركة في اللغة.
ومعنى الشركة في اللغة:اشتراك اثنين في شيء؛ فجعلا لله -جل وعلا- شركاء فيما آتاهما، حيث سمّيا ذلك الولد عبد الحارث؛ والحارث هو إبليس؛ ذلك أن إبليس -كما سمعتم في القصة- هو الذي قال: إن لم تسمِّياه عبد الحارث لأفعلنّ، ولأفعلنّ، ولأجعلنّ له قرني أيِّلٍ، وهو ذَكَرُ الوعل؛ وفي هذا تهديد بأن يشق بطن الأم فتموت، ويموت أيضاً الولد.و آدم وحواء - عليهما السلام - قد أطاعا الشيطان من قبل، حيث أمرهما بأن يأكلا من الشجرة التي نهاهما الله -جل وعلا- عنها؛ فوقوع طاعة الشيطان من آدم وحواء عليهما السلام، وقوع ذلك منهما لم يكن هذه هي أول مرة، وإنما وقع العصيان قبل ذلك؛ كما جاء في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:((خدعهما مرتين)) وهذا هو المعروف عند السلف.
فيكون إذاً: قوله {شركاء فيما آتاهما}من جهة التشريك في الطاعة؛ ومعلومٌ أنَّ كل عاصٍ مطيع للشيطان؛ وكل معصية لا تصدر من العبد، إلا وثَمَّ نوعُ تشريك حصل في الطاعة.ولهذا قال شيخ الإسلام وغيره من المحققين: (إنه ما من معصية يعصي بها العبدُ ربَّه، إلا وسببها: طاعة الشيطان، أو طاعة الهوى؛ وذلك نوعُ تشريكٍ).
وهذا هو الذي حصل من آدم وحواء عليهما السلام؛ فهذا لا يقتضي نقصاً في مقامهما، ولا يقتضي شركاً بالله جل وعلا؛ وإنما هو نوع تشريكٍ في الطاعة.والإشكال الذي أورده بعض أهل التفسير من المتأخرين، في أنَّ آدم وحواء جعلا لله شركاء،
هذا نص الآية ولا يمنع؛ لأن التشريك هنا تشريكٌ - كما قلنا - في ما يدل
عليه المعنى اللغوي؛ ليس شركاً أصغر وليس -وحاشاهم- شركاً أعظم من ذلك،
وإنما هو تشريك في الطاعة؛ كما قال جل وعلا: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً}، وكما قال أيضاً في آيةٍ أخرى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم}.
فكل من جعل هواه متَّبعاً، فقد جعله مطاعاً؛ وهذا نوعُ تأليه.
لكن لا يقال:
- عَبَدَ غير الله.
لكن هو نوع تشريك؛ فكل طاعة للشيطان، أو للهوى: فيها هذا النوع من التشريك،
قال الإمام: قال ابن حزم: (اتفقوا على تحريم كل اسم مُعبَّد لغير الله؛كعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك ،حاشى عبد المطلب).
قول ابن حزم: (اتفقوا) أي أجمعوا، يعني: أجمع أهل العلم -فيما علمه هو- أنَّ التعبيد لغير الله محرَّم؛
فإنَّ
تعبيد الناس لغير الله جل وعلا، هذا غلط من جهة المعنى، وأيضاً فيه اهتضام،
أو نوع اهتضام لمقام الربوبية؛ فلذلك حرُم في هذه الشريعة هذه التسمية، بل
وفي شرائع الأنبياء جميعاً.
فاتفق أهل العلم على ذلك، وأنَّ كل اسمٍ معبَّد لغير الله؛ كعبد عمرو، وعبدالكعبة، وعبد عليٍّ، وغيرِ ذلك من الأسماءِ: فإن هذا مُحرَّم ولا يجوز؛ وما أشبه ذلك.
قال: (حاشى عبد المطلب) قوله (حاشى عبد المطلب) يعني: لم يُجمعوا عليه؛ فإن من أهل العلم من قال: تُكره التسمية بعبد المطلب ولا تحرم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في غزوة حنين: ((أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب))
وقالوا: جاء في أسماء الصحابة من اسمه
وأما تسمية بعض الصحابة بعبد المطلب؛ فالمحققون من الرواة يقولون: (إن من سُمِّي بعبد المطلب صحة اسمه المطَّلب بدون التعبيد؛ ولكن نقل بعبد المطلب؛ لأنه شاعت التسمية بعبد المطلب دون المطَّلب، فوقع خطأ في ذلك).
وبحث هذه المسائل يطول، محله كتب الحديث وكتب الرجال؛ فنمر عن ذلك.
قال بعده: وعن ابنعباس في معنى الآية، قال: (لما تغشاها آدم حملت فأتاهما إبليس فقال: إني صاحبكما…) إلى آخر القصة.
