الدروس
course cover
باب ما جاء في الرياء
26 Oct 2008
26 Oct 2008

4607

0

0

course cover
كتاب التوحيد

القسم السابع

باب ما جاء في الرياء
26 Oct 2008
26 Oct 2008

26 Oct 2008

4607

0

0


0

0

0

0

0

باب ما جاء في الرياء

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ

وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعَبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الْكَهْفُ:110].
وَعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: ((قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ
أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟))

قَالُوا: (بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ).

قَالَ: ((الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ.


فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى: تَفْسِيرُ آيَةِ الْكَهْفِ.

الثَّانِيَةُ: الأَمْرُ الْعَظِيمُ فِي رَدِّ الْعَمَلِ الصَّالِحِ إِذَا دَخَلَهُ شَيْءٌ لِغَيْرِ اللهِ.

الثَّالِثَةُ: ذِكْرُ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِذَلِكَ وَهُوَ كَمَالُ الْغِنَى.

الرَّابِعَةُ: أَنَّ مِنَ الأَسْبَابِ: أَنَّهُ خَيْرُ الشُّرَكَاءِ.

الْخَامِسَةُ: خَوْفُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الرِّيَاءِ.

السَّادِسَةُ: أَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ يُصَلِّيَ الْمَرْءُ للهِ لَكِنْ يُزَيِّنُهَا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ إِلَيْهِ.

هيئة الإشراف

#2

27 Oct 2008

تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ

قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ( (1)

أي: من الوعيدِ، ولما كانَ خلوصُ العملِ من الشركِ والرياءِ شرطًا في قبولِهِ، لمنافاةِ الشركِ والرياءِ للتوحيدِ، نَبَّهَ المصنفُ على ذلك تحقيقًا للتوحيدِ.
والرياءُ: مصدرُ رَاءَى يُرائِي مُراءاةً ورِياءً؛ وهُوَ أَنْ يُرِيَ الناسَ أَنَّهُ يعملُ عملاً على صفةٍ وهو يُضْمِرُ في قلبِه صِفةً أخرى، فلا اعتدادَ ولا ثوابَ إلا بما خلَصَتْ فيه النيةُ للهِ تعالى.
ذكرهُ
القاضي أبو بكرٍ بمعناهُ، وقال الحافظُ: (هو مشتقٌّ من الرؤيةِ، والمرادُ به إظهارُ العبادةِ لقصدِ رؤيةِ الناسِ لها فيُحْمَدُ صاحبُها) انتهى.
والفرقُ بينَه وبينَ السُّمعةِ أَنَّ الرياءَ هو العِلْمُ لرؤيةِ الناسِ، والسُّمْعةَ العملُ لأجلِ سماعِهِم، فالرياءُ يتعلقُ بحاسَّةِ البصرِ، والسُّمعةُ بحاسَّةِ السَّمعِ، ويدخُلُ فيه أَنْ يُخْفِيَ عملَهُ للهِ، ثم يُحَدِّثَ به الناسَ.
قالَ: وقولِ اللهِ تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ}[الكهف:110].
يقولُ تعالى لنبيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قلْ يا محمدُ للناسِ: إنما أنا بشرٌ مثلُكم - أي: في البشريةِ - ولكنَّ اللهَ مَنَّ عليَّ وفضَّلني بالرسالةِ وليسَ لي من الربوبيةِ ولا من الإلهيةِ شيءٌ، بل ذلك للهِ وحدَهُ لا شريكَ له، كمَا قال:
{يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} أي: معبودُكم الذي أدْعُوكم إلى عبادتِه إلهٌ واحدٌ لا شريكَ له {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} أي: مَنْ كانَ يخافُ لقاءَ اللهِ يومَ القيامةِ.
قال
شيخُ الإسلامِ: (أَمَّا اللقاءُ، فقد فسَّرهُ طائفةٌ من السَّلفِ والخلفِ بما يتضمَّنُ المُعاينةَ والمشاهدةَ بعدَ السُّلوكِ والسَّيرِ وقالوا: إنَّ لقاءَ اللهِ يتضمَّنُ رؤيتَهُ سبحانَهُ وتعالى، وأطالَ في ذلك، واحتجَّ له).
وقال
سعيدُ بنُ جبيرٍ: ({فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ}قال: مَن كانَ يَخْشَى البَعْثَ في الآخِرَةِ) روَاه ابنُ أبِي حاتِمٍ.{فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} أي: كائنًا ما كانَ.
قالَ
ابنُ القيِّمِ: (أي: كما أنهُ إلهٌ واحدٌ لا إلهَ سواهُ، فكذلك ينبغي أَنْ تكونَ العبادةُ له وحدَهُ لا شريكَ لهُ، فكما تفرَّدَ بالإلهيةِ يجبُ أَنْ يُفْرَدَ بالعبوديةِ، فالعملُ الصالحُ هو الخالصُ من الرياءِ، المُقيَّدُ بالسُّنَّةِ) انتهى.
وهذان ركنَا العملِ المُتقبَّلِ لا بُدَّ أَنْ يكونَ صوابًا خالصًا،
فالصوابُ أَنْ يكونَ على السُّنَّةِ، وإليه الإشارةُ بقولِهِ: {فَلْيَعَمْلْ عَمَلاً صَالِحًا}والخالصُ: أَنْ يَخْلُصَ من الشركِ الجَلِيِّ والخَفِيِّ، وإليه الإشارةُ بقولِه: {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا}.
روى
عبدُ الرزاقِ وابنُ أبي الدنيا في كتابِ (الإخلاصِ) وابنُ أبي حاتمٍ والحاكمُ عن طَاوسٍ قالَ: (قالَ رجلٌ: (يا نبيَّ اللهِ، إني أقفُ المواقفَ أبتغي وجهَ اللهِ وأحبُّ أَنْ يُرَى موطني) فلم يَرُدَّ عليه شيئًا حتى نزَلَت هذه الآيةُ: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًَا}[الكهف:110]) رواهُ الحاكمُ وصحَّحه موصولاً عن طاوسٍ عن ابنِ عباسٍ.


وفي الآيةِ دليلٌ على الشهادتينِ، وأنَّ اللهَ تعالى فرضَ على نبيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُخْبِرَنا بتوحيدِ الإلهيةِ، وإلا فتوحيدُ الربوبيةِ لم يُنْكِرْهُ الكفارُ الذين كذَّبُوه وقاتلُوه، ذكَرهُ المصنفُ، وفيها تسميةُ الرِّياءِ شركًا.
وفيها:

أَنَّ مِنْ شروطِ الإيمانِ باللهِ واليومِ الآخرِ أَنْ لا يشركَ بعبادةِ ربِّه أحدًا.


ففيه:

التصريحُ بأَنَّ الشركَ الواقعَ من المشركين

إنمّا هو في العبادةِ لا في الربوبيةِ.
وفيها:
الردُّ على مَن قالَ: أولئك يَتَشَفَّعُونَ بالأصنامِ ونحن نَتَشَفَّعُ بصالحٍ؛ لأنَّه قالَ: {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًَا} فليسَ بعدَ هذا بيانٌ، افتتحَ الآيةَ بذكرِ براءةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي هو أقربُ الخلقِ إلى اللهِ وسيلةً، أي: براءتِهِ من الإلهيةِ، وختَمَها بقولِه: {أَحَدًا}.


(واعْلَمْ رَحِمَك اللهُ أنَّ هذه الآيةَ لا يَنْتَفِعُ بها؛ إلا مَن مَيَّزَ بينَ توحيدِ الربوبيةِ، وبينَ توحيدِ الإلهيَّةِ تمييزًا تامًّا، وعرَفَ ما عليه غالبُ الناسِ، إمَّا طواغيتُ يُنازِعُون اللهَ في توحيدِ الربوبيةِ الذي لم يصلْ إليه شركُ المشركين، وإما مصدِّقٌ لهم تابعٌ لهم، وإما شاكٌّ لا يَدْرِي ما أنْزَلَ اللهُ على رسولهِ، ولا يُمَيِّزُ بينَ دينِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبينَ دينِ النَّصارى)

ذكره المصنفُ.


وفيها:

أنَّ أصلَ دينِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي بُعِثَ به هو الإخلاصُ

كما في هذه الآيةِ، وقولُه: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ}[هود:1،2] وذلك هو دعوةُ الرسلِ من أوَّلهِم إلى آخرِهِم كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25] وذلك هو الحَنِيفيةُ الإبراهيميةُ جعَلَنَا اللهُ مِنْ أهلِهَا بِمَنِّهِ وكرمِهِ.
قالَ: (عن
أبي هريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ مرفوعًا، قال اللهُ تعالى: ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَن الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَركْتُه وَشِرْكَه)) رواهُ مسلمٌ.


قولُه:

((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ)) لمَّا كانَ المرائي قاصِدًا بعملِهِ اللهَ تعالى وغَيْرَهُ، كان قد جعَلَ للهِ تعالى شريكًا، فإذا كانَ كذلك، فاللهُ تعالى هو الغنيُّ على الإطلاقِ، والشركاءُ بل جميعُ الخلقِ فقراءُ إليه بكلِّ اعتبارٍ؛ فلا يليقُ بكرَمِه وغناهُ التامِّ أَنْ يَقْبَلَ العملَ الذي جُعِلَ له فيه شريكٌ؛ فإنَّ كمالَهُ تباركَ وتعالى وكرمَهُ وغناهُ يُوجِبُ أَنْ لا يَقْبَلَ ذلكَ، ولا يلزمُ من اسمِ التفضيلِ إثباتُ غنىً للشركاءِ، فقد تقعُ المفاضلةُ بين الشيئين وإنْ كان أحدُهما لا فضلَ فيه، كقولِه تعالى: {آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ}[النمل:59] وقولِه تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً}[الفرقان:24].
قولُه:
((مَن عمِلَ عملاً أشركَ معي فيه غيري)) أي: مَن قَصَدَ بذلك العمَلِ الذي يَعْمَلُهُ لوجهي غيرِي من المخلوقينَ ((تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)) وفي روايةٍ عندَ ابنِ ماجَةَ وغيرِه: ((فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ وَهُوَ للذِي أَشْرَكَ)).
قال
الطِّيبِيُّ: (الضميرُ المنصوبُ في ((تركته)) يجوزُ أن يرجعَ إلى العملِ، والمرادُ من الشركِ الشريكُ).


