الدروس
course cover
باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه
26 Oct 2008
26 Oct 2008

6366

0

0

course cover
كتاب التوحيد

القسم الثامن

باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه
26 Oct 2008
26 Oct 2008

26 Oct 2008

6366

0

0


0

0

0

0

0

باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (بَابُ التَّسَمِّي بِقَاضِي الْقُضَاةِ وَنَحْوِهِ

فَي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ، لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللهُ)).

قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلَ: (شَاهانْ شَاهْ).

وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ)).

قَوْلُهُ: (أَخْنَعُ) يَعْنِي أَوْضَعُ.

فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى: النَّهْيُ عَنِ التَّسَمِّي بِمَلِكِ الأَمْلاَكِ.

الثَّانِيَةُ: أَنَّ مَا فِي مَعْنَاهُ مِثْلَهُ كَمَا قَالَ سُفْيَانُ.
الثَّالِثَةُ: التَّفَطُّنُ لِلتَّغْلِيظِ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الْقَلْبَ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهُ.
الرَّابِعَةُ: التَّفَطُّنُ أَنَّ هَذَا لإَّجْلاَلِ اللهِ سُبْحَانَهُ.

هيئة الإشراف

#2

1 Nov 2008

تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ

قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ( (4) (كأَقْضَى القُضاةِ، وحاكِمِ الحُكَّامِ، أوْ سَيِّدِ النَّاسِ، ونحوِ ذلكَ)
أيْ: ما حُكْمُ التَّسَمِّي بذلكَ، هلْ يَجُوزُ أمْ لا؟

(5) قولُهُ: في (الصَّحيحِ)؛ أيْ: (الصَّحيحَيْنِ).

قولُهُ: ((إِنَّ أَخْنَعَ))، ذَكَرَ المُصَنِّفُ أنَّ مَعْناهُ: أَوْضَعَ.
وهذا التَّفْسِيرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن الإمامِ أَحْمَدَ، عنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ.
قالَ عِياضٌ: (مَعْنَاهُ أنَّهُ أَشَدُّ الأسماءِ صَغَارًا) وبنحوِ ذلكَ فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ.
والخانِعُ: الذَّلِيلُ،وخَنَعَ الرَّجلُ: ذَلَّ.

قالَ ابنُ بَطَّالٍ:(وإذا كانَ الاسمُ أَذَلَّ الأسماءِ كانَ مَنْ تَسَمَّى بهِ أَشَدَّ ذُلاًّ) وقدْ فَسَّرَ الخَلِيلُ أَخْنَعَ: أَفْجَرَ، فقالَ: (الخَنْعُ: الفُجُورُ).
وفي رِوايَةٍ: ((أَخْنَى الأَسْمَاءِ)) مِن الْخَنَا بفتحِ المُعْجَمةِ وتَخْفِيفِ النُّونِ، مَقْصُورٌ، وهوَ الفُحْشُ في القولِ.
وفي رِوايَةٍ: ((اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَلِكُ الأَمْلاَكِ)) رَواهُ الطَّبَرانِيُّ.
قولُهُ: ((رَجُلٌ يُسَمَّى)) بصِيغةِ المَجْهُولِ مِن التَّسْمِيَةِ؛ أيْ: يُدْعَى بذلكَ ويَرْضَى بهِ. وفي بعضِ الرِّواياتِ: ((تَسَمَّى)) بفتحِ الفَوْقَانِيَّةِ وتَشْدِيدِ الميمِ، ماضٍ مَعْلومٌ مِن التَّسَمِّي؛ أيْ: سَمَّى نَفْسَهُ.
قولُهُ: ((مَلِكُ الأَمْلاَكِ)) هوَ بَكَسْرِ اللامِ مِنْ مَلِكٍ، والأملاكُ جَمْعُ مَلِكٍ، ثُمَّ أَكَّدَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشْدِيدَ في تَحْرِيمِ التَّسَمِّي بذلكَ بِقولِهِ: ((لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللهُ)).

