الدروس
course cover
باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك
26 Oct 2008
26 Oct 2008

5654

0

0

course cover
كتاب التوحيد

القسم الثامن

باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك
26 Oct 2008
26 Oct 2008

26 Oct 2008

5654

0

0


0

0

0

0

0

باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (بَابُ احْتِرَامِ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى وَتَغْيِيرِ الاِسْمِ لأَِجْلِ ذَلِكَ

عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: أَنَّهُ كَانَ يُكْنَى أَبَا الْحَكَمِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ)).
فَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ.

فَقَالَ: ((مَا أَحْسَنَ هَذَا، فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟))
قُلْتُ: شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللهِ.

قَالَ: ((فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟))
قُلْتُ: شُرَيْحٌ.
قَالَ: ((فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ))رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ.

فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى: احْتِرَامُ أَسْمَاءِ اللهِ وَصِفَاتِهِ، وَلَوْ لَمْ يُقْصَدْ مَعْنَاهُ.

الثَّانِيَةُ: تَغْيِيرُ الاِسْمِ لأِجْلِ ذَلِكَ.
الثَّالِثَةُ: اخْتِيَارُ أَكْبَرِ الأَبْنَاءِ لِلْكُنْيَةِ.

هيئة الإشراف

#2

1 Nov 2008

تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ

قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ((6) أيْ: لأجلِ احترَامِهَا، وهوَ تعظيمُها، وذلكَ مِنْ تحقيقِ التَّوحيدِ، ويُسْتَفَادُ منهُ المَنْعُ مِن التَّسَمِّي بهذا ابْتِداءً مِنْ بابِ الأَوْلَى، لكنْ في الأسماءِ المُخْتَصَّةِ باللهِ تعالى.

(7) هذا الحديثُ رَوَاهُ أبو داودَ كما قالَ المُصَنِّفُ: ورَوَاهُ النَّسائيُّ، ولَفْظُ أَبي دَاوُدَ منْ طَرِيقِ يَزِيدَ بنِ المِقْدامِ بنِ شُرَيْحٍ، عنْ أَبِيهِ، عنْ جَدِّهِ، عنْ أَبِيهِ هَانِئٍ، وهوَ أَبُو شُرَيْحٍ؛ أنَّهُ لَمَّا وَفَدَ على رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معَ قومِهِ سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بأَبِي الْحَكَمِ، فدَعاهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: ((إِنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ؟))
فَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ... الحديثَ.

قالَ ابنُ مُفْلِحٍ:(وإِسْنادُهُ جَيِّدٌ) ورَوَاهُ الحاكِمُ وَزَادَ: ((فَدَعَا لَهُ وَلِوَلَدِه)).
قولُهُ: (عنْ أَبِي شُرَيْحٍ) هوَ بضمِّ المعجمةِ وفتحِ الرَّاءِ وآخِرُهُ مُهْمَلةٌ، مُصَغَّرٌ، واسمُهُ هانِئُ بنُ يَزِيدَ الكِنْدِيُّ.
قالَ الحافِظُ: (وقِيلَ: الحارِثيُّ الضَّبَابِيُّ، قالَهُ المِزِّيُّ).
وقِيلَ: المُذْحَجِيُّ.
وقيلَ غيرُ ذلكَ، صَحابيٌّ نَزَلَ الكُوفةَ.
ولا عِبْرةَ بقولِ مَنْ قالَ: إنَّهُ الخُزَاعِيُّ، ولا مَنْ ظَنَّ أنَّهُ النَّخَعِيُّوالدُ شُرَيْحٍ القاضِي؛ فإنَّ ذلكَ خَطَأٌ فاحِشٌ.
قولُهُ: ((إِنَّهُ كَانَ يُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ)) قالَ بعضُهم: الكُنْيَةُ قدْ تَكونُ بالأَوْصَافِ؛ كأَبِي الفَضائِلِ، وأَبِي المَعالِي، وأَبِي الخَيْرِ، وأَبِي الحَكَمِ، وقدْ تَكونُ بالنِّسبةِ إلى الأولادِ؛ كأَبِي سَلَمَةَ، وأَبِي شُرَيْحٍ، وإلى ما يُلابِسُهُ؛ كأَبِي هُرَيْرَةَ؛ فإنَّهُ عليهِ السَّلامُ رَآهُ ومَعَهُ هِرَّةٌ، فكَنَّاهُ بأَبِي هُرَيْرَةَ، وقدْ تَكونُ لِلْعَلَمِيَّةِ الصِّرْفَةِ؛ كأَبِي بَكْرٍ.
قولُهُ: ((إِنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ)) أمَّا الحكَمُ فهوَ مِنْ أَسْماءِ اللهِ تَبارَكَ وتَعالَى كَمَا في هذا الحديثِ، وقدْ وَرَدَ عَدُّهُ في الأسماءِ الحُسْنَى مَقْرُونًا بالعَدْلِ، فسُبْحانَ اللهِ! ما أَحْسَنَ اقْتِرَانَ هَذَيْنِ الاسْمَيْنِ.

