19 Jan 2015
مقدمات تفسير سورة المدثر
من تفسير ابن كثير وتفسير السعدي وزبدة التفسير للأشقر
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة المدّثّر). [تفسير القرآن العظيم: 8/261] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وهي مكّيّةٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/261] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (قالَ
الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا بُدِئَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
بالوَحْيِ أَتاهُ جِبريلُ فَرآهُ رَسولُاللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ
على سَريرٍ بينَ السماءِ والأرضِ كالنورِ الْمُتَلأْلِئِ, ففَزِعَ ووقَعَ
مغْشِيًّا عليه، فلَمَّا أَفاقَ دَخَلَ على خَديجةَ ودَعَا بماءٍ فصَبَّهُ
عليه، وقالَ: ((دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي)). فدَثَّرُوهُ بقَطيفةٍ). [زبدة التفسير: 575]
أسماء السورة
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (آخر تفسير سورة "المدّثّر" وللّه الحمد والمنة [وحسبنا الله ونعم الوكيل] ). [تفسير القرآن العظيم: 8/274]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (تَفسيرُ سُورةِ الْمُدَّثِّرِ). [تيسير الكريم الرحمن: 895]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (تَمَّ تفسيرُ سُورةِ الْمُدَّثِّرِ، ولِلَّهِ الحمْدُ). [تيسير الكريم الرحمن: 898]
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (سُورةُ الْمُدَّثِّرِ). [زبدة التفسير: 575]
نزول السورة
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (وهي مَكِّيَّةٌ). [تيسير الكريم الرحمن: 895]
أسباب النزول
* للاستزادة ينظر: هنا
تفسير
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ
(5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا
نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى
الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثبت
في صحيح البخاريّ [من حديث يحيى بن أبي كثيرٍ عن أبي سلمة] عن جابرٍ أنّه
كان يقول: أوّل شيءٍ نزل من القرآن: {يا أيّها المدّثّر} قال
البخاريّ: حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيع، عن عليّ بن المبارك، عن يحيى بن أبي
كثيرٍ قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرّحمن عن أوّل ما نزل من القرآن، قال:
{يا أيّها المدّثّر} قلت: يقولون: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}؟ فقال أبو
سلمة: سألت جابر بن عبد اللّه عن ذلك، وقلت له مثل ما قلت لي، فقال جابرٌ:
لا أحدّثك إلّا ما حدّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "جاورت
بحراء، فلمّا قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئًا، ونظرت
عن شمالي فلم أر شيئًا، ونظرت أمامي فلم أر شيئًا، ونظرت خلفي فلم أر
شيئًا. فرفعت رأسي فرأيت شيئًا، فأتيت خديجة فقلت: دثّروني. وصبّوا عليّ
ماءً باردًا. قال: فدثّروني وصبّوا عليّ ماءً باردًا قال: فنزلت {يا أيّها
المدّثّر (1) قم فأنذر (2) وربّك فكبّر} قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (1-{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} يا أيُّها الذي قد تَدَثَّرَ بثِيابِه، أيْ: تَغَشَّى بها). [زبدة التفسير: 575] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فقوله {قم فأنذر} أي: شمّر عن ساق العزم، وأنذر النّاس. وبهذا حصل الإرسال، كما حصل بالأوّل النّبوّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/262] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({قُمْ}؛ أي: بجِدٍّ ونَشاطٍ، {فَأَنْذِرْ} الناسَ بالأقوالِ والأفعالِ، التي يَحْصُلُ بها المقصودُ وبَيانُ حالِ الْمُنْذَرِ عنه؛ ليكونَ ذلك أَدْعَى لتَرْكِه). [تيسير الكريم الرحمن: 895] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (2-{قُمْ فَأَنذِرْ} أي: انْهَضْ فخَوِّفْ أهْلَ مكَّةَ وحَذِّرْهُم العذابَ إنْ لم يُسْلِمُوا). [زبدة التفسير: 575] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وربّك فكبّر} أي: عظّم). [تفسير القرآن العظيم: 8/262] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}؛ أي: عَظِّمْهُ بالتوحيدِ، واجْعَلْ مَقْصِدَكَ في إنذارِكَ وَجْهَ اللَّهِ، وأنْ يُعَظِّمَه العبادُ ويَقوموا بعِبادتِه). [تيسير الكريم الرحمن: 895] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (3-{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}
أيْ: واختَصَّ سَيِّدَكَ ومَالِكَك ومُصْلِحَ أمُورِكَ بالتكبيرِ، وهو