قال ابنُ رجبٍ:

(واعْلَمْ أَنَّ العملَ لغيرِ اللهِ أقسامٌ:

- فتارةً يكونُ رياءً محضًا، فلا يُرادُ به سِوى مراءاةِ المخلوقينَ لغرضٍ دنيويٍّ، كحالِ المنافقينَ في صلاتِهِم كَمَا قالَ تعالى: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ}[النساء:141] وكذلكَ وصَفَ اللهُ الكفارَ بالرياءِ في قولِهِ: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ}[الأنفال:43] وهذا الرياءُ المحضُ لا يكادُ يَصْدُرُ من مؤمنٍ في فرضِ الصلاةِ والصيامِ، وقد يَصْدُرُ في الصدقةِ الواجبةِ، أو الحجِّ أو غيرِهِما من الأعمالِ الظاهرةِ أو التي يَتَعَدَّى نفعُها؛ فإنَّ الإخلاصَ فيها عزيزٌ، وهذا العملُ لا يَشُكُّ مسلمٌ أنَّه حابطٌ، وأنَّ صاحبَهُ يَسْتَحِقُّ المَقْتَ مِنَ اللهِ والعقوبةَ.
-وتارةً يكونُ العملُ للهِ ويُشارِكُه الرياءُ، فإن شاركَهُ مِنْ أصلِه، فالنصوصُ الصحيحةُ تدلُّ على بطلانِه)

ثم ذكَر أحاديثَ تدلُّ على ذلك، منها الحديثُ الذي ذكرَهُ المصنفُ، وحديثُ شَدَّادِ بنِ أوْسٍ مرفوعًا: ((مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: أَنَا خَيْرُ قَسِيمٍ لِمَنْ أَشْرَكَ بِي فَمَنْ أَشْرَكَ بِي شَيْئًا فَإِنَّ جَسَدَهُ وَعَمَلَهُ، قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ لِشَرِيكِهِ الَّذِي أَشْرَكَ بِهِ، أَنَا عَنْهُ غَنِيٌّ)) رواهُ أحمدُ.
وحديثُ
الضَّحاكِ بنِ قيسٍ مرفوعًا: ((إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ فَمَنْ أَشْرَكَ مَعِي شَرِيكًا، فَهُوَ لِشَرِيكِه، يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَخْلِصُوا أَعْمَالَكُم للهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ مِنْ الأَعْمَالِ إِلاَّ مَا خَلُصَ لَهُ وَلاَ تَقُولُوا: هَذَا للهِ وَالرَّحِمِ فَإِنَّهَا لِلْرَّحِمِ، وَلَيْسَ للهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلاَ تَقُولُوا: هَذَا للهِ وَلوجُوهِكُم، فَإِنَّهُ لوجُوهِكُمْ وَلَيْسَ للهِ مِنْهُ شَيْءٌ)) رواه البزارُ وابنُ مَرْدُويَه والبيهقيُّ بسندٍ قال المنذريُّ: (لا بأسَ به).
وحديثُ
أبي أمامةَ الباهليِّ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ.
أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ مَا لَهُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((
لاَ شَيْءَ لَهُ)).
فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ شَيْءَ لَهُ)).
ثُمَّ قَالَ:((إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِي بِهِ وَجْهُهُ)) رواه أبو داودَ والنَّسَائيُّ بإسنادٍ جيدٍ.
ثم قالَ:
(فإنْ خالَطَ نيةَ الجهادِ مثلاً نيةٌ غيرُ الرياءِ، مثلَ أخذِ أجرةٍ للخدمةِ، أو أخذِ شيءٍ من الغنيمةِ، أو التجارةِ، نقَصَ بذلك أجرُ جهادِهِم، ولم يَبْطُلْ بالكُليَّةِ، وفي (صحيحِ مسلمٍ) عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الغُزَاةَ إِذَا غَنِمُوا غَنِيمَةً تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمْ، فَإِن لَمْ يَغْنَمُوا شَيْئًا تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ)).


قلتُ: هذا لا يدلُّ على أنَّهم غزَوْا لأجلِها فلا يدلُّ على ثبوتِ الأجرِ لمَنْ غزا يَلْتَمِسُ عَرَضَاً.
قال:
(وقد ذكَرْنَا فيما مضَى أحاديثَ تدلُّ على أَنَّ مَن أرادَ بجهادهِ عَرَضًَا من الدُّنيَا أنَّه لا أجرَ له، وهي محمولةٌ على أَنَّه لم يكنْ له غرضٌ في الجهادِ إلا الدُّنيا).
قلتُ: ظاهرُ حديثِ أبي هريرةَأنَّ رجلاً قال: يا رسولَ اللهِ، رجلٌ يريدُ الجهادَ، وهو يبتغي عَرَضًَا من عَرَضِ الدنيا؟
فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لاَ أَجْرَ لَهُ)).
فأعادَ عليه ثلاثًا.
والنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ:
((لاَ أَجْرَ لَهُ)).
رواه أبو داودَ، يدلُّ على أَنَّ نيةَ الجهادِ إذا خالطَها نيةُ أجرةِ الخدمةِ أو أخذِ شيءٍ من الغنيمةِ أو التجارةِ لم يَكُنْ له أجرٌ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ معنى: يريدُ الجهادَ، أي: يريدُ سفرَ الجهادِ ولم ينوِ الجهادَ، إنما نَوَى عَرَضَ الدنيا.
قال
ابنُ رجبٍ:(وقال الإمامُ أحمدُ: (التاجرُ والمستأجِرُ والمُكارِي أجرُهم على قدرِ ما يَخْلُصُ من نيَّتِهِم في غَزَواتِهم، ولا يكونونَ مثلَ مَنْ جاهدَ بنفسِه ومالِهِ لا يَخْلِطُ به غيرَه).


وقال أيضًا:

(فيمَن يأخذُ جُعْلاً على الجهادِ: إذا لم يخرجْ لأجلِ الدراهمِ فلا بأسَ، كأنَّه خرَجَ لدينِهِ، فإنْ أُعطِيَ شيئًا أخذَهُ، وكذا رُوِيَ عن عبدِ الله بنِ عمروٍ قال: إذا أجمعَ أحدُكم على الغزوِ، فعوَّضَهُ اللهُ رزقًا فلا بأسَ بذلك، وأَمّا إنَّ أحدَكم إنْ أُعطِيَ درهمًا غزا، وإن لم يُعْطَ درهمًا لم يَغْزُ، فلا خيرَ في ذلك).


قلتُ:

هذا يدلُّ على الفرقِ بينَ ما كانَتْ نيةُ الدنيا مخالطةً لَهُ مِنْ أوَّلِ مرةٍ، بحيثُ تكونُ هي الباعثَ لَهُ على العملِ، أو مِنْ جملةِ ما يَبْعَثُ عليهِ، كالذي يلتمسُ الأجرَ والذِّكرَ، فهذا الأجرُ له، وبينَ ما كانَتِ النيةُ خالصةً للهِ من أولِ مرةٍ، ثم عَرَضَ له أمرٌ من الدنيا لا يُبَالي به، سواءٌ حَصَلَ له أو لم يَحْصُلْ، كالذي أجمعَ على الغزوِ سواءً أُعطِيَ أو لم يُعْطَ فهذا لا يَضُرُّهُ، ونحوَ التجارةِ في الحجِّ كما قالَ تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}[البقرة:198]، وعلى هذا يُنَزَّلُ ما رُوِيَ عن مجاهدٍ أَنَّهُ قالَ في حجِّ الجَمَّالِ وحجِّ الأجيرِ وحجِّ التاجرِ: (هو تامٌّ لا يَنْقُصُ من أجورِهم شيءٌ)، أَيْ: لأنَّ قصدَهُم الأصليَّ كان هو الحجَّ دونَ التكسُّبِ.
قال:
(وأمّا إنْ كانَ أصلُ العملِ للهِ، ثم طرَأَ عليهِ نيةُ الرياءِ، فإنْ كانَ خاطِرًا ودَفَعَهُ، فلا يَضُرُّ بغيرِ خلافٍ، وإن استرسلَ مَعَهُ، فهل يَهْبِطُ عَمَلُهُ أم لا يَضُرُّهُ ذلك، ويُجازَى على أصلِ نيتهِ؟
في ذلكَ اختلافٌ بينَ العلماءِ منَ السلفِ، حكاهُ الإمامُ
أحمدُ، وابنُ جريرٍ الطبريُّ، ورجَّحا أَنَّ عمَلَه لا يَبْطُلُ بذلك، وأنه يجُازَى بنيتهِ الأولى، وهو مرويٌّ عن الحسنِ البصريِّ، وغيرِه.
ويُسْتَدَلُّ لهذا القولِ بما أخرجهُ
أبو داودَ في (مراسيلِهِ)عن عطاءٍ الخُراسانيِّ:أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ.
إِنَّ بَنِي سَلِمَةَ كُلَّهم يُقَاتِلُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُقاتلُ لِلْدُّنْيَا.
ومنهم مَنْ يُقَاتِلُ نَجْدةً.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ ابْتِغَاءَ وَجهِ اللهِ؟
قال:
((كُلُّهُمْ إِذًَا كَانَ أَصْلُ أَمْرِهِ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هَي العُلْيَا))
وذكَر ابنُ جريرٍ أنَّ هذا الاختلافَ إنما هو في عملٍ مُرْتَبِطٍ آخرُه بأولهِ، كالصلاةِ والصيامِ والحجِّ، فأمَّا ما لا ارتباطَ فيهِ، كالقراءةِ والذِّكرِ، وإنفاقِ المالِ ونشرِ العلمِ، فإنه يَنْقَطِعُ بنيَّةِ الرِّياءِ الطارِئةِ عليه، ويحتاجُ إلى تجديدِ نِيَّةٍ.
فأما إذا عَمِلَ العَمَلَ للهِ خالصًا، ثم ألقَى اللهُ له الثناءَ الحسنَ في قلوبِ المؤمنين، ففرِحَ بفضلِ اللهِ ورحمتهِ، واستبشرَ بذلك؛ لم يَضُرَّهُ.
وفي هذا المعنى جاءَ في حديثِ
أبي ذرٍّ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئلَ عن الرجلِ يَعْمَلُ العملَ من الخيرِ، يَحْمَدُه الناسُ عليه، فقالَ:
((تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ)) رواه مسلمٌ) انتهى مُلَخَّصًا.
إذا تبيَّنَ هذا؛ فقد دَلَّ الكتابُ والسنَّةُ على حبوطِ العملِ بالرياءِ، وجاءَ الوعيدُ بالعذابِ عليه، قالَ اللهُ تعالى:
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ} [هود:15] والآيةُ بعدَها، ورَوَى مسلمٌ في (صحيحِه): ((حديثَ الثلاثةِ الذينَ هُمْ أوَّلُ مَن تُسَعَّرُ بهمُ النارُ، المقاتلُ ليقالَ: جريءٌ.
والمتعلِّمُ ليقالَ: عالمٌ.
والمتصدِّقُ ليقالَ: جَوَادٌ
))
.
فأمَّا ما
رواهُ البزَّارُ، وابنُ مَنْدَه، والبيهقيُّ، عن معاذِ بنِ جبلٍ مرفوعًا: ((مَنْ عَمِلَ رِيَاءً لاَ يُكْتَبُ لاَ لَهُ، وَلاَ عَلَيْهِ)) ذكرهُ السيوطيُّ في (الدُّرِّ) ولم أقفْ على إسنادِهِ، فما أَظُنُّهُ يَثْبُتُ، والكتابُ والسنَّةُ يَدُلاَّنِ على خلافِه، بل هو موضوعٌ.