قالَ في (شَرْحِ السُّنَّةِ): (الحَكَمُ هوَ الحاكِمُ الذي إذا حَكَمَ لا يُرَدُّ حُكْمُهُ، وهذهِ الصِّفَةُ لا تَلِيقُ بغيرِ اللهِ تَعالَى، كَمَا قالَ تعالى: {وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}.

وقالَ بعضُهم: عَرَّفَ الخَبَرَ في الجُمْلةِ الأُولَى، وأَتَى بضَمِيرِ الفَصْلِ فدَلَّ على الحَصْرِ، وأنَّ هذا الوَصْفَ مُخْتَصٌّ بِهِ لا يَتَجَاوَزُ إلى غيْرِهِ).
وأمَّا قولُهُ: ((وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ)) أيْ: إليهِ الفَصْلُ بينَ العبادِ في الدُّنْيا والآخِرةِ، كما قالَ تعالى: {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص:88]، وقالَ: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}[الأنعام:57].
وفيهِ الدَّلِيلُ على المَنْعِ مِن التَّسَمِّي بأسماءِ اللهِ المُخْتَصَّةِ بهِ، والمَنْعِ مِمَّا يُوهِمُ عَدَمَ الاحْتِرامِ لها؛ كالتَّكَنِّي بأَبِي الْحَكَمِ ونحوِهِ.
قولُهُ: ((إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ)) أيْ: أنا لمْ أُكَنِّ نَفْسِي بهذهِ الكُنْيَةِ، وإنَّما كُنْتُ أَحْكُمُ بينَ قَوْمِي فَكَنَّوْنِي بها، وفيهِ جَوازُ التَّحاكُمِ إلى مَنْ يَصْلُحُ لِلقَضاءِ وإنْ لمْ يَكُنْ قاضِيًا، وأنَّهُ يَلْزَمُ حُكْمُهُ؛ ولِهَذَا قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَحْسَنَ هَذَا)).
قالَ الخَلْخَاليُّ:( لِلتَّعَجُّبِ؛ أي: الحُكْمُ بينَ النَّاسِ حَسَنٌ، ولكنَّ هذهِ الكُنْيَةَ غيرُ حَسَنَةٍ ).
وقالَ غيرُهُ: (أي: الَّذِي ذَكَرْتَهُ مِن الحُكْمِ بالعَدْلِ، وقِيلَ: ما أَحْسَنَ هذا؛ أيْ: ما ذَكَرْتَ مِنْ وَجْهِ الكُنْيَةِ، قالَ بعْضُهُم: وهُوَ الأَوْلَى).
قُلْتُ: فعَلَى هذا يَكونُ حُكْمُهُ لِقومِهِ قَبْلَ إِسْلامِهِ؛ إذ يَبْعُدُ أنْ يَكونَ قاضيًا لهم قبلَ أنْ يَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويَتَعَلَّمَ منهُ؛ لأنَّ هذهِ القِصَّةَ كانتْ بعدَ إسلامِهِ بقليلٍ؛ لأنَّهُ كانَ مَعَ وَفْدِ قَوْمِهِ حينَ أَسْلَمُوا وقَدِمُوا على رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ولا يُظَنُّ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَسِّنُ أَمْرَ حُكَّامِ الجاهِلِيَّةِ.

قولُهُ: (قَالَ: شُرَيْحٌ ومُسْلِمٌ وعَبْدُ اللهِ) صَرِيحٌ في أنَّ الوَاوَ لا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ، وإنَّما تَقْتَضِي مُطْلَقَ الجَمْعِ؛ فلِذَا سَأَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأَكْبَرِ؛ إذ لوْ كانتْ دَالَّةً على التَّرْتِيبِ لمْ يَحْتَجْ إلى سُؤَالٍ عنْ أَكْبَرِهم.
قولُهُ: (فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ) أيْ: رِعايَةً لِلأَكْبَرِ مِنَّا في التَّكْرِيمِ والإِجْلالِ؛ فإنَّ الكبيرَ أَوْلَى بذلكَ.
قالَ في (شَرْحِ السُّنَّةِ): (فيهِ أنْ يُكَنَّى الرَّجُلُ بأَكْبَرِ بَنِيهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لهُ ابنٌ، فبِأَكْبَرِ بَناتِهِ. وكذلكَ المَرْأَةُ تُكَنَّى بأَكْبَرِ بَنِيهَا، فإنْ لَمْ يَكُنْ لها ابنٌ فبِأَكْبَرِ بَناتِها ). انْتَهَى.
وفيهِ تَقْدِيمُ الأَكْبَرِ، وفيهِ أنَّ اسْتِعْمالَ اللَّفْظِ الشَّرِيفِ الحَسَنِ مَكْرُوهٌ في حقِّ مَنْ ليسَ كذلكَ، ومنهُ أنْ يَقُولَ المَمْلُوكُ لِسَيِّدِهِ وغيرِهِ: (رَبِّي)، نَبَّهَ عليهِ ابنُ القَيِّمِ.

