26 Oct 2008
باب من سب الدهر فقد آذى الله
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (بَابُ مَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فَقَدْ آذَى اللهَ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَقَالُواْ
مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا
يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إنْ هُمْ
إلاَّ يَظُنُّونَ} [الْجَاثِيَةُ:24]. وَفِي رِوَايَةٍ: ((لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ)).
فِي (الصَّحِيحِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((قَالَ اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)).
الأُولَى: النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ.
الثَّانِيَةُ: تَسْمِيَتُهُ أَذًى للهِ.تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ
قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ( (1) مُنَاسَبَةُ هذا البابِ لكتابِ التوحيدِ ظاهرةٌ؛لأنَّ سَبَّ الدهرِ يَتَضَمَّنُ الشِّركَ، كما سيَأتِي بَيانُهُ.
ولفظُ الأَذَى في اللُّغة: هو لِمَا خَفَّ أَمْرُهُ، وضَعُفَ أَثَرُهُ مِن الشِّركِ والمَكْروهِ، ذَكَرَهُ الخطَّابِيُّ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: (وهوَ كما قالَ) وهذا بِخِلافِ الضَّرَرِ، فقدْ أَخْبَرَ سبحانَهُ أنَّ العِبادَ لا يَضُرُّونَهُ، كما قالَ تعالى: {وَلاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا}[آل عمرانَ:176] فبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أنَّ الخَلْقَ لا يَضُرُّونَهُ، لكنْ يُؤْذُونَهُ إذا سَبُّوا مُقَلِّبَ الأمورِ.
(2) قالَ ابنُ كَثِيرٍ:(يُخْبِرُ تَعالى عنْ قَوْلِ الدَّهْرِيَّةِ مِن الكُفَّارِ ومَنْ وَافَقَهُم مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ في إِنْكارِ الْمَعادِ {وَقَالُوا مَا هِيَ إلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}). قالَ ابنُ جريرٍ: (أيْ: ما حَيَاةٌ إلاَّ حَيَاتُنا الَّتي نَحْنُ فيها، ولا حياةَ سِوَاهَا تَكْذِيبًا منهم بالبَعْثِ بعدَ الموتِ). فإنْ قُلْتَ:فأينَ مُطابقةُ الآيَةِ للتَّرْجمةِ إذا كانتْ خَبَرًا عن الدَّهْرِيَّةِ المُشْرِكِينَ؟ والحديثُ
صريحٌ في النَّهْيِ عنْ سَبِّ الدَّهْرِ مُطْلَقًا، سَواءٌ اعْتَقَدَ
أنَّهُ فاعِلٌ أوْ لمْ يَعْتَقِدْ ذلكَ، كما يَقَعُ كَثِيرًا مِمَّنْ
يَعْتَقِدُ الإسلامَ. قولُهُ: ((وَفِي رِوايَةٍ)) هذهِ الرِّوايَةُ رَوَاها مُسْلِمٌ وغيرُهُ.
{نَمُوتُ وَنَحْيَا}قالَ ابنُ كَثِيرٍ: (أيْ
يَموتُ قومٌ ويَعِيشُ آخَرُونَ، وما ثَمَّ مَعَادٌ ولا قِيامةٌ. وهذا
يَقولُهُ مُشْرِكُو العربِ المُنْكِرونَ للمَعادِ، وتَقولُهُ الفلاسفةُ
الإلَهِيُّونَ منهم، وهُمْ يُنْكِرُونَ البَدْأَةَ والرَّجْعَةَ، وتقولُهُ
الفلاسِفةُ الدَّوْرِيَّةُ المُنْكِرُونَ للصَّانعِ، المُعْتَقِدُونَ أنَّ
في كُلِّ سِتَّةٍ وثلاثينَ ألفَ سنةٍ يَعُودُ كلُّ شَيْءٍ إلى ما كانَ
عليهِ، فزَعَمُوا أنَّ هذا قدْ تَكَرَّرَ مَرَّاتٍ لا تَتَنَاهَى، فَكَابَرُوا العُقولَ وكَذَّبُوا المَنْقُولَ؛ ولِهَذَا قالُوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ}).
قالَ ابنُ جَرِيرٍ: (أيْ:
ما يُهْلِكُنا فَيُفْنِينَا إلاَّ مَرُّ اللَّيالي والأيَّامِ، وطُولُ
العُمُرِ؛ إنكارًا منهم أنْ يَكونَ لَهُم رَبٌّ يُفْنِيهم ويُهْلِكُهم،
ثُمَّ رَوَى بإسنادٍ على شَرْطِ (الصَّحيحَيْنِ) عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((كَانَ
أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا يُهْلِكُنَا اللَّيْلُ
وَالنَّهَارُ، وَهُوَ الَّذِي يُهْلِكُنَا وَيُمِيتُنَا وَيُحْيِينَا.
فَقَالَ اللهُ فِي كِتَابِهِ: {وَقَالُوا مَا هِيَ إلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا})).
قالَ: ((فَيَسُبُّونَ
الدَّهْرَ، فَقَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛
يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ))).
قولُهُ: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}[الجاثيَة: 23]قالَ ابنُ جَرِيرٍ: (يَعْنِي: مِنْ يَقِينِ عِلْمٍ).
قِيلَ:المُطَابَقةُ ظاهِرةٌ؛ لأنَّ مَنْ سَبَّ الدَّهْرَ فقدْ شارَكَهم في سَبِّهِ، وإنْ لمْ يُشارِكْهم في الاعتقادِ.
(3) قولُهُ: (في الصحيحِ) أيْ: (صحيحِ البُخارِيِّ) ورَوَاهُ أحمد بهذا اللَّفْظِ، وأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بلَفْظٍ آخَرَ.