فالَّذِي تَسَمَّى بهذا الاسمِ قدْ كَذَبَ وفَجَرَ وارْتَقَى إلى ما ليسَ لهُ بأَهْلٍ، بلْ هوَ حَقِيقٌ برَبِّ العالَمِينَ؛ فإنَّهُ الْمَلِكُ في الحقيقةِ؛ فلِهذا كانَ أَذَلَّ النَّاسِ عندَ اللهِ يومَ القِيامةِ.
والفَرْقُ بينَ المَلِكِ والمالِكِ، أنَّ المالِكَ هوَ المُتَصَرِّفُ بفِعْلِهِ وأَمْرِهِ ذَكَرَهُ ابنُ القَيِّمِ.
فالَّذِي تَسَمَّى بمَلِكِ الأَمْلاكِ، أوْ مَلِكِ المُلُوكِ، قدْ بَلَغَ الغايَةَ في الكُفْرِ والكَذِبِ، ولقدْ كانَ بعضُ السَّلاطِينِ المَساكِينِ يَفْتَخِرُ بِهَذَا الاسمِ، فأَذَلَّهُ اللهُ.
قولُهُ: ((قالَ سُفْيانُ))هوَ ابنُ عُيَيْنَةَ، تَقَدَّمَت تَرْجَمَتُهُ.
قولُهُ: ((مِثلُ شَاهَانِ شَاهِ)) هوَ بكسرِ النُّونِ والهاءِ في آخِرِهِ، وقدْ تُنَوَّنُ، ولَيْسَتْ هاءَ تَأْنِيثٍ، فلا يُقالُ بالمُثَنَّاةِ أصلاً.
وإنَّما مَثَّلَ سُفْيَانُ بشَاهَانِ شاهِ؛ لأنَّهُ قدْ كَثُرَت التَّسمِيَةُ بهِ في ذلكَ العَصْرِ، فنَبَّهَ سُفْيانُ بأنَّ الاسمَ الذي وَرَدَ الخَبَرُ بِذَمِّهِ لا يَنْحَصِرُ في مَلِكِ الأملاكِ، بلْ كُلُّ ما أَدَّى معناهُ بأيِّ لِسانٍ كانَ فهوَ مرادٌ بالذَّمِّ، ذَكَرَهُ الحافِظُ.
والحديثُ صَرِيحٌ في تَحْريمِ التَّسَمِّي بمَلِكِ الأملاكِ ونحوِهِ، كمَلِكِ الملوكِ وسُلطانِ السَّلاطِينِ.
قالَ ابنُ القَيِّمِ:(لَمَّا كانَ المُلْكُ للهِ وحدَهُ، لا مَلِكَ على الحقيقةِ سِوَاهُ، كانَ أَخْنَعُ اسمٍ وأَوْضَعُهُ عندَهُ وأَبْغَضُهُ لهُ اسمَ شاهانِ شاهِ؛ أيْ: مَلِكِ الملوكِ، وسُلطانِ السَّلاطينِ؛ فإنَّ ذلكَ ليسَ لأَِحَدٍ غيرِ اللهِ، فتَسْمِيَةُ غيرِهِ بِهَذَا مِنْ أَبْطَلِ الباطلِ، واللهُ لا يُحِبُّ الباطلَ.
وقدْ أَلْحَقَ أَهْلُ العِلْمِ بِهَذَا قاضِيَ القُضاةِ، وقالُوا: ليسَ قاضِي القُضاةِ إلاَّ مَنْ يَقْضِي الحَقَّ وهوَ خيرُ الفاصِلِينَ، الذي إذا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّما يَقولُ لهُ: كُنْ، فيَكُونُ.
وَيَلِي هذا الاسمَ في القُبْحِ والكَرَاهَة والكَذِبِ سَيِّدُ النَّاسِ وسَيِّدُ الكُلِّ، وليسَ ذلكَ إلاَّ لِرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصَّةً، كما قالَ: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ)) فلا يَجوزُ لأحدٍ قَطُّ أنْ يَقولَ عنْ غيرِهِ: هوَ سَيِّدُ النَّاسِ، كما لا يَجوزُ لهُ أنْ يَقولَ: أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ عليهِ السَّلامُ).
وقالَ ابنُ أَبِي جَمْرَةَ:(يَلْتَحِقُ بمَلِكِ الأملاكِ قاضِي القُضاةِ، وإنْ كانَ قد اشْتُهِرَ في بلادِ المَشْرِقِ منْ قَدِيمِ الزَّمانِ إِطْلاقُ ذلكَ على كَبِيرِ القُضاةِ، وقدْ سَلِمَ أهلُ المَغْرِبِ منْ هذا؛ فاسمُ كَبِيرِ القُضاةِ عندَهم قاضِي الجَماعةِ.
وقدْ زَعَمَ بَعْضُ المُتَأَخِّرِينَ أنَّ التَّسَمِّيَ بقاضِي القُضاةِ ونحوِها جائِزٌ، واسْتَدَلَّ لهُ بِحديثِ: ((أَقْضَاكُمْ عَلِيٌّ)).
قالَ: فيُسْتَفَادُ منهُ أنْ لا حَرَجَ على مَنْ أَطْلَقَ على قاضٍ أنْ يَكونَ أَعْدَلَ القُضاةِ وأَعْلَمَهم في زَمانِهِ: أَقْضَى القُضاةِ، أوْ يُرِيدُ إِقْلِيمَهُ، أوْ بَلَدَهُ.
وتَعَقَّبَهُ العالِمُ العِراقيُّ فصَوَّبَ المَنْعَ، ورَدَّ ما احْتَجَّ بهِ بأنَّ التَّفْضِيلَ في ذلكَ وَقَعَ في حقِّ مَنْ خُوطِبَ بهِ، ومَنْ يَلْتَحِقُ بهم، فليسَ مُساوِيًا لإطلاقِ التَّفْضِيلِ بالأَلِفِ واللاَّمِ، قالَ: ولا يَخْفَى ما في ذلكَ مِن الجُرْأَةِ وسُوءِ الأَدَبِ، ولا عِبْرَةَ بقَوْلِ مَنْ وَلِيَ القُضاةَ، فنُعِتَ بذلكَ، فلَذَّ في سَمْعِهِ واحْتالَ في الجَوازِ؛ فإنَّ الحقَّ أَحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ).
قُلْتُ: وقدْ تَبَيَّنَ بهذا مُطَابَقَةُ الحديثِ للتَّرْجمةِ.

قولُهُ: ((وفي رِوايَةٍ: ((أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ)) هذهِ الرِّوايَةُ رَوَاها مُسْلِمٌ في (صحِيحِهِ).

قالَ ابنُ أَبِي جَمْرَةَ:(وفي الحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الأَدَبِ في كُلِّ شَيْءٍ؛ لأنَّ الزَّجْرَ عنْ مَلِكِ الأملاكِ والوَعِيدَ عليهِ يَقْتَضِي المَنْعَ منهُ مُطْلَقًا، سَواءٌ أَرَادَ مَنْ تَسَمَّى بذلكَ أنَّهُ مَلِكٌ على مُلوكِ الأَرْضِ، أمْ على بعضِها، وسَواءٌ كانَ مُحِقًّا في ذلكَ أمْ مُبْطِلاً، معَ أنَّهُ لا يَخْفَى الفَرْقُ بينَ مَنْ قَصَدَ ذلكَ وكانَ فيهِ صَادِقًا، ومَنْ قَصَدَهُ وكان فيهِ كاذِبًا).
قُلْتُ: يَعْنِي أنَّ الثَّانِيَ أَشَدُّ إِثْمًا مِن الأوَّلِ.