هيئة الإشراف

#3

1 Nov 2008

فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ

قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ( (6) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (بابُ احترامِ أَسماءِ اللهِ وتغييرِ الاسمِ لأجلِ ذلِكَ).

(7) ((عَنْ أبي شُرَيْحٍ أَنَّهُ كانَ يُكَنَّى أبا الحَكَمِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ))

فَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي إِذا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ.

فقالَ: ((مَا أَحْسَنَ هَذا! فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟))
قُلْتُ: شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللهِ.
قالَ: ((فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟))
قُلْتُ: شُرَيْحٌ.
قالَ: ((فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ)) رَوَاهُ أبو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ)).
قولُهُ: ((عَنْ أبي شُرَيْحٍ)) قالَ في (خُلاصَةِ التَّذْهِيبِ): (هوَ أبو شُرَيْحٍ الخُزَاعِيُّ، اسْمُهُ خُوَيْلِدُ بنُ عَمْرٍو، أَسْلَمَ يومَ الفتح، لهُ عُشْرُونَ حَدِيثًا، اتَّفَقَا على حَدِيثَيْنِ، وانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بحديثٍ، ورَوَى عنهُ أبو سعيدٍ المَقْبُرِيُّ، ونافعُ بنُ جُبَيْرٍ وطائفةٌ).
قالَ ابنُ سعدٍ: (ماتَ بالمدينةِ سَنَةَ ثمانٍ وَسِتِّينَ).
وقالَ الشارحُ: (اسْمُهُ هَانِئُ بنُ يَزِيدَ الكِنْدِيُّ) قَالَهُ الحافظُ.
وَقِيلَ: الحارثُ الضَّبَابِيُّ، قالَهُ المِزِّيُّ.

قولُهُ: ((يُكَنَّى))الكُنْيَةُ ما صُدِّرَ بأبٍ أوْ أمٍّ ونحوِ ذلكَ، واللَّقَبُ ما ليسَ كذلكَ، كَزَيْنِ العابدينَ وَنَحْوِهِ.
وقولُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ)) فهوَ سبحانَهُ الحَكَمُ في الدنيا والآخرةِ، يَحْكُمُ بينَ خَلْقِهِ في الدنيا بِوَحْيِهِ الذي أَنْزَلَهُ على أنبيائِهِ وَرُسُلِهِ.

وما مِنْ قَضِيَّةٍ إلاَّ وللهِ فيها حُكْمٌ بما أَنْزَلَ على نَبِيِّهِ من الكتابِ والحكمةِ، وقدْ يَسَّرَ اللهُ معرفةَ أكثرِ ذلكَ لأكثرِ العلماءِ منْ هذهِ الأُمَّةِ؛ فإنَّها لا تَجْتَمِعُ على ضلالةٍ، فإنَّ العلماءَ وإن اخْتَلَفُوا في بعضِ الأحكامِ فلا بُدَّ أنْ يكونَ المُصِيبُ فيهم وَاحِدًا، فمَنْ رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى قُوَّةَ الفهمِ وَأَعْطَاهُ مَلَكَةً يَقْتَدِرُ بها على فَهْمِ الصوابِ منْ أقوالِ العلماءِ يَسَّرَ لهُ ذلكَ بِفَضْلِهِ وَمَنِّهِ عليهِ وَإِحْسَانِهِ إليهِ، فما أَجَلَّهَا مِنْ عَطِيَّةٍ، فَنَسْأَلُ اللهَ منْ فَضْلِهِ.
وقولُهُ: ((وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ)) فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، كما قالَ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ}[الشورى:10].
وقالَ تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:59].
فالحكمُ إلى اللهِ هوَ الحكمُ إلى كتابِهِ، والحكمُ إلى رسولِهِ هوَ الحكمُ إليهِ في حياتِهِ وإلى سُنَّتِهِ بعدَ وَفَاتِهِ.
وقدْ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلى اليَمَنِ قالَ لَهُ:

((بِمَ تَحْكُمُ؟))

قَالَ: (بِكِتَابِ الله)
قَالَ: ((فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟))
قالَ: (بِسُنَّةِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
قَالَ: ((فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟))
قَالَ: (أَجْتَهِدُ رَأْيِي)
فقالَ: ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ)).
فَمُعَاذٌ منْ أَجَلِّ علماءِ الصحابةِ بالأحكامِ ومعرفةِ الحلالِ والحرامِ، ومعرفةِ أحكامِ الكتابِ والسُّنَّةِ؛ ولهذا سَاغَ لهُ الاجتهادُ إذا لمْ يَجِدْ للقضيَّةِ حُكْمًا في كتابِ اللهِ، ولا في سُنَّةِ رسولِهِ، بِخِلاَفِ ما يَقَعُ اليومَ وَقَبْلَهُ منْ أهلِ التفريطِ في الأحكامِ مِمَّنْ يَجْهَلُ حُكْمَ اللهِ في كتابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، فَيَظُنُّ أنَّ الاجتهادَ يَسُوغُ لهُ معَ الجهلِ بأحكامِ الكتابِ والسُّنَّةِ، وهيهاتَ.