(2)

هذا الحديثُ رواهُ

أحمدُ، كما قالَ المصنِّفُ، ورواه ابنُ مَاجَةَ، وابنُ أبي حاتمٍ، والبيهقيُّ، وفيه قصةٌ، ولفظُ ابنِ مَاجَةَ والبيهقيِّ: خرجَ علينا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحنُ نَتَذاكرُ المسيحَ الدَّجّالَ فقال:((أَلاَ أُخْبِرُكُم)) الحديثَ، وفي سندِه ضعفٌ، ومعناهُ صحيحٌ.
ورَوَى
ابنُ خزيمةَ في (صحيحِهِ) معناهُ عن محمودِ بنِ لَبِيدٍ، قالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَشِركَ السَّرَائِرِ)).
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا شِرْكُ السَّرَائرِ؟
قَالَ:
((يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاتَهُ جَاهِدًا لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَيْهِ فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرَائِرِ))
.
قولُه:
((عنأبي سعيدٍ)) هو الخُدْريُّ تقدَّمَتْ ترجمتُه.
قولُهُ:
((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِن المَسِيحِ الدَّجَّالِ)) إنما كانَ الرياءُ كذلك، لخفائِه وقوةِ الداعي إليهِ، وعُسْرِ التخلُّصِ منه لما يُزَيِّنُه الشيطانُ، والنفسُ الأمَّارةُ في قلبِ صاحبِه.
قولُه:
((قالوا: بلى)) فيه الحرصُ على العلمِ، وأَنَّ مَن عرَضَ عليك أَنْ يُخْبِرَك بما فيكَ فلا يَنْبَغِي لكَ رَدُّهُ، بل قابِلْه بالقبولِ والتعلُّمِ.
قولُه:
((قالَ: ((الشِّرْكُ الخَفِيُّ)) سُمِّيَ الرياءُ شِرْكًا خفيًّا؛ لأنَّ صاحبَهُ يُظهِرُ أنَّ عملَهُ للهِ، ويُخْفِي في قلبِه أَنَّه لغيرِه، وإنما تزيَّنَ بإظهارِهِ أَنَّه للهِ بخلافِ الشركِ الجليِّ.
وفي حديثِ
محمودِ بنِ لَبِيدٍ الذي تقدَّمَ في بابِ الخوفِ من الشِّركِ تسميتُه بالشركِ الأصغرِ.
وعن
شدَّادِ بنِ أوسٍ قالَ: (كنا نَعُدُّ الرياءَ على عهدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشركَ الأصغرَ) رواه ابنُ أبي الدنيا في كتابِ (الإخلاصِ) وابنُ جريرٍ في (التهذيبِ)والطبرانيُّ والحاكمُ وصحَّحه. فظاهرُه أَنَّه من الأصغرِ مطلقًا، وهو ظاهرُ قولِ الجمهورِ.
وقال
ابنُ القيمِ: (وأما الشركُ الأصغرُ، فكيَسِيرِ الرياءِ والتَّصَنُّعِ للخَلْقِ، والحَلِفِ بغيرِ اللهِ، وقولِ الرجلِ للرجلِ: ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ، وهذا مِنَ اللهِ ومِنكَ، وأَنَا باللهِ وبِكَ، ومالِي إلا اللهُ وأنتَ، وأنا مُتَوَكِّلٌ على اللهِ وعليكَ، ولولا اللهُ وأنتَ لم يكُن كذا وكذا، وقد يكونُ هذا شركًا أكبرَ بحسَبِ حالِ قائلِه وَمَقْصِدِه) انتهى.
ففسَّرَ الشركَ الأصغرَ باليسيرِ من الرياءِ، فدلَّ على أَنَّ كثيرَه أكبرُ، وضدُّ الشركِ الأكبرِ والأصغرِ التوحيدُ والإخلاصُ، وهو إفرادُ اللهِ تعالى بالعبادةِ باطنًا وظاهرًا، كما قال تعالى:
{فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلاَ للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}[الزمر:2،3] .

- وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}[الزمر:11] .

- وقال تعالى: {قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي}[الزمر:14] .


وقيل:

الإخلاصُ استواءُ أحوالِ العبدِ في الظاهرِ والباطنِ،

والرِّياءُ أَنْ يكونَ ظاهرُهُ خيرًا من باطِنِه، أي: لملاحظةِ الخلقِ، والصدقُ في الإخلاصِ أَنْ يكونَ باطنُه أعمَرَ من ظاهرِه.
قولُهُ:
((فَيُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاتَهُ لِمَا يَرى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ)) فسَّرَ الشركَ الخفيَّ بهذا أَنْ يَعْمَلَ الرجلُ العملَ للهِ، لكن يزيدُ فيهِ صفةً كتحسينِه وتطويلِه ونحوِ ذلك لما يَرَى من نظرِ رجلٍ، فهذا هو الشركُ الخفيُّ، وهو الرياءُ، والحاملُ له على ذلكَ هو حبُّ الرياسةِ، والجاهِ عندَ الناسِ.
قال
الطِّيبِيُ: (وهو مِنْ أضرِّ غوائلِ النفسِ، وبواطنِ مكائدِها، يُبْتَلَى به العلماءُ والعُبَّادُ، والمُشَمِّرون عن ساقِ الجِدِّ لسلوكِ طريقِ الآخرةِ، فإنهم مهما قهَروا أنفسَهم، وفَطَمُوها عن الشهواتِ، وصانُوها عن الشبهاتِ، عجَزَتْ نفوسُهُم عن الطمعِ في المعاصي الظاهرةِ، الواقعةِ على الجوارِحِ، فطلَبَت الاستراحةَ إلى التظاهرِ بالخيرِ، وإظهارِ العلمِ والعملِ، فوجَدَتْ مُخَلِّصًا من مشقةِ المجاهدةِ إلى لذةِ القبولِ عندَ الخلقِ، ولم تَقْنَعْ باطّلاعِ الخالقِ تباركَ وتعالى، وفرِحَتْ بحمدِ الناسِ، ولم تَقْنَعْ بحمدِ اللهِ وحدَه، فأحَبَّ مدحَهُم، وتبرُّكَهُم بمشاهدتِه وخدمتِه وإكرامِه وتقديمِه في المحافلِ فأصابَتِ النفسُ في ذلك أعظمَ اللذَّاتِ، وأعظمَ الشهواتِ.
وهو يظُنُّ أَنَّ حياتَه باللهِ تعالى وبعبادتِه، وإنمَّا حياتُه هذه الشهوةُ الخفيَّةُ التي تَعْمَى عن دَرَكِهَا العقولُ الناقدةُ، قد أُثْبِتَ اسمُه عندَ اللهِ من المنافقينَ، وهو يَظُنُّ أنَّه عندَ اللهِ من عبادهِ المقرَّبينَ، وهذه مَكِيدةٌ للنفسِ لا يَسْلَمُ منها إلا الصِّدِّيقون، ولذلك قيلَ: آخرُ ما يَخْرُجُ من رؤوسِ الصّدِّيقين حبُّ الرياسةِ)
انتهى كلامُه.

وفي الحديثِ من الفوائدِ:

- شفقتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمتِه ونصحُه لهم.

- وأَنَّ الرياءَ أخوفُ على الصالحينَ من فتنةِ الدَّجّالِ.

- والحذرُ من الرياءِ ومن الشركِ الأكبرِ؛ إذ كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخافُ الرياءَ على أصحابِه مع علمِهم وفضلِهِم، فغيرُهُم أَوْلَى بالخوفِ.

هيئة الإشراف

#3

27 Oct 2008

فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ

قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ( (1)

قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ تَعَالَى: (بابُ ما جَاءَ في الرِّيَاءِ) أيْ: من النهيِ والتحذيرِ.
قالَ
الحافظُ: (هوَ مُشْتَقٌّ من الرُّؤْيَةِ، والمرادُ بهِ: إظهارُ العبادةِ لِقَصْدِ رؤيةِ الناسِ لها فيَحْمَدُونَ صَاحِبَهَا).
-
والفرقُ بينَهُ وبينَ السُّمْعَةِ: أن الرِّيَاءَ لِمَا يُرَى من العملِ كالصلاةِ، والسُّمْعَةَ لِمَا يُسْمَعُ كالقراءةِ، والوَعْظِ، والذِّكْرِ، ويَدْخُلُ في ذلكَ التَّحَدُّثُ بما عَمِلَهُ.


(2)

قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ تَعَالَى: ((وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ}[الكهف:110]))

قولُه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} أيْ: ليسَ لي مِن الرُّبُوبِيَّةِ ولاَ من الإلهيَّةِ شيءٌ، بلْ ذلكَ كلُّهُ للهِ وحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ، أَوْحَاهُ إليَّ.

{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} أيْ: يَخَافُهُ، {فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًَا}.
قولُهُ:
{أَحَدًا} نَكِرَةٌ في سياقِ النهيِ تَعُمُّ، وهذا العمومُ يَتَنَاوَلُ الأنبياءَ والملائكةَ والصالحينَ والأولياءَ وغيرَهُم.
قالَ
شيخُ الإسلامِ: (أَمَّا اللقاءُ: فقدْ فَسَّرَهُ طائفةٌ من السلفِ والخَلَفِ بما يَتَضَمَّنُ المُعَايَنَةَ، وقالُوا: لِقَاءُ اللهِ يَتَضَمَّنُ رُؤْيَتَهُ سبحانَهُ وتعالى يومَ القيامةِ) وذَكَرَ الأَدِلَّةَ على ذلكَ.
قالَ
ابنُ القَيِّمِ في الآيةِ: (أيْ: كَمَا أنَّه إلهٌ واحدٌ لا إلهَ سِوَاهُ، فكذلكَ يَنْبَغِي أنْ تكونَ العبادةُ لهُ وَحْدَهُ لا شريكَ لهُ، فكَمَا تَفَرَّدَ بالإلهيَّةِ يَجِبُ أنْ يُفْرَدَ بالعبوديَّةِ، فالعملُ الصالحُ: هوَ الخالصُ من الرياءِ المُقَيَّدُ بِالسُّنَّةِ) انتهَى
وفي الآيةِ دَلِيلٌ على أنَّ أصلَ الدِّينِ الذي بَعَثَ اللهُ بهِ رسولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمُرْسَلِينَ قَبْلَهُ، هوَ إفرادُ اللهِ تعالَى بأنواعِ العبادةِ، كما قالَ تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25].
والمُخَالِفُ لهذا الأصلِ منْ هذهِ الأُمَّةِ أقسامٌ:
إمَّا طاغوتٌ يُنَازِعُ اللهَ في رُبُوبِيَّتِهِ وإلهيَّتِهِ، ويدعُو الناسَ إلى عبادتِهِ، أوْ طاغوتٌ يَدْعُو الناسَ إلى عبادةِ الأوثانِ، أوْ مُشْرِكٌ يَدْعُو غيرَ اللهِ ويَتَقَرَّبُ إليهِ بأنواعِ العبادةِ أوْ بعضِهَا، أوْ شَاكٌّ في التوحيدِ، أَهُوَ أقربُ حَقٍّ أمْ يَجُوزُ أنْ يُجْعَلَ للهِ شَرِيكٌ في عبادتِهِ؟ أوْ جَاهِلٌ يَعْتَقِدُ أنَّ الشركَ دينٌ يُقَرِّبُ إلى اللهِ تعالى، وهذا هوَ الغالبُ على أكثرِ العَوَامِّ لِجَهْلِهِم وتَقْلِيدِهِم مَنْ قَبْلَهُم لَمَّا اشْتَدَّتْ غُرْبَةُ الدينِ ونُسِيَ العلمُ بِدِينِ المُرْسَلِينَ.


(3)

قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ تَعَالَى: (وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ مَرْفوعًا: قَالَ اللهُ تعالى: ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
قولُهُ:
((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي)) أيْ: مَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ غَيْرِي من المَخْلُوقِينَ تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ.
ولابنِ مَاجَةَ:
((فأَنا مِنْهُ بَريءٌ، وهُوَ للَّذي أَشْرَكَ)).
قالَ
الطِّيبِيُّ: (الضميرُ المنصوبُ في قولِهِ: ((تَرَكْتُهُ)) يَجُوزُ أنْ يَرْجِعَ إلى العملِ).
قالَ
ابنُ رَجَبٍ: (وَاعْلَمْ أَنَّ العملَ لغيرِ اللهِ أقسامٌ؛ فتارةً يكونُ رِيَاءً مَحْضًا كحالِ المُنَافِقِينَ، كما قالَ تعالى:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً}[النساء:132].
وهذا الرياءُ المَحْضُ لا يَكَادُ يَصْدُرُ منْ مُؤْمِنٍ في فرضِ الصلاةِ والصيامِ، وقدْ يَصْدُرُ في الصدقةِ الواجِبَةِ أو الحجِّ وغَيْرِهِمَا من الأعمالِ الظاهرةِ أو التي يَتَعَدَّى نَفْعُهَا، فإنَّ الإخلاصَ فيها عَزِيزٌ، وهذا العملُ لا يَشُكُّ
مُسْلِمٌ أنَّهُ حَابِطٌ، وأنَّ صَاحِبَهُ يَسْتَحِقُّ المَقْتَ من اللهِ والعقوبةَ.