قولُهُ: ((يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ)) فيهِ أنَّ سَبَّ الدَّهْرِ يُؤْذِي اللهَ تَبارَكَ وتعالى.
فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ)) على أنَّهُ الذي يُفْنِيكم والذي يَفْعَلُ بكم هذهِ الأَشْياءَ؛ فإنَّكم إذا سَبَبْتُم فاعِلَ هذهِ الأشياءِ، فَإِنَّما تَسُبُّونَ اللهَ تَبارَكَ وتعالى؛ فإنَّهُ فاعِلُ هذهِ الأشياءِ ). انْتَهَى.
قُلْتُ: والظَّاهِرُ أنَّ المشركينَ نوعانِ:
أحدُهما: مَنْ يَعْتَقِدُ أنَّ الدَّهْرَ هوَ الفاعِلُ، فيَسُبُّهُ لذلكَ، فهؤلاءِ هم الدَّهْرِيَّةُ.
الثاني: مَنْ يَعْتَقِدُ أنَّ المُدَبِّرَ للأُمورِ هوَ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ،ولكنْ
يَسُبُّونَ الدَّهْرَ لِمَا يَجْرِي عليهم فيهِ مِن المَصائِبِ
والحَوادِثِ، فيُضِيفُونَ ذلكَ إليهِ منْ إضافةِ الشَّيءِ إلى مَحَلِّهِ،
لا لأنَّهُ عندَهم فاعلٌ لذلكَ.
كقَوْلِ ابنِ المُعْتَزِّ:
يا دَهْرُ وَيْحَكَ مَا أَبْقَيْتَ لِي أَحَدًا= وأَنـْتَ وَالـِدُ سـَوْءٍ تـَأْكـُلُ الــوَلـــَدَا
وقَوْلِ أبي الطَّيِّبِ:
قُبْحًا لِوَجْهِكَ يا زَمَانُ كَأَنَّهُ = وَجـْهٌ لـَهُ مـِنْ كُلـِّ قُبْحٍ بُرْقُعُ
وقَوْلِ الطَّرَفِيِّ:
إنْ تـُبـْتلى بلئَامِ النَّاسِ يَرْفَعُهُمْ = عَلَيْكَ دَهْرٌ لأَِهْلِ الْفَضْلِ قَدْ خَانَا
وقَولِالحَرِيرِيِّ:
ولا تَأْمَن الدَّهْرَ الْخَئُونَ ومَكْرَهُ = فـَكـَمْ خَامـِلٍ أَخْنَى عَلَيْهِ وَنَابَهُ
ونحوُ ذلكَ كثيرٌ، وكُلُّ هذا داخِلٌ في الحديثِ.
قالَ ابنُ القَيِّمِ: (وفي هذا ثلاثُ مَفَاسِدَ عَظِيمةٍ:
أحدُها:سَبُّهُ مَنْ لَيْسَ أَهْلاً لِلسَّبِّ؛ فإنَّ
الدَّهْرَ خَلْقٌ مُسَخَّرٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، مُنْقَادٌ لأَمْرِهِ،
مُتَذَلِّلٌ لِتَسْخِيرِهِ، فسَابُّهُ أَوْلَى بالذَّمِّ والسَّبِّ منهُ.
والثانيَةُ: أنَّ سَبَّهُ مُتَضَمِّنٌ للشِّرْكِ؛ فَإِنَّهُ
إنَّما سَبَّهُ لِظَنِّهِ أنَّهُ يَضُرُّ ويَنْفَعُ، وأنَّهُ معَ ذلكَ
ظالِمٌ قدْ ضَرَّ مَنْ لا يَسْتَحِقُّ العَطاءَ، ورَفَعَ مَنْ لا
يَسْتَحِقُّ الرِّفْعةَ، وحَرَمَ مَنْ لا يَسْتَحِقُّ
الحِرْمانَ، وهوَ عندَ شاتِمِيهِ منْ أَظْلَمِ الظَّلَمَةِ، وأَشْعارُ
هؤلاءِ الظَّلَمَةِ الخَوَنةِ في سَبِّهِ كَثِيرةٌ جِدًّا، وكثيرٌ مِن
الجُهَّالِ يُصَرِّحُ بِلَعْنِهِ وتَقْبِيحِهِ.
الثَّالثةُ: أنَّ
السَّبَّ منهم إنَّما يَقَعُ على مَنْ فَعَلَ هذهِ الأفعالَ التي لو
اتَّبَعَ الحَقُّ فيها أهواءهم لَفَسَدَت السَّماواتُ والأَرْضُ، وإذا وَافَقَتْ أهواءَهم حَمِدُوا الدَّهْرَ وأَثْنَوْا عليهِ.
وفي
حقيقةِ الأمرِ، فرَبُّ الدَّهْرِ هوَ المُعْطِي المانِعُ الخافِضُ
الرَّافعُ المُعِزُّ المُذِلُّ، والدَّهْرُ ليسَ لهُ مِن الأَمْرِ شيءٌ،
فمَسَبَّتُهُم الدهرَ مَسَبَّةٌ للهِ عَزَّ وجَلَّ؛ ولِهَذَا كانتْ
مُؤْذِيَةً لِلرَّبِّ تَعالى، فسَابُّ الدَّهْرِ دائِرٌ بينَ أَمْرَيْنِ لا بُدَّ لهُ مِنْ أحدِهما:
- إمَّا مَسَبَّةُ اللهِ
-أو الشِّرْكُ بِهِ.
فإنَّهُ
إن اعْتَقَدَ أنَّ الدَّهْرَ فاعِلٌ معَ اللهِ فهوَ مُشْرِكٌ، وإن
اعْتَقَدَ أنَّ اللهَ وحدَهُ هوَ الذي فَعَلَ ذلكَ، وهوَ يَسُبُّ مَنْ
فَعَلَهُ، فهوَ يَسُبُّ اللهَ تَعالى). انْتَهَى.