وأمَّا يومَ القيامةِ فلا يَحْكُمُ بينَ الخلقِ إلاَّ اللهُ،

إذا نَزَلَ لِفَصْلِ القضاءِ بينَ العبادِ، فَيَحْكُمُ بينَ خَلْقِهِ بِعِلْمِهِ، وهوَ الذي لا يَخْفَى عليهِ خافِيَةٌ منْ أعمالِ خَلْقِهِ {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:40].

والحكمُ يومَ القيامةِ إنَّمَا هوَ بالحسناتِ والسيِّئَاتِ، فَيُؤْخَذُ للمظلومِ من الظالمِ منْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ ظُلامَتِهِ إنْ كانَ لهُ حَسَنَاتٌ، وإنْ لمْ يَكُنْ لهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ منْ سَيِّئَاتِ المظلومِ فَطُرِحَ على سيِّئَاتِ الظالمِ، لا يَزِيدُ على هذا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، ولا يَنْقُصُ هذا عنْ حَقِّهِ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ.
قولُهُ: ((فَإِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلاَ الفَرِيقَيْنِ، فَقَالَ: ((مَا أَحْسَنَ هَذَا!)).
فالمعنَى -واللهُ أعلمُ- أنَّ أبا شُرَيْحٍ لَمَّا عَرَفَ منهُ قَوْمُهُ أنَّهُ صاحبُ إنصافٍ وَتَحَرٍّ للعدلِ بينَهُم ومعرفةِ ما يُرْضِيهِم من الجانبَيْنِ صَارَ عِنْدَهُم مَرْضِيًّا.
وهذا هوَ الصُّلْحُ؛ لأنَّ مَدَارَهُ على الرِّضَى لا على الإلْزَامِ، ولا على الكُهَّانِ وأهلِ الكتابِ من اليهودِ والنصارَى، ولا على الاسْتِنَادِ إلى أوضاعِ الجاهليَّةِ منْ أحكامِ كُبَرَائِهِم وأسلافِهِم التي تُخَالِفُ حُكْمَ الكتابِ والسُّنَّةِ، كما قدْ يَقَعُ اليومَ كثيرًا، كَحَالِ الطواغيتِ الذينَ لا يَلْتَفِتُونَ إلى حُكْمِ اللهِ ولا إلى حُكْمِ رسولِهِ، وَإِنَّمَا المُعْتَمَدُ عندَهُم ما حَكَمُوا بهِ بِأَهْوَائِهِم وآرائِهِم.
وقدْ يَلْتَحِقُ بهذا بعضُ المُقَلِّدَةِ لِمَنْ لمْ يَسُغْ تَقْلِيدُهُ، فَيَعْتَمِدُ على تَقْلِيدِهِ وَيَتْرُكُ ما هوَ الصوابُ المُوَافِقُ لأُصُولِ الكتابِ والسُّنَّةِ.

واللهُ المُسْتعَانُ.

وقولُهُ: (((فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟))
قُلْتُ: شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللهِ.
قالَ: ((فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟))
قُلتُ: شُرَيْحٌ.
قالَ: ((فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ))).
فيهِ تقديمُ الأكبرِ في الكُنْيَةِ وغيرِهَا غالِبًا.

وجاءَ هذا المَعْنَى في غيرِ ما حَدِيثٍ، واللهُ أَعْلَمُ.

هيئة الإشراف

#4

2 Nov 2008

تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (16) قولُهُ: (بابُ احترامِ أَسماءِ اللَّهِ) أيْ: وجوبِ احترامِ أسماءِ اللَّهِ؛ لأنَّ احترامَهَا احترامٌ للَّهِ عزَّ وجلَّ، ومنْ تعظيمِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، فلا يُسمَّى أحدٌ باسمٍ مختصٍّ باللَّهِ.


وأسماءُ اللَّهِ تنقسمُ إلَى قسمينِ:

الأوَّلُ: ما لا يصحُّ إلَّا للَّهِ فهذا لا يُسمَّى بهِ غيرُهُ، وإنْ سُمِّيَ وَجَبَ تغييرُهُ، مثلُ: اللَّهِ، الرَّحمنِ، ربِّ العالمينَ، وما أشبهَ ذلكَ.