وتارةً يكونُ العملُ للهِ ويُشَارِكُهُ الرياءُ،

فإنْ شَارَكَهُ منْ أصلِهِ فالنصوصُ الصحيحةُ تَدُلُّ على بُطْلاَنِهِ - وَذَكَرَ أحاديثَ تَدُلُّ على ذلكَ منها هذا الحديثُ، وَحَدِيثُ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا: ((مَنْ صَلَّى يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، وَمَنْ صَامَ يُرَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ، ومَنْ تَصَدَّقَ يُرَائِي فقَدْ أَشْرَكَ، وَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: أَنَا خَيْرُ قَسيمٍ لِمَنْ أَشْرَكَ بِي، فَمَنْ أَشْرَكَ بِي شَيئًا فَإِنَّ جِدَّةَ عَمَلِهِ وَقَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ لِشَرِيكِهِ الَّذي أَشْرَكَ بِهِ، أَنا عَنْهُ غَنِيٌّ)). رَوَاهُ أحمدُ،
وذَكَرَ أحاديثَ في المعنَى، ثمَّ قالَ: فإنْ خَالَطَ نِيَّةَ الجهادِ مَثَلاً نِيَّةٌ غيرُ الرياءِ، مثلَ أَخْذِ أُجْرَةٍ للخدمةِ أوْ أَخْذِ شَيْءٍ من الغَنِيمَةِ أو التجارةِ، نَقَصَ بذلكَ أَجْرُ جِهَادِهِم، ولم يَبْطُلْ بِالكُلِّيَّةِ.
قالَ
ابنُ رَجَبٍ: وقالَ الإمامُ أحمدُ: (التاجرُ والمُسْتَأْجِرُ والمُكارِي أَجْرُهُم على قَدْرِ ما يَخْلُصُ منْ نِيَّاتِهِم في غَزَواتِهِم، ولا يكونونَ مثلَ مَنْ جَاهَدَ بنفسِهِ ومالِهِ، لا يَخْلِطُ بهِ غَيْرَهُ.
وقالَ أيضًا فيمَن يَأْخُذُ جُعْلاً على الجِهادِ: إذْ لم يَخْرُجْ لأجلِ الدراهمِ فلا بَأْسَ، كأنَّهُ خَرَجَ لِدِينِهِ فإنْ أُعْطِيَ شيئًا أَخَذَهُ)
.
وَرُوِيَ عنْ
عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو قالَ: (إِذَا أَجْمَعَ أَحَدُكُمْ على الغزوِ فَعَوَّضَهُ اللهُ رِزْقًا فلا بَأْسَ بذلكَ، وَأَمَّا إنَّ أَحَدَكُم إنْ أُعْطِيَ دراهمَ غَزَا، وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَغْزُ، فَلاَ خَيْرَ في ذلكَ).
ورُوِي عنْ
مجاهدٍ أنَّهُ قالَ في حَجِّ الجَمَّالِ وَحَجِّ الأجيرِ وحَجِّ التاجرِ: ((هوَ تَامٌّ لاَ يُنْقَصُ منْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ)) أيْ: لأَِنَّ قَصْدَهُم الأصليَّ كانَ هوَ الحَجَّ دونَ التَّكَسُّبِ.
قال:
(وَأَمَّا إنْ كانَ أصلُ العملِ للهِ، ثمَّ طَرَأَ عليهِ نِيَّةُ الرياءِ، فإنْ كانَ خَاطِرًا ثمَّ دَفَعَهُ فلا يَضُرُّهُ بِغَيْرِ خِلاَفٍ، وإنِ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ فهلْ يَحْبَطُ عَمَلُهُ أمْ لاَ، وَيُجَازَى على أصلِ نِيَّتِهِ؟
في ذلكَ اخْتِلاَفٌ بَيْنَ العلماءِ من السَّلَفِ، قدْ حَكَاهُ الإمامُ
أحمدُ، وابنُ جَرِيرٍ، وَرَجَّحَا أنَّ عَمَلَهُ لا يَبْطُلُ بِذَلِكَ، وأنَّهُ يُجَازَى بِنِيَّتِهِ الأُولَى، وهو مَرْوِيٌّ عن الحسنِ وغيرِهِ.
فأمَّا إذا عَمِلَ العَمَلَ للهِ خالِصًا، ثم ألْقَى اللهُ له الثناءَ الحَسَنَ في قُلُوبِ المؤمِنِينَ بذلك، فَفَرِحَ بفَضْلِ اللهِ ورَحْمَتِهِ، واسْتَبْشَرَ بذلك، لم يَضُرَّه ذلِكَ.


وفي هذا المعْنَى جَاءَ حَدِيثُ أبي ذرٍّ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ يَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: ((تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ) انْتَهَى مُلَخَّصًا.
قُلْتُ: وَتَمَامُ هذا المقامِ يَتَبَيَّنُ في شَرْحِ حديثِ
أبي سعيدٍ إنْ شاءَ اللهُ تَعَالَى.


(4)

قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ تَعَالَى: (وَعَنْ أَبي سعيدٍ مَرْفوعًا: ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدي مِنَ المَسِيحِ الدَّجَّالِ؟))


قَالُوا: بَلَى.
قَالَ:
((الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ))
رَوَاهُ أَحْمَدُ).
وَرَوَى
ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي (صَحِيحِهِ) عنْ مَحْمُودِ بنِ لَبِيدٍ قَالَ: ((خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:((أيُّها النَّاسُ، إِيَّاكُمْ وَشِرْكَ السَّرائِرِ)).


قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا شِرْكُ السَّرائِرِ؟
قَالَ:
((يَقُومُ الرَّجلُ فيُصَلِّي فيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ جَاهِدًا؛ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَيْهِ، فَذَلِكَ شِرْكُ السَّرائِرِ))
.
قولُهُ: (وَعَنْ
أَبي سَعِيدٍ) هو الخُدْرِيُّ، وَتَقَدَّمَ.
قولُهُ:
((الشِّرْكُ الخَفِيُّ)) سَمَّاهُ خَفِيًّا؛ لأنَّ صَاحِبَهُ يُظْهِرُ أنَّ عَمَلَهُ للهِ وقدْ قَصَدَ غَيْرَهُ، أوْ شَرَّكَهُ فيهِ بِتَزْيِينِ صَلاَتِهِ لأَِجْلِهِ.
وعنْ
شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ قَالَ: (كُنَّا نَعُدُّ الرِّيَاءَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ) رَوَاهُ ابنُ أبي الدُّنْيَا في كتابِ (الإخلاصِ)، وابنُ جَرِيرٍ، في (التهذيبِ)، والطبرانيُّ، والحاكمُ، وَصَحَّحَهُ.
قالَ
ابنُ القَيِّمِ: (وأمَّا الشِّرْكُ الأصغرُ فَكَيَسِيرِ الرِّيَاءِ والتَّصَنُّعِ للمَخْلُوقِ والحَلِفِ بغيرِ اللهِ، وقولِ الرجلِ للرجلِ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، وهذا من اللهِ وَمِنْكَ، وَأَنَا باللهِ وَبِكَ، ومَالِي إلاَّ اللهُ وَأَنْتَ، وَأَنَا مُتَوَكِّلٌ على اللهِ وَعَلَيْكَ، وَلَوْلاَ اللهُ وَأَنْتَ لم يَكُنْ كذا وكذا، وقدْ يكونُ هذا شِرْكًا أكبرَ بِحَسَبِ حَالِ قَائِلِهِ وَمَقْصِدِهِ) انْتَهَى.


ولا خلافَ أنَّ الإخلاصَ شرطٌ لصحَّةِ العملِ وقبولِهِ،

وكذلكَ المتابعةُ، كما قالَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في قولِهِ تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[الملك:2] قالَ: (أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ)


قِيلَ:

(يا أبا عليٍّ، ما أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟)


قالَ:

(إنَّ العملَ إذا كانَ خَالِصًا ولم يَكُنْ صَوَابًا لم يُقْبَلْ، وإذَا كانَ صَوَابًا ولم يَكُنْ خَالِصًا لم يُقْبَلْ حتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا، فالخالِصُ ما كانَ للهِ، والصوابُ ما كانَ على السُّنَّةِ).


وفي الحديثِ من الفوائدِ: شَفَقَةُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أُمَّتِهِ

وَنُصْحُهُ لهم.


- وأنَّ الرِّيَاءَ أَخْوَفُ على الصالحِينَ منْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، فإذا كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخَافُهُ على ساداتِ الأولياءِ معَ قُوَّةِ إِيمَانِهِم وَعِلْمِهِم، فَغَيْرُهُم مِمَّنْ هوَ دُونَهُم بِأَضْعَافٍ أَوْلَى بالخوفِ من الشِّرْكِ؛ أَصْغَرِهِ وَأَكْبَرِهِ.

هيئة الإشراف

#4

27 Oct 2008

القول السديد للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (1)

اعْلَمْ أَنَّ الإِخلاصَ للهِ أساسُ الدِّينِ، وَرُوحُ التَّوحيدِ والعبادةِ، وهو أَنْ يَقْصِدَ العبدُ بعملِه كلِّه وجهَ اللهِ، وثوابَه، وفضلَه، فيقومَ بأصولِ الإِيمانِ الستَّةِ وشرائِعِ الإِسلامِ الخمسِ، وحقائقِ الإِيمانِ الَّتي هِي الإِحسانُ، وبحقوقِ اللهِ، وحقوقِ عبادِه، مكمِّلاً لَهَا قاصِدًا بها وَجْهَ اللهِ والدارَ الآخِرةَ، لاَ يُريدُ بذلِكَ رِياءً وَلاَ سُمْعَةً، وَلاَ رِياسَةً، وَلاَ دُنيا، وبذلِكَ يَتِمُّ إيمانُه وتوحيدُه.
ومِنْ أَعْظَمِ مَا يُنافِي هذا مُراءَاةُ الناسِ والعملُ؛ لأجلِ مَدْحِهِم وَتَعْظِيمِهم، أَو العملُ لأجلِ الدُّنْيا، فَهَذا يَقْدَحُ في الإِخلاصِ والتوحيدِ.


واعْلَمْ أنَّ الرياءَ فيه تَفْصيلٌ:

- فإنْ كانَ الحامِلُ للعبدِ عَلَى العملِ قصدَ مُراءَاةِ الناسِ، واستَمَرَّ على هذا القصدِ الفاسدِ، فعملُه حابِطٌ وَهو شِركٌ أَصْغَرُ، ويُخشَى أنْ يُتَذَرَّعَ به إلى الشركِ الأكبرِ.

- وإنْ كانَ الحامِلُ للعبدِ على العملِ إرادةَ وجهِ اللهِ مع إرادةِ مراءاةِ الناسِ، ولَمْ يُقْلِعْ عن الرياءِ بعملِه، فظاهرُ النصوصِ أيضًا بطلانُ هذا العملِ.

- وإنْ كانَ الحامِلُ للعبدِ على العملِ وجهَ اللهِ وحدَه، ولكنْ عَرَضَ له الرياءُ في أثناءِ عملِه، فإِنْ دَفَعَهُ وَخَلُصَ إخلاصُه للهِ لَمْ يَضُرَّه، وإِنْ ساكَنَهُ واطمأنَّ إليه نقَصَ العملُ وحصَلَ لصاحِبِه مِن ضعفِ الإِيمانِ والإِخلاصِ بِحَسَبِ ما قامَ في قلبِهِ مِن الرياءِ، وَتَقَاوَمَ العملُ للهِ وما خالطَه من شائبةِ الرياءِ.