وأَشَارَ ابنُ أَبِي جَمْرَةَ إلى
أنَّ النَّهْيَ عنْ سَبِّ الدَّهْرِ تَنْبِيهٌ بالأَعْلَى على الأَدْنَى،
وأنَّ فيهِ إِشارةً إلى تَرْكِ سَبِّ كُلِّ شَيْءٍ مُطْلَقًا، إلاَّ ما
أَذِنَ الشَّرْعُ فيهِ؛ لأنَّ العِلَّةَ واحدةٌ.
قولُهُ: ((وَأَنَا الدَّهْرُ)) قالَ الخَطَّابِيُّ:
(مَعْنَاهُ: أنا صاحِبُ الدَّهْرِ، ومُدَبِّرُ الأمورِ التي يَنْسِبُونَها
إلى الدهرِ، فمَنْ سَبَّ الدهرَ مِنْ أَجْلِ أنَّهُ فاعلُ هذهِ الأمورِ
عادَ سَبُّهُ إلى رَبِّهِ الذي هوَ فاعِلُها، وإنَّما الدَّهرُ زَمانٌ
جُعِلَ ظَرْفًا لمَواقِعِ الأمورِ).
وفي رِوايَةٍ: ((لاَ
تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ، الأَيَّامُ
وَاللَّيَالِي أُجَدِّدُهَا وَأُبْلِيهَا وَآتِي بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ)) قالَالحافِظُ: (وسَنَدُهُ صحيحٌ).
فقدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا خَطَأُ ابنِ حَزْمٍ في عَدِّهِ الدَّهْرَ مِنْ أَسْماءِ اللهِ الحُسْنَى، وهذا غَلَطٌ فاحِشٌ، ولوْ كانَ كذلكَ لَكانَ الذينَ قَالُوا: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} مُصِيبِينَ.
قالَ المُصَنِّفُ: (وفيهِ أنَّهُ قدْ يَكونُ سَبًّا ولوْ لمْ يَقْصِدْهُ بقَلْبِهِ).
فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ((1) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (بابُ مَنْ سَبَّ الدهْرَ فَقَدْ آذَى اللهَ).
(2) وقولِ اللهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ}[الجاثية: 24].
في الصحيحِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((قالَ اللهُ تعالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)).
وفي روايَةٍ:((لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ)).
قالَ العمادُ ابنُ كثيرٍ في تَفْسِيرِهِ: (يُخْبِرُ تَعَالَى عنْ دَهْرِيَّةِ الكُفَّارِ ومَنْ وَافَقَهُم منْ مُشْرِكِي العربِ في إنكارِ المَعادِ، {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا}
مَا ثَمَّ إلاَّ هذهِ الدَّارُ، يَمُوتُ قومٌ ويعيشُ آخرونَ، وما ثَمَّ
مَعَادٌ ولا قِيَامَةٌ، وهذا يقولُهُ مُشْرِكُو العربِ المُنْكِرُونَ
للمعادِ، وَيَقُولُهُ الفلاسفةُ الإلَهِيُّونَ منهم، وهم يُنْكِرُونَ
البَدْأَةَ والرَّجْعَةَ.
وتَقُولُ
الفلاسفةُ الدَّهْرِيَّةُ الدَّوْرِيَّةُ، المنكرونَ للصَّانِعِ،
المُعْتَقِدُونَ أنَّ في كلِّ سِتَّةٍ وثلاثينَ ألفَ سنةٍ يَعُودُ كلُّ
شيءٍ إلى ما كانَ عليهِ، وَزَعَمُوا أنَّ هذا قدْ تَكَرَّرَ مَرَّاتٍ لا
تَتَنَاهَى، فَكَابَرُوا المعقولَ، وَكَذَّبُوا المنقولَ؛ ولهذا قالُوا: {مَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} قالَ سبحَانَهُ: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} أيْ: يَتَوَهَّمُونَ وَيَتَخَيَّلُونَ).
(3) فَأَمَّا الحديثُ الذي أَخْرَجَهُ صاحِبَا (الصحيحِ)وأبو داودَ والنَّسَائِيُّ منْ روايَةِ سفيانَ بنِ عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ، عنْ سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَقُولُ
اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا
الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)).
وفي روايَةٍ: ((لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ)).
وفي روايَةٍ: ((لاَ
يَقُلِ ابْنُ آدَمَ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ؛ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ،
أُرْسِلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا)).
قالَ في شَرْحِ السُّنَّةِ: (حديثٌ مُتَّفَقٌ على صِحَّتِهِ، أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ منْ أَوْجُهٍ عنْ أبي هريرةَ.
قالَ:
وَمَعْنَاهُ أنَّ العربَ كانَ منْ شَأْنِهَا ذَمُّ الدهرِ وسَبُّهُ عندَ
النَّوَازِلِ؛ لأنَّهُم كانوا يَنْسِبُونَ إليهِ ما يُصِيبُهُم من المصائبِ
والمَكَارِهِ فَيَقُولُونَ: أصابَتْهُم قَوَارِعُ الدهرِ، وَأَبَادَهُم
الدَّهْرُ.
فإذا
أَضَافُوا إلى الدهرِ ما نَالَهُم من الشدائدِ سَبُّوا فَاعِلَهَا، فكانَ
مَرْجِعُ سَبِّهَا إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ إذْ هوَ الفاعلُ في الحقيقةِ
للأمورِ التي يَصِفُونَها، فَنُهُوا عنْ سَبِّ الدهرِ). انتهى باختصارٍ.
وقدْ أَوْرَدَهُ ابنُ جَرِيرٍ بِسِيَاقٍ غريبٍ جدًّا بِهَذَا الطريقِ، قالَ: (كانَ
أَهْلُ الجاهِليَّةِ يقولونَ: إِنَّما يُهْلِكُنا اللَّيْلُ والنَّهارُ،
وهُوَ الذي يُهْلِكُنَا ويُمِيتُنَا ويُحْيِينَا، فقالَ اللهُ في كتابِهِ: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ}وَيَسُبُّونَ الدَّهْرَ.
فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ:((يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ))).
وَكَذَا رَوَاهُ ابنُ أبي حاتمٍ عنْ أحمدَ بنِ منصورٍ، عنْ سُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، عن ابنِ عُيَيْنَةَ مِثْلَهُ.
ثمَّ
رَوَى عنْ يُونُسَ، عن ابنِ وَهْبٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عنْ أبي سَلَمَةَ،
عنْ أبي هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يقولُ: ((يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ)) وَأَخْرَجَهُ صاحبُ (الصحيحِ) والنَّسَائِيُّ منْ حديثِ يُونُسَ بنِ يَزِيدَ بهِ.
وقالَ
مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ: عن العَلاءِ بنِ عبدِ الرحمنِ، عنْ أبيهِ، عنْ أبي
هريرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: اسْتَقْرَضْتُ عَبْدِي فَلَمْ يُعْطِنِي، وَسَبَّنِي عَبْدِي يَقُولُ: وَادَهْرَاهُ، وَأَنَا الدَّهْرُ)).
قالَ الشافعيُّ، وأبو عُبَيْدٍ وغيرُهُمَا من الأَئِمَّةِ في تفسيرِ قولِهِ: ((لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ)).
(كانت
العربُ في جَاهِلِيَّتِهَا إذا أَصَابَهُم شِدَّةٌ أوْ بلاءٌ أوْ مَلامَةٌ
قالُوا: يا خَيْبَةَ الدهرِ، فَيُسْنِدُونَ تلكَ الأفعالَ إلى الدهرِ
وَيَسُبُّونَهُ، وَإِنَّمَا فَاعِلُهَا هوَ اللهُ، فَكَأَنَّهُم إنَّمَا
سَبُّوا اللهَ سبحانَهُ؛ لأنَّهُ فاعلُ ذلكَ في الحقيقةِ؛ فلهذا نُهِيَ عنْ
سَبِّ الدهرِ بهذا الاعتبارِ؛ لأنَّ اللهَ هوَ الذي يَعْنُونَهُ
ويُسْنِدُونَ إليهِ تلكَ الأفعالَ، هذا أَحْسَنُ ما قِيلَ في تفسيرِهِ،
وهوَ المرادُ واللهُ أعلمُ.
وقدْ
غَلِطَ ابنُ حَزْمٍ ومَنْ نَحَا نَحْوَهُ من الظاهريَّةِ في عَدِّهِم
(الدَّهْرَ) من الأسماءِ الحُسْنَى؛ أَخْذًا مِنْ هذا الحديثِ). انتهى.
وقدْ تَبَيَّنَ معناهُ في الحديثِ بقولِهِ: ((أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ))وَتَقْلِيبُهُ: تَصَرُّفُهُ تَعَالَى فيهِ بما يُحِبُّهُ الناسُ وَيَكْرَهُونَهُ.
وفي هذا الحديثِ زيادةٌ لمْ يَذْكُرْهَا المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وهيَ قولُهُ: ((بِيَدِي الأَمْرُ)).
قولُهُ: (وفي روايَةٍ: ((لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ))).
معنَى هذهِ الروايَةِ هوَ ما صَرَّحَ بهِ في الحديثِ منْ قولِهِ: ((وَأَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ))
يَعْنِي: أنَّ ما يَجْرِي فيهِ منْ خَيْرٍ وشَرٍّ بإرادةِ اللهِ
وَتَدْبِيرِهِ، بِعِلْمٍ منهُ تَعَالَى وَحِكْمَةٍ، لا يُشَارِكُهُ في ذلكَ
غيرُهُ، ما شَاءَ كانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
فالواجبُ عندَ ذلكَ حَمْدُهُ في الحالتَيْنِ، وحُسْنُ الظَّنِّ بهِ سبحانَهُ وَبِحَمْدِهِ؛ والرجوعُ إليهِ بالتَّوْبَةِ والإِنابةِ.
كَمَا قالَ تَعَالَى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الأعراف:168]، وقالَ: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء:25].
ونسبةُ الفعلِ إلى الدَّهْرِ وَمَسَبَّتُهُ كثيرةٌ في أَشْعَارِ الْمُوَلَّدِينَ؛ كابنِ المُعْتَزِّ والْمُتَنَبِّي وَغَيْرِهِمَا.
وليسَ منهُ وصفُ السِّنِينَ بالشِّدَّةِ ونحوِ ذلكَ، كقولِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ}[يوسف:48].
قالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
إِنَّ الـلَّيَالِي مِن الزَّمَانِ مَهُولَةٌ = تُطْوَى وَتُنْشَرُ بَيْنَهَا الأَعْمَارُ
فَقِصَارُهُنَّمَعَ الْهُمُومِ طَوِيلَةٌ = وَطِوالُهُنَّمَعَ السُّرُورِ قِصَار
وقالَ أبُو تَمَّامٍ:
أَعْوَامُ وَصْلٍ كَادَ يُنْسِي طِيبَ = هـَا ذِكـْرُالـنَّوَى فـَكــَأَنَّهــَا أَيَّامُ
ثـُمَّانـْبـَرَتْ أَيَّامُ هـَجْرٍ أَعْقَبـَتْ = نـَحـْوِيأَسـًى فـَكـَأَنَّهـَا أَعـْوَامُ
ثُمَّ انْقَضَتْ تلكَ السُّنُونُ وَأَهْلُهـَا = فـَكـَأَنَّهــاوَكــَأَنَّهــُم أحلامُ
القول السديد للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (1) وهذا واقِعٌ كثيرًا في الجاهليَّةِ،
وَتَبِعَهُم على هذا كثيرٌ مِن الفُسَّاقِ وَالمُجَّانِ والحَمْقَى، إذا
جرتْ تصاريفُ الدَّهرِ على خلافِ مرادِهم جعلوا يَسُبُّون الدهرَ والوقتَ،
وربَّما لَعَنوه،
وهذا ناشئٌ مِن ضَعْفِ الدينِ،
ومِن الحُمْقِ والجهلِ العظيمِ، فإنَّ الدَّهرَ ليسَ عِنْدَه مِن الأمرِ
شيءٌ، فإنَّه مُدَبَّرٌ مُصَرَّفٌ ، والتَّصاريفُ الواقِعَةُ فيه تدبيرُ
العزيزِ الحكيمِ، ففي الحقيقةِ يَقَعُ العيبُ والسبُّ على مُدَبِّرِه.