الثَّاني: ما يصحُّ أنْ يوصفَ بهِ غيرُ اللَّهِمثلَ: الرَّحيمِ، والسَّميعِ، والبصيرِ، فإن لُوحِظَت الصِّفةُ مُنِعَ من التَّسَمِّي بهِ، وإن لم تُلاحَظ الصِّفةُ جاز التَّسمِّي بهِ علَى أنَّهُ عَلَمٌ مَحْضٌ.
(17) قولُهُ: (عَنْ أبي شُرَيْحٍ) هوَ هانئُ بنُ يزيدَ الكِنْديُّ، جاءَ وافدًا إلَى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ معَ قومِهِ.
وقولُهُ: (يُكَنَّى أبَا الحَكَمِ) أيْ: يُنَادَى بهِ، والكُنْيَةُ: مَا صُدِّرَ بأبٍ، أوْ أمٍّ، أوْ أخٍ، أوْ عمٍّ، أوْ خالٍ، وتكونُ للمدحِ كمَا في هذا الحديثِ، وتكونُ للذمِّ كأبي جَهْلٍ، وتكونُ لمصاحبةِ الشيءِ وملازمتِهِ كأبي هريرةَ، وتكونُ لمجرَّدِ العَلَميَّةِ كأبي بكرٍ رضِيَ اللَّهُ عنه، وأبي العبَّاسِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ رحِمَهُ اللَّهُ؛ لأنَّهُ ليسَ لَهُ وَلَدٌ.

قولُهُ: (إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وإِلَيْهِ الحُكْمُ ) هوَ الْحَكَمُ: أي المستحِقُّ أن يكونَ حاكمًا علَى عبادِهِ، وحاكمٌ بالفعلِ يدلُّ لهُ قولُهُ: (وإِلَيْهِ الحُكْمُ).
وقولُهُ: (وإِلَيْهِ الحُكمُ) الخبرُ فيهِ جارٌّ ومجرورٌ مُقدَّمٌ، وتقديمُ الخبرِ يفيد الحصرَ، وعلَى هذا يكونُ الحكمُ خاصًّا باللَّهِ سبحانَهُ.


وحُكْمُ اللَّهِ ينقسمُ إلَى قسمينِ:
الأوَّلُ: كونيٌّ، وهذا لا رادَّ لهُ، فلا يستطيعُ أحدٌ أن يَرُدَّهُ، ومنهُ قولُهُ تعالَى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}.

الثَّاني: شرعيٌّ، وينقسمُ النَّاسُ فيهِ إلَى قسمينِ:

مؤمنٍ وكافرٍ، فمَنْ رَضِيَهُ وحكَمَ بهِ فهوَ مؤمنٌ، ومَنْ لَمْ يَرْضَ بهِ، ولم يَحْكُمْ بهِ فهوَ كافرٌ، ومنهُ قولُهُ تعالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}.

وأمَّا قولُهُ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} وقولُهُ تعالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فهوَ يشملُ الكونيَّوالشَّرعيَّ، وإنْ كان ظاهرُ الآيَةِ الثَّانيَةِ أنَّ المرادَ الحكمُ الشَّرعيُّ؛ لأنَّهُ في سياقِ الحكمِ الشَّرعيِّ، والشَّرعيُّ يكونُ تابعًا للمحبَّةِ والرِّضَا، والكراهةِ والسُّخْطِ، والكونيُّ عامٌّ في كلِّ شيءٍ.

والحُكْمَ كله للَّهِ؛ لقولِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ)).
أمَّا الكونيُّ: فلا نزاعَ فيهِ بينَ أحدٍ من الخلقِ، ولا يُعارِضُ اللَّهَ أحدٌ في أحكامِهِ الكونيَّةِ.

وأمَّا الشَّرعيُّ: فهوَ مَحَكُّ الفتنةِ والامتحانِ والاختبارِ، فمَنْ شرَّعَ للنَّاسِ شرعًا سوَى شرعِ اللَّهِ، ورأَى أنَّهُ أحسنُ منْ شرعِ اللَّهِ وأنفعُ للعبادِ، أوْ أنَّهُ مُساوٍ لشرعِ اللَّهِ، أوْ أنَّهُ يجوزُ تَرْكُ شرعِ اللَّهِ إليهِ فإنَّهُ كافرٌ؛ لأنَّهُ جعلَ نفسَهُ نِدًّا للَّهِ عزَّ وجلَّ، سواءٌ في العباداتِ أو المعاملاتِ، والدَّليلُ علَى ذلكَ قولُهُ تعالَى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فدلَّت الآيَةُ علَى أنَّهُ لا أحدَ أحسنُ منْ حكمِ اللَّهِ، ولا مُساوٍ لحكمِ اللَّهِ؛ لأنَّ {أحسنَ} اسمُ تفضيلٍ: معناهُ لا يوجدُ شيءٌ في درجتِهِ، ومَنْ زعمَ ذلكَ فقدْ كذَّبَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ، قالَ تعالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.

وهذا دليلٌ علَى أنَّهُ لا يجوزُ العُدولُ عنْ شرعِ اللَّهِ إلَى غيرِهِ وأنَّهُ كفرٌ.