وَصْفُه سُبحانَه بالكبرياءِ والعظمَةِ، وأَنه أكْبَرُ مِن أنْ يَكونَ له
شَريكٌ). [زبدة التفسير: 575] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{وثيابك فطهّر} قال الأجلح الكنديّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّه أتاه
رجلٌ فسأله عن هذه الآية: {وثيابك فطهّر} قال: لا تلبسها على معصيةٍ ولا
على غدرة. ثمّ قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثّقفيّ: قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}
يَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ بثِيابِه أعمالُه كلُّها، وبتَطْهِيرِها
تَخْلِيصُها والنُّصْحُ بها، وإيقاعُها على أكمَلِ الوُجوهِ، وتَنْقِيَتُها
عن الْمُبْطِلاتِ والْمُفْسِداتِ والْمُنْقِصَاتِ؛ مِن شِرْكٍ ورِياءٍ
ونِفاقٍ وعُجْبٍ وتَكَبُّرٍ وغَفْلَةٍ وغيرِ ذلك ممَّا يُؤْمَرُ العبدُ
باجتنابِه في عِباداتِه. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (4- {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أمَرَه اللهُ سُبحانَه بتَطهيرِ ثِيابِه وحِفْظِها عن النَّجَاساتِ. وقالَ قَتادةُ: نفْسَكَ فطَهِّرْها مِن الذنْبِ). [زبدة التفسير: 575] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{والرّجز فاهجر} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {والرّجز} وهو
الأصنام، فاهجر. وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، وقتادة، والزّهريّ، وابن زيدٍ:
إنّها الأوثان. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}
يَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ بالرُّجْزِ الأصنامُ والأوثانُ، التي عُبِدَتْ
معَ اللَّهِ فأَمَرَه بتَرْكِها والبَراءَةِ مِنها وممَّا نُسِبَ إليها مِن
قَولٍ أو عمَلٍ. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (5- {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} أيْ: اتْرُكِ الأصنامَ والأوثانَ فلا تَعْبُدْها, فإنها سببُ العذابِ). [زبدة التفسير: 575] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{ولا تمنن تستكثر} قال ابن عبّاسٍ: لا تعط العطيّة تلتمس أكثر منها. وكذا
قال عكرمة، ومجاهدٌ، وعطاءٌ، وطاوسٌ، وأبو الأحوص، وإبراهيم النّخعيّ،
والضّحّاك، وقتادة، والسّدّيّ، وغيرهم. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}؛
أي: لا تَمْنُنْ على الناسِ بما أَسْدَيْتَ إليهم مِن النِّعَمِ
الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ، فتَسْتَكْثِرَ بتلكَ المِنَّةِ، وتَرَى لكَ
الفَضْلَ عليهم بإحسانِكَ الْمِنَّةَ، بل أَحْسِنْ إلى الناسِ مهما
أمْكَنَكَ، وانْسَ عندَهم إحسانَكَ، ولا تَطْلُبْ أجْرَه إلاَّ مِن اللَّهِ
تعالى، واجعَلْ مَن أَحْسَنْتَ إليه وغيرَه على حَدٍّ سَواءٍ. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (6- {وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}
لا تَمْنُنْ على ربِّكَ بما تَتَحَمَّلُه مِن أعباءِ النبوَّةِ, كالذي
يَستكثِرُ ما يَتحَمَّلُه بسببِ الغيرِ. وقيلَ: المعنى: إذا أَعْطَيْتَ
أَحَداً عَطِيَّةً فأَعْطِها لوجْهِ اللهِ, ولا تَمُنَّ بعَطِيَّتِكَ على
الناسِ). [زبدة التفسير: 575] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{ولربّك فاصبر} أي: اجعل صبرك على أذاهم لوجه ربّك عزّ وجلّ، قاله مجاهدٌ.
وقال إبراهيم النّخعيّ: اصبر عطيّتك للّه تعالى). [تفسير القرآن العظيم: 8/264] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}؛
أي: احْتَسِبْ بصَبْرِكَ، واقْصِدْ به وَجْهَ اللَّهِ تعالى. فامتَثَلَ
رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لأَمْرِ رَبِّه، وبادَرَ إليه،
فأَنْذَرَ الناسَ وأَوْضَحَ لهم بالآياتِ البَيِّنَاتِ جميعَ الْمَطَالِبِ
الإلهيَّةِ وعَظَّمَ اللَّهَ تعالى، ودعا الخلْقَ إلى تَعظيمِه، وطَهَّرَ
أعمالَه الظاهرةَ والباطنةَ مِن كلِّ سُوءٍ، وهَجَرَ كلَّ ما يُبْعِدُ عن
اللَّهِ مِن الأصنامِ وأَهْلِها، والشرِّ وأهلِه. قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (7- {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} أي: حُمِّلْتَ أمْرًا عَظيمًا ستُحَارِبُكَ العرَبُ عليه والعَجَمُ, فاصْبِرْ عليه للهِ). [زبدة التفسير: 575] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله:
{فإذا نقر في النّاقور (8) فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ (9) على الكافرين غير
يسيرٍ} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ والشّعبيّ، وزيد بن أسلم، والحسن، وقتادة،
والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، وابن زيدٍ: {النّاقور} الصّور.
قال مجاهدٌ: وهو كهيئة القرن. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ( (8 -10) {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}؛ أي: فإذا نُفِخَ في الصُّورِ للقيامِ مِن القُبورِ, وجُمِعَ الخَلْقُ للبَعْثِ والنُّشورِ). [تيسير الكريم الرحمن: 896] قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (8- {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}
المرادُ هنا النفْخُ في الصُّورِ, كأنه قِيلَ: اصبِرْ على أَذاهُم,
فبَيْنَ أيْدِيهِم يومٌ هائلٌ يَلْقَوْنَ فيه عاقِبَةَ أمْرِهم). [زبدة التفسير: 575] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ} أي: شديدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/265] قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ}؛ لكثرةِ أهوالِه وشَدائدِه). [تيسير الكريم الرحمن: 896] قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({على الكافرين غير يسيرٍ} أي: غير سهلٍ عليهم. كما قال تعالى {يقول الكافرون هذا يومٌ عسرٌ} [القمر: 8]. قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٌ}؛ لأنهم قدْ أَيِسُوا مِن كُلِّ خيرٍ، وأَيْقَنُوا بالهلاكِ والبَوَارِ.
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) )
وخالفه الجمهور فذهبوا إلى أنّ أوّل القرآن نزولًا قوله تعالى: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق} كما سيأتي [بيان] ذلك هناك.
هكذا ساقه من هذا الوجه. وقد رواه مسلمٌ من طريق عقيل، عن ابن شهابٍ، عن
أبي سلمة قال: أخبرني جابر بن عبد اللّه: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم يحدّث عن فترة الوحي: "فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من
السّماء، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراءٍ قاعدٌ على
كرسيٍّ بين السّماء والأرض، فجثثت منه حتّى هويت إلى الأرض، فجئت إلى أهلي،
فقلت: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوني، فأنزل اللّه {يا أيّها المدّثّر (1) قم
فأنذر} إلى: {فاهجر} - قال أبو سلمة: والرّجز: الأوثان -ثمّ حمي الوحي
وتتابع".
هذا لفظ البخاريّ وهذا السّياق هو المحفوظ، وهو يقتضي أنّه قد نزل الوحي
قبل هذا، لقوله: "فإذا الملك الّذي جاءني بحراءٍ"، وهو جبريل حين أتاه
بقوله: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق خلق الإنسان من علقٍ اقرأ وربّك الأكرم
الّذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم} ثمّ إنّه حصل بعد هذا فترةٌ،
ثمّ نزل الملك بعد هذا. ووجه الجمع أنّ أوّل شيءٍ نزل بعد فترة الوحي هذه
السّورة، كما قال الإمام أحمد:
حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا ليث، حدّثنا عقيل، عن ابن شهابٍ قال: سمعت أبا سلمة
بن عبد الرّحمن يقول: أخبرني جابر بن عبد اللّه: أنّه سمع رسول اللّه صلّى
اللّه عليه وسلم يقول: "ثمّ فتر الوحي عنّي فترةً، فبينا أنا أمشي سمعت
صوتًا من السّماء، فرفعت بصري قبل السّماء، فإذا الملك الّذي جاءني [بحراءٍ
الآن] قاعدٌ على كرسيٍّ بين السّماء والأرض، فجثت منه فرقًا، حتّى هويت
إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت لهم: زمّلوني زمّلوني. فزمّلوني، فأنزل اللّه:
{يا أيّها المدّثّر (1) قم فأنذر (2) وربّك فكبّر (3) وثيابك فطهّر (4)
والرّجز فاهجر} ثمّ حمي الوحي [بعد] وتتابع". أخرجاه من حديث الزّهريّ، به.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا محمّد بن عليّ بن شعيبٍ السّمسار، حدّثنا الحسن بن
بشرٍ البجلي، حدّثنا المعافى بن عمران، عن إبراهيم بن يزيد، سمعت ابن أبي
مليكة يقول: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: إنّ الوليد بن المغيرة صنع لقريشٍ
طعامًا، فلمّا أكلوا. قال: ما تقولون في هذا الرّجل؟ فقال بعضهم: ساحرٌ.
وقال بعضهم ليس بساحرٍ. وقال بعضهم: كاهنٌ. وقال بعضهم: ليس بكاهنٍ. وقال
بعضهم: شاعرٌ. وقال بعضهم ليس بشاعرٍ. وقال بعضهم: [بل] سحرٌ يؤثر. فأجمع
رأيهم على أنّه سحرٌ يؤثر. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فحزن
وقنع رأسه، وتدثّر، فأنزل اللّه {يا أيّها المدّثّر قم فأنذر وربّك فكبّر
وثيابك فطهّر والرّجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربّك فاصبر}). [تفسير القرآن العظيم: 8/261-262]
(1 -7) {يَا
أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ *
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلاَ تَمْنُنْ
تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}.
تَقَدَّمَ أنَّ الْمُزَّمِّلَ والْمُدَّثِّرَ
بمعنًى واحدٍ، وأنَّ اللَّهَ أمَرَ رسولَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ
بالاجتهادِ في عِبادةِ اللَّهِ القاصرةِ والْمُتَعَدِّيَةِ.
فتَقَدَّمَ هناكَ الأمْرُ له بالعباداتِ
الفاضلةِ القاصِرَةِ، والصبْرِ على أَذَى قَوْمِه، وأَمَرَه هنا بإعلانِ
الدعوةِ والصدْعِ بالإنذارِ، فقالَ: {قُمْ}؛ أي: بجِدٍّ ونَشاطٍ، {فَأَنْذِرْ} ). [تيسير الكريم الرحمن: 895]
تفسير قوله تعالى: (قُمْ فَأَنْذِرْ (2) )
تفسير قوله تعالى: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) )
تفسير قوله تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) )
فإني بحمد اللّه لا ثوب فاجر = لبست ولا من غدرة أتقنّع
وقال ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ [في هذه الآية] {وثيابك فطهّر}
قال: في كلام العرب: نقي الثّياب. وفي روايةٍ بهذا الإسناد: فطهّر من
الذّنوب. وكذا قال إبراهيم، الشعبي، وعطاءٌ.
وقال الثّوريّ، عن رجلٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {وثيابك فطهّر} قال: من الإثم. وكذا قال إبراهيم النّخعيّ.
وقال مجاهدٌ: {وثيابك فطهّر} قال: نفسك، ليس ثيابه. وفي روايةٍ عنه:
{وثيابك فطهّر} عملك فأصلح، وكذا قال أبو رزين. وقال في روايةٍ أخرى:
{وثيابك فطهّر} أي: لست بكاهنٍ ولا ساحرٍ، فأعرض عمّا قالوا.
وقال قتادة: {وثيابك فطهّر} أي: طهّرها من المعاصي، وكانت العرب تسمّي
الرّجل إذا نكث ولم يف بعهد اللّه إنّه لمدنس الثّياب. وإذا وفّى وأصلح:
إنّه لمطهّر الثّياب.
وقال عكرمة، والضّحّاك: لا تلبسها على معصيةٍ.
وقال الشّاعر
إذا المرء لم يدنس من اللّؤم عرضه = فكلّ رداء يرتديه جميل...
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وثيابك فطهّر} [يعني] لا تك ثيابك الّتي تلبس من مكسبٍ غير طائبٍ، ويقال: لا تلبس ثيابك على معصيةٍ.
وقال محمّد بن سيرين: {وثيابك فطهّر} أي: اغسلها بالماء.
وقال ابن زيدٍ: كان المشركون لا يتطهّرون، فأمره اللّه أن يتطهّر، وأن يطهّر ثيابه.
وهذا القول اختاره ابن جريرٍ، وقد تشمل الآية جميع ذلك مع طهارة القلب، فإنّ العرب تطلق الثّياب عليه، كما قال امرؤ القيس:
أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل = وإن كنت قد أزمعت هجري فأجملي...
وإن تك قد س ـاءتك منّي خليقةٌ = فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل
وقال سعيد بن جبيرٍ: {وثيابك فطهّر} وقلبك ونيتك فطهر.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظيّ، والحسن البصريّ: وخلقك فحسّن). [تفسير القرآن العظيم: 8/262-264]
ويَدْخُلُ في ذلك تَطهيرُ الثيابِ مِن
النجاسةِ؛ فإنَّ ذلكَ مِن تَمامِ التطهيرِ للأعمالِ خُصوصاً في الصلاةِ،
التي قالَ كثيرٌ مِن العُلماءِ: إنَّ إزالةَ النجاسةِ عنها شَرْطٌ مِن
شُروطِ الصلاةِ.
ويَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ بثِيابِه الثيابُ
المعروفةُ، وأنَّه مأمورٌ بتَطهيرِها عن جميعِ النَّجاساتِ، في جميعِ
الأوقاتِ خُصوصاً في الدُّخولِ في الصلواتِ، وإذا كانَ مَأموراً بتَطهيرِ
الظاهرِ فإنَّ طَهارةَ الظاهِرِ مِن تَمامِ طَهارةِ الباطِنِ). [تيسير الكريم الرحمن: 895]
تفسير قوله تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) )
وقال إبراهيم، والضّحّاك: {والرّجز فاهجر} أي: اترك المعصية.
وعلى كلّ تقديرٍ فلا يلزم تلبّسه بشيءٍ من ذلك، كقوله: {يا أيّها النّبيّ
اتّق اللّه ولا تطع الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 1] {وقال موسى لأخيه
هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتّبع سبيل المفسدين} [الأعراف: 142] ). [تفسير القرآن العظيم: 8/264]
ويَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ بالرُّجْزِ أعمالُ
الشَّرِّ كلُّها وأقوالُه، فيكونُ أمْراً له بتَرْكِ الذنوبِ؛ صغيرِها
وكبيرِها ظاهِرِها وباطنِها، فيَدْخُلُ في ذلك الشِّرْكُ وما دُونَه). [تيسير الكريم الرحمن: 895]
تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) )
وروي عن ابن مسعودٍ أنّه قرأ: "ولا تمنن أن تستكثر".
وقال الحسن البصريّ: لا تمنن بعملك على ربّك تستكثره. وكذا قال الرّبيع بن
أنسٍ، واختاره ابن جريرٍ. وقال خصيفٌ، عن مجاهدٍ في قوله: {ولا تمنن
تستكثر} قال: لا تضعف أن تستكثر من الخير، قال تمنن في كلام العرب: تضعف.
وقال ابن زيدٍ: لا تمنن بالنّبوّة على النّاس، تستكثرهم بها، تأخذ عليه عوضًا من الدّنيا.
فهذه أربعة أقوالٍ، والأظهر القول الأوّل، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 8/264]
وقد قِيلَ: إنَّ معنَى هذا: لا تُعْطِ أَحَداً
شيئاً وأنتَ تُريدُ أنْ يُكافِئَكَ عليه بأكثرَ منه. فيكونُ هذا خاصًّا
بالنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ). [تيسير الكريم الرحمن: 895]
تفسير قوله تعالى: (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) )
وله الْمِنَّةُ على الناسِ - بعدَ مِنَّةِ
اللَّهِ - مِن غيرِ أنْ يَطلُبَ منهم على ذلك جزاءً ولا شُكوراً، وصَبَرَ
لِلَّهِ أكْمَلَ صَبْرٍ، فصَبَرَ على طاعةِ اللَّهِ وعن معاصي اللَّهِ وعلى
أقدارِ اللَّهِ الْمُؤْلِمَةِ، حتى فاقَ أُولِي العزْمِ مِن
المُرْسَلِينَ، صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه وعليهم أَجْمَعِينَ). [تيسير الكريم الرحمن: 895-896]
تفسير قوله تعالى: (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) )
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، عن
مطرّف، عن عطيّة العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {فإذا نقر في النّاقور} فقال: قال
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن
وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر فينفخ؟ " فقال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم: فما تأمرنا يا رسول اللّه؟ قال: "قولوا: حسبنا اللّه ونعم
الوكيل، على اللّه توكّلنا".
وهكذا رواه الإمام أحمد عن أسباطٍ، به ورواه ابن جريرٍ عن أبي كريب، عن ابن
فضيلٍ وأسباطٍ، كلاهما عن مطرّفٍ، به. ورواه من طريقٍ أخرى، عن العوفيّ،
عن ابن عبّاسٍ، به). [تفسير القرآن العظيم: 8/264-265]
تفسير قوله تعالى: (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) )
تفسير قوله تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) )
وقد روينا عن زرارة بن أوفى -قاضي البصرة-: أنّه صلّى بهم الصّبح، فقرأ هذه
السّورة، فلمّا وصل إلى قوله: {فإذا نقر في النّاقور (8) فذلك يومئذٍ يومٌ
عسيرٌ (9) على الكافرين غير يسيرٍ} شهق شهقةً، ثمّ خرّ ميّتًا، رحمه
اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 8/265]
ومفهومُ ذلكَ أنَّه على المؤمنينَ يَسيرٌ؛ كما قالَ تعالى: {يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}). [تيسير الكريم الرحمن: 896]
* للاستزادة ينظر: هنا