هيئة الإشراف

#3

1 Nov 2008

فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ

قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ( (4) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (بابُ التَّسَمِّي بِقَاضِي القُضَاةِ وَنَحْوِهِ
ذَكَرَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ هذهِ الترجمةَ إشارةً إلى النَّهْيِ عن التَّسَمِّي بقاضِي القضاةِ قِيَاسًا على ما في حديثِ البابِ؛ لِكَوْنِهِ يُشْبِهُهُ في المعنَى، فَيُنْهَى عنهُ.
(5) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: ((فِي(الصَّحيحِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاَكِ، لاَ مَالِكَ إِلاَّ اللهُ)) )).

قال سُفْيَانُ: مثلُ: (شَاهَانِ شَاهِ) أنَّ هذا اللفظَ إنَّمَا يَصْدُقُ على اللهِ تَعَالَى، فهوَ مَلِكُ الأَمْلاَكِ، لا مَلِكَ أَعْظَمُ ولا أَكْبَرُ منهُ، ومالِكُ المُلْكِ ذُو الجلالِ والإِكرامِ.

وكلُّ مُلْكٍ يُؤْتِيهِ اللهُ مَنْ يشاءُ منْ عبادِهِ فهوَ عَارِيَةٌ يَسْرُعُ رَدُّهَا إلى المُعِيرِ، وهوَ اللهُ تَعَالَى، يَنْزِعُ المَلِكَ مِنْ مُلْكِهِ تَارَةً، وَيَنْزِعُ المُلْكَ منهُ تَارَةً، فَيَصِيرُ لا حقيقةَ لهُ سِوَى اسمٍ زالَ مُسَمَّاهُ.

وَأَمَّا رَبُّ العَالَمِينَ فَمُلْكُهُ دائمٌ كاملٌ لا انتهاءَ لهُ، بِيَدِهِ الْقِسْطُ يَخْفِضُهُ وَيَرْفَعُهُ؛ يَحْفَظُ على عبادِهِ أعمالَهُم بِعِلْمِهِ سبحانَهُ وتَعَالَى، وما تَكْتُبُهُ الحَفَظَةُ عليهم، فَيُجَازِي كلَّ عاملٍ بِعَمَلِهِ، إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ، كَمَا وَرَدَ في الحديثِ: ((اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ الأَمْرُ كُلُّهُ، أَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ)).

قولُهُ: ((قالَ سُفْيَانُ)) يَعْنِي: ابنُ عُيَيْنَةَ، ((مِثْلُ شَاهَانِ شَاهِ)) عندَ العَجَمِ عبارةٌ عنْ مَلِكِ الأَمْلاَك، ولهذا مَثَّلَ بهِ سفيانُ؛ لأنَّهُ عبارةٌ عنهُ بِلُغَةِ العَجَمِ.

قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (وفي روايَةٍ: ((أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ))).

قولُهُ: ((أخْنَعَ)) يعني: (أَوْضَعَ)

قولُهُ : ((أَغْيَظُ)) من الغيظِ وهوَ مِثْلُ الغَضَبِ والبُغْضِ، فيكونُ بَغِيضًا إلى اللهِ مَغْضُوبًا عليهِ، واللهُ أَعْلَمُ.

قولُهُ: ((وَأَخْبَثُهُ)) وهوَ يَدُلُّ أيضًا على أنَّ هذا خبيثٌ عندَ اللهِ، فَاجْتَمَعَتْ في حَقِّهِ هذهِ الأمورُ؛ لِتَعَاظُمِهِ في نَفْسِهِ، وَتَعْظِيمِ الناسِ لهُ بهذهِ الكلمةِ التي هِيَ منْ أَعْظَمِ التعظيمِ.

فَتَعَظُّمُهُ في نَفْسِهِ وَتَعْظِيمُ الناسِ لهُ بِمَا لَيْسَ لهُ بِأَهْلٍ وَضَعَهُ عندَ اللهِ يومَ القيامةِ، فَصَارَ أَخْبَثَ الخلقِ وَأَبْغَضَهُم إلى اللهِ وَأَحْقَرَهُم؛ لأنَّ الخبيثَ البغيضَ عندَ اللهِ يكونُ يومَ القيامةِ أَحْقَرَ الخلقِ وَأَخْبَثَهُم؛ لِتَعَاظُمِهِ على خَلْقِ اللهِ بِنِعَمِ اللهِ.

قولُهُ: ((أَخْنَعَ)) يَعْنِي: أَوْضَعَ، هذا هوَ معنى ((أَخْنَعَ)) فَيُفِيدُ ما ذَكَرْنَا في معنَى (أَغْيَظَ) أنَّهُ يكونُ حَقِيرًا بَغِيضًا عنْدَ اللهِ.

وفيهِ التحذيرُ منْ كلِّ ما فيهِ تَعَاظُمٌ. كَمَا أَخْرَجَ أبو داودَ عنْ أبي مِجْلَزٍ قالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى ابنِ الزُّبَيْرِ وَابنِ عَامِرٍ، فَقَامَ ابنُ عَامِرٍ وَجَلَسَ ابنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لاِبْنِ عَامِرٍ: اجْلِسْ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) أَخْرَجَهُ الترمذيُّ أيضًا وقالَ: (حَسَنٌ).

وعنْ أبي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا عَلَى عَصًا، فَقُمْنَا إِلَيْهِ، فقالَ:((لاَ تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ الأَعَاجِمُ؛ يُعَظِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا)) رَوَاهُ أبو دَاوُدَ.

وقولُهُ: ((أَغْيَظُ رَجُلٍ)) هذا من الصفاتِ التي تُمَرُّ كما جَاءَتْ، وليسَ شَيْءٌ مِمَّا وَرَدَ في الكتابِ والسُّنَّةِ إلاَّ وَيَجِبُ اتِّبَاعُ الكتابِ والسُّنَّةِ في ذلكَ وَإِثْبَاتُهُ على وجهٍ يَلِيقُ بجلالِ اللهِ وعظمتِهِ تَعَالَى، إِثْبَاتًا بلا تَمْثِيلٍ، وَتَنْزِيهًا بلا تَعْطِيلٍ كما تَقَدَّمَ، والبابُ كُلُّهُ واحدٌ، وهذا هوَ قولُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ من الصحابةِ والتابعينَ فمَنْ بَعْدَهُم من الفرقةِ النَّاجِيَةِ من الثلاثِ والسبعينَ فِرْقَةً.