وكَمَا أَنَّه نَقْصٌ في الدينِ فهو نقْصٌ في العقْلِ، فيه تَزدادُ المصائِبُ وَيَعْظُمُ وَقْعُهَا ويُغْلَقُ بابُ الصبرِ الواجبِ، وهذا منافٍ للتوحيدِ.
أما المؤمنُ فإنَّه يعلَمُ أنَّ التَّصاريفَ واقِعَةٌ بقضاءِ اللهِ وقَدَرِه وحِكْمَتِه،
فَلا يَتَعَرَّضُ لِعَيْبِ مَا لَمْ يَعِبْهُ اللهُ ولا رسولُه، بلْ
يَرْضَى بتدبيرِ اللهِ وَيُسَلِّمُ لأمرِه، وبذلك يَتِمُّ توحيدُه
وطُمَأْنينَتُه.
تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي
قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) السبُّ:الشتمُ والتقبيحُ والذمُّ، وما أشبهَ ذلكَ.
الدهرُ: هوَ الزمانُ والوقتُ.
وسبُّ الدهرِ ينقسمُ إلَى ثلاثةِ أقسامٍ:
الأولُ: أنْ يَقْصِدَ الخبرَ المحضَ دونَ اللومِ،فهذا
جائزٌ، مثلُ أنْ يقولَ: تعِبْنَا مِنْ شدَّةِ حرِّ هذا اليومِ، أوْ
بردِهِ، وما أشبهَ ذلكَ؛ لأنَّ الأعمالَ بالنيَّاتِ، ومثلُ هذا اللفظِ
صالحٌ لمجرَّدِ الخبرِ، ومنْهُ قولُ لوطٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: {هَـذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ}.
الثاني: أنْ يَسُبَّ الدهرَ علَى أنَّهُ هوَ الفاعلُ،كأنْ
يعتقدَ بسبِّهِ الدهرَ أنَّ الدهرَ هوَ الذي يُقلِّبُ الأمورَ إلَى الخيرِ
والشرِّ، فهذا شركٌ أكبرُ؛ لأنَّهُ اعتقدَ أنَّ معَ اللَّهِ خالقًا؛
لأنَّهُ نسَبَ الحوادثَ إلَى غيرِ اللَّهِ، وكلُّ مَن اعتقدَ أنَّ معَ
اللَّهِ خالقًا فهوَ كافرٌ، كما أنَّ مَن اعتقدَ أنَّ معَ اللَّهِ إلهًا
يستحقُّ أنْ يُعبَدَ فإنَّهُ كافرٌ. وفي الحديثِ القدسيِّ:((يُؤذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهرَ وَأَنَا الدَّهرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)) ونفَى عنْ نفسِهِ أنْ يضرَّهُ شيءٌ، قالَ تعالَى: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} وفي الحديثِ القدسيِّ: ((يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي))رواهُ مسلِمٌ. أولاً: قولُهم: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا}: أنَّ في الآيَةِ نسبةَ الحوادثِ إلَى الدهرِ، ومَنْ نسبَهَا إلَى الدهرِ فسوفَ يَسُبُّ الدهرَ إذا وقعَ فيهِ ما يَكْرَهُهُ. (3) قولُهُ: (وفِي الصَّحيحِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ.. إلَى آخرِهِ) هذا الحديثُ يُسمَّى الحديثَ القدسيَّ، أو الإلهيَّ، أو الربانيَّ، وهوَ: كلُّ ما يرويهِ النبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنْ ربِّهِ عزَّ وجلَّ، وسبقَ الكلامُ عليهِ في بابِ فضلِ التوحيدِ وما يُكَفِّرُ مِن الذنوبِ. قولُهُ: ((يُؤذيني ابنُ آدمَ))
أيْ: يُلْحِقُ بي الأذَى، فالأذيَّةُ للَّهِ ثابتةٌ ويجبُ علينا
إثباتُهَا؛ لأنَّ اللَّهَ أثبتَها لنفسِهِ، فلسنَا أعلمَ مِنَ اللَّهِ
باللَّهِ، ولكنَّها ليستْ كأذيَّةِ المخلوقِ بدليلِ قولِهِ تعالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
وقُدِّم النفيُ في هذه الآيَةِ علَى الإثباتِ لأجلِ أن يَرِدَ الإثباتُ
علَى قلبٍ خالٍ منْ تَوَهُّمِ المماثلةِ، ويكونَ الإثباتُ حينَئذٍ علَى
الوجهِ اللائقِ بهِ تعالَى، وأنَّهُ لا يُمَاثَلُ في صفاتِهِ كما لا
يُماثَلُ في ذاتِهِ، وكلُّ ما وصفَ اللَّهُ بهِ نفسَهُ فليسَ فيهِ احتمالٌ
للتمثيلِ، إذ لوْ كانَ احتمالُ التمثيلِ جائزًا في كلامِهِ سبحانَهُ،
وكلامِ رسولِهِ فيما وصفَ بهِ نفسَهُ، لكانَ احتمالُ الكفرِ جائزًا في
كلامِهِ سبحانَهُ وكلامِ رسولِهِ.
