الدروس
course cover
باب الخوف من الشرك
26 Oct 2008
26 Oct 2008

6805

0

0

course cover
كتاب التوحيد

القسم الثاني

باب الخوف من الشرك
26 Oct 2008
26 Oct 2008

26 Oct 2008

6805

0

0


0

0

0

0

0

باب الخوف من الشرك

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (بَابُ الْخَوْفِ مِنَ الشِّرْكِ

وَقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:

{إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِـرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النِّسَاء:48].
وَقَالَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إِبْرَاهِيم:35].
وَفِي الحَدِيثِ: ((أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ))، فَسُئِلَ عَنْهُ؟ فَقَالَ: ((الرِّيَاءُ)).
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ)) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ لَقِيَ اللهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ)).


فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: الْخَوْفُ مِنَ الشِّرْكِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ الرِّيَاءَ مِنَ الشِّرْكِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ مِنَ الشِّرْكِ الأَصْغَرِ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ أَخْوَفُ مَا يُخَافُ مِنْهُ عَلَى الصَّالِحِينَ.
الْخَامِسَةُ: قُرْبُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ.
السَّادِسَةُ: الْجَمْعُ بَيْنَ قُرْبِهِمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ.
السَّابِعَةُ: أَنَّهُ مَنْ لَقِيَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، ومَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ.
الثَّامِنَةُ: الْمَسْأَلَةُ الْعَظِيمَةُ سُؤَالُ الْخَلِيلِ لَهُ وَلِبَنِيهِ وِقَايَةَ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ.
التَّاسِعَةُ: اعْتِبَارُهُ بِحَالِ الأَكْثَرِ لِقَوْلِهِ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}.
الْعَاشِرَةُ: فِيهِ تَفْسِيرُ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: فَضِيلَةُ مَنْ سَلِمَ مِنَ الشِّرْكِ.

هيئة الإشراف

#2

26 Oct 2008

تيسير العزيز الحميد للشيخ: سليمان بن عبدالله آل الشيخ

قال الشيخ سليمان بن عبدالله آل الشيخ (ت: 1233هـ): ( (1) لَمَّا كانَ الشِّرْكُ أَعْظَمَ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بهِ؛ ولِهَذَا رَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ عُقُوباتِ الدُّنيَا والآخِرَةِ ما لَمْ يُرَتِّبْهُ عَلَى ذَنْبٍ سِوَاهُ؛ مِنْ إِبَاحَةِ دِمَاءِ أَهْلِهِ وأَمْوَالِهِم، وسَبْيِ نِسَائِهِم وأَوْلاَدِهِم، وعَدَمِ مَغْفِرَتِهِ مِنْ بَيْنِ الذُّنوبِ إِلاَّ بالتَّوبةِ منهُ، نَبَّهَ المُصَنِّفُ بهذهِ التَّرجمةِ عَلَى أنَّهُ يَنْبَغِي للمُؤْمِنِ أنْ يَخَافَ منهُ ويَحْذَرَهُ، ويَعْرِفَ أَسْبَابَهُ ومَبَادِئَهُ وأَنْوَاعَهُ؛ لِئَلاَّ يَقَعَ فيهِ.
-ولِهَذَا قالَ حُذَيْفَةُ: (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الخَيْرِ، وكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَن الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ أَقَعَ فيهِ) رواهُ البُخَارِيُّ.
وذلكَ أنَّ مَنْ لمْ يَعْرِفْ إِلاَّ الخَيْرَ قَدْ يَأْتِيهِ الشَّرُّ وَلاَ يَعْرِفُ أنَّهُ شَرٌّ؛ فَإِمَّا أَنْ يَقَعَ فيهِ، وإمَّا أَنْ لاَ يُنْكِرَهُ كمَا يُنْكِرُهُ الَّذي عَرَفَهُ؛ ولِهَذَا قالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (إنَّما تُنْقَضُ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوةً، إِذَا نَشَأَ في الإِسْلاَمِ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الجَاهِلِيَّةَ).
-قالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ: (وهوَ كَمَا قَالَ عُمَرُ؛ فَإِنَّ كَمَالَ الإِسْلاَمِ هوَ الأَمْرُ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عن المُنْكَرِ، وتَمَامُ ذَلِكَ بالجِهَادِ في سَبِيلِ اللهِ، ومَنْ نَشَأَ في المَعْرُوفِ فَلَمْ يَعْرِفْ غَيْرَهُ، فَقَدْ لاَ يَكُونُ عِنْدَهُ مِن العِلْمِ بالمُنْكرِ وضَرَرِهِ ما عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِهِ بالمَعْرُوفِ، ولاَ يَكُونُ عندَهُ مِن الجهادِ لأهْلِهِ مَا عندَ الخَبِيرِ بِهِم؛ وَلِهَذَا يُوجَدُ الخَبِيرُ بالشَّرِّ وأَسْبَابِهِ إِذَا كَانَ حَسَنَ القَصْدِ عندَهُ مِن الاحْتِرَازِ عنهُ والجِهَادِ لَهُم مَا لَيْسَ عندَ غَيْرِهِ).
ولِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ أَعْظَمَ إِيمانًا وجهادًا مِمَّنْ بعدَهُم؛ لكمَالِ مَعْرِفَتِهِم بالخَيْرِ والشَّرِّ، وكمَالِ مَحَبَّتِهِم للخَيْرِ وبُغْضِهِم للشَّرِّ؛ لِمَا عَلِمُوهُ مِنْ حُسْنِ حَالِ الإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ، وقُبْحِ حَالِ الكُفْرِ والمَعَاصِي.

(2) قَالَ ابنُ كَثِيرٍ: (أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بهِ؛ أيْ: لاَ يَغْفِرُ لعَبْدٍ لَقِيَهُ وهوَ مُشْرِكٌ بِهِ، ويَغْفِرُ ما دونَ ذلكَ؛ أيْ: مِن الذُّنوبِ، لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ).
قُلْتُ: فَتَبيَّنَ بِهَذَا أنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ الذُّنوبِ؛ لأَِنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ؛ أيْ: إِلاَّ بالتَّوْبةِ منهُ، وما عَدَاهُ فهوَ دَاخِلٌ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللهِ إنْ شَاءَ غَفَرَهُ بلا توبةٍ، وإنْ شاءَ عَذَّبَ بهِ، وهذا يُوجِبُ للعبدِ شدَّةَ الخوفِ مِنْ هذا الذَّنبِ الَّذي هذا شَأْنُهُ عندَ اللهِ، وإنَّما كانَ كذلِكَ لأنَّهُ أَقْبَحُ القُبْحِ وأظْلَمُ الظُّلْمِ؛ إذْ مَضْمُونُهُ تَنْقِيصُ رَبِّ العَالَمِينَ، وصَرْفُ خَالِصِ حَقِّهِ لغَيْرِهِ، وعَدْلُ غيرِهِ بهِ، كمَا قالَ تَعَالَى: {ثُمَّ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام:1]؛ ولأنَّهُ مُنَاقِضٌ للمَقْصُودِ بالخَلْقِ والأَمْرِ، مُنَافٍ لهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وذَلِكَ غَايَةُ المُعَانَدَةِ لرَبِّ العَالَمِينَ، والاسْتِكْبَارِ عنْ طَاعَتِهِ والذُّلِّ لهُ، والانْقِيادِ لأَِوَامِرِهِ الَّذي لا صَلاَحَ للعَالَمِ إِلاَّ بذلكَ، فمتى خَلاَ منهُ خَرِبَ وقَامت القيامةُ، كمَا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهُ اللهُ)) رَوَاه مُسْلِمٌ.
وَلأَِنَّ الشِّرْكَ تَشْبِيهٌ للمَخْلُوقِ بالخَالِقِ -تَعَالَى وتَقَدَّسَ- في خَصَائِصِهِ الإِلَهيَّةِ مِنْ مِلْكِ الضُّرِّ والنَّفْعِ، والعَطَاءِ والمَنْعِ؛ الَّذي يُوجِبُ تَعَلُّقَ الدُّعاءِ، والخَوْفِ، والرَّجاءِ، والتَّوكُّلِ وأنواعِ العِبَادَةِ كلِّهَا باللهِ وحدَهُ.
فَمَنْ عَلَّقَ ذلكَ لمَخْلُوقٍ فَقَدْ شَبَّهَهُ بالخَالِقِ،وَجَعَلَ مَنْ لاَ يَمْلِكُ لنفسِهِ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا، وَلاَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً ولا نُشُورًا، فَضْلاً عنْ غيرِهِ، شَبِيهًا بِمَنْ لَهُ الخَلْقُ كلُّهُ، ولهُ المُلْكُ كلُّهُ، وبيدِهِ الخيرُ كلُّهُ، وإليهِ يُرجَعُ الأمرُ كلُّهُ، فأَزِمَّةُ الأُمُورِ كلِّهَا بيَدَيْهِ سبحانَهُ ومَرْجِعُهَا إليهِ، فمَا شاءَ كانَ، وما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، الَّذي إذا فَتَحَ للنَّاسِ رَحْمَةً فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا، وما يُمْسِكُ فَلاَ مُرْسِلَ لهُ مِنْ بَعْدِهِ، وهوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ.

فَأَقْبَحُ التَّشْبِيهِ، تَشْبِيهُ العاجِزِ الفَقِيرِ بالذَّاتِ، بالقَادِرِ الغَنِيِّ بالذَّاتِ.

ومِنْ خَصَائِصِ الإِلَهِيَّةِ، الكَمَالُ المُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ، الَّذي لاَ نَقْصَ فيهِ بوجهٍ من الوُجُوهِ، وذلكَ يُوجِبُ:

-أنْ تَكُونَ العِبَادَةُ كلُّهَا لهُ وحدَهُ.

-والتَّعظيمُ والإجلالُ، والخَشْيَةُ، والدُّعاءُ، والرَّجاءُ والإِنَابَةُ، والتَّوَكُّلُ، والتَّوْبَةُ، والاسْتِغَاثَةُ، وغَايَةُ الحُبِّ معَ غايَةِ الذُّلِّ، كلُّ ذلكَ يَجِبُ عَقْلاً، وشَرْعًا، وفِطْرَةً أن يَكُونَ للهِ وحدَهُ.

ويَمْتَنِعُ عَقْلاً، وشَرْعًا، وفِطْرَةً أنْ يَكُونَ لغَيْرِهِ، فمَنْ فَعَلَ شيئًا مِنْ ذلكَ لِغَيْرِهِ فقدْ شَبَّهَ ذلكَ الغَيْرَ بِمَنْ لاَ شَبِيهَ لهُ، وَلاَ مِثْلَ لهُ، وَلاَ نِدَّ لهُ، وذلكَ أَقْبَحُ التَّشْبِيهِ وأَبْطَلُهُ.

فَلِهَذِهِ الأُمُورِ وغَيْرِهَا أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أنَّهُ لا يَغْفِرُهُ مَعَ أنَّهُ كَتَبَ عَلَى نفسِهِ الرَّحمةَ، هذا مَعْنَى كَلاَمِ ابنِ القيِّمِ.

وفي الآيَةِ ردٌّ عَلَى الخَوَارجِ المُكَفِّرِينَ بالذُّنُوبِ، وعَلَى المُعْتَزِلَةِ القَائِلِينَ بأنَّ أَصْحَابَ الكَبَائِرِ يَدْخُلُونَ النَّارَ وَلاَ بُدَّ، ولا يَخْرُجُونَ منها، وَهُمْ أَصْحَابُ المَنْزِلَةِ بَيْنَ المَنْزِلَتَيْنِ.

ووجْهُ ذلكَ: أنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ مَغْفِرَةَ ما دونَ الشِّركِ مُعَلَّقَةً بالمَشِيئَةِ، ولا يَجُوزُ أن يُحْمَلَ هَذَا عَلَى التَّأكِيدِ؛ فإنَّ التَّائِبَ لا فرْقَ في حَقِّهِ بينَ الشِّركِ وغيرِهِ، كمَا قالَ تَعَالَى في الآيَةِ الأُخْرَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزمر:53].

(فهنا عَمَّمَ وأَطْلَقَ؛ لأََنَّ المُرَادَ بِهِ التَّائِبُ، وهناكَ خَصَّ وعَلَّقَ؛ لأَِنَّ المُرَادَ بِهِ مَا لَمْ يَتُبْ) قالَهُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ.


(3)الصَّنَمُ: مَا كَانَ مَنْحُوتًا عَلَى صُورَةِ البَشَرِ.
والوَثَنُ: مَا كَانَ مَنْحُوتًا عَلَى غَيْرِ ذلِكَ، ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ عنْ مُجَاهِدٍ.
والظَّاهِرُ أَنَّ الصَّنَمَ مَا كَانَ مُصَوَّرًا عَلَى أيَّةِ صُورَةٍ، والوَثَنُ بِخِلاَفِهِ كالحَجَرِ والبِنْيَةِ، وإِنْ كَانَ الوَثَنُ قدْ يُطْلَقُ عَلَى الصَّنَمِ.
ذَكَرَ مَعْنَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، ويُرْوَى عنْ بَعْضِ السَّلَفِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وقولُهُ: {واجْنُبْنِي} أي: اجْعَلْنِي وبَنِيَّ في جَانِبٍ عنْ عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وبَاعِدْ بَيْنِي وبَيْنَها.
قِيلَ: وأَرَادَ بذلكَ بَنِيهِ وبَنَاتِهِ مِنْ صُلْبِهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ البناتِ لدُخُولِهِم تَبَعًا في البَنِينَ.
وَقَد اسْتَجَابَ اللهُ دُعَاءَهُ وَجَعَلَ بَنِيهِ أَنْبِيَاءَ، وَجَنَّبَهُم عِبَادَةَ الأَصْنَامِ، وإنَّما دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بذلِكَ؛ لأَِنَّ كَثِيرًا مِن النَّاسِ افْتَتَنُوا بهَا، كَمَا قَالَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}[إبراهيم:36]، فَخَافَ مِنْ ذَلِكَ ودَعَا اللهَ أَنْ يُعَافِيَهُ وبَنِيهِ مِنْ عِبَادَتِها.
فَإِذَا كَانَ إِبْراهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُجَنِّبَهُ ويُجَنِّبَ بَنِيهِ عِبَادَةَ الأَصْنَامِ، فَمَا ظَنُّكَ بِغَيْرِهِ؟
كمَا قالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: (وَمَنْ يَأْمَنُ مِن البَلاَءِ بعدَ إِبْرَاهِيمَ؟!) رَوَاهُ ابنُ جَرِيرٍ، وابنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وهَذَا يُوجِبُ للقَلْبِ الحَيِّ أَنْ يَخَافَ مِن الشِّرْكِ، لاَ كَمَا يَقُولُ الجُهَّالُ: إنَّ الشِّرْكَ لاَ يَقَعُ في هذهِ الأُمَّةِ، وَلِهَذَا أَمِنُوا الشِّرْكَ فَوقَعُوا فيهِ، وهذا وجْهُ مُنَاسَبَةِ الآيَةِ للتَّرْجَمَةِ.


(4) هَكَذَا أَوْرَدَ المُصَنِّفُ هَذَا الحَدِيثَ مُخْتَصَرًا غَيْرَ مُعَرَّفٍ.
وَقَدْ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، والطَّبَرَانِيُّ، وابنُ أَبِي الدُّنيا، والبَيْهَقِيُّ في (الزُّهْدِ).
وهذا لفظُ أحمدَ قالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، ثَنَا لَيْثٌ، عنْ يَزِيدَ، يَعْنِي ابنَ الهَادِ، عنْ عمرٍو، عنْ مَحْمُودِ بنِ لَبِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ))، قالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: ((الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعْمَالِهِم: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا؛ فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً)).
-قَالَ المُنْذِريُّ: (ومحمودُ بنُ لبيدٍ رَأَى النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَلَمْ يَصِحَّ لهُ منهُ سَمَاعٌ فيما أَرَى).
وذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ البُخَارِيَّ قَالَ: (لهُ صُحْبَةٌ، قالَ: وقالَ أَبِي: لاَ تُعرَفُ لهُ صُحْبَةٌ).
ورَجَّحَ ابنُ عبدِ الْبَرِّ والحافظُ: ( أنَّ لهُ صُحْبَةً وقالَ: جُلُّ رِوَايتِهِ عن الصَّحَابةِ).
وقدْ رواهُ الطَّبَرَانِيُّ بإسْنَادٍ جَيِّدٍ عنْ محمودِ بنِ لبيدٍ، عنْ رافعِ بنِ خَدِيجٍ.
وقيلَ: إنَّ حديثَ محمودٍ هوَ الصَّوابُ دونَ ذكرِ رافعٍ.
ماتَ محمودٌ سَنَةَ سِتٍّ وتِسْعِينَ. وقيلَ:سَنَةَ سَبْعٍ، ولهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ سَنَةً.
قولُهُ: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُم الشِّرْكَ الأَصْغَرَ) هذا مِنْ رَحْمَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُِمَّتِهِ وشَفَقَتِهِ عليهم، وتَحْذِيرِهِ ممَّا يَخَافُ عليهِمْ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ خَيْرٍ إِلاَّ دَلَّهم عليهِ وَأَمَرَ بهِ، ومَا مِنْ شَرٍّ إِلاَّ وَأَخْبَرَهُم بهِ وحذَّرَهُم منهُ، كمَا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما صَحَّ عنهُ: ((مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ شَرِّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ)).
ولَمَّا كانَت النُّفوسُ مَجْبُولةً عَلَى مَحَبَّةِ الرِّيَاسَةِ، والمَنْزِلَةِ في قُلُوبِ الخَلْقِ؛ إِلاَّ مَنْ سَلَّمَ اللهُ، كانَ هذا أَخْوَفَ ما يُخَافُ عَلَى الصَّالِحِينَ؛ لقوَّةِ الدَّاعِي إلى ذلكَ، والمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ.
وهذا بخِلاَفِ الدَّاعي إلى الشِّرْكِ الأَكْبَرِ؛ فَإِنَّهُ إمَّا مَعْدُومٌ في قُلُوبِ المُؤْمِنينَ الكَامِلِينَ؛ ولهذا يَكُونُ الإِلْقاءُ في النَّارِ أَسْهَلَ عندَهُم مِن الكُفْرِ، وإمَّا ضَعِيفٌ، هذا معَ العَافِيَةِ.
وأَمَّا مَعَ البَلاَءِ، فَيُثَبِّتُ اللهُ الَّذينَ آمَنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ في الحَيَاةِ الدُّنيَا وفي الآخرةِ، ويُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللهُ ما يَشَاءُ.
فلذلكَ صَارَ خَوْفُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ مِن الرِّياءِ أَشَدَّ لِقُوَّةِ الدَّاعِي وكَثْرَتِهِ، دونَ الشِّرْكِ الأَكْبَرِ لِمَا تَقَدَّمَ، مَعَ أنَّهُ أَخْبَرَ أنَّهُ لا بُدَّ مِنْ وُقُوعِ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ في أُمَّتِهِ، فَدَلَّ عَلَى أنَّهُ يَنْبَغِي للإنسانِ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الشِّرْكَ الأَكْبَرَ إِذَا كَانَ الأَصْغَرُ مَخُوفًا عَلَى الصَّالِحِينَ مِن الصَّحابَةِ معَ كمَالِ إيمانِهِم.
فيَنْبَغِي للإنسانِ أنْ يَخَافَ الأَكْبَرَ؛ لنُقْصَانِ إيمانِهِ ومَعْرِفَتِهِ باللهِ.
فَهَذَا وَجْهُ إِيرَادِ المُصَنِّفِ لهُ هنا مَعَ أنَّ التَّرجمةَ تَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ.
قَالَ المُصَنِّفُ: (وفيهِ: أَنَّ الرِّياءَ مِن الشِّرْكِ، وأنَّهُ مِن الأَصْغَرِ، وأنَّهُ أَخْوَفُ ما يُخَافُ عَلَى الصَّالِحِينَ).
(وفيهِ: قُرْبُ الجَنَّةِ والنَّارِ).
(والجَمْعُ بينَ قُرْبِهِمَا في حديثٍ واحدٍ) عَلَى عَمَلٍ واحِدٍ مُتَقَارِبٌ في الصُّورَةِ.


(5) قالَ ابنُ القيِّمِ: النِّدُّ: (الشِّبْهُ، يُقَالُ: فُلاَنٌ نِدُّ فُلاَنٍ ونَدِيدُهُ؛ أيْ: مِثْلُهُ وشِبْهُهُ) انتهَى.
وهذا كمَا قالَ تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:22]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلَ للهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}[الزمر:8] أيْ: مَنْ مَاتَ وهوَ يَدْعُو للهِ نِدًّا؛ أيْ: يَجْعَلُ للهِ نِدًّا فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى ويَسْتَحِقُّهُ مِن الرُّبُوبِيَّةِ والإِلَهِيَّةِ، دَخَلَ النَّارَ؛ لأَِنَّهُ مُشْرِكٌ.
فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى هوَ المُسْتَحِقُّ للعِبَادَةِ لذَاتِهِ؛ لأَِنَّهُ المَأْلُوهُ المَعْبُودُ الَّذي تُؤَلِّهُهُ القُلُوبُ وتَرْغَبُ إليهِ، وتَفْزَعُ إليهِ عندَ الشَّدائدِ، وما سِوَاهُ فهوَ مُفْتَقِرٌ إليهِ، مَقْهُورٌ بالعُبُوديَّةِ لهُ، تَجْرِي عَلَيْهِ أَقْدَارُهُ وأَحْكَامُهُ طَوْعًا وكَرْهًا، فَكَيْفَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ نِدًّا؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ}[الزُّخْرُف:15] .
- وَقَالَ: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَـنِ عَبْدًا (92) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (93) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}[مريم:92- 94].
- وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر:15].
فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لهُ نَدِيدٌ مِنْ خَلْقِهِ،تَعَالَى عنْ ذلكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، {مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (92) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[المؤمنونَ:92،93].
واعْلَمْ أنَّ دُعَاءَ النِّدِّ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَكْبَرُ وأَصْغَرُ.
فالأَكْبَرُ:لاَ يَغْفِرُهُ اللهُ إِلاَّ بالتَّوْبَةِ منهُ،وهوَ الشِّرْكُ الأَكْبَرُ.
والأَصْغرُ:كَيَسِيرِ الرِّياءِ،وقولِ الرَّجُلِ: (مَا شَاءَ اللهُ وشِئْتَ) ونحوِ ذلكَ.
فَقَدْ ثَبَتَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قالَ لهُ رَجُلٌ: (مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ)، قالَ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وابنُ أَبِي شَيْبَةَ، والبُخَارِيُّ، في (الأَدَبِ المُفْرَدِ)، والنَّسَائِيُّ، وابنُ مَاجَهْ، وقدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ في بابِ فَضْلِ التَّوحيدِ.

(6) جَابِرٌ: هوَ ابنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ حَرَامٍ، بمهملتَيْنِ، الأَنْصَارِيُّ ثُمَّ السَّلَمِيُّ بفَتْحَتَيْنِ، صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مُكْثِرٌ، ابنُ صَحَابِيٍّ، لهُ وَلأَِبِيهِ مَنَاقِبُ مَشْهُورَةٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما.
مَاتَ بالمَدِينَةِ بعدَ السَّبعينَ، وقدْ كُفَّ بَصَرُهُ، ولهُ أَرْبَعٌ وتِسْعُونَ سَنَةً.
قولُهُ: (مَنْ لَقِيَ اللهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) قَالَ القُرْطُبِيُّ: أيْ: (مَنْ لَمْ يَتَّخِذْ مَعَهُ شَرِيكًا في الإِلَهِيَّةِ، وَلاَ في الخَلْقِ، وَلاَ في العِبَادَةِ).
ومِن المَعْلُومِ مِن الشَّرْعِ المُجْمَعِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى ذلِكَ فَلاَ بُدَّ لهُ مِنْ دُخُولِ الجَنَّةِ، وَإِنْ جَرَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْوَاعٌ مِن العَذَابِ والمِحْنَةِ.
وإِنْ مَاتَ عَلَى الشِّرْكِ لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ وَلاَ يَنَالُهُ مِن اللهِ رَحْمَةٌ، ويَخْلُدُ في النَّارِ أَبَدَ الآبادِ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعِ عَذَابٍ، وَلاَ تَصَرُّمِ آمَادٍ، وهذا مَعْلُومٌ ضَرُورِيٌّ مِن الدِّينِ، مُجْمَعٌ عليهِ بينَ المسلمينَ.
-وقالَ النَّوويُّ: (أمَّا دُخُولُ المُشْرِكِ إلى النَّارِ فهوَ عَلَى عُمُومِهِ، فيَدْخُلُهَا ويَخْلُدُ فيها، ولاَ فَرْقَ فيهِ بينَ الكِتَابِيِّ اليَهُودِيِّ والنَّصْرَانيِّ، وبينَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وسَائِرِ الكَفَرَةِ مِن المُرْتَدِّينَ والمُعَطِّلينَ، وَلاَ فَرْقَ عندَ أهلِ الحقِّ بينَ الكافرِ عِنَادًا وغَيْرِهِ، ولا بينَ مَنْ خَالَفَ مِلَّةَ الإسلامِ وبينَ مَن انْتَسَبَ إليها ثُمَّ حُكِمَ بكُفْرِهِ بجَحْدِهِ وغيرِ ذلكَ.
وأمَّا دُخُولُ مَنْ مَاتَ غَيْرَ مُشْرِكٍ الجنَّةَ فهوَ مَقْطُوعٌ لَهُ بهِ، لكنْ إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ كَبِيرَةٍ مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا دَخَلَ الجَنَّةَ أَوَّلاً، وَإِنْ كانَ صَاحِبَ كبيرةٍ ماتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا فهوَ تَحْتَ المَشِيئَةِ، فَإِنْ عَفَا عنهُ دَخَلَ الجَنَّةَ أَوَّلاً، وإِلاَّ عُذِّبَ في النَّارِ ثُمَّ أُخْرِجَ فيَدْخُلُ الجَنَّةَ).
-وقالَ غيرُهُ: (اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الشِّرْكِ لاسْتِدْعَائِهِ التَّوحيدَ بالاقْتِضَاءِ، واسْتِدْعَائِهِ إِثْبَاتَ الرِّسَالَةِ باللُّزُومِ؛ إِذْ مَنْ كَذَّبَ رُسُلَ اللهِ فَقَدْ كذَّبَ اللهَ، ومَنْ كَذَّبَ اللهَ فهوَ مُشْرِكٌ، وهوَ قولُكَ: مَنْ تَوَضَّأَ صَحَّتْ صَلاَتُهُ؛ أيْ: مَعَ سَائِرِ الشُّروطِ).
فالمُرَادُ: مَنْ مَاتَ حَالَ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا بِجَمِيعِ مَا يَجِبُ الإيمانُ بهِ إجمالاً في الإجماليِّ، وتَفْصِيلاً في التَّفْصِيليِّ.
قُلْتُ: قدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ ما يَتَعَلَّقُ بذلكَ في بابِ فَضْلِ التَّوحيدِ.
-قالَ المُصَنِّفُ: (وفيهِ: تَفْسِيرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ كَمَا ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ في (صَحِيحِهِ) ) ، يَعْنِي: أَنَّ مَعْنَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ: تَرْكُ الشِّرْكِ، وإِفْرَادُ اللهِ بالعِبَادَةِ، والبَرَاءَةُ مِمَّنْ عَبَدَ سِوَاهُ، كمَا بيَّنَهُ الحَدِيثُ.
(وفيهِ: فَضِيلَةُ مَنْ سَلِمَ مِن الشِّرْكِ).

هيئة الإشراف

#3

26 Oct 2008

فتح المجيد للشيخ: عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ

قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت: 1285هـ): ( (1) قال المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (بابُ الخوفِ مِن الشِّرْكِ، وقولِ اللهِ تعالَى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ})[النساء:48].
- قالَ ابنُ كثيرٍ: (أخبَرَ تعالَى أَنَّهُ {لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} أيْ: لا يَغْفِرُ لِعَبْدٍ لَقِيَهُ وهوَ مُشْرِكٌ، {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} أيْ: من الذنوبِ لمَنْ يَشَاءُ منْ عبادِهِ) انتَهَى.
فتَبيَّنَ بهذهِ الآيَةِ أنَّ الشِّرْكَ أعْظَمُ الذنوبِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أخبَرَ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ مِنهُ، وما دُونَهُ مِن الذنوبِ فهوَ داخِلٌ تحتَ المشيئةِ إنْ شاءَ غَفَرَهُ لمَنْ لَقِيَهُ بِهِ، وإنْ شاءَ عذَّبَهُ.
وذلكَ يُوجِبُ للعَبْدِ شِدَّةَ الخوفِ مِن الشِّرْكِ الذي هذا شأنُهُ عندَ اللهِ:
-لأَنَّهُ أقْبَحُ القَبِيحِ وأظْلَمُ الظُّلْمِ، وَتَنَقُّصٌ لربِّ العالمينَ، وَصَرْفُ خَالِصِ حَقِّهِ لغيرِهِ؛ وَعَدْلُ غيرِهِ بِهِ، كما قالَ تعالى: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}[الأنعام:1].
-ولأَنَّهُ مناقِضٌ للمقصودِ بالْخَلْقِ والأَمْرِ، مُنَافٍ لهُ مِن كلِّ وَجْهٍ، وذلكَ غايَةُ المعانَدَةِ لربِّ العالمينَ، والاسْتِكْبَارِ عنْ طاعَتِهِ والذُّلِّ لهُ والانْقِيادِ لأَوَامِرِهِ الذي لا صلاحَ للعَالَمِ إلاَّ بذلكَ، فمَتَى خلا مِنهُ خَرِبَ وقَامَت القِيامَةُ، كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهُ اللهُ)) رواهُ مسلِمٌ.
-ولأنَّ الشركَ تَشْبيهٌ للمخلوقِ بالخالِقِ -تعالَى وَتَقَدَّسَ- في خصائِصِ الإِلَهِيَّةِ؛ مِنْ مِلْكِ الضَّرِّ والنَّفْعِ، والعطاءِ والمنْعِ، الذي يُوجِبُ تَعَلُّقَ الدعاءِ والخوفِ والرجاءِ والتوكُّلِ وأنواعِ العبادَةِ كلِّهَا باللهِ تعالَى وحدَهُ.
فمَنْ علَّقَ ذلكَ بمخلُوقٍ فقَد شَبَّهَهُ بالخالِقِ، وجَعَلَ مَنْ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضُرًّا ولا نَفْعًا ولا مَوْتًا ولا حياةً ولا نُشُورًا، شبيهًا بِمَنْ لهُ الحمدُ كلُّهُ، ولهُ الخلْقُ كلُّهُ، ولَهُ المُلْكُ كلُّهُ، وبِيَدِهِ الخيرُ كُلُّهُ، وإليهِ يَرْجِعُ الأمرُ كلُّهُ؛ فَأَزِمَّةُ الأمورِ كلِّها بيَدِهِ سبحانَهُ ومَرْجِعُها إليهِ، فما شاءَ كانَ وما لمْ يَشَأْ لمْ يَكُنْ، لا مانِعَ لما أَعْطَى وَلاَ مُعْطيَ لما منَعَ، الذي إذا فَتَحَ للناسِ رحْمَةً فلا مُمْسِكَ لها، ومَا يُمْسِكْ فلا مُرْسِلَ لهُ مِنْ بَعْدِهِ، وهوَ العزيزُ الحكيمُ.
فأَقْبَحُ التشبيهِ تشبيهُ العاجِزِ الفقيرِ بالذَّاتِ بالقادِرِ الغَنِيِّ بالذاتِ.

ومِنْ خصائِصِ الإلَهِيَّةِ:
- الكمالُ المُطْلَقُ منْ جميعِ الوجوهِ، الذي لا نَقْصَ فيهِ بوجْهٍ من الوجوهِ، وذلكَ يُوجِبُ أنْ تَكونَ العِبادةُ كلُّها لَهُ وحْدَهُ، والتعظيمُ والإِجْلالُ، والخَشْيَةُ والدعاءُ، والرجاءُ والإنابةُ، والتوكُّلُ، والتوبةُ، والاسْتِعَانَةُ، وغايَةُ الحبِّ معَ غايَةِ الذُّلِّ؛ كلُّ ذلكَ يَجِبُ عَقْلاً وشَرْعًا وفِطْرَةً أنْ يكونَ للهِ وحْدَهُ، ويَمْتَنِعُ عَقْلاً وَشَرْعًا وفِطْرَةً أنْ يكونَ لِغَيْرِهِ.
فمَنْ فَعَلَ شيئًا مِنْ ذلكَ لِغَيْرِهِ فقدْ شَبَّهَ ذلكَ الغيرَ بمَنْ لا شَبِيهَ لَهُ ولاَ مِثلَ لهُ، ولا نِدَّ لهُ، وذلكَ أقبحُ التشْبِيهِ وأبْطَلُهُ.
فلهذِهِ الأمورِ وغيرِها أخبَرَ سبحانَهُ وتعالى أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ، معَ أَنَّهُ كتَبَ على نفْسِهِ الرَّحْمَةَ، هذا معنى كلامِ ابنِ القَيِّمِ رحِمَهُ اللهُ تعالَى.
وفي الآيَةِ ردٌّ على الخوارِجِ المُكَفِّرينَ بالذُّنُوبِ،وعلى المعتَزِلَةِ القائِلِينَ بأنَّ أصحابَ الكبَائِرِ يُخَلَّدونَ في النَّارِ، ولَيْسُوا عندَهم بمؤْمِنينَ ولا كُفَّارٍ.
ولا يجوزُ أن يُحْمَلَ قولُهُ: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} على التائبِ؛ فإنَّ التائِبَ مِن الشِّرْكِ مُغْفُورٌ لَهُ كَمَا قالَ تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}[الزُّمَر:53].
فهنا عمَّ وأَطْلَقَ؛ لأنَّ المرادَ بِهِ التائِبُ، وهناكَ خَصَّ وعَلَّقَ؛ لأنَّ المرادَ بِهِ مَنْ لمْ يَتُبْ.
هذا مُلَخَّصُ قولِ شيخِ الإسلامِ.


(2) قالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وقالَ الخليلُ عليهِ السلامُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}) [إبراهيم:35].
الصَّنَمُ: ما كانَ مَنْحُوتًا على صُورَةٍ.
والوَثَنُ: مَا كانَ مَنْحُوتًا على غيرِ ذلكَ، ذكَرَهُ الطَّبَرِيُّ عنْ مُجَاهِدٍ.
قُلْتُ: وقدْ يُسَمَّى الصنمُ وَثَنًا كمَا قالَ الخليلُ عليهِ السلامُ: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}[العنكبوت:17].
ويُقَالُ: إنَّ الوَثَنَ أَعَمُّ، وهوَ قَوِيٌّ؛ فالأصنامُ أوْثَانٌ، كمَا أنَّ القُبُورَ أَوْثَانٌ.
قولُهُ: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} أي: اجْعَلْنِي وبَنِيَّ في جانِبٍ عنْ عِبَادَةِ الأصنامِ، وبَاعِدْ بينَنا وبينَها.
وقد اسْتَجَابَ اللهُ تعالَى دُعَاءهُ، وجَعَلَ بَنِيهِ أنْبياءَ، وجنَّبَهم عبادةَ الأصنامِ.
وقدْ بيَّنَ ما يُوجِبُ الخوفَ منْ ذلكَ بقولِهِ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}[إبراهيم:36]؛ فإنَّهُ هو الواقِعُ في كلِّ زَمَانٍ.
فإذا عَرَفَ الإنسانُ أنَّ كثيرًا وَقَعُوا في الشِّرْكِ الأكْبَرِ وضَلُّوا بعبادَةِ الأصنامِ؛ أَوْجَبَ ذلكَ خوفَهُ مِنْ أنْ يَقَعَ فيما وقَعَ فيهِ الكثيرُ مِن الشِّركِ الذي لا يَغْفِرُهُ اللهُ.
-قالَ إبراهيمُ التَّيْمِيُّ: (ومَنْ يَأَمَنُ البلاءَ بعدَ إبراهيمَ)؟ رَوَاهُ ابنُ جَرِيرٍ وابنُ أَبِي حَاتِمٍ.
فلا يَأْمَنُ الوقوعَ في الشركِ إلاَّ مَنْ هوَ جاهِلٌ بهِ وبما يُخَلِّصُهُ منهُ؛ مِن العِلْمِ باللهِ وبما بعَثَ بهِ رسولَهُ منْ توحيدِهِ، والنهيِ عن الشركِ بهِ.


(3) قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى: (وفي الحديثِ: ((أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ)) فَسُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: ((الرِّيَاءُ)) ).
أوْرَدَ المصنِّفُ هذا الحديثَ مُخْتَصَرًا غيرَ مَعْزُوٍّ.
وقدْ رَوَاهُ الإمامُ أحمدُ والطَّبَرانِيُّ والبَيْهَقِيُّ.
وهذا لفظُ أحمدَ: حدَّثَنا يُونُسُ، حَدَّثَنا لَيْثٌ، عَنْ يَزِيدَ، يَعْني ابنَ الْهَادِ، عنْ عمرٍو، عنْ محمودِ بنِ لَبِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ))، قالُوا: ومَا الشِّرْكُ الأَصْغَرُ يا رَسولَ اللهِ؟ قَالَ: ((الرِّيَاءُ؛ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا جَزَى النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمُ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً؟)).
-قالَ المُنْذِرِيُّ: (ومحمودُ بنُ لَبِيدٍ رأَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولمْ يَصِحَّ لهُ منهُ سماعٌ فيما أُرَى).
-وذكَرَ ابنُ أبي حاتِمٍ أنَّ البُخاريَّ قالَ: لَهُ صُحْبَةٌ، ورَجَّحَهُ ابنُ عبدِ البَرِّ والحافِظُ.
-وقدْ روَاهُ الطبرانيُّ بأسانيدَ جَيِّدَةٍ عنْ محمودِ بنِ لَبِيدٍ، عنْ رافِعٍ بنِ خَدِيجٍ.
ماتَ محمودٌ سَنَةَ سِتٍّ وتسعينَ.
وقيلَ: سنةَ سَبْعٍ وتسعينَ، ولهُ تِسْعٌ وتِسْعُونَ سَنَةً.
قولُهُ: (إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ) هذا منْ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأُمَّتِهِ ورَحْمَتِهِ ورأْفَتِهِ بِهم، فلا خيرَ إلاَّ دلَّهُم عليهِ وأمرَهم بهِ، ولا شَرَّ إلاَّ بَيَّنَهُ لهم وأخبَرَهم بهِ ونَهاهم عنهُ، كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما صَحَّ عنهُ: ((مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ)) الحديثَ.
فإذا كانَ الشِّركُ الأَصْغَرُ مَخُوفًا على أصحابِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معَ كمالِ عِلْمِهِم وقوَّةِ إيمانِهم، فكيفَ لا يَخَافُهُ وَمَا فَوْقَهُ مِمَّنْ هوَ دُونَهم في العِلْمِ والإيمانِ بِمراتِبَ؟ خُصُوصًا إذا عُرِفَ أنَّ أكثْرَ عُلماءِ الأمْصَارِ اليومَ لا يَعْرِفونَ مِن التوحيدِ إلاَّ ما أَقَرَّ بهِ المُشْرِكُونَ، وما عَرَفُوا مَعْنَى الإِلَهِيَّةِ التي نَفَتْهَا كَلِمَةُ الإخلاصِ عنْ كلِّ مَا سِوَى اللهِ.
-وأخرَجَ أبو يَعْلَى وابنُ المُنْذِرِ عنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، عنْ أبي بَكْرٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ)).
قالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلِ الشِّرْكُ إلاَّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ، أَوْ مَا دُعِيَ مَعَ اللهِ؟ قال: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ))...الحديثَ.
وفيهِ: أَنْ تَقُولَ: أَعْطَانِي اللهُ وَفُلاَنٌ، والنِّدُّ أَنْ يَقُولَ الإِنْسَانُ: لَوْلاَ فُلاَنٌ قَتَلَنِي فُلاَنٌ. انتهَى من (الدُّرِّ).


(4) قَالَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللهُ تعالى: (وعن ابنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ)) رَوَاهُ البُخَارِيُّ).
-قالَ ابنُ القَيِّمِ: (النِّدُّ: الشَّبِيهُ، يُقَالُ: فلانٌ نِدُّ فلانٍ، ونَدِيدُهُ، أيْ: مِثْلُهُ وشِبْهُهُ. قالَ تعالى:{فَلاَ تَجْعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:22]).
قولُهُ: (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَدْعُو مِن دونِ اللهِ نِدًّا)أيْ: يَجْعَلُ للهِ نِدًّا في العبادةِ، يَدْعُوهُ وَيَسْأَلُهُ ويَسْتَغِيثُ بِهِ، دَخَلَ النَّارَ.
-قالَ العَلاَّمَةُ ابنُ القَيِّمِ رحِمَهُ اللهُ تعالى:

والشِّرْكُ فَاحْذَرْهُ فَشِرْكٌ ظَاهِرٌ= ذَا الـقـِسْمِ لـَيْسَ بِقَابِلِ الـغُفْرَانِ
وَهـْوَ اتِّخـَاذُ الـنِّدِّ لــِلـرَّحْمَنِ= أيًّا كـَانَ مـِنْ حـَجـَرٍ وَمــِنْ إِنْسانِ
يــَدْعـُوهُ أَوْ يــَرْجـُوهُ ثـُمَّ يـــَخَافُهُ = وَيُحِبُّهُ كَمَحَبَّةِ الــدَّيَّانِ
واعْلَمْ أنَّ اتِّخَاذَ النِّدِّ على قِسْمَيْنِ:
الأوَّلُ:أنْ يَجْعَلَهُ للهِ شَرِيكًا في أنواعِ العِبادَةِ أوْ بعْضِها كمَا تَقَدَّمَ، وهوَ شِرْكٌ أَكْبَرُ.
والثاني: ما كانَ مِنْ نوْعِ الشِّركِ الأصْغَرِ، كقولِ الرَّجُلِ: (ما شاءَ اللهُ وشِئْتَ، ولَوْلا اللهُ وأَنْتَ) وكَيَسِيرِ الرِّياءِ؛ فقدْ ثَبَتَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا قالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا شَاءَ اللهُ وَشِئْتَ، قالَ: ((أَجَعَلْتَنِي للهِ نِدًّا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ)) رواهُ أحْمَدُ وابنُ أَبي شَيْبَةَ، والبخاريُّ في(الأَدَبِ المُفْرَدِ) والنَّسَائِيُّ وابنُ مَاجَةَ.
وقدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ في بابِ فَضْلِ التوحيدِ.
وفيهِ: بيانُ أنَّ دَعْوَةَ غيرِ اللهِ فيما لا يَقْدِرُ عليهِ إلاَّ اللهُ شِرْكٌ جَلِيٌّ،كَطَلَبِ الشَّفَاعَةِ مِن الأمواتِ؛ فإنَّها مِلْكٌ للهِ تعَالَى وبيدِهِ، ليسَ بيدِ غَيْرِهِ منها شيءٌ، وهوَ الذي يَأْذَنُ للشفيعِ أنْ يَشْفَعَ فيمَنْ لاقَى اللهَ بالإخلاصِ والتوحيدِ مِنْ أهلِ الكبَائِرِ، كمَا يأتي تقريرُهُ في بابِ الشفاعَةِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.


(5) قَالَ المُصَنِّفُ رحِمَهُ اللهُ تعالى: (ولمسلِمٍ عنْ جابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ لَقِيَ اللهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ)))
جَابِرٌ: هوَ ابنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ حَرَامٍ، بمُهْمَلَتَيْنِ، الأنصاريُّ ثمَّ السَّلَمِيُّ، بفتحَتَيْنِ، صحابيٌّ جَلِيلٌ، ولأبيهِ مَنَاقِبُ مشهورَةٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، ماتَ بالمدينةِ بعدَ السبعينَ، وقدْ كُفَّ بَصَرُهُ، ولَهُ أرْبَعٌ وتسعونَ سنَةً.
قولُهُ: (مَنْ لَقِيَ اللهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) قالَ القُرْطُبِيُّ: (أيْ: لم يَتَّخِذْ معَهُ شَرِيكًا في الإِلَهِيَّةِ، ولا في الخَلْقِ، ولا في العِبَادَةِ).
ومِن المعلومِ مِن الشرْعِ المُجْمَعِ عليهِ عندَ أهلِ السنَّةِ: أنَّ مَنْ مَاتَ على ذلكَ فلا بُدَّ لهُ مِنْ دُخُولِ الجنَّةِ، وإنْ جَرَتْ عليهِ قبلَ ذلكَ أنواعٌ مِن العذابِ والمِحْنَةِ.
وأنَّ مَنْ مَاتَ على الشِّرْكِ لا يدْخُلُ الجنَّةَ، ولا يَنَالُهُ مِن اللهِ رَحْمَةٌ، ويُخَلَّدُ في النَّارِ أَبَدَ الآبَادِ، مِنْ غيرِ انْقِطَاعِ عَذَابٍ، ولا تَصَرُّمِ آماد.
-وقالَ النَّوَوِيُّ: (أمَّا دُخُولُ المُشْرِكِ النارَ فهوَ على عُمُومِهِ، فيَدْخُلُها ويُخَلَّدُ فيها، ولا فَرْقَ فيهِ بينَ الكِتَابِيِّ اليهوديِّ والنصرانيِّ، وبينَ عبَدَةِ الأوْثَانِ وسائِرِ الكَفَرَةِ، ولا فرْقَ عندَ أهلِ الحقِّ بينَ الكافِرِ عِنَادًا وغيرِهِ، ولا بَيْنَ مَنْ خالَفَ مِلَّةَ الإسلامِ وبينَ من انْتَسَبَ إليها ثمَّ حُكِمَ بكُفْرِهِ بجَحْدِهِ ما يُكَفَّرُ بِجَحْدِهِ وغيرِ ذلكَ. وأمَّا دُخُولُ مَنْ مَاتَ غيرَ مُشْرِكٍ الجنَّةَ فهوَ مَقْطُوعٌ لَهُ به؛ لكنْ إنْ لمْ يَكُنْ صَاحِبَ كبيرَةٍ مَاتَ مُصِرًّا عليها دَخَلَ الجنةَ أوَّلاً، وإنْ كانَ صَاحِبَ كبيرةٍ ماتَ مُصِرًّا عليها فهوَ تحتَ المشيئةِ؛ فإنْ عُفِيَ عنهُ دَخَلَ الجنةَ أَوَّلاً، وإلاَّ عُذِّبَ في النَّارِ ثمَّ أُخْرِجَ من النارِ وأُدْخِلَ الجنَّةَ).
-وقالَ غيرُهُ: (اقْتَصَرَ عَلَى نَفْيِ الشِّرْكِ؛ لاسْتِدْعَائِهِ التوحيدَ بالاقْتِضَاءِ، واستدعائِهِ إثباتَ الرِّسَالَةِ باللُّزُومِ؛ إذ مَنْ كَذَّبَ رُسُلَ اللهِ فقدْ كذَّبَ اللهَ، ومَنْ كذَّبَ اللهَ فهوَ مُشْرِكٌ، وهوَ كقولِكَ: (مَنْ تَوَضَأَ صَحَّتْ صلاتُهُ) أيْ: معَ سائِرِ الشروطِ.
فالمرادُ: مَنْ مَاتَ حَالَ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا بجميعِ ما يَجِبُ الإيمانُ بهِ إِجمالاً في الإجماليِّ، وتَفْصِيلاً في التَّفْصِيلِيِّ) انْتَهَى.

هيئة الإشراف

#4

26 Oct 2008

القول السديد للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر السعدي

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (1) الشركُ في توحيدِ الإِلهيةِ والعبادةِ ينافِي التوحيدَ كلَّ المنافاةِ، وهو نَوْعانِ:
- شركٌ أكبرُ جليٌّ.
- وشركٌ أصغرُ خَفِيٌّ.
فأمَّا الشركُ الأكبرُ: فهو أنْ يَجْعَلَ للهِ ندًّا يَدْعُوه كما يَدْعُو اللهَ، أو يخافُه أو يَرجوه أو يُحِبُّه كحبِّ اللهِ، أو يصرِفُ له نوعًا من أنواعِ العبادةِ، فهذا الشركُ لا يبقَى مع صاحبِه من التوحيدِ شيءٌ، وهذا المشركُ الذِي حرَّمَ اللهُ عليهِ الجنَّةَ، ومأواه النارُ.
ولا فرقَ في هذَا بينَ أنْ يُسمِّيَ تلك العبادةَ التي صَرَفَها لغَيْرِ اللهِ عبادةً، أو يُسَمِّيَها توسُّلاً، أو يُسَمِّيَهَا بغَيْرِ ذلك من الأسماءِ، فكلُّ ذلك شركٌ أكبرُ؛ لأنَّ العبرةَ بحقائقِ الأشياءِ ومعانِيها دونَ ألفاظِها وعباراتِها.
وأمَّا الشركُ الأصغرُ: فهو جميعُ الأقوالِ والأفعالِ التي يُتَوسَّلُ بِها إلى الشركِ، كالغلوِّ في المخلوقِ الذِي لا يبلُغُ رُتْبةَ العبادةِ؛ كالحَلِفِ بغيرِ اللهِ، ويسيرِ الرياءِ، ونحوِ ذلك.
فإذا كان الشركُ ينافي التوحيدَ ويُوجِبُ دخولَ النارِ والخلودَ فيها وحرمانَ الجنةِ إذا كانَ أكبرَ، ولا تَتَحَقَّقَ السعادةُ إلا بالسلامةِ منه، كانَ حقًّا على العبدِ أنْ يخافَ منه أعظمَ خَوْفٍ، وأنْ يسعَى في الفرارِ منه ومِن طرقِه ووسائلِه وأسبابِه، ويسألَ اللهَ العافيةَ منه كما فَعَلَ ذلك الأنبياءُ والأصفياءُ وخيارُ الخلقِ.
وعلى العبدِ أنْ يَجْتهِدَ في تنميةِ الإِخلاصِ في قلبِه وتقويتِه؛ وذلك بكمالِ التعلُّقِ باللهِ تألُّهًا وإنابةً وخوفًا ورجاءً وطمعًا وقصدًا لمرضاتِه وثوابِه في كلِّ ما يفعلُه العبدُ وما يترُكُه من الأمورِ الظاهرةِ والباطنةِ، فإن الإِخلاصَ بطبيعتِه يدفعُ الشركَ الأكبرَ والأصغرَ، وكلُّ من وقعَ منه نوعٌ من الشركِ فلضعفِ إخلاصِه.

هيئة الإشراف

#5

26 Oct 2008

تهذيب القول المفيد للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) مناسبةُ هذا البابِ للبابين قبلَه: أن المصنف -رحمه الله-:
- ذَكَرَ في أولها تحقيقَ التوحيدِ.
-وذكر في البابِ الثاني منهما أنَّ مَن حقَّقَ التوحيدَ دخلَ الجنَّةَ بغيرِ حسابٍ ولا عذابٍ، ثم ثلَّثَ بهذا البابِ؛ لأنَّ الإنسانَ قد يرى أنَّه قدْ حقَّقَ التوحيدَ، وهو لم يحقِّقْه، ولهذا قالَ بعضُ السَّلَفِ: (ما جَاهَدْتُ نَفسي عَلى شيءٍ مجاهَدتَها عَلى الإخلاصِ).
وذلك أنَّ النفسَ متعلِّقةٌ بالدُّنيا، تريدُ حظوظَها مِن مالٍ، أو جاهٍ، أو رئاسةٍ، وقد تريدُ بعمَلِ الآخرةِ الدَّنْيَا، وهذا نقْصٌ في الإخلاصِ، وقلَّ مَن يكونُ غرَضُه الآخِرَةَ في كلِّ عمَلِهِ، ولهذا أَعْقَبَ المؤلِّفُ-رحِمَه اللهُ- ما سبَقَ من البابين بهذا البابِ، وهُو الخوفُ من الشِّركِ، وذكَرَ فيه آيتيْن.

(2) قولُه: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} (لا) نافيةٌ، (أنْ يُشْرَكَ به) فعلٌ مضارعٌ مقرونٌ بأن المصدريَّةِ، فيُحَوَّلُ إلى مصدرٍ تقديرُه: إنَّ اللهَ لا يغْفِرُ الإشراكَ بِهِ، أو لا يَغْفِرُ إشْرَاكًا به.

فالشِّرْكُ لا يَغْفِرُهُ اللهُ أبدًا؛ لأنه جِنايةٌ على حقِّ اللهِ الخاصِّ، وهو التوحيدُ.
أمَّا المعاصي: (كالزِّنا والسرقةِ)، فقد يكونُ للإنسانِ فيها حظُّ نفسٍ بما نالَ مِن شهوةٍ، أمَّا الشِّركُ فهو اعتداءٌ على حقِّ اللهِ تعالى، وليس للإنسانِ فيه حظُّ نفسٍ، وليس شهوةً يريدُ الإنسانُ أن ينالَ مرادَه منها، ولكنَّه ظُلْمٌ، ولهذا قال اللهُ تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.
وهل المرادُ بالشركِ هنا الأكبرُ، أم مطلقُ الشركِ؟
قال بعضُ العلماءِ: (إنه مطلقٌ، يَشْمَلُ كلَّ شِرْكٍ، ولَو أَصغرَ، كالحَلِفِ بغيرِ اللهِ فإنَّ اللهَ لا يغفِرُه، أمَّا بالنسبةِ لكبائرِ الذنوبِ كالسَّرِقَةِ والخمْرِ فإنَّها تحتَ المشيئةِ، فقد يغْفِرُها اللهُ).
وشيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ المحقِّقُ في هذه المسائِلِ اختلَفَ كلامُه في هذه المسألةِ: فمرَّةً قالَ: (الشركُ لا يَغْفِرُهُ اللهُ ولو كانَ أصغَرَ)، ومرَّةً قالَ: (الشِّركُ الذي لا يغْفِرُه اللهُ هو الشِّركُ الأكبرُ).
وعلى كلِّ حالٍ فيجِبُ الحذَرُ من الشِّركِ مُطْلَقًا؛ لأنَّ العمومَ يحتَمِلُ أنْ يكونَ داخِلاً فيه الأصغرُ؛ لأنَّ قولَه: {أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (أنْ) ومَا بعدَها في تأويلِ مصْدَرٍ، تقديرُه: إشراكًا به، فهو نكِرَةٌ في سياقِ النفيِ، فتفيدُ العمومَ.


(3) قولُه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} المرادُ بالدونِ هنا مَا هو أقلُّ مِن الشركِ، وليس ما سِوى الشِّركِ.


(4) الآيةُ الثانيةُ: قولُه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} ومعْنَى اجْنُبْني: أيْ: اجْعَلْني في جانِبٍ، والأصنامَ في جانبٍ، وهذا أبلغُ مما لو قالَ: امْنَعْني وبنيَّ من عبادَةِ الأصنامِ؛ لأنَّه إذا كانَ في جانبٍ عنها كانَ أَبْعَدَ.
قال الشيخ المحدث سليمان بن عبد الله آل الشيخ في (تيسير العزيز الحميد) ص118: (وإنما دعا إبراهيم عليه السلام بذلك؛ لأن كثيراً من الناس افتتنوا بها، كما قال تعالى: {رب إنهن أضللن كثيراً من الناس} فخاف من ذلك، ودعا الله أن يعافيه وبنيه من عبادتها. فإذا كان إبراهيم عليه السلام يسأل الله أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام، فما ظنك بغيره.
- قال إبراهيم التيمي: (ومن يأمن من البلاء بعد إبراهيم ؟!) وهذا يوجب للقلب الحي أن يخاف من الشرك، لا كما يقول الجهال: إن الشرك لا يقع في هذه الأمة؛ ولهذا أمنوا الشرك فوقعوا فيه) ا.هـ.
فإبراهيمُ-عليه السلامُ- يَخافُ الشركَ على نفسِه، وهو خليلُ الرحمنِ، وإمامُ الحنفاءِ، فما بالُكَ بنا نحنُ إذن؟
فلا تأْمَن الشِّركَ، ولا تَأْمَن النِّفاقَ؛ إذ لا يأمَنُ النِّفاقَ إلا منافِقٌ، ولا يخافُ النفاقَ إلا مؤمِنٌ، ولهذا قالَ ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: (أدْرَكْتُ ثلاثينَ مِن أصحابِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كُلُّهم يخافُ النِّفاقَ على نفسِه).
قولُه: {أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} (أنْ) وما بعدَها في تأويلِ مصدرٍ، مفعولٌ ثانٍ لقولِه: {اجْنُبْني}.
والأصنامُ: جَمْعُ صَنَمٍ، وهو: ما جُعِلَ على صورةِ إنسانٍ أو غيرِه يُعبَدُ مِن دونِ اللهِ.
أمَّا الوَثَنُ: هو ما عُبِدَ مِن دونِ اللهِ على أيِّ شكْلٍ كانَ، وفي الحديثِ: ((لا تَجْعَلْ قَبْري وَثَنًا يُعْبَدُ)) فالوثَنُ أعمُّ من الصَّنَمِ.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في (فتح المجيد) (ص101): (وقد يسمى الصنم وثناً، كما قال الخليل عليه السلام: {إنما تعبدون من دون الله أوثاناً وتخلقون إفكاً})
ولا شكَّ أنَّ إبراهيمَ سألَ ربَّه الثباتَ على التوحيدِ؛ لأنه إذا جنَّبَه عبادةَ الأصنامِ صارَ باقِيًا على التوحيدِ.
الشاهِدُ من هذه الآيةِ: أنَّ إبراهيمَ خافَ الشركَ، وهو إمامُ الحنفاءِ، سيِّدُهم، ما عدا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.


(5) قولُه: (أَخْوَفُ ما أَخافُ عَلَيْكُمْ) الخطابُ للمسلمين؛ إذ المسلمُ هو الذي يُخافُ عليه الشِّركُ الأصغرُ، وليس لجميعِ الناسِ.
قولُه: (الرياءُ) مشتَقٌّ مِن الرُّؤْيَةِ، مَصْدَرُ رَاءَى يُرَائِي، والمصدَرُ رِياءٌ، كقَاتَل يُقَاتِلُ قِتَالاً.
والرِّياءُ: أنْ يَعْبُدَ اللهَ ليرَاه الناسُ،فيَمْدَحُوه على كونِه عابِدًا، وليسَ مراده أنْ تكونَ العبادةُ للناسِ؛ لأنَّه لو أرادَ ذلك لكانَ شِرْكًا أكبرَ، والظاهِرُ: أنَّ هذا على سبيلِ التمثيلِ، وإلا فَقَدْ يكونُ رِياءً، وقد يكونُ سماعًا أيْ: يَقْصِدُ بعبادَتِه أنْ يَسْمَعَه الناسُ، فيُثنوا عليه، فهذا داخِلٌ في الرياءِ، فالتعبيرُ بالرياءِ مِن بابِ التعبيرِ بالأغلبِ.
أمَّا إنْ أرادَ أن يَقْتَدوا به فيها فلَيسَ رِياءً،بلْ هذا مِن الدعوةِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، والرسولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يقولُ: ((فَعَلْتُ هَذا لِتأْتَمُّوا بِي وتَعْلَمُوا صَلاتي)).
والرياءُ ينقسمُ باعتبارِ إبطالِه للعبادةِ إلى قسمين:
الأولُ: أنْ يكونَ في أصلِ العبادةِ،فما قامَ يتَعَبَّدُ إلا للرياءِ، فهذا عملُه باطِلٌ مردودٌ عليه؛ لحديثِ أبي هريرةَ في الصحيحِ مرفوعًا، قالَ اللهُ تعالى: ((أَنا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّركِ، مَنْ عَمِلَ عمَلاً أشْرَكَ مَعِي فيهِ غَيْري تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ)).
الثاني: أنْ يكونَ الرِّياءُ طارِئًا على العبادةِ،فأصْلَ العبادةِ للهِ، لكنْ طرَأَ عليها الرياءُ، فهذا ينقَسِمُ إلى قسميْن:
الأولُ: أنْ يُدَافِعَه فهذا لا يَضُرُّه.
مثالُه: رجلٌ صلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ جاءَ أناسٌ في الركعةِ الثانيةِ، فحصَلَ في قلبِه شيءٌ، بأنْ أطالَ الركوعَ، أو السجودَ، أو تبَاكَى، وما أشبَه ذلك فإنَّ دَافَعَه: فإنه لا يَضُرُّه؛ لأنَّه قامَ بالجهادِ.
وإنْ اسْتَرْسَلَ معه: فكلُّ عَمَلٍ ينشأُ عن الرياءِ فهو باطِلٌ، كمَا لَوْ أطالَ القِيامَ، أو الركوعَ، أو السُّجودَ، أو تباكَى، فهذا كلُّ عملِه حابِطٌ.
ولكن هل البطلانُ يمتدُّ إلى جميعِ العبادةِ أمْ لا؟
نقولُ: لا يخلو هذا مِن حالين:
الحالُ الأولى: أن يكونَ آخرُ العبادةِ مبنيًّا على أولِها، بحيثُ لا يصِحُّ أولُها معَ فسادِ آخِرِها فهِيَ كلُّها فاسِدَةٌ، وذلك مثلُ الصلاةِ: فالصلاةُ مثلاً لا يمكنُ أنْ يَفْسُدَ آخِرُها، ولا يفْسُدَ أوَّلُها، إذنْ تبطُلُ الصلاةُ.
الحالُ الثانيةُ: أنْ يكونَ أولُ العبادةِ منْفَصِلاً عن آخِرِها،بحيثُ يَصِحُّ أولهُا دونَ آخِرِها، فما سبقَ الرياءَ فهُو صحيحٌ، وما كانَ بعدَه فهو باطِلٌ.
مثالُ ذلك: رجلٌ عنده مائةُ ريالٌ، فتصدَّق بخمسينَ للهِ بنيَّةٍ خالِصَةٍ، ثم تَصَدَّقَ بخمسينَ بقصدِ الرياءِ، فالأولى مقبولَةٌ، والثانيةُ غيرُ مقبولةٍ؛ لأنَّ آخرَها مُنْفَكٌّ عَن أولِها.


(6) قولُه: (مَن) هذه شرطيَّةٌ تفيدُ العمومَ للذكرِ والأنْثَى.
قولُه: (يدعو مِن دُونِ الله نِدًّا) أي: يَتَّخِذُ للهِ ندًّا، سواءً دعاهُ دعاءَ عبادةٍ، أم دعاءَ مسألةٍ؛ لأنَّ الدعاءَ ينقسمُ إلى قسمين:
الأولُ: دعاءُ عبادةٍ، كالصومُ، والصلاةُ، وغيرُ ذلك من العباداتِ، فإذا صلَّى الإنسانُ، أو صامَ فقد دعا ربَّه بلسانِ الحالِ أن يغفِرَ له، وأن يُجِيرَه مِن عذابِهِ، وأن يُعْطِيَه مِن نَوَالِه.
ويدلُّ لهذا القسمِ قولُه تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُـم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} فجعلَ الدعاءَ عبادةً، وهذا القِسْمُ كلُّه شرْكٌ، فمَن صرَفَ شيئًا من أنواعِ العبادةِ لغيرِ اللهِ، فقد كَفَرَ كُفرًا مُخْرِجًا له عن الملَّةِ، فلو رَكَعَ لإنسانٍ، أو سجَدَ لشيءٍ يُعَظِّمُه كَتعظيمِ اللهِ في هذا الركوعِ أو السجودِ لكانَ مُشْرِكًا، ولهذا مَنَع النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- مِن الانْحِنَاءِ عندَ الملاقاةِ لَمَّا سُئِلَ عن الرجلِ يَلْقَى أخَاهُ أيَنْحَنِي له؟ قالَ: ((لا)) ، خِلافًا لما يفعلُه بعضُ الجُهَّالِ إذا سلَّمَ عليكَ انْحَنَى لك، فيجِبُ على كلِّ مؤمنٍ باللهِ أن يُنكِرَه؛ لأنَّه عظَّمَك على حِسابِ دينِهِ.
الثاني: دعاءُ المسألةِ: فهذا ليسَ كُلُّه شِركًا، بل فيه تفصيلٌ، فإنْ كانَ المخلوقُ قادرًا على ذلكَ فليسَ بشرْكٍ، كقولِكَ: اسْقِني ماءً لمن يستطِيعُ ذلكَ، كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دعاكُمْ فَأجِيبوهُ)).
وقالَ تعالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ}.
فإذا مدَّ الفقيرُ يدَه وقال: (ارْزُقْنِي) أي: أَعْطِني فهو جائزٌ، كما قال تعالى: {فَارْزُقُوهُم مِّنْه} وأما إنْ دعا المخلوقَ بما لا يقْدِرُ عليه إلا اللهُ فإنَّ دعوتَه شِرْكٌ مُخْرِجٌ مِن الملَّةِ.
مثالُ ذلك: أنْ تدعوَ إنْسانًا أن يُنـزِّلَ الغَيْثَ، مُعْتَقِدًا أنَّه قادِرٌ على ذلك.
والمرادُ بقولِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَن ماتَ وهُو يدعو..)) المرادُ: الندُّ في العبادةِ، أمَّا الندُّ في المسألةِ ففيه التفصيلُ السابِقُ.


(7) قولُه: ((دخَلَ النارَ)) أي: خالِدًا مع أن اللَّفظَ لا يدلُّ عليه؛ لأن دخَلَ فِعْلٌ، والفعلُ يدلُّ على الإطلاقِ؛ لكن قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}.
وإذا حُرِّمَت عليه الجنَّةُ لزِمَ أنْ يكونَ خالدًا في النارِ أبدًا،فيجبُ أن نخافَ من الشِّركِ ما دامت هذه عقوبتَه، فالمشركُ خَسِرَ الآخِرَةَ؛ لأنَّه في النارِ خالِدٌ، وخَسِرَ الدنيا أيضًا؛ لأنه لم يستَفِدْ منها شيئًا، وقامَت عليهِ الحُجَّةُ، وجاءَه النذيرُ، ولكنَّه خَسِرَ والعياذُ باللهِ، ولهذا قالَ عزَّ وجلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}.
وقالَ تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
فخَسِرَ نفسَهُ؛ لأنَّه لَم يستَفِدْ منها شيئًا، وخسِرَ أهلَه؛ لأنهم إنْ كانوا مِن المؤمنين فهُم في الجنةِ، فلا يَتَمَتَّعُ بهِم في الآخرةِ، وإنْ كانوا في النارِ فكذلِك؛ لأنه كلَّمَا دخلَتْ أمَّةٌ لعَنَت أختَهَا، والشِّرْكُ خَفِيٌّ جدًّا، فقد يكونُ في الإنسانِ وهو لا يشعرُ إلا بعدَ المحاسبةِ الدقيقةِ، ولهذا قالَ بعضُ السلَفِ: (ما جاهدتُ نَفْسي علَى شيءٍ ما جاهَدْتُها على الإخلاصِ).
فالشركُ أمرُه صعْبٌ جدًّا ليس بالهيِّنِ،ولكن يُيَسِّرُ اللهُ الإخلاصَ على العبدِ، وذلك بأنْ يَجْعَلَ اللهَ نُصْبَ عينيْه، فيقْصِدُ بعملِه وجهَ اللهِ لا يقْصِدُ مدْحَ الناسِ، أو ذمَّهُم، أو ثناءَهم عليه، فالناسُ لا ينْفَعونَه أبدًا، حتى لو خَرَجوا معه لتشييعِ جِنَازَتِه لم ينفعْه إلا عملُه، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((يَخْرُجُ مَعَ المَيِّتِ أَهْلُهُ ومَالُهُ وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ اثنان: أَهْلُهُ ومَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ)).
فالإخلاصُ صعْبٌ جدًّا،إلا أنَّ الإنسانَ إذا كانَ متَّجِهًا إلى اللهِ اتِّجَاهًا صادِقًا سليمًا على صراطٍ مستقيمٍ فإنَّ اللهَ يُعِينُه عليهِ، ويُيَسِّرُه لهُ.


(8) قولُه: (مَن) شرطيَّةٌ تفيدُ العمومَ، وفعْلُ الشرطِ ((لَقِيَ)) وهذا الدخولُ لا ينافي أن يُعذَّبَ بقَدْرِ ذنوبِه إنْ كانَت عليه ذنوبٌ؛ لدلالةِ نصوصِ الوعيدِ على ذلكَ، وهذا إذا لَم يغْفِر اللهُ له؛ لأنَّه داخِلٌ تحتَ المشيئةِ.
قولُه: (شيئًا) نكِرَةٌ في سياقِ الشرطِ، فيَعُمُّ أيَّ شِرْكٍ حتى ولو أشرَكَ مع اللهِ أشرفَ الخلْقِ، وهو الرسولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- دخلَ النارَ، فكيف بِمَن يَجْعَلُ الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أعظمَ من اللهِ؟
فيلجأُ إليه عندَ الشدائدِ، ولا يلجأُ إلى اللهِ، بل ربما يلجأُ إلى ما دونَ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
وهل يلْزَمُ مِن دخولِ النارِ الخلودُ لِمَن أشرَكَ؟
هذا بحسَبِ الشِّركِ، إن كانَ الشركُ أصغرَ فإنه لا يلزَمُ مِن ذلك الخلودُ في النارِ، وإنْ كانَ أكبرَ، فإنه يلزَمُ منه الخلودُ في النارِ.
لكن لو أنَّنا حمَلْنَا الحديثَ على الشركِ الأكبرِ في الموضعيْن في قولِه: ((مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنّةَ)).
- وفي قولِه: ((وَمَنْ لَقِيَ اللهَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ)) لقُلْنَا: مَن لَقِيَ اللهَ لا يُشْرِكُ بهِ شيئًا دخَلَ الجنةَ، وإنْ عُذِّب قبلَ الدخولِ في النارِ بما يَسْتَحِقُّ فيكونُ مآلُهُ إلى الجنَّةِ، ومَن لقِيَه يُشْرِكُ به شِرْكًا أكبرَ دخَلَ النارَ مخلدًا فيها، ولم نَحْتَجْ إلى هذا التفصيلِ.


(9) فيه مسائِلُ:
الأُولَى: (الخوفُ من الشِّركِ) لقولِه: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}، ولقولِه: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}.


(10) الثانيةُ: (أن الرياءَ مِن الشركِ) لحديثِ: ((أخْوَفُ ما أخافُ عليكُم الشِّركُ الأصغرُ)) فسُئِلَ عنه فقالَ: ((الرياءُ)) وقد سبَقَ بيانُ أحكامِه بالنسبةِ إلى إبْطَالِ العبادةِ.


(11) الثالثةُ: (أنه مِن الشركِ الأصغرِ) لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لما سُئِلَ عنه قالَ: ((الرياءُ)) فسمَّاه شِركًا أصغرَ.
وهل يُمْكِنُ أن يصِلَ إلى الأكبرِ؟
ظاهِرُ الحديثِ لا يُمْكِنُ؛ لأنَّه قالَ: ((الشِّركُ الأصغرُ)) فسُئِلَ عنه؟ فقالَ: ((الرياءُ)).
لكنْ في عباراتِ ابنِ القَيِّمِ رحِمَه اللهُ، أنَّه إذا ذَكَر الشِّرْكَ الأصغرَ قالَ: (كيسيرِ الرياء) فهذا يدُلُّ على أنَّ كثيرَه ليسَ مِن الأصغرِ، لكنْ إنْ أرادَ بالكميَّةِ فنَعَم؛ لأنه لو كانَ يُرائِي في كلِّ عملٍ لكانَ مُشْرِكًا شِرْكًا أكبرَ؛ لِعدَمِ وجودِ الإخلاصِ في عَمَلٍ يعملُه، أمَّا إذا أرادَ الكيفيَّةَ، فظاهِرُ الحديثِ أنّه أصغرُ مطلقًا.


(12) الرابعةُ: (أنه أخوفُ ما يخافُ منهُ على الصالِحين) وتُؤْخَذُ من قولِه: ((أَخْوَفُ ما أَخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ)) ولأنَّه قدْ يدخُلُ في قلبِ الإنسانِ مِن غيرِ شعورٍ لخفائِه، وتَطَّلِعُ النفسُ إليهِ؛ فإنَّ كثيرًا مِن النفوسِ تُحِبُّ أنْ تُمْدَحَ بالتَّعَبُّدِ للهِ.


(13) الخامِسَةُ: (قُرْبُ الجنَّةِ والنَّارِ) لقولِه:((مَنْ لَقِيَ اللهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الجنّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ)).
(14) السادسةُ: (الجمعُ بينَ قُربِهِما في حديثٍ واحدٍ)((مَنْ لَقِيَ اللهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَل الجنّةَ وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا..)).


(15) السابعةُ: (أنَّه مَن لَقِيَه يشرِكُ بِهِ شيئًا دخَلَ النارَ، ولو كانَ مِن أعبدِ الناسِ)
تُؤخَذُ مِن العمومِ في قولِه: ((مَنْ لَقِيَ)) لأنَّ (مَن) للعمومِ، لكنْ إنْ كانَ شِرْكُه أكبرَ لم يدخُل الجنَّةَ وإنْ كانَ أعبدَ الناسِ؛ لقولِه تعالَى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}. وإن كانَ أصغرَ عُذِّبَ بقدرِ ذنوبِه ثم دخَلَ الجنّةَ.


(16) الثامنةُ: (المسألةُ العظيمةُ سؤالُ الخليلِ له ولبنيهِ وقايةَ عبادةِ الأصنامِ) تُؤخَذُ من قولِه تعالى: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}.


(17) التاسعةُ: (اعتبارُه بحالِ الأكثرِ؛ لقولِه: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ})
وفيهِ إشكالٌ؛ إذ المؤلِّفُ يقولُ: (بحالِ الأكثرِ) والآيةُ: {كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ} وفرقٌ بينَ كثيرٍ وأكثرَ، ولهذا قالَ -تعالى- في بني آدَمَ: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.
فلم يَقُلْ على أكثرِ الخلْقِ، ولا على الخلقِ، فالآدمِيُّونَ فُضِّلوا على كثيرٍ ممَّن خلَقَ اللهُ، وليسوا أكرَمَ الخلقِ على اللهِ، ولكنَّه كَرَّمَهم.


(18) العاشِرةُ: (فيه تفسيرُ (لا إلهَ إلا اللهُ) كما ذكرَهالبخاريُّ) الظاهرُ أنَّها تُؤخَذُ من جميعِ البابِ؛ لأنَّ لا إلهَ إلا اللهُ فيها نفيٌ وإثباتٌ.
(19) الحاديةَ عشَرَةَ: (فضيلةُ مَن سلِمَ مِنَ الشِّركِ) لقولِه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}. وقولِه: ((مَنْ لَقِيَ اللهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَل الجنّةَ)).