وهذا التَّفَرُّقُ والاختلافُ إنَّمَا حَدَثَ في أواخرِ القرنِ الثالثِ وما بَعْدَهُ كما لا يَخْفَى على مَنْ لهُ معرفةٌ بما وَقَعَ في الأُمَّةِ من التَّفَرُّقِ والاختلافِ والخروجِ عن الصراطِ المستقيمِ، واللهُ المُسْتَعَانُ.

هيئة الإشراف

#4

1 Nov 2008

القول السديد للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (2) وهاتانِ التَّرجمتانِ مِن فروعِ البابِ السابقِ، وهو أنَّه يجبُ أنْ لا يُجْعَلَ للهِ نِدٌّ في النِّيَّاتِ والأقوالِ والأفعالِ.
فلا يُسَمَّى أَحَدٌ باسِمٍ فيه نَوْعُ مشارَكةٍ للهِ في أسمائِه وصفاتِه:

- كقاضِي القضاةِ.

- ومَلِكِ الملوكِ ونحوِها.
- وحاكمِ الحكَّامِ.
- أو بأبي الحَكَمِ ونحوِه.
وكلُّ هذا حِفْظٌ للتَّوحيدِ ولأسماءِ اللهِ وصفاتِه، ودَفْعٌ لوسائلِ الشركِ حتَّى في الألفاظِ الَّتي يُخْشَى أنْ يُتدرَّجَ مِنها إلى أنْ يُظنَّ مشاركةُ أحدٍ للهِ في شيءٍ مِن خصائِصِه وحقوقِه.

هيئة الإشراف

#5

1 Nov 2008

تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (8) قولُهُ: (بابُ التَّسمِّي بقاضِي القُضاةِ ) أيْ: وضْعُ الشَّخصِ لنفسِهِ هذا الاسمَ، أوْ رضاهُ بهِ منْ غيرِهِ.

قولُهُ: (قاضِي القُضاةِ) قاضي: بمعنَى: حاكمٍ، والقضاةُ: أي: الحكَّامُ، و(أل) للعمومِ.

والمعنَى التَّسمِّي بحاكمِ الحكَّامِ ونحوِهِ، مثلِ مَلِكِ الأَمْلاكِ، وسلطانِ السَّلاطينِ، وما أشبَهَ ذلكَ، ممَّا يدلُّ علَى النُّفوذِ والسُّلطانِ؛ لأنَّ القاضيَ جمعَ بينَ الإلزامِ والإفتاءِ، بخلافِ العالِم فهوَ لا يُلزِمُ.
ولهذا قالوا: (القاضي جمعَ بينَ الشَّهادةِ والإلزامِ والإفتاءِ) فهوَ يَشْهَدُ أنَّ هذا الحكمَ حكمُ اللَّهِ، وأنَّ الحقَّ للمحكومِ لهُ علَى المحكومِ عليهِ، ويُفْتي أيْ: يخبرُ عنْ حكمِ اللَّهِ وشرعِهِ، ويُلزِم الخَصْمَيْنِ بما حكَمَ بهِ.


ومناسبةُ البابِ لكتابِ التَّوحيدِ:
إنَّ مَنْ تسمَّى بهذا الاسمِ فقدْ جعلَ نفسَهُ شريكًا معَ اللَّهِ فيما لا يستحقُّهُ إلَّا اللَّهُ؛ لأنَّهُ لا أَحَدَ يستحقُّ أن يكون قاضيَ القضاةِ، أوْ حَكَمَ الحكَّامِ، أوْ ملكَ الأملاكِ إلَّا اللَّهُ سبحانه وتعالَى، فاللَّهُ هوَ القاضي فوقَ كلِّ قاضٍ، وهوَ الَّذي لهُ الحكمُ ويُرجَعُ إليهِ الأمرُ كلُّهُ، كما ذكَرَ اللَّهُ ذلكَ في القرآنِ.
وقدْ تقدَّمَ أنَّ قضاءَ اللَّهِ ينقسمُ إلَى قسمينِ:
أحدهما: القضاء كَوْنيٍّ.
والآخر: القضاء شَرعيٍّ.
والقضاءُ الكونيُّ لا بدَّ منْ وقوعِهِ، ويكون فيما أحَبَّ اللَّهُ وفيما كرِهَهُ، قال تعالَى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ}.
فهذا قضاءٌ كونيٌّ متعلِّقٌ بما يَكْرَهُهُ اللَّهُ؛ لأنَّ الفسادَ في الأرضِ لا يحبُّهُ اللَّهُ، واللَّهُ لا يحبُّ المفسدينَ، وهذا القضاءُ الكونيُّ لا بدَّ أن يقعَ ولا مُعارِضَ لهُ إطلاقًا.
وأمَّا النَّوعُ الثَّاني : من القضاءِ وهوَ القضاءُ الشَّرعيُّ فمثلُ قولِهِ تعالَى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.
والقضاءُ الشَّرعيُّ لا يَلزمُ منهُ وقوعُ الْمَقضيِّ، فقدْ يقعُ وقدْ لا يقعُ، ولكنَّهُ يتعلَّقُ بما يحبُّهُ اللَّهُ، وقدْ سبق الكلامُ علَى ذلكَ.
فإنْ قلتَ : إذا أَضَفْنَا القُضاةَ وحصَرْناها بطائفةٍ معيَّنةٍ، أوْ ببلدٍ معيَّنٍ، أوْ بزمانٍ معيَّنٍ، مثلُ أن يُقالَ: قاضي القضاةِ في الفقهِ، أوْ قاضي قضاةِ المملكةِ العربيَّةِ السّعوديَّةِ، أوْ قاضي قضاةِ مصرَ، أو الشَّامِ، أوْ ما أشبهِ ذلكَ، فهلْ يجوزُ هذا؟
الجوابُ: هذا جائزٌ؛ لأنّه مقيَّدٌ، ومعلومٌ أنَّ قضاءَ اللَّهِ لا يتقيَّدُ، فحينئذٍ لا يكونُ فيهِ مشاركةٌ للَّهِ عزَّ وجلَّ، علَى أنَّهُ لا ينبغي أيضًا أن يتسمَّى الإنسانُ أوْ يُسَمِّيَ بذلكَ وإن كان جائزًا؛ لأنَّ النَّفسَ قدْ تَصْعُبُ السَّيطرةُ عليها فيما إذا شعرَ الإنسانُ بأنَّهُ موصوفٌ بقاضي قضاةِ النَّاحيَةِ الفلانيَّةِ، فقدْ يَأْخُذُهُ الإعجابُ بالنَّفسِ، والغرورُ حتَّى لا يقبلَ الحقَّ إذا خالفَ قولَهُ، وهذه مسألةٌ عظيمةٌ لها خطرُهَا إذا وصلَتْ بالإنسانِ إلَى الإعجابِ بالرَّأيِ، بحيثُ يرَى أنَّ رأيَهُ مفروضٌ علَى مَنْ سواهُ.
فإنَّ هذا خطرٌ عظيمٌ، فمعَ القولِ بأنَّ ذلكَ جائزٌ لا ينبغِي أنْ يقبلَهُ اسمًا لنفسِهِ، أوْ وصفًا لهُ، ولا أن يتسمَّى بهِ.
فإذا قُيِّدَ بزمانٍ، أوْ مكانٍ ونحوِهما قلنا: إنَّهُ جائزٌ، ولكنَّ الأفضلَ ألا يفعلَ؛ لكن إنْ قُيِّدَ بفنٍّ من الفنونِ: هلْ يكونُ جائزًا؟
مُقتضَى التَّقييدِ أن يكونَ جائزًا، لكن إنْ قُيِّدَ بالفقهِ، بأنْ قيلَ: (عالِمُ العُلماءِ في الفقهِ) وقلنا: إنَّ الفقهَ يَشْمَلُ أصولَ الدِّينِ وفروعَهُ، علَى حدِّ قولِ الرَّسولِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((مَنْ يُردِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفقِّهْهُ فِي الدِّينِ))صار فيهِ عمومٌ واسعٌ، ومعنَى هذا أنَّ مرجعَ النَّاسِ كلِّهِم في الشَّرعِ إليهِ، فهذا في نفسي منهُ شيءٌ، والأَوْلَى التنَزُّهُ عنه.
وأمَّا إنْ قُيِّدَ بقبيلةٍ: فهوَ جائزٌ، لكن يجبُ معَ الجوازِ مراعاةُ جانبِ الموصوفِ حتَّى لا يغترَّ ويُعجَبَ بنفسِهِ، ولهذا قال النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ للمادحِ: ((قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ)).
وأمَّا التَّسمِّي بـ(شيخِ الإسلامِ) مثلُ أنْ يُقالَ: شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ، أوْ شيخُ الإسلامِ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ؛ أيْ: أنَّهُ الشَّيخُ المطلقُ الَّذي يرجعُ إليهِ الإسلامُ، فهذا لا يمكنُ أن يصحَّ؛ إذ إنَّ أبا بكرٍ رضيَ اللَّهُ عنه أحقُّ بهذا الوصفِ، لأنَّهُ أفضلُ الخلقِ بعدَ النَّبيِّينَ، ولكن إذا قُصِدَ بهذا الوصفِ أنَّهُ جدَّدَ في الإسلامِ، وحصلَ لهُ أثرٌ طيِّبٌ في الدِّفاعِ عنه، فلا بأسَ بإطلاقِهِ.
وأمَّا بالنِّسبةِ للتَّسمِّي بـ(الإمامِ) فهوَ أهونُ بكثيرٍ من التَّسمِّي بـ(شيخِ الإسلامِ) لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ سَمَّى إمامَ المسجدِ إمامًا، ولوْ لم يكنْ عندَهُ إلَّا اثنانِ.
لكن ينبغِي أن يُنَبَّهَ أنَّهُ لا يُتَسامَحُ في إطلاقِ كلمةِ إمامٍ إلَّا علَى مَنْ كان قدوةً ولهُ أتباعٌ، كالإمامِ أحمدَ،والبخاريِّ،ومسلمٍ، وغيرِهِم ممَّنْ لهُ أثرٌ في الإسلامِ؛ لأنَّ وصفَ الإنسانِ بما لا يستحقُّ هضمٌ للأمَّةِ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا تصوَّرَ أنَّ هذا إمامٌ، وهذا إمامٌ، هان الإمامُ الحقُّ في عينِهِ.
قال الشَّاعرُ:

ألــَم تــَرَ أنَّ الـــسَّيـفَ يــنـــقـُصُ قـَدْرُهُ إذا = قيلَ: إنَّ السَّيفَ أمْضَى مِنَ العَصَا

ومن ذلكَ أيضًا (آيَةُ اللَّهِ، حجَّةُ اللَّهِ، حجَّةُ الإسلامِ) فإنَّهَا ألقابٌ حادثةٌ لا تنبغي؛ لأنَّهُ لا حُجَّةَ للَّهِ علَى عبادِهِ إلَّا الرَّسلَ.

وأمَّا (آيَةُ اللَّهِ) فإنْ أُريدَ المعنَى الأعمُّ فلا مدحَ فيهِ؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ آيَةٌ للَّهِ، كما قيلَ:

وفي كُلِّ شيءٍ لَهُ آيَة = تَدلُّ عَلَى أنَّهُ واحِدُ
وإنْ أُريدَ المعنَى الأخصُّ أيْ: أنَّ هذا الرَّجُلَ آيَةٌ خارقةٌ فهذا في الغالبِ يكون مُبالَغًا فيهِ، والعبارةُ السَّليمةُ أن يُقالَ: عالِمٌ، مفتٍ، قاضٍ، حاكمٌ، إمامٌ، لمَن كان مستحقًّا لذلكَ.

(9) قولُهُ: ((إنَّ أَخنَعَ اسمٍ)) أيْ: أوضعَ اسمٍ، والمرادُ بالاسمِ المسمَّى، فَأَوضَعُ اسمٍ عندَ اللَّهِ رجلٌ تَسَمَّى: مَلِكَ الأمْلاكِ؛ لأنَّهُ جعلَ نفسَهُ في مرتبةٍ عليا، فالملوكُ أعلَى طبقاتِ البشرِ منْ حيثُ السُّلطةُ، فجعَل مرتبتَهُ فوقَ مرتبتِهِم، وهذا لا يكونُ إلَّا للَّهِ عزَّ وجلَّ، ولهذا عُوقِبَ بنقيضِ قصدِهِ فصارَ أوضعَ اسمٍ عندَ اللَّهِ، إذ قصدُهُ أن يَتَعَاظَمَ حتَّى علَى الملوكِ فأُهِينَ.

ولهذا أحبُّ اسمٍ عندَ اللَّهِ ما دَلَّ علَى التَّذلُّلِ والخضوعِ، مثلُ: عبدِ اللَّهِ، وعبدِ الرَّحمنِ، وأبغضُ اسمٍ عندَ اللَّهِ ما دلَّ علَى الجَبَرُوتِ والسُّلطةِ والتَّعظيمِ.

قولُهُ: ((لا مَالِكَ إلَّا اللَّهُ)) أيْ: لا مالكَ علَى الحقيقةِ المُلْكَ المطلقَ إلَّا اللَّهُ، وأيضًا لا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ عزَّ وجلَّ؛ ولهذا جاءت آيَةُ الفاتحةِ بقراءتين {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لكي يَجْمَعَ بينَ المَلِكِ وتمامِ السُّلطانِ، فهوَ سبحانَهُ مَلِكٌ مَالِكٌ، مَلِكٌ ذو سلطةٍ وعظمةٍ وقولٍ نافذٍ، ومالكٌ: متصرِّفٌ مدبِّرٌ لجميعِ مملكتِهِ.
فاللَّهُ لهُ الخلقُ والملكُ والتَّدبيرُ، فلا خالقَ إلَّا اللَّهُ، ولا مدبِّرَ إلَّا اللَّهُ، ولا مالكَ إلَّا اللَّهُ، قال تعالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} فالاستفهامُ بمعنَى النَّفيِ، وقدْ أُشْرِبَ معنَى التَّحدِّي؛ أيْ: إنْ وجَدْتُموهُ فهاتوهُ، وقال تعالَى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} فيها توكيدٌ وحصرٌ، وهذا دليلُ انفرادِهِ بالخَلْقِ، وقال تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} فـ{الَّذينَ} اسمٌ موصولٌ يشملُ كلَّ مَنْ يُدْعَى مِنْ دونِ اللَّهِ، {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} وهذا علَى سبيلِ المبالغةِ، وما كان علَى سبيلِ المبالغةِ فلا مفهومَ لهُ كثرةً أوْ قلَّةً.
وقال تعالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، وقال تعالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ}، وهذا دليلُ انفرادِهِ بالملكِ، وقال تعالَى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}، وقالَ تعالَى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ}.
وليعلم أنه ليسَ كلُّ مَلِكٍ مالِكًا، وليسَ كلُّ مالِكٍ مَلِكًا، فقدْ يكونُ الإنسانُ مَلِكًا، ولكنَّهُ لا يكونُ بيدِهِ التَّدبيرُ، وقدْ يكونُ الإنسانُ مالكًا ويتصرَّفُ فيما يملكُهُ، فالْمَلِكُ مَنْ مَلَكَ السُّلطةَ المطلقةَ، لكنْ قدْ يملكُ التصرُّفَ فيكونُ ملِكًا مالكًا، وقدْ لا يملِكُ فيكونُ ملكًا وليسَ بمالكٍ،أمَّا المالكُ فهوَ الَّذي لهُ التَّصرُّفُ بشيءٍ معيَّنٍ كَمالِكِ البيتِ، ومالكِ السَّيَّارةِ، وما أشبهَ ذلكَ، فهذا ليسَ بِمَلِكٍ، يعني: ليسَ لهُ سلطةٌ عامَّةٌ.
(10) قولُهُ: ((قالَسفيانُ (هوَ ابنُ عُيَيْنَةَ ) مِثلُ شَاهَان شَاهُ)) وهذا باللُّغةِ الفارسيَّةِ، فشاهان جمعٌ بمعنَى: أملاكٍ، وشاهُ مُفْرَدٌ بمعنَى: مَلِكٍ، والتقديرُ: أمْلاك مَلِك، أيْ: مَلِكُ الأمْلاكِ، لكنَّهم في اللُّغةِ الفارسيَّةِ يُقَدِّمون المضافَ علَى المضافِ إليهِ، مثلَ: غلامُ محمَّدٍ، يقولون: محمَّد غلام.
(11) قولُهُ: وفي روايَةٍ: ((أغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ وأخْبَثُهُ))أغيظُ: من الغيظِ وهوَ الغضبُ؛ أيْ: إنَّ أغضبَ شيءٍ عندَ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - وأخبَثَهُ هوَ هذا الاسمُ، وإذا كان سببًا لغضبِ اللَّهِ وخبيثًا فإنَّهُ من الكبائرِ.
وقولُهُ: (أغْيَظُ) فيهِ إثباتُ الغيظِ للَّهِ عزَّ وجلَّ، فهيَ صفةٌ تليقُ باللَّهِ عزَّ وجلَّ، كغيرِهَا من الصِّفاتِ، والظَّاهرُ: أنَّها أشدُّ من الغضبِ.

قال في (قرة عيون الموحدين) ص211: (وهذا المذكور ينافي كمال التوحيد الذي دلت عليه كلمة الإخلاص؛ فيكون فيه شائبة من الشرك وإن لم يكن أكبرا) .

فِيهِ مسائلُ:
(12) الأُولَى: (النَّهيُ عن التَّسَمِّي بمَلِكِ الأَمْلاكِ) وتُؤخذُ منْ قولِ الرَّسولِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((إنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَجُلٌ تَسَمَّى: مَلِكَ الْأَمْلَاكِ)) والمؤلِّفُ يقول: (النَّهيُ عن التَّسمِّي.. ) والنَّهيُ شرعًا لا يُستفادُ من الصِّيغةِ المعيَّنةِ المعروفةِ فحسْبُ، بلْ إذا ورد الذمُّ عليهِ، أوْ سُبَّ فاعلُهُ، أوْ ما أشبَهَ ذلكَ فإنَّهُ يفيدُ النَّهيَ، وصيغةُ النَّهيِ هيَ المضارعُ المقرونُ بـ(لا) النَّاهيَةِ، مثلَ: لا تفعلْ، ولكن إذا كان هناكَ ذمٌّ، أوْ وعيدٌ، أوْ ما أشبهَ ذلكَ فهوَ متضمِّنٌ للنَّهيِ وزيادةٍ.
(13) الثَّانِيَةُ: (أنَّ ما في مَعناهُ مِثلُهُ، كما قالَ سُفيانُ) والَّذي معناهُ: قاضي القضاةِ، وحاكمُ الحكَّامِ: وشاهان شاهُ، في الفارسيَّةِ.

(14) الثالثةُ: (التَّفَطُّنُ للتَّغليظِ في هذا ونَحْوِهِ معَ القَطْعِ بأنَّ القلبَ لَمْ يَقْصِدْ معناهُ) أيْ: إذا سمَّينْا شخصًا بقاضي القضاةِ، أوْ حاكمِ الحكَّامِ، وهوَ ليسَ كذلكَ، بلْ هوَ منْ أجهلِ القضاةِ، ومنْ أضعفِ الحكَّامِ، جمَعْنا بينَ أمرينِ، بينَ الكذبِ والوقوعِ في اللفظِ المنهيِّ عنه، وأمَّا إذا كان أعلمَ أهلِ زمانِهِ، أوْ أعلمَ أهلِ مكانِهِ، ويرجعُ القضاةُ إليهِ، فهذا -وإنْ كان القولُ مُطابِقًا للواقعِ- لكنَّهُ منهيٌّ عنه، معَ أنَّ القلبَ لم يَقْصِدْ معناهُ.
(15) الرَّابعةُ: (التَّفطُّنُ أنَّ هذا لأَجْلِ اللَّهِ سُبْحانَهُ)يُؤخَذُ منْ قولِهِ: ((لا مالِكَ إلَّا اللَّهُ)) فالرَّسولُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم أشارَ إلَى العلَّةِ وهيَ: ((لا مَالِكَ إِلا اللَّهُ)) فكيفَ تقولُ: ملكُ الأملاكِ، وهوَ لا مالكَ إلَّا اللَّهُ عزَّ وجلَّ.

هيئة الإشراف

#6

1 Nov 2008

شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ 

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: ( (باب التسمّي بقاضي القضاة ونحوه) التوحيد يقتضي مِنْ الموحد المؤمن بالله جل وعلا:

- أنْ يعظمه.

- وأن لا يجعل مخلوقاً في منزلة الله -جل وعلا- فيما يختص به.

- وتارة يُجعل المخلوق في منزلة الله لشبهةِ وصفٍ قام به، أو شيءٍ يكون عليه؛ ككون القاضي هو رئيس القضاة، أو أعلم القضاة؛ فيُجعل في اللفظ والتسمية قاضياً للقضاة.

فلهذا نبّه الشيخ - رحمه الله - على أن التسمي بالأسماء التي معناها إنما هو لله جل جلاله، أنَّ هذا لا يجوز.
والتوحيد يقتضي:
- ألا يوصف بها إلا الله.
- وألا يُسمّى بها إلا الله جل وعلا.

فتسمية غير الله بتلك الأسماء التي ستأتي: لا تجوز، ومحرم؛ بل هي أخنع الأسماء، وأوضع تلك الأسماء، وأبغض الأسماء إلى الله جل جلاله.


قال: (باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه) قوله: (التسمي) يشمل ما إذا سمّى نفسه، أو سماه غيره به فرضي.

أما إذا سمّاه غيره به، فلم يرض: فإنه لا يدخل في الذم؛ لعدم الرضا؛ فإذا سُمّي بذلك، فيلحق الوعيدُ المسمّي، ومن رضي بذلك الاسم.
(بقاضي القضاة ونحوه)


ونحو قاضي القضاة، مثل:

- ملك الأملاك.

- شاهان شاه، ونحو ذلك.


القضاة كثيرون قاضي القضاة: هو الذي يقضي بين القضاة.

تقول: قاضي المسلمين، يعني: الذي يقضي بين المسلمين.
قاضي الرياض، يعني: الذي يقضي في الخصومات التي بين أهل الرياض.
فقاضي القضاة: لفظٌ حقيقة معناه الذي يقضي بين القضاة، وهذا إنما هو لله جل جلاله، هو الذي يقضي بين العباد، بين القضاة وبين العبيد؛ فهو قاضي القضاة على الحقيقة سبحانه وتعالى، فيخبرُ عنه بذلك؛ لأن قاضي القضاة ليست من أسماء البشر؛ فالذي يقضي بين القضاة هو الله جل جلاله.
والذين أطلقوا هذه التسمية على كبير القضاة، أو على كبير العلماء: لا يعنون بها أن ذاك يقضي بين القضاة؛ وإنما يعنون بها: أنه وصل إلى مرتبةٍ في القضاء؛ أو في العلم أعلى من درجة القاضي؛ فصار قاضي القضاة، كما شاع في الزمن المتأخر في الدولة العثمانية: أنهم يسمون المفتي: (شيخ الإسلام) ووكيل المفتي: (وكيل شيخ الإسلام) تسمية خاصة.

وهذا انتشر في بلاد المسلمين، أعني: التسمية بقاضي القضاة ونحوه، من نحو القرن الرابع الهجري إلى أوقات متأخرة قريبة من هذا الزمان.


فإذاً: الواجب على العبد ألا يجعل هذه التسميةَ جاريةً على لسانه، ولا أن يرضى بها.

كذلك: مالك الأملاك، أو شاهان شاه، يعني: ملك الأملاك؛ هذا فيه تسمية البشر بما يختص بالله؛ فإن الأملاك الذي يملكها هو الله جل وعلا، والأملاك واسعة، وإنما البشر يُطلق عليه أنه مالك للشيء المعين، وليس مالكاً لكل شيء؛ فالذي يملك كلَّ شيءٍ هو الله وحده، والبشر يملكون بالإضافة بعض الأشياء.

وكذلك: المُلك ـ بالضم ـ وهو نفاذ الأمر والسيطرة؛ فإنه يكون في بعض الأرض، وليس في كل الأرض؛ فالذي يملك، يقال عنه: (مَلِك) أو (مالك) إذا كان يملك مِلْكاً، أو مَلِك: إذا كان يملك مُلْكاً، بمعنى: نفاذ الأمر؛ ويضاف إلى بقعته، فيقال: (مَلِك المملكة العربية السعودية)، (ملك الأردن) ونحو ذلك.

وأما الإطلاق العام:

- مَلِك الأملاك.

- أو شاهان شاه.


فإن الأملاك:

منها: ما هو على الأرض.
ومنها : غير ذلك.

وهذا إنما هو لله جل وعلا؛ فالتوحيد يوجب ألا يتسمّى بذلك أحد، وألا يُرضى بتسميةِ أحدٍ بذلك.


حتى لو وجدته في بعض الكتب، فلا تنقله كما وجدته؛ فقد يغلط بعض الباحثين، وبعض طلبة العلم؛ فينقل قولاً عن بعض أهل العلم المتقدمين ممن يتجوزون في مثل هذه الألفاظ،وفيه: وقال قاضي القضاة: (كذا) وكان قاضي القضاة كذا، ولا يغيره؛ والواجب أن يغيره تعظيماً لله جل وعلا؛ وأمانة النقل التي يدّعون: هي في مرتبةٍ دون توحيد الله -جل وعلا- بكثيرٍ كثير؛ فالواجب تغيير ذلك وهذا من توحيد الله، وتغيير اشتراك غير الله، اشتراك الخلق مع الله -جل وعلا- في حقه فيما يزعمه بعض الخلق.

قال هنا: (في الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن أخنع اسم عند الله: رجلٌ تسمّى ملك الأملاك))) (أخنع) يعني: أوضع، وأحقر، وأبعد الأسماء عند الله: رجلٌ تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله؛ وهذا حصر (لا مالك إلا الله) يعني: المُلْك أو المِلك (لا مالك إلا الله) يعني: المِلك إنما هو لله وحده.
وهناك فرق بين مالك وملك؛ فمالك اسم فاعل من المِلْك، مَلَك الشيء، يعني: اقتناه، وصار مختصّاً به، من المِلك؛ وهذا راجع إلى التصرف في الأعيان.
وأما المُلك، بالضم: فالاسم منه المَلِك، وهو الذي ينفذُ أمره ونهيه؛ فيرجع اسم المَلك أو المُلْك إلى المعاني؛ فصار عندنا مُلْكاً، ومِلْكاً؛ المِلْك راجع إلى الأعيان، والمُلك راجع إلى المعاني؛ هذا في قول عدد من محققي أهل اللغة.
قال سفيان: مثل شاهان شاه، وفي رواية((أغيظ رجل على الله يوم القيامة،وأخبثه)) وسبب كونه أغيظَ رجل وأخبثَ رجل، أنه جعل نفسه مماثلاً لله -جل وعلا- في الحق بهذه التسمية.

هيئة الإشراف

#7

1 Nov 2008

العناصر


مناسبة باب (التسمي بقاضي القضاة ونحوه) لكتاب التوحيد
بيان مناسبة بابي (التسمي بقاضي القضاة ونحوه)، و(احترام أسماء الله...) لما قبلهما
بيان أهمية باب (التسمي بقاضي القضاة)
شرح ترجمة باب (التسمي بقاضي القضاة)
- أقسام قضاء الله تعالى
- حكم إضافة قاضي القضاة إلى زمان معين، أو بلد معين
- حكم إضافة قاضي القضاة إلى فن من الفنون
- حكم إضافة قاضي القضاة إلى قبيلة
- حكم التسمي بشيخ الإسلام
- حكم التسمي بالإمام
- حكم التسمي بآية الله، وحجة الله، وحجة الإسلام
شرح حديث ابي هريرة: (إن أخنع اسم عند الله ...)
- معنى قوله: (أخنع)، والسبب في كونه أخنع اسم عند الله
- معنى قوله: (رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله)
- بيان الفرق بين (ملك) و(مالك)
- معنى قول سفيان (شاهان شاه) وما يلتحق به
- بيان معنى قوله: (إن أغيظ رجل على الله... وأخبثه)
- بيان بطلان زعم جواز التسمية بقاضي القضاة
- ما يستفاد من حديث (إن أخنع اسم عند الله...) الحديث
شرح مسائل باب (التسمي بقاضي القضاة ونحوه)