والرياءُ آفةٌ عظيمةٌ،

ويحتاجُ إلى علاجٍ شديدٍ وتمرينِ النفسِ على الإخلاصِ ومجاهدَتِها في مدافعةِ خواطرِ الرياءِ والأغراضِ الضارَّةِ والاستعانَةِ باللهِ على دفْعِها، لَعَلَّ اللهَ يُخلِّصُ إيمانَ العبدِ ويُحقِّقُ توحيدَه.

هيئة الإشراف

#5

27 Oct 2008

تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) أطْلَقَ

المُؤَلِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى- الترجمةَ فَلَمْ يُفْصِحْ عن حُكْمِهِ؛ لأجْلِ أنْ يَحْكُمَ الإنسانُ بنفسِهِ على الرِّياءِ على ما جاءَ فيهِ.
وتعريفُ الرِّيَاءِ: مَصْدَرُ رَاءَى يُرَائِي؛ أيْ: عَمِلَ عَمَلاً لِيَرَاهُ الناسُ، ويُقَالُ: مُرَاءَاةً، كمَا يُقالُ: جَاهدَ جِهادًا ومُجَاهدةً.
قال
الفيروز آبادي في (البصائر): (ومعناه في اللغة: هو إظهار الشيء للغير ليراه) ويَدْخُلُ في ذلكَ: مَنْ عَمِلَ العَمَلَ لِيَسْمَعَهُ الناسُ، وَيُقَالُ لَهُ: (مُسَمِّعٌ).
وفي الحديثِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّهُ قالَ:
((مَنْ رَاءَى رَاءَى اللهُ بِهِ، ومَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللهُ بِهِ)).
قال
ابن حجر: (هو إظهار الطاعة للغير ليراه الناس وليحمدوه).
والرِّياءُ خُلُقٌ ذميمٌ، وَهُوَ مِنْ صفاتِ المنافقينَ، قالَ تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً}.


والرياءُ يُبْحَثُ عنه في مَقَامَيْنِ:

المَقَامُ الأوَّلُ: في حُكْمِهِ.


فنقولُ:

الرياءُ من الشِّرْكِ الأصغرِ؛ لأنَّ الإنسانَ قَصَدَ بعبادَتِهِ غيرَ اللهِ، وقدَ يَصِلُ إلى الأكبرِ، وقدْ مثَّلَ ابنُ القيِّمِ للشِّرْكِ الأصغرِ فَقَالَ: (مِثْلُ يسيرِ الرِّياءِ)، وهذا يدلُّ على أنَّ الرياءَ كثيرُهُ قدْ يصلُ إلى الأكبرِ.
المقامُ الثاني: في حُكْمِ العبادةِ إذا خالطَها الرياءُ، وهوَ على ثلاثةِ أَوْجُهٍ:


الأوَّلُ: أنْ يكونَ الباعثَ على العبادةِ مُرَاءَاةُ الناسِ مِن الأصلِ، كمَنْ قامَ يُصَلِّي مِنْ أجلِ مُرَاءَاةِ الناسِ ولمْ يَقْصِدْ وجهَ اللهِ. فهذا شركٌ، والعبادةُ باطلةٌ.
الثاني: أنْ يكونَ مشاركًا للعبادةِ في أثنائِها، بمعنى أنْ يكونَ الحاملَ لَهُ في أوَّلِ أمْرِهِ الإخلاصُ للهِ، ثمَّ يَطْرَأُ الرياءُ في أثناءِ العبادةِ، فإنْ كانت العبادةُ لا ينْبَنِي آخرُها على أوَّلِهَا فأوَّلُها صحيحٌ بكلِّ حالٍ، والباطلُ آخرُها.
مثالُ ذلكَ: (رجلٌ عندَهُ مِائَةُ ريالٍ قدْ أعدَّها للصدَقةِ، فتصدَّقَ بخمسينَ ورَاءى في الخمسينَ الباقيَةِ) فالأُولَى حُكْمُها صحيحٌ، والثانيَةُ باطلةٌ.


أمَّا إذا كانت العبادةُ يَنْبَنِي آخرُها على أوَّلِها، فهيَ على حاليْنِ:

الأولى: أنْ يُدَافِعَ الرياءَ ولا يسْكُنَ إليهِ، بلْ يُعرِضُ عنْهُ ويَكْرَهُهُ، فإنَّهُ لا يُؤَثِّرُ عليهِ شيئًا؛ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ)).


مثالُ ذلكَ:

(رجلٌ قامَ يُصَلِّي ركعتيْنِ مُخْلِصًا للهِ) وفي الركعةِ الثانيَةِ أحسَّ بالرياءِ، فصارَ يُدَافِعُهُ، فإنَّ ذلكَ لا يَضرُّهُ ولا يُؤَثِّرُ على صلاتِهِ شيئًا.
الثانية: أنْ يَطْمَئِنَّ إلى هذا الرياءِ ولا يُدَافِعُهُ، فحينئذٍ تَبْطُلُ جميعُ العبادةِ؛ لأنَّ آخِرَها مَبْنِيٌّ على أوَّلِها ومُرْتَبِطٌ بِهِ.
قال
ابن رجب: (لا أعلم خلافاً عن السلف في كون هذه العبادة فاسدة) .
مثالُ ذلكَ: رجلٌ قامَ يُصَلِّي ركعتيْنِ مخلصًا للهِ وفي الركعةِ الثانيَةِ طرأَ عليهِ الرياءُ؛ لإحساسِهِ بشخصٍ يَنْظُرُ إليهِ، فاطمأنَّ لذلكَ ونزعَ إليهِ، فتبْطُلُ صلاتُهُ كلُّها؛ لارتباطِ بعضِها ببعضٍ.


الثالثُ:

ما يطرأُ بعدَ انتهاءِ العبادةِ،

فإنَّهُ لا يُؤَثِّرُ عليها شيئًا، اللهُمَّ إلاَّ أنْ يكونَ فيهِ عُدْوَانٌ كالمَنِّ والأذى بالصدقةِ، فإنَّ هذا العدوانَ يكونُ إثمُهُ مُقَابلاً لأجرِ الصدقةِ فيُبْطِلُها؛ لقولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}.


وليسَ مِن الرياءِ أنْ يفرحَ الإنسانُ بِعِلْمِ الناسِ بعبادتِهِ؛

لأنَّ هذا إنَّما طرأَ بعدَ الفراغِ مِن العبادةِ.
وليسَ مِن الرياءِ أيضًا أنْ يُسَرَّ الإنسانُ بفعلِ الطاعةِ في نفسِهِ، بلْ ذلكَ دليلٌ على إيمانِهِ؛ قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
((مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَاتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَاتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ)) وقَدْ سُئِلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ عنْ ذلكَ، فقالَ: ((تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ)).
(2) قولُهُ تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} يَأْمُرُ اللهُ نبيَّهُ أنْ يقولَ للناسِ: إنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ. وهُوَ قَصْرُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على البشريَّةِ، وأنَّهُ ليسَ رَبًّا ولا مَلَكًا.
وأكَّدَ هذهِ البشريَّةَ بقولِهِ:
{مِثْلُكُمْ}؛ فَذِكْرُ المِثْلِ منْ بابِ تحقيقِ البشرِيَّةِ.
قولُهُ:
{يُوحَى إِلَيَّ}، الوحيُ في اللُّغَةِ:الإعلامُ بسُرْعَةٍ وخَفَاءٍ، ومنْهُ قولُهُ تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}.


وفي الشرعِ:

إعلامُ اللهِ بالشَّرْعِ.


والوحيُ هوَ الفَرْقُ بينَنا وبينَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ،

فهوَ مُتَمَيِّزٌ بالوحيِ كغيرِهِ مِن الأنبياءِ والرُّسُلِ.
قولُهُ:
{أَنَّمَا إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} هذهِ الجملةُ في تَأْوِيلِ مصدرٍ نائبِ فاعلِ {يُوحَى} وفيها حَصْرٌ طريقُهُ {أَنَّمَا} فيكونُ معناها: (ما إِلَهُكُمْ إلاَّ إلهٌ واحدٌ، وهُوَ اللهُ) فإذا ثبتَ ذلكَ فإنَّهُ لا يليقُ بكَ أنْ تُشْرِكَ مَعَهُ غيرَهُ في العبادةِ التي هيَ خالصُ حَقِّهِ؛ ولذلكَ قالَ تعالى بعدَ هذا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.
فقولُهُ تعالى:
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} المرادُ بالرجاءِ: الطلبُ والأملُ؛ أيْ: مَنْ كانَ يُؤَمَّلُ أنْ يَلْقَى ربَّهُ.


والمرادُ باللُّقْيَا هنا: المُلاقاةُ الخاصَّةُ؛ لأنَّ اللُّقْيَا على نوعَيْنِ:

الأوَّلُ: عامَّةٌ لكلِّ إنسانٍ، قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاَقِيهِ} ولذلكَ قالَ مُفَرِّعًا على ذلكَ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}، {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ...} الآيَةَ.
الثاني: الخاصَّةُ بالمؤمنينَ، وهوَ لِقَاءُ الرِّضَى والنعيمِ كما في هذهِ الآيَةِ، وتتَضَمَّنُ رُؤْيَتَهُ تباركَ وتعالى كما ذكرَ ذلكَ بعضُ أهلِ العلمِ.
قال
شيخ الإسلام في (الفتاوى) (6/488 ـ 489) في معنى (اللقاء): (طائفة من أهل السنة فسرت (اللقاء) في كتاب الله بالرؤية.
ومن أهل السنة من قال (اللقاء) إذا قرن بالتحية فهو من الرؤية، قال
ابن بطة: (سمعت أبا عمر الزاهد اللُّغوي يقول: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول في قوله تعالى: {تحيتهم يوم يلقونه سلام} أجمع أهل اللغة أن اللقاء ههنا لا يكون إلا معاينة ونظر بالأبصار)
.
فقولُهُ:
{فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا} الفاءُ رابطةٌ لجوابِ الشرطِ، والأمرُ للإرشادِ؛ أيْ: مَنْ كانَ يُرِيدُ أنْ يَلْقَى اللهَ على الوجهِ الذي يَرْضَاهُ سُبْحَانَهُ فليعملْ عملاً صالحًا.
والعملُ الصالحُ: ما كانَ خالصًا صَوَابًا، وهذا وجُهُ الشاهدِ من الآيَةِ.
فالْخَالِصُ: ما قُصِدَ بهِ وجهُ اللهِ، والدليلُ على ذلكَ قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)).
والصوابُ: ما كانَ على شريعةِ اللهِ، والدليلُ على ذلكَ قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)).
ولهذا قَالَ العلماءُ: هذانِ الحديثانِ مِيزَانُ الأعمالِ.
فالأوَّلُ:
ميزانُ الأعمالِ الباطنةِ.


والثاني:

ميزانُ الأعمالِ الظاهرةِ.