الثالثُ: أنْ يَسُبَّ الدهرَ لا لاعتقادِ أنَّهُ هوَ الفاعلُ،بلْ
يعتقدُ أنَّ اللَّهَ هوَ الفاعلُ، لكنَّهُ يَسُبُّهُ لأنَّهُ مَحَلٌّ لهذا
الأمرِ المكروهِ عندَهُ، فهذا محرَّمٌ ولا يصلُ إلَى درجةِ الشركِ؛ وهوَ
مِن السَّفَهِ في العقْلِ والضلالِ في الدينِ؛ لأنَّ حقيقةَ سبِّهِ تعودُ
إلَى اللَّهِ سبحانَهُ؛ لأنَّ اللَّهَ تعالَى هوَ الذي يُصَرِّفُ الدهرَ،
ويكونُ فيهِ ما أرادَ مِنْ خيرٍ أوْ شرٍّ، فليسَ الدهرُ فاعلًا، وليسَ هذا السبُّ بكفرٍ؛ لأنَّهُ لم يَسُبَّ اللَّهَ تعالَى مباشَرةً.
قولُهُ:((فَقَدْ آذَى اللَّهَ))لا يلزمُ مِن الأذيَّةِ الضررُ،
فالإنسانُ يتأذَّى بسماعِ القبيحِ أوْ مشاهدتِهِ، ولكنَّهُ لا يتضرَّرُ
بذلكَ، ويتأذَى بالرائِحَةِ الكريهَةِ كالبَصَلِ والثُّومِ وَلا
يَتَضَرَّرُ بذلِكَ، ولهذا أثبتَ اللَّهُ الأذيَّةَ في القرآنِ، قالَ
تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ
لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}.
(2) قولُهُ تعالَى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا}المرادُ المشركونَ الموافقونَ للدُّهْريَّةِ -بضمِّ الدالِ علَى الصحيحِ عندَ النسبةِ؛
لأنَّهُ مما تُغيَّرُ فيهِ الحركةُ- والمعنَى: وما الحياةُ والوجودُ إلَّا
هذا، فليسَ هناكَ آخرةٌ، بلْ يموتُ بعضٌ ويحيا آخرونَ، هذا يموتُ
فيُدْفَنُ، وهذا يولَدُ فيحيا، ويقولُونَ: إنَّها أرحامٌ تَدفعُ، وأرضٌ
تَبْلَعُ، ولا شيءَ سوَى هذا.
قولُهُ: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}.
أيْ: ليسَ هلاكُنَا بأمرِ اللَّهِ وقَدَرِهِ، بلْ بطولِ السنين لمَنْ
طالتْ مُدَّتُهُ، والأمراضُ والهمومُ والغمومُ لمنْ قَصُرَتْ مُدَّتُهُ،
فالمُهْلِكُ لَهُم هوَ الدَّهرُ.
قولُهُ: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ}: {ما} نافيَةٌ، و{علم} مبتدأٌ خبرُهُ مُقَدَّمٌ {لهم} وأُكِّدَ بـ{مِنْ}، فيكونُ للعمومِ؛ أيْ: ما لهمْ علمٌ لا قليلٌ ولا كثيرٌ، بل العلمُ واليقينُ بخلافِ قولِهِمْ.
قولُهُ: {إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}: {إنْ} هنا نافيَةٌ لوقوعِ {إلَّا} بعدَها؛ أيْ: ما هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ.
الظنُّ هنا بمعنَى الوهمِ، فليسَ
ظنُّهمْ مبنيًّا علَى دليلٍ يجعلُ الشيءَ مظنونًا، بلْ هوَ مجرَّدُ وهمٍ
لا حقيقةَ لَهُ، فلا حُجَّةَ لهم إطلاقًا، وفي هذا دليلٌ علَى أنَّ الظنَّ
يُسْتَعْمَلُ بمعنَى الوهمِ، وأيضًا يُسْتَعْمَلُ بمعنَى العلمِ واليقينِ،
كقولِهِ تعالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِمْ}.
هذا يردُّهُ المنقولُ والمعقولُ.
أمَّا المنقولُ: فالكتابُ والسُّنةُ تدلُّ علَى ثبوتِ الآخرةِ، ووجوبِ
الإيمانِ باليومِ الآخرِ، وأنَّ للعبادِ حياةً أخرَى سوَى هذهِ الحياةِ
الدنيا، والكتبُ السماويَةُ الأخرَى تقرِّرُ ذلكَ وتؤكِّدُهُ.
وأمَّا المعقولُ: فإنَّ اللَّهَ فرضَ علَى الناسِ الإسلامَ والدعوةَ إليهِ، والجهادَ
لإعلاءِ كلمةِ اللَّهِ، معَ ما في ذلكَ مِن استباحةِ الدماءِ، والأموالِ،
والنساءِ، والذريَّةِ، فمنْ غيرِ المعقولِ أنْ يكونَ الناسُ بعدَ ذلكَ
ترابًا لا بعثَ، ولا حياةَ، ولا ثوابَ، ولا عقابَ، وحكمةُ اللَّهِ تَأْبَى
هذا، قالَ تعالَى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}
أي: الذي أنزلَ عليكَ القرآنَ، وفرضَ العملَ بِهِ، والدعوةَ إليهِ، لا
بدَّ أنْ يَرُدَّكَ إلَى معادٍ تُجازَى فيهِ، ويُجازَى فيهِ كلُّ مَنْ
بلغتْهُ الدعوةُ.
ثانيًا: قولُهُم: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} أيْ: إلَّا مرورُ الزمنِ، هذا يردُّهُ المنقولُوالمحسوسُ:
فأمَّا المنقولُ: فالكتابُ والسُّنَّةُ تدلُّ علَى أنَّ الإحياءَ والإماتةَ بيدِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ،كمَا قالَ تعالَى: {هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}، وقالَ عنْ عيسَى عليهِ الصلاةُ والسلامُ: {وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}.
وأمَّا المحسوسُ: فإننا نعلمُ مَنْ يبقَى سنينَ طويلةً علَى قيدِ الحياةِكنوحٍ
عليهِ السلامُ وغيرِهِ، ولْم يُهْلِكْهُ الدهرُ، ونُشاهِدُ أطفالًا يموتون
في الشهرِ الأولِ منْ ولادتِهِمْ، وشبابًا يموتون في قوةِ شبابِهِم، فليسَ
الدهرُ هوَ الذي يُميتُهُمْ.
ومناسبةُ الآيَةِ للبابِ:
قال في (تيسير العزيز الحميد) ص614: (فإن
قلت: فأين مطابقة الآية للترجمة إذا كانت خبراً عن الدهرية المشركين قيل:
المطابقة ظاهرة؛ لأن من سب الدهر فقد شاركهم في سبّه، وإن لم يشاركهم في
الاعتقاد) .
قولُهُ:((ابنُ آدمَ)) شاملٌ للذكورِ والإناثِ، وآدمُ هوَ
أبو البشرِ، خلقَهُ اللَّهُ تعالَى مِنْ طينٍ، وسوَّاهُ ونفَخَ فيهِ مِنْ
رُوحِهِ، وأَسْجَدَ لهُ الملائكةَ، وعلَّمهُ الأسماءَ كلَّها.
قولُهُ:((يَسُبُّ الدَّهْرَ))
الجملةُ تعليلٌ للأذيَّةِ، أوْ تفسيرٌ لها؛ أيْ: بكونِهِ يَسُبُّ الدهرَ،
أيْ: يَشْتُمُهُ ويُقَبِّحُهُ ويَلُومُهُ، وربَّما يَلْعَنُهُ - والعياذُ
باللَّهِ - يُؤْذِي اللَّهَ.
والدهرُ : هوَ الزمنُ والوقتُ، وقدْ سبقَ بيانُ أقسامِ سبِّ الدهرِ.
ولا يُقالُ بأنَّ اللَّهَ هوَ الدهرُ نفسُهُ، ومَنْ قالَ ذلكَ فقدْ جعلَ الخالقَ مخلوقًا، والمقلِّبَ مُقَلَّبًا.
فإنْ قيلَ: أليسَ المجازُ ممنوعًا في كلامِ اللَّهِ وكلامِ رسولِهِ وفي اللغةِ؟
أجيبَ: أنَّ
الكلمةَ حقيقيَةٌ في معناها الذي دلَّ عليهِ السياقُ والقرائنُ، وهنا في
الكلامِ محذوفٌ تقديرُهُ: وأنا مقلِّبُ الدهرِ؛ لأنَّهُ فسَّرَهُ بقولِهِ: (أُقلِّبُ الليلَ والنهارَ)
والليلُ والنهارُ هما الدهرُ؛ ولأنَّ العقلَ لا يمكنُ أنْ يجعلَ الخالقَ
الفاعلَ هوَ المخلوقَ المفعولَ - المقلِّبَ هوَ المقلَّبَ - وبهذا عُرِفَ
خطأُ مَنْ قالَ: (إنَّ الدهرَ مِنْ أسماءِ اللَّهِ)كابنِ حزمٍ رحمَهُ اللَّهُ، فإنَّهُ قالَ: (إنَّ الدهرَ مِنْ أسماءِ اللَّهِ) وهذا غفلةٌ عنْ مدلولِ هذا الحديثِ، وغفلةٌ عَن الأصلِ في أسماءِ اللَّهِ، فأمَّا مدلولُ الحديثِ فإنَّ السابِّينَ للدهرِ لمْ يُرِيدُوا سبَّ اللَّهِ، وإنَّما أرادوا سبَّ الزمنِ، فالدهرُ هوَ الزمنُ في مرادِهِم.
قولُهُ: وفي روايَةٍ: ((لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ)) وفائدةُ هذهِ الروايَةِ: أنَّ فيها التصريحَ في النهيِ عنْ سبِّ الدهرِ.
قولُهُ: ((فإنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ)) وفي نسخةٍ: ((فإنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ)) والصوابُ: فإنَّ اللَّهَ هوَ الدهرُ.
وقولُهُ: ((فإنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ))
أيْ: فإنَّ اللَّهَ مُدَبِّرُ الدهرِ ومُصَرِّفُهُ، وهذا تعليلٌ للنهيِ،
ومِنْ بلاغةِ كلامِ اللَّهِ ورسولِهِ قرنُ الحكمِ بالعِلَّةِ؛ لبيانِ
الحكمةِ، وزيادةِ الطمأنينةِ، ولأجلِ أنْ تَتَعَدَّى العلَّةُ إلَى غيرِها
فيما إذا كانَ المعلَّلُ حكمًا، فهذه ثلاثُ فوائِدَ في قرْنِ العلَّةِ
بالحكمِ.
(4) الأولَى: (النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ) لقولِهِ: ((لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ)).
(5) الثانيَةُ:(تَسمِيَتُهُ أذًى للَّهِ) تُؤخذُ مِنْ قولِهِ: ((يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ)).شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (باب من سبّ الدهر فقد آذى الله
الدهر هو:
الزمان: اليوم والليلة، الأسابيع، الأشهر، السنون، العقود. هذا هو الدهر؛
وهذه الأزمنة مفعولة، مفعول بها لا فاعلة؛ فهي لا تفعل شيئاً، وإنما هي
مسخّرة، يسخرها الله جل جلاله. قال (في الصحيح، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر))). قوله هنا: ((وأنا الدهر)) لا يعني: أن الدهر من أسماء الله جل وعلا، ولكنه رتبه على ما قبله، فقال: ((يسب الدهر وأنا الدهر))
لأن حقيقة الأمر: أنَّ الدهر لا يملك شيئاً، ولا يفعل شيئاً؛ فسب الدهر
سبٌّ لله؛ لأن الدهر يفعل الله -جل وعلا- فيه؛ الزمان ظرف للأفعال، وليس
مستقلاً؛ فلهذا لا يفعل، ولا يَحْرِم، ولا يعطي، ولا يُكرِم، ولا يُهلك، وإنما الذي يفعل هذه الأشياء: مالك الملك، المتفرد بالملكوت وتدبير الأمر، الذي يجير ولا يُجار عليه.
فمناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد ظاهرة:
وهو: أن سب الدهر من الألفاظ التي لا تجوز، والتخلص منها واجب، واستعمالها منافٍ لكمال التوحيد.
وهذا يحصل من الجهلة
كثيراً، فإنهم إذا حصل لهم في زمان شيء لا يسرّهم، سبّوا ذلك الزمان،
ولعنوا ذلك اليوم، أو لعنوا تلك السنة، أو لعنوا ذلك الشهر، ونحو ذلك من
الألفاظ الوبيلة، أو شتموا الزمان؛ وهذا لاشك لا يتوجه إلى الزمن؛ لأن
الزمن شيء لا يفعل، وإنما يُفعل فيه؛ وهو أذيةٌ لله جل وعلا.
(باب من سبّ الدهر)
السب يكون بأشياء؛ والسب في أصله: التنقص، أو الشتم.
فيكون:
- بتنقص الدهر.
- أو يكون بلعنه.
- أو بشتمه.
- أو بنسبة النقائص إليه.
- أو بنسبة الشر إليه، ونحو ذلك.
وهذا كله من أنواع سبه؛ والله
-جل وعلا- هو الذي يقلّب الليل والنهار.
قال: (فقد آذى الله) ولفظ (آذى الله): لأجل الحديث؛ حديث أبي هريرة، قال: ((يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار)) ففيه رعاية للفظ الحديث.
(سب الدهر)
كما ذكرنا محرم، وهو درجات؛ وأعلاه لعن الدهر؛ لأن توجه اللعن إلى الدهر: أعظم أنواع المسبّة، وأعظم أنواع الإيذاء.
وليس من مسبة الدهر:
- وصف السنين بالشدة.
- ولا وصف اليوم بالسواد.
- ولا وصف الأشهر بالنحس ونحو ذلك؛ لأن هذا مقيّد.
وهذا جاء في القرآن، في نحو قوله جل وعلا:
{في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي}.{في أيام نحسات}: وصف الله -جل وعلا- الأيام بأنها نحسات، المقصود: في أيام نحساتٍ عليهم؛ فوصف الأيام بالنحس؛ لأنه جرى عليهم فيها ما فيه نحس عليهم.
ونحو ذلك، قوله -جل وعلا- في سورة القمر: {في يوم نحس مستمر} يوم نحس.
أو يقول: (يوم أسود، أو سنة سوداء) هذا ليس من سب الدهر؛ لأن المقصود بهذا الوصف: ما حصل فيها، كان من صفته كذا وكذا على هذا المتكلم.
وأما سبّه،، أن ينسب الفعل إليه، فيسبّ الدهر لأجل أنه فعل به ما يسوؤه: فهذا هو الذي يكون أذية لله جل وعلا.
قال: (وقول الله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر})
هذه الآية ظاهرة في أنّ نسبة الأشياء إلى الدهر، هذه من خصال المشركين،
أعداء التوحيد؛ فنفهم منه: أنّ خصلة الموحدين أنْ ينسبوا الأشياء إلى الله
جل وعلا، ولا ينسبوا الإهلاك إلى الدهر، بل الله -جل وعلا- هو الذي يحيي
ويميت.
إذاً: فقوله: ((وأنا الدهر))
هذا فيه نفي نسبة الأشياء إلى الدهر، وأن هذه الأشياء تنسب إلى الله جل
وعلا؛ فيرجع مسبة الدهر إلى مسبة الله جل وعلا؛ لأن الدهر لا مِلك له،
والله هو الفاعل.
قال: ((أقلب الليل والنهار)) والليل والنهار: هما الدهر، فالله -جل وعلا- هو الذي يقلبهما، فليس لهما من الأمر شيء.
العناصر
مناسبة باب (من سب الدهر) لكتاب التوحيد
شرح ترجمة باب (من سب الدهر)
- بيان معنى سب الدهر، وأقسامه
- بيان حكم سب الدهر
- كثرة وقوع الشعراء في هذا المحذور
- بيان أن وصف السنين بالشدة ليس من سب الدهر
- بيان المفاسد المترتبة على سب الدهر
- التنبيه إلى الفرق بين (الأذى) و(الضرر)
تفسير قوله تعالى: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا...) الآية
- مناسبة قوله تعالى: ( وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا...) لباب (من سب الدهر فقد آذى الله)
شرح حديث ابي هريرة: (قال الله تعالى: "يؤذيني ابن آدم ...")
- تخريج حديث (.. يؤذيني ابن آدم)
- بيان معنى كلمة (تعالى)
- بيان معنى قوله: (يؤذيني ابن آدم يسب الدهر)
- بيان معنى قوله: (وأنا الدهر)، وخطأ من زعم أنه من أسماء الله
- معنى قوله: (أقلب الليل والنهار)
- ما يستفاد من رواية مسلم (لا تسبوا الدهر...)، والسبب في إيراد المصنف لها
- ذكر بعض حِكَمِ اقتران الحكم بالعلة
شرح مسائل باب (من سب الدهر فقد آذى الله)