26 Oct 2008
باب من الشرك النذر لغير الله
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (11 - بَابُ مِنَ الشِّرْكِ النَّذْرُ لِغَيْرِ اللهِ
وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْر ويخَافُونَ يَومًا كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}[الإِنْسَان:7].
وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ}[الْبَقَرَة:270].
وَفِي (الصَّحِيحِ) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ)).
فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ عِبَادَةً للهِ فَصَرْفُهُ إِلَى غَيْرِهِ شِرْكٌ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ نَذْرَ الْمَعْصِيَةِ لاَ يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ.
تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ
قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ( (1)
أيْ: أنَّهُ مِن العِبَادَةِ، فيكونُ صرْفُهُ لغيرِ اللهِ شِرْكًا، فإذا نَذَرَ طَاعَةً وَجَبَ عليهِ الوَفَاءُ بهِا، وهو عِبَادَةٌ وقُرْبَةٌ إلى اللهِ؛ ولهذا مَدَحَ اللهُ المُوفِينَ بهِ، فإنْ نذَرَ لمخْلُوقٍ تَقَرُّبًا إليهِ لِيَشْفَعَ لهُ عندَ اللهِ ويَكْشِفَ ضُرَّهُ، ونحوَ ذلكَ، فَقَدْ أَشْرَكَ في عِبَادَةِ اللهِ تعالَى غيرَهُ ضرورةً، كمَا أنَّ مَنْ صلَّى للهِ وصلَّى لغيرِهِ فقدْ أَشْرَكَ، كذلِكَ هذا؛ لقولِهِ تعالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ }[الدَّهْر:7]
وجهُ الدَّلالَةِ من الآيَةِ عَلَى التَّرْجَمَةِ: أنَّ اللهَ تَعالَى مَدَحَ المُوفِينَ بالنَّذْرِ، واللهُ تعالَى لا يَمْدَحُ إلاَّ عَلَى فِعْلِ واجِبٍ أوْ مُسْتَحَبٍّ، أوْ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، لا يَمْدَحُ عَلَى فِعْلِ المُبَاحِ الُمَجَرَّدِ، وذلكَ هوَ العِبَادَةُ، فمَنْ فَعَلَ ذلكَ لِغَيْرِ اللهِ مُتَقَرِّبًا إليهِ فقدْ أشْرَكَ. (2) وجهُ الدَّلالةِ مِن الآيَةِ عَلَى التَّرْجَمَةِ:أنَّ اللهَ تعالَى أَخْبَرَ بأنَّ ما أنْفَقْنَاهُ مِنْ نَفَقَةٍ، أوْ نَذَرْنَاهُ مِنْ نَذْرٍ، مُتَقَرِّبِينَ بذلكَ إليهِ، أنَّهُ يَعْلمُهُ ويُجَازِينا عليهِ؛ فَدَلَّ ذلكَ أنَّهُ عِبَادَةٌ. وبالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ مُسْلِمٍ أنَّ مَنْ صَرَفَ شَيئًا مِنْ أنواعِ العِبَادَةِ لغيرِ اللهِ فقدْ أشْرَكَ. قالَ ابنُ كَثِيرٍ:(يُخْبِرُ تعالَى بأنَّهُ عالِمٌ بجميعِ ما يَعْمَلُهُ العامِلُونَ مِن الخَيْرَاتِ مِن النَّفَقَاتِ والمَنْذُوراتِ، وتَضَمَّنَ ذلكَ مُجَازَاتَهُ عَلَى ذلكَ أَوْفَرَ الجزاءِ، للعامِلِينَ لذلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ، ورَجَاءَ مَوْعُودِهِ، إذا عَلِمْتَ ذلكَ فهذه النُّذُورُ الواقِعَةُ مِنْ عُبَّادِ القُبُورِ وأَشْبَاهِهِم لِمَنْ يَعْتَقِدُونَ فيهِ نَفْعًا أوْ ضُرًّا، فيَتَقَرَّبُ إليهِ بالنَّذْرِ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ أوْ لِيَشْفَعَ لَهُ، كلُّ ذلكَ شِرْكٌ في العِبَادَةِ، وهو شَبِيهٌ بما ذَكَرَ اللهُ عن المُشْرِكِينَ في قولِهِ: {وَجَعَلُوا للهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللهِ وَمَا كانَ للهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الأنْعَام:136]، رَوَى ابنُ أبي حَاتِمٍ في الآيَةِ: يعنِي: جَعَلُوا للهِ جُزْءًا مِن الحَرْثِ، ولِشُرَكائِهِم ولأَوْثَانِهِم جُزءًا، فمَا ذَهَبَتْ بهِ الرِّيحُ مِمَّا سَمَّوْا للهِ إلى جُزءِ أوْثانِهِم تَرَكُوهُ وقالُوا: اللهُ عنْ هذا غَنِيٌّ، وما ذَهَبَتْ بهِ الرِّيحُ مِنْ جُزءِ أَوْثانِهِم إلى جُزءِ اللهِ أَخَذُوهُ). وعُبَّادُ القُبُورِ يَجْعَلُونَ للهِ جُزءًا مِنْ أموالِهِم بالنَّذْرِ والصَّدَقَةِ، وللأمْوَاتِ والطَّوَاغِيتِ جُزءًا كذلِكَ، وقدْ نَصَّ غيرُ واحِدٍ من العُلَمَاءِ، عَلَى أنَّ النَّذرَ لغيرِ اللهِ شِرْكٌ. قالَ شيخُ الإسلامِ:(وأَمَّا ما نَذَرَهُ لِغَيْرِ اللهِ كالنَّذْرِ للأصنامِ، والشَّمسِ، والقمرِ، والقُبُورِ، ونحوِ ذلكَ، فهو بِمَنْزِلَةِ أنْ يَحْلِفَ بغيرِ اللهِ مِن المَخْلُوقاتِ، والحالِفُ بالمخلوقاتِ لا وَفَاءَ عليهِ ولا كَفَّارَةَ، وكذلِكَ النَّاذِرُ للمَخْلُوقِ ليسَ عليهِ وفاءٌ ولا كفَّارةٌ؛ فإنَّ كِلَيْهِمَا شِرْكٌ، والشِّركُ ليسَ لهُ حُرْمَةٌ، بلْ عليهِ أن يَسْتَغْفِرَ اللهَ مِنْ هذا العَقْدِ ويَقُولَ ما قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيثُ قالَ: ((مَنْ حَلَفَ بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)). وقالَ أيضًا فيمَنْ نَذَرَ للقُبُورِ ونَحوِهَا دِهْنًا لِتُنَوَّرَ بهِ ويقولُ: (إنَّهَا تَقْبَلُ النَّذْرَ، كمَا يقولُ بعضُ الضَّالَّينَ: فهذا النَّذْرُ مَعْصِيَةٌ باتِّفَاقِ العُلَمَاءِ، لا يَجُوزُ الوَفَاءُ بهِ، وكذلِكَ إِذَا نَذَرَ مَالاً مِن النَّقْدِ أوْ غَيْرِهِ للسَّدَنَةِ أو المُجَاوِرِينَ العاكِفِينَ بتلكِ البُقْعَةِ، فإنَّ هؤلاءِ السَّدَنَةَ فيهم شِبْهٌ مِن السَّدَنَةِ التي كانَتْ لِلاَّتِ والعُزَّى ومَنَاةَ، يأكلونَ أموالَ النَّاسِ بالباطِلِ، ويَصُدُّونَ عنْ سبيلِ اللهِ، والمُجَاوِرُونَ هناكَ فيهم شِبْهٌ مِن العاكِفِينَ الَّذينَ قالَ فيهم إبراهيمُ الخَلِيلُ عليهِ السَّلامُ:{ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ }[الأنْبِياء:52] والَّذينَ اجْتَازَ بِهِم مُوسَى عليهِ السَّلامُ، وقولِهِ تعالَى:{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ }[الأعْرَاف:138] فالنَّذْرُ لأولئِكَ السَّدَنَةِ والمُجَاوِرِينَ في هذه البِقَاعِ - التي لا فَضْلَ للشَّرِيعَةِ في المُجَاوَرَةِ فيها - نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، وفيهِ شِبْهٌ مِن النَّذْرِ لِسَدَنَةِ الصُّلْبَانِ المُجَاوِرِينَ عندَهَا، أوْ لِسَدَنَةِ الأَبْدَالِ التي في الهِنْدِ والمُجَاوِرِينَ عندَهَا، ثُمَّ هذا المالُ إذا صَرَفَهُ في جِنْسِ تلكَ العِبَادَةِ مِن المَشْرُوعِ - مِثْلُ أنْ يَصْرِفَهُ في عِمَارَةِ المَسَاجِدِ، أوْ للصَّالِحِينَ منْ فُقَرَاءِ المسلمينَ يَسْتَعِينُونَ بالمالِ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ - كانَ حَسَنًا). وقدْ تَقَدَّمَ كلامُ ابنِ القَيِّمِ في قولِهِ: ويقولونَ: إنَّهَا تَقْبَلُ النَّذْرَ؛ أيْ: تَقْبَلُ العِبَادَةَ مِنْ دُونِ اللهِ؛ فإنَّ النَّذْرَ عبادةٌ... إلى آخِرِهِ. - وقالَ الإمامُ الأَذْرُعِيُّ في (شَرْحِ مِنْهَاجِ النَّوَوِيِّ): (وأمَّا النَّذْرُ للمَشَاهِدِ التي بُنِيَتْ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أوْ شَيْخٍ، أوْ عَلَى اسْمِ مَنْ حَلَّها مِن الأوْلِياءِ، أوْ تَرَدَّدَ في تِلْكَ البُقْعَةِ من الأنبياءِ والصَّالحينَ، فإنْ قَصَدَ النَّاذِرُ بذلكَ - وهو الغالِبُ أو الواقِعُ منْ قُصُودِ العَاقِدِ - تَعْظِيمَ البُقْعَةِ والمَشْهَدِ والزَّاوِيَةِ، أوْ تَعْظِيمَ مَنْ دُفِنَ بِهَا أوْ نُسِبَتْ إليهِ، أوْ بُنِيَتْ عَلَى اسْمِهِ، فهذا النَّذْرُ باطِلٌ غيرُ مُنْعَقِدٍ؛ فإنَّ مُعْتَقَدَهُم أنَّ لهذه الأماكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لأنْفُسِهَا، ويَرْونَ أنَّهَا مِمَّا يُدْفَعُ بهِ البَلاءُ، ويُسْتَجْلَبُ بهِ النَّعْمَاءُ، ويُسْتَشْفَى بالنَّذْرِ لها مِن الأَدْوَاءِ، حتَّى إنَّهُم يَنْذُرُونَ لبعضِ الأحْجَارِ لَمَّا قيلَ: إنَّهُ جَلَسَ إليها أو اسْتَنَدَ إليها عَبْدٌ صَالِحٌ، ويَنْذُرُونَ لبعضِ القُبُورِ السُّرُجَ والشُّمُوعَ والزَّيتَ، ويقولونَ: القبرُ الفُلانِيُّ أو المكانُ الفُلانيُّ يَقْبَلُ النَّذْرَ، يَعْنُونَ بذلكَ أنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الغَرَضُ المَأْمُولُ مِنْ شِفَاءِ مَرِيضٍ، وقُدُومِ غَائِبٍ، وسَلامَةِ مَالٍ، وغيرِ ذلكَ مِنْ أنواعِ نَذْرِ المُجَازَاةِ. فهذا النَّذْرُ عَلَى هذا الوَجْهِ باطِلٌ لا شكَّ فيهِ، بلْ نَذْرُ الزَّيتِ والشَّمْعِ ونَحوِهَما للقُبُورِ باطِلٌ مُطْلَقًا، مِنْ ذلكَ نَذْرُ الشُّمُوعِ الكثيرةِ العَظِيمَةِ وغيرِهَا لِقَبْرِ الخَلِيلِ عليهِ السَّلامُ، ولقبرِ غيرِهِ من الأنبياءِ والأوْلِياءِ؛ فإنَّ النَّاذِرَ لا يَقْصِدُ بذلكَ إلاَّ الإيقَادَ عَلَى القَبْرِ تَبَرُّكًا وتَعْظِيمًا، ظَانًّا أنَّ ذلكَ قُرْبَةٌ، فهذا ممَّا لا رَيْبَ في بُطْلاَنِهِ، والإيقَادُ المذكورُ مُحَرَّمٌ، سَواءٌ انْتَفَعَ بهِ هناكَ مُنْتَفِعٌ أمْ لا) إلى آخِرِ كلامِهِ. وقالَ الشَّيخُ قاسِمٌ الحَنَفِيُّ في (شَرْحِ دُرَرِ البِحَارِ): (النَّذْرُ الَّذي يَنْذُرُهُ أكثرُ العَوَامِّ عَلَى ما هوَ مُشَاهَدٌ، كأنْ يكونَ للإنسانِ غائِبٌ أوْ مَرِيضٌ، أوْ لهُ حاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ، فيأتِي إلى بَعْضِ الصُّلَحَاءِ ويَجْعَلُ عَلَى رأسِهِ سُتْرَةً، ويقولُ: يا سيِّدي فلانُ، إن رَدَّ اللهُ غائِبِي، أوْ عُوفِيَ مَرِيضي، أوْ قُضِيَتْ حاجَتِي، فلكَ مِن الذَّهَبِ كذا، أوْ مِن الفِضَّةِ كذا، أوْ مِن الطَعامِ كذا، أوْ مِن الماءِ ومِن الشَّمْعِ والزَّيْتِ كذا، فهذا النَّذْرُ باطِلٌ بالإجْمَاعِ لوجوهٍ: منها: أنَّهُ نَذْرٌ لمَخْلُوقٍ، والنَّذْرُ للمخْلُوقِ لا يَجُوزُ؛ لأنَّهُ عِبَادَةٌ، والعِبَادَةُ لا تكونُ لمَخْلُوقٍ. ومنها:أنَّ المَنْذُورَ لهُ مَيِّتٌ، والمَيِّتُ لا يَمْلِكُ. ومنها: أنَّهُ ظَنَّ أنَّ المَيتَ يَتَصَرَّفُ في الأُمُورِ دونَ اللهِ، واعْتِقَادُ ذلكَ كُفْرٌ، إلى أنْ قالَ: إذا عَلِمْتَ هذا فما يُؤْخَذُ من الدَّراهمِ والشَّمْعِ والزَّيْتِ وغيرِهَا ويُنْقَلُ إلى ضَرَائِحِ الأوْلِياءِ تَقَرُّبًا إليهِمْ فحَرَامٌ بإِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ). نقلَهُ عنهُ ابنُ نُجَيْمٍ في (البَحْرِ الرَّائِقِ) في آخِرِ كتابِ الصَّوْمِ، ومنهُ نقلَهُ المُرْشِدِيُّ أيضًا في (تَذْكِرَتِهِ)، ونَقَلَهُ غيرُهُمَا عنه وزَادَ: وقد ابْتُلِيَ النَّاسُ بهِذا لا سيِّمَا في مَوْلِدِ أحمدَ البَدَوِيِّ. - وقالَ الشَّيخُ صُنْعُ اللهِ الحَلِبِيُّ الحَنَفِيُّ في الرَّدِّ عَلَى منْ أَجَازَ الذَّبْحَ والنَّذْرَ للأوْلِياءِ، وأثْبَتَ الأَجْرَ في ذلكَ:( فهذا الذَّبْحُ والنَّذْرُ إنْ كانَ عَلَى اسمِ فُلانٍ وفُلانٍ فهو لغيرِ اللهِ، فيكونُ باطِلاً. وفي التَّنزيلِ: { وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهُ عَلَيْهِ }[الأنعام:121] . وقولُهُ: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ }[الأنعام:163,162] أيْ: صَلاتِي وذَبْحِي للهِ، كمَا فُسِّرَ بهِ قولُهُ: { فَصَلِّ لِربِّكَ وَانْحَرْ }[الكَوْثَر:2]، وفي الحديثِ: ((لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ))رَوَاهُ أبو دَاودَ وغَيْرُهُ، والنَّذْرُ لغيرِ اللهِ إشراكٌ معَ اللهِ) إلى أن قالَ: (فالنَّذْرُ لغيرِ اللهِ كالذَّبْحِ لغيرِهِ، وقالَ الفُقَهَاءُ: (خَمْسَةٌ لغيرِ اللهِ شِرْكٌ: الرُّكُوعُ، والسُّجُودُ، والنَّذْرُ، والذَّبْحُ، واليَمِينُ) قالَ: (والحاصِلُ أَنَّ النَّذْرَ لغيرِ اللهِ فُجُورٌ، فمِنْ أينَ تَحْصُلُ لَهم الأُجُورُ؟) انْتَهَى مُلَخَّصًا. - وقالَ القاضِي أبو بَكْرِ بنُ العَرَبِيِّ المَالِكِيُّ:(قدْ نُهِيَ عن النَّذْرِ، ونُدِبَ إلى الدُّعَاءِ، والسَّبَبُ فيهِ أنَّ الدُّعاءَ عِبَادَةٌ عاجِلَةٌ، ويَظْهَرُ بهِ التَّوَجُّهُ إلى اللهِ تعالَى والتَّضَرُّعُ لهُ، وهذا بِخِلافِ النَّذْرِ؛ فإنَّ فيهِ تأْخِيرَ العِبَادَةِ إلى حينِ الحُصُولِ، وتَرْكَ العَمَلِ إلى حينِ الضَّرُورَةِ، فقدْ نَصَّ أبو بَكْرٍ عَلَى أنَّ الدُّعاءَ والنَّذْرَ عِبَادَتَانِ، ولا يَمْتَرِي مُسْلِمٌ أنَّ مَنْ عَبَدَ غيرَ اللهِ فقدْ أشْرَكَ، ولكن كمَا قالَ تعالَى: { وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ }[يونس:101] ). (3) قولُهُ: (في (الصَّحيحِ)) أيْ: (صحيحِ البُخَارِيِّ). قولُهُ: (عنْ عائِشَةَ) هيَ أمُّ المؤمنينَ، وزَوْجُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبنْتُ أبي بكرٍ الصِّديِّقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، تَزَوَّجَها النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهيَ بنتُ سبعِ سِنينَ، ودَخَلَ بِهَا وهيَ بنتُ تِسْعِ سنينَ، وهيَ أَفْقَهُ النِّسَاءِ مُطْلَقًا، وأفضلُ أزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ خَدِيجَةَ ففيهما خِلافٌ كثيرٌ، ماتَتْ سنَةَ سَبْعٍ وخَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ، قالَهُ الحافِظُ. قولُهُ: ((مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ)) أيْ: فليَفْعَلْ ما نَذَرَهُ مِنْ طَاعَةِ اللهِ، وقدْ أجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أنَّ مَنْ نَذَرَ طَاعَةً بشَرْطٍ يَرْجُوهُ كقولِهِ: إنْ شفَى اللهُ مَرِيضِي فعليَّ أن أَتَصَدَّقَ بكذا، ونحوِ ذلكَ، وَجَبَ عليهِ أن يُوَفِّيَ بهِا مُطْلَقًا إذا حَصَلَ الشَّرْطُ، إلاَّ أنَّهُ حُكِيَ عنْ أبي حَنِيفَةَ:(أنَّهُ لا يَلْزَمُهُ الوَفَاءُ بِمَا لا أَصْلَ لهُ في الوُجُوبِ، كالاعْتِكَافِ، وعِيادَةِ المريضِ). والحديثُ حُجَّةٌ عليهِ؛ لأنَّهُ لم يُفَرِّقْ بينَ ما لَهُ أصْلٌ في الوُجُوبِ ومَا لا أَصْلَ لَهُ؛ فإنَّهُ نَذَرَ ابْتِدَاءً كقولِهِ: للهِ تعالَى عليَّ صَوْمُ شَهْرٍ، فالحُكْمُ أيضًا كذلِكَ في قولِ الأكثرينَ، وعنْ بعضِهِم: أنَّهُ لا يَلْزَمُ، والحديثُ حُجَّةٌ عليهِ أيضًا؛ لأنَّهُ لم يُفَرِّقْ بينَ ما علَّقَهُ عَلَى شرطٍ وبينَ ما نَذَرَهُ ابْتِدَاءً. قولُهُ: ((وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ)) زادَ الطَّحَاوِيُّ: ((وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)) قالَ ابنُ القَطَّانِ: (عِندي شكٌّ في رفعِ هذه الزِّيادَةِ؛ أيْ: لا يَفْعَلِ المَعْصِيَةَ التي نَذَرَهَا، وقدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أنَّهُ لا يَجُوزُ الوَفَاءُ بنَذْرِ المَعْصِيَةِ). - قالَ الحافِظُ في (الفَتْحِ): (واتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ النَّذْرِ في المَعْصِيَةِ، وتَنَازَعُوا: هلْ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا للكفَّارَةِ أمْ لا؟ وقدْ تَقَدَّمَ ذلكَ في البابِ قبلَهُ). وقدْ يُسْتَدَلُّ بقولِهِ: ((وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ)) بصِحَّةِ النَّذْرِ في المُبَاحِ، كمَا هوَ مَذْهَبُ أحمدَ وغيرِهِ، يُؤَيِّدُهُ ما رَوَاهُ أبو داودَ، عنْ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عنْ أبيهِ، عنْ جَدِّهِ، ورَوَاهُ أحمدُ والتِّرْمِذِيُّ عنْ بُرَيْدَةَ، أنَّ امْرَأَةً قالَتْ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي نَذَرْتُ أنْ أَضْرِبَ عَلَى رأْسِكَ بالدُّفِّ؟! فقالَ: ((أَوْفِ بِنَذْرِكِ)) وإذا صَحَّحْناهُ فحُكْمُهُ حُكْمُ الحَلِفِ عَلَى فِعْلِهِ، فيُخَيَّرُ بينَ فِعْلِهِ وكفَّارَةِ اليمينِ. وأمَّا نَذْرُ اللَّجَاجِ والغَضَبِ فهو يَمِينٌ عندَ أحمدَ، فيُخَيَّرُ بينَ فِعْلِهِ وكَفَّارَةِ اليمينِ، لحديثِ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا: ((لاَ نَذْرَ فِي غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ)) رَوَاهُ سَعِيدٌ، وأحمدُ، والنَّسائِيُّ، ولهُ طُرُقٌ وفيهِ كلامٌ، فإنْ نَذَرَ مَكْرُوهًا كالطَّلاقِ اسْتُحِبَّ أن يُكَفِّرَ ولا يَفْعَلَهُ.
فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ((1)
قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (بابُ: مِنَ الشِّرْكِ النَّذْرُ لِغَيْرِ اللهِ) أيْ: لِكَوْنِهِ عِبادةً يَجِبُ الوَفاءُ بِه إِذا نَذَرَه للهِ؛ فَيَكُونُ النَّذْرُ لِغيرِ اللهِ تَعالى شِرْكًا في العِبادةِ.
(2) قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وقولِه تَعَالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}[الإنسان:7]) فالآيَةُ دَلَّتْ علَى وُجوبِ الوَفاءِ بِالنَّذْرِ، ومَدْحِ مَن فَعَلَ ذلكَ طاعةً للهِ، ووَفَاءً بِمَا تَقَرَّبَ بِه إلَيْه. (3) قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وقَوْلُه: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ}[البقرة:270]) قالَ ابْنُ كَثِيرٍ:(يُخْبِرُ تَعالى أَنَّهُ عَالِمٌ بِجميعِ ما يَعْمَلُه العَامِلُونَ مِنَ الخَيْرَاتِ، مِنَ النَّفَقَاتِ والمَنْذُوراتِ، وتَضَمَّنَ ذلكَ مُجَازَاتَه عَلَى ذَلكَ أَوْفَرَ الجَزاءِ للعامِلِينَ ابْتَغَاءَ وَجْهِهِ) انتهى. إذا عَلِمْتَ ذلكَ؛ فهذِهِ النُّذورُ الوَاقِعةُ مِن عُبَّادِ القُبورِ، تَقَرُّبًا بِها إلَيهم لِيَقْضُوا لَهم حَوائِجَهم ولِيَشْفَعُوا لهمْ،هذا شِرْكٌ في العِبادةِ بِلا رَيْبٍ، كَما قالَ تَعَالى: {وَجَعَلُواْ للهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَـذَا للهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللهِ وَمَا كَانَ للهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الأَنْعَام:136]. - قالَ شَيْخُ الإسْلامِ:(وأمَّا ما نُذِرَ لغيرِ اللهِ، كالنَّذْرِ للأَصْنَامِ والشمْسِ والقَمَرِ والقُبورِ ونَحْوِ ذَلكَ، فَهُوَ بِمَنْـِزلَةِ أَنْ يُحْلَفَ بِغيـرِ اللهِ مِنَ المَخْلُوقاتِ. والحَالِفُ بالمَخْلوقاتِ لا وَفَاءَ عَلَيْه ولا كَفَّارةَ، وكَذلكَ النَّاذِرُ للمَخْلوقاتِ؛ فإنَّ كَلَيْهِما شِرْكٌ لَيْسَ له حُرْمَةٌ، بَلْ عليه أنْ يَسْتَغْفِرَ اللهَ مِن هَذا، ويَقولَ ما قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَلَفَ باللاََّتِ وَالعُزَّى فَلْيَقُلْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)) ). وقالَ فيمَن نَذَرَ للقُبورِ ونحوِها دُهْنًا لِتُنَوَّرَ بهِ، ويَقولُ: (إنَّها تَقْبَلُ النَّذْرَ) كما يَقُولُه بعْضُ الضَّالِّينَ: (وَهَذا النَّذْرُ مَعصيةٌ بِاتِّفَاقِ المُسْلِمِينَ لا يَجُوزُ الوَفَاءُ بهِ، وكَذلكَ إِذا نَذَرَ مَالاً للسَّدَنَةِ أوِ المُجَاوِرينَ العاكِفينَ بِتِلكَ البُقْعَةِ، فإنَّ فِيهِم شَبَهًا مِنَ السَّدَنَةِ التِي كانَتْ عِنْدَ اللاتِ والعُزَّى ومَنَاةَ، يَأْكُلُونَ أمْوَالَ النَّاسِ بالباطِلِ، ويَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، والمُجاوِرونَ هُنَاكَ فيهِم شَبَهٌ مِنَ الذِينَ قَالَ فيهِمُ الخَلِيلُ عليهِ السَّلامُ: {مَا هَـذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}[الأنبياء:52]، والذِينَ اجْتَازَ بِهم مُوسَى عليهِ السلامُ وقَوْمُهُ، قالَ تَعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ}[الأَعْرَاف:138] فالنَّذْرُ لأُولَئِكَ السَّدَنَةِ والمُجاوِرينَ فِي هَذه البِقاعِ نَذْرُ مَعصيةٍ، وَفِيه شَبَهٌ مِنَ النذرِ لسَدَنةِ الصُّلْبَانِ والمُجَاوِرينَ عندَها، أوْ لِسَدنةِ الأَبْدَادِ التي فِي الْهِنْدِ والْمُجاوِرينَ عِندَها). - وقالَ الأَذْرُعِيُّ فِي (شَرْحِ المِنَهاجِ):(وأمَّا النَّذْرُ لِلمَشَاهِدِ التِي علَى قَبْرِ وَلِيٍّ، أوْ شَيْخٍ، أوْ عَلَى اسْمِ مَنْ حَلَّها مِنَ الأَوْلِيَاءِ، أوْ تَرَدَّدَ فِي تِلكَ البُقْعَةِ مِنَ الأوْلِيَاءِ والصالِحِينَ فإنْ قَصَدَ النَّاذِرُ بِذلكَ -وهُو الْغالِبُ أوِ الوَاقِعُ مِن قُصُودِ العامَّةِ- تَعْظِيمَ البقعةَ والمَشْهَدِ، أوِ الزَّاوِيَةِ، أوْ تَعْظِيمَ مَن دُفِنَ بِها أوْ نُسِبَتْ إليْه أوْ بُنِيَتْ علَى اسْمِهِ، فَهذا النَّذْرُ باطِلٌ غَيرُ مُنْعَقِدٍ؛ فإنَّ مُعْتَقَدَهُم أنَّ لِهذهِ الأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ، ويَرَوْنَ أنَّها مِمَّا يُدْفَعُ بِها البَلاءُ ويُسْتَجْلَبُ بِها النَّعْمَاءُ، ويُسْتَشْفَى بالنذرِ لَها مِنَ الأَدْوَاءِ، حتَّى إنَّهمْ يَنْذِرُونَ لِبَعضِ الأَحْجَارِ لَمَّا قِيلَ: إنَّه اسْتَنَدَ إليْها عَبْدٌ صالِحٌ، ويَنْذِرونَ لِبَعضِ القُبورِ السُّرُجَ والشُّمُوعَ والزَّيْتَ، ويَقُولونَ: القَبْرُ الفُلاَنِيُّ أو الْمَكَانُ الفُلاَنِيُّ يَقْبَلُ النَّذْرَ). يَعْنُونَ بِذلكَ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِه الغَرَضُ المَأْمُولُ مِن شِفاءِ مَرِيضٍ، أوْ قُدُومِ غائِبٍ، أوْ سَلامَةِ مَالٍ، وغَيرِ ذَلكَ مِن أنْوَاعِ نَذْرِ المُجَازاةِ، فَهذا النَّذْرُ علَى هَذا الْوَجْهِ باطِلٌ لا شَكَّ فِيهِ، بَلْ نَذْرُ الزيْتِ والشَّمْعِ ونَحْوِهما للقُبُورِ باطِلٌ مُطْلَقًا. ومِن ذلكَ نَذْرُ الشموعِ الكَثيرةِ العَظيمةِ وغيرِها لقَبْرِ الخَلِيلِ عليْهِ السَّلامُ ولِقبرِ غيرِه مِنَ الأَنْبِيَاءِ والأَوْلِيَاءِ فإنَّ الناذِرَ لا يَقْصِدُ بِذلكَ إلا الإِيقَادَ علَى القبرِ تَبَرُّكًا وتَعْظِيمًا، ظانًّا أنَّ ذَلكَ قُرْبَةٌ، فَهذا مِمَّا لا رَيْبَ فِي بُطَلانِه، والإِيقادُ المَذْكورُ مُحَرَّمٌ، سَواءٌ انْتَفَعَ بِه هُنَاكَ مُنْتَفِعٌ أمْ لا. - وقالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ الحَنَفِيُّ فِي (شَرْحِ دُرَرِ البِحَارِ): (النذرُ الذِي يَنْذِرُه أَكْثَرُ العَوامِّ علَى ما هُوَ مُشَاهَدٌ، كَأنْ يَكُونَ للإِنْسَانِ غَائِبٌ أوْ مَرِيضٌ أوْ لهُ حاجَةٌ؛ فَيَأْتِي إلَى قَبْرِ بَعضِ الصُّلَحَاءِ ويَجْعَلُ علَى رَأْسِهِ سُتْرَةً، ويَقولُ: يا سَيِّدِي فُلانُ، إنْ رَدَّ اللهُ غائِبِي أوْ عُوفِيَ مَرِيضِي، أوْ قُضِيَت حَاجَتِي فَلَكَ مِنَ الذَّهَبِ كَذا، أوْ مِن الفِضَّةِ كَذا، أوْ مِن الطَّعامِ كَذَا، أوْ مِن الماءِ كَذا؛ أوْ مِنَ الشَّمْعِ والزَّيْتِ كذَا؛ فَهذا النذْرُ بَاطِلٌ بِالإِجْمَاعِ لِوُجُوه: مِنها: أَنَّهُ نَذْرٌ لِمَخْلوقٍ، والنذْرُ للمَخلوقِ لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ عِبادةٌ والعِبادةُ لا تَكُونُ لِمخلوقٍ. ومِنها: أنَّ المَنْذُورَ لهُ مَيِّتٌ والمَيِّتُ لا يَمْلِكُ. ومِنها: أَنَّهُ ظَنَّ أنَّ المَيِّتَ يَتَصَرَّفُ فِي الأُمُورِ دُونَ اللهِ، واعْتِقَادُ ذلكَ كُفْرٌ- إلَى أنْ قالَ: إِذا عَلِمْتَ هَذا فَما يُؤْخَذُ مِنَ الدَّراهِمِ والشَّمْعِ والزيتِ وغيرِها ويُنْقَلُ إلَى ضَرَائِحِ الأولِيَاءِ تَقَرُّبًا إليْها فَحَرامٌ بِإجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ) نَقَلَهُ عنْه ابْنُ نُجَيْمٍ فِي (البَحرِ الرَّائِقِ)، ونَقَلَهُ المُرْشِدِيُّ فِي (تَذْكِرَتِه) وغيرُهما عنهُ وزَادَ: (وقَدِ ابْتُلِيَ النَّاسُ بِهَذا لا سِيَّمَا فِي مَولدِ البَدَوِيِّ). - وقالَ الشَّيْخُ صُنْعُ اللهِ الحَلَبِيُّ الحَنَفِيُّ فِي الرَّدِّ علَى مَن أَجَازَ الذَّبحَ والنذْرَ للأولِيَاءِ: (فَهَذا الذَّبحُ والنذرُ إنْ كانَ علَى اسْمِ فُلانٍ فَهُوَ لِغيرِ اللهِ؛ فَيَكُونُ باطِلاً، وفي التَّنْزِيلِ: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}[الأنعامِ:121]، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ}[الأنعامِ:162،163] والنَّذْرُ لِغيرِ اللهِ إشْرَاكٌ مَعَ اللهِ، كالذَّبْحِ لِغيرِه). (4) قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وفِي (الصَّحِيحِ) عَنْ عَائِشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ))): قولُه: (فِي (الصحِيحِ) أيْ: (صحِيحِ البُخَارِيِّ). قولُه: (عنْ عَائِشَةَ) هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ؛ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابْنَةُالصِّدِّيقِرَضِيَ اللهُ عَنْهُما تَزَوَّجَها النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهِيَ ابْنَةُ سَبْعِ سِنينَ؛ ودَخَلَ بِها وهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ. وهِيَ أَفْقَهُ النِّسَاءِ مُطْلَقًا وأَفْضَلُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ خَدِيجَةَ فَفِيها خِلافٌ. مَاتَتْ سَنَةَ سَبْعٍ وخَمْسِينَ علَى الصحِيحِ. قولُه: ((مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ)) أيْ: فَلْيَفْعَلْ ما نَذَرَهُ مِن طاعةِ اللهِ. وقدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ علَى أنَّ مَن نَذَرَ طاعةً بشَرْطٍ يَرْجُوهُ، كـ(إنْ شَفَى اللهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ أنْ أَتْصَدَّقَ بِكَذا ونَحْوَ ذَلكَ) وَجَبَ عَليهِ إنْ حَصَلَ لهُ ما عَلَّقَ نَذْرَه علَى حُصُولِه. وحُكِيَ عنْ أبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لا يَلْزَمُه الوَفاءُ إلاَّ بِما جِنْسُهُ وَاجِبٌ بِأصْلِ الشَّرْعِ كالصَّوْمِ، وأمَّا ما لَيْسَ كَذلكَ كالاعْتِكَافِ فَلا يُوجِبُ عَلَيهِ الوَفاءَ بِهِ. قولُه: ((وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلا يَعْصِهِ)) زَادَ الطَّحَاوِيُّ((وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)). وقدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ الوَفَاءُ بِنَذْرِ المَعْصِيةِ. قالُ الحافِظُ: (اتَّفَقُوا علَى تَحْرِيمِ النذْرِ فِي المَعصيةِ، وتَنَازَعُوا: هَلْ يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلكَفَّارةِ أمْ لا؟) وتَقَدَّمَ. وقَدْ يُسْتَدَلُّ بِالحَديثِ علَى صِحَّةِ النذْرِ فِي المُبَاحِ؛ كَما هُوَ مَذْهَبُ أحمدَ وغَيرِه، يُؤَيِّدُه ما رَوَاهُ أبُو داودَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عنْ أَبِيهِ عنْ جَدِّه، وأَحمدُوالتِّرْمِذِيُّ عنْ بُرَيْدَةَ: ((أَنَّ امْرَأَةً قالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَضْرِبَ عَلَى رَأْسِكَ بِالدُّفِّ، فَقالَ: أَوْفِي بِنَذْرِكِ)). وأمَّا نذْرُ اللِّجَاجِ والغَضَبِ فَهو يَمِينٌ عندَ أحمدَ، فيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وكَفَّارةِ يَمِينٍ، لِحديثِ عِمْرانَ بْنِ حُصَينٍ مَرْفُوعًا: ((لا نَذْرَ فِي غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ)) رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وأحمدُوالنَّسَائِيُّ، فَإنْ نَذَرَ مَكْرُوهًا كالطَّلاقِ اسْتُحِبَّ أنْ يُكَفِّرَ، ولا يَفْعَلُهُ.
تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي
قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) (النَّذْرُ لغيرِ اللهِ)
مِثْلُ أنْ يقولَ: لفلانٍ عَلَيَّ نَذْرٌ، أوْ لهذا القبرِ عَلَيَّ نذرٌ، أوْ لِجبريلَ عَلَيَّ نذرٌ، وما أشبهَ ذلكَ.
والفرقُ بينَهُ وبينَ نذرِ المعصيَةِ: أنَّ النذرَ لغيرِ اللهِ ليسَ للهِ أصلاً، ونذرُ المعصيَةِ للهِ ولكنَّهُ على معصيَةٍ منْ معاصيهِ، مِثْلُ أنْ يقولَ: للهِ عَلَيَّ نذرٌ أنْ أفعلَ كذا وكذا مِنْ معاصِي اللهِ، فيكونُ النذرُ للهِ والمنذورُ معصيَةً. ونظيرُ هذا الحَلِفُ باللهِ على شيءٍ مُحَرَّمٍ، والحَلِفُ بغيرِ اللهِ، فالحَلفُ بغيرِ اللهِ مِثْلُ: (والنَّبِيِّ لأفعلنَّ كذا وكذا) نظيرُهُ النذْرُ لغيرِ اللهِ. والحَلِفُ باللهِ على مُحَرَّمٍ مِثْلُ: واللهِ لأسْرِقَنَّ، نظيرُ نذْرِ المعصيَةِ. وحُكمُ النذْرِ لغيرِ اللهِ شِرْكٌ؛ لأنَّهُ عبادةٌ للمنذورِ لهُ، وإذا كانَ عبادةً فقدْ صَرَفَها لغيرِ اللهِ، فيكونُ مُشْرِكًا. وهذا النَّذْرُ لغيرِ اللهِ لا يَنْعقِدُ إطلاقًا، ولا تَجِبُ فيهِ كفَّارةٌ، بَلْ شِرْكٌ تَجِبُ التوبةُ منهُ، كالحَلْفِ بغيرِ اللهِ فلاَ يَنْعَقِدُ، ولَيْسَ فيهِ كفَّارةٌ. وأمَّا نذرُ المعصيَةِ فيَنْعقِدُ، لكنْ لا يجوزُ الوفاءُ بهِ، وعليهِ كفَّارةُ يمينٍ، كالحلِفِ باللهِ على المُحَرَّمِ يَنْعقِدُ وفيهِ كفَّارةٌ. (2) قولُهُ: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} هذِهِ الآيَةُ سِيقَتْ لِمَدْحِ الأبْرارِ {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا} ومدْحُهم بهذا يَقْتَضِي أنْ يكونَ عبادةً؛ لأنَّ الإنسانَ لا يُمْدَحُ ولا يَسْتحِقُّ دُخُولَ الجنَّةِ إلاَّ بفعلِ شيءٍ يكونُ عبادةً. ولوْ أعقَبَ المؤلِّفُ هذِهِ الآيَةَ بقولِهِ تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} لكانَ أوْضَحَ؛ لأنَّ قولَهُ: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} أَمْرٌ، والأمرُ بِوَفَائِهِ يَدُلُّ على أنَّهُ عبادةٌ؛ لأنَّ العبادةَ ما أُمِرَ بهِ شرعًا. ووجهُ استدلالِ المؤلِّفِ بالآيَةِ على أنَّ النَّذرَ لغيرِ اللهِ مِن الشركِ: أنَّ اللهَ تعالَى أَثْنَى عَلَيْهم بذلكَ، وجَعلَهُ مِن الأسبابِ التي بها يَدْخُلُونَ الجنَّةَ، ولا يكونُ سببًا يَدْخُلونَ بهِ الجنَّةَ إلاَّ وهوَ عبادةٌ، فيَقْتَضِي أنَّ صَرْفَهُ لغيرِ اللهِ شرْكٌ. (3) قولُهُ: {وَمَا أَنفَقْتُمْ}، {ما} شَرْطِيَّةٌ، و{أَنْفَقْتُم} فعلُ الشرْطِ، وجوابُهُ: {فإنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ}. قولُهُ: {مِنْ نَفَقَةٍ} بيانٌ لـ{مَا} في قولِهِ: {مَا أَنْفَقْتُمْ}. والنَّفَقَةُ: بَذْلُ المالِ، وقدْ يكونُ في الخيرِ، وقدْ يكونُ في غيرِهِ. قولُهُ: {أَوْ نَذَرْتُمْ} مَعْطوفٌ على قولِهِ: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ}. قولُهُ: {فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ} تعليقُ الشيءِ بعِلْمِ اللهِ دليلٌ على أنَّهُ مَحَلُّ جَزَاءٍ؛ إذْ لا نَعْلَمُ فَائِدَةً لهذا الإخبارِ بالعلْمِ إلاَّ لِتَرَتُّبِ الجزاءِ عليهِ. وتَرَتُّبُ الجزاءِ عليهِ يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ مِن العبادةِ التي يُجَازَى الإنسانُ عليها، وهذا وجهُ استدلالِ المُؤَلِّفِ بهذهِ الآيَةِ. (4) قولُهُ: ((مَنْ نَذَرَ)) جُمْلَةٌ شرْطيَّةٌ تُفيدُ العُمومَ. وهلْ يَشْمَلُ الصغيرَ؟ قال بعضُ العلماءِ: تَشْمَلُهُ، فيَنْعقِدُ النَّذرُ منهُ. وقيلَ: لا تَشْمَلُهُ؛ لأنَّ الصغيرَ ليسَ أَهْلاً للإلزامِ ولا للالتزامِ. وبناءً على هذا يكونُ خُرُوجُ الصغيرِ مِنْ هذا العُمومِ؛ لأنَّهُ ليسَ أهلاً للإلْزامِ ولا للالْتِزامِ. قولُهُ: ((أَنْ يُطِيعَ اللهَ))الطاعةُ: هيَ مُوَافَقَةُ الأمرِ؛ أيْ: أنْ تُوَافِقَ اللهَ فيما يُرِيدُ منْكَ. إنْ أَمَرَكَ فالطَّاعةُ فِعْلُ المأمورِ بهِ، وإنْ نَهاكَ فالطاعةُ تَرْكُ المَنْهِيِّ عنهُ، هذا معنَى الطاعَةِ إذا جَاءَتْ مُفْرَدَةً. أمَّا إذا قِيلَ: طَاعَةٌ ومَعْصِيَةٌ، فالطَّاعَةُ لفِعْلِ الأوامِرِ، والمَعْصيَةُ لفِعْلِ النَّواهِي. قولُهُ: ((فَلْيُطِعْهُ)) الفاءُ واقعةٌ في جوابِ الشرْطِ؛ لأنَّ الجُمْلةَ إنْشائيَّةٌ طلبيَّةٌ، واللامُ لاَمُ الأمرِ. وظاهرُ الحديثِ: يَشْمَلُ ما إذا كانَت الطاعَةُ المَنْذُورَةُ جنسُها واجبٌ؛ كالصَّلاَةِ والحَجِّ وغيرِهِما، أوْ غَيْرُ واجبٍ؛ كتَعْلِيمِ العِلْمِ وغَيْرِهِ. وقالَ بَعْضُ أهلِ العِلْمِ: لاَ يَجِبُ الوفاءُ بالنَّذْرِ إلاَّ إذا كانَ جِنْسُ الطاعةِ واجبًا، وعُمُومُ الحديثِ يَرُدُّ عليهم. وظاهرُ الحَدِيث: أيضًا يَشْمَلُ مَنْ نَذَرَ نذْرًا مُطْلَقًا لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ، مِثْلُ: (للهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ ثلاثةَ أيَّامٍ) ومَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُعَلَّقًا، مثلُ: (إنْ نَجَحْتُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أنْ أصُومَ ثلاثةَ أيَّامٍ). ومَنْ فرَّقَ بينَهُما فلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لأنَّ الحديثَ عامٌّ. واعْلَمْ أنَّ النذرَ لا يأتِي بخيرٍ ولوْ كانَ نَذْرَ طاعةٍ، وإنَّما يُسْتخْرَجُ بهِ مِن البخيلِ؛ ولهذا نَهَى عنهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وبعضُ العلماءِ يُحرِّمُهُ، وإليهِ يَمِيلُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ أنَّ عَقْدَ النَّذْرِ حَرَامٌ؛ لأنَّكَ تُلزِمُ نَفْسَكَ بأَمْرٍ أنْتَ في عافيَةٍ منهُ. وكمْ مِنْ إنْسانٍ نَذَرَ وأخيرًا نَدَمَ ورُبَّما لَمْ يَفْعَلْ. ويَدُلُّ لِقُوَّةِ القولِ بتَحْريمِ النذْرِ قولُهُ تعالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ}التزامٌ مُؤَكَّدٌ بالقَسَمِ، قالَ اللهُ تعالى: {قُلْ لاَ تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} أيْ: بِدُونِ يَمِينٍ، والإنسانُ الذي لا يَفْعَلُ الطاعةَ إلاَّ بنذْرٍ وحَلِفٍ عَلَى نَفْسِهِ، معناهُ: أنَّ الطاعةَ ثقيلةٌ عليهِ. - والنَّذْرُ المُعَلَّقُ مثلُ قولِهِ تعالَى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}. هذا نَذْرٌ مُعَلَّقٌ على عطاءِ اللهِ: {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} وهذا أَمْرٌ عَظيمٌ. ومِمَّا يَدُلُّ على القوْلِ بالتحْرِيمِ أيضًا، خُصُوصًا النذرَ المُعَلَّقَ: أنَّ الناذِرَ كأنَّهُ غيرُ واثقٍ باللهِ عزَّ وجلَّ، فكأنَّهُ يَعْتَقِدُ أنَّ اللهَ لا يُعْطيهِ الشِّفاءَ إلاَّ إذا أَعْطَى مُقابِلَهُ؛ ولهذَا إذَا أَيِسُوا مِن الْبُرْءِ ذَهَبُوا يَنْذُرونَ. وفي هذا سُوءُ ظَنٍّ باللهِ عزَّ وجلَّ. والقولُ بالتحريمِ قَوْلٌ وَجِيهٌ. فإنْ قيلَ: كيفَ تُحَرِّمونَ ما أثْنَى اللهُ عَلَى مَنْ وَفَّى بِهِ؟ فالجوابُ: إنَّنا لا نقولُ: إنَّ الوفاءَ هوَ المحرَّمُ، حَتَّى يُقالَ: إنَّنا هَدَمْنا النصَّ، إنَّما نقولُ: المُحَرَّمُ أو المكروهُ كَرَاهةً شَدِيدَةً هوَ عَقْدُ النذْرِ. وفرْقٌ بينَ عقْدِهِ ووفائِهِ، فَالْعَقْدُ ابْتِدَائِيٌّ، وَالْوَفَاءُ تنفيذٌ لِمَا نَذَرَ. قولُهُ: ((وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ)) (لا): ناهيَةٌ، والنهيُ بِحَسَبِ المَعْصيَةِ، فإنْ كانَت المَعْصِيَةُ حَرامًا، فالوفاءُ بالنذرِ حرامٌ. وإنْ كانَت المعصيَةُ مكروهةً، فالوفاءُ بالنَّذرِ مكْروهٌ؛ لأنَّ المَعْصيَةَ الوقوعُ فيما نُهِيَ عنهُ، والمنهيُّ عنهُ يَنْقَسِمُ عندَ أهلِ العلْمِ إلى قِسْمَيْنِ: - منهيٌّ عنهُ نَهْيَ تحريمٍ. - ومَنْهِيٌّ عنهُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ. لكن في جعل المكروه المنهي عنه نهي تنزيه معصيةً نظر، فالمعصية شرعاً تختص بالمحرم (5) فيهِ مسائلُ: الأُولَى: (وُجُوبُ الوفاءِ بالنذرِ) ويَعْنِي نذْرَ الطاعةِ فقطْ؛ لقولِهِ: ((مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ)) ولقوْلِ المُؤلِّفِ في المَسأَلَةِ: إنَّ نَذْرَ المَعْصِيَةِ لا يَجُوزُ الوفاءُ بهِ. (6) الثانيَةُ: (إذا ثَبَتَ كَوْنُهُ عبادةً للهِ، فصَرْفُهُ إلى غيرِ اللهِ شرْكٌ) وهذهِ قاعِدةٌ في توحيدِ العبادةِ، فأيُّ فِعْلٍ كانَ عبادةً فَصَرْفُهُ لغيرِ اللهِ شرْكٌ. (7) الثالثةُ: (أنَّ نذرَ المَعْصِيَةِ لا يَجُوزُ الوفاءُ بهِ) لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلا يَعْصِهِ)).
شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (باب من الشرك النذر لغير الله
قال: (بابٌ من الشرك النذر لغير الله) (من الشرك) (مِن) ها هنا تبعيضية.
(من الشرك النذر)
(النذر): مبتدأ مؤخر (النذر لغير الله) كائن من الشرك.
والشرك هنا المقصود به الشرك الأكبر، النذر لغير الله شرك أكبر بالله جل وعلا.
ووجه كون النذر شركاً بالله جل وعلا: أن النذر المطلق والمقيد إيجاب عبادةٍ على المكلَّف؛
لأن النذر: هو إلزام المكلف نفسه بعبادةٍ لله جل وعلا، هذه حقيقة النذر، فالنذر إلزامٌ بالعبادة، فهو عبادة، ويُلزم المرء نفسه بعبادة، إما مطلقاً، أوبقيدٍ.
ويدل أيضاً على أن النذر عبادة:
أن الله -جل وعلا- مدح الذين يوفون بالنذر؛ فقال: {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً} فهذا يدل على أن الوفاء بالنذر أمر مشروع، واجب أو مستحب، وهو محبوب لله جل وعلا، يعني: من حيث الدلالة، وإلا فإن الوفاء بالنذر واجب؛ لأنه إلزام بطاعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) فإذاً: الوفاء بالنذر مدح الله أهله، وإذا كان كذلك فيكون عبادة؛ لأنه محبوب لله جل وعلا.
وكذلك:
قوله: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه} هذا يدل على محبة الله -جل وعلا- لذلك الذي حصل منهم تعظيماً لله -جل وعلا- بالنذر، وإذا كان كذلك، فإنه عبادة من العبادات؛ وإذا صُرِف النذر لغير الله -جل وعلا- كان شركاً بالله جل وعلا.
وها هنا سؤال معروف في هذا المقام،
وهو: أن النذر مكروه، قد كره النبي - صلى الله عليه وسلم - النذر، وسُئل عنه فكرهه، وقال: ((إنه لا يأتي بخير)) فكيف إذاً يكون عبادة، وقد كرهه عليه الصلاة والسلام؟
والجواب أن النذر قسمان:
1- نذر مطلق.
2- ونذر مقيد.
والنذر المطلق:
هو أن يُلزم العبد نفسه بعبادة لله جل وعلا،
هكذا بلا قيد، يعني: يقول مثلاً: (لله عليَّ نذر أن أصلي ركعتين) ليس في مقابلة شيءٍ يحدث له في المستقبل أو شيء حدث له، فيلزم نفسه بعبادة صلاة، أو عبادة صيام، أو نحو ذلك.
فهذا النذر المطلق
وهو: إلزام العبد نفسه بطاعةٍ لله جل وعلا، أو بعبادة ليس هو الذي كرهه عليه الصلاة والسلام؛ لأن الذي كرهه وصفه بقوله: ((إنما يُستخرج به من البخيل)).
وهذا هو النذر المقيد:
الذي يجعل إلزام نفسه بطاعةٍ لله -جل وعلا- مقابلاً بشيءٍ يُحدثه الله -جل وعلا- له، ويقدره ويقضيه له، يقول مثلاً: (إن شفى الله مريضي، فلله علي نذر أن أتصدق بكذا وكذا) (إن نجحت فسأصلي ليلة) (إن عُينت في هذه الوظيفة فسأصوم أسبوعاً) ونحو ذلك، فهذا كأنه يشترط به على الله -جل وعلا- فيقول: (يا رب إن أعطيتني كذا وكذا صمت لك) (إن أنجحتني صليت أو تصدقت) (إن شفيت مريضي فعلت كذا وكذا) وهذا بالمقابلة، وهذا هو الذي وصفه النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((إنما يستخرج به من البخيل)) لأن البخيل هو الذي لا يعمل العبادة حتى يقاضى عليها، فصار ما أعطاه الله من النعمة، أو دفع عنه من النقمة؛ كأنه في حس ذلك الناذر قد أعطي الأجر وأُعطي ثمن تلك العبادة، وهذا يستحضره كثير من العوام والذين يستعملون النذور، فإنهم يظنون أن حاجاتهم لا تحصل إلا بالنذر.
وقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله- وغيره من أهل العلم: (إن من ظن أنه لا تحصل حاجة من حاجاته إلا بالنذر فإنه اعتقاد محرم؛ لأنه ظن أن الله لا يعطي إلا بمقابل، وهذا سوء ظنٍّ بالله جل وعلا، وسوء اعتقادٍ فيه سبحانه وتعالى، بل هو المتفضل المنعم على خلقه).
فإذاً:
إذا تبين ذلك فالنذر المطلق لا يدخل في الكراهة، وإذا قلنا: (النذر عبادة) فننظر فيه إلى جهة المطلق، وإلى جهة عدم التقييد فيما إذا قيد ووفّى بالنذر، فإنه يكون قد تعبد الله بتلك العبادة وألزم نفسه بها، فيكون النذر على ذلك نذراً يظهر أنه عبادة لله جل وعلا.
والكراهة إنما جاءت لصفة الاعتقاد، لا لصفة أصل العبادة؛
فإنه في النذر المقيد إذا قال: (إن كان كذا وكذا، فلله علي نذر كذا وكذا) الكراهة راجعة إلى ذلك التقييد لا إلى أصل النذر، دل على ذلك التعليل، حيث قال: ((فإنما يستخرج به من البخيل)).
إذاً: فلا إشكال إذاً، والنذر عبادة من العبادات العظيمة.
وهنا قاعدة في:
أنواع الاستدلال على أن عملاً من الأعمال، صرفه لغير الله
-جل وعلا- شرك أكبر:
وذلك أن الاستدلال له نوعان:
-فكل دليل من الكتاب أو السنة فيه إفراد الله بالعبادة، يكون دليلاً على أن كل عبادة لا تصلح إلا لله، هذا نوع من الأدلة.
- كل دليل فيه إفراد الله -جل وعلا- بالعبادة، يصلح أن تستدل به على أن عبادةً ما لا يجوز صرفها لغير الله جل وعلا.
بأي مقدمة؟
بأن تقول:دل الدليل على وجوب صرف العبادة لله وحده، وعلى أنه لا يجوز صرف العبادة لغير الله جل وعلا، وأن من صرفها لغير الله -جل وعلا- فقد أشرك، وتلك العبادة الخاصة، مثلا:ً عندنا هنا النذر، تقول: (هذه عبادة من العبادات، فهي داخلة في ذلك النوع من الأدلة).
والنوع الثاني من الاستدلال:
أن تستدل على المسائل بأدلة خاصة وردت فيها:
- تستدل على الذبح بأدلة خاصة وردت في الذبح.
- تستدل على وجوب الاستغاثة بالله وحده دون ما سواه على أدلة خاصة بالاستغاثة، وعلى أدلة خاصة بالاستعاذة، ونحو ذلك.
فإذاً: الأدلة على وجوب إفراد الله بجميع أنواع العبادة تفصيلاً وإجمالاً،
وعلى أن صرفها لغير الله شرك أكبر يستقيم بهذين النوعين من الاستدلال، استدلال عام بكل آية، أو حديث فيها الأمر بإفراد الله بالعبادة، والنهي عن الشرك؛ فَتُدخل هذه الصورة فيها لأنها عبادة بجامع تعريف العبادة.
والثاني:
أن تستدل على المسألة بخصوص ما ورد فيها من الأدلة.
لهذا قال الشيخ -رحمه الله- هنا: (باب من الشرك النذر لغير الله) واستدل عليها بخصوص أدلة وردت في النذر، والآيات التي قدمها في أول الكتاب؛ كقوله جل وعلا: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}.
وكقوله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
وكقوله: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً}.