قولُهُ:
{وَلاَ يُشْرِكْ} لا: ناهيَةٌ، والمرادُ بالنَّهْيِ الإرشادُ.
قولُهُ:
{بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}خَصَّ العبادةَ؛ لأنَّها خالصُ حقِّ اللهِ، ولذلكَ أتى بكلمةِ (رَبٍّ) إشارةً إلى العلَّةِ، فكمَا أنَّ رَبَّكَ خلقَكَ، ولا يُشَارِكُهُ أحدٌ في خلقِكَ، فيجبُ أنْ تكونَ العبادةُ لهُ وحدَهُ؛ ولذلكَ لمْ يَقُلْ: (لا يُشْرِكْ بعبادةِ اللهِ) فذكرَ الربَّ منْ بابِ التعليلِ، كقوْلِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.
وقولُهُ:
{أَحَدًا} نَكِرَةٌ في سياقِ النهيِ، فتكونُ عامَّةً لكلِّ أحدٍ.


والشاهدُ من الآيَةِ:

أنَّ الرياءَ من الشركِ، فيكونُ داخلاً في النهيِ عنهُ.
وفي هذهِ الآيَةِ دليلٌ على مُلاقَاةِ اللهِ تعالى، وقَد استدلَّ بها بعضُ أهلِ العلمِ على ثُبُوتِ رُؤْيَةِ اللهِ؛ لأنَّ الملاقاةَ معناها المُوَاجَهَةُ.
وفيها دليلٌ على أنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بَشَرٌ لا يَسْتَحِقُّ أنْ يُعْبَدَ؛ لأنَّهُ حَصَرَ حالَهُ بالبشريَّةِ، كما حصَرَ الأُلُوهِيَّةَ باللهِ.
(3) قولُهُ في حديثِ
أبي هريرةَ: ((قَالَ اللهُ تَعَالَى)) هذا الحديثُ يَرْوِيهِ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عنْ ربِّهِ، ويُسَمَّى هذا النوعُ بالحديثِ القُدْسِيِّ.
قولُهُ:
((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ)).
قولُهُ:
((أَغْنَى)) اسمُ تفضيلٍ، وليستْ فعلاً ماضيًا، ولهذا أُضِيفَت إلى الشركاءِ.
يعني: إذا كانَ بعضُ الشركاءِ يستغني عنْ شَرِكَتِهِ معَ غيرِهِ، فاللهُ أغنى الشركاءِ عن المشاركةِ. فاللهُ لا يَقْبَلُ عملاً لهُ فيهِ شِرْكٌ أبدًا، ولا يقبلُ إلاَّ العملَ الخالصَ لهُ وحدَهُ.
فكمَا أنَّهُ الخالقُ وحدَهُ فكيفَ تَصْرِفُ شيئًا منْ حقِّهِ إلى غيرِهِ؟!
فهذا ليسَ عدْلاً؛ ولهذا قالَ اللهُ عنْ
لُقْمَانَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
فاللهُ الذي خلقَكَ وأعدَّكَ إعدادًا كاملاً بكلِّ مَصَالِحِكَ، وأمدَّكَ بما تحتاجُ إليهِ، ثمَّ تذهبُ وتَصْرِفُ شيئًا منْ حقِّهِ إلى غيرِهِ، فلا شكَّ أنَّ هذا مِنْ أظْلَمِ الظلمِ.
قولُهُ:
((عَمَلاً)) نكرةٌ في سياقِ الشرطِ، فَتَعُمُّ أيَّ عَمَلٍ منْ صلاةٍ أوْ صيامٍ أوْ حجٍّ أوْ جهادٍ أوْ غيرِهِ.
قولُهُ:
((تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)) أيْ: لمْ أُثِبْهُ على عملِهِ الذي أشْرَكَ فيهِ. وقدْ يصلُ هذا الشركُ إلى حدِّ الكفرِ، فيتركُ اللهُ جميعَ أعمالِهِ؛ لأنَّ الشركَ يُحْبِطُ الأعمالَ إذا ماتَ عليهِ.
والمرادُ بـ
((شِرْكَهُ)) عمَلَهُ الذي أشرَكَ فيهِ. وليسَ المرادُ شريكَهُ؛ لأنَّ الشريكَ الذي أشركَ بهِ معَ اللهِ قدْ لا يتْرُكُهُ، كمَنْ أشركَ نبيًّا أوْ وَلِيًّا؛ فإنَّ اللهَ لا يَتْرُكُ ذلكَ النبيَّ والوليَّ.
(4) قولُهُ في حديثِ
أبي سعيدٍ: ((أَلاَ))، أداةُ عَرْضٍ، والغرضُ منها تنبيهُ المُخَاطَبِ، فهوَ أبْلَغُ مِنْ عدمِ الإتيانِ بها.
قولُهُ:
((بِمَا هُوَ)) (ما) اسمٌ موصولٌ بمعنى (الذي).
قولُهُ:
((أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي)) أيْ: عندَ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ لأنَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِنْ رحمتِهِ بالمؤمنينَ يَخَافُ عليهمْ كُلَّ الفتنِ. وأعظمُ فتنةٍ في الأرضِ هيَ فتنةُ المسيحِ الدَّجَّالِ، لكنَّ خَوْفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ منْ فتنةِ هذا الشركِ الخفيِّ أشدُّ مِنْ خوفِهِ منْ فتنةِ المسيحِ الدَّجَّالِ، وإنَّما كانَ كذلكَ؛ لأنَّ التَّخَلُّصَ منْهُ صَعْبٌ جدًّا؛ ولذلكَ قالَ بعضُ السلفِ: (ما جاهَدْتُ نفس على شيءٍ مُجَاهدَتَها على الإخلاصِ).
وقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:
((أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ))، ولا يَكْفِي مُجَرَّدُ اللفظِ بها، بلْ لا بُدَّ مِنْ إخلاصٍ وأعْمَالٍ يَتَعَبَّدُ بها الإنسانُ للهِ عزَّ وجلَّ.
قولُهُ:
((الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ))المسيحُ أيْ: ممسوحُ العينِ اليُمْنَى، فذكرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَيْبَيْنِ في المسيحِ:


أحدُهُما:

حِسِّيٌّ، وهوَ أنَّ

الدَّجَّالَ أعورُ العينِ اليُمْنَى، كمَا قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّهُ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى)).


والثاني:

معنوِيٌّ، وهوَ الدَّجَّالُ

، فهوَ صيغةُ مبالغةٍ، أوْ يُقَالُ بأنَّهُ نِسْبَةٌ إلى وَصْفِهِ الملازمِ لَهُ، وهُوَ الدَّجَلُ والكَذِبُ والتَّمْوِيهُ.
وهوَ رجلٌ مِنْ بني
آدمَ، ولكنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى بحكمتِهِ يُخْرِجُهُ لِيَفْتِنَ الناسَ بهِ، وفتْنَتُهُ عظيمةٌ إذْ مَا في الدُّنْيَا منذُ خَلْقِ آدمَ إلى أنْ تقومَ الساعةُ فِتْنَةٌ أشدَّ منْ فتنةِ الدَّجَّالِ.


والمسيحُ الدَّجَّالُ

ثَبَتَتْ بهِ الأحاديثُ واشْتُهِرَتْ، حتَّى كانَ من المعلومِ بالضرورةِ؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَمَرَ أُمَّتَهُ أنْ يتَعَوَّذُوا باللهِ منْهُ في كلِّ صلاةٍ.

قولُهُ:
((الشِّرْكُ الْخَفِيُّ))الشركُ قسمانِ: خَفِيٌّ، وجَلِيٌّ.


فالجَلِيُّ:

ما كانَ بالقولِ، مثلُ الحَلِفِ بغيرِ اللهِ، أوْ قولِ: ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ.
أوْ بالفعلِ: مثلُ الانحناءِ لغيرِ اللهِ تعظيمًا.


والخفيُّ:

ما كانَ في القلبِ مثلُ الرياءِ؛

لأنَّهُ لا يَبِينُ، إذْ لا يعلَمُ ما في القلوبِ إلاَّ اللهُ. ويُسمَّى أيضًا: شِركَ السَّرَائِرِ.
وهذا هوَ الذي بيَّنَهُ اللهُ بقولِهِ:
{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} لأنَّ الحسابَ يومَ القيامةِ على السرائرِ، قالَ تعالى: {أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ}.
وفي الحديثِ الصحيحِ فِيمَنْ كانَ يَأْمُرُ بالمعروفِ ولا يفْعَلُهُ، وينهَى عن المنكَرِ ويفعلُهُ، أنَّهُ يُلْقَى في النارِ حتَّى تَنْدَلِقَ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فيدورُ عليها كما يدُورُ الحمارُ بِرَحَاهُ، فيجتمعُ عليهِ أهلُ النَّارِ فيسألونَهُ، فيُخْبِرُهُم أنَّهُ كانَ يأْمُرُ بالمعروفِ ولا يفعلُهُ، وينهى عَن المُنْكَرِ ويفعلُهُ.
قولُهُ:
((يَقُومُ الرَّجُلُ فَيُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ)) يتساوى في ذلكَ الرجلُ والمرأةُ، والتخصيصُ هنا يُسَمَّى مفهومَ اللَّقَبِ، أيْ أنَّ الحُكْمَ يُعَلَّقُ بما هوَ أشرفُ، لا لِقَصْدِ التخصيصِ، ولكنْ لضَرْبِ المَثَلِ.
وقولُهُ:
((فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ)) أيْ: يُحَسِّنُهَا بالطُّمَأْنِينَةِ، ورَفْعِ اليدَيْنِ عندَ التكْبيرِ، ونحوِ ذلكَ.
قولُهُ:
((لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ)) (ما) مَوْصُولةٌ، وحُذِفَ العائدُ؛ أيْ: للَّذِي يَرَاهُ مِنْ نظرِ رَجُلٍ.
وهذهِ هيَ العِلَّةُ لتحْسِينِ الصلاةِ، فقدْ زَيَّنَ صَلاتَهُ ليراهُ هذا الرجلُ، فيَمْدَحُهُ بلسانِهِ، أوْ يُعَظِّمُهُ بقلْبِهِ، وهذا شركٌ.

(5)
فيهِ مَسائِلُ:

الأُولَى:

(تَفسيرُ آيَةِ الكَهْفِ)

وسبقَ الكلامُ عليهَا.
(6)
الثانيَةُ: (الأمرُ العظيمُ فِي ردِّ العَمَلِ الصَّالحِ إذا دَخَلَهُ شَيْءٌ لِغَيْرِ اللهِ) وذلكَ لقولِهِ: ((تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)) وصارَ عظيمًا؛ لأنَّهُ ضاعَ على العاملِ خَسَارًا. وفَحْوَى الحديثِ تدلُّ على غَضَبِ اللهِ عزَّ وجلَّ مِنْ ذلكَ.
(7)
الثالثةُ: (ذِكْرُ السببِ الْمُوجِبِ لذلِكَ، وهُوَ كَمالُ الغِنى) يعني: المُوجِبُ للرَدِّ هوَ كمالُ غنى اللهِ عزَّ وجلَّ عنْ كلِّ عملٍ فيهِ شِرْكٌ، وهوَ غَنِيٌّ عنْ كلِّ عملٍ، لكنَّ العملَ الصالحَ يَقْبَلُهُ ويُثِيبُ عليهِ.
(8)
الرَّابعةُ: (أنَّ مِن الأسْبابِ أَنَّهُ تعالى خَيْرُ الشُّرَكاءِ) أيْ: مِنْ أسبابِ ردِّ العملِ إذا أَشْرَكَ فيهِ العاملُ معَ اللهِ أحدًا أنَّ اللهَ خيرُ الشركاءِ، فلا يُنَازِعُ مَنْ جُعِلَ شريكًا لَهُ فيهِ.
(9)
الخامسةُ: (خَوْفُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ علَى أَصْحابهِ مِن الرِّيَاءِ) وذلكَ لقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)).