فإنْ قيلَ: قالَ اللَّهُ تعالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.
قلنا: قال اللَّهُ تعالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (.6) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} وهذا دليلٌ علَى كفرِهم؛ لأنَّهُ قالَ:{يَزْعُمُونَ أنَّهُم آمَنُوا} وهذا إنكارٌ لإيمانِهِم، فظاهرُ الآيَةِ أنَّهُم يَزْعُمُون بلا صدقٍ ولا حقٍّ، فقولُهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((وإِلَيْهِ الحُكْمُ)) يدلُّ علَى أنَّ مَنْ جعلَ الحكمَ لغيرِ اللَّهِ فقدْ أشْرَكَ.

فائدةٌ:

يجبُ علَى طالبِ العلمِ أن يعرفَ الفرقَ بينَ التَّشريعِ الَّذي يُجعَلُ نظامًا يُمْشَى عليهِ ويُسْتَبْدَلُ بهِ القرآنُ، وبينَ أن يُحْكَمَ في قضيَّةٍ معيَّنةٍ بغيرِ ما أنزلَ اللَّهُ، فهذا قدْ يكونُ كفرًا، أوْ فسقًا، أوْ ظلمًا.

- فيكونُ كفرًا: إذا اعتقدَ أنَّهُ أحسنُ منْ حكمِ الشَّرعِ، أوْ مماثلٌ لهُ.

- ويكونُ فسقًا: إذا كان لهوًى في نَفْسِ الحاكمِ.

- ويكونُ ظلمًا: إذا أرادَ مَضَرَّةَ الْمحكُومِ عليهِ،وظهورُ الظُّلمِ في هذه أبينُ منْ ظهورِهِ في الثَّانيَةِ، وظهورُ الفسقِ في الثَّانيَةِ أَبْيَنُ منْ ظهورِهِ في الثَّالثةِ.

وفي الحديثِ دليلٌ علَى أنَّ منْ أسمائِهِ تعالَى: (الحَكَمَ).
وأمَّا بالنِّسبةِ للعَدْلِ فقدْ وردَ عنْ بعضِ الصَّحابةِ أنَّهُ قال: (إنَّ اللَّهَ حَكَمٌ عَدْلٌ) ولا أَعْرِفُ فيهِ حديثًا مرفوعًا، ولكنَّ قولَهُ تعالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} لا شكَّ أنَّهُ متضمِّنٌ للعدلِ، بلْ هوَ متضمِّنٌ للعدلِ وزيادةٍ.
قولُهُ: ((فقال: إنَّ قَوْمي إِذا اخْتَلَفوا فِي شَيءٍ أَتَوْني)) هذا بيانٌ لسببِ تسميتِهِ بـأبي الحَكَمِ.

قولُهُ: ((ما أَحْسَنَ هَذا)) الإشارةُ تعودُ إلَى إصلاحِهِ بينَ قومِهِ، لا إلَى تَسمِيَتِهِ بهذا الاسمِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ غيَّرَهُ.

قولُهُ: ((شُرَيْحٌ، ومُسْلِمٌ، وعَبْدُ اللَّهِ)) الظَّاهرُ أنَّهُ ليسَ لهُ إلَّا الثَّلاثةُ؛ لأنَّ الولدَ في اللغةِ العربيَّةِ يشملُ الذَّكرَ والأنثَى، فلوْ كان عندَهُ بناتٌ لَعَدَّهُنَّ.

قولُهُ: ((فَأَنْتَ أبو شُريْحٍ)) غيَّرَهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لأمرينِ:
الأوَّلُ: أنَّ الحَكَمَ هوَ اللَّهُ،فإذا قيل: يا أبا الحكمِ، كأنَّهُ قيل: يا أبا اللَّهِ.

الثَّاني: أنَّ هذا الاسمَ الَّذي جُعِلَ كنيَةً لهذا الرَّجلِ لُوحِظَ فيهِ معنَى الصِّفةِ، وهيَ الحُكْمُ، فصار بذلكَ مطابقًا لاسمِ اللَّهِ، وليسَ لمجرَّدِ العَلَمِيَّةِ الْمَحضَةِ، بلْ للعَلَمِيَّةِ الْمُتضَمِّنةِ للمعنَى، وبهذا يكونُ مشارِكًا للَّهِ سبحانَهُ وتعالَى؛ ولهذا كنَّاهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بما ينبغي أن يُكَنَّى بهِ.
فيهِ مسائِلُ:

(18) الأولَى:((احْتِرامُ أَسماءِ اللَّهِ وصِفاتِهِ، وَلَوْ لَمْ يُقْصَدْ مَعْناهُ)) قولُهُ: (وَلَوْ لَمْ يُقصَدْ مَعْناهُ) هذا في النَّفسِ منهُ شيءٌ؛ لأنَّهُ إذا لم يُقصَدْ معناهُ فهوَ جائزٌ، إلَّا إذا سُمِّيَ بما لا يصحُّ إلَّا للَّهِ مثلُ: اللَّهِ، الرَّحمنِ، ربِّ العالمينَ، وما أشبهَهُ، فهذه لا تُطلَقُ إلَّا علَى اللَّهِ مهما كان، وأمَّا ما لا يختصُّ باللَّهِ فإنَّهُ يُسمَّى بهِ غيرُ اللَّهِ إذا لم يُلاحَظْ معنَى الصِّفةِ، بلْ كان المقصودُ مجرَّدَ العَلَميَّةِ فقطْ؛ لأنَّهُ لا يكونُ مطابقًا لاسمِ اللَّهِ، ولذلكَ كان في الصَّحابةِ مَنِ اسمُهُ (الْحَكَمُ) ولم يغيِّرْهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ؛ لأنَّهُ لَم يَقْصِدْ إلَّا العَلميَّةَ، وفي الصَّحابةِ من اسمُهُ (حَكيمٌ) وأقَرَّهُ النبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ.

فالَّذي يُحتَرَمُ منْ أسمائِهِ تعالَى ما يختصُّ بهِ، أوْ ما يُقْصَدُ بهِ مُلاحظةُ الصِّفةِ.
(19) الثَّانيَةُ:((تغييرُ الاسمِ لأجلِ ذلكَ)) وقدْ سبقَ الكلامُ عليهِ.

(20) الثَّالثةُ: ((اختيارُ أكبرِ الأبناءِ للكُنيَةِ)) تُؤْخَذُ منْ سؤالِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((مَا أَكْبَرُ وَلَدِكَ؟)).

قالَ: شُرَيْحٌ.

قالَ: ((فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ)).
ولا يؤخذُ من الحديثِ استحبابُ التَّكنِّي؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أرادَ أنْ يُغيِّرَ كنيتَهُ إلَى كنيَةٍ مُباحةٍ، ولم يأمرْهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن يُكَنِّيَ ابْتداءً.

هيئة الإشراف

#5

2 Nov 2008

شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ 

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (باب احترام أسماء الله تعالى، وتغيير الاسم لأجل ذلك

هذا الباب فيه الإرشاد إلى الأدب الذي يجب أن يصدر من قلب الموحد، ومن لسانه؛ فإن الموحّد:

- متأدبٌ مع الله جل جلاله.

- ومتأدب مع أسمائه.

- متأدب مع صفاته.

- متأدب مع دينه.

فلا يهزل مثلاً بشيء فيه ذكر الله، ولا يلقي الكلمةَ عن الله -جل وعلا- هكذا، دون أن يتدّبر ما فيها؛ وكذلك لا يسمّي أحداً بأسماء الله جل وعلا؛ ويغير الاسم؛ لأجل هذا.
فأسماء الله -جل وعلا- يجب احترامها، ويجب تعظيمها؛ ومن احترامها: أن يُجعل ما لا يصلح إلا لله منها لله وحده، وألا يُسمّى به البشر.
قال: (باب احترام أسماء الله تعالى) هذا الاحترام:
- قد يكون مستحبّاً من جهة الأدب.

- وقد يكون واجباً.

فأسماء الله تعالى يجب احترامها، بمعنى: يجب ألا تُمتهن؛ ويُستحب احترامها أيضاً، فيما كان من الأدب أن لا يوصف به غير الرب جل وعلا؛ وهذا راجع إلى تعظيم شعائر الله جل جلاله؛ قال سبحانه: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} وقال جل وعلا: {ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه}.

قال أهل العلم: (الشعائر: جمع شعيرة، وهي: كل ما أشعر الله بتعظيمه)

كل ما أشعَرَ الله، يعني: أعلم بتعظيمه، فهو شعيرة؛ ومما أشعر الله بتعظيمه أسماء الله جل وعلا، فيجب احترامها وتعظيمها؛ لهذا يستدل أهل العلم على وجوب ألا تُمتهن أسماء الله من جهة:

- وجودها في الجرائد.

- أو في الأوراق.

- وأن ترمى.

- أو أن توضع في أمكنة قذرة.

يستدلون على وجوب احترام ما فيه اسمٌ من أسماء الله بهاتين الآيتين، وبالقاعدة العامة في ذلك.
فإذاً: احترام أسماء الله تعالى من الأدب الذي:
- قد يكون واجباً.

- وقد يكون مستحبّاً.

وتغيير الاسم لأجل ذلك: ساق فيه هذا الحديث، وهو قوله عن أبي شريح: (أنه كان يُكنى أبا الحكم) يُكْنَى: هي الفصيحة، أما يُكَنّى: فهذه ضعيفة؛ تقول: (فلانٌ يُكْنى بكذا) أما يُكَنّى فليست بجيدة؛ لأن يُكْنى هي التي كان عليها غالب الاستعمال فيما ذكره أهل اللغة، يُكْنى أبا الحكم.

(الحكم) من أسماء الله جل وعلا، والله -جل وعلا- لم يلد، ولم يولد؛ فتكنيته بأبي الحكم غير لائقة؛ لأن (الحكم) من أسماء الله، والله -جل وعلا- لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد؛ هذا من جهة.

ومن جهةٍ أخرى: أنَّ (الحكم) وهو بلوغ الغاية في الحكم، أنَّ هذا فيما فيه فصل بين المتخاصمين: راجع إلى من له الحكم، وهو الله جل جلاله.

وأما البشر: فإنهم لا يصلحون أن يكونوا حكاماً، أو أن يكون الواحد منهم حكَماً على وجه الاستقلال؛ ولكن يكون حكماً على وجه التبع.

ولهذا أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه هذه التسمية، فقال له: ((إن الله هو الحكم)) ودخول (هو)بين لفظ الجلالة، وبين اسمه (الحكم): يدل على اختصاصه بذلك، كما هو مقرر في علم المعاني؛ لأن (هو) هذا ضمير عماد، أو ضمير فصل لا محل له من الإعراب؛ فائدته أن يُحصر، أو أن يجعل الثاني مختص بالأول.

قال: ((وإليه الحكم)) يعني: أن الحكم إليه لا إلى غيره؛ فلهذا لفظ الحَكَم الذي يفيد استغراق صفات الحُكم: هذا ليس إلا إلى الله جل وعلا.
ذاك الرجل علل، فقال: (إن قومي إذا اختلفوا في شيء، أتوني فحكمت بينهم، فرضي كلا الفرقين.
فقال: ((ما أحسن هذا)).
(ما أحسن هذا) راجع لا إلى الحُكم، راجع إلى الصلح؛ وهو أن يصلح بينهم فيرضى كلا الفريقين.
فحكم بينهم، هل حكم بينهم بالشرع؟ أم حكم بينهم بما عنده، يعني: بما يراه؟
الجواب أنه حكم بينهم بما يراه؛ ولو كان الحكم بينهم بالشرع؛ لجاز إطلاق الحَكَم على من يحكم بين المتخاصمين بالشرع؛ أما إطلاقه على الفاصل بين المتخاصمين بغير الشريعة: فإنَّ هذا مخالف للأدب.
قال: فقال: ((ما أحسن هذا، فمالك من الولد؟))

قلت: (شريح، ومسلم، وعبدالله).

قال: ((فمن أكبرهم؟)).

قلت: (شريح)

قال ((فأنت أبو شريح)).
لهذا نقول: من الأدب ألا يسمّيَ أحداً بالحكم، أو الحاكم، أو نحو ذلك؛ إلا إذا كان منفِّذاً لأحكام الله جل جلاله؛ لهذا قال سبحانه:

{وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها} سمّى المبعوث من هذا وهذا حكماً؛ لأنهما يحكمان بالشرع. فالذي يحكم بما حكم به الله، الذي هو الحكم: يُقال له: حكم؛ لأنه حكم بحكم من له الحكم، وهو الله جل جلاله؛ فيسوغ إطلاق ذلك، ولا بأس به؛ لأن الله -جل وعلا- وصف من يحكم بشرعه بأنه حاكم، والذين يحكمون بأنهم حكّام، وهم القضاة؛ قال -جل وعلا- في سورة البقرة: {وتُدْلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} قال: {وتدلوا بها إلى الحكام} وهم جمع حاكم، ساغ إطلاق ذلك لأنه يحكم بالشرع.

المقصود بذلك: أنَّ الأدب في هذا الباب، ألا يُسمّى أحد بشيء يختص الله -جل وعلا- به، ولذلك أتبع هذا الباب، الباب الذي قبله؛ لأجل هذه المناسبة.

فتسمية ملك الأملاك: مشابهة لتسمية أبا الحكم، من جهة: أن في كل منهما اشتراك في التسمية؛ لكن فيها اختلاف:

- أن أبا الحكم راجع إلى شيءٍ يفعله هو،

وهو أنه يحكم فيرضون بحكمه.

- وذاك (ملك الأملاك) ادعاء ليس له شيء؛ ولهذا كان أخنع اسم عند الله جل جلاله.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

2 Nov 2008

العناصر

بيان أهمية باب (احترام اسماء الله ..
شرح ترجمة الباب (احترام اسماء الله ...)
- أقسام أسماء الله من حيث الاختصاص
- هل من أسماء الله (العدل)
شرح حديث أبي شريح رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه كان يكنى أبا الحكم …
- تخريج حديث أبي شريح، وبيان درجته
- ترجمة أبي شريح
- بيان معنى الكنية، وأنواعها
- معنى قوله: (إن الله هو الحكم وإليه الحكم)، وما يستفاد منه
- أقسام حكم الله تعالى
- معنى قوله: (إن قومي إذا اختلفوا...) الحديث
- المراد بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحسن هذا)
- ما يستفاد من قول أبي شريح: (شريح ومسلم وعبد الله)، وبيان دلالته على أن الواو لا تقتضي الترتيب
- ما يستفاد من قوله: (فأنت أبو شريح)

شرح مسائل باب (احترام أسماء الله...)