هيئة الإشراف

#6

26 Oct 2008

شرح الشيخ: صالح بن عبدالعزيز بن محمد آل الشيخ 

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (باب الخوف من الشرك

وكل من حقق التوحيد فلابد أن يخاف من الشرك، ولهذا سيد المحققين للتوحيد محمد عليه الصلاة والسلام، كان يكثر من الدعاء بأن يُبْعد عنه الشرك.
وكذلك إبراهيم -عليه السلام- كان يكثر من الدعاء بأن لا يدركه الشرك، أو عبادة الأصنام، فمناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة؛ من أن تحقيق التوحيد عند أهله معه الخوف من الشرك، وقلّ من يكون مخاطراً بتوحيده، أو غير خائف من الشرك، ويكون على مراتب الكمال، بل لا يوجد، فكل محقق للتوحيد، كل راغب فيه حريص عليه، يخاف من الشرك، وإذا خاف من الشرك فإن الخوف وهو فزع القلب وهلعه، وهربه من ذلك الشيء، فإن هذا الذي يخاف من الشرك سيسعى في البعد عنه.
والخوف من الشرك يثمر ثمرات:
منها: أن يكون متعلماً للشرك بأنواعه، حتى لا يقع فيه.
ومنها: أن يكون متعلماً للتوحيد بأنواعه حتى يقوم في قلبه الخوف من الشرك، ويعظم،ويستمر على ذلك.
ومنها: أن الخائف من الشرك يكون قلبه دائماً مستقيماً على طاعة الله،مبتغياً مرضاة الله، فإن عصى أو غفل كان استغفاره استغفار من يعلم عظم شأن الاستغفار، وعظم حاجته للاستغفار؛ لأن الذين يستغفرون أنواع، لكن من علم حقّ الله جل وعلا، وسعى في توحيده، وتعلم ذلك، وسعى في الهرب من الشرك؛ فإنه إذا غفل وجد أنه أشد ما يكون حاجةً إلى الاستغفارلهذا، لصلاح القلب، بوب الشيخ -رحمه الله- هذا الباب: (باب الخوف من الشرك)
وكأنه قال لك: إذا كنت تخاف من الشرك، كما خاف منه إبراهيم -عليه السلام -وكما توعد الله أهل الشرك بأنه لا يغفر شركهم؛ فإذاً: تَعَلَّمْ ما سيأتي في هذا الكتاب، فإن هذا الكتاب إنما هو لأجل الخوف من الشرك؛ ولأجل تحقيق التوحيد، فهذا الكتاب موضوع لتحقيق التوحيد، وللخوفِ من الشرك والبعد عنه، فما بعد هذين البابين (باب من حقق التوحيد) و(باب الخوف من الشرك) ما بعد ذلك تفصيل لهاتين المسألتين العظيمتين: تحقيق التوحيد، والخوف من الشرك ببيان معناه، وبيان أنواعه.
ذكرت لك فيما سبق أن الشرك هو: إشراك غير الله معه في نوع من أنواع العبادة.
-وقد يكون أكبر.
-وقد يكون أصغر.
-وقد يكون خفيّاً.
- قال الشيخ -رحمه الله - : (وقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ})
هذه الآية من سورة النساء فيها قوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} والمغفرة: هي الستر لما يُخاف وقوع أثره.
وفي اللغة يقال: غفر، إذا ستر، ومنه سمّي ما يوضع على الرأس مِغْفَرَاً؛ لأنه يستر الرأس ويقيه الأثر المكروه من وقع السيف ونحوه على الرأس، فمادة المغفرة راجعه إلى ستر الأثر الذي يُخاف منه.
والشرك أو المعصية لها أثرها: إما في الدنيا، وإما في الآخرة، أو فيهما جميعاً، وأعظم ما يُمَنُّ به على العبد أن يُغْفَر ذنبه، وذلك بأن يُستر عليه وأن يمحى أثره؛ فلا يؤاخذ به في الدنيا، ولا يؤاخذ به في الآخرة، ولولا المغفرة لهلك الناس.
-قال جل وعلا هنا: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}{لا يغفر} يعني: أبداً{لا يغفر أن يشرك به} يعني: أنه بوعده هذا لم يجعل مغفرته لمن أشرك به.
قال هنا: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}قال العلماء: (في هذه الآية دليل على أن المغفرة لا تكون لمن أشرك شركاً أكبر أو أشرك شركاً أصغر، فإن الشرك لا يدخل تحت المغفرة ؛بل يكون بالموازنة، ما يُغفر إلا بالتوبة، فمن مات على ذلك غير تائب؛ فهو غير مغفور له ما فعله من الشرك، قد يغفر غير الشرك؛ كما قال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}).
فجعلوا الآية دليلاً على أن الشرك الأكبر والأصغر لا يدخل تحت المشيئة.
وجه الاستدلال من الآية: أن قوله: {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} هذه {أنْ} موصول حرفي مع {يشرك} فعل، وتُقدَّر (أنْ) المصدرية مع ما بعدها من الفعل -كما هو معلوم -: بمصدر، والمصدر نكرة وقع في سياق النفي، وإذا وقعت النكرة في سياق النفي عمّت، قالوا: (فهذا يدل على أن الشرك هنا الذي نُفي: الأكبر، والأصغر، وأيضاً الخفي، كل أنواع الشرك لا يغفرها الله جل وعلا؛ وذلك لعظم خطيئة الشرك؛ لأن الله -جل وعلا - هو الذي خلق، وهو الذي رزق، وهو الذي أعطى، وهو الذي تفضل، فكيف يتوجه القلب عنه إلى غيره؟
لاشك أن هذا ظلم، وهو ظلم في حق الله جل وعلا؛ ولذلك لم يغفر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وأكثر علماء الدعوة.
قال آخرون من أهل العلم: (إن قوله هنا: {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} دالة على العموم، ولكن هذا عموم مراد به خصوص الشرك الأكبر {لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} يعني: الشرك الأكبر فقط دون غيره، وأما ما دون الشرك الأكبر فإنه يكون داخلاً تحت المشيئة، فيكون العموم في الآية مراداً به الخصوص، لماذا؟
قالوا: لأن القرآن فيه هذا اللفظ {أن يشرك به} ونحو ذلك، ويراد به الشرك الأكبر دون الأصغر غالباً، فالشرك غالباً ما يطلق في القرآن على الأكبر دون الأصغر، قال جل وعلا: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}) {من يشرك بالله} هنا {يشرك} أيضاً فعل داخل في سياق الشرط؛ فيكون عامّاً، فهل يدخل الشرك الأصغر والخفي فيه؟
بالإجماع لا يدخل؛ لأن تحريم الجنة، وإدخال النار، والتخليد فيها إنما هو لأهل الموت على الشرك الأكبر، فدلنا ذلك على أن المراد بقوله: {مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} أنهم أهل الإشراك الشرك الأكبر، فلم يدخل الأصغر، ولم يدخل ما دونه، أو أنواع الأصغر، فيكون إذاً فهم آية النساء على فهم آية المائدة ونحوها: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} في الشرك الأكبر ونحو ذلك، فيكون إذاً: على هذا القول المراد بما نُفي هنا أن يُغفر: الشرك الأكبر.
ولما كان اختيار إمام الدعوة - كما هو اختيار عدد من المحققين كشيخ الإسلام، وابن القيم، وكغيرهما -:( أن العموم هنا للأكبر، والأصغر، والخفي، بأنواع الشرك) قام الاستدلال بهذه الآية صحيحاً؛ لأن الشرك أنواع وإذا كان الشرك بأنواعه لا يُغفر فهذا يوجب الخوف منه أعظم الخوف، إذا كان الرياء لا يغفر.
إذا كان الشرك الأصغر:
-الحلف بغير الله.
-أو تعليق التميمة.
-أو حلقة.
- أو خيط.
أو نحو ذلك من أنواع الشرك الأصغر.
-ما شاء الله وشئت.
-نسبة النعم إلى غير الله، إذا كان لا يغفر فإنه يوجب أعظم الخوف منه، كذلك الشرك الأكبر.
وإذا كان كذلك، فيجتمع إذاً في الخوف من الشرك من هم على غير التوحيد، يعني:
-من يعبدون غير الله.
-ويستغيثون بغير الله.
-ويتوجهون إلى غير الله.
-ويذبحون لغير الله.
-وينذرون لغير الله.
-ويحبون -محبة العبادة- غير الله.
- ويرجون غير الله؛ رجاء العبادة.
-ويخافون خوف السر من غير الله، إلى غير ذلك، يكون هؤلاء أولى بالخوف من الشرك؛ لأنهم وقعوا فيما هو مُتّفَقٌ عليه في أنه لا يغفر.
كذلك يقع في الخوف؛ ويكون الخوف أعظم ما يكون في أهل الإسلام، الذين قد يشركون بعض أنواع الشرك، من الشرك الخفي، أو الشرك الأصغر بأنواعه وهم لا يشعرون، أو وهم لا يحذرون، فيكون الخوف إذا علم العبد المسلم أن الشرك بأنواعه لا يغفر، وأنه مؤاخذ به،فليست الصلاة إلى الصلاة يغفر بها الشرك الأصغر، وليس رمضان إلى رمضان يغفر به الشرك الأصغر، وليست الجمعة إلى الجمعة يغفر به الشرك الأصغر، فإذاً: يغفر بماذا؟
يغفر بالتوبة فقط، فإن لم يتب فإنه ثَمَّ الموازنة بين الحسنات وبين السيئات، وما ظنكم بسيئة فيها التشريك بالله مع حسنات، من ينجو من ذلك؟

ليس ثَمَّ؛ إلا من عَظُمَتْ حسناته فزادت على سيئة ما وقع فيه من أنواع الشرك، ولاشك أن هذا يوجب الخوف الشديد؛ لأن المرء على خطر في أنه توزن حسناته وسيئاته، ثم يكون في سيئاته أنواع الشرك.

وهي كما هو معلوم عندكم، أن الشرك بأنواعه من حيث الجنس، أعظم من الكبائر؛ كبائر الأعمال المعروفة.

إذاً: وجه الاستدلال من آية النساء، أن قوله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} أن فيها عموماً يشمل أنواع الشرك جميعاً، وهذه لا تغفر، فيكون ذلك موجباً للخوف من الشرك، وإذا وقع أو حصل الشرك في القلب؛ فإن العبد يطلب معرفة أنواعه، حتى لا يشرك؛ ومعرفة أصنافه وأفراده، حتى لا يقع فيها، وحتى يُحَذِّر أحبابه ومن حوله منها.

لذلك كان أحب الخلق، أو أحب الناس، وخير الناس للناس؛ من يحذرهم من هذا الأمر، ولو لم يشعروا، ولو لم يعقلوا، قال جل وعلا: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} لأنهم يدلون الخلق على ما ينجيهم، فالذي يحب للخلق النجاة هو الذي يحذرهم من الشرك بأنواعه، ويدعوهم إلى التوحيد بأنواعه؛ لأن هذا أعظم ما يدعى إليه، ولهذا لما حصل من بعض القرى في زمن إمام الدعوة التردد، وشك، ورجوع عن مناصرة الدعوة، وفهم ما جاء به الشيخ رحمه الله، وكتبوا للشيخ، وغلَّظوا، وقالوا: (إن ما جئت به ليس بصحيح، و إنك تريد كذا وكذا) قال في آخرها بعد أن شرح التوحيد وضده، ورغَّب ورهَّب، قال في آخرها رحمه الله: (ولو كنتم تعقلون حقيقة ما دعوتكم إليه؛ لكنت أغلى عندكم من آبائكم، وأمهاتكم وأبنائكم، ولكنكم قوم لا تعقلون).
وهذا صحيح، ولكن لا يعقله إلا من عرف حق الله جل وعلا، رحمه الله تعالى، وأجزل له المثوبة؛ فجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء، ورفع درجته في المهديين، والنبيين، والصالحين.
ثم ساق الشيخ -رحمه الله- بعد هذه الآية قول الله جل وعلا: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} الذي دعا بهذه الدعوة هو إبراهيم عليه السلام، ومرّ معنا في الباب قبله أن إبراهيم قد حقق التوحيد، وقد وصفه الله بأنه كان أمة قانتاً لله حنيفاً، وبأنه لم يك من المشركين، فمن كان على هذه الحال، هل يطمئن من أنه لن يعبد غير الله، ولن يعبد الأصنام، أم يظل على خوفه؟
حال الكُمَّل الذين حققوا التوحيد؛ هل هم يطمئنون أم يخافون؟
هذا إبراهيم -عليه السلام- كما في هذه الآية خاف الشرك، وخاف عبادة الأصنام؛ فدعا الله بقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ} فكيف بمن دون إبراهيم ممن ليس من السبعين ألفاً، وهم عامة هذه الأمة؟
والواقع أن عامة الأمة لا يخافون من الشرك، فمن الذي يخاف؟ هو الذي يسعى في تحقيق التوحيد.
قال إبراهيم التيمي رحمه الله -من سادات التابعين- لما تلا هذه الآية قال: (ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟)
إذا كان إبراهيم -عليه السلام- هو الذي حقق التوحيد، وهو الذي وصف بما وصف به، وهو الذي كسر الأصنام بيده، ويخاف، فمن يأمن البلاء بعده؟
إذاً: ما ثَمَّ إلا غرور أهل الغرور.
وهذا يوجب الخوف الشديد؛ لأنه ما أُعطي إبراهيم الضمانة على ألا يشرك، وعلى ألا يزيغ قلبه، مع أنه سيد المحققين للتوحيد في زمانه، بل وبعد زمانه إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، فهو سيد ولد آدم ومع ذلك خاف.
قوله هنا: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} الأصنام: جمع صنم، والصنم: هو ما كان على صورة مما يُعبد من دون الله، يصور صورة على شكل وجه رجل؛ أو على شكل جسم حيوان، أو رأس حيوان؛ أو على شكل صورة كوكب، أو نجم؛ أو على شكل الشمس والقمر، ونحو ذلك.
فإذا صور صورة فتلك الصورة يقال لها صنم.
والوثن: هو ما عبد من دون الله مما هو ليس على شكل صورة.
فالقبر وثن، وليس بصنم؛ والمشهد مشاهد القبور عند عُباّدِها، هذه أوثان و ليست بأصنام، وقد يطلق على الصنم أنه وثن، كما قال -جل وعلا-ي قصة إبراهيم في سورة العنكبوت : {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} قد يطلق على قلة.
وقال بعض أهل العلم: (هم عبدوا الأصنام وعبدوا الأوثان جميعاً) فصار في بعض الآيات ذكر الأصنام؛ لعبادتهم الأصنام، وفي بعض الآيات ذكر الأوثان؛ لعبادتهم الأوثان.
والأول أظهر؛ لأنه قد يطلق على الصنم أنه وثن، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَناً يُعْبَدُ)) فدعا الله ألا يجعل قبره وثناً، فصار الوثن ما يعبد من دون الله مما ليس على هيئة صورة.
قال رحمه الله: (وفي الحديث: ((أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ))، فَسُئِلَ عَنْهُ، قَالَ: ((الرِّيَاءُ)))
الرياء قسمان:
- رياء المسلم .
- ورياء المنافق.
رياء المنافق: رياءٌ في أصل الدين، يعني: راءى بإظهار الإسلام وأبطن الكفر، {يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً}.
ورياء المسلم الموحد: أن يحسن صلاته من أجل نظر الرجل، أو أن يحسن تلاوته لأجل التسميع، أن يُمْدَح ويُسَمَّع، لا لأجل التأثير.


فالرياء مشتق من الرؤية، فما كان من جهة الرؤية، يعني: أن يُحسن عبادة لأجل أن يُرى من المتعبدين: يطيل في صلاته، يطيل في ركوعه، في سجوده، يقرأ في صلاته أكثر من العادة؛ لأجل أن يُرى ذلك منه، يقوم الليل؛ لأجل أن يقول الناس عنه إنه يقوم الليل، هذا شرك أصغر.
والشرك الأصغر هذا الذي هو الرياء، قد يكون محبطاً لأصل العمل الذي تعبد به، وقد يكون محبطاً للزيادة التي زادها، فيكون محبطاً لأصل العمل الذي تعبد به إذا ابتدأ النيّة بالريّاء، يعني: فيما لو صلى، دخل الصلاة لأجل أن يُرى أنه يصلي، ليس عنده رغبة في أن يصلي الراتبة، لكن لما رأى أنه يُرى؛ ولأجل أن يمدح بما يراه الناس منه، صلى، فهذا عمله يعني تلك الصلاة حابطة، ليس له فيها ثواب.
وإن جاء الرياء في أثناء العبادة، فإن ما زاده لأجل الرؤية يَبْطُل؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: قال الله تعالى: ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِيَ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)) .
الشاهد من الحديث: قوله عليه الصلاة والسلام: ((أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ)) هو أخوف الذنوب التي خافها النبي -عليه الصلاة والسلام- على أهل التوحيد؛ لأنهم ما داموا أهل توحيد؛ فإنهم ليسوا من أهل الشرك الأكبر، فبقي ما يُخاف عليهم الشرك الأصغر.
والشرك الأصغر:
تارة: يكون في النيات.
وتارة: يكون في الأقوال.
وتارة: يكون في الأعمال.
يعني: في القلب يكون الشرك الأصغر، وفي المقال، وفي الفعال أيضاً، وسيأتي في هذا الكتاب بيان أصناف من كل واحدة من هذه الثلاث.
إذاً: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الأَصْغَرُ)) فهو أخوف الذنوب على هذه الأمة.
لماذا خافه -عليه الصلاة والسلام- وكان أعظم الذنوب خوفاً ؟
- لأجل أثره، وهو أنه لا يغفر.
- ولأجل أن الناس قد يغفلون عنه.
فلهذا خافه عليهم عليه الصلاة والسلام، والشيطان حرصه على أهل التوحيد أن يُدخِل فيهم الشرك الأصغر من جهة الرياء، ومن جهة الأقوال، والأعمال، والنيات، أعظم من فرحه بغير ذلك من الذنوب.
بعد ذلك ساق حديث ابن مسعود، قال: (وعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ ماتَ وَهُوَ يَدْعو مِنْ دُونِ اللهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ))
وجه الاستدلال منه: أنه قال: ((من مات وهو يدعو من دون الله ندّاً)) ودعوة النِّد من دون الله من الشرك الأكبر؛ لأن الدعاء عبادة، وهو أعظم العبادة، وقد جاء في الحديث الصحيح: ((الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ)) وفي معناه حديث أنس الذي في (السنن): ((الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ)) فهو أعظم أنواع العبادة، فمن مات وهو يصرف هذه العبادة، أو شيئاً منها لغير الله -نِدٍّ من الأنداد- فقد استوجب النار.
وقوله: ((دخل النار)) يعني: كحال الكفار خالداً فيها؛ لأن الشرك الأكبر إذا وقع من المسلم فإنه ولو كان أصلح الصالحين يُحْبط العمل، وقد قال -جل وعلا- لنبيه : {وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} فلو أشرك النبي -عليه الصلاة والسلام- فإن الله عظيم، والله أكبر، وخلقه هم المحتاجون إليه، العبيد له سبحانه، فلو أشرك النبي -عليه الصلاة والسلام- لحبط عمله، ولكان في الآخرة من الخاسرين، أفلا يوجب هذا أن يخاف من هو دونه ممن يدعي الصلاح والعلم من الشرك؟
بل قد شاع في هذه الأمة أن بعض المنتسبين إلى العلم يدعو إلى الشرك، ويحضُّ عليه، ويُكرِّه ويبغّض في التوحيد، وهذا كما قال الله -جل وعلا- عن أسلافهم {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}
فإذاً: وجه الاستدلال ظاهر، ((من مات وهو يدعو من دون الله ندّاً دخل النار)) وذلك يوجب الخوف؛ لأن قصد المسلم، بل قصد العاقل أن يكون ناجياً من النار، ومتعرضاً لثواب الله في الجنة.
لفظ ((من دون الله)) يكثر في القرآن والسنة، و ((من دون الله)) عند علماء التفسير وعلماء التحقيق، يراد بها شيئان:
الأول: بمعنى (مع) ، ((يدعو من دون الله)) يعني: مع الله، وعبر عن المعية بلفظ ((من دون الله)) لأن كل من دعي مع الله فهو دون الله جل وعلا، فهم دونه والله -جل وعلا- هو الأكبر، هو العظيم، وفي هذا دليل على بشاعة عملهم.
والثاني: أن قوله: ((من دون الله)) يعني: غير الله ((من مات وهو يدعو من دون الله)) يعني: وهو يدعو إلهاً غير الله، فتكون ((من دون الله)) يعني: أنه لم يعبد الله، وأشرك معه غيره، بل دعا غيره استقلالاً، فشملت ((من دون الله)) الحالين:
- من دعا الله ودعا غيره.
- ومن دعا غير الله وتوجه إليه استقلالاً.
قال: (رواه البخاري. ولمسلم عن جابر-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ لَقِيَ اللهَ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً دَخَلَ النَّارَ))
((من لقي الله لا يشرك به شيئاً)) ذكرت لكم بالأمس أن قوله: ((لا يشرك به شيئاً)) هذا فيه نوعان من العموم:
- عموم في أنواع الشرك، فهي منفية.
- وعموم في المتوجه إليهم، في المشرَك بهم، في قوله: (شيئاً).
((من لقي الله لا يشرك)) يعني: بأي أنواع من الشرك.
((به شيئاً)) يعني: لم يتوجّه إلى أي أحد، لا لملك، ولا لنبي، ولا لصالح، ولا لجنيٍّ، ولا لطالح، ولا لحجر، ولا لشجر، إلى غير ذلك.
((دخل الجنة)) يعني: أن الله -جل وعلا- وعده بدخول الجنة برحمته سبحانه وتفضله، وبوعده الصادق الذي لا يُخْلَفُ.
قال: ((ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)) فكل مشرك متوعد بالنار.
بل وجه الدلالة؛ كما يستقيم مع استدلال الشيخ بالآية: بأن من لقي الله وهو على شيء من الشرك الأكبر، أو الأصغر، أو الخفي؛ فإنه سينال العقوبة والعذاب في النار والعياذ بالله.
قال: ((ومن لقيه يشرك به شيئاً)) فهذه فيها عموم أيضاً كما ذكرنا؛ لأن (من) هنا شرطية، و(يشرك) فيها نكرة، وهي عامة لأنواع الشرك، وشيئاً عامّة في المتوجه إليه ((من لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)).
وهنا ؛ دخول النار هل هو أبدي أم أمدي؟

بحسب الشرك:
-فإن كان الشرك أكبر، ومات عليه؛ فإنه يدخل النار دخولاً أبديًّا.
- وإن كان الشرك ما دون الشرك الأكبر، أصغر، أو خفي؛ فإنه متوعد بالنار وسيدخل النار ويخرج منها؛ لأنه من أهل التوحيد.
هل يدخل الشرك الأصغر في الموازنة أم لا؟
ذكرت لك في أول الدرس أن الشرك الأصغر:
- يدخل في الموازنة: موازنة الحسنات والسيئات.
- وأنه إذا رجحت حسناته أنه لا يعذب على الشرك الأصغر، لكن هذا ليس في كل الخلق، لكن منهم من يعذب على الشرك الأصغر؛ لأن الموازنة بين الحسنات والسيئات ليست في كل الخلق، وليست في كل الذنوب، بل قد يكون من الذنوب ما يستوجب النار، ولو رجحت الحسنات على السيئات؛ فإنه يستوجب الجنة؛ ولكن لابد من أن يطهر في النار.
وهذا دليل على وجوب الخوف من الشرك؛ لأن من لقي الله يشرك به شيئاً دخل النار، فإذا كان كذلك -وهذا يشمل الشرك الأكبر، والأصغر، والخفي- فإن المرء يجب عليه أن يهرب أشد الهرب من ذلك.
والشرك الأصغر والخفي يستعيذ المرء بالله -جل وعلا- منه، ويقول: ((اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ شَيْئاً أَعْلَمُهُ وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا لاَ أَعْلَم)) لأنه إذا علم فأشرك، فإنه سيترتب الأثر الذي ذكرناه وهو عدم المغفرة، ففي هذا الدعاء الذي علمناه رسولنا عليه الصلاة والسلام، فيه التفريق بين الشرك الأصغر مع العلم، والشرك الأصغر مع الجهل، فقال: ((أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً أعلمه)) لأن أمر الشرك الأصغر مع العلم عظيم، فيستعيذ المرء بالله من أن يشرك شركاً أصغر، وما هو أعلى منه من باب أولى وهو يعلم.
قال: ((وأستغفرك مما لا أعلم)) لأن المرء قد يكون شيء على فلتات لسانه وهو لا يعلم ولم يقصد ذلك، ويستغفر الله -جل وعلا- منه.
هذا يدلكم على أن الشرك أمره عظيم، ولا يتهاون أحد بهذا الأمر؛ لأن من تهاون بالشرك وبالتوحيد فإنه تهاون بأصل دين الإسلام، بل تهاون بدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة سنين عدداً، بل تهاون بدعوة الأنبياء والمرسلين؛ فإنهم اجتمعوا على شيء؛ ألا وهو العقيدة، وهو توحيد العبادة والربوبية والأسماء والصفات، وأما الشرائع فشتى.
لهذا وجب عليك الحذر كل الحذر من الشرك بأنواعه،وأن تتعلم ضده، وأن تتعلم أيضاً أفراد الشرك وأفراد التوحيد، وإنما يستقيم العلم بذلك إذا تعلمت الأفراد، أما التعلم الإجمالي لذلك فهذا كما يقال: نحن على الفطرة، لكن إذا أتت الأفراد ربما رأيت بعض الناس فيما بين ظهرانيكم يخوضون في بعض الأقوال أو الأعمال التي هي من جنس الشرك وهم لا يشعرون، وذلك لعدم خوفهم وهربهم من الشرك، نسأل الله -جل وعلا- العفو والعافية.
فإذاً: احرص على تعلم هذا الكتاب ومدارسته، وعلى كثرة مذاكرته، وفهم ما فيه من الحجج والبينات؛ لأنه هو خير ما يكون في صدرك بعد كتاب الله جل وعلا، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأن به إن شاء الله سبباً عظيماً من أسباب النجاة والفلاح.
هذا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

26 Oct 2008

العناصر


مناسبة باب (الخوف من الشرك) لكتاب التوحيد ولما قبله
بيان ثمرات الخوف من الشرك
بيان أنواع الشرك
معنى قوله -تعالى-: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)
- بيان معنى المغفرة
- الآية تدل على أن الشرك أعظم الذنوب، وأن التوحيد أعظم الواجبات
- وجه الرد على الخوارج والمعتزلة بقوله -تعالى-: (إن الله لا يغفر أن يشرك به..) الآية
- تحقيق المراد بالشرك في قوله: (إن الله لا يغفر أن يشرك به)
- بيان عدم مغفرة الله عز وجل الشرك دون سائر المعاصي
- بيان دخول الشرك الأصغر في معنى الآية وهو القول الأول
- بيان اختصاص الآية بالشرك الأكبر دون الأصغر وهو القول الثاني
- بيان الأدلة على اختصاص آية النساء بالشرك الأكبر فقط
- بيان صحة استدلال المؤلف بآية النساء على ترجمة الباب
بيان وجوب الخوف من الشرك لعموم الخلق مسلمهم وكافرهم
بيان وجوب معرفة أنواع الشرك وأصنافه للحذر منها جميعاً
بيان أفضل ما يدعى إليه الناس
معنى قوله -تعالى-: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)
- مناسبة قوله -تعالى-: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) للباب
- بيان خوف إبراهيم عليه السلام من الشرك
- المراد بالأبناء في قوله: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)
- بيان الفرق بين الصنم والوثن
شرح حديث (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر...)
- تمام حديث (أخوف ما أخاف عليكم)
- مناسبة حديث (أخوف ما أخاف عليكم) لباب الخوف من الشرك
- ترجمة محمود بن لبيد
- فائدة من قوله: (أخوف ما أخاف)
- لم كان الرياء أخوف ما يخاف علينا النبي صلى الله عليه وسلم؟
- بيان سبب خوف النبي عليه السلام من الشرك الأصغر
- بيان قرب الجنة والنار
الكلام على الرياء
- بيان أن الرياء العملي من الشرك الأصغر
- تعريف الرياء
- أقسام الرياء باعتبار إبطاله للعبادة
- بيان الشاهد من قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وأخوف ما أخاف عليكم)
شرح حديث ابن مسعود (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار)
معنى قوله: (من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار)
أقسام دعاء الند من دون الله
أقسام الدعاء
- بيان أن دعوة الند من دون الله شرك أكبر
- بيان أن دعوة الند من دون الله موجبة للخلود في النار، ووجوب الحذر من ذلك
- بيان معنى (من دون الله) في الحديث
شرح حديث جابر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
- ترجمة جابر بن عبد الله
- جزاء من مات موحداً ومن مات مشركاً
- معنى قوله: (من مات لا يشرك بالله شيئاً)
- هل يلزم من دخول من أشرك بالله شيئاً النار خلوده فيها؟
- تفسير (لا إله إلا الله)
- ذكر الشاهد من حديث جابر لباب الخوف من الشرك وأنه عام في جميع الأنواع
- لم اقتصر النبي على نفي الشرك في قوله: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً...)
- بيان معنى (دخل النار) في الحديث
خطر التهاون في معرفة الشرك وأنواعه.

مسائل الباب.