الدروس
course cover
باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
26 Oct 2008
26 Oct 2008

6296

0

0

course cover
كتاب التوحيد

القسم الثالث

باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
26 Oct 2008
26 Oct 2008

26 Oct 2008

6296

0

0


0

0

0

0

0

باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (1- بَابُ لاَ يُذْبَحُ للهِ بِمَكَانٍ يُذْبَحُ فِيهِ لِغَيْرِ اللهِ

وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقـوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أن تَقُومَ فِيهِ فيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أن يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ}[التَّوْبَة:108].

عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ((هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟)).

قَالُوا: لاَ.

قَالَ: ((فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟)).

قَالُوا: لاَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

((أَوْفِ بِنَـذْرِكَ، فَإِنَّهُ لاَ وَفَـاءَ لِنَـذْرٍ فِي مَعْصِيَـةِ اللهِ، وَلاَ فِيمَـا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ)) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِهِمَا.


فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى: تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا}.

الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمَعْصِيَةَ قَدْ تُؤَثِّرُ فِي الأَرْضِ، وَكَذَلِكَ الطَّاعَةُ.

الثَّالِثَةُ: رَدُّ الْمَسْأَلَةِ الْمُشْكِلَةِ إِلَى الْمَسْأَلَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَزُولَ الإِشْكَالُ.

الرَّابِعَةُ: اسْتِفْصَالُ الْمُفْتِي إِذَا احْتَاجَ ذَلِكَ.

الْخَامِسَةُ: أَنَّ تَخْصِيصَ الْبُقْعَةِ بِالنَّذْرِ لاَ بَأْسَ بِهِ إِذَا خَلاَ مِنَ الْمَوَانِعِ.

السَّادِسَةُ: الْمَنْعُ مِنْهُ إِذَا كَانَ فِيهِ وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِهِ.

السَّابِعَةُ: الْمَنْعُ مِنْهُ إِذَا كَانَ فِيهِ عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِهِ.

الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِمَا نَذَرَ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ؛ لأَِنَّهُ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ.

التَّاسِعَةُ: الْحَذَرُ مِنْ مُشَابَهَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَعْيَادِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ.

الْعَاشِرَةُ: لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: لاَ نَذْرَ لاِبْنِ آدَمَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ.

هيئة الإشراف

#2

26 Oct 2008

تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ

قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ( (1)

أيْ:

أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لِمَا سَيَذْكُرُهُ المُصَنِّفُ.


(2)

حَاصِلُ كَلاَمِ المُفَسِّرِينَ في الآيَةِ:

أَنَّ اللهَ نَهَى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يَقُومَ في مَسْجِدِ الضِّرَارِ في الصَّلاَةِ فيهِ أَبَدًا، والأُمَّةُ تَبَعٌ لهُ في ذلكَ، ثُمَّ حَثَّهُ عَلَى الصَّلاةِ في مَسْجِدِ قُبَاءَ الَّذي أُسِّسَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ بُنِيَ فيهِ عَلَى التَّقْوَى، وهيَ: طَاعَةُ اللهِ ورَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجَمْعًا لكَلِمَةِ المُؤْمِنِينَ، ومَعْقِلاً ومَنْزِلاً للإسلامِ وأهلِهِ بقولِهِ: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}[التوبة:109] والسِّياقُ إنَّما هوَ في مَسْجدِ قُبَاءَ، ولهذا جَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحيحِ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ كَعُمْرَةٍ))، وفي الصَّحيحِ: ((أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا)).


وَقَدْ صَرَّحَ

بأنَّ المَسْجِدَ المُؤَسَّسَ عَلَى التَّقوَى هوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ، ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِن السَّلَفِ منهم: ابنُ عبَّاسٍ، وعُرْوَةُ، وعَطِيَّةُ، والشَّعْبِيُّ، والحَسَنُ، وغَيْرُ واحدٍ.


وقيلَ:

هوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحديثِ أَبِي سَعِيدٍ قالَ: (تَمَارَى رَجُلاَنِ فِي المَسْجِدِ الَّذي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: هوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ، وَقَالَ الآخَرُ: هوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هُوَ مَسْجِدِي هَذَا)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وهو قَوْلُ عُمَرَ وابْنِهِ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، وغيرِهِم.

قالَ ابنُ كثيرٍ:(وهَذَا صَحِيحٌ، وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ الآيَةِ وبينَ هذا؛ لأنَّهُ إذا كانَ مَسْجدُ قُبَاءَ قَدْ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أوَّلِ يَوْمٍ، فَمَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَرِيقِ الأَوْلَى).

وَهَذَا بِخِلاَفِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ الَّذي أُسِّسَ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى، كمَا قالَ تعالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوبة:107] فلهذهِ الأُمُورِ نَهَى اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القيامِ فيهِ للصَّلاَةِ.

وَكَانَ المُنَافِقُونَ الَّذينَ بَنَوْهُ جَاؤُوا إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلَ خُرُوجِهِ إِلَى تَبُوكَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ فيهِ ليَحْتَجُّوا بِصَلاَتِهِ فيهِ عَلَى تَقْرِيرِهِ، وذَكَرُوا أنَّهُمْ إنَّما بَنَوْهُ للضُّعَفَاءِ وأَهْلِ العِلَّةِ في اللَّيْلَةِ الشَّاتِيَةِ، فَعَصَمَهُ اللهُ مِن الصَّلاةِ فيهِ فقالَ: ((إِنَّا عَلَى سَفَرٍ وَلَكِن إِذَا رَجَعْنَا إِنْ شَاءَ اللهُ)).

فلَمَّا قَفَلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ رَاجِعًا إِلَى المَدِينَةِ وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إِلاَّ يَوْمٌ أَو بَعْضُ يَوْمٍ، نَزَلَ الوَحْيُ بِخَبَرِ المَسْجِدِ، فَبَعَثَ إليهِ فَهَدَمَهُ قَبْلَ مَقْدِمِهِ إلى المَدِينةِ.


ووجْهُ الدَّلاَلَةِ مِن الآيَةِ عَلَى التَّرْجَمَةِ:

مِنْ جِهَةِ القِيَاسِ، لأَِنَّهُ إذا مَنَعَ اللهُ رسولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القِيَامِ للهِ تَعَالَى في هذا المَسْجِدِ المُؤَسَّسِ عَلَى هذه المَقَاصِدِ الخَبِيثَةِ مَعَ أنَّهُ لاَ يَقُومُ فيهِ إِلاَّ للهِ، فكذلِكَ المَوَاضِعُ المُعَدَّةُ للذَّبحِ لغيرِ اللهِ لاَ يَذْبَحُ فيها المُوَحِّدُ للهِ؛ لأِنَّهَا قدْ أُسِّسَتْ عَلَى مَعْصِيَةِ اللهِ والشِّرْكِ بهِ، يُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ الآتِي.

وقولُهُ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}[التوبة:109] رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ وابنُ خُزَيْمَةَ والطَّبَرَانِيُّ والحَاكِمُ عنْ عويمِ بنِ سَاعِدَةَ الأَنْصَارِيِّ: أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُم في مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَالَ: ((إِنَّ اللهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ فِي قِصَّةِ مَسْجِدِكُمْ، فَمَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي تَطَهَّرُونَ بِهِ؟)) فَقالَوا: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إِلاَّ أنَّهُ كانَ لَنَا جِيرَانٌ مِنَ اليَهُودِ فَكانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ مِنَ الغَائِطِ، فَغَسَلْنَا كمَا غَسَلُوا).

وفي رِوَايَةٍ عنْ جَابِرٍ وأَنَسٍ مَرْفُوعًا: ((هُوَ ذَاكَ فَعَلَيكُمُوهُ)) رواهُ ابنُ ماجَه، وابنُ أَبِي حَاتِمٍ، والدَّارَقُطْنِيُّ، والحَاكِمُ.


وقولُهُ:

{وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} أي: الَّذينَ يَتَنَزَّهونَ من القَاذُوراتِ والنَّجَاسَاتِ بعدَما يَتَنَزَّهونَ مِنْ أَوْضَارِ الشِّرْكِ وأَقْذَارِهِ.

- قالَ أبو العَالِيَةِ:(إنَّ الطُّهُورَ بالماءِ لَحَسَنٌ، ولكنَّهم المُتَطَهِّرُونَ مِن الذُّنوبِ).


-

قالَ ابنُ كثيرٍ:وفيهِ:(دليلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلاةِ مَعَ الجَمَاعَةِ الصَّالِحِينَ المُتَنَزِّهِينَ عنْ مُلاَبَسَةِ القَاذُورَاتِ، المُحَافِظِينَ عَلَى إِسْبَاغِ الوُضُوءِ).


قُلْتُ:

وفيهِ: إِثْباتُ المَحَبَّةِ.


(3)

هذا الحَدِيثُ رَوَاهُ

أَبُو دَاودَ، فَقَالَ: حدَّثنَا دَاودُ بنُ رَشِيدٍ قَالَ: ثَنَا شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، عن الأَوْزَاعِيِّ قالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو قِلابةَ قالَ: حدَّثني ثابتُ بنُ الضَّحَّاكِ قالَ: نَذَرَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْحَرَ إِبِلاً ببُوانةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَنْحَرَ إِبِلاً ببُوانةَ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلْ كانَ فِيهَا وَثَنٌ؟....)) الحديثَ، وهذا إِسْنَادٌ جيِّدٌ.

ورَوَى أَبُو دَاودَ أيضًا، عنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدِّهِ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَذْبَحَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا - مَكَانٍ كانَ يَذْبَحُ فيهِ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ - قالَ: ((لِصَنَمٍ؟))، قالَتْ: لاَ، قَالَ: ((لِوَثَنٍ؟)) قَالَت: لاَ، قَالَ: ((أَوْفِ بِنَذْرِكِ)) مُخْتَصَرٌ.

ومَعْنَى قَوْلِهِ: ((لِصَنمٍ؟)) إلى آخِرِهِ: هلْ يَذْبَحُونَ فيهِ لصَنَمٍ أوْ وَثَنٍ؟

فيَكُونُ كحَدِيثِ ثَابِتٍ.

قولُهُ: (عَن ثَابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ): أي: ابنِ خَلِيفَةَ الأَشْهَلِيِّ، صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، رَوَى عنه أَبُو قِلابةَ وغيرُهُ، وماتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وسِتِّينَ.

قولُهُ: (نَذَرَ رَجُلٌ): يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هوَ كَرْدَمُ بنُ سُفْيانَ والِدُ مَيْمُونَةَ، لِمَا رَوَى أَبُو دَاودَ عنها، قالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي فِي حَجَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَتْ: فَدَنَا إِلَيْهِ أَبِي فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ ذَكَرٌ أَنْ أَنْحَرَ عَلَى رَأْسِ بُوَانَةَ في عَقَبَةٍ مِن الثَّنَايَا عِدَّةً مِن النَّعَمِ - قَالَ: لاَ أَعْلَمُ إِلاَّ إنَّهَا قالَتْ: خَمْسِينَ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلْ بِهَا مِنْ هَذِهِ الأَوْثَانِ شَيْءٌ؟)) قالَ: لاَ، قالَ: ((فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَ للهِ)) وذَكَرَ الحديثَ.

قولُهُ: (أَنْ يَنْحَرَ إِبِلاً) في حديثِ مَيْمُونَةَ، قَالَ: ((فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَ للهِ)) قالَ: فَجَمَعَهَا فَجَعَلَ يَذْبَحُهَا، فانْفَلَتَتْ منهُ شَاةٌ، فَطَلَبَها وهو يَقُولُ: اللهُمَّ أَوْفِ بِنَذْرِي، فَظَفِرَ بها فذَبَحَها).

فيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَذَرَ إِبِلاً وغَنَمًا، ويَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذلكَ قَضِيَّتَيْنِ.

قولُهُ: (بِبُوَانةَ) بضمِّ الباءِ، وقيلَ: بفتحِهَا.

- قالَ البَغَوِيُّ(مَوْضِعٌ في أَسْفَلِ مكَّةَ دونَ يَلَمْلَمَ).


-

وَقَالَ أبو السَّعاداتِ:(هَضْبَةٌ منْ وَرَاءِ يَنْبُعَ).

قولُهُ: (فَقَالَ: ((هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟)): قَالَ في (عُرْوةِ المِفْتَاحِ)الصَّنَمُ:هوَ مَا لَهُ صُورَةٌ،والوَثَنُ:مَا لَيْسَ لهُ صُورَةٌ.


قُلْتُ:

هَذَا هوَ الصَّحِيحُ في الفَرْقِ بينهُمَا، وَقَدْ جَاءَ عن السَّلَفِ ما يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.


وَفِيهِ:

المَنْعُ مِن الوَفَاءِ بالنَّذْرِ إِذَا كَانَ في المَكَانِ وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِهِم، وَلَوْ بَعْدَ زَوَالِهِ، ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ.

قولُهُ: ((فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟)) قَالَ شيخُ الإِسْلاَمِ(العِيدُ: اسْمٌ لِمَا يَعُودُ مِن الاجْتِمَاعِ العَامِّ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ، عَائِدٌ إمَّا بِعَوْدِ السَّنَةِ، أوْ بِعَوْدِ الأُسْبُوعِ، أو الشَّهْرِ، ونحوِ ذلكَ، والمُرَادُ بهِ هنا: الاجْتِمَاعُ المُعْتَادُ مِن اجْتِمَاعِ الجَاهِلِيَّةِ، فالعِيدُ يَجْمَعُ أُمُورًا:

منها: يَوْمٌ عَائِدٌ كَيَوْمِ الفِطْرِ وَيَوْمِ الجُمُعَةِ.

ومنها: اجْتِمَاعٌ فيهِ.

ومنها: أَعْمَالٌ تَتْبَعُ ذلكَ مِن العِبَادَاتِ والعَادَاتِ، وَقَدْ يَخْتَصُّ العيدُ بمكانٍ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مُطْلَقًا، وَكُلٌّ مِنْ هذه الأُمُورِ قَد يُسَمَّى عِيدًا.

فالزَّمانُ: كقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يومِ الجُمُعَةِ: ((إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ عِيدًا)).

والاجْتِمَاعُ والأَعْمَالُ: كَقَوْلِ ابنِ عبَّاسٍ(شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).

والمَكَانُ: كقولِهِ: ((لاَ تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا)).

وقدْ يَكُونُ لَفْظُ العيدِ اسْمًا لمَجْمُوعِ اليَوْمِ والعَمَلِ فيهِ، وهو الغَالِبُ كقولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَِبِي بَكْرٍ((دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا)))انتهَى.


وفيهِ:

اسْتِفْصَالُ المُفْتِي، والمَنْعُ مِن الوَفَاءِ بالنَّذرِ إِذَا كَانَ في المَكَانِ عِيدٌ مِنْ أَعْيادِ الجَاهِلِيَّةِ ولوْ بَعْدَ زَوَالِهِ، والحَذَرُ مِنْ مُشَابَهِةِ المُشْرِكِينَ في أعيادِهِم ولوْ لم يَقْصِدْهُ، ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ.

قولُهُ: ((فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ)): هذا يَدُلُّ عَلَى أنَّ الذَّبحَ للهِ في المَكَانِ الَّذي يَذْبَحُ فيهِ المُشْرِكُونَ لغيرِهِ، أوْ في مَحَلِّ أعيادِهِم مَعْصِيَةٌ؛ لأَِنَّ قولَهُ: ((فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ)) تَعْقِيبٌ للوَصْفِ بالحُكْمِ بحَرْفِ الفَاءِ، وذلكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الوَصْفَ سَبَبُ الحُكْمِ، فَيَكُونُ سَبَبُ الأَمْرِ بالوَفَاءِ وُجُودَ النَّذْرِ خَاليًا عنْ هَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ، فيَكُونَانِ مَانِعَيْنِ مِن الوَفَاءِ، ولوْ لم يَكُنْ مَعْصِيَةً لجَازَ الوَفَاءُ بهِ؛ ولأَِنَّهُ عَقَّبَهُ بقولِهِ: ((فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ)) فَدَلَّ عَلَى أنَّ الصُّورةَ المُسْؤُولَ عنها مُنْدَرِجَةٌ في هَذَا اللَّفْظِ العَامِّ؛ لأَِنَّ العَامَّ إِذَا أُورِدَ عَلَى سَبَبٍ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ مُنْدَرِجًا فيهِ، ولأَِنَّهُ لوْ كانَ الذَّبْحُ فيما ذَكَرَ جَائِزًا لسَوَّغَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنَّاذِرِ الوَفَاءَ بهِ، كمَا سَوَّغَ لمَنْ نَذَرَت الضَّرْبَ بالدُّفِّ أَنْ تَضْرِبَ بهِ لأِنَّهُ عليهِ السَّلامُ اسْتَفْصَلَ، فلَمَّا قالُوا: لاَ، قالَ لهُ: ((فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ))، وهذا يَقْتَضِي أنَّ كَوْنَ البُقْعَةِ مَكَانًا لعِيدِهِم، أوْ بها وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِهِم، مَانِعٌ مِن الذَّبْحِ بها وإنْ نَذَرَ، وإِلاَّ لَمَا حَسُنَ الاسْتِفْصَالُ، هذا مَعْنَى كَلاَمِ شَيْخِ الإِسْلاَمِ.


وفيهِ:

أَنَّ تَخْصِيصَ البُقْعَةِ بالنَّذْرِ لاَ بَأْسَ بهِ إِذَا خَلاَ مِن المَوَانِعِ.


قولُهُ:

((فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ)) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، لاَ يَجُوزُ الوَفَاءُ بهِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى أنَّ نَذْرَ المَعْصِيَةِ لاَ يَجُوزُ الوَفَاءُ بهِ. وَقَدْ أَجْمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ لِهَذَا الحَدِيثِ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ الآتِي، وَمَا في مَعْنَاهُمَا.


واخْتَلَفُوا:

هَلْ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ:


أَحَدُهُمَا:

تَجِبُ،

وهو المَذْهبُ الَمَشْهُورُ عنْ أَحْمَدَ، ورُوِيَ عن ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عبَّاسٍ، وبهِ قالَ أَبُو حَنِيفَةَ وأَصْحَابُهُ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: ((لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ)) رواهُ أحمدُ وأَهْلُ السُّننِ، واحْتَجَّ بهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.


والثَّاني:

لاَ كَفَّارةَ عَلَيْهِ،

رُوِيَ ذَلِكَ عَن مَسْرُوقٍ، والشَّعْبِيِّ، والشَّافِعِيِّ، لحديثِ البابِ، وحديثِ عَائِشَةَ الآتِي، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِمَا كَفَّارَةٌ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ عَدَمَ ذِكْرِ الكَفَّارَةِ لاَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِها.

قولُهُ: ((وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ)): قَالَ في (شَرْحِ المَصَابِيحِ): يَعْنِي إِذَا أَضَافَ النَّذْرَ إِلَى مُعَيَّنٍ لاَ يَمْلِكُهُ بِأَنْ قَالَ: إِنْ شَفَى اللهُ مَرِيضِي فلِلَّهِ عَلَيَّ أنْ أَعْتِقَ عَبْدَ فُلاَنٍ، أوْ أَتَصَدَّقَ بِثَوْبِهِ، ونحوَ ذلكَ، فأمَّا إِذَا الْتَزَمَ في الذِّمَّةِ شَيْئًا لاَ يَمْلِكُهُ فيَصِحُّ نَذْرُهُ، مِثَالُهُ: إِنْ شَفَى اللهُ مَرِيضِي فلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ رَقَبَةً، وهو في ذلكَ الحَالِ لاَ يَمْلِكُ رَقَبَةً وَلاَ قِيمَتَهَا، فَيَصِحُّ نَذْرُهُ، وَإِذَا شُفِيَ ثَبَتَ النَّذْرُ في ذِمَّتِهِ.

قولُهُ: (رواهُ أَبُو دَاودَ وإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطَيْهِمَا): أيْ: شَرْطِ البُخَارِيِّ ومُسْلِمٍ، وأَضْمَرَهُمَا للعِلْمِ بذلكَ.

وَ أَبُو دَاودَ اسْمُهُ: سُلَيْمَانُ بنُ الأَشْعَثِ بنِ إِسْحَاقَ بنِ بِشْرِ بنِ شدَّادٍ الأَزْدِيُّ السِّجِسْتَانِيُّ، صاحِبُ الإمامِ أحمدَ، ومصنِّفُ (السُّننِ) وغيرِهَا، ثِقَةٌ إِمَامٌ حَافِظٌ، مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ ومِائَتَيْنِ.

هيئة الإشراف

#3

26 Oct 2008

فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ

قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ((1)

قَالَ

المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (بابٌ لا يُذْبَحُ للهِ بِمَكانٍ يُذْبَحُ فِيهِ لِغَيْرِ اللهِ)


(لا) نافِيَةٌ، ويُحْتَمَلُ أنَّها للنَّهْيِ، وهو أظْهَرُ.

(2)

قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وقولِ اللهِ تَعالى:

{لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِن أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا واللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ}[التوبة:108] الآيةَ):


قالَ المُفَسِّرُونَ:

(إنَّ اللهَ تَعالى نَهَى رَسُولَه عَنِ الصَّلاةِ فِي مَسْجِدِ الضِّرارِ، والأُمَّةُ تَبَعٌ لَه فِي ذلكَ، ثُمَّ إنَّه تَعالى حَثَّه عَلى الصلاةِ في مَسْجدِ قُبَاءَ الذِي أُسِّسَ مِن أوَّلِ يَوْمٍ بُنِيَ علَى التَّقْوَى، وهِيَ طاعةُ اللهِ ورَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجَمْعًا لِكَلِمةِ المُؤْمِنِينَ، ومَعْقِلاً ومَنْزِلاً للإسلامِ وأهْلِه، ولِهذا جاءَ في الحَديثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((صَلاةٌ فِي مَسْجِدِ قُباءَ كَعُمْرةٍ)).

وفي الحديثِ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ قُباءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا)).

وقدْ صرَّحَ أنَّ المَسْجِدَ المَذْكورَ في الآيةِ هو مسجدُ قُبَاءَ جَمَاعةٌ مِنَ السَّلَفِ، مِنهم: ابْنُ عَبَّاسٍ، وعُرْوَةُ، وعَطِيَّةُ، والشَّعْبِيُّ، والحَسَنُ وغَيْرُهم.

قُلْتُ: ويُؤَيِّدُه قولُه في الآيةِ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } الآيةَ.


وقيلَ:

هو مسجدُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحدِيثِ أبِي سَعِيدٍ قالَ: (تَمَارَى رَجُلانِ في الْمَسْجدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ.

وَقَالَ الآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((هُوَ مَسْجِدِي هَذَا))رَوَاه مُسْلِمٌ.

وهو قَولُ عُمَرَ وابْنِه وزَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وغَيرِهم.

قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: (وهَذا صَحِيحٌ، ولا مُنَافاةَ بَيْنَ الآيةِ والحديثِ؛ لأَنَّهُ إذا كانَ مَسْجِدُ قُبَاءَ قدْ أُسِّسَ علَى التقْوَى مِنْ أوَّلِ يَومٍ، فمَسْجِدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطريقِ الأَولَى، وهذا بِخلافِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ الذِي أُسِّسَ علَى مَعْصِيَةِ اللهِ، كَما قالَ تَعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوْبَة:107].

فلِهذه الأُمُورِ نَهَى اللهُ نَبِيَّه عنِ القِيامِ فِيهِ للصَّلاةِ، وكانَ الذِينَ بَنَوْه جاؤُوا إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ خُروجِه إِلى غَزْوَةِ تَبوكَ فسَأَلُوه أنْ يُصَلِّيَ فِيهِ.


وأَنَّهُم إنَّما بَنَوْه للضُّعَفَاءِ

وأهْلِ العِلَّةِ في الليْلةِ الشاتِيةِ، فَقَالَ: ((إِنَّا عَلَى سَفَرٍ، وَلَكِنْ إِذَا رَجَعْنا إِنْ شَاءَ اللهُ)) فلمَّا قَفَلَ علَيْه السَّلامُ راجِعًا إلى المَدِينةِ؛ ولمْ يَبْقَ بينَه وبينَها إلاَّ يَومٌ أوْ بَعضُه نَزَلَ الوَحْيُ بِخَبَرِ المسجدِ، فَبَعَثَ إلَيْه، فَهَدَمَه قَبْلَ قُدومِه إلَى المَدينةِ.


ووَجْهُ مُناسَبةِ الآيةِ للترْجَمَةِ:

أنَّ المَواضِعَ الْمُعَدَّةَ للذبْحِ لغيرِ اللهِ يَجِبُ اجْتِنَابُ الذبحِ فِيها للهِ، كمَا أنَّ هذا المسجدَ لمَّا أُعِدَّ لمَعْصِيَةِ اللهِ صَارَ مَحَلَّ غَضَبٍ لأَجْلِ ذلكَ، فلا تَجُوزُ الصَّلاةُ فيهِ للهِ.

وهَذا قِياسٌ صَحيحٌ ويُؤَيِّدُه حَديثُ ثابِتِ بْنِ الضَّحَاكِ الآَتِي.

قولُه: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} رَوَى الإمامُ أحمدُ وابْنُ خُزَيْمَةَ وغيرُهما، عنْ عُوَيْمَ بْنِ سَاعِدَةَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتاهُمْ في مَسْجِدِ قُباءَ فَقَالَ: ((إِنَّ اللهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّناءَ بِالطُّهُورِ في قِصَّةِ مَسْجِدِكُمْ، فَمَا هَذا الطُّهُورُ الَّذِي تَطَهَّرُونَ بِهِ؟))


فَقَالُوا: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ لَنا جِيرانٌ مِنَ اليَهُودِ، فَكَانُوا يَغْسِلونَ أَدبَارَهُمْ مِنَ الغَائِطِ، فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا

))

.

وفي رِوَايةٍ عنْ جابِرٍ وأَنَسٍ((هُوَ ذاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ)) رَوَاه ابْنُ مَاجَةَ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والدَّارَقُطْنِيُّ والحاكِمُ.


قولُه:

{وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} قالَ أبُو العالِيةَ:( إنَّ الطُّهُورَ بالمَاءِ لَحَسَنٌ ولَكِنَّهم المُتَطَهِّرُونَ مِنَ الذُّنوبِ).


وفِيهِ:

إثْبَاتُ صِفةِ المَحَبَّةِ؛

خِلافًا للأَشَاعِرَةِ ونَحْوِهم.


(3)

قَالَ

المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (عَنْ ثاَبِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال:نَذَرَ رَجُلٌ أنْ يَنْحَرَ إِبِلاً بِبُوَانَةَ، فَسَأَلَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الجاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟))


قالوا: لا، قال:

((فَهَلْ كَانَ فِيها عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟))


قالوا: لا.
فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلا فِيمَا لا يَمْلِكُ ابنُ آدَمَ))

رَوَاه أبُو دَاودَ، وإسْنادُه علَى شَرْطِهما)

قولُه: (عَنْ ثاَبِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ) أي: ابْنِ خَلِيفةَ الأَشْهَلِيِّ، صَحَابِيٌّ مَشْهورٌ، رَوَى عنه أبُو قِلابَةَ وغَيرُه. ماتَ سَنَةَ أرْبَعٍ وسِتِّينَ.

قولُه: (بِبُوَانَةَ) بضَمِّ الباءِ، وقِيلَ بفَتْحِها: قالَ البَغَوِيُّ(مَوْضِعٌ فِي أسْفَلِ مَكَّةَ دُونَ يَلَمْلَمَ).


-

قالَ أبُو السَّعاداتِ:(هَضَبةٌ مِن وَراءِ يَنْبُعَ).

قولُه: ((هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الجاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟))فِيهِ: المَنْعُ مِنَ الوَفاءِ بالنَّذْرِ إذا كانَ فِي المَكانِ وَثَنٌ، ولوْ بَعْدَ زَوَالِه، قَالَه المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ.

قولُه:((فَهَلْ كَانَ فِيها عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟))قالَ شَيْخُ الإسْلامِ:(العِيدُ: اسْمٌ لِمَا يَعودُ مِنَ الاجْتِمَاعِ العامِّ علَى وَجْهٍ مُعَتَادٍ عائِدٍ، إمَّا بِعَوْدِ السَّنةِ أوِ الأُسْبوعِ أوِ الشَّهْرِ ونَحْوِ ذلكَ.

والمُرَادُ بِه هُنَا الاجْتِمَاعُ المُعْتَادُ مِنَ اجْتِمَاعِ أهْلِ الجَاهِلِيَّةِ، فالعِيدُ يَجْمَعُ أُمُورًا:

مِنها: يَوْمٌ عَائِدٌ، كَيوْمِ الفِطْرِ ويومِ الجُمُعَةِ.

ومِنها: اجْتِمَاعٌ فِيهِ.

ومِنها: أعْمالٌ تَتْبَعُ ذلكَ مِنَ العِباداتِ والعاداتِ.

وقدْ يَخْتَصُّ العيدُ بِمَكانٍ بِعَيْنِه، وقدْ يَكُونُ مُطْلَقًا، وكُلٌّ مِن هذِه الأُمورِ قدْ يُسَمَّى عِيدًا.

فالزَّمَانُ: كَقوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوْمِ الجُمُعةِ: ((إنَّ هَذَا يَوْمٌ قَدْ جَعَلَهُ اللهُ لِلمُسْلِمِينَ عِيدًا)).


والاجْتِمَاعُ والأعْمالُ: كقولِ

ابْنِ عَبَّاسٍ:

(شَهِدْتُ العيدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).


والمَكانُ: كقولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((لا تَتَّخِذوا قَبْرِيَ عِيدًا))

.


وقدْ يَكُونُ لَفْظُ العِيدِ اسْمًا لمَجْموعِ اليومِ والعَمَلِ فيهِ، وهوَ الغالِبُ، كقولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا)))

انْتَهَى.

قَالَ المُصَنِّفُ: (وفيهِ:اسْتِفْصَالُ المُفَتِي، والمَنْعُ مِنَ الوَفاءِ بالنَّذْرِ بِمَكانِ عِيدِ الجاهِلِيَّةِ ولوْ بَعْدَ زَوَالِه).


قُلْتُ:

وفيهِ:سَدُّ الذَّرِيعَةِ، وتَرْكُ مُشَابَهَةِ المُشْرِكِينَ، والمَنْعُ مِمَّا هو وَسِيلةٌ إلَى ذلكَ.

قولُه: ((أَوْفِ بِنَذْرِكَ)) هَذا يَدُلُّ علَى أنَّ الذَّبْحَ للهِ فِي المَكانِ الذِي يَذْبَحُ فِيهِ المُشْرِكونَ لِغيرِ اللهِ، أيْ: فِي مَحَلِّ أعْيادِهِم، مَعْصِيَةٌ؛ لأنَّ قولَه: ((فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ)) تَعْقِيبٌ للوَصْفِ بالحُكْمِ بِالفاءِ، وذلِكَ يَدُلُّ علَى أنَّ الوَصْفَ سَبَبُ الحُكْمِ. فَيَكُونُ سَبَبُ الأَمْرِ بِالوَفاءِ خُلُوَّهُ عَنْ هَذَيْنِ الوَصْفِينِ.

فَلمَّا قالُوا: (لا) قالَ: ((أَوْفِ بِنَذْرِكَ)) وهَذا يَقْتَضِي أنَّ كَوْنَ البُقْعَةِ مَكانًا لِعِيدِهم، أوْ بِها وَثَنٌ مِن أوْثَانِهم مَانِعٌ مِنَ الذَّبْحِ بِها ولوْ نَذَرَه. قالَه شَيْخُ الإسْلامِ.


وقولُه:

((فَإِنَّهُ لا وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللهِ)) دَلِيلٌ علَى أنَّ هذا نَذْرُ مَعصيةٍ لوْ قدْ وُجِدَ فِي المَكانِ بَعْضُ المَوَانِعِ.

وما كانَ مِن نَذْرِ المعصِيةِ فلا يَجُوزُ الوَفَاءُ بِه بإِجْمَاعِ العُلَمَاءِ.

واخْتَلَفُوا هَلْ تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؟ علَى قَولَينِ: هُما رِوايَتانِ عنْ أحمدَ:


أَحَدُهما:

تَجِبُ

، وهوَ المَذْهَبُ، ورُوِيَ عنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وابْنِ عَبَّاسٍ، وبِه قالَ أبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُه؛ لِحديثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مَرْفوعًا: ((لا نَذْرَ في مَعْصِيةٍ، وكَفّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ))رَوَاه أحمدُ وأَهْلُ السُّنَنِ، واحْتَجَّ بهِ أحمدُ وإِسْحَاقُ.


والثانِي:

لا كَفَّارَةَ عَليه.


ورُوِيَ ذَلكَ عنْ

مَسْرُوقٍ والشَّعْبِيِّ والشَّافِعِيِّ، لِحديثِ البابِ. ولمْ يُذْكَرْ فِيهِ كَفَّارَةٌ.


وجَوابُه:

أَنَّهُ ذَكَرَ الكفَّارةَ في الحَديثِ المُتَقَدِّمِ، والمُطْلَقُ يُحْمَلُ علَى المُقَيَّدِ.

قولُه: ((وَلا فِيمَا لا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ))في (شَرْحِ المَصَابِيحِ): يَعْنِي إذا أَضَافَ النَّذْرَ إلَى مُعَيَّنٍ لا يَمْلِكُهُ، بِأَنْ قالَ: إنْ شَفَى اللهُ مَرِيضي فللهِ علَيَّ أنْ أُعْتِقَ عَبْدَ فُلانٍ ونَحْوَ ذلكَ.


فأمَّا إِذا الْتَزَمَ فِي الذِّمَّةِ شَيْئًا،

بِأنْ قالَ: إنْ شَفَى اللهُ مَرِيضي فللهِ عَلَيَّ أنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً، وهو فِي تِلكَ الحالِ لا يَمْلِكُها ولا قِيمَتَها، فَإِذا شُفِي مَرِيضُه ثَبَتَ ذلكَ فِي ذِمَّتِه.

قولُه: (رَوَاه أبُو دَاودَ، وإسْنادُه عَلَى شَرْطِهما) أيْ: البُخْارِيِّ ومُسْلِمٍ.

وأبُو داودَ: اسْمُه سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ شَدَّادٍ الأَزْدِيُّ السِّجِسْتَانِيُّ صَاحِبُ الإِمامِ أحمدَ، ومُصَنِّفُ (السُّنَنِ) و(المَرَاسِيلِ) وغَيرِهِما. ثِقَةٌ إمامٌ حافِظٌ مِنْ كِبارِ الْعُلَماءِ، مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وسَبْعِينَ ومِائَتَينِ.

هيئة الإشراف

#4

26 Oct 2008

القول السديد للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (‍1)

ما أَحْسَنَ إتْباعَ هذا البابِ بالبابِ الذِي قَبْلَه،

فالذِي قَبْلَه مِن المَقاصدِ، وهذا مِن الوسائلِ، ذاك مِن بابِ الشرْكِ الأكْبَرِ، وهذا مِن وسائلِ الشرْكِ القريبةِ، فإنَّ المَكانَ الذِي يَذْبَحُ فيه المُشْرِكُونَ لآلِهَتِهم تَقَرُّبًا إليها وشِرْكًا باللهِ قَدْ صارَ مَشْعَرًا مِن مَشَاعرِ الشرْكِ، فإذا ذَبَحَ فيه المُسْلِمُ ذَبِيحَةً ولو قصدَها للهِ فَقَدْ تَشَبَّهَ بالمُشْرِكِينَ وشَارَكَهم في مَشْعَرِهِم، والمُوَافَقَةُ الظَّاهِرَةُ تَدْعُو إلى المُوافَقَةِ الباطنةِ والميلِ إليهم.

ومن هذا السببِ نَهَى الشارِعُ عن مُشَابَهَةِ الكُفَّارِ فِي:

شِعَارِهم.

وأعيادِهم.

وهَيْئاتِهم.

ولباسِهم وجَمِيعِ ما يَخْتَصُّ بِهِم، إبْعادًا للمُسْلِمينَ عَن الموافقةِ لَهُم فِي الظَّاهِرِ التي هي وَسِيلَةٌ قَرِيبَةٌ للمَيْلِ والرُّكُونِ إليهم، حَتَّى إنَّه نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ النافِلَةِ في أوْقاتِ النَّهْيِ التي يَسْجُدُ المُشْرِكُونَ فيها لغَيْرِ اللهِ؛ خَوْفًا مِن التَّشَبُّهِ المَحْذُورِ.

هيئة الإشراف

#5

26 Oct 2008

تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ((1)

هذا الانتقالُ مِن المؤلِّفِ منْ أحسنِ ما يكون؛ ففي البابِ السابقِ

ذَكَرَ الذَّبْحَ لغيرِ اللهِ، فنفسُ الفعلِ لغيرِ اللهِ.

وفي هذا البابِ ذكَرَ الذَّبْحَ للهِ، ولكنَّهُ في مكانٍ يُذْبَحُ فيهِ لغيرِهِ، كمَنْ يُرِيدُ أنْ يُضَحِّيَ للهِ في مكانٍ يُذبَحُ فيهِ للأصنامِ، فلا يجوزُ أنْ تُذْبَحَ فيهِ؛ لأنَّهُ مُوَافَقَةٌ للمشركينَ في ظاهرِ الحالِ، ورُبَّما أنَّ الشيطانَ أدخَلَ في قلْبِكَ نيَّةً سيِّئَةً، فيكونُ اعتقادُكَ أنَّ الذبحَ في هذا المكانِ أفضلُ، وما أشبهَ ذلكَ، وهذا خطرٌ.


(2)

قولُهُ:

{لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} ضميرُ الغَيْبَةِ يعودُ إلى مسجدِ الضِّرَارِ؛ حيثُ بُنِيَ على نِيَّةٍ فاسدةٍ، قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ}.


فَالْغَرَضُ مِن اتِّخَاذِ هذا المسجدِ:

-

مُضَارَّةُ مسجدِ قُبَاءٍ؛

ولهذا يُسمَّى مسجدَ الضِّرارِ.


-

والكفرُ باللهِ؛ لأنَّهُ يُقَرَّرُ فيهِ الكفرُ والعياذُ باللهِ؛ لأنَّ الذينَ اتَّخَذُوهُ هُم المنافقونَ.


-

والتفريقُ بينَ المؤمنينَ؛

فبَدَلاً مِنْ أنْ يُصَلِّيَ في مسجدِ قُبَاءٍ صَفٌّ أوْ صَفَّانِ، يُصَلِّي فيهِ نصفُ صفٍّ، والباقونَ في المسجدِ الآخرِ، والشَّرعُ لهُ نظَرٌ في اجتماعِ المؤمنينَ.


-

والإرصادُ لِمَنْ حاربَ اللهَ ورسولَهُ.


ووجهُ المُنَاسَبةِ مِن الآيَةِ:

أنَّهُ لمَّا كانَ مسجدُ الضِّرَارِ ممَّا اتُّخِذَ للمَعَاصِي ضِرارًا وكُفرًا وتفريقًا بينَ المؤمنينَ؛ نَهى اللهُ رَسُولَهُ أنْ يقومَ فيهِ، معَ أنَّ صلاتَهُ فيهِ للهِ، فدلَّ على أنَّ كلَّ مكانٍ يُعصى اللهُ فيهِ أنَّهُ لا يُقامُ فيهِ.

فهذا المسجدُ مُتَّخَذٌ للصلاةِ لكنَّهُ محلُّ معصيَةٍ فلا تُقامُ فيهِ الصلاةُ.

وكذا لوْ أرادَ إنسانٌ أنْ يَذْبَحَ في مكانٍ يُذْبَحُ فيهِ لغيرِ اللهِ كانَ حرامًا؛ لأنَّهُ يُشْبِهُ الصلاةَ في مسجدِ الضِّرَارِ.


وقريبٌ منْ ذلكَ

النهيُ عن الصلاةِ عندَ طلوعِ الشمسِ وعندَ غُروبِها؛ لأنَّهُما وَقْتَانِ يسْجُدُ فيهما الكُفَّارُ للشمسِ.

فهذا باعتبارِ الزمنِ والوقتِ، والحديثُ الذي ذكَرَهُ المؤلِّفُ باعتبارِ المكانِ.


(3)

قولُهُ: (نَذَرَ) النَّذْرُ

في اللغةِ: الإلزامُ والعهدُ.


واصطلاحًا:

إلزامُ المُكَلَّفِ نفْسَهُ للهِ شيئًا غيرَ واجبٍ.


وقالَ بعضُهم:

لا نحتاجُ أنْ نُقَيِّدَ بغيرِ واجبٍ، وأنَّهُ إذا نذَرَ الواجبَ صحَّ النذرُ، وصارَ المنذورُ واجبًا مِنْ وجْهَيْنِ؛ مِنْ جهةِ النذرِ، ومِنْ جهةِ الشرعِ.


والنذرُ في الأصلِ مكروهٌ،

بلْ إنَّ بعضَ أهلِ العلمِ يميلُ إلى تحْرِيمِهِ؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَهى عنهُ وقالَ: ((لاَ يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ)) ولأنَّهُ إلزامٌ لنفسِ الإنسانِ بما جَعلَهُ اللهُ في حِلٍّ مِنهُ، وفي ذلكَ زيادةُ تكليفٍ على نفسِهِ.

ولأنَّ الغالبَ أنَّ الذي يَنْذِرُ يَنْدَمُ، وتجِدُهُ يسألُ العلماءَ يمينًا وشمالاً يُريدُ الخلاصَ ممَّا نذَرَ لِثِقَلِهِ ومشقَّتِهِ عليهِ، ولا سيِّما ما يفْعَلُهُ بعضُ العامَّةِ إذا مَرِضَ أوْ تأخَّرَ لهُ حاجةٌ يُرِيدُها، تجدُهُ يَنْذِرُ كأنَّهُ يقولُ: إنَّ اللهَ لا يُنْعِمُ عليهِ بجَلْبِ خيرٍ أوْ دفْعِ الضَّرَرِ إلاَّ بهذا النذْرِ.

قولُهُ: (بِبُوَانَةَ) الباءُ بمعنى (فِي) وهيَ للظرفيَّةِ، والمعنى: بمكانٍ يُسمَّى بُوَانَةَ.

قولُهُ: ((هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ)) الوثنُ: كلُّ ما عُبِدَ مِنْ دونِ اللهِ مِنْ شَجَرٍ أوْ حَجَرٍ، سواءٌ نُحِتَ أوْ لمْ يُنْحَتْ.


والصَّنمُ: يَخْتَصُّ بما صنَعَهُ الآدميُّ.


قولُهُ:

((الْجَاهِلِيَّةِ)) نسبةٌ إلى ما كانَ قبْلَ الرسالةِ، وسُمِّيَتْ بذلكَ؛ لأنَّهُم كانوا على جَهْلٍ عظيمٍ.

قولُهُ: ((يُعْبَدُ)) صفةٌ لقوْلِهِ: ((وَثَنٌ)) وهوَ بيانٌ للواقعِ؛ لأنَّ الأوثانَ هيَ التي تُعْبَدُ مِنْ دونِ اللهِ.

قولُهُ: (قَالُوا: لا) السائلُ واحدٌ، لكنَّهُ لَمَّا كانَ عنْدَهُ ناسٌ أَجَابُوا النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، ولا مانعَ أنْ يكونَ المجيبُ غيرَ السائلِ.

قولُهُ: ((عِيدٌ))الْعِيدُ: اسمٌ لما يعُودُ أوْ يتكَرَّرُ، والْعَوْدُ بمعنى الرجوعِ؛ أيْ: هل اعتادَ أهلُ الجاهليَّةِ أنْ يَأْتُوا إلى هذا المكانِ ويتَّخِذُوا هذا اليومَ عِيدًا وإنْ لَمْ يكُنْ فيهِ وثنٌ؟

قالُوا: لا.

فسألَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عنْ أَمْرَيْنِ: عَن الشِّركِ، ووسائِلِهِ.


-

فالشِّركُ: ((هلْ كانَ فيها وثَنٌ؟))


-

ووسائِلُهُ: ((هلْ كانَ فيها عِيدٌ مِنْ أعيادِهم؟))


(4)

قولُهُ:

((أَوْفِ بِنَذْرِكَ)) فِعْلُ أمْرٍ مبنيٌّ على حذْفِ حرْفِ العِلَّةِ (الياءِ)، والكسرةُ دليلٌ عليها.


وهل المرادُ بهِ المعنى الحقيقيُّ، أو المرادُ بهِ الإباحةُ؟

الجوابُ: يُحْتَمَلُ أنْ يُرَادَ بهِ الإباحةُ،

ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بهِ المعنى الحقيقيُّ.

فَبِالنِّسْبَةِ لنَحْرِ الإبلِ المرادُ بهِ المعنى الحقيقيُّ، وبالنسبةِ للمكانِ المرادُ بهِ الإباحةُ؛ لأنَّهُ لا يتعَيَّنُ أنْ يذْبَحَها في ذلكَ المكانِ، إذْ إنَّهُ لا يتعَيَّنُ أيُّ مكانٍ في الأرضِ إلاَّ ما تمَيَّزَ بفَضْلٍ، والمُتَمَيِّزُ بفَضْلٍ المساجدُ الثلاثةُ.

فالأمرُ هنا بالنسبةِ لنحرِ الإبلِ مِنْ حيثُ هوَ نحرٌ واجبٌ، وبالنسبةِ للمكانِ فالأمرُ للإباحةِ؛ بدليلِ أنَّهُ سأَلَ هذَيْنِ السؤالَيْنِ، فلوْ أُجيبَ بنعَمْ لقالَ: لا تُوفِ.

فإذا كانَ المقامُ يَحْتَمِلُ النَّهيَ والترخيصَ، فالأمرُ للإباحةِ.

وقولُهُ: ((أَوْفِ بِنَذْرِكَ)) علَّلَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ذلكَ بانتفاءِ المانعِ فقالَ: ((فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ)).

قولُهُ: ((لاَ وَفَاءَ)) لا نافيَةٌ للجنسِ، ((وَفَاءَ)) اسْمُهَا، ((لِنَذْرٍ)) خبَرُها.

قولُهُ: ((فِي مَعْصِيَةِ اللهِ)) صفةٌ لنذرٍ؛ أيْ: لا يُمْكِنُ أنْ تُوَفِّيَ بِنذرٍ في معصيَةِ اللهِ؛ لأنَّهُ لا يُتَقَرَّبُ إلى اللهِ بمعصيَتِهِ، وليسَت المعصيَةُ مباحةً حتَّى يُقَالَ: افْعَلْهَا.

قال ابن قاسم في (حاشية كتاب التوحيد) ص105: (قوله عليه الصلاة والسلام: ((أوف بنذرك))دل على أن الوصف سبب الحكم، فيكون سبب الأمر بالوفاء: خلو المكان عن هذين الوصفين، فلو كان في ذلك المكان الذي نذر أن ينحر فيه وثن أو عيد؛ لمنعه ولم يستفحل في نيته، فدل على أنه لا عبرة هنا بالنية، فلما خلا من الموانع أمره أن يوفي بنذره، وذلك في حجة الوداع)


وأقسامُ النَّذْرِ ستة:

الأوَّلُ:

ما يَجِبُ الوفاءُ بهِ،

وهوَ نذْرُ الطاعةِ؛ لقوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ)).


الثاني:

ما يحْرُمُ الوفاءُ بهِ،

وهوَ نذْرُ المعصيَةِ؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ)) وقوْلِهِ: ((فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ)).


الثالثُ:

ما يَجْرِي مَجْرَى اليمينِ،

وهوَ نذْرُ الْمُباحِ، فيُخَيَّرُ بينَ فِعْلِهِ وَكَفَّارةِ اليمينِ، مثلُ: لوْ نذَرَ أنْ يَلْبَسَ هذا الثوبَ، فإنْ شاءَ لبِسَهُ، وإنْ شاءَ لَمْ يلْبَسْهُ وكفَّرَ كفَّارةَ يمينٍ.


الرابعُ:

نَذْرُ اللِّجَاجِ والغضبِ.

وسُمِّيَ بهذا الاسمِ؛

لأنَّ اللِّجَاجَ والغضبَ يَحْمِلانِ عليهِ غالبًا، وليسَ بلازمٍ أنْ يكونَ هناكَ لِجَاجٌ وغضَبٌ، وهوَ الذي يُقْصَدُ بهِ معنى اليمينِ؛ الحثُّ أو المنعُ أو التصديقُ أو التكذيبُ.

مثلُ لوْ قالَ: حصَلَ اليومَ كذا وكذا.

فقالَ الآخَرُ: لمْ يحْصُلْ.

فقالَ: وإنْ كانَ حاصِلاً فَعَلَيَّ للهِ نَذْرٌ أنْ أصومَ سنةً، فالغرضُ مِنْ هذا النذْرِ التكذيبُ.

فإذا تبيَّنَ أنَّهُ حاصلٌ فالنَّاذِرُ مُخَيَّرٌ بينَ أنْ يصومَ سنةً، وبينَ أنْ يُكفِّرَ كفَّارةَ يمينٍ؛ لأنَّهُ إنْ صامَ فقدْ وَفَّى بنذْرِهِ، وإنْ لمْ يصُمْ حَنِثَ، والحانِثُ في اليمينِ يُكَفِّرُ كفَّارةَ يمينٍ.


الخامسُ:

نذْرُ المكْرُوهِ،

فيُكْرَهُ الوفاءُ بهِ وعليهِ كفَّارةُ يمينٍ.


السادسُ:

النذرُ المُطْلَقُ،

وهوَ الذي ذُكِرَ فيهِ صيغةُ النَّذْرِ، مثلُ أنْ يقولَ: للهِ عَلَيَّ نَذْرٌ.

فهذا كفَّارَتُهُ كفَّارَةُ يمينٍ، كما قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ)).


مسألةٌ:

هلْ يَنْعَقِدُ نذْرُ المعصيَةِ؟


الجوابُ:

نَعَمْ ينْعَقِدُ؛ ولهذا قالَ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ)) ولوْ قالَ: مَنْ نَذَرَ أنْ يعصيَ اللهَ فلا نَذْرَ لهُ، لكانَ لا ينْعَقِدُ.

ففي قولِهِ: ((فَلاَ يَعْصِهِ)) دليلٌ على أنَّهُ يَنْعَقِدُ، لَكِنْ لا يُنَفَّذُ.


وإذا انْعَقَدَ هلْ تلْزَمُهُ كفَّارةٌ أوْ لا؟

اختلفَ في ذلكَ أهلُ العلمِ، وفيها روايتانِ عن الإمامِ

أحمدَ.


فقالَ بعضُ العلماءِ:

إنَّهُ لا تَلْزَمُهُ الكفَّارةُ،

واستدَلُّوا بقولِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ)) وبقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:((وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ)) ولَمْ يذكُر النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كفَّارةً، ولوْ كانَتْ واجبةً لذَكرَها.


القولُ الثاني:

تجبُ الكفَّارةُ،

وهوَ المشهورُ مِن المذهبِ؛ لأنَّ الرسولَ ذَكَرَ في حديثٍ آخرَ غيرِ الحديثيْنِ أنَّ كفَّارَتَهُ كفَّارةُ يمينٍ، وكوْنُ الأمرِ لا يُذْكَرُ في حديثٍ لا يقْتَضِي عدَمَهُ، فعدَمُ الذِّكرِ ليْسَ ذِكرًا للعدمِ.

نَعَمْ لوْ قالَ الرسولُ: لا كَفَّارةَ، صارَ في الحديثَيْنِ تعارضٌ، وحينئذٍ نطْلُبُ الترجيحَ، لكنَّ الرسولَ لمْ يَنْفِ الكفَّارةَ بلْ سَكَتَ، والسُّكوتُ لا يُنافي المنطوقَ.

فالسكوتُ وعدَمُ الذِّكْرِ يكونُ اعتمادًا على ما تقدَّمَ، فإنْ كانَ الرسولُ قالَهُ قَبلْ أنْ يَنْهَى هذا الرجلَ فاعتمادًا عليهِ لَمْ يقُلْهُ؛ لأنَّهُ ليسَ بلازمٍ أنَّ كُلَّ مسألةٍ فيها قيْدٌ أوْ تخصيصٌ يذْكُرُها الرسولُ عندَ كلِّ عُمُومٍ، فلوْ كانَ يلْزَمُ هذا لكثر المنقول من السُّنَّةُ، لكنَّ الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إذا ذَكَرَ حديثًا عامًّا ولهُ ما يُخَصِّصُهُ حُمِلَ عليهِ، وإذا سكَتَ عَن شيءٍ وقدْ نَطَقَ بهِ في مكانٍ آخرَ حُمِلَ عليهِ.


وأيضًا مِنْ حيثُ القياسُ،

لوْ أنَّ الإنسانَ أقسَمَ ليفعلَنَّ مُحَرَّمًا وقالَ: واللهِ لأفعَلَنَّ هذا الشيءَ، وهوَ مُحَرَّمٌ فلا يفْعَلْهُ، ويُكَفِّرُ كفَّارةَ يمينٍ، معَ أنَّهُ أقْسَمَ على فِعْلِ مُحَرَّمٍ، والنَّذْرُ شبيهٌ بالقسَمِ، وعلى هذا فكفَّارَتُهُ كفَّارَةُ يمينٍ، وهذا القولُ أصَحُّ.


قولُهُ:

((وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ)) الَّذِي لا يمْلِكُهُ ابنُ آدمَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:


الأوَّلُ:

ما لا يمْلِكُ فعْلَهُ شرعًا،

كما لوْ قالَ: للهِ عَلَيَّ أنْ أعتقَ عبدَ فُلانٍ، فلا يصحُّ؛ لأنَّهُ لا يمْلِكُ إعتاقَهُ.


الثاني:

ما لا يملكُ فعْلَهُ مُقَدَّرًا،

كما لوْ قالَ: للهِ عَلَيَّ نذْرٌ أنْ أطيرَ بيدَيَّ، فهذا لا يصحُّ؛ لأنَّهُ لا يمْلِكُهُ. والفقهاءُ رحِمَهُم اللهُ يُمَثِّلُونَ بمثلِ هذا المستحيلِ.


ويُستفادُ مِن الحديثِ:

أنَّهُ لا يُذْبَحُ بمكانٍ يُذْبَحُ فيهِ لغيرِ اللهِ، وهوَ ما ساقَهُ المُؤَلِّفُ منْ أجْلِهِ، والحكمةُ مِنْ ذلكَ ثلاثة أمور:


الأوَّلُ:

أنَّهُ يُؤَدِّي إلى التشَبُّهِ بالكُفَّارِ.


الثاني:

أنَّهُ يُؤَدِّي إلى الاغترارِ بهذا الفعلِ؛

لأنَّ مَنْ رَآكَ تَذْبَحُ بمكانٍ يَذْبَحُ فيهِ المشركونَ ظنَّ أنَّ فِعْلَ المشركينَ جائزٌ.


الثالثُ:

أنَّ هؤلاءِ المشركينَ سوفَ يَقْوَوْنَ عَلى فِعْلِهِم إذا رَأَوْا مَنْ يفْعلُ مثلَهم.


ولا شكَّ أنَّ تقويَةَ المشركينَ مِن الأمورِ المحظورةِ، وإغاظَتَهُم مِن الأعمالِ الصالحةِ، قالَ اللهُ تعالى: {وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ}.


(5)

فيهِ مسائلُ:


الأُولى:

(تفسيرُ قوْلِهِ: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا}

) وقدْ سبَقَ ذلكَ في أوَّلِ البابِ.


(6)

الثانيَةُ: (أنَّ المعصيَةَ قدْ تُؤَثِّرُ في الأرضِ، وكذلكَ الطاعةُ)

أيْ: لمَّا كانَتْ هذهِ الأرضُ مكانَ شِرْكٍ حُرِّمَ أنْ يَعْمَلَ الإنسانُ ما يُشْبِهُ الشِّركَ فيها لمُشَابَهةِ المشركينَ.

أمَّا بالنسبةِ للصلاةِ في الكنيسةِ، فإنَّ الصلاةَ تُخَالِفُ صلاةَ أهلِ الكنيسةِ، فلا يكونُ الإنسانُ مُتَشَبِّهًا بهذا العملِ، بخلافِ الذَّبْحِ في مكانٍ يُذْبَحُ فيهِ لغيرِ اللهِ؛ فإنَّ الفعلَ واحدٌ بنوعِهِ وجِنْسِهِ. ولهذا لوْ أرادَ إنسانٌ أنْ يُصَلِّيَ في مكانٍ يُذبحُ فيهِ لغيرِ اللهِ لجازَ ذلكَ؛ لأنَّهُ ليسَ مِنْ نوعِ العبادةِ التي يفْعَلُها المشركونَ في هذا المكانِ.


وكذا الطاعةُ تُؤَثِّرُ في الأرضِ؛

ولهذا فإنَّ المساجدَ أفضلُ مِن الأسواقِ، والقديمُ منها أفضلُ من الجديدِ.


(7)

الثالثةُ: (ردُّ المسألةِ المُشْكِلَةِ إلى المسألةِ الْبَيِّنَةِ لِيَزُولَ الإشْكَالُ)

فالمَنْعُ مِن الذَّبحِ في هذا المكانِ أمرٌ مُشْكِلٌ، لكنَّ الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بيَّنَ ذلكَ بالاستفصالِ.


(8)

الرابعةُ: (اسْتِفْصَالُ الْمُفْتِي إذا احتاجَ إلى ذلكَ)

لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ اسْتَفْصَلَ، لكنْ هلْ يجبُ الاستفصالُ على كلِّ حالٍ، أوْ إذا وُجِدَ الاحتمالُ؟


الجوابُ:

لا يَجِبُ إلاَّ إذا وُجِدَ الاحتمالُ؛

لأنَّنا لو استفْصَلْنا في كلِّ مسألةٍ لطالَ الأمرُ.


فمثلاً؛

لوْ حصَلَ سُؤَالٌ عنْ مسألةٍ في البيعِ، ثمَّ استفْصَلْنا عن الثمنِ هلْ هوَ معلومٌ، وعن المُثَمَّنِ هلْ هوَ معلومٌ، وهلْ وقعَ البيعُ مُعَلَّقًا أوْ غيرَ مُعَلَّقٍ، لطالَ الأمرُ.


أمَّا إذا وُجِدَ الاحتمالُ فيجبُ الاستفصالُ،

مثلُ: أنْ يَسْأَلَ عنْ رجُلٍ ماتَ عنْ بِنْتٍ، وأخٍ، وعمٍّ شقيقٍ، فيجبُ الاستفصالُ عن الأخِ هلْ هوَ شقيقٌ أوْ لأمٍّ؟

فإنْ كانَ لأُمٍّ سقَطَ، وأخذَ الباقيَ العمُّ، وإلاَّ سقَطَ العمُّ وأخذَ الباقيَ الأخُ.


(9)

الخامسةُ: (أنَّ تخصيصَ البُقْعَةِ بالنَّذْرِ لا بأسَ بهِ إذا خلا من الموانعِ)

لقوْلِهِ: ((أَوْفِ بِنَذْرِكَ)).

وسواءٌ كانتْ هذهِ الموانعُ واقعةً أوْ مُتَوَقَّعَةً.


فالواقعةُ:

أنْ يكونَ فيها وثَنٌ

أوْ عيدٌ مِنْ أعيادِ الجاهليَّةِ.


والمُتَوَقَّعَةُ:

أنْ يُخْشَى مِن الذَّبحِ

في هذا المكانِ تعْظِيمُهُ؛ فإذا خُشِيَ كانَ ممنوعًا، مثلُ: (لوْ أرادَ أنْ يَذْبَحَ عندَ جبلٍ) فالأصلُ أنَّهُ جائزٌ، لكنْ لوْ خُشِيَ أنَّ العوَامَّ يعتقدونَ أنَّ في هذا المكانِ مَزِيَّةً، كانَ ممنوعًا.


(10)

السادسةُ: (المنعُ منهُ إذا كانَ فيهِ وَثنٌ مِنْ أوثانِ الجاهليَّةِ ولوْ بعدَ زوالِهِ)

لقولِهِ: ((هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟)) لأنَّ ((كَانَ)) فِعلٌ ماضٍ، والمحظورُ بعدَ زوالِ الوثنِ باقٍ؛ لأنَّهُ رُبَّمَا يُعادُ.


(11)

السابعةُ: (المنعُ منهُ إذا كانَ فيهَا عيدٌ مِنْ أعيادِهم ولوْ بعدَ زوالِهِ)

لقولِهِ: ((فَهَلْ كَانَ فِيها عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟)).


(12)

الثامنةُ: (أنَّهُ لا يجوزُ الوفاءُ بما نذَرَ في تلكَ البقعةِ؛ لأنَّهُ نذْرُ معصيَةٍ)

لقولِهِ: ((فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ في مَعْصِيَةِ اللهِ)).


(13)

التاسعةُ: (الحذَرُ مِنْ مشابهةِ المشركينَ في أعيادِهم ولوْ لَمْ يقْصِدْهُ)

وقدْ نصَّ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ على أنَّ حصولَ التَّشَبُّهِ لا يُشترطُ فيهِ القصدُ، فإنَّهُ يُمنعُ منهُ ولوْ لمْ يقْصِدْهُ، لكنْ معَ القصدِ يكونُ أشدَّ إثمًا؛ ولهذا قالَ شيخُ الإسلامِ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ: (ولوْ لمْ يقْصِدْهُ).


(14)

العاشرةُ: (لا نَذْرَ في معصيَةِ اللهِ)

هكذا قالَ المؤلِّفُ، ولفظُ الحديثِ المذكورِ: ((لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ)) وبيْنَهُما فرقٌ، فإذا كانت العبارةُ (لا نَذْرَ في معصيَةٍ) فالمعنى أنَّ النذْرَ لا ينْعَقِدُ، وإذا كانَ (لاَ وَفَاءَ) فالمعنى أنَّ النذرَ يَنْعَقِدُ لكنْ لا يُوَفَّى، وقدْ وردَت السُّنَّةُ بهذا وبهذا.

لكن (لا نَذْرَ) يُحْمَلُ على أنَّ المرادَ لا وفاءَ لنذرٍ؛ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الحديثِ الصحيحِ: ((وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللهَ فَلاَ يَعْصِهِ)).


(15)

الحاديَةَ عَشْرَةَ: (لا نذْرَ لابنِ آدمَ فيما لا يمْلِكُ)

يُقَالُ فيهِ ما قيلَ في (لا نَذْرَ في معصيَةٍ).

والمعنى: لا وفاءَ لنذرٍ فيما لا يملِكُ ابنُ آدمَ، ويشملُ ما لا يمْلِكُهُ شَرعًا، وما لا يَملِكُهُ قدَرًا.

هيئة الإشراف

#6

26 Oct 2008

شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ 

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله


(لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله)

وقوله هنا: (لا يذبح لله) هذا على جهة النفي المشتمل على النهي؛ لأن من أساليب اللغة العربية أنه يُترك صراحة النهي إلى صريح النفي؛ ليدل بدلالة أبلغ على أن النفي والنهي جميعاً مقصودان، فكأنه لا يصح أن يقع أصلاً، ولهذا أتى بصيغة النفي: (باب لا يذبح لله).


وقال بعض أهل العلم:

(يحتمل أن تكون على وجه النهي: (باب لا يذبحْ لله بمكان يذبح فيه لغير الله).

وقوله: (لله) (لا يذبح لله) يعني: أن تكون النسيكة، أو أن تكون الذبيحة مراداً بها وجه الله جلّ وعلا.

(بمكان يذبح فيه لغير الله)

قال الإمام: (بمكان) والباء هنا: لها معنىً زائد على كلمة (في) وهذا المعنى الزائد: أنها أفهمت معنى الظرفية ومعنى المجاورة جميعاً؛ لأن الباء تكون للمجاورة أيضاً؛ كما تقول: (مررتُ بزيد) يعني: بمكان قريب من مكان

زيد، أو بمكان مجاور لمكان زيد.

والظرفية بـ (في) تفيد أنه في نفس المكان، واستعمال حرف الباء: يفيد أنه مجاور لذلك المكان، وهذان المعنيان جميعاً مقصودان، وهو أنه لا يذبح لله بمجاورة المكان الذي يذبح فيه لغير الله، ولا في نفس المكان الذي يذبح فيه لغير الله؛ لأن الجميع فيها اشتراك مع الذين يذبحون لغير الله جل وعلا.

قال هنا: (باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله)

صورة المسألة:

أن مكاناً ما يذبح فيه لغير الله،

مثلاً:

عند قبر.

أو عند مشهد.

أو عند مكان معظم،

المشركون أو الخرافيون اعتادوا أن يكون هذا المكان مما يتقربون فيه بالذبح لهذا الصنم، أو الوثن، أو القبر، أو البقعة... إلى آخره، فإذا كانوا يتقربون لهذا المكان: للقبر أو نحوه، ويذبحون لصاحب هذا القبر -يعني: من أجله- فإنه لا يحل أن يذبح المسلم الموحد في هذا المكان، ولو كانت ذبيحته مخلصاً فيها لله جل وعلا؛ لأنه يكون قد شابه أولئك المشركين في تعظيم الأمكنة التي يتعبدون فيها بأنواع العبادات، ويصرفونها لغير الله جل وعلا؛ فالذبح لله وحده دون ما سواه، بإخلاص، في المكان الذي يُتقرب فيه لغير الله: لا يحل ولا يجوز، بل هو من وسائل الشرك، ومما يغري بتعظيم ذلك المكان.


وحُكْمُه:

أنه محرَّم ووسيلة من وسائل الشرك.


(وقول الله تعالى: {لا تقم فيه أبداً}) هذا النهي عن القيام في مسجد الضرار الذي بناه المنافقون: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه}.

مسجد الضرار: أقيم إرصاداً ومحادّةً لله ورسوله، وتفريقاً بين المؤمنين؛

فهو مكان أقيم على الخيانة، وعلى مضادة الإسلام وأهله؛ فلهذا لما كانت هذه هي غاية من أقامه، فإن مشاركتهم فيه بالصلاة لا تجوز؛ لأنه إقرار لهم، أو تكثير لسوادهم، وإغراء للناس بالصلاة فيه، فنهى الله -جل وعلا- نبيه صلى الله عليه وسلم، ونهى المؤمنين عن أن يصلوا في مسجد الضرار.


مناسبة الآية للباب

ظاهرة، وهي: أن الله -جل وعلا- نهى عن أن يصلي النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجد الضرار، ومعلوم أن صلاته عليه الصلاة والسلام، وصلاة المؤمنين معه، هي خالصة لله -جل وعلا- دون من سواه، ونهوا مع أنهم مخلصون ليس عندهم نية الإضرار، ولا التفريق، ولا الإرصاد؛ لكن نهوا لأجل هذه المشاركة والمشابهة التي تغري بإتيان ذلك المكان.

وهذه هي الصورة الموجودة فيمن ذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله، فإنه وإن كان مخلصاً لكن دعا إلى تعظيم ذلك المكان بفعله.

هنا إشكال، أو إيراد:

وهو: أنه جاء الإذن عن الصحابة بالصلاة في الكنيسة، وقد صلى عمر - رضي الله عنه - في كنيسة بيت المقدس، والصحابة -رضوان الله عليهم- منهم من صلى في بعض كنائس البلاد، فصلاتهم في الكنائس لله -جل وعلا- أليست مشابهة للصلاة في مسجد الضرار، أو للذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله؟‍‍!


الجواب:

أن هذا الإيراد ليس بوجيه؛

ذلك أن النهي عن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسجد الضرار، وعن الذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله، هذا لأجل أن صورة العبادة واحدة، فصورة الذبح من الموحِّد ومن المشرك واحدة، وهي إمرار السكّين آلة الذبح على الموضع، وإزهاق الدم في ذلك المكان؛ وهذا يحصل من الموحِّد ومن المشرك غير الموحِّد، الصورة واحدة، ولهذا لا يُميز بين هذا وهذا.


كذلك: صلاة النبي صلى الله عليه وسلم،

لو صلى والصحابة في مسجد الضرار، صلاتهم مشابهة من حيث الصورة لصلاة المنافقين، فرجع الاختلاف إلى اختلاف ما في القلب، والنيات ومقاصد القلوب لا تُشرح للناس؛ لهذا تقع المفسدة ولا تحصل المصلحة.


وأما الصلاة في الكنيسة:

فإن صورة الفعل مختلفة؛ لأن صلاة النصارى ليست على هيئة وصورة صلاة المسلمين، فيعلم من رأى المسلم يصلي، أنه لا يصلي صلاة النصارى، وليس فيه إغراء بصلاة النصارى ومشاركتهم فيها، فهذا الفرق بين المسألتين.

قال: (وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((هل كان فيها وثنٌ من أوثان الجاهلية يعبد؟))


قالوا: لا.

قال:((فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟))

قالوا: لا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أوفِ بنذرك فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم)) رواهأبو داود، وإسناده على شرطهما، هذا الحديث فيه أن رجلاً نذر أن ينحر إبلاً ببُوانة، و(بُوانة) اسم موضع، نذر أن ينحر في هذا الموضع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- استفصله؛ لأن المقام يقتضي الاستفصال، يتبادر إلى الذهن لم خصّ هذا الرجل بوانة بأن ينحر فيها الإبل؟ لِمَ؟

قد يكون

لأن فيها عيداً من أعيادهم.

أو لأن فيها وثناً من أوثان الجاهلية يعبد.


- أو كان في ذلك الموضع؛ لأن التخصيص في الغالب يكون لغرض العبادة؛ لهذا استفصله النبي -عليه الصلاة والسلام - فقال: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟))

((قالوا: لا)) هذا السؤال يدل على أنه لو وُجِدَ هذا الوصف، وهو أنه كان ثَمَّ وثن من أوثان الجاهلية يعبد، لم يجز النحر في ذلك الموضع، وهو المراد من إيراد هذا الحديث في الباب ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟))

((قالوا: لا)).

نستفيد من ذلك:

أنه لو كان فيها وثن؛ لمنع ذلك الرجل من النحر، وهو دلالة الترجمة.

قال: ((فهل كان فيها عيدمن أعيادهم؟))

العيد: هو:

المكان، أو الزمان الذي يعود أو يُعاد إليه.

فالعيد قد يكون مكانياً؛

لأنه اسم للمكان الذي يُعتاد المجيء إليه، ويرجع إليه في وقت معتاد؛ ولهذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: في المكان: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) يعني هذا المكان لا تجعلوه مكاناً تعتادون المجيء إليه.


وكذلك:

الأزمنة تكون أعياداً؛ لأنها تعود في وقت معين، فقوله: ((هل كان فيها عيدٌ من أعيادهم؟)) يعني: عيداً مكانياً؛ لأنه قال: ((هل كان فيها عيد من أعيادهم))ويحتمل أيضاً أن يكون عيداً زمانياً.

وأعياد المشركين من جهة الأمكنة، أو الأزمنة: معلومٌ أنها راجعة إلى أديانهم، ودينهم شركي، فإذاً: يكون المعنى: أنهم يتعبدون في تلك الأعياد بعباداتهم الشركية، مما يُفعل في أعياد المشركين وأعظم ما يفعل: التقرب بالذبح، وإراقة الدماء، فدل على أن مشاركة المشركين في مكان يتقربون فيه لغير الله بصورةٍ مشابهةٍ لفعلهم ظاهراً، أن هذا لا يجوز؛ لأنه مشاركة لهم في الفعل الظاهر، ولو كان مخلصاً لا يذبح إلا لله، أو لا يصلي إلا لله جل وعلا.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أوفِ بنذرك فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله)).

قال العلماء:

قوله هنا: ((فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله))ترتيب ما بعد الفاء على ما قبلها بالفاء، يدل على أن سبب الإذن بالوفاء بالنذر، أن ما قبله ليس بمعصية؛ والاستفصال يدل على أن الذبح لله في مكان فيه وثنٌ يعبد، أو في عيد من أعياد المشركين، يدل ذلك على أنه معصية لله جل وعلا، وبهذا يستقيم ما أراده الشيخ - رحمه الله - من الاستدلال والاستشهاد بهذا الحديث تحت ذلك الباب.

هيئة الإشراف

#7

26 Oct 2008

العناصر


مناسبة باب (لا يذبح لله بمكان...) لما قبله

شرح ترجمة الباب(باب لا يذبح لله في مكان يذبح لغير الله)

- صورة توضيحية لترجمة الباب

- بيان الحكمة من نهي الشارع عن مشابهة الكفار

- الحكمة من النهي عن الذبح بمكان يذبح فيه لغير الله

تفسير قوله تعالى: (لا تقم فيه أبداً) الآية

- مناسبة الآية للترجمة

- أغراض المنافقين من اتخاذ مسجد الضرار

- سبب نهي الله نبيه عن القيام في مسجد الضرار للصلاة

- الخلاف في المراد بالمسجد في قوله -تعالى-: (لمسجد أسس على التقوى)

- الجمع بين القولين

- أحاديث في فضل مسجد قباء

- هل أفعل التفضيل في قوله: (أحق أن تقوم فيه) على بابها أو لا؟

- معنى قوله تعالى: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا)

- سبب ثناء الله على أهل قباء في تطهرهم، وما نوع الطهارة في قوله: (يتطهروا)

- معنى قوله -تعالى-: (والله يحب المطهرين)

شرح حديث ثابت بن الضحاك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ

- مناسبة حديث ثابت للباب والشاهد منه

- روايات حديث ثابت بن الضحاك

- ترجمة ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه-

- تعريف (النذر) لغة وشرعاً

- تسمية الرجل المبهم في قوله: (نذر رجل)

- الجمع بين رواية ثابت وفيها (إبلاً)، ورواية ميمونة وفيها (شاة)

- موقع (بوانة)

- حكم تخصيص بقعة بالنذر

- المراد بالجاهلية، ونوع الوصف في قوله: (وثن يعبد..)

- الفرق بين الوثن والصنم، وما يستفاد من قوله: (هل كان فيها وثن؟)

- معنى العيد، والمراد به في قوله: (فهل كان فيها عيد)، وذكر إطلاقات العيد

- فائدة مهمة في أنواع الأعياد

- ما يستفاد من قوله: (فهل كان فيها عيد من أعيادهم)

- معنى الأمر في قوله: (أوفِ بنذرك)

- أقسام النذر من حيث الوفاء به

- حكم الوفاء بنذر المعصية

- هل ينعقد نذر المعصية، وهل تجب به كفارة يمين

- شرح قوله: (ولا فيما لا يملك ابن آدم)

- ترجمة أبي داود -رحمه الله-

- المراد بقول المصنف: (على شرطهما)

الجمع بين حديث الباب وفتوى الصحابة بجواز الصلاة في الكنيسة

شرح مسائل الباب

- الطاعة والمعصية تؤثِّران في الأرض

- هل يجب على المفتي الاستفصال على كل حال أو إذا وجد الاحتمال؟

هل يشترط في حصول التشبه القصد؟