وإذا كانَ يخافُ ذلكَ على أصحابِهِ فالخَوْفُ على مَنْ بعدَهُمْ مِنْ ذلكَ مِنْ بابِ أَوْلَى.
(10)

السادِسةُ: (أَنَّهُ فَسَّرَ ذلِكَ بأنَّ المرءَ يُصَلِّي للهِ، لَكِنْ يُزَيِّنُها لِمَا يَرى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ إِلَيْهِ) وهذا التفسيرُ ينطبقُ تمامًا على الرياءِ، فيكونُ أخوفَ علينَا عندَ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِن المسيحِ الدَّجَّالِ.
ولمْ يذْكُر المُؤَلِّفُ مسألةَ خوفِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على أُمَّتِهِ مِن
المسيحِ الدَّجَّالِ؛ لأنَّ المَقَامَ في الرِّيَاءِ، لا فيما يَخَافُهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على أُمَّتِهِ.

هيئة الإشراف

#6

27 Oct 2008

شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ 

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (هذا باب ما جاء في الرياء

يعني: من الوعيد، وأنه شرك بالله جل وعلا.
والرياء حقيقته من الرؤية، وهي البصرية.
وذلك بأن يعمل عمل العبادة؛ لكي يُرى أنه يعمل؛ يعمل العمل الذي هو من العبادة:

- إما صلاة.

- أو تلاوة.

- أو ذكر.

- أو صدقة.

- أو حج.

- أو جهاد.

- أو أمر.

- ونهي.

- أو صلة رحم.

أو نحو ذلك، لا لطلب ما عند الله ولكن لأجل أن يُرى؛ لأجل أن يراه الناس على ذلك، فيثنوا عليه به؛ هذا هو الرياء.

- وقد يكون الرياء في أصل الإسلام، كرياء المنافقين.


فالرياء على درجتين:
الدرجة الأولى: رياء المنافقين، بأن يُظهر الإسلام ويبطن الكفر؛ لأجل رؤية الخلق.

وهذا مُنافٍ للتوحيد من أصله، وكفرٌ أكبر بالله جل جلاله؛ لهذا وصف الله المنافقين بقوله: {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} يُراءون الناس، يعني: الرياء الأكبر الذي هو إظهار أصل الإسلام وشعب الإسلام؛ وإبطان الكفر، وشُعَب الكفر.
والنوع الثاني من الرياء: أن يكون الرجل مسلماً أو المرأة مسلمة؛ ولكن يرائي بعمله، أو ببعض عمله؛ فهذا شرك خفيّ، وذلك الشرك مُنافٍ لكمال التوحيد؛ والله -جل وعلا- قال: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} على اختيار من قال: إن قوله: {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}يدخل فيه الشرك الخفيّ والأصغر.
قال الشيخ -رحمه الله-: (باب ما جاء في الرياء، وقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}).
قوله: {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} هذا نهيٌ عن الإشراك.
قال: {وَلاَ يُشْرِكْ} هذا نهي، والنهي هنا: عام لجميع أنواع الشرك، التي منها شرك الرياء.
ولهذا يستدل السلف بهذه الآية على مسائل الرياء؛

كما أوردها الإمام -رحمه الله تعالى- هنا؛ لأنه قال: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} يعني: بما يشمل ترك المراءاة، فإن الرياء شرك.

- وقوله: {وَلاَ يُشْرِكْ} هذا عموم يعمّ أنواع الشرك جميعاً؛ لأن (يُشرك) نكرة، جاءت في سياق النهي؛ فعمّت أنواع الشرك.

- وقوله: {أَحَداً} يعمّ جميع الخلق: بمراءاة، أو بتسميع، أو بغير ذلك؛ فدلالة الآية ظاهرة على الباب، وأنَّ المراءاة نوع من الشرك الأصغر، نوع من الشرك الخفيّ.

- تارة نقول: الرياء شرك أصغر، باعتبار أنه ليس بأكبر مخرج من الملة.

- وتارة نقول: الرياء شرك خفيّ؛ لأنه ليس بظاهر، وإنما هو باطن خفيّ في قلب العبد؛ ولهذا تجد أن كثيرين من أهل العلم يعبّرون عن الشرك الأصغر:

- بيسير الرياء.

- وتارة يعبرون عن الشرك الخفيّ، بالرياء.

ذلك لأن الشرك يختلف من حيث الإطلاق -كما ذكرنا لكم في أول هذا الشرح- من عالِمٍ إلى آخر؛ تارة يقسمون الشرك إلى أكبر، وأصغر؛ ومنهم من يقسمه إلى أكبر، وأصغر، وخفيّ؛ وكلٌّ له اصطلاحه؛ وكل الأقوال صواب.

قال: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً، قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللهُ تَعَالى: ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ مَعِيَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ))).

هذا الحديث يدلّ على أنَّ الرياء مردودٌ على صاحبه، وأن الله -جل وعلا- لا يقبل العمل الذي خالطه الرياء.
والعلماء فصّلوا في ذلك؛ فقالوا: الرياء إذا عَرَضَ للعبادة فله أحوال:
فإما أنْ يعرض للعبادة من أولها:

فإذا عرض للعبادة من أولها، فإن العبادة كلّها باطلة، مثل: (أن يصلي، أنشأ الصلاة لنظر فلان) لم يرد أن يصلي الراتبة، لكن لما رأى فلاناً ينظر إليه فصلى الراتبة؛ لكي يراه؛ فهذا عمله حابط، يعني: هذه الركعتين حابطة؛ وهو مأزور على مراءاته، ومرتكب الشرك الخفيّ، الشرك الأصغر.


والحالة الثانية:

أن يكون أصل العبادة لله،

ولكن خلط ذلك العابد عمله برياء، مثلاً: (أطال الركوع، وأكثر التسبيح؛ لأجل من يراه) (أطال القراءة والقيام لأجل من يراه) فهذا، القدر الواجب من العبادة: له، وما عدا ذلك فهو حابط؛ لأنه راءى في الزيادة على الواجب؛ فيحبط ذلك الزائد وهو آثم عليه، لا يُؤجر عليه، ويحبط، ولا ينتفع منه، ويُؤزر على إشراكه وعلى مُراءاته؛ هذا في الأعمال، أو في العبادات البدنية؛ أما العبادات المالية فيختلف الحال عن ذلك.

قال هنا: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فيه مَعِيَ غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)) يعني: بجميع أنواع المشركين، وبجميع أنواع الأعمال.
((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً)) عملاً هذه: نكرة جاءت في سياق الشرط؛ فعمّت جميع الأعمال.

- الأعمال البدنية.

- والأعمال المالية.

- والأعمال التي اشتملت على مالٍ وبدن.


البدنية:

كالصلاة والصيام.

والمالية: كالزكاة والصدقة.

والمشتملة على بدن، ومال: كالحج والجهاد ونحو ذلك.

هذا يعمّ الجميع ((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً)) يعني: أنشأه ((أشرك فيه معي غيري)) جعله لله ولغير الله جميعاً؛ فإن الله -جل وعلا- أغنى الشركاء عن الشرك، لا يقبل إلا ما كان له وحده سبحانه وتعالى.
قال: (وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ مَرْفُوعاً: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُم عِنْدِي مِنَ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.
قَالُوا: بَلَى.
قَالَ:((الشِّرْكُ الخَفِيُّ، يَقُومُ الرَّجُلُ، فَيُصَلِّي فَيُزَيِّن صَلاَتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ الرَّجُلٍ)).
هذا فيه بيان أنَّ هذا النوع من الشرك هو أخوف من المسيح الدجال عند النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هذه الأمة.
ذلك أنَّ أمر المسيح، أمر ظاهر بيّن؛ والنبي -عليه الصلاة والسلام- بيّن ما في شأنه، وبيّن صفته، وحذّر الأمة منه، وأمرهم بأن يدعوا آخر كل صلاة بالاستعاذة من:

- شرّ المسيح الدجال.

- ومن فتنة المسيح الدجال.

لكن الرياء، هذا يعرض للقلب كثيراً، والشيطان يأتي إلى القلوب؛ وهذا الشرك يقود العبد إلى أن يتخلى شيئاً فشيئاً عن مراقبة الله جل وعلا، ويتجه إلى مراقبة المخلوقين؛ لذلك صار أخوف عند النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علينا من المسيح الدجال؛ ثم فسَّره بقوله: (الشِّرْكُ الخَفِيُّ، يَقُومُ الرَّجُلُ، فَيُصَلِّي فَيُزَيِّن صَلاَتَهُ، لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ الرَجُل).

هيئة الإشراف

#7

18 Jun 2009

تخريج أحاديث منتقدة في كتاب التوحيد للشيخ: فريح بن صالح البهلال

قال الشيخ فريح بن صالح البهلال: (بابُ ما جاءَ في الرِّياءِ

وعنْ أبي سعيدٍ مرفُوعاً: ((ألا أخبرُكُمْ بما هُوَ أخوَفُ عليكُمْ عندِي منَ المَسِيحِ الدَّجَّالِ؟
قالُوا: بلَى يا رسُولَ اللهِ قَالَ: الشِّركُ الخفيُّ يقومُ الرَّجُلُ فيُصَلِّي فيُزَيِّنُ صَلاتَهُ لما يَرَى منْ نَظَرِ رجلٍ
))
رواهُ أحمدُ.
أخرجَهُ
أحمدُ، وابنُ ماجةَ، وابنُ عديٍّ، والبيهقيُّ، والحاكمُ، من طريقِ كثيرِ بنِ زيدٍ عن ربيحِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي سعيدٍ الخدريِّ عن أبيهِ عن جدِّهِ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ… الحديثَ.
وقد ضُعِّفَ هذا الحديثُ بـ
(كثيرِ بنِ زيدٍ) بأنَّهُ ليسَ بالقويِّ وبـ (ربيحِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ) بأنَّ أحمدَ قالَ فيهِ: ليسَ بمعروفٍ وقالَ البخاريُّ:( منكرُ الحديثِ).
قلتُ: قد صحَّحَهُ عددٌ من أهلِ العلمِ، وإليكَ أقوالَهُمْ:
قالَ
الحاكمُ: (هذا حديثٌ صحيحُ الإِسنادِ) ووافقَهُ الذَّهبيُّ فقالَ: (صحيحٌ).
وقالَ
البوصيريُّ: (هذا إسنادٌ حسنٌ، كثيرُ بنُ زيدٍ وربيحُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ مختلَفٌ فيهِمَا).
وصدَّرَهُ
المنذريُّ بلفظِ: (عن).
وقالَ
الألبانيُّ: (صحيحٌ).
وقالَ
ابنُ بازٍ:(صحيحٌ).
وقالَ محقِّقُ
(الجامعِ لشعبِ الإِيمانِ): إسنادُهُ لا بأسَ بهِ.
وأمَّا
كثيرُ بنُ زيدٍ وهو الأسلميُّ فقد اختُلِفَ في حالِهِ، فقالَ يحيى بنُ معينٍ: (ليسَ بذلك القويِّ).
وقالَ
عليُّ بنُ المدينيِّ:(هو صالحٌ وليسَ بالقويِّ).
وقالَ
أبو حاتمٍ الرَّازي:(صالحٌ ليسَ بالقويِّ يُكْتَبُ حديثُهُ).
وقالَ
النّسائيُّ: (ضعيفٌ).