قال: فذلك قوله: {جعلا له شركاء فيما آتاهما}.
قال: رواه ابن أبي حاتم، وله بسندٍ صحيحٍ عن قتادة، قال: (شركاء في طاعته، ولم يكن في عبادته) وهذا دليل على التفريق بين الشرك في الطاعة، والشرك في العبادة.
الشرك في العبادة:
فالشرك في الطاعة درجاته كثيرة، ليس درجة واحدة، فيحصل شركٌ في الطاعة فتكون معصية؛ ويحصل شرك في الطاعة، فيكون كبيرة؛ ويحصل شرك في الطاعة، ويكون كفر أكبر ونحو ذلك.
أما الشرك في العبادة فهو كفر أكبر بالله جل جلاله؛تخريج أحاديث منتقدة في كتاب التوحيد للشيخ: فريح بن صالح البهلال
قال الشيخ فريح بن صالح البهلال: (بابُ قولِ اللهِ تَعالَى: {فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما}. أخرجَهُ بهذا اللفظِ سعيدُ بنُ منصورٍ، وابنُ المنذرِ، وابنُ أبي حاتمٍ، كما عندَ السّيوطيِّ. ولم أقفْ على سندِهِ.
أخرجَهُ أحمدُ، والتّرمذيُّ، وابنُ جريرٍ، والحاكمُ، وابنُ عديٍّ.
وعَنِ ابْنِ عبَّاسٍ في الآيةِ قَالَ:{لمـَّا تـَغشـَّاها آدَمُ حَمَلَتْ فَأَتَاهُمَا إِبْلِيسُ فَقَالَ: إنِّي صَاحِبُكُمَا الَّذِي أَخْرَجْتُكُمَا مِنَ الجَنَّةِ …} الخ.
وقالَ ابنُ جريرٍ: (حدَّثَنَا ابنُ حميدٍ قالَ: حدَّثنَا سلمةُ عن ابنِ إسحاقَ عن داودَ بنِ الحصينِ عن عكرمةَ عن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: كانَتْ حوَّاءُ تلدُ لآدمَ فتُعَبِّدَهُم للهِ، وتسمِّيهِ ((عبيدَ اللهِ)) و ((عبدَ اللهِ)) ونحوَ ذلك فيصيبُهُمُ الموتُ.
فأتاهَا إبليسُ وآدمَ فقالَ: إنَّكُمَا لو تسمِّيانِهِ بغيرِ الَّذي تسمّيانِهِ لعاشَ! فولدَتْ لهُ رجلاً فسمَّيَاهُ ((عبدَ الحارثِ)) ففيه أنزلَ اللهُ تباركَ وتَعالَى: {هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مَن نَّفسٍ وَاحِدَةٍ} إلى قولـِهِ: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} إلى آخرِ الآيةِ) ورجالُ سندِهِ متكلَّمٌ فيهِمْ وفيهِمْ توثيقٌ.
وقالَ ابنُ جريرٍ أيضاً:(حدَّثني محمَّدُ بنُ سعدٍ قالَ: حدَّثني أبي قالَ: حدَّثَنِي عمِّي قالَ: حدَّثَنِي أبي عن أبيهِ عن ابنِ عبَّاسٍ … فذكرَ نحوَهُ).
وقالَ أيضاً: (حدَّثَنا القاسمُ قالَ: حدَّثَنا الحسينُ قالَ: حدَّثَني حجَّاجٌ عن ابنِ جريجٍ قالَ: قالَ ابنُ عبَّاسٍ … فذكرَ نحوَهُ).
والحسينُ هو ابنُ داودَ الملقَّبُ بسنيدٍ ضعيفٌ. وفيه إرسالُ ابنِ جريجٍ.
قالَ الإِيجي: (وقدْ صحَّ هذا النَّقلُ عن ابنِ عبَّاسٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُما- وكثيرٍ من السَّلفِ والخلفِ) اهـ. قلْتُ: وقدْ جاءَ مرفوعاً من حديثِ سمرةَ.
من طريقِ عبدِ الصَّمدِ بنِ عبدِ الوارثِ ثنَا عمرُ بنُ إبراهيمَ ثنَا قتادةُ عن الحسنِ عن سمرةَ بنِ جندبَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (لمَّا حملـَتْ حوَّاءُ طافَ بها إبليسُ، وكانَ لا يعيشُ لها ولدٌ.
فقالَ: سمِّيهِ عبدَ الحارثِ فإنَّهُ يعيشُ فسمَّوْهُ عبدَ الحارثِ فعاشَ، وكانَ ذلك من وحيِ الشَّيطانِ وأمرِهِ) هذا لفظُ أحمدَ ولفظُ الباقين: (فسمـَّتـْهُ).
وأخرجَهُ الطَّبرانيُّ، من طرقٍ عن شاذِّ بنِ الفيَّاضِ ثنَا عمرُ بنُ إبراهيمَ بهِ، وفيه: ((فسمـَّوهُ)).
وقالَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ: (ورواهُ الإِمامُ أبو محمَّدِ بنِ أبي حاتمٍ في تفسيرِهِ عن أبي زرعةَ الرَّازي عن هلالِ بنِ فيَّاضٍ عن عمرَ بنِ إبراهيمَ بهِ مرفوعاً… كذا رواهُ الحافظُ أبو بكرِ بنِ مردويهِ في تفسيرِهِ من حديثِ شاذِ بنِ فيَّاضٍ عن عمرَ بنِ إبراهيمَ مرفوعاً.
قلْتُ: وشاذٌ هو هلالٌ، وشاذٌ لقبُهُ) اهـ.
قالَ التّرمذيُّ: (هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفُهُ مرفوعاً إلا من حديثِ عمرَ بنِ إبراهيمَ عن قتادةَ.
ورواهُ بعضُهُم عن عبدِ الصَّمدِ، ولم يرفعْهُ، عمرُ بنُ إبراهيمَ شيخٌ بصريٌّ)اهـ.
قلْتُ: ولم يظهرْ لي وجهُ نكارَتِهِ! وقدْ قالَ في معرفةِ الرُّواةِ المتكلَّمِ فيهم بمَا لا يوجِبُ الرَّدَّ: (عمرُ بنُ إبراهيمَ العبديُّ عن قتادةَ، صالحُ الحديثِ، وثَّقَهُ يحيى، وقالَ أبو حاتمٍ: لا يُحْتَجُّ بهِ) اهـ.
وقالَ في (الميزانِ): (وثَّقَهُ أحمدُ وغيرُهُ، وقالَ عبدُ الصَّمدِ: هو فوقَ الثّقةِ) اهـ.
وقالَ ابنُ أبي حاتمٍ: (أَنَا يعقوبُ بنُ إسحاقَ - فيمَا كتَبَ إليَّ - قالَ: نَا عثمانُ بنُ سعيدٍ، قالَ: قلْتُ: ليحيى بنِ معينٍ:فعمرُ بنُ إبراهيمَ في قتادةَ؟
قالَ: ثقةٌ، ومعَ هذا فلم يتفرَّدْ به
قالَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ: (ولكنْ رواهُ ابنُ مردويهِ من حديثِ المعتمرِ عن أبيهِ عن الحسنِ عن سمرةَ مرفوعاً، فاللهُ أعلمُ) اهـ.
والمعتمِرُ هو ابنُ سليمانَ بنِ طرخانَ. وهما ثقتانِ، ولهذا لم يتعقَّبْ ابنُ كثيرٍ هذه الطَّريقَ بقدحٍ، فدلَّ على سلامتِهَا منه.
وعلى هذا فالحديثُ صحيحٌ إنْ شاءَ اللهُ.
مَطَاعِنُ هذا الحديثِ والجوابُ عنها:
قالَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ - رحمَهُ اللهُ-: (والغرضُ أنَّ هذا الحديثَ معلولٌ من ثلاثةِ أوجهٍ:
ولكنْ رواهُ ابنُ مردويهِ من حديثِ المعتمرِ عن أبيهِ عن الحسنِ عن سمرةَ مرفوعاً. فاللهُ أعلمُ.
الثَّاني: أنَّهُ قد رُوِيَ من قولِ سمرةَ نفسِهِ ليسَ مرفوعاً كما قالَ ابنُ جريرٍ: حدَّثَنَا ابنُ عبدِ الأعلى حدَّثَنَا المعتمرُ عن أبيهِ حدَّثنا بكرُ بنُ عبدِ اللهِ عن سليمانَ التّيميِّ عن أبي العلاءِ بنِ الشّخيرِ بنِ سمرةَ بنِ جندب قالَ: سمَّى آدمُ ابنَهُ عبدَ الحارثِ.
الثَّالثِ: أنَّ الحسنَ نفسَهُ فسَّرَ الآيةَ بغيرِ هذا، فلو كانَ هذا عندَهُ عن
قالَ ابنُ جريرٍ: (حدَّثَنَا ابنُ وكيعٍ حدَّثَنَا سهلُ بنُ يوسفَ عن عمرو عن الحسنِ: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} قالَ: كانَ هذا في بعضِ أهلِ المللِ ولم يكنْ بآدمَ.
وحدَّثَنَا محمَّدُ بنُ عبدِ الأعلى حدَّثَنَا محمَّدُ بنُ ثورٍ عن مَعْمَرٍ قالَ: قالَ الحسنُ: عنَى بها ذريَّةَ آدمَ، ومن أشرَكَ منهُمْ بعدَهُ - يعنِي {جعلا له شركاء فيما آتاهما}).
وحدَّثَنَا بِشرٌ حدَّثَنا يزيدُ حدَّثَنا سعيدٌ عن قتادةَ قالَ: (كانَ الحسنُ يقولُ: همُ اليهودُ والنَّصَارَى، ورزقَهُمُ اللهُ أولاداً فهوَّدُوا ونَصَّرُوا).
وهذه أسانيدُ صحيحةٌ عن الحسنِ -رَضِي
اللهُ عَنْهُ- أنَّهُ فسَّرَ هذه الآيةَ بذلِكَ، وهو من أحسنِ
التَّفاسيرِ، وأولى ما حُمِلَتْ عليه الآيةُ ولو كانَ هذا الحديثُ عندَهُ
محفوظاً عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَا عدَلَ عنه هو
ولا غيرُهُ ولا سيّمَا معَ تقواهُ وورعِهِ.
فهذا يدلُّكَ على أنَّهُ موقوفٌ على الصَّحابيِّ، ويحتملُ أنَّهُ تلقَّاهُ من بعضِ أهلِ الكتابِ مَنْ آمنَ منهُمْ مثلُ كعبٍ أو وهبِ بنِ منبِّهٍ وغيرِهِمَا - كما سيأتي بيانُهُ إنْ شاءَ اللهُ - إلا أنَّنَا برِئْنَا من عهدةِ المرفوعِ، واللهُ أعلمُ) اهـ
والجوابُ عن هذه المطاعنِ فيما يلي: وأمَّا العلَّةُ الثَّانيةُ: فلا تؤثِّرُ في الحديثِ ضعفاً؛لجوازِ
أنْ يكونَ الصَّحابيُّ يسندُ الحديثَ مرَّةً ويرفعُهُ إلى النَّبيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويذكرُهُ مرَّةً أخرى على سبيلِ الفتوى
ولا يرفعُهُ.
كما سيأْتِي - والموقوفُ يعضِدُ المرفوعَ ويقوِّيهِ لأنَّ مثلَهُ لا يُقَالُ بالرَّأيِ فلهُ حكمُ الرَّفعِ.
ووجهُ
جمعِ شركاءَ زيادةٌ في التَّغليظِ؛ لأنَّ مَنْ جوَّزَ الشِّركَ جوَّزَ
الشُّركاءَ، فلمَّا جعلا شريكاً فكأنَّهُمَا جعلا شركاءَ.
ذُكْرُ أقوالِ السَّلفِ في {جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ}:
وأمَّا قولُ الغيرِ: هذا عبدُ زيدٍ وهذه أمَةُ خالدٍ فجائزٌ؛ لأنَّهُ يقولُ إخباراً أو تعريفاً، وليسَ فيه مظنَّةُ الاستطالةِ) اهـ.
أمَّا العلَّةُ الأولى: فقدْ أجابَ عنهاابنُ كثيرٍ نفسُهُ بأنَّهُ لم ينفردْ عمرُ بنُ إبراهيمَ بالحديثِ حيثُ جاءَ من طريقِ المعتمرِ عن أبيهِ عن الحسنِ عن سمرةَ مرفوعاً.
وأمَّا تفسيرُ الحسنِ بغيرِ تفسيرِ الحديثِ المذكورِ فنعَمْ، وقدْ ساقَ ابنُ كثيرٍ ما وردَ عن الحسنِ من هذه الطّرقِ الثَّلاثِ، وصحَّحَهَا كما تقدَّمَ، مع أنَّ طريقَ ابنِ وكيعٍ ضعيفةٌ جدّاً؛ لما فيها من ابنِ وكيعٍ وهو سفيانُ بنُ وكيعِ بنِ الجرَّاحِ قالَ فيهِ الحافظُ في التَّقريبِ: صدوقٌ إلا أنَّهُ ابتُلِيَ بورَّاقِهِ فأدخَلَ عليهِ ما ليسَ من حديثِهِ فنُصِحَ فلم يقبلْ فسقَطَ حديثُهُ.
وفيها عمرو وهو ابنُ عبيدِ بنِ بابٍ قالَ الحافظُ أيضاً: داعيةٌ إلى بدعةٍ اتَّهَمهُ جماعةٌ.
وأمَّا الطَّريقانِ: الثَّانيةُ والثَّالثةُ إلى الحسنِ فكمَا قالَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ: (رجالُهُمَا رجالُ الصَّحيحِ، إلا أنَّ روايتَهُ مقدَّمةٌ على رأيِهِ.
وأمَّا عَنْعَنَةُ الحسنِ معَ أنَّهُ مدلِّسٌ فلا تؤثِّرُ أيضاً؛ لأنَّ الخبرَ ثبتَ عن سمرةَ موقوفاً عليهِ).
وأمَّا سماعُ الحسنِ من سمرةَ فلا يُنْكَرُ كما في البخاريِّ وغيرِهِ.
وحديثُ سمرةَ الموقوفُ أخرجَهُ ابنُ جريرٍ، قالَ: (حدَّثَنِي محمَّدُ بنُ الأعلى قال: حدثنا معمر عن أبيه قال: حدثنا أبو العلاء عن سمرة بن جندب أنَّهُ حدَّثَ أنَّ آدمَ عليه السَّلامُ سمَّى ابنَهُ عبدَ الحارثِ) إسنادُهُ صحيحٌ رجالُهُ ثقاتٌ.
قلْتُ: وبهذا التَّفسيرِ فسَّرَهَا ابنُ عبَّاسٍ - كما تقدَّمَ - وهو قولُ مجاهدٍ وعكرمةَ وقتادةَ وسعيدِ بنِ جبيرٍ والسُّديِّ وغيرِهِمْ كما نَقَلَ ذلك عنهُمْ ابنُ جريرٍ وغيرُهُ، وهو الَّذي صوّبه ابنُ جريرٍ - رحمَهُ اللهُ - بقولِهِ: (وأَوْلَى القولينِ بالصَّوابِ قولُ مَنْ قالَ: عنـَى بقولـِهِ {فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء} في الاسمِ لا في العبادةِ، وأنَّ المَعْنِيَّ بذلك آدمُ وحوَّاءُ؛ لإِجماعِ الحجَّةِ من أهلِ التَّأويلِ على ذلِكَ) اهـ.
وقالَ البغويُّ:(إنَّه قولُ السَّلفِ مثلِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ - رَضِي اللهُ عَنْهُما ومجاهدٍ وسعيدِ بنِ المسيَّبِ وجماعةٍ من المفسِّرينَ أنَّهُ في آدمَ وحوَّاءَ) اهـ.
قلْتُ: قالَ السّيوطيُّ: (وأخرجَ عبدُ بنُ حميدٍ وأبو الشَّيخِ عن أبيِّ بنِ كعبٍ قالَ: لمَّا حملَتْ حوَّاءُ وكانَ لا يعيشُ لها ولدٌ أتاهَا الشَّيطانُ، فقالَ: سمّيَاهُ عبدَ الحارثِ يعشْ لكُمَا، فسمّيَاهُ عبدَ الحارثِ، فكانَ ذلك من وحيِ الشَّيطانِ وأمرِهِ).
وأخرجَ عبدُ بنُ حميدٍ وابنُ أبي حاتمٍ وأبو الشَّيخِ عن أبيِّ بنِ كعبٍ قالَ:( لمَّا حملَتْ حوَّاءُ أتاهَا الشَّيطانُ، فقالَ: أَتُطِيعِينِي ويسلَمُ لك ولدُكِ؟
سمِّيهِ عبدَ الحارثِ فلم تفعلْ، فولَدَتْ فماتَ، ثمَّ حملَتْ فقالَ لها مثلَ ذلِكَ.
فلم تفعلْ، ثمَّ حملتِ الثَّالثَ فجاءهَا فقالَ لهَا: إنْ تُطِيعيني سَلِمَ لكِ، وإلا فإنَّهُ يكونُ بهيمةً، فهيَّبَهَا فأطاعَتْهُ).
قالَ الشَّيخُ سليمانُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ محمَّدٍ: إسنادُهُ صحيحٌ.
هذا وقدْ قالَ أبو محمَّدِ بنِ حزمٍ: (وهذا الـَّذي نسبـُوهُ إلى آدمَ عليه السَّلامُ من أنَّهُ سمَّى ابنَهُ عبدَ الحارثِ خرافةٌ موضوعةٌ مكذوبةٌ من تأليفِ مَنْ لا دينَ لهُ ولا حياءَ لم يصحَّ سندُهَا قَطُّ) اهـ.
قالَ الشَّيخُ سليمانُ في شرحِ الآيةِ رادّاً على المكذِّبينَ لهذه القصَّةِ ما نصُّهُ: (وإذا تأمـَّلـْتَ سياقَ الكلامِ من أوَّلِهِ إلى آخرِهِ معَ ما فسَّرَهُ به السَّلفُ تبيَّنَ قطعاً أنَّ ذلك في آدمَ وحوَّاءَ
عليهِمَا السَّلامُ؛ فإنَّ فيه غيرَ موضعٍ يدلُّ على ذلك، والعجبُ ممَّنْ
يكذِّبُ بهذه القصَّةِ وينسى ما جَرَى أوَّلَ مرَّةٍ ويكابرُ بالتَّفاسيرِ
المبتدَعَةِ، ويتركُ تفاسيرَ السَّلفِ وأقوالَهُمْ، وليسَ المحذورُ في هذه
القصَّةِ بأعظمَ من المحذورِ في المرَّةِ الأولى) اهـ.
قلْتُ: هذا الَّذي نُسِبَ إلى آدمَ وحوَّاءَ عليهما السَّلامُ من تسميةِ ابنِهِمَا بـ ((عبدِ الحارثِ))صحيحٌ وثابتٌ لوجوهٍ:
الأوَّلِ: أنَّهُ المتبادَرُ من ظاهرِ الآيةِ:{فَلَمَّا
أَثَقَلَت دَّعَوَا اللهَ رَبّهُمَا لَئِنَ آتَيتَنَا صَالِحاً لنكونن من
الشاكرين فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما}
الثَّاني: أنَّ الخبرَ بذلك صحَّ مرفوعاً من حديثِسمرةَ كما تقدَّمَ.
الرَّابعِ: أنَّهُ قولُ مجاهدٍ إمامِ المفسّرينَ وعكرمةَ وقتادةَ وسعيدِ بنِ جبيرٍ والسُّدِّيِّ وغيرُهُمْ كثيرٌ من السَّلفِ أئمَّةِ التَّفسيرِ.
الخامسِ: أنَّ ابنَ جريرٍ الَّذِي هو إمامُ المفسِّرينَ على مذهبِ السَّلفِ صوَّبَ هذا القولَ محتَجّاً بإجماعِ الحجَّةِ من أهلِ التَّأويلِ عليهِ،كمَا سلَفَ.
وابنُ جريرٍ هو الَّذي قالَ فيه الذَّهبيُّ: (الإِمامُ
العَلَمُ المجتهدُ … كان ثقةً صادقاً حافطاً رأساً في التَّفسيرِ إماماً
في الفقهِ والإِجماعِ والاختلافِ علَّامةً في التَّاريخِ وأيَّامِ النَّاسِ
عارفاً بالقراءاتِ وباللغةِ وغيرِ ذلك).
قالَ الآلوسِيُّ في تفسيرِ هذه الآيةِ مقرِّراً لمذهبِ السَّلفِ ما ملخَّصُهُ: (وهذه
الآيةُ عندي من المشكِلاتِ … ولا يخفى أنَّ المتبادرَ من صدرِهَا آدمُ
وحوَّاءُ، ولا يكادُ يُفهمُ غيرُهُمَا رأساً… وقدْ يُقَالُ: أخرجَ ابنُ
جريرٍ عن الحبرِ أنَّ الآيةَ نزلَتْ في تسميةِ آدمَ وحوَّاءَ ولديهِمَا
بعبدِ الحارثِ، ومثلُ ذلك لا يكادُ يُقالُ من قبلِ الرَّأيِ، وهو ظاهرٌ في
كونِ الخبرِ تفسيراً للآيةِ، وارتكابُ خلافِ الظَّاهرِ في تفسيرِهَا ممَّا
لا مخلَصَ عنهُ كما لا يخفَى على مُنْصِفٍ.
وحمَلَ ((فتَعالـَى))…
الخ على الابتداءِ ممَّا يستدعِيهِ السّباقُ والسِّياقُ، وبه صرَّحَ كثيرٌ
من أساطينِ الإِسلامِ، والذَّاهِبُونَ إلى غيرِ هذا الوجهِ نزرٌ قليلٌ
بالنِّسبةِ إلى الذَّاهبينَ إليهِ، وهم دونَهُمْ أيضاً في العلمِ والفضلِ
وشتَّانَ ما بينَ دَنْدَنَةِ النَّحلِ وألحانِ معبدٍ.
ومن هنا قالَ الطَّيبيُّ:
(إنَّ هذا القولَ أحسنُ الأقوالِ، بلْ لا قولَ غيرُهُ ولا معوَّلَ إلا
عليهِ؛ لأنَّهُ مقتبَسٌ من مَشْكَاةِ النّبوَّةِ وحضرةِ الرِّسالةِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
وأنتَ
قد علمْتَ منِّي أنَّهُ إذا صحَّ الحديثُ فهُوَ مذهَبِي، وأراهُ قدْ صحَّ؛
لذلكَ أُحْجِمُ كميتَ قلمِي عن الجريِ في ميدانِ التَّأويلِ كما جرَى
غيرُهُ، واللهُ تعالى الموفِّقُ للصَّوابِ) اهـ.
وقالَ الملكُ المؤيِّدُ صديقُ بنِ حسنٍ في الآيةِ أيضاً: (وقدْ
استشكَلَ هذه الآيةَ جمعٌ من أهلِ العلمِ؛ لأنَّ ظاهرَهَا صريحٌ في وقوعِ
الإِشراكِ من آدمَ عليه السَّلامُ، والأنبياءُ معصومُونَ عن الشِّركِ ثمَّ
اضطرُّوا إلى التَّقصِّي من هذا الإِشكالِ، فذهبَ كلٌّ إلى مذهبٍ،
واختلفَتْ أقوالُهُم في تأويلِهَا اختلافاً كثيراً حتَّى أنكرَ هذه
القصَّةَ جماعةٌ من المفسِّرينَ منهم الرَّازي وأبو السُّعودِ وغيرُهُما
…ثمَّ ذكرَ أقوالَهُمْ وقالَ: (وهذه الأقوالُ كلُّهَا متقاربةٌ في المعنى
متخالفةٌ في المبنَى، ولا يخلُو كلُّ واحدٍ منها من بُعْدٍ وتكلُّفٍ
بوجوهٍ:
الأوَّلِ: أنَّ الحديثَ المرفوعَ المتقدِّمَ يدفعُهُ، وليسَ
في واحدٍ من تلكَ الأقوالِ قولٌ مرفوعٌ حتَّى يعتمدَ عليهِ، ويُصَارُ
إليهِ، بل هي تفاسيرُ بالآراءِ المنهيِّ عنها المتوعَّدِ عليها.
الثَّالثِ: أنَّ الحديثَ صرَّحَ بأنَّ صاحبةَ القصَّةِ هي حوَّاءُ، وقولُهُ: {وَجَعَلَ مِنهَا زَوجَهَا} إنـَّما هو لحوَّاءَ دونَ غيرِهَا. فالقصَّةُ ثابتةٌ ولا وجهَ لإِنكارِهَا بالرَّأيِ المحضِ.
الرَّابعِ: أنَّ الحديثَ ليسَ فيه إلا ذكرُ حوَّاءَ،
وكانَ هذا شركاً منها في التَّسميةِ، ولم يكنْ شركاً في العبادةِ … إلى
أنْ قالَ: والحاصلُ أنَّ ما وقعَ إنَّمَا وقعَ من حوَّاءَ لا من آدمَ عليه
السَّلامُ ولم يشرِكْ آدمُ قطُّ، وعلى هذا فليسَ في الآيةِ إشكالٌ.
والذَّهابُ
إلى ما ذكرْنَاهُ متعيِّنٌ تبعاً للكتابِ والحديثِ وصوناً لجانبِ
النّبوَّةِ عن الشِّركِ باللهِ تعالى، والَّذي ذكرُوه في تأويلِ هذه الآيةِ
الكريمةِ يردُّهُ كلَّهُ ظاهرُ الكتابِ والسّنَّةِ كما تقدَّمَ، وإذا جاءَ
نهرُ اللهِ بطلَ نهرُ معقلٍ واللهُ أعلمُ) اهـ باختصارٍ.
قالَ ابنُ جريرٍ: (حدَّثَنَا محمَّدُ بنُ عبدِ الأعلى قالَ: حدَّثَنا محمَّدُ بنُ ثورٍ عن معمرٍ عن قتادةَ: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَت حَملاً خَفِيفاً} قالَ: كانَ آدمُ عليه السَّلامُ لا يُولَدُ له ولدٌ إلا ماتَ، فجاءَ الشَّيطانُ فقالَ: إنْ سرَّكَ أن يعيشَ ولدُكَ هذا فسمِّهِ ((عبدَ الحارثِ))ففعلَ، قالَ: فأشرَكَا في الاسمِ ولم يُشْرِكَا في العبادةِ.
إسنادُهُ صحيحٌ، وتقدَّمَ قولُ ابنِ جريرٍ: ((وأَوْلَى القولينِ بالصَّوابِ قولُ مَنْ قالَ: عنَى بقولِهِ: {فَلَمَّا آتاهُماَ صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُركَاءِ فِيمَا آتَاهُمَا} في الاسمِ لا في العبادةِ).
وقالَ البغويُّ: (أيْ جعلا له شريكاً؛ إذ سمَّيَاهُ عبدَ الحارثِ، ولم يكنْ هذا إشراكاً في العبادةِ، ولا أنَّ الحارثَ ربُّهُمَا؛ فإنَّ آدمَ كانَ نبيّاً معصوماً من الشِّركِ ولكنْ قُصِدَ إلى أنَّ الحارثَ سببُ
نجاةِ الولدِ وسلامةِ أمِّهِ وقدْ يُطْلَقُ اسمُ العبدِ على من يُرادُ بهِ
أنَّهُ معبودُ هذا كالرَّجلِ إذا نزلَ به ضيفٌ يسمِّي نفسَهُ عبدَ
الضَّيفِ على وجهِ الخضوعِ لا على وجهِ أنَّ الضَّيفَ ربُّهُ، ويقولُ
للغيرِ: أنَا عبدُكَ، وقالَ يوسفُ لعزيزِ مصرَ: ((إنَّهُ ربِّي)) ولم يـُرِدْ بهِ أنَّهُ معبودُهُ، كذلِكَ هذَا.
وقولُهُ تَعالَى {فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشرِكُونَ}
قيلَ: هذا ابتداءُ كلامٍ، وأرادَ بهِ إشراكَ أهلِ مكَّةَ، ولئنْ أرادَ بهِ
ما سبَقَ فمستقيمٌ من حيثُ إنَّهُ كانَ الأوْلَى بهما أن لا يفعلا ما
أَتَيَا بهِ من الإِشراكِ في الاسمِ) اهـ.
وقالَ الإيجي: (وهذا ليسَ بشركٍ حقيقيٍّ، لأنهّما ما اعتقدَا أنَّ الحارثَ ربَّه، بل قصدَا إلى أنَّهُ سبب صلاحِهِ، فسمَّاه اللهُ تعالى شركاً للتغليظِ ويكونُ لفظُ شركاء من إطلاقِ الجمعِ على الواحدِ) ا.هـ.
وقالَ المصنِّفُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ في مسائلِ هذا البابِ: (الثـَّالثةُ: أنَّ هذا الشِّركَ في مجرَّدِ تسميةٍ لم يَقْصِدْ حقيقتَهَا).
قالَ الشَّارحُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ حسنٍ على هذه العبارةِ: (قالَ
شيخُنَا رحمَهُ اللهُ: إنَّ هذا الشِّركَ في مجرَّدِ تسميةٍ لم يقصدَا
حقيقتَهُ الَّتِي يريدُهَا إبليسُ، وهو محمَلٌ حسنٌ يبيِّنُ أنَّ ما وقعَ
من الأبوين من تسميتِهِمَا ابنَهُمَا ((عبدَ الحارثِ)) إنـَّما هو مجرَّدُ تسميةٍ لم يقصدَا تعبيدَهُ لغيرِ اللهِ.
وهذا معنى قولِ قتادةَ (شركاءُ في طاعتِهِ ولم يكنْ في عبادتِهِ) اهـ.
قلْتُ: وهذا هو الصَّحيحُ - إنْ شاءَ اللهُ - لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يـَقـُلْ أحدُكُمْ عبدِي وأَمَتِي)).
قلْتُ: ويدلُّ لهذا التَّفصيلِ قولُ اللهِ تَعالَى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم والصالحين من عبادكم….} فسمـَّى اللهُ تعالى الأرقَّاءَ عبيداً للأسيادِ.
العناصر
مناسبة باب قول الله (فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء...) لكتاب التوحيد
مناسبة باب (فلما آتاهما صالحا) لما قبله من الأبواب
تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة...) الآية
- المراد بالنفس في قوله: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة)
- معنى قوله: (ليسكن إليها)
- معنى قوله: (فلما تغشاها)
- معنى قوله: (حملت حملاً خفيفاً فمرَّت به... دعوا لله ربهما)
- معنى قوله: (لئن آتيتنا صالحاً لنكونن من الشاكرين)
- بيان أقسام ما يجري صفة أو خبراً عن الرب جل وعلا
تفسير قوله تعالى: (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء ...) الآية
شرح كلام ابن حزم
- ترجمة ابن حزم الظاهري
- المراد بقول ابن حزم: (اتفقوا)
- بيان أقسام العبودية
- بيان حرمة التعبيد لغير الله تعالى، مع الاستدلال
- الجمع بين قولنا: يحرم الاسم المعبد لغير الله، وحديث: (تعس عبد الدينار...)
- الجواب عما ورد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا ابن عبد المطلب)
- الجواب عن بعض أسماء الصحابة المعبدة لغير الله
- ذكر الخلاف في التسمية بعبد المطلب
- الجواب عما ادعي من أن ابن حزم حكى الإجماع على جواز التسمية بعبد المطلب
- ترجمة عبد المطلب
شرح أثر ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (فلما آتاهما صالحاً...)
- معنى التشريك في الآية وذكر قصة آدم وحواء
- بيان أوجه بطلان قصة تعبيد آدم وحواء مولودهما لغير الله
- ترجيح صاحب (تيسير العزيز الحميد) أن المراد بقوله: (فلما آتاهما صالحاً..) آدم وحواء
شرح أثر قتادة رحمه الله
شرح أثر مجاهد
- معنى قول مجاهد: (أشفقا ألا يكون إنساناً...)
- بيان أن الصحيح عن الحسن أن المراد بالآية غير آدم وحواء
شرح مسائل باب قول الله تعالى (فلما آتاهما صالحاً...)