وكقوله: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً} هذه أدلة تصلح لأن تستدل بها على أن صرف النذر لغير الله شرك، فتقول: (النذر لغير الله عبادة، والله -جل وعلا- نهى أن تصرف العبادة لغيره، وأن من صرف العبادة لغير الله فهو مشرك) وتقول: (النذر عبادة؛ لأنه كذا وكذا؛ لأنه داخل في حد العبادة، حيث إنه يرضاه الله -جل وعلا- ومدح الموفين به).
الدليل الخاص: أن تستدل بخصوص ما جاء في الكتاب والسنة من الأدلة على النذر؛
ولهذا الشيخ هنا أتى بالدليل التفصيلي، وفي أول الكتاب أتى بالأدلة العامة على كل مسائل العبادة، وهذا من الفقه الدقيق في التصنيف، وفقه الأدلة الشرعية، من أن المستدِل على مسائل التوحيد ينبغي له أن يدرك التنويع؛ لأن في تنويع الاستدلال، وإيراد الأدلة من جهة، ومن جهة أخرى، وثالثة، ورابعة، ما يُضعف حجة الخصوم الذين يدعون الناس لعبادة غير الله وللشرك به جل وعلا، وإذا أتيت مرة بدليل عام، ومرة بدليل خاص، ونوعت، فإنه يضيق.
- أما إذا كان ليس ثمَّ إلا دليل واحد، فربما أوَّله لك أوناقشك فيه، فيحصل ضعف عند المستدِل.
- أما إذا انتبه لمقاصد أهل العلم، وحفظ الأدلة، فإنه يقوى على الخصوم، والله -جل وعلا- وعد عباده بالنصر: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}.
وقد قال الشيخ -رحمه الله- في (كشف الشبهات): (والعامِّيُّ من الموحِّدين يغلب الألف من علماء المشركين).
وهذا صحيح، فإن عند العوامّ الذين علموا مسائل التوحيد وأخذوها عن أهله، عندهم من الحجج ووضوح البينات في ذلك ما ليس عند بعض المتعلمين.
قال: (وقول الله تعالى: {يوفون بالنذر}) وجه الاستدلال: ظاهر، وهو أن الله -جل وعلا- مدح الموفين بالنذر، ومدحه للموفين بالنذر يقتضي أن هذه العبادة محبوبة له -جل وعلا- وأنها مشروعة، وما كان كذلك فهو من أنواع العبادات، فيكون صرفه لغير الله
-جل وعلا- شرك أكبر.
كذلك:
قوله: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه} دال على أن النذر عظّمه الله -جل وعلا- بقوله: {فإن الله يعلمه} وعظم أهله، وهذا يدل على أن الوفاء به عبادة محبوبة لله جل وعلا.
قال: (وفي (الصحيح) عن عائشة - رضي الله عنها -: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)))
وجه الدلالة من هذا الحديث:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوجب الوفاء بالنذر، فقال: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) وذلك إيجاب الوفاء بالنذر الذي يكون على طاعة، كأن يقول: (لله علي أن أصلي كذا وكذا) هذا يجب عليه أن يوفي بهذا النذر، أو أن يكون نذراً مقيداً، فيقول: (إن شفى الله مريضي؛ فلله علي أن أتصدق بمائة ريال) فهذا يجب عليه أن يوفي بنذره لله جل وعلا، وإيجاب ذلك يدل على أنه عبادة محبوبة؛ لأن الواجب من أنواع العبادات، وأن ما كان وسيلة إليه فإنه أيضاً عبادة؛ لأن الوسيلة للوفاء بالنذر، هو النذر، فلولا النذر لم يأت الوفاء؛ فأُوجِبَ الوفاء لأجل أن المكلف هو الذي ألزم نفسه بهذه العبادة.
قال: ((ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) لأن إيجاب المكلف على نفسه معصية الله -جل وعلا- هذه معارضة لنهي الله -جل وعلا- عن العصيان، وإذا نذر العبد العصيان، فإن النذر -كما هو معلوم في الفقه- قد انعقد، ويجب عليه أن لا يفي بفعل تلك المعصية، لكن يجب عليه أن يكفر عن ذلك كفارة يمين، ومحل ذلك باب النذر في كتب الفقه.
المقصود من هذا:
أن استدلال الشيخ -رحمه الله- بالشق الأول، وهو قوله: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) وهذا ظاهر.
وكذلك في قوله: ((ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) وأوجب عليه كفارة يمين، فهذا يدل على أن أصله منعقد، وإنما انعقد لكونه عبادة، وإذا كان عبادة فصرفها لغير الله شرك أكبر به جل وعلا.
النذر لله -جل وعلا- عبادة عظيمة كما ذكرنا، والنذر لغير الله -جل وعلا- أيضاً عبادة، فإذا توجه الناذر لغير الله بالنذر فقد عبده، وإذا توجه الناذر لله -جل وعلا- بالنذر، فقد عبد الله جل وعلا، فالنذر إذا كان لله، أو كان لغير الله فهو عبادة، فإذا كان لله فهو عبادة لله جل وعلا، وإذا كان لغير الله فهو عبادة لذلك الغير ونكتفي بهذا القدر وأسأل الله جل وعلا لي ولكم الانتفاع وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
مع الباب الذي قبله والأبواب أيضاً التي سلفت كلها في بيان هذا الكتاب وبيان الغرض من تأليفه وأن التوحيد إنما يعرف بضده فمن طلب التوحيد فليطلب ضد التوحيد لأنه -أعني التوحيد- يجمع بين الإثبات والنفي، يجمع بين الإيمان بالله وبين الكفر بالطاغوت فمن جمع بين هذين فإنه قد عرف التوحيد ولهذا الشيخ رحمه الله فصل في أفراد توحيد العبادة وفصل في أفراد الشرك فبين أصناف الشرك الأصغر القولي والعملي وبين أصناف الشرك الأكبر العملي والاعتقادي فذكر الذبح لغير الله وذكر النذر لغير الله والذبح والنذر عبادتان عظيمتان وعبادة الذبح وعبادة النذر ظاهرة.
عبادة الذبح فعلية عملية، والنذر قولية إنشاء وعملية وفاء، فذكر العمليات أو الذبح من العمليات يعني من أنواع الشرك الأكبر الذي يكون من جهة العمل وذكر النذر لغير الله وهو يحصل بالقولوالذبح والنذر، العمل والقول، كلٌّ منهما معه اعتقاد تعظيم المخلوق، كتعظيم الله جل وعلا {يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبّا لله}.
وقال: {تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسوِّيكم برب العالمين}.
العناصر
شرح قول المصنف (باب من الشرك النذر لغير الله)
بيان مناسبة هذا الباب (من الشرك النذر لغير الله) للأبواب قبله
التوحيد يعرف بضده
- قاعدة في الاستدلال العام والخاص على مسائل الشرك
- أمثلة على القاعدة المذكورة
تفسير قوله تعالى: (يوفون بالنذر...) الآية
- تعريف النذر
- بيان أن النذر عبادة
- مناسبة قوله: (يوفون بالنذر) للباب
- مدح الأبرار بقوله: (يوفون بالنذر) يدل على أنه عبادة
تفسير قوله تعالى: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر..) الآية
- مناسبة قوله تعالى: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر..) الآية للباب
- معنى النفقة في قوله: (وما أنفقتم)
- كلام للعلماء في بطلان النذر الشركي
شرح حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْها: (من نذر أن يطيع الله فليطعه...)
- ترجمة عائشة رضي الله عنها
- تعريف الطاعة
الكلام على أقسام النذور وأحكامها
- حكم عقد النذر
- الفرق بين عقد النذر والوفاء بالنذر
- كيف يكون النذر عبادة وهو مكروه؟
- السبب في نهي الشارع عن النذر، وندبه إلى الدعاء
- الفرق بين نذر المعصية، والنذر لغير الله
- حكم النذر لغير الله ونذر المعصية وهل فيهما كفارة
- بيان درجة زيادة الطحاوي (وليكفر عن يمينه)
- هل ينعقد النذر من الصغير؟
- حكم الوفاء بالنذر المطلق والمعلق
- خطر عدم الوفاء بالنذر المعلق
- حكم الوفاء بالنذر إن كان جنس العبادة غير واجب
- حكم الوفاء بنذر المعصية
- حكم عقد النذر في المباح
- نذر اللجاج والغضب
شرح مسائل باب (من الشرك النذر لغير الله)