وقيلَ:

غيرُ ذلِكَ.
ووثَّقَهُ آخرونَ.
فقالَ
يحيى بنُ معينٍ في روايةٍ:( ثقةٌ، ومرَّةً قالَ: ليسَ بهِ بأسٌ).
وقالَ
أحمدُ: (ما أَرَى بهِ بأساً).
وقالَ
ابنُ عديٍّ: (ولم أرَ بحديثِهِ بأساً، وأرجُو أنَّهُ لا بأسَ بهِ).
وقالَ
أبو زرعةَ الرَّازيُّ: (صدوقٌ فيه لين).
وقالَ
ابنُ عمَّارٍ الموصليُّ:(ثقةٌ) وذكرَهُ ابنُ حبَّانَ في (الثّقاتِ).
وقالَ
الحافظُ في (التَّقريبِ): (صدوقٌ يخطىءُ).
قلتُ: وأعدَلُ الأقوالِ فيه إنْ شاءَ اللهُ - قولُ أبي زرعةَ والحافظِ ابنِ حجرٍ أنَّهُ صدوقٌ فيه لينٌ، وعليهِ فيكونُ حديثُهُ حسناً لذاتِهِ.
وأمَّا
ربيحُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي سعيدٍ فقدِ اختُلِفَ فيه أيضاً.
قالَ
التّرمذيُّ: قالَ البخاريُّ: (منكَرُ الحديثِ).
وقالَ
أحمدُ بنُ حنبلَ:(ليسَ بمعروفٍ).
وقالَ
المنذريُّ: قالَ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمارٍ:(ثقةٌ).
وقالَ
ابنُ عديٍّ:(أرجُو أنَّهُ لا بأسَ بهِ).
وذكرَهُ
ابنُ حبَّانَ في (الثِّقاتِ).
وقالَ
الحافظُ في (التَّقريبِ): (مقبولٌ).
فقدْ تعارَضَ فيه الجرحُ والتَّعديلُ، وقدْ نصَّ
الحافظُ الذَّهبيُّ على قاعدةِ تعارضِ الجرحِ والتَّعديلِ بقولِهِ:( وإذا ضَعَّفَ رجلاً، فانظرْ هلْ وافقَهُ غيرُهُ على تضعيفِهِ، فإنْ وافقَهُ ولم يوثِّقْ ذاك أحدٌ من الحذّاقِ فهو ضعيفٌ، وإنْ وثَّقَهُ أحدٌ فهو الَّذي قالُوا فيهِ: لا يُقْبَلُ تجريحُهُ إلا مفسَّراً، يعني لا يكفي أن يقولَ فيه ابنُ معينٍ مثلاً: هو ضعيفٌ، ولم يوضِّحْ سببَ ضعفِهِ، وغيرُهُ قد وثَّقَهُ، فمثلُ هذا يُتَوَقَّفُ في تصحيحِ حديثِهِ وهو إلى الحسنِ أقربُ) اهـ.
وأمَّا قولُ الإِمامِ
البخاريِّ رحمَهُ اللهُ: (إنَّهُ منكَرُ الحديثِ).
وقد قالَ
الذَّهبيُّ -رحمَهُ اللهُ- في ترجمةِ أبانِ بنِ جبلَّةَ الكوفيِّ:(إنَّ ابنَ القطَّانِ نقلَ عن البخاريِّ أنَّهُ قالَ: (كلُّ من قلْتُ فيهِ: منكَرُ الحديثِ، فلا تحلُّ الرِّوايةُ عنهُ ).
فهذا العمومُ الَّذي نقلَهُ
ابنُ القطَّانِ ليسَ على إطلاقِهِ بدليلِ أنَّ العُقَيليَّ قالَ في ترجمةِ: (جعفرِ بنِ الحارثِ الواسطيِّ): حدَّثَنِي آدمُ بنُ موسَى، قالَ: سمعْتُ البخاريَّ قالَ: جعفرُ بنُ الحارثِ الواسطيُّ أبو الأشهبِ عن منصورٍ في حفظِهِ شيءٌ يُكْتَبُ حديثُهُ.
وقالَ في موضعٍ آخرٍ:
(جعفرُ بنُ الحارثِ أبو الأشهبِ الواسطيُّ منكَرُ الحديثِ) اهـ. وقال الحافظُ: (في ترجمةِ المذكورِ: وقالَ العقيليُّ: (منكَرُ الحديثِ، في حفظِهِ شيءٌ يُكْتَبُ حديثُهُ، قالَهُ البخاريُّ).
ولأنَّ
ربيحَ بنَ عبدِ الرَّحمنِ وثَّقَهُ ابنُ عمَّارٍ، وابنُ حبَّانَ، ونفَى البأسَ عنهُ ابنُ عديٍّ، وهو مقبولٌ عندَ الحافظِ ابنِ حجرٍ، والمقبولُ عندَهُ هو من لم يثبتْ فيه ما يُتْرَكُ حديثُهُ من أجلِهِ - كما نصَّ عليه هو في المقدِّمَةِ.
أضفْ إلى هذا تصحيحَ
الحاكمِ لحديثِهِ وكذا الذَّهبيُّ، وابنُ بازٍ، والألبانيُِّ، وكذا تحسينُ المنذريِّ والبوصيريِّ، ولو كانَتِ الرِّوايةُ عنه لا تحلُّ لما وثَّقَهُ مَنْ وثَّقَهُ ولما صحَّحَ حديثَهُ من صحَّحَهُ أو حسَّنَهُ، فالحاصلُ أنَّ الحديثَ حسنٌ -إنْ شاءَ اللهُ-.
أضفْ إلى هذا أنَّ له شاهداً صحيحاً جاءَ من حديثِ:
جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، ورافعِ بنِ خديجٍ.
فأمَّا حديثُ
رافعِ بنِ خديجٍ فأخرجَهُ الطَّبرانيُّ بقولِهِ: حدَّثَنَا محمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ محمَّدِ بنِ أبي بكرٍ المقدميُّ ثنا عبدُ اللهِ بنِ شبيبٍ ثنا إسماعيلُ بنُ أبي أويسٍ حدَّثني عبدُ العزيزِ بنُ محمَّدٍ عن عمرو بنِ أبي عمرو عن عاصمِ بنِ عمرَ بنِ قتادةَ عن محمودِ بنِ لبيدٍ عن رافعِ بنِ خديجٍ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ)).
قالـُوا: يا رسولَ اللهِ: وما الشِّركُ الأصغرُ؟
قالَ:
((الرِّياءُ يُقالُ لمَنْ يفعلُ ذلكَ إذا جاءَ النَّاسُ بأعمالِهِم: اذهبُوا إلى الَّذينَ كنتُمْ تُراؤونَ، فاطلبُوا ذلك عندَهُمْ))
.
قالَ
المنذريُّ: (رواهُ الطَّبرانيُّبإسنادٍ جيّدٍ عن محمودِ بنِ لبيدٍ عن رافعِ بنِ خديجٍ.
وقيلَ: إنَّ حديثَ محمودٍ هو الصَّوابُ دونَ ذكرِ رافعِ بنِ خديجٍ فيهِ، واللهُ أعلمُ).
وأخرجَهُ
أحمدُ والبيهقيُّ من طريقِ عبدِ الرَّحمنِ بن أبي الزّنادِ، عن عمرو بنِ أبي عمرو عن عاصمِ بنِ عمرَ بنِ قتادةَ عن محمودِ بنِ لبيدٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ…)) الحديثُ.
وأخرجَهُ أيضاً من طريقِ
يزيدَ بنِ الهادِ عن عمرو عن محمودِ بنِ لبيدٍ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ… فذكرَهُ، فأسقطَ عاصمَ بنَ عمرَ كما تَرَى!.
قالَ
المنذريُّ: (إسنادُهُ جيّدٌ).
وقالَ
الهيثميُّ: (رجالُهُ رجالُ الصَّحيحِ).
وأمَّا حديثُ
جابرِ بنِ عبدِ اللهِ فأخرجَهُ ابنُ خزيمةَ والبيهقيُّ من طريقِ سعدِ بنِ إسحاقَ بنِ كعبِ بنِ عجرةَ عن عاصمِ بنِ عمرَ بنِ قتادةَ عن محمودِ بنِ لبيدٍ قالَ:( خرَجَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: ((أيـُّها النـَّاسُ، إيَّاكُمْ وشركَ السَّرائرِ)).

قالـُوا: يا رسولَ اللهِ، وما شركُ السَّرائرِ؟

قالَ: ((يقومُ الرَّجلُ فيصلِّي، فيزيِّنُ صلاتَهُ، جاهداً لما يرى من نظرِ النَّاسِ إليهِ فذلكَ شركُ السَّرائرِ)).
هذا لفظُ
ابنِ خزيمةَ. وأمَّا البيهقيُّ فعندَهُ أنَّهُ رواهُ محمودٌ عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ -رَضِي اللهُ عَنْهُما- بلفظِ ابنِ خزيمةَ.


قالَ الألبانيُّ: (حسنٌ).


قلْتُ:

رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الصَّحيحِ.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

18 Jun 2009

العناصر


مناسبة باب (ما جاء في الرياء) لكتاب التوحيد


أهمية باب (ما جاء في الرياء) وبيان حقيقة الرياء

- تعريف الرياء لغة وشرعا

- بيان خطورة الرياء
- بيان أن دخول الرياء محبط للعمل
- أقسام الرياء على الأعمال، وبيان حكم كل قسم
- الفرق بين الرياء، والسمعة

معنى قوله: (قل إنما أنا بشر مثلكم...)، وسبب النزول


تفسير قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه) الآية

- بيان أقسام ملاقاة الله تعالى

- ذكر بعض الفوائد من قوله: (قل إنما أنا بشر مثلكم...) الآية

شرح حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك...))

- معنى قوله: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك)

- معنى قوله: (من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)

شرح حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (ألا أخبركم بما هو أخوف...)

- تخريج حديث أبي سعيد (ألا أخبركم...)، وذكر قصته

- بيان معنى قوله: (ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح الدجال...)
- بيان السبب في كون الرياء أخوف علينا من المسيح الدجال
- الكلام على فتنة الدجال، والرد على منكري خروجه
- سبب تسمية الرياء بالشرك الخفي
- بيان أقسام الشرك من حيث الظهور والخفاء
- الإيمان إيمانان: إيمان يمنع دخول النار، وإيمان يمنع الخلود فيها
- معنى قوله: (يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته...)، والحكمة من تخصيص الرجل بالذكر
- ما يستفاد من حديث أبي سعيد (ألا أخبركم...)

مناسبة باب (من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا) لباب الرياء


شرح مسائل باب (ما جاء في الرياء)


بيان الفرق بين باب الرياء، وباب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا


شرح ترجمة الباب (من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا)

- أنواع إرادة الانسان بعمله الدنيا

- استحضار الثواب الدنيوي بالعمل الأخروي
- ذكر أنواع من أعمال الناس تدخل في قوله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا)
- بيان أن الدراسة في المدارس الشرعية لأجل الشهادة يدخل في إرادة الإنسان بعمله الدنيا

معنى قوله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها...) الآية

- هل يستدل بقوله تعالى (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) على خلود بعض العصاة في النار؟

- ما يستفاد من قوله تعالى (من كان يريد الحياة الدنيا...)

شرح حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (تعس عبد الدينار...)

- معنى قوله: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم)

- معنى قوله: (تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة)
- بيان السبب في تسمية طالب الدينار، والدرهم، والخميصة، والقطيفة عبداً
- معنى قوله: (إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط)
- معنى قوله: (تعس وانتكس)
- معنى قوله: (وإذا شيك فلا انتقش)، وهل المراد بالجملتين الخبر أو الدعاء
- معنى قوله: (أشعث رأسه، مغبرة قدماه)
- أحاديث في فضل الجهاد في سبيل الله
- بيان المراد بطوبى، ومعنى قوله: (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه)
- معنى قوله: (إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة)
- معنى قوله: (إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع)

شرح مسائل باب (من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا)