26 Oct 2008
باب قول ما شاء الله وشئت
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (بَابُ قَوْلِ مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ
عَنْ قُتَيْلَةَ: أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَخْبَرْتُ بِهَا مَنْ أَخْبَرْتُ. قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: ((فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ: فيه مسائل: الأُولَى: مَعْرِفَةُ الْيَهُودِ بِالشِّرْكِ الأَصْغَرِ. الثَّانِيَةُ: فَهْمُ الإِنْسَانِ إِذَا كَانَ لَهُ هَوًى. الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًا)) فَكَيْفَ بِمَنْ قَالَ: مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ سِوَاكَ.. وَالْبَيْتَيْنِ بَعْدَهُ؟ الرَّابِعَةُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنَ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ لِقَوْلِهِ: ((يَمْنَعُنِي كَذَا وَكَذَا)). الْخَامِسَةُ: أَنَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةَ مِنْ أَقْسَامِ الْوَحْيِ. السَّادِسَةُ: أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِشَرْعِ بَعْضِ الأَحْكَامِ.
تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ.
وَتَقُولُونَ: وَالْكَعْبَةِ.
فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا: ((وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
وَأَنْ يَقُولُوا مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شِئْتَ)) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَلَهُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، فَقَالَ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)).
وَلاِبْنِ مَاجَةَ عَنِ الطُّفَيْلِ أَخِي عَائِشَةَ لأُِمِّهَا قَالَ: (رَأَيْتُ كَأَنِّي أَتَيْتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ.
قُلْتُ: إِنَّكُمْ لأََنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ.
قَالُوا: وَإِنَّكُمْ لأََنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ، وَشَاءَ مُحَمَّدٌ.
ثُمّ مَرَرْتُ بِنَفَرٍ مِنَ النَّصَارَى فَقُلْتُ: إِنَّكُمْ لأََنْتُمُ
الْقَوْمُ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ.
قَالُوا: وَإِنَّكُمْ لأََنْتُمُ الْقَوْمُ لَوْلاَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ، وَشَاءَ مُحَمَّدٌ.
ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ.
قَالَ: ((هَلْ أَخْبَرْتَ بِهَا أَحَدًا؟)).
فَإِنَّ طُفَيْلاً رَأَى رُؤْيَا أَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ مِنْكُمْ.
وَإِنَّكُمْ قُلْتُمْ كَلِمَةً كَانَ يَمْنَعُنِي كَذَا وَكَذَا أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْهَا.
فَلاَ تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، وَشَاءَ مُحَمَّدٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)).
تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ
قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ( (8)
أيْ: ما حُكْمُ التكَلُّمِ بذلكَ، هلْ يجوزُ أمْ لا؟
وإذا قُلْنَا: لا يَجُوزُ، فهلْ هوَ من الشركِ أمْ لا؟
(9) هذا الحديثُ رواهُ النَّسَائِيُّ في (السُّنَنِ) و(اليومِ واللَّيْلَةِ). وعلى النهيِ عنْ قولِ: ((ما شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ)) جمهورُ العلماءِ، إلاَّ أنَّهُ حُكِيَ عنْ أبي جعفرٍ الدَّاودِيِّ ما يَقْتَضِي جَوَازَ ذلكَ؛ احتجاجًا بقولِهِ تعالى: {وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ}[التوبة:73]. وأمَّا ما احْتُجَّ مِن القرآنِ؛ فقدْ ذكَرُوا عنْ ذلكَ جوابَيْنِ: أحدُهما: أنَّ ذلكَ للهِ وحدَهُ، لا شريكَ لهُ، كما أنَّهُ تعالى يُقْسِمُ بما شاءَ منْ مخلُوقَاتِهِ، فكذلكَ هذا. الثاني: أنَّ قولَهُ: (ما شاءَ اللهُ وشئتَ) تشريكٌ في مشيئةِ اللهِ. فإنْ قُلْتَ: قدْ ذكَرَ النُّحَاةُ أنَّ (ثُمَّ) تَقْتَضِي اشتراكَ المعطوفِ والمعطوفِ عليهِ في الحُكْمِ كَالْوَاوِ، فَلِمَ جازَ ذلكَ بثُمَّ، ومُنِع منهُ الواوُ؟ قيلَ: النهيُ عنْ ذلكَ إنَّما هوَ إذا أتَى بصورةِ التشريكِ جميعًا، وهذا لا يَحْصُلُ إلاَّ بالواوِ. قالَ: وَمَنْ يَعْصِهِما فقدْ غَوَى. ((بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ)). قولُهُ: ((فَأَمَرَهم النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَرَادُوا أنْ يَحْلِفوا أنْ يقُولُوا: ((وَرَبِّ الْكَعْبَةِ))) تقَدَّمَ ما يَتَعَلَّقُ بالحَلِفِ بغَيْرِ اللهِ قريبًا. وفي الحديثِ مِن الفوائدِ: - مَعْرِفَةُ اليهودِ بالشِّرْكِ الأصغرِ، وكثيرٌ
مِمَّنْ يدَّعِي الإسلامَ لا يَعْرِفُ الشركَ الأكبرَ، بلْ يَصْرِفُ خالصَ
العباداتِ من الدعاءِ والذَّبْحِ والنَّذْرِ لغيرِ اللهِ، ويَظُنُّ أنَّ
ذلكَ مِنْ دينِ الإسلامِ، فعلِمْتَ أنَّ اليهودَ في ذلكَ الوقتِ أحسنُ
حالاً ومعرفةً منهم. وفيهِ: فَهْمُ الإنسانِ إذا كانَ لهُ هَوًى كما نَبَّهَ عليهِ المُصَنِّفُ،
وأنَّ المعرفةَ بالحقِّ لا تستلزمُ الإيمانَ ولا العملَ، وقبولُ الحقِّ
مِمَّنْ جاءَ بهِ وإنْ كانَ عدوًّا مخالفًا في الدِّينِ، وأنَّ الحلفَ
بغيرِ اللهِ من الشركِ الأصغرِ لا يَمْرُقُ بهِ الإنسانُ من الإسلامِ. (10) هذا الحديثُ رواهُ النَّسَائِيُّ كما قالَ المُصَنِّفُ، لكنْ في (اليومِ واللَّيْلَةِ)، وهذا لفظُهُ: أخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ، عَنْ عيسى، عن الأَجْلَحِ، عنْ يَزِيدَ بنِ الأصَمِّ، عَن ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ فِي بَعْضِ الأَمْرِ فَقَالَ: مَا شَاءَ وَشِئْتَ. قُلْتُ: إذا كانَ هذا كلامَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قالَ لهُ: ما شاءَ اللهُ وَشِئْتَ، فكيفَ بمَنْ يقولُ فيهِ: فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنيا وضَرَّتِهَا مـِنْ عـُلُومـِكَ عِلْمَ اللَّوْحِ والقَلَمِ ويقولُ في هَمْزِيَّتِهِ: هـــذهِ عــِلــَّتــِي وأنــْتَ طــَبِيبِي لَيْسَ يَخْفَى عليكَ في القَلْبِ داءُ وأشباهُ هذا من الكُفْرِ الصَّرِيحِ. (11) هذا الحديثُ لمْ يَرْوهِ ابنُ مَاجَهْ بهذا اللفظِ عن الطُفَيْلِ، إنَّما رواهُ عنْ حُذَيْفَةَ، ولفظُهُ: حدَّثنا هشامُ بنُ عَمَّارٍ، ثنا سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عنْ عبدِ الملكِ بنِ عُمَيْرٍ، عنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ، عنْ حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمَانِ، أنَّ
رجلاً من المسلمينَ رأَى في النومِ أنَّهُ لَقِيَ رجلاً منْ أهلِ الكتابِ
فقالَ: نِعْمَ القومُ أنْتُمْ لولا أنَّكُمْ تُشْرِكونَ، تقولونَ: ما شاءَ
اللهُ وشاءَ مُحَمَّدٌ. قولُهُ: ((على نَفَرٍ من اليهودِ)) وفي رِوَايَةِ أحمدَ والطبرانيِّ: (كَأَنِّي مَرَرْتُ بِرَهْطٍ من اليهودِ فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتُمْ؟ (والنفرُ
رَهْطُ الإنسانِ وعَشِيرتُهُ، وهوَ اسمُ جَمْعٍ يقعُ على جماعةٍ من
الرجالِ خاصَّةً، ما بينَ الثلاثةِ إلى العَشَرةِ، ولا واحدَ لهُ منْ
لَفْظِهِ) قالَهُ أبو السعاداتِ. وفيهِ: أنَّ الرُّؤْيَا قدْ تكونُ سببًا لشَرْعِ بعضِ الأحكامِ، كما في هذا الحديثِ، وحديثِ الأَذَانِ، وحديثِ الذِّكْرِ بعدَ الصلواتِ.
وهذا لفظُهُ في (اليومِ والليلةِ) أخْبَرَنَا يوسُفُ بنُ عيسى قالَ: ثنا الفضلُ بنُ موسى قالَ: أنا مِسْعَرٌ، عنْ مَعْبَدِ بنِ خالدٍ، عنْ عبدِ اللهِ بنِ يَسارٍ، عنْ قُتَيْلَةَ امرأةٍ منْ جُهَيْنةَ، أنَّ
يهُودِيًّا أتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: إنَّكُمْ
تُنَدِّدونَ وتُشْرِكونَ تقولونَ: ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ.
وتقولونَ: والكعبةِ.
فأمَرَهُم النبيُّ عليهِ السلامُ إذا أرَادُوا أنْ يَحْلِفُوا أنْ يقُولُوا: ((وَرَبِّ الْكَعْبَةِ)).
وَيَقُولَ أَحَدُكُمْ: ((مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شِئْتَ))).
وَرَوَاهُ عنْ أحمدَ بنِ حَفْصٍ، حدَّثَنِي أبي، حدَّثني إبراهيمُ بنُ طَهْمَانَ، عنْ مُغِيرَةَ، عنْ مَعْبَدِ بنِ خالدٍ، عنْ قُتَيْلَةَ امرأةٍ منْ جُهَيْنةَ قالَتْ: دَخَلَتْ يهُودِيَّةٌ على عائشةَ فقالَتْ: إنَّكُمْ تُشْرِكونَ... وساقَ الحديثَ، ولمْ يَذْكُرْ عبدَ اللهِ بنَ يَسَارٍ، والمشهورُ ذِكْرُهُ.
وقدْ رواهُ ابنُ سَعْدٍ، والطَّبَرَانِيُّ، وابنُ مَنْدَهْ، وأشارَ ابنُ سعدٍ إلى أنَّها ليسَ لها غَيْرُهُ.
قولُهُ: (عنْ قُتَيْلَةَ) هوَ بضَمِّ القافِ وفتحِ التاءِ، بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ مُصَغَّرًا، بِنْتُ صَيْفِيٍّ الجُهَنِيَّةُ، أو الأنصارِيَّةُ، صحابيَّةٌ.
قولُهُ: ((إنَّكُم تُشْرِكُونَ تقولونَ: ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ))
هذا نصٌّ في أنَّ هذا اللفظَ من الشركِ؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ اليهوديَّ على تَسْمِيَةِ هذا اللفظِ تنديدًا
أوْ شِرْكًا، ونهَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ ذلكَ،
وأَرْشَدَ إلى استعمالِ اللفظِ البعيدِ من الشركِ.
وقولُ: ((ما شاءَ اللهُ ثُمَّ شِئتَ)) وإنْ كانَ الأَوْلَى قَوْلَ: ما شاءَ اللهُ وَحْدَهُ، كما يَدُلُّ عليهِ حديثُ ابنِ عَبَّاسٍ وغيرِهِ.
- وقولِهِ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ}[الأحزاب:36]، ونحوِ ذلكَ.
والصوابُ القولُ الأوَّلُ؛ فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنكرَ ذلكَ، وقالَ لِمَنْ قالَ لهُ ذلكَ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟!)) وأقرَّ اليهوديَّ على تسميتِهِ تنديدًا وشركًا.
ومن المُحَالِ أنْ يكونَ هذا أَمْرًا جائِزًا.
وأمَّا الآيَةُ فإنَّمَا أَخْبَرَ بها عنْ فِعْلَيْنِ مُتَغَايرَيْنِ،
فأخْبَرَ تعالى أنَّهُ أغناهُمْ وأنَّ رسولَهُ أغناهم، وهوَ من اللهِ
حقيقةٌ؛ لأنَّهُ الذي قدَّرَ ذلكَ، ومن الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حقيقةٌ باعتبارِ تعاطي الفعلِ.
وكذا الإنعامُ؛ أَنْعَمَ اللهُ على زيدٍ بالإسلامِ، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنعمَ عليهِ بالعِتْقِ.
وهذا بخلافِ المشاركةِ في الفعلِ الواحدِ، فالكلامُ إنَّمَا هوَ فيهِ، والمَنْعُ إنَّمَا هوَ منهُ.
وغايَةُ ما يُقالُ: إنَّ (ثُمَّ) تَقْتَضِي الترتيبَ بخلافِ الواوِ، فَإِنَّها تقتضي مُطْلَقَ الجمعِ، وهذا لا يُغَيِّرُ صورةَ الاشتراكِ.
بخلافِ (ثُمَّ) فإنَّها لا تقتضي الجمعَ، إنَّما تقتضي الترتيبَ، فإذا أتَى بها زَالَتْ صورةُ التشريكِ والجمعِ في اللَّفْظِ.
وأمَّا المعنى: فَلِلَّهِ تعالى ما يَخْتَصُّ بهِ من المشيئةِ، وللمخلوقِ ما يَخْتَصُّ بهِ. فَلَوْ أتَى بِـ(ثُمَّ) وأرادَ
أنَّهُ شريكٌ للهِ تعالى في المشيئةِ، كَلَوْلا اللهُ ثُمَّ فُلانٌ،
مثلاً؛ لمْ يُوجَدْ ذلكَ؛ فالنهيُ باقٍ بحالِهِ، بلْ يكونُ في هذهِ الصورةِ
أشدَّ ممَّنْ أتَى بالواوِ معَ عَدَمِ هذا الاعتقادِ.
ويُشْبِهُ ذلكَ الجمعُ بينَ اسمِ اللهِ واسمِ غيرِهِ في ضميرٍ واحدٍ؛ ولهذا
أَنْكَرَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الخطيبِ.
فقالَ لهُ:
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَجَعَلْتَني للهِ عِدْلاً؟ قُلْ: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)).
ورواهُ ابنُ مَاجَهْ في الكَفَّارَاتِ في (السُّنَنِ) عنْ هشامِ بنِ عَمَّارٍ عنْ عيسى نَحْوَهُ.
ولفظُهُ: ((إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلْ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ)) الحديثَ.
وقدْ تابعَ عيسى على هذا الحديثِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وعبدُ الرحمنِ وجعفرُ بنُ عَوْنٍ عن الأجلحِ، وكُلُّهم ثِقاتٌ.
وخالَفَهُم القاسمُ بنُ مالكٍ، وهوَ ثقةٌ، فَرَوَاهُ عنِ الأجلحِ، عنْ أبي الزُّبَيْرِ، عنْ جابرٍ.
والأوَّلُ أَرْجَحُ، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ عن الأَجْلَحِ عنْهُمَا جميعًا.
قولُهُ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا)) هذهِ رِوَايَةُ ابنِ مَرْدُوَيْهِ.
والرِّوَايَةُ عندَ النَّسَائِيِّ وابنِ مَاجَهْ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ عِدْلاً))والمعنى وَاحِدٌ.
قالَ ابنُ القيِّمِ: (ومِنْ
ذلكَ -أيْ: من الشركِ باللهِ في الألفاظِ- قولُ القائلِ للمخلوقِ: ما شاءَ
اللهُ وَشِئْتَ، كما ثبَتَ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أنَّهُ قالَ لهُ رَجُلٌ: ما شاءَ اللهُ وَشِئْتَ، وذكَرَ الحديثَ المشروحَ،
ثُمَّ قالَ: هذا معَ أنَّ اللهَ قدْ أثْبَتَ للعَبْدِ مشيئةً؛ لقولِهِ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}[التَّكْوِير: 28].
فكيفَ بمَنْ يقولُ: أنا مُتَوَكِّلٌ على اللهِ وعَلَيْكَ، وأنا في حَسَبِ
اللهِ وحَسَبِكَ، وما لي إلاَّ اللهُ وأنْتَ، وهذا مِن اللهِ ومِنْكَ، وهذا
منْ بَرَكَاتِ اللهِ وبَرَكَاتِكَ، واللهُ لي في السماءِ وأَنْتَ لي في
الأرضِ، واللهِ وَحَيَاةِ فلانٍ، أوْ يقولُ: نَذْرًا للهِ ولفلانٍ، وأنا
تَائِبٌ للهِ ولفلانٍ، وأرْجُو اللهَ وفلانًا؟
فَوَازِنْ بينَ هذهِ الألفاظِ وبينَ قولِ القائلِ: ما شاءَ اللهُ وَشِئْتَ،
ثمَّ انْظُرْ أيُّهما أَفْحَشُ، يَتَبَيَّنْ لكَ أنَّ قائلَها أوْلَى
بجوابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقائلِ تلكَ الكلمةِ،
وأنَّهُ إذا كانَ قدْ جعَلَهُ نِدًّا بها، فهذا قدْ جَعَلَ مَنْ لا
يُدَانِي رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شَيْءٍ من
الأشياءِ، بلْ لَعَلَّهُ أنْ يكونَ منْ أَعْدَائِهِ، نِدًّا لِرَبِّ
العالمينَ.
فالسُّجُودُ، والعبادةُ، والتَّوَكُّلُ، والإنابةُ، والتَّقْوَى،
والخَشْيَةُ، والتوبةُ، والنذرُ، والحلِفُ، والتسبيحُ، والتكبيرُ،
والتهليلُ، والتحميدُ، والاستغفارُ، وحَلْقُ الرَّأْسِ خُضوعًا
وتَعَبُّدًا، والطَّوَافُ بالبيتِ والدعاءُ، كُلُّ ذلكَ مَحْضُ حَقٍّ للهِ
الذي لا يَصْلُحُ ولا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ منْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا
نَبِيٍّ مُرْسَلٍ.
وفي (مُسْنَدِ الإمامِ أحمدَ)
أَنَّ رَجُلاً أُتِيَ بِهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ أَذْنَبَ؛ فَلَمَّا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: اللهُمَّ إِنِّي
أَتُوبُ إِلَيْكَ، وَلاَ أَتُوبُ إِلى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: ((عَرَفَ الْحَقَّ لأَِهْلِهِ))).
وذكَرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: ((أَمَا وَاللهِ إِنْ كُنْتُ لأََعْرِفُهَا لَكُمْ، قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ)) ورواهُ أحمدُ والنَّسَائِيُّ بنحْوِهِ.
وفي روايَةٍ للنَّسَائِيِّ، أنَّ الرَّاوِيَ لذلكَ هوَ حُذَيْفَةُ، نفسُهُ، هذهِ روايَةُ ابنِ عُيَيْنَةَ.
ثُمَّ ذكَرَ ابنُ مَاجَهْ، حديثَ الطُّفَيْلِ هذا، فساقَ إسْنَادَهُ ولمْ يَذْكُر اللفظَ فقالَ: حدَّثنا ابنُ أبي الشَّوارِبِ، ثنا ابنُ عَوَانةَ، عنْ عبدِ الملكِ، عنْ رِبْعيِّ بنِ حِراشٍ، عن الطُّفَيْلِ بنِ سَخْبَرَةَ أَخِي عائشةَ لأُِمِّها، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنحوِهِ، هذا لفظُ ابنِ مَاجَهْ.
وهكذا رواهُ حمَّادُ بنُ سَلَمَةَ وشُعْبَةُ وابنُ إدريسَ عنْ عبدِ الملكِ، فقَالُوا: عن الطُّفَيْلِ.
وهوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الحُفَّاظُ وقالُوا: ابنُ عُيَيْنَةَ وَهِمَ في قولِهِ: عنْ حُذَيْفَةَ؛ فقدْ تبيَّنَ أنْ هذا الحديثَ المذكورَ لمْ يَرْوهِ ابنُ مَاجَهْ بهذا اللفظِ، لكنْ رواهُ أحمدُ والطبرانيُّ بنحوٍ مِمَّا ذكَرَهُ المُصَنِّفُ.
قولُهُ: ((عن الطُّفَيْلِ)) هوَ ابنُ سَخْبَرَةَ، وفي حديثِهِ هذا أنَّهُ أَخُو عائشةَ لأُِمِّها، وكذا قالَ الْحَرْبِيُّ، وقالَ: الذي عِنْدِي أنَّ الحارثَ بنَ سَخْبَرَةَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَحَالَفَ أبا بكرٍ فماتَ، فخَلَفَ أبو بكرٍ على أُمِّ رُومَانَ، فَوَلَدَتْ لهُ عبدَ الرحمنِ وعائشةَ، وكانَ لها من الحارثِ الطُّفَيْلُ بنُ الحارثِ، فهوَ أَخُو عائشةَ لأُِمِّها، وقيلَ غيرُ ذلكَ.
وهوَ صَحَابِيٌّ ليسَ لهُ إلاَّ هذا الحديثُ، قالَ البَغَويُّ: (لا أعلمُ لهُ غيرَهُ).
قولُهُ: ((رأَيْتُ فيما يَرَى النائمُ)) كما روَى أحمدُ والطبرانيُّ.
فقَالُوا: نحنُ اليهودُ).
قولُهُ: ((فقُلْتُ: إنَّكُم لأَنتم القومُ لولا أنَّكُم تقولونَ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ)) أيْ: نِعْمَ القومُ أنتمْ لولا ما أنْتُم عليهِ من الشركِ والمَسَبَّةِ للهِ بنِسْبَةِ الولدِ إليهِ، وهذا لفظُ الطبرانيِّ.
ولفظُ أحمدَ قالَ: (أَنْتُم القومُ).
قولُهُ: ((قالُوا: وإِنَّكُمْ لأنْتُم القومُ لولا أنَّكُم تقولونَ: ما شاءَ اللهُ وشاءَ مُحَمَّدٌ))
عارَضوهُ بذكرِ شيءٍ ممَّا في المسلمينَ من الشركِ الأصغرِ فقالوا لهُ هذا
الكلامَ؛ أيْ: نِعْمَ القومُ أنْتُمْ لولا ما فيكم من الشركِ، وكذلكَ
جَرَى لَهُ معَ النصارَى.
قولُهُ: ((فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَخْبَرْتُ بِهَا مَنْ أَخْبَرْتُ)) وفي روايَةِ أحمدَ: فلمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرَ بها مَنْ أخْبَرَ. وفي روايَةِ الطبرانيِّ: فلَمَّا أَصْبَحْتُ أَخْبَرْتُ بِهَا أُناسًا.
قولُهُ: ((ثمَّ أتَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ)) فيهِ: حُسْنُ خُلُقِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعَدَمُ
احتجابِهِ عن الناسِ كَالْمُلُوكِ، بحيثُ إذا أرادَ أحدٌ الوصولَ إليهِ
أمْكَنَهُ ذلكَ بلا كُلْفَةٍ ولا مَشَقَّةٍ، بلْ يَصِلونَ إليهِ ويَقْضِي
حاجَتَهُم، ويُخْبِرُونَهُ بما يَحْتاجُونَ إليهِ منْ أمْرِ دينِهم
ودُنْيَاهُمْ، ويَقَصُّونَ عليهِ ما يَرَوْنَهُ في المنامِ، بلْ كانَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعْتَنِي بالرُّؤْيَا؛ لأنَّها منْ
أقْسَامِ الوحيِ، وكانَ إذا صلَّى الصُّبْحَ كثيرًا ما يقولُ: ((هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟))
قولُهُ: ((فَحَمِدَ اللهَ وأثْنَى علَيْهِ)) وفي روايَةِ أحمدَ: (فلَمَّا أصْبَحُوا خطَبَهُم فحَمِدَ اللهَ وأثْنَى عليهِ) وفي روايَةِ الطبرانيِّ: (فلمَّا صَلَّى الظُّهْرَ قامَ خطيبًا).
ففيهِ مشروعِيَّةُ حَمْدِ اللهِ والثناءِ عليهِ في الخُطَبِ، وفيهِ الخُطْبَةُ في الأمورِ المُهِمَّةِ.
وأمَّا معنى الحمدِ، فقدْ تَقَدَّمَ في بابِ قولِ اللهِ تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئًا}[الأعراف:19].
وأمَّا الثَّنَاءُ فقالَ ابنُ القيِّمِ: (هوَ تَكْرَارُ المَحَامِدِ).
قولُهُ: ((ثمَّ قالَ: أَمَّا بَعْدُ)) في روايَةِ أحمدَ والطبرانيِّ: ثمَّ قالَ: ((إِنَّ طُفَيْلاً رَأَى رُؤْيَا)) ولمْ يَذْكُرْ ((أَمَّا بَعْدُ)).
وفي روايَةٍ للطبرانيِّ: فقامَ نبيُّ اللهِ على المِنْبَرِ فقالَ: ((إِنَّ أَخَاكُمْ رَأَى رُؤْيَا قَدْ حَدَّثَكُمْ بِمَا رَأَى)).
فيهِ مشروعيَّةُ (أَمَّا بَعْدُ) في الخُطَبِ في هذا الحديثِ، وإلاَّ فلا يَضُرُّ؛ فإنَّها ثابِتَةٌ في خُطَبِهِ عليهِ السلامُ، وفي غيرِهِ.
قولُهُ: ((وَإِنَّكُمْ قُلْتُمْ كَلِمَةً كَانَ يَمْنَعُنِي كَذَا وَكَذَا أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْهَا)) وفي روايَةِ أحمدَ والطبرانيّ: ((وَإِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَقُولُونَ كَلِمَةً كَانَ يَمْنَعُنِي الْحَيَاءُ مِنْكُمْ أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْهَا)).
وهذا الحياءُ منهم ليسَ على سبيلِ الحياءِ من الإنكارِ عليهم، بلْ كانَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُها ويَسْتَحْيِي أنْ يَذْكُرَها؛
لأنَّهُ لمْ يُؤْمَرْ بإنكارِها.
فلمَّا جاءَ الأمرُ الإلهيُّ بالرُّؤْيَا الصالحةِ أنْكَرَها، ولم
يَسْتَحْيِ في ذلكَ، وفيهِ دليلٌ على أنَّها من الشركِ الأصغرِ؛ إذ لوْ
كانتْ من الأكبرِ لأنْكَرَها مِنْ أوَّلِ مرَّةٍ قالُوها، وفيهِ ما كانَ
عليهِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الحياءِ، وأنَّهُ من
الأخلاقِ المحمودةِ.
قولُهُ: ((فَلاَ تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)) هذا على سبيلِ الاستحبابِ، وإلاَّ فيجوزُ أنْ يقولَ: ما شاءَ اللهُ ثمَّ شاءَ فلانٌ، كما تقَدَّمَ.
فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ( (8)
قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: ((بابُ
قَوْلِ: ما شَاءَ اللهُ وشِئْتَ، عَن قُتَيْلَةَ، أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى
النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّكُم
تُشْرِكُونَ، تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، وَتَقُولُونَ:
وَالكَعْبَةِ؛ فَأَمَرَهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا: ((وَرَبِّ الكَعْبَةِ)) وَأَنْ يَقُولُوا: ((مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شِئْتَ)) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ)). وفيهِ: قَبُولُ الحَقِّ مِمَّنْ جاءَ بهِ كائنًا مَنْ كانَ. وفيهِ: بيانُ النَّهْيِ عن الحَلِفِ بالكعبةِ، معَ أنَّها بيتُ اللهِ التي حَجُّهَا وقَصْدُهَا بالحجِّ والعُمْرَةِ فريضةٌ. ومن المعلومِ أنَّ الكعبةَ لا تَضُرُّ ولا تَنْفَعُ،
وإِنَّمَا شَرَعَ اللهُ لعبادِهِ الطَّوَافَ بها والعبادةَ عِنْدَهَا،
وَجَعَلَهَا للأُمَّةِ قِبْلَةً، فالطَّوَافُ بها مشروعٌ، والحَلِفُ بها
وَدُعَاؤُهَا ممنوعٌ، فَمَيِّزْ أَيُّهَا المُكَلَّفُ بينَ ما يُشْرَعُ وما
يُمْنَعُ وإنْ خَالَفَكَ مَنْ خَالَفَكَ مِنْ جَهَلَةِ الناسِ الذينَ هم
كالأنعامِ، بلْ هم أَضَلُّ سَبِيلاً. - وقولِهِ: {إِنَّ
هَـذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا
حَكِيمًا}[الإنسان:29،30]. وأمَّا أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ فَتَمَسَّكُوا بالكتابِ والسُّنَّةِ في هذا البابِ وغيرِهِ، واعْتَقَدُوا أنَّ مشيئةَ العبدِ تابعةٌ لمشيئةِ اللهِ تَعَالَى في كلِّ شيءٍ مِمَّا
يُوَافِقُ ما شَرَعَهُ اللهُ وما يُخَالِفُهُ مِنْ أفعالِ العبادِ
وأقوالِهِم، فالكلُّ بمشيئةِ اللهِ وإرادتِهِ، فَمَا وَافَقَ شَرْعَهُ
رَضِيَهُ وَأَحَبَّهُ، وما خَالَفَهُ كَرِهَهُ من العبدِ، كَمَا قالَ
تَعَالَى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر:7]. وفيهِ: بَيَانُ أنَّ الحلفَ بالكعبةِ شِرْكٌ؛ فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ اليهوديَّ على قَوْلِهِ: (إِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ). (10) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (وَلابْنِ مَاجَةَ عَنِ
الطُّفَيلِ أَخِي عائِشةَ لأُِمِّها قالَ: رَأَيْتُ كَأَنِّي أَتَيْتُ
عَلَى نَفَرٍ مِن اليهودِ قُلْتُ: إِنَّكُمْ لأنْتُم القَوْمُ لَوْلا
أنَّكُمْ تَقُولُونَ: عُزَيْرٌ ابنُ اللهِ. قُلْتُ: وإنْ كانتْ رُؤْيَا مَنَامٍ فهيَ وَحْيٌ يَثْبُتُ بها ما يَثْبُتُ بالوحْيِ أَمْرًا وَنَهْيًا، واللهُ أَعْلَمُ.
قولُهُ: ((عَنْ قُتَيْلَةَ)) بِمُثَنَّاةٍ مُصَغَّرَةٍ، بنتِ صَيْفِيٍّ الأنصاريَّةِ، صحابيَّةٍ مُهَاجِرَةٍ، لها حديثٌ في (سُنَنِ النَّسَائِيِّ) وهوَ المذكورُ في البابِ، وَرَوَاهُ عنها عبدُ اللهِ بنُ يَسَارٍ الجُعْفِيُّ.
وهذا يُبيِّنُ أنَّ النهيَ عن الشركِ باللهِ عامٌّ لا يَصْلُحُ منهُ شيءٌ،
لا لِمَلَكٍ مُقَرَّبٍ، ولا لِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ، ولا للكعبةِ التي هيَ بيتُ
اللهِ في أَرْضِهِ، وأنتَ تَرَى ما وَقَعَ من الناسِ اليومَ من الحلفِ
بالكعبةِ وسُؤَالِهَا ما لا يَقْدِرُ عليهِ إلاَّ اللهُ.
قَوْلُهُ: ((إِنَّكُمْ تُشرِكُونَ، تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ))
والعبدُ إنْ كانتْ لهُ مشيئةٌ فَمَشِيئَتُهُ تَابِعَةٌ لمشيئةِ اللهِ، ولا
قُدْرَةَ لهُ على أنْ يَشَاءَ شَيْئًا إلاَّ إذا كانَ اللهُ قدْ شَاءَهُ،
كما قالَ اللهُ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير:28،29].
وفي هذهِ الآياتِ والأحاديثِ: الرَّدُّ على القَدَرِيَّةِ والمعتزلةِ؛
نُفَاةِ القَدَرِ الذينَ يُثبِتُونَ للعبدِ مشيئةً تُخَالِفُ ما أَرَادَهُ
اللهُ تَعَالَى من العبدِ وَشَاءَهُ، وسيأتِي ما يُبْطِلُ قَوْلَهُم في (بابِ ما جاءَ في مُنْكِرِي القَدَرِ) إنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى، وأنَّهُم مَجُوسُ هذهِ الأُمَّةِ.
(9) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: ((وَلَهُ أيضًا عَن ابنِ عَباسٍ، أَنَّ رَجُلاً قالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شاءَ اللهُ وَشِئْتَ، قَالَ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)))) هذا يُقَرِّرُ مَا تَقَدَّمَ منْ أنَّ هذا شِرْكٌ؛ لوُجُودِ التسويَةِ في العطفِ بالواوِ.
وقَوْلُهُ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا))
فيهِ بَيَانُ أنَّ مَنْ سَوَّى العبدَ باللهِ ولوْ في الشركِ الأصغرِ فقدْ
جَعَلَهُ نِدًّا للهِ شاءَ أمْ أَبَى، خلافًا لِمَا يَقُولُهُ الجاهلونَ
بمَا يَخْتَصُّ باللهِ تَعَالَى منْ عبادَتِهِ، وما يَجِبُ النهيُ عنهُ من
الشِّرْكِ بِنَوْعَيْهِ. ومَنْ يُرِد اللهُ بهِ خيرًا يُفَقِّهْهُ في
الدينِ.
قالوا: وَأنْتُمْ لأنتُم القَوْمُ لَوْلا أَنَّكُم تَقُولُونَ: مَا شَاءَ
اللهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ مَرَرْتُ بِنَفَرٍ مِن النَّصارى فَقُلتُ:
إِنَّكُمْ لأنتُم القَوْمُ لَوْلا أَنَّكُمْ تَقُولُونَ: المَسيحُ ابنُ
اللهِ.
قالُوا: وأنْتُمْ لأَنْتُم القَوْمُ لَوْلاَ أنَّكُم تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللهُ وشاءَ مُحَمَّدٌ.
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَخْبَرْتُ بِها مَنْ أَخْبَرْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فقالَ: ((هَلْ أَخْبَرْتَ بِهَا أَحَدًا؟)) قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: فَحَمِدَ اللهَ وأثْنَى عليهِ ثُمَّ قالَ: ((أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ طُفَيْلاً
رَأَى رُؤْيَا أَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ مِنْكُمْ، وَإِنَّكُمْ
قُلْتُمْ كَلِمَةً كَانَ يَمْنَعُنِي كَذَا وَكَذَا أَنْ أَنْهَاكُمْ
عَنْهَا، فَلاَ تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ))).
قَوْلُهُ: (عَن الطُّفَيْلِ أَخِي عائِشةَ لأُمِّها) هوَ الطُّفَيْلُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عائشةَ لأُِمِّهَا، صحابيٌّ، لهُ حديثٌ عندَ ابنِ مَاجَهْ، وهوَ ما ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ في البابِ.
وهذهِ الرُّؤْيَا حَقٌّ، أَقَرَّهَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا، فَنَهَاهُم أنْ يَقُولُوا: ما شاءَ
اللهُ وشاءَ مُحَمَّدٌ، وَأَمَرَهُم أنْ يَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ.
وهذا الحديثُ والذي قَبْلَهُ أَمَرَهُم فيهِ أنْ يَقُولُوا: (مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ) ولا رَيْبَ أنَّ هذا أَكْمَلُ في الإِخلاصِ، وأَبْعَدُ عن الشركِ منْ أنْ يَقُولُوا: (ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ)
لأنَّ فيهِ التصريحَ بالتوحيدِ المُنَافِي لِلتَّنْدِيدِ منْ كلِّ وَجْهٍ.
فالبصيرُ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ أَعْلَى مراتبِ الكمالِ في مقامِ التوحيدِ
والإِخلاصِ.
وقَوْلُهُ: ((كَانَ يَمْنَعُنِي كَذَا وَكَذَا أَنْ أَنْهَاكُمْ عَنْهَا)) وَرَدَ في بعضِ الطُّرُقِ: ((أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ مِنْهُمْ)) وبعدَ هذا الحديثِ الذي حَدَّثَهُ بهِ الطُّفَيْلُ عنْ
رُؤْيَاهُ خَطَبَهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَى عنْ ذلكَ
نَهْيًا بَلِيغًا، فما زالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَلِّغُهُم
حتَّى أَكْمَلَ اللهُ لهُ الدينَ، وَأَتَمَّ لهُ بهِ النعمةَ، وَبَلَّغَ
البلاغَ المُبِينَ. صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ
أَجْمَعِينَ.
وفيهِ معنى قولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ)).
القول السديد للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (3) هذه الترجمةُ داخِلةٌ في الترجمةِ السابقةِ {فَلاَ تجْعَلُوا للهِ أَندَادًا}.
تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي
قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ((5)
قولُهُ في حديثِ حُذيفةَ رضِيَ اللهُ عنْهُ: ((لا تَقُولوا)) (لا) ناهيَةٌ؛ ولهذا جُزِمَ الفعلُ بعدَها بحذفِ النونِ. فإنْ قيلَ: سبقَ أنَّ مِنَ الشركِ الاستعاذةَ بغيرِ اللهِ، وعلَى هذا يكونُ قولُهُ أعوذُ باللهِ ثُمَّ بِكَ محرَّمًا؟ أُجيبَ: أنَّ الاستعاذةَ بمَنْ يَقْدِرُ علَى أنْ يُعِيذَكَ جائزةٌ؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّم في (صحيحِ مسلمٍ) وغيرِه: ((مَنْ وَجَدَ مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ)). (7) فيهِ مَسائِلُ: الأولَى: (تفسيرُ آيَةِ البَقَرَةِ في الأندادِ) وقدْ سبقَ. (8) الثانيَةُ: (أنَّ الصحابَةَ يفسِّرونَ الآيَةَ النازِلَةَ في الشِّرْكِ الأكبرِ أَنَّها تَعُمُّ الأصغرَ) (9) الثالثةُ: (أنَّ الحَلِفَ بغيرِ اللهُ شِرْكٌ) لحديثِ ابنِ عمرَ رضِي اللهُ عنهما. (10) الرابعةُ: (أنَّهُ إذا حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ صادِقًا فهُوَ أكبرُ مِنَ اليمينِ الغَموسِ)
واليمينُ الغموسُ عندَ الحنابلةِ أنْ يَحْلِفَ باللهِ كاذبًا، وقالَ بعضُ
العلماءِ -وهوَ الصحيحُ- أنْ يحلفَ باللهُ كاذبًا ليَقْتَطِعَ بها مالَ
امرئٍ مسلمٍ. (11) الخامسةُ: (الفرقُ بينَ (الواوِ) و(ثُمَّ) في اللفظِ) لأنَّ (الواوَ) تقتضي المساواةَ فتكونُ شِرْكًا، و(ثمَّ) تقتضي الترتيبَ والتراخيَ فلا تكونُ شِرْكًا. (12) مناسبةُ هذا البابِ لكتابِ التوحيدِ: أنَّ الاقتناعَ بالحلفِ باللهِ مِنْ تعظيمِ اللهِ؛
لأنَّ الحالِفَ أكَّدَ ما حُلِفَ عليهِ بالتعظيمِ باليمينِ، وهوَ تعظيمُ
المحلوفِ بهِ، فيكونُ مِنْ تعظيمِ المحلوفِ بهِ أنْ يُصَدَّقَ ذلكَ
الحالفُ، وعلَى هذا يكونُ عدمُ الاقتناعِ بالحلفِ باللهِ فيهِ شيءٌ مِنْ
نقصِ تعظيمِ اللهِ، وهذا ينافي كمالَ التوحيدِ، والاقتناعُ بالحلفِ باللهِ لا يخلوْ مِنْ أمرينِ: الأولُ: أنْ يكونَ ذلكَ مِنَ الناحيَةِ الشرعيَّةِ، فإنَّهُ يجبُ الرضا بالحلفِ باللهِ فيما إذا توجَّهَت اليمينُ علَى المدَّعَى عليهِ فحلفَ، فيجبُ الرضا بهذا اليمينِ بمقتضَى الحكمِ الشرعيِّ. الثاني: أنْ يكونَ ذلكَ مِنَ الناحيَةِ الحسيَّةِ، فإنْ كانَ الحالفُ موضعَ صدقٍ وثقةٍ فإنَّكَ تَرْضَى بيمينِهِ، وإنْ كانَ غيرَ ذلكَ فلكَ أنْ تَرْفُضَ الرضا بيمينِهِ. قالوا: كَيْفَ نَرْضَى يا رَسولَ اللهِ بأَيْمَانِ اليهودِ؟ (13) قولُهُ في الحديثِ: (لاتَحْلِفوا) (لا): ناهيَةٌ؛ ولهذا جُزِمَ الفعلُ بعدَها بحذفِ النونِ، و(آبائِكم) جمعُ: أبٍ، ويشمَلُ الأبَ والجدَّ وإنْ علا، فلا يجوزُ الحلفُ بهمْ؛ لأنَّهُ شِرْكٌ وقَدْ سبقَ بيانُهُ. الأمرُ الأولُ للحالفِ: فقدْ أُمِرَ أنْ يكونَ صادقًا،والصدقُ هوَ: الإخبارُ بما يطابِقُ الواقعَ، وضدُّهُ الكذبُ وهوَ: الإخبارُ بما يخالفُ الواقعَ فقولُهُ: ((مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ)) أيْ: فليكنْ صادقًا في يمينِهِ. وهلْ يُشترطُ أنْ يكونَ مطابقًا للواقعِ أوْ يكفي الظنُّ؟ الجوابُ: يكفي الظنُّ،
فلَهُ أنْ يحلفَ علَى ما يغلِبُ علَى ظنِّهِ، كقولِ الرجلِ للنَّبيِّ
صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: واللهِ ما بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بيْتٍ
أفْقَرُ مِنِّي، فأقرَّهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ. الثاني للمحلوفِ لَه: فقَدْ أُمِر أنْ يرْضَى بيمينِ الحالِفِ لَهُ،
فإذا قرَنْتَ هذينِ الأمرينِ بعضَهما ببعضٍ، فإنَّ الأمرَ الثاني يُنزَّلُ
علَى ما إذا كانَ الحالفُ صادقًا؛ لأنَّ الحديثَ جَمَعَ أمرينِ: أمرًا
مُوَجَّهًا للحالفِ، وأمرًا موجَّهًا للمحلوفِ لهُ، فإذا كانَ الحالفُ
صادقًا وجبَ علَى المحلوفِ لهُ الرضا. فإنْ قيلَ: إنْ كانَ صادقًا فإنَّنا نصدِّقُهُ، وإنْ لمْ يحلفْ؟ أجيبَ: أنَّ اليمينَ تزيدُهُ توْكيدًا. قولُهُ: (وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ) أيْ: مَنْ لمْ يَرْضَ بالحلفِ باللهِ إذا حُلِف لَهُ فليسَ مِنَ اللهِ. بن قاسم في (حاشية كتاب التوحيد) ص 305: (أي
الوعيد لكونه من الفعل المنافي لكمال التوحيد، لدلالته على قلة تعظيمه
لجناب الربوبية، فإن القلب الممتلئ بمعرفة عظمة الله وجلاله لا يفعل ذلك) . (14) فيهِ مَسائِلُ: الأولَى: لقولُهُ: ((لاَ تَحْلِفُوا بآبائِكُم)) والنهيُ للتحريمِ. (15) الثانيَةُ: (الأمرُ للمَحْلوفِ لَهُ باللهِ أنْ يرضَى) لقولِهِ: ((وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ)) وسبقَ التفصيلُ في ذلكَ. (16) الثالثةُ: (وعيدُ مَنْ لَمْ يَرْضَ) لقولِهِ: ((وَمَنْ لَمْ يَرْضَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ)). الرابعةُ : ولم يَذْكُرْها المؤلِّفُ -: أمرُ الحالفِ أن يَصْدُقَ؛ لأنَّ الصدقَ واجبٌ في غيرِ اليمينِ، فكيفَ باليمينِ، وقدْ سبقَ أنَّ مَنْ حَلَفَ علَى يمينٍ كاذبةٍ أنَّهُ آثِمٌ، وقالَ بعضُ العلماءِ: إنَّها اليمينُ الغَمُوسُ. وأمَّا بالنسبةِ للمحلوفِ لهُ: هلْ يلزَمُهُ أنْ يُصَدِّقَ أمْ لا؟ المسألةُ لا تخلُو مِنْ أحوالٍ خمسةٍ: الأولَى: أنْ يَعْلَمَ كذبَهُ، فلا أحدَ يقولُ: إنَّهُ يلزمُ تصديقُهُ. الثانيَةِ: أنْ يترجَّحَ كذبُهُ، فكذلكَ لا يَلْزَمُ تصديقُهُ. الثالثةِ: أنْ يَتَسَاوَى الأمرانِ فهذا يجبُ تصديقُهُ. الرابعةُ: أنْ يترجَّحَ صدقُهُ، فيجبُ أنْ يُصَدَّقَ. الخامسةُ: أنْ يَعْلَمَ صدقَهُ، فيجبُ أنْ يُصَدِّقَهُ. (17) مناسبةُ البابِ لكتابِ التوحيدِ: أنْ قولَ: ((ما شاءَ اللهُ وشئتَ))
مِنَ الشركِ الأكبرِ أو الأصغرِ؛ لأنَّهُ إن اعتقدَ أنَّ المعطوفَ مساوٍ
للهِ فهوَ شِرْكٌ أكبرُ، وإن اعتقدَ أنَّهُ دونَهُ لكنْ أشركَ بهِ في
اللفظِ فهوَ أصغرُ، وقدْ ذكَرَ بعضُ أهلِ العلمِ: أنَّ مِنْ جملةِ ضوابطِ
الشركِ الأصغرِ أنَّ ما كانَ وسيلةً للأكبرِ فهوَ أصغرُ. (18) قولُهُ: (أنَّ يَهُوديًّا) اليهوديُّ هوَ: المنتسِبُ إلَى شريعةِ موسَى عليهِ السلامُ، وسُمُّوا بذلكَ مِنْ قولِهِ تعالَى: {إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ} أيْ: رَجَعْنَا، أوْ لأنَّ جدَّهم اسمُهُ يَهُوذَا بنُ يعقوبَ، فتكونُ النسبةُ منْ أجلِ النسبِ، وفي الأولِ تكونُ النسبةُ مِنْ أجلِ العملِ، ولا يَبْعُدُ أنْ تكونَ مِنَ الاثنينِ جميعًا. (19) قولُهُ في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ رجُلاً قالَ للنبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ) الظاهرُ أنَّهُ قالَهُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تعظيمًا، وأنَّهُ جعلَ الأمرَ مُفَوَّضًا لمشيئةِ اللهِ ومشيئةِ رسولِهِ. والندُّ هوَ: النظيرُ والمساوي؛ أيْ: أجَعَلْتَنِي للهِ مساويًا في هذا الأمرِ. وتعظيم النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بلفظٍ يقتضي مساواتَهُ للخالقِ شركٌ،
فإنْ كانَ يعتقدُ المساواةَ فهوَ شركٌ أكبرُ، وإنْ كانَ يعتقدُ أنَّهُ
دونَ ذلكَ فهوَ أصغرُ، وإذا كانَ هذا شِرْكًا فكيفَ بمَنْ يجعلُ حقَّ
الخالقِ للرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ (20) قولُهُ في حديثِ الطُّفَيْلِ:((رأيتُ كَأنِّي أَتَيتُ عَلَى نَفَرٍ مِنَ اليهودِ)) أيْ: رؤيا في المنامِ. والروحُ: علَى الراجحِ عندَ أهلِ السُّنةِ: ذاتٌ لطيفةٌ تدخلُ الجسمَ وتَحُلُّ فيهِ، كما
يَحُلُّ الماءُ في الطينِ اليابسِ، ولهذا يَقْبِضُهَا المَلَكُ عندَ
الموتِ وتُكَفَّنُ ويُصْعَدُ بها، ويراها الإنسانُ عندَ موتِهِ. فالصحيحُ
أنَّها ذاتٌ، وإنْ كانَ بعضُ الناسِ يقولونَ: إنَّها صفةٌ، وليسَ كذلكَ،
بل الحياةُ صفةٌ والروحَ ذاتٌ، وقد أضافَ اللهُ رُوحَ عيسَى إليهِ، كمَا
أضافَ: البيتَ والمساجدَ والناقةَ إليهِ، وما أشبَهَ ذلكَ علَى سبيلِ
التشريفِ والتعظيمِ، ولا شكَّ أنَّ المضافَ إلَى اللهِ يَكْتَسِبُ شرفًا
وعظمةً. قولُهُ: ((وأثْنَى عليهِ)) أيْ: كرَّرَ ذلكَ الوصفَ. (21) فيهِ مَسائِلُ: الأولَى: (مَعْرِفَةُ اليهودِ بالشِّرْكِ الأصغَرِ) لقولِهِ: {إِنَّكُمْ لِتُشْرِكُونَ}. (22) الثانيَةُ: (فَهْمُ الإنسانِ إذا كَانَ لَهُ هَوًى)
أيْ: إذا كانَ لهُ هوًى فَهِمَ شيئًا، وإنْ كانَ هوَ يَرْتَكِبُ مثلَهُ
أوْ أشدَّ منهُ، فاليهودُ مثلاً أنكروا علَى المسلمينَ قولَهم: ((مَا شاءَ اللهُ وشِئْتَ)) وهمْ يقولونَ أعظمَ مِنْ هذا، يقولُونَ: عزيرٌ ابنُ اللهِ، ويَصِفُون اللهَ تعالَى بالنقائِصِ والعيوبِ. (23) الثالثةُ: ((قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلّم: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا)) هوَ قولُهُ: (ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ)). يا أكرمَ الـخلـقِ مـا لي مـَنْ ألوذُ بِهِ سواكَ عندَ حلولِ الحادثِ العَمَمِ وهذا غايَةُ الكفرِ والغلوِّ، فلمْ يجعلْ للهِ شيئًا، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شرَفُهُ بكونِهِ عبدَ اللهِ ورسولَهُ، لا لمجرَّدِ كونِهِ محمَّدَ بنَ عبدِ اللهِ. (24) الرابعةُ: (أَنَّ هَذا ليسَ مِنَ الشِّركِ الأكبرِ لقولِهِ: ((يَمْنَعُني كَذا وكَذا)) لأنَّهُ لوْ كانَ مِنَ الشركِ الأكبرِ ما منعَهُ شيءٌ مِنْ إنكارِهِ. (25) الخامسةُ: (أنَّ الرُّؤيا الصَّالحةَ مِنْ أقْسامِ الوَحْيِ) تُؤخذُ مِنْ حديثِ الطُّفَيْلِ، ولقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ))
وهذا موافقٌ للواقعِ بالنسبةِ للوحيِ الذي أُوحِي إلَى النبيِّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ لأنَّ أولَ الوحيِ كانَ بالرؤيا الصالحةِ منْ ربيعٍ
الأولِ إلَى رمضانَ، وهذا سِتَّةُ أشهرٍ، فإذا نَسَبْتَ هذا إلَى بقيَّةِ
زمنِ الوحي كانَ جُزءًا منْ ستَّةٍ وأربعينَ جزءًا؛ لأنَّ الوحيَ كانَ
ثلاثًا وعشرينَ سنةً وستَّةَ أشهرٍ مقدِّمَةً لهُ. والرُّؤْيَا الصالِحةُ: هيَ التي تَتَضَمَّنُ الصَّلاحَ، وتأْتِي مُنَظَّمَةً وليستْ بأضغاثِ أحلامٍ. أما أضغاثُ الأحلامِ: فإنَّها مُشَوَّشةٌ غيرُ مُنَظَّمَةٍ، وذلكَ مثلُ التي قصَّها رجلٌ علَى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَأْسِي قدْ قُطِعَ. والغالبُ أنَّ الْمرائيَ المكروهةَ مِنَ الشيطانِ، قالَ اللهُ تعالَى: {إنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيُحْزِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ}،
ولذلكَ أرشدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لمَنْ رأَى ما يَكْرَهُ
أن يَتْفُلَ عنْ يسارِهِ، أوْ يَنْفُثَ ثلاثَ مراتٍ وأنْ يقولَ:((أَعوذُ
بِاللهِ مِنْ شَرِّ الشَّيطَانِ، وَمِنْ شرِّ مَا رَأيتُ، وَأَنْ
يتَحَوَّلَ إلَى الْجَانِبِ الآخَرِ وَأَنْ لاَ يُخْبِرَ أَحَدًا)) وفي روايَةٍ: (أَمَرَهُ أنْ يَتَوضَّأ وأنْ يُصلِّيَ). (26) السادسةُ: ((أنَّها قدْ تكونُ سببًا لِشَرْعِ بعضِ الأحكامِ)) مِنْ ذلكَ رؤيا إبراهيمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنَّهُ يَذْبَحُ ابنَهُ، وهذا الحديثُ، وكذلكَ أثبتَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رؤيا عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ في الأذانِ وقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: ((إِنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ)) وأبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ أثبتَ رؤْيَا مَنْ رأَى ثابتَ بنَ قيسِ بنِ شَمَّاسٍ، فقالَ للذي رآه: إنكم سَتَجِدُونَ دِرْعِي تحتَ بُرْمةٍ، وعندهَا فَرَسٌ يَسْتَنُّ.
قولُهُ: ((ما شاءَ اللهُ وشاءَ فلانٌ)) والعلَّةُ في ذلكَ أنَّ الواوَ تقتضي تسويَةَ المعطوفِ بالمعطوفِ عليهِ، فيكونُ القائلُ: (ما شاءَ اللهُ وشئتَ) مسوِّيًا مشيئةَ اللهِ بمشيئةِ المخلوقِ، وهذا شركٌ، ثمَّ إن اعتقدَ أنَّ المخلوقَ أعظمُ مِنَ الخالقِ، أوْ أنَّهُ مساوٍ لهُ فهوَ شركٌ أكبرُ، وإن اعتقدَ أنَّهُ أقلُّ فهوَ شِركٌ أصغرُ.
قولُهُ: ((ولَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ))
لمَّا نَهَى عَنِ اللفظِ المحرَّمِ بيَّن اللفظَ المباحَ؛ لأنَّ (ثمَّ)
للترتيبِ والتراخي، فتفيدُ أنَّ المعطوفَ أقلُّ مرتبةً مِنَ المعطوفِ
عليهِ.
أمَّا بالنسبةِ لقولِهِ: (ما شاءَ اللهُ فشاء فُلان) فالحكمُ فيها أنَّها مرتبةٌ بينَ مرتبةِ (الواوِ)
ومرتبةِ (ثُمَّ)، فهيَ تختلفُ عَن (ثُمَّ) بأنَّ (ثمَّ) للتراخي والفاءَ
للتعقيبِ، وتُوافِقُ (ثمَّ) بأنَّها للترتيبِ، فالظاهرُ أنَّها جائزةٌ،
ولكنَّ التعبيرَ بـ(ثمَّ) أَوْلَى؛ لأنَّهُ اللفظُ الذي أرْشَدَ
إليهِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ولأنَّهُ أبينُ في إظهارِ الفرقِ
بينَ الخالقِ والمخلوقِ.
هذا محرَّمٌ؛ لأنَّهُ جمعٌ بينَ اللهِ والمخلوقِ بحرفٍ يقتضي التسويَةَ، وهوَ (الواو).
ويجوزُ (باللهِ ثُمَّ بِكَ) لأنَّ (ثمَّ) تدلُّ علَى الترتيبِ والتراخي.
لكنْ لوْ قالَ: (أعوذُ باللهِ ثُمَّ بفلانٍ) وهوَ ميِّتٌ، فهذا شِركٌ أكبرُ؛ لأنَّهُ لا يقدِرُ علَى أنْ يُعيذَكَ، وأمَّا استدلالُ الإمامِ أحمدَ علَى أنَّ القرآنَ غيرُ مخلوقٍ بقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)).
ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ:
(والاستعاذةُ لا تكونُ بمخلوقٍ، فيُحملُ كلامُهُ علَى أنَّ الاستعاذةَ
بكلامٍ لا تكونُ بكلامٍ مخلوقٍ، بلْ بكلامٍ غيرِ مخلوقٍ، وهوَ كلامُ اللهِ،
والكلامُ تابعٌ للمتكلِّمِ بهِ، إنْ كانَ مخلوقًا فهوَ مخلوقٌ، وإنْ كانَ
غيرَ مخلوقٍ فهوَ غيرُ مخلوقٍ).
لأنَّ قولَهُ تعالَى: {فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، نازلةٌ في الأكبرِ؛ لأنَّ المخاطَبَ بها هم المشركونَ، وابنُ عباسٍ فسَّرها بما يَقْتَضِي الشِّرْكَ الأصغرَ؛ لأنَّ النِّدَّ يشملُ النظيرَ المساويَ علَى سبيلِ الإطلاقِ، أوْ في بعضِ الأمورِ.
ولهذا لما قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لِحُوَيِّصَةَ ومُحَيِّصَةَ:((تُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا)).
فأقرَّهُم النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ علَى ذلكَ.
قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:((مَنْ حَلَفَ بِاللهِ فَلْيَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بِاللهِ فَلْيَرْضَ))هنا أمرانِ:
قال ا
وهذا تبرُّؤٌ منهُ يَدُلُّ علَى أنَّ عدمَ الرضا مِنْ كبائرِ الذنوبِ،
ولكنْ لا بدَّ مِنْ ملاحظةِ ما سبقَ، وقدْ أشرْنا أنَّ في حديثِ القَسامةِ
دليلاً علَى أنَّهُ إذا كانَ الحالفُ غيرَ ثقةٍ فلكَ أنْ تَرْفُضَ الرضا
بهِ؛ لأنَّهُ غيرُ ثقةٍ، فلوْ أنَّ أحدًا حلفَ لكَ.
وقالَ: (واللهِ
إنَّ هذه الحقيبةَ مِنْ خشبٍ، وهيَ منْ جلدٍ، فيجوزُ أنْ لا تَرْضَى بهِ؛
لأنَّكَ قاطعٌ بكذبِهِ، والشَّرْعُ لا يأمرُ بشيءٍ يُخالفُ الحِسَّ
والواقعَ، بلْ لا يأمرُ إلاَّ بشيءٍ يستحسِنُهُ العقلُ ويشهدُ لَهُ بالصحةِ
والحُسْنِ، وإنْ كانَ العقلُ لا يُدْرِكُ أحيانًا مدَى حسنِ هذا الشيءِ
الذي أمرَ بهِ الشرعُ، ولكنْ لِيُعْلَمْ علمَ اليقينِ أنَّ الشرعَ لا يأمرُ
إلاَّ بما هوَ حسنٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى يقولُ: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}
فإذا اشتبهَ عليكَ حسنُ شيءٍ مِنْ أحكامِ الشرعِ فاتَّهِمْ نفسَكَ
بالقصورِ أوْ بالتقصيرِ، أمَّا أنْ تتَّهِمَ الشرعَ فهذا لا يمكنُ، وما
صحَّ عن اللهِ ورسولِهِ فهوَ حقٌّ وهوَ أحسنُ الأحكامِ).
وهذا في الأمورِ الحسيَّةِ، أمَّا الأمورُ الشرعيَّةُ في بابِ التحاكمِ
فيجبُ أنْ يَرْضَى باليمينِ، ويلتزمَ بمقتضاها؛ لأنَّ هذا مِنْ بابِ الرضا
بالحكمِ الشرعيِّ، وهوَ واجبٌ.
قولُهُ: (إِنَّكُم تُشرِكُونَ) أيْ: تَقَعونَ في الشركِ أيُّها المسلمونَ.
قولُهُ: ((ما شاءَ اللهُ وشئْتَ))
الشركُ - هنا - أنَّهُ جعلَ المعطوفَ مساويًا للمعطوفِ عليهِ، وهوَ اللهُ
عزَّ وجلَّ، حيث كانَ العطفُ بالواوِ المفيدةِ للتَّسْوِيَةِ.
قولُهُ: ((والكعبةِ))
الشركُ -هنا- أنَّهُ حَلِفٌ بغيرِ اللهِ، ولمْ يُنِكِر النبيُّ صلَّى
اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما قالَ اليهوديُّ، بلْ أمَرَ بتصحيحِ هذا الكلامِ
فأمرهم إذا حلفوا أنْ يقولوا: وربِّ الكعبةِ، فيكونُ القسَمُ باللهِ.
وأمَرَهم أنْ يقولوا: ((ما شاءَ اللهُ ثمَّ شئتَ)) فيكونُ الترتيبُ بـ(ثمَّ)
بينَ مشيئةِ اللهِ ومشيئةِ المخلوقِ، وبذلكَ يكونُ الترتيبُ صحيحًا؛ أمَّا
الأولُ فلأن الحلفَ صارَ باللهِ، وأمَّا الثاني فلأنَّهُ جُعلَ بلفظٍ
يتبيَّنُ بهِ تأخُّرُ مشيئةِ العبدِ عنْ مشيئةِ اللهِ، وأنَّهُ لا مساواةَ
بينَهُمَا.
قولُهُ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟))الاستفهامُ للإنكارِ، وقدْ ضُمِّنَ معنَى التعجُّبِ، ومَنْ جعلَ للخالقِ ندًّا فقدْ أتَى شيئًا عجابًا.
قولُهُ: (بلْ مَا شاءَ اللهُ وحْدَهُ) أرشدَهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلَى ما يَقْطَعُ عنهُ الشركَ، ولمْ يرشدْهُ إلَى أنْ يقولَ: ((ما شاءَ اللهُ ثمَّ شئتَ)) حتَّى يَقْطَعَ عنه كلَّ ذريعةٍ عَنِ الشركِ وإنْ بَعُدَت.
هذا أعظمُ؛ لأنَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ليسَ لهُ شيءٌ مِنْ خصائصِ
الربوبيَّةِ، بلْ يَلْبَسُ الدِّرْعَ، ويحملُ السلاحَ، ويجوعُ، ويتألَّمُ،
ويَمْرَضُ، ويعطشُ كبقيَّةِ الناسِ، ولكنَّ اللهَ فضَّلَهُ علَى البشرِ بما
أَوْحَى إليهِ مِنْ هذا الشرعِ العظيمِ، قالَ تعالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} فهوَ بشرٌ، وأكَّدَ هذهِ البشريَةَ بقولِهِ: {مِثْلُكُمْ} ثمَّ جاءَ التمييزُ بينَهُ وبينَ بقيَّةِ البشرِ بقولِهِ تعالَى: {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ}.
ولا شكَّ أنَّ اللهَ أعطاهُ مِنَ الأخلاقِ الفاضلةِ التي بها الكمالاتُ
مِنْ كلِّ وجهٍ: أعطاهُ مِنَ الصبرِ العظيمِ، وأعطاهُ مِنَ الكرمِ ومِنَ
الجودِ، لكنَّها كلَّها في حدودِ البشريَّةِ، أمَّا أنْ تَصِلَ إلَى خصائصِ
الربوبيَّةِ فهذا أمرٌ لا يمكنُ، ومَن ادَّعَى ذلكَ فقْد كفرَ بمحمدٍ
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكفرَ بمَنْ أرسلَهُ.
فالمهمُّ أنَّنا لا نغلُو في الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فنُنَزِّلُهُ
في منزلةٍ هوَ يُنْكِرُهَا، ولا نَهْضِمُ حقَّهُ الذي يجبُ علينا، فنعطيهِ
مَا يجبُ لَهُ، ونسألُ اللهَ أنْ يعينَنا علَى القيامِ بحقِّهِ، ولكننَّا
لا نُنَزِّلُهُ منزلةَ الربِّ عزَّ وجلَّ.
وقولُهُ: (كَأنَّ) اسمُها الياءُ، وجملةُ (أتَيْتَ) خبرُها.
وقولُهُ: (عَلَى نَفَرٍ) من الثلاثةِ إلَى التسعةِ، واليهودُ أتباعُ موسَى.
قولُهُ: ((لأنْتُمُ القَوْمُ)) كلمةُ مدحٍ، كقولِكَ: هؤلاءِ هم الرجالُ.
وقولُهُ: ((عُزَيْرٌ)) هوَ: رجلٌ صالحٌ ادَّعَى اليهودُ أنَّهُ ابنُ اللهِ،
وهذا مِنْ كَذِبهِمْ وهوَ كفرٌ، واليهودُ لهمْ مَثَالِبُ كثيرةٌ، لكنْ
خُصَّتْ هذهِ؛ لأنَّها مِنْ أعظمِهَا وأشهرِهَا عندَهُمْ.
قولُهُ: ((ما شاءَ اللهُ وشاءَ مُحَمدٌ))
هذا شِرْكٌ أصغرُ؛ لأنَّ الصحابةَ الذينَ قالُوا هذا، ولا شكَّ أنَّهم لا
يعتقدونَ أنَّ مشيئةَ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مساويَةٌ لمشيئةِ
اللهِ، فانْتَقَدَ عليهمْ تسويَةَ مشيئةِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ
وسلَّمَ بمشيئةِ اللهِ عزَّ وجلَّ باللفظِ، معَ عِظَمِ ما قالَهُ هؤلاء
اليهودُ في حقِّ اللهِ جلَّ جلالُهُ.
قولُهُ: ((تقولونَ:المسيحُ ابنُ اللهِ))هوَ: عيسَى ابنُ مريمَ، وسُمِّيَ مسيحًا بمعنَى: ماسحٍ، فهوَ (فَعِيلٌ) بمعنَى (فاعلٍ)؛ لأنَّهُ كانَ لايَمْسَحُ ذا عاهةٍ إلاَّ بَرِئَ بإذنِ اللهِ، كالأكْمَهِ والأبْرَصِ.
والشيطانُ لَعِبَ بالنصارَى فقالُوا: (هوَ ابنُ اللهِ؛ لأنَّهُ أتَى بدونِ أبٍ) كما في القرآنِ: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} قالُوا: هوَ جزءٌ مِنَ اللهِ؛ لأنَّ اللهَ أضافَهُ إليهِ، والجزءُ هوَ الابنُ.
قولُهُ: ((فلَما أصْبَحْتُ أَخْبَرْتُ بِها مَنْ أخبَرتُ)) المقصودُ بهذهِ العبارَةِ الإبهامُ، كقولِهِ تعالَى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} والإبهامُ قدْ يكونُ للتعظيمِ كما في الآيَةِ المذكورةِ، وقدْ يكونُ للتحقيرِ، حسَبَ السياقِ، وقدْ يُرادُ بهِ معنًى آخرُ.
قولُهُ: ((هلْ أَخْبَرْتَ بِها أحدًا؟))
سألَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هذا السؤالَ؛ لأنَّهُ لوْ قالَ:
لم أُخْبِرْ أحدًا؛ فالمتوقَّعُ أنَّ الرسولَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ
سيقولُ لَهُ: لا تُخْبِرْ أحدًا، هذا هوَ الظاهرُ، ثمَّ يُبَيِّنُ لهُ
الحكمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، لكنْ لمَّا قالَ إنَّهُ أخبرَ بها، صارَ لا
بدَّ مِنْ بيانِهَا للناسِ عمومًا؛ لأنَّ الشيءَ إذا انتشَرَ يَجِبُ أنْ
يُعلَنَ عنهُ، بخلافِ ما إذا كانَ خاصًّا فهذا يُخْبَرُ بهِ مَنْ وصَلَهُ
الخبرُ.
قولُهُ: ((فَحَمِدَ اللهَ))الحمدُ: وصفُ المحمودِ بالكمالِ معَ المحبةِ والتعظيمِ.
قولُهُ: ((أَمَّا بعدُ)) سبقَ أنَّها بمعنَى: مَهْمَا يكنْ مِنْ شيءٍ بعدُ؛ أيْ: بعدَ ما ذكرتُ فكذا وكذا.
قولُهُ: ((يَمْنَعُنِي كَذا وكَذا))
أيْ: يمنعهُ الحياءُ كما في روايَةٍ أخرَى، ولكنْ ليسَ الحياءُ مِنْ
إنكارِ الباطلِ، ولكنْ مِنْ أنْ يَنْهَى عنها دونَ أنْ يأمرَهُ اللهُ
بذلكَ، هذا الذي يجبُ أنْ تُحمَلَ عليهِ هذه اللفظةُ إنْ كانتْ محفوظةً،
أنَّ الحياءَ الذي يمنعُهُ ليسَ الحياءَ مِنَ الإنكارِ؛ لأنَّ الرسولَ
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يَسْتَحِي مِنَ الحقِّ، ولكنَّ الحياءَ مِنْ
أنْ ينكرَ شيئًا قدْ درَجَ علَى الألسنةِ، وألِفَهُ الناسُ قبلَ أنْ يؤمرَ
بالإنكارِ.
مثلَ: الخمرِ، بقيَ الناسُ يشربونَها حتَّى حُرِّمَتْ في سورةِ المائدةِ،
فالرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لمَّا لمْ يُؤْمَرْ بالنهيِ عنها
سكتَ، ولما حصلَ التنبيهُ علَى ذلكَ بإنكارِ هؤلاءِ اليهودِ والنصارَى رأَى
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّهُ لا بدَّ مِنْ إنكارِها؛ لدخولِ اللومِ
علَى المسلمينَ بالنطقِ بها.
قولُهُ: ((قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)) نهاهُمْ عَنِ الممنوعِ، وبيَّنَ لهم الجائزَ.
قال في (فتح المجيد) ص499: (وهذا
الحديث والذي قبله: أمرهم أن يقولوا ما شاء الله وحده. ولا ريب أن هذا
أكمل في الإخلاص، وأبعد عن الشرك، من أن يقولوا: ثم شاء فلان؛ لأن فيه
التصريح بالتوحيد المنافي للتنديد من كل وجه، فالبصير يختار لنفسه أعلى
مراتب الكمال في مقام التوحيد والإخلاص) .
وقولُهُ: ((فكيفَ بمَنْ قالَ: مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ سِواكَ..)) والبيتينِ بعدَهُ: يُشيرُ رحمَهُ اللهُ إلَى أبياتٍ للبُوصِيرِيِّ في البُرْدةِ القصيدةِ المشهورةِ يقولُ فيها:
إنْلم تَكُنْ آخِذًا يومَ الـمَعادِ يدي عـفـوًا،وإلاَّ فــقـلْ يـا زَلـَّةَ الـقـَدَمِ
فـإنَّ مـِنْ جُودِكَ الدنــيا وضَرَّتَهَا ومـِنْ عـلـومـِكَ عـلمَ اللوحِ والقلمِ
وإِني جَعلتُ أشتَدُّ وراءهُ سعيًا.
فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:((لاَ تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلاَعُبِ الشَّيطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ)).
فلما أصبحَ الرجلُ ذهبَ إلَى خالدِ بنِ الوليدِ وأخبرَهُ.
فذهبُوا إلَى المكانِ ورأوُا الدرعَ تحتَ البُرْمةِ عندَها الفرسُ، فنفَّذَ أبو بكرٍ وصيَّتَهُ؛ لوجودِ القرائنِ التي تدلُّ علَى صدقِهَا).
لكن لوْ دلَّتْ علَى مَا يُخَالِفُ الشريعَةَ فلا عِبْرَةَ بها، ولا يُلْتَفَتُ إليها؛ لأنَّها ليستْ رؤيا صالِحَةً.
شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن
محمد آل الشيخ: (هذا الباب ترجمه بقوله: (باب قول ما شاء الله وشئت) وهذه المسألة: مرَّ الكلام عليها في باب قول الله تعالى: {فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون} وأنَّ قول القائل: (ما شاء الله وشئت) شرك في اللفظ، وتشريك في المشيئة وهذا من الشرك الأصغر.
الباب واضح من حيث ما اشتمل عليه؛ لكن فيه فائدة أو فيه فوائد: أنَّ قوله، ي حديث قتيلة: ((أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنكم تشركون. تقولون: ما شاء الله وشئت. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم -إذا أرادوا، أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت) )رواه النسائي وصححه. فيه من الفوائد: ما قاله الشيخ -رحمه الله- في مسائل الباب، قال: (فيه فهم الإنسان إذا كان له هوى) فهؤلاء اليهود هم أهل الشرك، يقولون: عزير ابن
الله، ويشركون بالله جل وعلا؛ لكنهم مع كونهم مشركين نقموا على أهل
الإسلام أنهم يشركون، وهذا لأجل الطعن فيهم؛ فالهوى، وطلب تنقّص أهل
الإسلام، والنقد عليهم، والقول لهم أو مخاطبتهم بما يسوؤهم: هذا كان قصداً
لهم؛ ولهذا فهموا من أين يدخلون. فقالوا لهم: إنكم تشركون وهم أهل الشرك؛
لكن فيه أنَّ صاحب الهوى قد يفهم الصواب؛ فإذا فهم الصواب، فإن الواجب أن
يُقبل منه؛ لأن المؤمن يجب عليه أن يقبل الحق ممن جاء به ولو كان يهوديّاً،
أو نصرانيّاً؛ فهذا اليهودي، أو النصراني، أو النصارى - كما سيأتي - هؤلاء
توجهوا إلى المؤمنين بالقدح فيهم بالشرك، ولم يمنع النبي -صلى الله عليه
وسلم- من قبول الحق الذي قالوه، أنهم يهود؛ بل قبل ما جاء به ذلك اليهودي،
فأوصاهم بأن يتركوا ذلك التنديد. وهذا فيه أنَّ الحق هو ضالة المؤمن، أين وجده أخذه؛ فلا يمنعه من قبول الحق، أن قاله: - أو قاله كافر. - أو قاله فاسق. - أو قاله ضالّ. إذا كان الكلام في نفسه حقاًّ؛ لأنه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها أخذها)). قال: وله أيضاً، والحديث الذي بعده واضح ثم قال: ( ولابن ماجه عن الطفيل -أخي عائشة لأمها- قال: رأيت كأني أتيت على نفرٍ من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزيرٌ ابن الله؛ قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد). هذا فيه:
أنَّ صاحب الهوى أو صاحب الملة الباطلة قد يرد على صاحب الحق بأنَّ عنده
باطلاً، كما أن عند ذاك باطلا؛ فإذا واجهه بذلك، فالواجب عليه: أن يتجرد
للحق، وأن لا يرد الحقَّ لأجل أنَّ مَنْ أتى به صاحب باطل؛ فالقاعدة عند أهل السنة والإيمان: أنَّ البدعة لا تُردُّ ببدعة، والباطل لا يُرد بباطل. وكثيرٌ مما حصل معه النقص في تاريخ
الإسلام، وحصلت الشبهات، وقويت بعض الضلالات، من جهةِ: أنَّ من ووجه بحقٍّ
وكان الذي واجهه بذلك صاحب باطل، أنه ردَّ عليه الحق؛ فصار معنى ذلك: أنه
لا يقبل الحق، ثم صار يوجه الأدلة في إبطال ذلك الحق؛ وهذا كما فعله طائفة
من أهل البدع. وأنْ لا ترد البدعة إلا بحق؛ وإذا جَهِل
المرء كيف يرد البدعة بحق، فيصبر حتى يتعلم، أو يسأل أهل العلم؛ وليس مِن
الواجب عليك أن ترد مباشرة؛ بل إذا ووجهت بحق ولو كان من أضل الضُلاَّل،
فاقبل. فإبليس ـ الشيطان ـ قُبل منه بعض الحق الذي جاء به، وأرشد إليه أبا هريرة؛
وهؤلاء اليهود والنصارى في هذين الحديثين قُبل منهما، يعني: من تلك
الطائفتين حقٌّ، أرشدونا إليه في أعظم المسائل وأجل المطالب، وهو توحيد
الله جل جلاله. هذه المسائل ليست من الشرك الأكبر، بل من الأصغر؛ دلّ عليه قوله في آخره: ((قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها)) والشرك في الألفاظ أتى بالتدريج، بخلاف ـ
يعني ـ نفي الشرك في الألفاظ، وتحريم الشرك في الألفاظ: أتى بالتدريج في
تاريخ بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، وتبليغه أمته بالأوامر والنواهي؛
أما الشرك الأكبر: فقد نفاه من أول الرسالة. ولهذا قال المصنف في مسائل كتاب التوحيد: فيه أنَّ الشرك فيه أكبر وأصغر؛ لقوله: ((كان يمنعني كذا وكذا)) وأما الشرك الأكبر فلا يجوز: - أن يؤخَّر إنكاره.
منها:
- مشرك.
والواجب أيضاً: أن لا تُرد البدعة ببدعة،
أما شرك الألفاظ وبعض أنواع الشرك الأصغر: فأتى بالتدريج؛
فكان الحلف بالآباء جائزاً، ثم نهاهم عليه الصلاة والسلام عن ذلك؛ وكذلك
قول: (ما شاء الله وشئت) ثم نهاهم عن ذلك.
- أو أن يمنع عنه مانع.
أما شرك الألفاظ فقد تكون المصلحة، والفقه، فقه الدعوة، وفقه ترتيب الأهم والمهم، وتقديم الأهم على المهم: أن يؤخر بعضه لتتم المصلحة العظمى.
أما الشرك الأكبر، فلا مصلحةَ تبقى مع وجوده.
العناصر
شرح مسائل باب قول: ما شاء الله وشئت