الدروس
course cover
ح18: حديث أبي ذر ومعاذ بن جبل: (اتق الله حيثما كنت...) ت
29 Oct 2008
29 Oct 2008

9866

0

0

course cover
الأربعون النووية

القسم الثالث

ح18: حديث أبي ذر ومعاذ بن جبل: (اتق الله حيثما كنت...) ت
29 Oct 2008
29 Oct 2008

29 Oct 2008

9866

0

0


0

0

0

0

0

ح18: حديث أبي ذر ومعاذ بن جبل: (اتق الله حيثما كنت...) ت


قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (

18- عن أبي ذرٍّ جُندُبِ بنِ جُنَادَةَ وأبي عبدِ الرَّحمنِ مُعاذِ بنِ جبلٍ رضِي اللهُ عَنْهُما، عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) رواه التِّرمذيّ، وقالَ: (حديثٌ حَسَنٌ). وفي بعضِ النُّسَخِ: (حسنٌ صحيحٌ).

هيئة الإشراف

#2

29 Oct 2008

شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين


قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (

الحديث الثامن عشر

عَنْ أَبِيْ ذَرٍّ جُنْدُبِ بنِ جُنَادَةَ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذِ بِنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسنٌ صحيح.

الشرح
قوله: "اتَّقِ اللهَ" أي اتخذ وقاية من عذاب الله عز وجل، وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
" حَيْثُمَا كُنْتَ" حيث: ظرف مكان، أي في أي مكان كنت سواء في العلانية أو في السر، وسواء في البيت أو في السوق، وسواء عندك أناس أو ليس عندك أناس.
" وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا" (أتبع) فعل أمر، و (السيئة) مفعول أول، و(الحسنة) مفعول ثان.
" تَمْحُهَا" جواب الأمر، ولهذا جزمت، لأن جواب الأمر يكون مجزوماً، ولو لم تكن مجزومة لقيل: تمحوها.
والمعنى: إذا فعلت سيئة فأتبعها بحسنة، فهذه الحسنة تمحو السيئة.
واختلف العلماء - رحمهم الله - هل المراد بالحسنة التي تتبع السيئة هي التوبة، فكأنه قال: إذا أسأت فتب، أو المراد العموم؟
الصواب: الثاني، أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن توبة، دليل هذا قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات) [هود: الآية114] ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم رجل وقال: إنه أصاب من امرأة ما يصيب الرجل من امرأته إلا الزنا، وكان قد صلى معهم الفجر، فقال: أصليت معنا صلاة الفجر؟ قال: نعم، فتلا عليه الآية:( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات )[هود:114](2) وهذا يدل على أن الحسنة تمحو السيئة وإن لم تكن هي التوبة.
" وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا" فبين النتيجة هي أنها تمحوها.
" وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" أي عامل الناس بخلق حسن.
والخُلُق: هو الصفة الباطنة في الإنسان، والخَلْقُ: هو الصفة الظاهرة، والمعنى: عامل الناس بالأخلاق الحسنة بالقول وبالفعل.
فما هو الخلق الحسن؟
قال بعضهم: الخلق الحسن: كف الأذى، وبذل الندى، والصبر على الأذى - أي على أذى الغير - والوجه الطلق.
كف الأذى منك للناس.
بذل الندى أي العطاء.
الصبر على الأذى لأن الإنسان لايخلو من أذية من الناس.
الوجه الطلق: طلاقة الوجه.
وضابط ذلك ما ذكره الله عزّ وجل في قوله: (خُذِ الْعَفْوَ ) [الأعراف:199] أي خذ ما عفا وسهل من الناس، ولاترد من الناس أن يأتوك على ما تحب لأن هذا أمر مستحيل، لكن خذ ما تيسر(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199] وهل الخلق الحسن جِبْلِيٌّ أو يحصل بالكسب؟
الجواب: بعضه جبلي، وبعضه يحصل بالكسب، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشجّ عبد قيس: "إِنَّ فِيْكَ لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الحِلْمُ وَالأَنَاةُ" قال: يارسول الله أخلقين تخلّقت بهما أم جبلني الله عليهما؟ قال: "بَلْ جَبَلَكَ اللهُ عَلَيْهِمَا" قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب(3).
فالخلق الحسن يكون طبيعياً بمعنى أن الإنسان يمنّ الله عليه من الأصل بخلق حسن، ويكون بالكسب بمعنى أن الإنسان يمرّن نفسه على الخلق الحسن حتى يكون ذا خلق حسن.
والعجيب أن الخلق الحسن يُكسِب الإنسان الراحة والطمأنينة وعدم القلق لأنه مطمئن من نفسه في معاملة غيره.
من فوائد هذا الحديث:
1. وجوب تقوى الله عزّ وجل حيثما كان الإنسان، لقوله: "اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ" وذلك بفعل أوامره واجتناب نواهيه سواء كنت في العلانية أو في السر.
وأيهما أفضل: أن يكون في السر أو في العلانية؟
وفي هذا تفصيل: إذا كان إظهارك للتقوى يحصل به التأسّي والاتباع لما أنت عليه فهنا إعلانها أحسن وأفضل، ولهذا مدح الله الذين ينفقون سرّاً وعلانية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ"(4)
أما إذا كان لايحصل بالإظهار فائدة فالإسرار أفضل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يظلّهم الله في ظله: "رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِيْنُهُ"(5).
وهل الأفضل في ترك المعاصي إعلانه أو إسراره؟
يقال فيه ما قيل في الأوامر، فمثلاً إذا كان الإنسان يريد أن يدخل في عمل فقيل له:إنه يشتمل على محرم كالأمور الربوية فتركه جهاراً، فذلك أفضل لأنه يُتأسّى به، وأما إذا كان الأمر لايتعدى إلى الغير ولا ينتفع به فالإسرار أفضل.
فإن قال قائل: قوله صلى الله عليه وسلم : "اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ" هل يشمل فعل الأوامر في أماكن غير لائقة كالمراحيض مثلاً؟
الجواب: لا تفعل الأوامر في هذه الأماكن، ولكن انوِ بقلبك أنك مطيع لله عزّ وجل ممتثل لأمره مجتنب لنهيه.
2. أن الحسنات يذهبن السيئات لقوله: أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا.
3. فضل الله عزّ وجل على العباد وذلك لأننا لو رجعنا إلى العدل لكانت الحسنة لاتمحو السيئة إلا بالموازنة، وظاهر الحديث العموم.
وهل يُشترط أن ينوي بهذه الحسنة أنه يمحو السيئة التي فعل؟
فالجواب: ظاهر الحديث: لا، وأن مجرد فعل الحسنات يذهب السيئات، وهذا من نعمة الله عزّ وجل على العباد ومن مقتضى كون رحمته سبقت غضبه.
4. -الحث على مخالقة الناس بالخلق الحسن، لقوله: "وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".
فإن قيل: معاملة الناس بالحزم والقوة والجفاء أحياناً هل ينافي هذا الحديث أو لا؟
فالجواب: لا ينافيه، لأنه لكل مقام مقال، فإذا كانت المصلحة في الغلظة والشدة فعليك بها، وإذا كان الأمر بالعكس فعليك باللين والرفق، وإذا دار الأمر بين اللين والرفق أو الشدة والعنف فعليك باللين والرفق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ اللهَ رَفِيْقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ"(6) ولقد جرت أشياء كثيرة تدل على فائدة الرفق ومن ذلك: مرّ يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: السام عليك يامحمد - والسام يعني الموت - فقالت عائشة رضي الله عنها : عليك السام واللعنة - جزاءً وفاقاً وزيادة أيضاً - فنهاها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "إِنَّ اللهَ رَفِيْقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الكَتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ" . والله الموفّق.
_______________________________________________________________

(1) أخرجه الترمذي كتاب: البر والصلة، باب: ما جاء في معاشرة الناس، (1987). والإمام أحمد- في مسند الانصار عن أبي ذر الغفاري، ج5/ص153، (21681)
(2) أخرجه البخاري كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الصلاة كفارة، (526). ومسلم – كتاب: التوبة، باب: قوله تعالى ) إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)(هود: من الآية114)، (2763)،(42)
(3) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين (17) (25).
(4) أخرجه مسلم كتاب الزكاة، باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، (1017)،(69)
(5) أخرجه البخاري كتاب: الأذان، باب: من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد،(660) ومسلم كتاب: الزكاة، باب: فضل إخفاء الصدقة، (1031)،(93)
(6) أخرجه البخاري كتاب: الادب، باب: الرفق في الأمر كله، (6024). ومسلم- كتاب: السلام، باب: النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم، (2165)، (10)

هيئة الإشراف

#3

7 Nov 2008

شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السنيدي

قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (

(1) ترجمةُ الصَّحَابِيَّيْنِ:

1- جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ الغِفَارِيُّ، كَانَ من المُلْهَمِينَ بالخَيرِ في الجاهليَّةِ، والزَّاهِدِينَ في الدُّنْيَا، أَسْلَمَ قَدِيمًا و مَاتَ بالرَّبَذَةِ سَنَةَ إِحْدَى أو اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ وَتَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ، فلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا، وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرةٌ جِدًّا، وَكَانَ مَوْتُهُ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَانَ.
2- مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ الأَنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ، أَسْلَمَ قَدِيمًا، شَهِدَ العَقَبَةَ والمَشَاهِدَ كُلَّهَا، وكانَ إليهِ المُنْتَهَى في العِلمِ بالأحكَامِ والقُرْآنِ، وهُوَ مِنْ فُقَهاءِ الصَّحَابَةِ وَأَجِلاَّئِهِمْ، مَاتَ بِنَاحِيَةِ الأُرْدُنِّ بالطَّاعُونِ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، عَنْ بِضْعٍ وثلاثِينَ سنةً، -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
الشَّرحُ:
عَنْ أبي ذَرٍّ وأبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ -رَضِيَ اللهُ عنهُمَا- قَالاَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اتَّقِ اللهَ)) الذي لا يَخْفَى عليهِ خَافِيَةٌ.
((حَيْثُمَا كُنْتَ)) في أَيِّ: مَكَانٍ كُنْتَ؛ حَيثُ يَرَاكَ النَّاسُ، وَحَيْثُ لا يَرَوْنَكَ؛ لأَِنَّ اللهَ الذي يَنْبَغِي تَقْوَاهُ، مَعَكَ أَيْنَمَا كُنْتَ، وَأَقْرَبُ إليكَ مِنْ حَبْلِ الوَريدِ، وَرَقِيبٌ عَلَيكَ، عَالِمٌ بِظَاهِرِكَ وَبَاطِنِكَ، لا يَخْفَى علَيْهِ شيءٌ مِنْ أَمْرِكَ،والتقْوَى دَرَجَاتٌ:
الدَّرَجَةُ الأُولَى مِن التَّقْوَى:
اتِّقَاءُ أَنْوَاعِ الكُفْرِ كُلِّهَا وَتَحْصِيلُ الإيمانِ.
والوُسْطَى منهُ:
تَحْصِيلُ المَأْمُورَاتِ وَاجْتِنَابُ المَنْهِيَّاتِ.
والأَعْلَى مِنْهُ:
قَطْعُ العَلائِقِ كُلِّهَا، والكَوْنُ للهِ تَعَالى ظَاهِرًا وبَاطِنًا في عُمُومِ الأَوْقاتِ والأَحْوَالِ.
والتَّقْوَى خيرُ الزَّادِ والمَعَادِ، وَأَهْلُهَا الكُرَمَاءُ عِنْدَ اللهِ تَعَالى.

هيئة الإشراف

#4

7 Nov 2008

المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري


قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (

الحديثُ الثامنَ عشَرَ

(1) (عنْ أبي ذَرٍّ ومُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) رواهُ أبو دَاوُدَ وأحمدُ والتِّرْمِذِيُّ وغَيْرُهُم بإسنادٍ حَسَنٍ).

الرَّاوِي الأَوَّلُ:
هوَ معاذُ بنُ جبلٍ، أسلمَ وعُمْرُهُ ثَمَانِيَ عشرَ سنةً، أَعْلَمُ الأُمَّةِ بالحلالِ والحرامِ، وماتَ في العامِ الثامنَ عَشَرَ من الهجرةِ، ولهُ مائةٌ وسبعةٌ وخمسونَ حديثاً.
والرَّاوِي الآخَرُ:
أبو ذَرٍّ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سفيانَ الغِفَارِيُّ، تُوُفِّيَ في العامِ الثاني والثلاثينَ من الهجرةِ، ولهُ مائتانِ وواحدٌ وثمانونَ حديثاً.
الموضوعُ:
حقوقُ اللَّهِ وحقوقُ المخلوقينَ.
المفرداتُ:
((اتَّقِ اللَّهَ)) التَّقْوَى هيَ: قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: (التَّقْوَى هِيَ الخوفُ من الجليلِ، والعملُ بالتنزيلِ، والاستعدادُ ليومِ الرحيلِ، والرِّضَا من الدُّنيا بالقليلِ).
- وقالَ ابنُ مسعودٍ:(هِيَ أنْ يُطَاعَ اللَّهُ فلا يُعْصَى، ويُذْكَرَ فلا يُنْسَى، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَرَ).
- وقالَ أبو الدَّرْدَاءِ:(هِيَ أنْ يكونَ لِسَانُكَ رَطْباً بذِكْرِ اللَّهِ تعالى).
- وقالَ طَلْقُ بنُ حَبِيبٍ: (هِيَ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ على نورٍ من اللَّهِ، تَرْجُو ثوابَ اللَّهِ، وأنْ تتركَ معصيَةَ اللَّهِ على نُورٍ من اللَّهِ، تَخْشَى عقابَ اللَّهِ).
- وقالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ:(هِيَ أنْ تجعلَ بَيْنَكَ وبينَ عذابِ اللَّهِ وقايَةً بفِعْلِ الأوامرِ وتركِ النَّوَاهِي).
- وقالَ ابنُ المُعْتَزِّ:


خـَلـِّ الــذُّنـُوبَ صـَغيرَهَا = وكـَبِيرَهـَا فـَهـْوَ التُّقَى
وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْضِ = الـشَّوْكِ يــحـذر ما يـَرَى
لاتـَحـْقـِرَنَّ صـَغـِيرَةً = إنَّ الجـِبـَال َمـنَ الــحَصَى


مَكَانَةُ التَّقْوَى:
- هيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ تعالى لخَلْقِهِ، قالَ تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].
- وهيَ وَصِيَّتُهُ للنَّبِيِّينَ والمؤمنينَ وللناسِ.
- وهيَ وَصِيَّةُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأُمَّةِ.
وللتَّقْوَى ثمراتٌ:
منها:
- الهُدَى.
- تيسيرُ الأمرِ.
- الرزقُ منْ حيثُ لا يَحْتَسِبُ.
- تكفيرُ السَّيِّئَاتِ.
- نصرُ اللَّهِ تعالى وتَأْيِيدُهُ.
- قَبُولُ العملِ.
- دُخُولُ الجَنَّةِ.
- النجاةُ من النارِ.
- الفَلاحُ.
- العِلْمُ.
- وغيْرُها.
والأمرُ في قَوْلِهِ: {اتَّقِ اللَّهَ} [البقرة: 206] يقتضي الوُجُوبَ لِيَفْعَلَ الإنسانُ الأوامرَ ويجتنبَ النَّوَاهِيَ.
((حَيْثُمَا كُنْتَ)) أيْ: في أيِّ مكانٍ كُنْتَ في الخَلْوَةِ والجَلْوَةِ، في المنزلِ والطريقِ والمسجدِ والمدرسةِ ومعَ الناسِ، وفي المزرعةِ والمَتْجَرِ والمصنعِ والسيَّارةِ.
وعلى أيِّ حالٍ منْ أَحْوَالِكَ: في اليقظةِ والنومِ، والقيامِ والقعودِ، والسرِّ والعَلَنِ، والليلِ والنهارِ، والصحَّةِ والسَّقَمِ، والشبابِ والْهَرَمِ، والغنى والفقرِ، والرخاءِ والشدَّةِ، واليُسْرِ والعُسْرِ، وعلى جميعِ الأحوالِ؛ لأن اللَّهَ لا تَخْفَى عليهِ خافيَةٌ، كلُّ شيءٍ مكشوفٌ لهُ؛ ولأنَّ الحياةَ كُلَّهَا عبادةٌ.
قالَ تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحِجْر: 99]، ولأنَّ الموتَ والحياةَ والصلاةَ والنُّسُكَ وكُلَّ شيءٍ للَّهِ تعالى.

هيئة الإشراف

#5

7 Nov 2008

شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح


قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (

(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:

تَكْمُنُ أَهَمِّيَّةُ هذا الحديثِ بدَعْوَتِهِ إلى:
1- تقوى اللهِ هيَ غايَةُ الدِّينِ، وأصلُ كلِّ خيرٍ وفضيلةٍ، كما هيَ وصيَّةُ اللهِ تعالى القديمةُ للأوَّلينَ والآخِرِينَ.
2- حُسْنُ الخُلُقِ غايَةٌ منْ غاياتِ الدِّينِ الْحَنيفِ، وحُسْنُ الخُلُقِ سببٌ لترابُطِ الأمَّةِ، وانتشارِ المحبَّةِ، كما هوَ سببُ القُرْبِ مِن اللهِ تعالى ورفعُ الدَّرجاتِ يومَ الدِّينِ.
وصيَّةٌ عظيمَةٌ:
الوصيَّةُ بالتَّقوى وصيَّةٌ عظيمةٌ، وهيَ وصيَّةُ اللهِ للأوَّلينَ والآخِرِينَ، قالَ تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ}.
وكانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْدأُ أكْثَرَ خُطَبِهِ بتذكيرِ النَّاسِ بتقوى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ ففي خُطبةِ الحاجةِ كانَ يَقرأُ الآياتِ الآتيَةَ:
- قولَهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
- وقولَهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
- وقولَهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.
تَعريفُ التَّقوَى:
والتَّقْوَى في اللُّغَةِ: اتِّخَاذُ وِقايَةٍ وحاجزٍ يَمْنَعُكَ ويَحْفَظُكَ مِمَّا تَخَافُ منهُ وتَحْذَرُهُ.
وتَقوَى اللهِ عزَّ وجلَّ يُعَرِّفُها ابنُ رَجَبٍ:(بأنْ يَجعلَ العبدُ بينَهُ وبينَ ما يَخشاهُ مِنْ ربِّهِ؛ مِنْ غَضبِهِ وسَخَطِهِ وعقابِهِ، وقايَةً تَقِيهِ مِنْ ذلكَ، وهوَ فِعْلُ طاعتِهِ واجتنابُ مَعاصِيهِ).
وللسـَّلفِ في تفسيرِ التَّقوى أقوالٌ كثيرةٌ؛ منها: (أنْ يُطاعَ فلا يُعصى، ويُذْكَرَ فلا يُنْسَى، ويُشْكَرَ فلا يُكْفَرَ).
- ويَدخلُ في تقوى اللهِ فعلُ الواجباتِ وتَرْكُ المحرَّماتِ، وهذهِ تَقوَى واجبةٌ على العبدِ لا بُدَّ مِنْ تَحقيقِهَا.
- كما يَدخلُ في التَّقوى فِعْلُ الْمُسْتَحبَّاتِ وتَرْكُ المكروهاتِ، وهذا يُؤَدِّي إلى كَمالِ تحقيقِ التَّقوَى، قالَ تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِّمَا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}.
إضافاتُ التَّقوَى ومَعْنَاها:
تُضافُ التَّقوى إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، كما قالَ تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} وقالَ سبحانَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فيكونُ المعنى على ضَوْءِ هذهِ الإضافةِ: اتَّقُوا سَخَطَ اللهِ وغَضَبَه، وهذا أَعْظَمُ ما يُتَّقَى؛ لأنَّ بسَببِهِ يَنشأُ عِقابُهُ وعذابُهُ في الدُّنيا والآخِرةِ.
واللهُ عزَّ وجلَّ أَهْلٌ أنْ يُتَّقَى ويُخْشَى، ويُهابَ ويُجَلَّ، ويُعَظَّمَ في قلوبِ عِبادِهِ، قالَ تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}.
كما تُضافُ التَّقوَى إلى عِقابِ اللهِ وإلى مَوْضِعِهِ، وهوَ النَّارُ، وإلى زَمانِهِ، وهوَ يومُ القيامةِ، قالَ تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} وقالَ: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}{وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ}.
فَضائلُ التَّقوَى:
وَرَدَتْ نُصوصٌ كثيرةٌ في الكِتابِ والسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ تُبَيِّنُ فَضْلَ التَّقوى، وإليكَ بَعْضًا منها:
1- الْجَنَّةُ يَرِثُهَا الْمُتَّقُونَ، قالَ تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}.
2- التَّقْوى سببٌ لِمَحَبَّةِ اللهِ للعبدِ، قالَ تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.
3- فَتْحُ بَرَكاتِ السَّماواتِ والأرضِ للمُتَّقينَ، قالَ تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}.
4- مَعِيَّةُ اللهِ معَ المُتَّقينَ، قالَ تعالى: {إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.
5- تَيسيرُ الأمورِ في الدُّنيا والآخرَةِ، قالَ تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}.
6- خيرُ زادِ العبدِ في الدُّنيا والآخرةِ التَّقوَى، قالَ تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.
7- العاقبةُ الطَّيِّبَةُ في الدُّنيا والآخرةِ للمتَّقينَ، قالَ تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
تقوَى اللهِ في السِّرِّ والعَلَنِ:
قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ)) يَعْنِي: اتَّقِ اللهَ في السِّرِّ حيثُ لا يَراكَ أَحَدٌ، وفي العَلَنِ حيثُ يَراكَ النَّاسُ؛ لأنَّ اللهَ مُراقِبٌ لجميعِ الأعمالِ والأقوالِ والأحوالِ، قالَ تعالى: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} قالَ ابنُ كثيرٍ: (وهذا إرشادٌ وأَمْرٌ بِمُرَاقَبَةِ الرَّقيبِ).
إنَّ عَدَمَ مُراقبةِ اللهِ في السِّرِّ عَلامةٌ على مَرَضِ القلبِ، وهذا هوَ فِعْلُ المنافقينَ؛ لذلكَ أَنْكَرَ اللهُ عليهم؛ حيثُ إنَّهُم يَسْتَخْفُونَ بقبائِحِهِم مِن النَّاسِ لِئَلاَّ يُنْكِرُوا عليهم، ويُجاهِرُونَ اللهَ بها، وهوَ مُطَّلِعٌ على السَّرائرِ، عالمٌ ما في الضَّمائِرِ، قالَ تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ}.
لذلكَ قالَ بعضُ الصَّالحينَ: (اتَّقِ اللهَ أنْ يكونَ أهْوَنَ النَّاظرينَ إليكَ).
وقالَ أبو سُلَيْمَانَ:(إنَّ الخاسِرَ مَنْ أَبْدَى للنَّاسِ صالِحَ عَمَلِهِ، وبارَزَ بالقبيحِ مَنْ هوَ أقربُ إليهِ مِنْ حَبْلِ الوَريدِ).
وقالَ بعضُهُم: (تَقوى اللهِ في السِّرِّ علامةُ كمالِ الإيمانِ).

هيئة الإشراف

#6

7 Nov 2008

جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي


قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (

(1) هَذَا الحَدِيثُ خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِن رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَيْمُونِ بنِ أَبِي شَبِيبٍ، عن أَبِي ذَرٍّ، وخَرَّجَهُ أيضًا بِهَذَا الإِسْنَادِ عن مَيْمُونٍ عَنْ مُعَاذٍ، وذَكَرَ عَنْ شَيْخِهِ مَحْمُودِ بنِ غَيلاَنَ أَنَّهُ قَالَ: حَدِيث أَبِي ذَرٍّ أَصَحُّ.

فهَذَا الحَدِيثُ قَد اخْتُلِفَ في إِسْنَادِهِ وقِيلَ فيه: عَن حَبِيبٍ، عَنْ مَيْمُونٍ:((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَّى بذَلِكَ)) مُرْسَلاً.
ورَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا المُرْسَلَ.
وقَدْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الحَدِيثَ، وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِن تَصْحِيحِهِ، فبَعِيد.
ولَكِنَّ الحَاكِمَ خَرَّجَهُ، وَقَالَ: (صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وهو وَهْمٌ مِن وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُما:أَنَّ مَيْمُونَ بنَ أَبِي شَبِيبٍ، ويُقَالُ: ابنُ شَبِيبٍ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ البُخَارِيُّ في (صَحِيحِه) شَيْئًا، وَلاَ مُسْلِمٌ إِلاَّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ حَدِيثًا عن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ.
والثَّانِي:أَن َّمَيْمُونَ بنَ أَبِي شَبِيبٍلَمْ يَصِحَّ سَمَاعُه مِن أَحَدٍ مِن الصَّحَابَةِ، قَالَ الفَلاَّسُ:(لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِن رِوَايَاتِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ: ((سَمِعْتُ)) وَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّ أَحَدًا يَزْعُمُ أَنَّه سَمِعَ مِن أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ:(رِوَايَتُه عَنْ أَبِي ذَرٍّ وعَائِشَةَ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ).
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ:(لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ، وَلَمْ يَرَ عَلِيًّا، وحِينَئذٍ فَلَمْ يُدْرِكْ مُعَاذًابطَرِيقِ الأَوْلَى).
ورَأْيُ البُخَارِيِّ وشَيْخِهِ عَلِيِّ بنِ المَدِينِيِّ،وَأَبِي زُرْعَةَ وأَبِي حاَتِمٍ وغَيْرِهِم: (أَنَّ الحَدِيثَ لاَ يَتَّصِلُ إِلاَّ بِصِحَّةِ اللُّقِيِّ).
وكَلاَمُ الإِمَامِ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، ونَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي (الرِّسَالَةِ) وهَذَا كُلُّه خِلاَفُ رَأْيِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللهُ.
- وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه وَصَّى بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ مُعَاذًا، وأَبَا ذَرٍّ مِن وُجُوهٍ أُخَرَ، فَخَرَّجَ البَزَّارُ مِن حَدِيثِ ابنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذٍ:((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى قَوْمٍ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي.
قَالَ: ((أَفْشِ السَّلاَمَ، وَابْذُلِ الطَّعَامَ، وَاسْتَحْي مِنَ اللهِ اسْتَحَياءَ رَجُلٍ ذَا هَيْئَةٍ مِنْ أَهْلِكَ، وَإِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ، وَلْيَحْسُنْ خُلُقُكَ مَا اسْتَطَعْتَ)).
- وخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ والحَاكِمُ مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ: (أَنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ أَرَادَ سَفَرًا.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي.
قَالَ: ((اعْبُدِ اللهَ، وَلاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا)).
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ زِدْنِي.
قَالَ: ((إِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ)).
قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ زِدْنِي.
قَالَ: ((اسْتَقِمْ وَلْتُحْسِنْ خُلُقَكَ)).
- وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ مِن حَدِيثِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ:(أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ((أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلاَنِيَتِهِ، وَإِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ، وَلاَ تَسْأَلَنَّ أَحَدًا شَيْئًا وَإِنْ سَقَطَ سَوْطُكَ، وَلاَ تَقْبِضْ أَمَانَةً، وَلاَ تَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ)).
- وخَرَّجَ أَيْضًا مِن وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ عَلِّمْنِي عَمَلاً يُقَرِّبُنِي مِن الْجَنَّةِ ويُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ.
قَالَ: ((إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً، فَاعْمَلْ حَسَنَةً؛ فَإِنَّها عَشْرُ أَمْثَالِهَا)).
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنَ الْحَسَنَاتِ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ؟
قَالَ: ((هِيَ أَحْسَنُ الْحَسَناتِ)).
- وخَرَّجَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي (التَّمْهِيدِ) بإِسْنَادٍ فِيهِ نَظَرٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَال: ((يَا مُعَاذُ، اتَّقِ اللهَ، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً، فَأَتْبِعْهَا حسَنَةً)).
فَقَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ؟
قَالَ: ((هِي مِنْ أَكْبَرِ الْحَسَنَاتِ)).
- وَقَدْ رُوِيَتْ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ وغَيْرِه بسِيَاقٍ مُطَوَّلٍ مِن وُجُوهٍ فِيهَا ضَعْفٌ.
ويَدْخُلُ فِي هَذَا المَعْنَى حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ: مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ؟
قَالَ: ((تَقْوَى اللهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ)) خَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وابنُ ماجه والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، وابنُ حِبَّانَ فِي (صَحِيحِهِ).
فهَذِهِ الوَصِيَّةُ وَصِيَّةٌ عَظِيمَةٌ جَامِعَةٌ لِحُقُوقِ اللهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَتَّقُوهُ حَقَّ تُقَاتِهِ، والتَّقْوَى وَصِيَّةُ اللهِ للأَوَّلِينَ والآخِرِينَ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ}[النساء: 131].
وأَصْلُ التَّقْوَى:
- أَنْ يَجْعَلَ العَبْدُ بَيْنَهُ وبَيْنَ مَا يَخَافُه ويَحْذَرُه وِقَايَةً تَقِيهِ مِنْهُ، فَتَقْوَى العَبْدِ لرَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ مَا يَخْشَاهُ مِن رَبِّهِ، مِن غَضَبِهِ، وسَخَطِهِ، وعِقَابِهِ، وِقَايَةً تَقِيهِ مِن ذَلِكَ، وهو فِعْلُ طَاعَتِهِ واجْتِنَابُ مَعَاصِيهِ.
- وتَارَةً تُضَافُ التَّقْوَى إِلَى اسْمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[المائدة: 96].
وقَوْلِهِ: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ ولْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ واتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[الحشر: 8 ].
فإِذَا أُضِيفَتِ التَّقْوَى إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، فالْمَعْنَى: اتَّقُوا سَخَطَهُ وغَضَبَهُ، وهو أَعْظَمُ مَا يُتَّقَى، وعَنْ ذَلِكَ يَنْشَأُ عِقَابُه الدُّنْيَوِيُّ والأُخْرَوِيُّ، قَالَ تَعَالَى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ}[آل عمران: 28]، وقَالَ تَعَالَى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر: 56].
فهو سُبْحَانَه أَهْلٌ أَنْ يُخْشَى ويُهَابَ ويُجَلَّ ويُعَظَّمَ فِي صُدُورِ عِبَادِهِ حَتَّى يَعْبُدُوهُ ويُطِيعُوه، لِمَا يَسْتَحِقُّه مِن الإِجْلاَلِ والإِكْرَامِ، وصِفَاتِ الكِبْرِيَاءِ والعَظَمَةِ وقُوَّةِ البَطْشِ، وشِدَّةِ البَأْسِ.
وفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هَذِهِ الآيَةِ: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ}[المدثر: 56] قَالَ: ((قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَى، فَمَنِ اتَّقَانِي فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِيَ إِلَهًا آخَرَ، فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ)).
- وتَارَةً تُضَافُ التَّقْوَى إِلَى عِقَابِ اللهِ وإِلَى مَكَانِهِ، كالنَّارِ.
- أو إِلَى زَمَانِهِ، كيَوْمِ القِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {واتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[آل عمران: 131] وقَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ للْكَافِرِينَ} [البقرة: 24].
وقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ}، {واتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}[البقرة: 281، 48].
ويَدْخُلُ فِي التَّقْوَى الكَامِلَةِ فِعْلُ الوَاجِبَاتِ، وتَرْكُ المُحَرَّمَاتِ والشُّبُهَاتِ، ورُبَّمَا دَخَلَ فيها بَعْدَ ذَلِكَ فِعْلُ المَنْدُوبَاتِ، وتَرْكُ المَكْرُوهَاتِ، وهو أَعْلَى دَرَجَاتِ التَّقْوَى، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الم(1) ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ(3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[البقرة: 1-4].
وقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلاَئِكَةِ والكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ والْمُوفُونَ بعَهْدِهِم إِذَا عَاهَدُوا والصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ}[البقرة: 177].
قَالَ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ:(يُنَادَى يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيْنَ المُتَّقُونَ؟
فَيَقُومُونَ فِي كَنَفٍ مِن الرَّحْمَنِ لاَ يَحْتَجِبُ مِنْهُم وَلاَ يَسْتَتِرُ، قَالُوا لَهُ: مَنِ المُتَّقُونَ؟
قَالَ: قَوْمٌ اتَّقَوُا الشِّرْكَ وعِبَادَةَ الأَوْثَانِ، وأَخْلَصُوا للهِ بالعِبَادَةِ).
وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ:(المُتَّقُونَ الذِينَ يَحْذَرُونَ مِن اللهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِن الهُدَى، ويَرْجُونَ رَحْمَتَهُ في التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ).

وقَالَ الحَسَنُ:(المُتَّقُونَ اتَّقَوْا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِم، وَأَدَّوْا مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِم).

وقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ:(لَيْسَ تَقْوَى اللهِ بصِيَامِ النَّهَارِ، ولاَ بقِيَامِ اللَّيْلِ، والتَّخْلِيطِ فيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، ولَكِنَّ تَقْوَى اللهِ تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللهُ، وأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللهُ، فَمَنْ رُزِقَ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرًا، فهو خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ).
وقَالَ طَلْقُ بنُ حَبِيبٍ:(التَّقْوَى أَنْ تَعْمَلَ بطَاعَةِ اللهِ عَلَى نَورٍ مِن اللهِ تَرْجُو ثَوَابَ اللهِ، وأَنْ تَتْرُكَ مَعْصِيَةَ اللهِ عَلَى نُورٍ مِن اللهِ تَخَافُ عِقَابَ اللهِ).
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: (تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ العَبْدُ حَتَّى يَتَّقِيَهُ مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، حَتَّى يَتْرُكَ بَعْضَ مَا يَرَى أَنَّه حَلاَلٌ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، يَكُونُ حِجَابًا بَيْنَهُ وبَيْنَ الحَرَامِ) فَإِنَّ اللهَ قَدْ بَيَّنَ للعِبَادِ الذِي يُصَيِّرُهم إِلَيْهِ فَقَالَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزله7-8] فَلاَ تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِن الْخَيْرِ أَنْ تَفْعَلَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِن الشَّرِّ أَنْ تَتَّقِيَهُ.


وقَالَ الْحَسَنُ:(مَا زَالَتِ التَّقْوَى بالمُتَّقِينَ حَتَّى تَرَكُوا كَثِيرًا مِن الْحَلاَلِ مَخَافَةَ الحَرَامِ).
وقَالَ الثَّوْرِيُّ:(إنَّمَا سُمُّوا مُتَّقِينَ؛ لأَِنَّهُم اتَّقَوا مَا لاَ يُتَّقَى).
وقَالَ مُوسَى بنُ أَعْينَ: (المُتَّقُونَ تَنَزَّهُوا عَن أَشْيَاءَ مِن الحَلاَلِ مَخَافَةَ أَنْ يَقَعُوا فِي الحَرَامِ، فَسَمَّاهُم اللهُ مُتَّقِينَ).
وقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ: ((لاَ يَبْلُغُ العَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لاَ بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ)).
وَحَدِيثُ: ((مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ)).
وقَالَ مَيْمُونُ بنُ مِهْرَانَ:(المُتَّقِي أَشَدُّ مُحَاسَبَةً لنَفْسِهِ مِن الشَّرِيكِ الشَّحِيحِ لِشَرِيكِهِ).
وقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران: 102] قَالَ: (أَنْ يُطَاعَ فَلاَ يُعْصَى، وُيذْكَرَ فَلاَ يُنْسَى، وأَنْ يُشْكَرَ فَلاَ يُكْفَرَ).
وخَرَّجَهُ الحَاكِمُ مَرْفُوعًا والْمَوْقُوفُ أَصَحُّ، وشُكْرُه يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ فِعْلِ الطَّاعَاتِ، ومَعْنَى ذِكْرِه فَلاَ يُنْسَى: ذَكْرُ العَبْدِ بقَلْبِهِ لأَِوَامِرِ اللهِ في حَرَكَاتِهِ وسَكَنَاتِهِ وكَلِمَاتِهِ فيَمْتَثِلُهَا، ولنَوَاهِيهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فيَجْتَنِبُهَا.
وَقَدْ يَغْلِبُ اسْتِعْمَالُ التَّقْوَى عَلَى اجْتِنَابِ المُحَرَّمَاتِ كَمَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وسُئِلَ عَنِ التَّقْوَى، فَقَالَ: (هَلْ أَخَذْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعْتَ؟ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُ الشَّوْكَ عَدَلْتُ عَنْهُ، أو جَاوَزْتُه، أو قَصَرْتُ عَنْهُ، قَالَ: ذَاكَ التَّقْوَى).


وأَخَذَ هَذَا المَعْنَى ابنُ المُعْتَزِّ فَقَالَ:


خـَلـِّ الذُّنـُوبَ صَغِيرَهَا = وَكـَبـِيرَهـَا فـهو التُّقَى
واصـْنـَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ = أَرْ ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى
لاَتـَحـْقـِرَنَّ صـَغـِيرَةً = إِنَّ الجـِبـَالَ مِنَ الــحَصَى

وأَصْلُ التَّقْوَى:
أَنْ يَعْلَمَ العَبْدُ مَا يُتَّقَى ثُمَّ يَتَّقِيَ.
قَالَ عَوْنُ بنُ عَبْدِ اللهِ:(تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ تَبْتَغِيَ عِلْمَ مَا لَمْ يُعْلَمْ منها إِلَى مَا عُلِمَ مِنْهَا).

وذَكَرَ مَعْرُوفٌ الكَرْخِيُّ عن بَكْرِ بنِ خُنَيْسٍ، قَالَ: (كَيْفَ يَكُونُ مُتَّقِيًا مَن لاَ يَدْرِي مَا يُتَّقَى؟).
ثُمَّ قَالَ مَعْرُوفٌ: (إِذَا كُنْتَ لاَ تُحْسِنُ تَتَّقِي أَكَلْتَ الرِّبَا، وإِذَا كُنْتَ لاَ تُحْسِنُ تَتَّقِي لَقِيَتْكَ امْرَأةٌ فَلَمْ تَغُضَّ بَصَرَكَ، وإِذَا كُنْتَ لاَ تُحْسِنُ تَتَّقِي وَضَعْتَ سَيْفَكَ عَلَى عَاتِقِكَ).
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ:((إِذَا رَأَيْتَ أُمَّتِي قَدْ اخْتَلَفَتْ، فَاعْمِدْ إِلَى سَيْفِكَ فاضْرِبْ بِهِ أُحُدًا)).
ثُمَّ قَالَ مَعْرُوفٌ:(ومَجْلِسِي هَذَا لَعَلَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نتَّقِيَهُ).
ثُمَّ قَالَ: (ومَجِيئُكُم مَعِي مِن المَسْجِدِ إِلَى ههنا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّقِيَهُ، أَلَيْسَ جَاءَ في الحَدِيثِ:((إِنَّهُ فِتْنَةٌ لِلمَتْبُوعِ مَذَلَّةٌ لِلتَّابِعِ)) يَعْنِي: مَشْيَ النَّاسِ خَلْفَ الرَّجُلِ.


وفي الجُمْلَةِ، فالتَّقْوَى هي: وَصِيَّةُ اللهِ لجَمِيعِ خَلْقِهِ، ووَصِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُِمَّتِهِ، وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا علَى سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ في خَاصَّةِ نَفْسِهِ بتَقْوَى اللهِ، وبِمَن مَعَهُ مِن المُسْلِمِينَ خَيْرًا.

ولَمَّا خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَصَّى النَّاسَ بتَقْوَى اللهِ، وبالسَّمْعِ والطَّاعَةِ لأَِئِمَّتِهِم.

ولَمَّا وَعَظَ النَّاسَ، وقَالُوا لَهُ: كَأَنَّها مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا.

قَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ والسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ)).

وفي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ الذي خَرَّجَهُ ابنُ حِبَّانَ وغَيْرُه:


قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي.

قَالَ: ((أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ رَأْسُ الأَمْرِ كُلِّهِ)).

- وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْصِنِي.
قَالَ: ((أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّهُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ، وَعَلَيْكَ بِالجِهَادِ، فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ الإِسْلاَمِ)) وخَرَّجَه غَيْرُه، ولَفْظُه: قَالَ: ((عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ فَإِنَّها جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ)).
وفي التِّرْمِذِيِّ عَنْ يَزِيدَ بنِ سَلَمَةَ: أَنَّه سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا فَأَخَافُ أَنْ يُنْسِيَنِي أوَّلَه آخرُه، فَحَدِّثْنِي بِكَلِمَةٍ تَكُونُ جِمَاعًا.
قَالَ:((اتَّقِ اللهَ فِيمَا تَعْلَمُ)).
وَلَمْ يَزَلِ السَّلَفُ الصَّالِحُ يَتَوَاصَوْنَ بِهَا:


- كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ في خُطْبَتِهِ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَوصِيكُمْ بتَقْوَى اللهِ، وأَنْ تُثْنُوا عَلَيْهِ بِمَا هو أَهْلُه، وأَنْ تَخلِطُوا الرَّغْبَةَ بالرَّهْبَةِ، وتَجْمَعُوا الإِلْحَافَ بالْمَسْأَلَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَثْنَى عَلَى زَكَرِيَّا وأَهْلِ بَيْتِهِ) فَقَالَ: {إنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا ورَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].

ولَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ، وعَهِدَ إِلَى عُمَرَ، دَعَاهُ، فَوَصَّاهُ بوَصِيَّةٍ، وَأَوَّلُ مَا قَالَ لَهُ: (اتَّقِ اللهَ يَا عُمَرُ).

- وكَتَبَ عُمَرُ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللهِ:(أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أُوصِيكَ بتَقْوَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَاهُ وَقَاهُ، ومَنْ أَقْرَضَهُ جَزَاهُ، ومَنْ شَكَرَهُ زَادَهُ، فاجْعَلِ التَّقْوَى نُصْبَ عَيْنَيْكَ وجَلاَءَ قَلْبِكَ).
واسْتَعْمَلَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَجُلاً عَلَى سَرِيَّةٍ، فَقَالَ لَهُ: (أُوصِيكَ بتَقْوَى اللهِ الذِي لاَ بُدَّ لَكَ مِن لِقَائِهِ، وَلاَ مُنْتَهَى لَكَ دُونَه وهو يَملِكُ الدُّنْيَا والآخِرَةَ).
- وكَتَبَ عُمَرُ بنُ عبدِ العَزِيزِ إِلَى رَجُلٍ: (أُوصِيكَ بتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي لاَ يَقْبَلُ غَيْرَها، وَلاَ يَرْحَمُ إلاَّ أَهْلَها، وَلاَ يُثِيبُ إِلاَّ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ الوَاعِظِينَ بِهَا كَثِيرٌ، والعَامِلِينَ بِهَا قَلِيلٌ، جَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ مِنَ المُتَّقِينَ).


ولَمَّا وُلِّيَ خَطَبَ، فحَمِدَ اللهَ، وأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: (أُوصِيكُم بتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَلَفٌ مِن كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ مِن تَقْوَى اللهِ خَلَفٌ).
- وقَالَ رَجُلٌ ليُونُسَ بنِ عُبَيْدٍ: أَوْصِنِي، فَقَالَ: (أُوصِيكَ بتَقْوَى اللهِ والإِحْسَانِ؛ فَإِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).

- وقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُرِيدُ الحَجَّ: (أَوْصِنِي) فَقَالَ: (اتَّقِ اللهَ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ، فَلاَ وَحْشَةَ عَلَيْهِ).

- وقِيلَ لرَجُلٍ مِن التَّابِعِينَ عندَ مَوْتِهِ: أَوْصِنَا، فَقَالَ: (أُوصِيكُمْ بِخَاتِمَةِسُورَةِ النَّحْلِ): {إنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل: 128].
- وكَتَبَ رَجُلٌ مِن السَّلَفِ إِلَى أَخٍ لَهُ: (أُوصِيكَ بتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهَا أَكْرَمُ مَا أَسْرَرْتَ، وأَزْيَنُ مَا أَظْهَرْتَ، وأَفْضَلُ مَا ادَّخَرْتَ، أَعَانَنَا اللهُ وإِيَّاكَ عَلَيْهَا، وأَوْجَبَ لَنَا وَلَكَ ثَوَابَهَا).
- وكَتَبَ رَجُلٌ مِنْهُم إِلَى أَخٍ لَهُ: (أُوصِيكَ وأَنْفُسَنا بالتَّقْوَى؛ فَإِنَّهَا خَيْرُ زَادِ الآخِرَةِ والأُولَى، واجْعَلْهَا إِلَى كُلِّ خَيْرٍ سَبِيلَكَ، ومِن كُلِّ شَرٍّ مَهْرَبَكَ، فَقَدْ تَوَكَّلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لأَِهْلِهَا بالنَّجَاةِ مِمَّا يَحْذَرُونَ، والرِّزْقِ مِن حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُونَ).
- وقَالَ شُعْبَةُ:(كُنْتُ إِذَا أَرَدْتُ الخُرُوجَ، قُلْتُ للحَكَمِ: (أَلَكَ حَاجَةٌ)فَقَالَ: (أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ: ((اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)).
- وقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: ((اللهُمَّ إِنِّي أَسْألُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعِفَّةَ وَالغِنَى)).
- وقَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {ومَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق: 2 ] ثُمَّ قَالَ: ((يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُم أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُمْ)).
- فَقَوْلُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ)) مُرَادُه في السِّرِّ والعَلاَنِيَةِ حَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ وحَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِن حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ((أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ فِي سِرِّ أَمْرِكَ وَعَلاَنِيَتِهِ)).
- وكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ في دُعَائِهِ: ((أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)) وخَشْيَةُ اللهِ فِي الغَيْبِ والشَّهَادَةِ هي مِن المُنْجِيَاتِ.
- وَقَدْ سَبَقَ مِن حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ مُعَاذٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ((اسْتَحِ مِنَ اللهِ اسْتِحْيَاءَ رَجُلٍ ذَا هَيْبَةٍ مِنْ أَهْلِكَ)).
وهَذَا هو السَّبَبُ المُوجِبُ لِخَشْيَةِ اللهِ في السِّرِّ؛ فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ اللهَ يَرَاهُ حَيْثُ كَانَ، وأنَّه مُطَّلِعٌ عَلَى بَاطِنِه وظَاهِرِه، وسِرِّهِ وعَلاَنِيَتِهِ، واسْتَحْضَرَ ذَلِكَ فِي خَلَوَاتِهِ، أَوْجَبَ لَهُ ذَلِكَ تَرْكَ المَعَاصِي فِي السِّرِّ، وإِلَى هَذَا المَعْنَى الإِشَارَةُ فِي القُرْآنِ بقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء: 1].
- كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ لأَِصْحَابِهِ: (زهَّدَنَا اللهُ وإِيَّاكُم فِي الحَرَامِ زُهْدَ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فِي الخَلْوَةِ، فَعَلِمَ أَنَّ اللهَ يَرَاهُ، فَتَرَكَهُ مِن خَشْيَتِهِ، أو كَمَا قَالَ).
- وقَالَ الشَّافِعِيُّ:(أَعَزُّ الأَشْيَاءِ ثَلاَثَةٌ: الجُودُ مِن قِلَّةٍ، والوَرَعُ في خَلْوَةٍ، وكَلِمَةُ الحَقِّ عندَ مَن يُرْجَى ويُخَافُ).
- وكَتَبَ ابنُ السَّمَّاكِ الوَاعِظُ إِلَى أَخٍ لَهُ: (أَمَّا بَعْدُ: أُوصِيكَ بتَقْوَى اللهِ الَّذِي هو نَجِيُّكَ في سَرِيرَتِكَ ورَقِيبُكَ فِي عَلاَنِيَتِكَ، فاجْعَلِ اللهَ مِن بَالِكَ عَلَى كُلِّ حَالِكَ في لَيْلِكَ ونَهَارِكَ، وخَفِ اللهَ بقَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ، وقُدْرَتِهِ عَلَيْكَ، واعْلَمْ أَنَّكَ بعَيْنِهِ لَيْسَ تَخْرُجُ مِن سُلْطَانِهِ إِلَى سُلْطَانِ غَيْرِه وَلاَ مِن مُلْكِهِ إِلَى مُلْكِ غَيْرِه، فلْيَعْظُمْ منه حَذَرُكَ، ولْيَكْثُرْ مِنْهُ وَجَلُكَ والسَّلاَمُ).
- وقَالَ أَبُو الجَلَدِ:(أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيٍّ مِن الأَنْبِيَاءِ: قُلْ لقَوْمِكَ: مَا بالُكُمْ تَسْتُرُونَ الذُّنُوبَ مِن خَلْقِي، وتُظْهِرُونَهَا لِي؛ إِنْ كُنْتُم تَرَوْنَ أَنِّي لاَ أَرَاكُم، فَأَنْتُم مُشْرِكُونَ بِي، وَإِنْ كُنْتُم تَرَونَ أَنِّي أَرَاكُمْ فَلِمَ جَعَلْتُمُونِي أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكُم؟).
- وكَانَ وُهَيْبُ بنُ الوَرْدِ يَقُولُ: (خَفِ اللهَ عَلَى قَدْرِ قُدْرَتِهِ عَلَيْكَ، واسْتَحِ منه عَلَى قَدْرِ قُرْبِهِ منك).
- وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: عِظْنِي، فَقَالَ: (اتَّقِ اللهَ أَنْ يَكُونَ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ).
- كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ: (أَتُرَاكَ تَرْحَمُ مَنْ لَمْ تُقِرَّ عَيْنَيْهِ بِمَعْصِيَتِكَ حَتَّى عَلِمَ أَنْ لاَ عَيْنَ تَرَاهُ غَيْرُكَ؟).
- وقَالَ بَعْضُهم: (ابنَ آدَمَ، إِنْ كُنْتَ حَيْثُ رَكِبْتَ المَعْصِيَةَ لَمْ تَصْفُ لَكَ مِن عَيْنٍ نَاظِرَةٍ إِلَيْكَ، فَلَمَّا خَلَوْتَ باللهِ وَحْدَهُ صَفَتْ لَكَ مَعْصِيَتُهُ، وَلَمْ تَسْتَحِ منه حَيَاءَكَ مِن بَعْضِ خَلْقِهِ، مَا أَنْتَ إِلاَّ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِنْ كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّه لاَ يَرَاكَ، فَقَدْ كَفَرْتَ، وإِنْ كُنْتَ عَلِمْتَ أَنَّه يَرَاكَ فَلَمْ يَمْنَعْكَ منه مَا مَنَعَكَ مِن أَضْعَفِ خَلْقِهِ لَقَدْ اجْتَرَأْتَ عَلَيْهِ).
- دَخَلَ بَعْضُهُم غَيْضَةً ذَاتَ شَجَرٍ، فَقَالَ: (لو خَلَوْتُ ههنا بِمَعْصِيَةٍ، مَنْ كَانَ يَرَانِي؟ فسَمِعَ هَاتِفًا بصَوْتٍ مَلأََ الغَيْضَةَ:{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: 14]).
- رَاوَدَ بَعْضُهُم أَعْرَابِيَّةً، وَقَالَ لَهَا: (مَا يَرَانَا إِلاَّ الكَوَاكِبُ، قَالَتْ: فَأَيْنَ مُكَوْكِبُها؟)
- رَأَى مُحَمَّدُ بنُ المُنْكَدِرِ رَجُلاً وَاقِفًا مَعَ امْرَأَةٍ يُكَلِّمُهَا فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ يَرَاكُمَا، سَتَرَنَا اللهُ وإِيَّاكُمَا).
- قَالَ الحَارِثُ المُحَاسِبِيُّ:(المُرَاقَبَةُ عِلْمُ القَلْبِ بقُرْبِ الرَّبِّ).
- وسُئِلَ الجُنَيْدُ بِمَا يُسْتَعَانُ عَلَى غَضِّ البَصَرِ، قَالَ: (بعِلْمِكَ أَنَّ نَظَرَ اللهِ إِلَيْكَ أَسْبَقُ مِن نَظَرِكَ إِلَى مَا تَنْظُرُه).


وكَانَ الإِمامُ أَحْمَدُ يُنشِدُ:

إِذَا مَا خـَلـَوْتَ الدَّهرَ يـَوْمـًا = فَلاَ تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلاَتَحْسـَبـَنَّ اللهَ يَغْفـُلُ سـَاعَةً = وَلاَ أَنَّمَا يَخـْفَى عَلـَيـْهِ يَغِيبُ


وَكَانَ ابنُ السَّمَّاكِ يُنْشِدُ:

يَا مُدْمِنَ الذَّنْبِ أَمَا تَسْتَحِي = واللهُ في الخـَلـْوَةِ ثَانِيكا
غـــَرَّكَ مـِنْ رَبِّكَ إِمْهَالُهُ = وسَتـْرُهُ طـُولَ مـَسَاوِيكَا


والمَقْصُودُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَصَّى مُعَاذًا بتَقْوَى اللهِ سِرًّا وعَلاَنِيَةً، أَرْشَدَهُ إِلَى مَا يُعِينُه عَلَى ذَلِكَ وهو أَنْ يَسْتَحِييَ مِن اللهِ كَمَا يَسْتَحِي مِن رَجُلٍ ذِي هَيْبَةٍ مِن قَوْمِهِ.

ومَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَسْتَشْعِرَ دَائِمًا بقَلْبِهِ قُرْبَ اللهِ منه واطِّلاَعَهُ عَلَيْهِ فيَسْتَحِي مِن نَظَرِه إليه.

وقد امْتَثَلَ مُعَاذٌ مَا وَصَّاهُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانَ عُمَرُ قد بَعَثَه علَى عَمَلٍ، فقَدِمَ ولَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، فعَاتَبَتْهُ امْرَأَتُه.
فَقَالَ: (كَانَ مَعِي ضَاغِطٌ) يَعْنِى: مَن يُضَيِّقُ عَلَيَّ، ويَمْنَعُنِي مِن أَخْذِ شَيْءٍ، وَإِنَّما أَرَادَ مُعَاذٌ رَبَّهُ عزَّ وجلَّ، فظَنَّتِ امْرَأَتُه أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ مَعَهُ رَقِيبًا، فَقَامَتْ تَشْكُوهُ إِلَى النَّاسِ.
ومَن صَارَ لَهُ هَذَا المَقَامُ حَالاً دَائِمًا أو غَالبًا، فهو مِن المُحْسِنِينَ الذِينَ يَعْبُدُونَ اللهَ كَأَنَّهُم يَرَوْنَهُ، ومِن المُحْسِنِينَ الذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ والفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ.


وفي الجُمْلَةِ فتَقْوَى اللهِ في السِّرِّ هو عَلاَمَةُ كَمَالِ الإِيمَانِ، وله تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ في إِلْقَاءِ اللهِ لصَاحِبِه الثَّنَاءَ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ.

وفِى الحَدِيثِ: ((مَا أَسَرَّ عَبْدٌ سَرِيرَةً إِلاَّ أَلْبَسَهُ اللهُ رِدَاءَها عَلاَنِيَةً إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا، وَإِنْ شَرًّا فَشَرًّا)) رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا، ورُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ مِن قَوْلِهِ.

وقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ:(لِيَتَّقِ أَحَدُكُم أَنْ تَلْعَنَهُ قُلُوبُ المُؤْمِنِينَ وهو لاَ يَشْعُرُ، يَخْلُو بِمَعَاصِي اللهِ، فيُلْقِي اللهُ لَهُ البُغْضَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ).

- قَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ:(إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصِيبُ الذَّنْبَ في السِّرِّ فيُصْبِحُ وعَلَيْهِ مَذَلَّتُه)


- وقَالَ غَيْرُه: (إِنَّ العَبْدَ لَيُذْنِبُ الذَّنْبَ فِيمَا بَيْنَه وبَيْنَ اللهِ، ثُمَّ يَجِيءُ إِلَى إِخْوَانِهِ، فَيَرَوْنَ أَثَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وهَذَا مِن أَعْظَمِ الأَدِلَّةِ عَلَى وُجُودِ الإِلَهِ الحَقِّ المُجَازِي بذَرَّاتِ الأَعْمَالِ فِي الدُّنيا قبلَ الآخِرَةِ، وَلاَ يَضِيعُ عندَه عَمَلُ عَامِلٍ، وَلاَ يَنْفَعُ مِن قُدْرَتِهِ حِجَابٌ وَلاَ اسْتِتَارٌ، فالسَّعِيدُ مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَه وبَيْنَ اللهِ، فَإِنَّه مَن أَصْلَحَ مَا بَيْنَه وبَيْنَ اللهِ أَصْلَحَ اللهُ مَا بَيْنَه وبَيْنَ الخَلْقِ، ومَن الْتَمَسَ مَحَامِدَ النَّاسِ بسَخَطِ اللهِ، عَادَ حَامِدُه مِن النَّاسِ لَهُ ذَامًّا).

- قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ:(الخَاسِرُ مَن أَبْدَى للنَّاسِ صَالِحَ عَمَلِهِ، وبَارَزَ بالقَبِيحِ مَن هو أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ).

- ومِنْ أَعْجَبِ مَا رُوِيَ في هَذَا ما رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ السَّائِحِ قَالَ: (كَانَ حَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ تَاجِرًا يَكْرِي الدَّرَاهِمَ، فَمَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ، فَإِذَا هو بصِبْيَانٍ يَلْعَبُونَ، فَقَالَ بَعْضُهُم لبَعْضٍ: قَدْ جَاءَ آكِلُ الرِّبَا، فنَكَّسَ رَأْسَهُ، وقَالَ: (يَا رَبِّ، أَفْشَيْتَ سِرِّي إِلَى الصِّبْيَانِ، فَرَجَعَ فجَمَعَ مَالَهُ كُلَّه، وَقَالَ: يَا رَبِّ إنِّي أَسِيرٌ، وإِنِّي قَدْ اشْتَرَيْتُ نَفْسِي مِنْكَ بِهَذَا المَالِ فأَعْتِقْنِي، فَلَمَّا أَصْبَحَ، تَصَدَّقَ بالمَالِ كُلِّه وأَخَذَ في العِبَادَةِ، ثُمَّ مَرَّ ذَاتَ يَوْمٍ بأُولَئِكَ الصِّبْيَانِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالَ بَعْضُهم لبَعْضٍ: اسْكُتُوا فَقَدْ جَاءَ حَبِيبٌ العَابِدُ، فبَكَى وقَالَ: يَا رَبِّ أَنْتَ تَذُمُّ مَرَّةً وتَحْمَدُ مَرَّةً، وكُلُّهُ مِن عِنْدِكَ).

هيئة الإشراف

#7

7 Nov 2008

شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (

القارئ:

قال المصنف رحمه الله تعالى: (وعن أبي ذرٍ جندب بن جنادة، وأبي عبدالرحمن معاذ بن جبل -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخُلقٍ حسن) رواه الترمذي وقال حديثٌ حسن، وفي بعض النسخ حسن صحيح).
الشيخ:
هذا الحديث حديث أبي ذرٍ ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن)).
قوله: ((اتق الله حيثما كنت)) هذا أمرٌ بالتقوى.
و((حيثما))هذه متعلِّقة بالأزمنة والأمكنة، يعني في أيِّ زمانٍ كنت، وفي أيِّ مكانٍ كنتَ، لأنَّ كلمة (حيثُ) قد تتوجّه إلى الأمكنة، وقد تتوجَّه إلى الأزمنة، يعني: قد تكون ظرف مكان، وقد تكون ظرف زمان، وهي هنا محتملة للأمرين.
((اتق الله حيثما كنت)) يعني: اتق الله في أيِّ مكان وفي أيّ زمانٍ كنت، والأمر بتقوى الله -جل وعلا- هنا على الوجوب، لأنّ التقوى أصلٌ عظيم من أصول الدِّين، وقد أمر الله -جل وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن يتقي الله، فقال -جل وعلا-: {يا أيها النبي اتق الله} وأمر المؤمنين بأن يتقوا الله حق تقاته: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته} وأمرهم بتقوى الله بعامَّة: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولْتنظر نفسٌ ما قدَّمت لِغَد} وأشباه ذلك.
وتقوى الله -جل وعلا- جاءت في القرآن في مواضعَ كثيرة، وأتت التقوى في مواضعَ أُخرَ:
- بتقوى عذابَ الله
-جل وعلا.
- وبأن يتقي النار.
- وأن يتقي يوم القيامه.
كما قال -جل وعلا-: {واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله}.
- وقال -جلّ وعلا-: {واتقوا النار} وهكذا في آيات أُخر، فهذان إذاً نوعان، فإذا توجهت التقوى وصار مفعولها لفظ الجلالة {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله} فمعنى تقوى الله -جلّ وعلا- هنا: (أن تجعل بينك وبين عذاب الله، وسخطه، وأليم عقابه، في الدنيا، وفي الآخرة، وقاية تقيكَ منه، وهذه الوقاية بالتوحيد ونبذ الشرك) وهذه هي التقوى التي أُمرَ الناس جميعاً بها، لأنّ تقوى الله كما ذكرت لك من معناها راجعة إلى المعنى اللغوي، وهي أنّ التقوى أصْلُها (وَقْوى) فالتاء فيها منقلبة عن (واو) وهي من الوقاية: وقاهُ يقيه وقايةً، فالمتقي هو: من جعل بينه وبين ما يكره وقاية، بينه وبين سخط الله وعذابه وأليم عقابه وقاية.
وهي في القرآن -أي: الأمر بتقوى الله- على ثلاث مراتب:
الأولى: تقوى أُمِرَ بها الناس جميعاً، {يا أيها الناس اتقوا ربّكم} في آيات، وهذا معناه أن يُسلموا أن يحققوا التوحيد ويتبرؤوا من الشرك، فمن أتى بالتوحيد، وسلم من الشرك فقد اتقى الله -جل وعلا- أعظم أنواع التقوى، ولهذا قال جماعةٌ من المفسرين في قوله -جل وعلا-: {إنَّما يتقبلُ الله من المتقين} يعني: (من الموحِّدين).
والمرتبة الثانية: تقوى أُمِرَ بها المؤمنون، فقال -جل وعلا-: {يا أيها الذي آمنوا اتقوا الله} وهذه التقوى للمؤمن تكون بعد تحصيله التوحيد، وترك الشرك، فتكون التقوى في حَقه:
- أن يعمل بطاعة الله على نورٍ من الله.
- وأن يترك معصية الله على نور من الله -جل وعلا-.
- وأن يترك المحرمات ويمتثل الواجبات.
- وأن يبتعد عمّا فيه سخطُ الله -جل وعلا- والتعرُّض لعذابه.
وهذه التقوى للمؤمنين أيضاً على مراتب:
أعلاها: أنْ يدعَ ما لا بأسَ به حَذَراً ممَّا به بأْس، حتى قال بعض السلف: (ما سُمُّوا مُتقين؛ إلا لتركهم ما لا بأْس به حَذراً ممّا به بأْس)، وهذا في أعلى مراتب التقوى، لأنَّه اتقى ما لا ينفعهُ في الآخرة، وهذه مرتبة أهل الزُّهد والورع والصَّلاح.
والنوع الثالث من التقوى في القرآن: تقوى أُمِرَ بها من هو آتٍ بها، وذلك قول الله -جل وعلا- {يا أيها النبي اتق الله} ومن أُمِر بشيءٍ هو محصّلهُ فإنَّ معنى الأمْرِ أن يثبت عليه وعلى دواعيه، فمعنى قوله الله -جل وعلا- {يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين} يعني: أُثبت على مقتضيات التقوى، ولا تُطع الكافرين والمنافقين وذلك كقوله -جل وعلا-: {يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالله}.. الآية -في سورة النساء- فناداهم باسم الإيمان، ثم أمَرهم بالإيمان، وهذا معناه أن يثبتُوا على كمال الإيمان، أو أن يكملوا مقامات الإيمان بحسب الحال، لأن لفظ: {يا أيها الذين آمنوا} الإيمان له درجات.
فقول النبي -صلى الله عليه وسلم- هنا:((اتق الله حيثما كنت)) هذا خطاب موجَّه لأهل الإيمان، يعني: لأهل النوع الثاني، فالمقصود منه أن يأتي بتقوى الله -جل وعلا- في أي: زمان، أو مكان كان، وهو أن يعمل بالطاعات وأن يجتنب المحرمات، كما قال طلْقُ بن حبيب -رحمهُ الله-: (تقوى الله أن تعمل بطاعة الله، على نورٍ من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله، على نورٍ من الله، تخشى عقابَ الله).
قال ابن مسعود وغيرهُ لِرَجُلٍ سأله عن التقوى فقال له: (ألم تمش على طريقٍ فيه شوْك؟ فقال: بلى، قال: فما صنعت؟ قال: شمرت واتقيت، قال: فتلكَ التقوى). وهي مروية -أيضاً- عن عمَر -رضي الله عنه.
ونظمها ابن المعتز الشاعر المعروف بقوله:

خلِّ الذُّنوبَ صغيرَها = وكبيرها ذاك التُقى
واصْنع كماشٍ فوق = أرضِ الشوك يحذرُ ما يرى
لاتحقرنَّ صغيرةً = إنّ الجبال من الحصى


وهذا بعامة يخُاطبُ به أهل الإيمان.
فإذاً تقوى الله -جل وعلا-:
- أن تخاف من أثر معصية الله جل وعلا.
- أن تخاف من الله -جل وعلا- فيما تأتي وفيما تذر.
التقوى في كلِّ مقامٍ بحسبه:
- ففي وقت الصلاة هنا تخاطب بالتقوى.
- وفي وقت الزكاة تُخاطب بالتقوى في هذا المقام.
- وفي وقت الإتيان بسنة تُخاطب بالتقوى.
- وفي وقت المخاطبة بواجب تخاطب بالتقوى.
- وفي وقت أن يعرض عليك محرّم من:
- النساء.
- أو المال.
- أو الخمور.
- أو ما أشبه ذلك من الأنواع.
- أو محرمات اللسان.
- أو أفعال القلوب من (العُجْب والكبر) أو (الازدراء وسوء الظن) إلى آخره، ففي كلِّ مقامٍ تقوىً تَخُصُّهُ، فإذاً تتعلق التقوى بالأزمنة وبالأمكنة، ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ((اتق الله حيثما كنت)) لأنه ما من مكانٍ تكون فيه، أو زمان تكون فيه، إلا وثَمَّ أمرٌ أو نهيٌ من الله -جل وعلا- يتوجهُ للعبد.
والوصيةُ بالتقوى هي أعظم الوصايا.. {ولقد وصّينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أنِ اتقوا الله} وكان الصحابةُ -رضوانُ الله عليهم- كثيراً ما يوصي بعضهم بعضاً بتقوى الله تعالى وهم يعلمون معنى هذه الوصية العظيمة.
قال عليه الصلاة والسلام: ((وَأَتْبِعِ السَّيَّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا))، "أتْبع" الفاعل: أنت، والسيئة هي المتبوعة، والحسنة هي التابعة؛ يعني: اجعل الحسنة وراء السيئة؛ بعد السيئة، إذا عملت سيئة فأتبعها بحسنة؛ فإنّ الحسنات يذهبن السيئات، كما قال جل وعلا ? {وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]، وفي الصحيح، صحيح البخاري رحمه الله وغيره أنّ رجلا من الصحابة نَالَ من امرأة قُبلة فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبره بالخبر مستعظما لما فعل، فيسأله عن كفّارة ذلك، فنزل قول الله جل وعلا: {وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]، فقال له عليه الصلاة والسلام: ((هل صليت معنا في هذا المسجد؟)) قال: نعم. قال ((فهي كفارة ما أتيت))،

وهذا يدل على أنّ المؤمن يجب عليه أنْ يستغفر من السيئات، وأنْ يسعى في زوالها، وذلك بأنْ يأتي بالحسنات، فالإتيان بالحسنات يمحو الله جل وعلا به أنواعَ السيئات. وكل سيئة لها ما يقابلها، فليس كل سيئة تمحوها أيّ حسنة، فإذا عظمت السيئة وكبرت فلا يمحوها إلا الحسنات العظام؛ لأنّ كل سيئة لها ما يقابلها من الحسنات، ولهذا جاء أنّ الرجل إذا غَلِط أو جرى على لسانه كلمة (والكعبة) أو أقسم بغير الله، فإن كفارة ذلك من الحلف بالآباء وأشباه ذلك أن يقول: (لا إله إلا الله)؛ لأن ذاك شرك، وكفارة الشرك أن يأتي بالتوحيد، وكلمة (لا إله إلا الله) هي من الحسنات العظام، كلمة التوحيد من الحسنات العظام.
إذن فالسيئات لها حسنات يمحو الله جل وعلا بها السيئات، وهذا يدل على أن السيئة تمحى، ولا تدخل في الموازنة،

وظاهر الحديث أنّ هذا فيمن أتبعها، يعني: أنّه إذا أتى بسيئة أتبعها بحسنة بقصد أنْ يمحو الله جل وعلا عنه السيئات؛ لأنه قال: ((وَأَتْبِعِ السَّيَّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا))، فإذا فعل سيئة سعى في حسنة لكي تُمحى عنه تلك السيئة.
والحديث الذي ذكرنا، وعموم الآية {وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} يدلّ على عدم القصد، فالحديث هذا دلّ على القصد، يعني: أن يتبعها قاصدا، والآية والحديث؛ آية هود والحديث؛ حديث ابن مسعود الذي في البخاري يدل على عدم اعتبار القصد، فهل هذا في كل الأعمال؟ أم أنه يحتاج إلى أن يتبع السيئة الحسنة حتى يمحوها الله جل وعلا عنه بقصد الإتْباع؟
هذا ظاهر في أثره، فأعظم ما يمحو الله جل وعلا به السيئات أن يأتي بالحسنة بقصد التكفير، فهذا يمحو الله جل وعلا به الخطيئة؛ لأنه جمع بين الفعل والنية، والنية فيها التوبة والندم على تلك السيئة، والرغبة إلى الله جل وعلا في أنْ يمحوها الله جل وعلا عنه، إذن فهي مرتبتان:
المرتبة الأولى -وهي العليا-: أن يقصد إذهاب السيئة بالحسنة التي يعملها، وهذا معه أنّ القلب يتبرأ من هذا الذنب، ويرغب في ذهابه، ويتقرب إلى الله جل وعلا بالحسنات حتى يَرضى الله جل وعلا عنه ففي القلب أنواع من العبوديات ساقته إلى أن يعمل بالحسنة؛ ليمحو الله جل وعلا عنه بفعله الحسنة ما فعله من السيئة.
والمرتبة الثانية: أنْ يعمل بالخير مطلقا، والحسنات يذهبن السيئات بعامة، كل حسنة بما يقابلها من السيئة، فالله جل وعلا ذو الفضل العظيم.
إذا تقرر ذلك فالحسنة المقصود بها: الحسنة في الشرع، والسيئة: هي السيئة في الشرع، والحسنة في الشرع: ما يثاب عليه، والسيئة في الشرع: ما ورد الدليل بأنه يعاقب عليه، إذن:
فالسيئات هي المحرمات من الصغائر والكبائر.
والحسنات هي الطاعات من النوافل والواجبات.
قال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: ((وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) والناس هنا: يراد بهم المؤمنون في جماع الخُلق الحسن بأن يحسن إليهم، ويراد بهم -أيضا-: غير المؤمنين في معاملتهم بالعدل، والخُلق الحسن يشمل ما يجب على المرء من أنواع التعامل بالعدل لأهل العدل، والإحسان لمن له حق الإحسان، قال عليه الصلاة والسلام هنا: ((خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ))، والخلق الحسن فسر بتفسيرات:
منها: أنه بذل النَّدَى وكف الأذى؛ يعني: أن تبذل الخير للناس، وأن تكف أذاك عنهم.
وقال آخرون: إنّ الخُلق الحسن أنْ يُحسِن للناس بأنواع الإحسان، ولو أساءوا إليه.
كما جاء الأمر بمخالقة الناس بالخلق الحسن، والحث على ذلك، وبيان فضيلته في أحاديث كثيرة، ومما جاء في بيان فضيلته قوله عليه الصلاة والسلام: ((إن أدناكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، المُوَطَّّؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون)). وثبت عنه أيضا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إنّ الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)) يعني: المتنفل بالصيام، والمتنفل بالقيام، فحسن الخلق الذي يبذله دائما طاعة من طاعات الله جل وعلا، فإذا كان دائم إحسان الأخلاق على النحو الذي وصفت، فإنّه يكون في عبادة دائمة، إذا فعل ذلك طاعة لله جل وعلا،

وحسن الخلق تارة يكون طبعا، وتارة يكون حملا؛ يعني: طاعة لله جل وعلا لا طبعا في المرء، وما كان من حسن الخلق على امتثال الطاعة، وإلزام النفس بذلك فهو أعظم أجرا ممن يفعله على وفق الطبيعة، يعني: لا يتكلف فيه؛ لأن القاعدة المقررة عند العلماء أنّ الأمر إذا أمر به في الشرع، يعني: أن المسألة إذا أمر بها في الشرع، فإذا امتثلها اثنان فإنما من كان أكلف في امتثال ما أمر به كان أعظمَ أجرا في الإتيان بالواجبات، كما ثبت في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة: ((إن أجركِ على قدْرِ نَصَبِك))، وهذا محمول على شيئين، يعني: مشروط بشرطين:
الأول: أن يكون من الواجبات.
والثاني: أن يكون مما توجه الأمر للعبد به فيكون أجره على قدر مشقته في امتثال الأمر.
أما النوافل فلا؛ لحديث الذي يقرأ القرآن، فيه تفاصيل القاعدة المعروفة عند أهل العلم.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

7 Nov 2008

الكشاف التحليلي


حديث أبي ذر ومعاذ رضي الله عنهما -مرفوعاً-: (اتق الله حيثما كنت...)
ترجمة الراويين
ترجمة أبي ذر رضي الله عنه
ترجمة معاذ بن جبل رضي الله عنه
تخريج الحديث
موضوع الحديث
منـزلة الحديث
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت)
بيان معنى (التقوى)
تعريف (التقوى) لغة
أقوال السلف في تفسير التقوى
تعريف ابن رجب للتقوى
بيان معاني التقوى بحسب ما تضاف إليه:
1- إضافة التقوى إلى اسم الله عز وجل:
ذكر أمثلة على إضافة التقوى إلى اسم الله عز وجل
معنى التقوى إذا أضيفت إلى اسم الله عز وجل
2 - إضافة التقوى إلى عقاب الله تعالى
ذكر أمثلة على إضافة التقوى إلى عقاب الله وإلى مكانه
3- إضافة التقوى إلى اليوم الآخر
تفسر التقوى في كل مقام بحسبه
ثمرات التقوى:
الثمرة الأولى: فعل الواجبات وترك المحرمات
الثمرة الثانية: فعل المندوبات وترك المكروهات
ذكر ما يشهد لذلك من أقوال السلف
فائدة: قد يغلب استعمال التقوى على اجتناب المحرمات
ذكر ما يشهد لذلك
بيان درجات التقوى:
الدرجة الأولى: اتقاء الكفر
الدرجة الوسطى: فعل الواجبات واجتناب المحرمات
الدرجة العليا: قطع العلائق دون الله تعالى والإقبال عليه جل وعلا
فضائل التقوى:
1 - أن الجنة يرثها المتقون
2 - أن التقوى سبب لمحبة الله للعبد
3 - فتح بركات السماوات والأرض للمتقين
4 - معية الله للمتقين
5 - تيسير أمور المتقين في الدنيا والآخرة
6 - أن التقوى خير زاد العبد في الدنيا والآخرة
7 - أن العاقبة الطيبة في الدنيا والآخرة للمتقين
مراتب الأمر بالتقوى في القرآن الكريم:
المرتبة الأولى: تقوى أمر بها الناس جميعًا
المرتبة الثانية: تقوى أمر بها المؤمنون
المرتبة الثالثة: تقوى أُمر بها من هو متصف بها
أصل التقوى: أن يعلم العبد ما يتقي ثم يتقي:
ذكر ما يشهد لذلك من أقوال السلف
أهمية التقوى
التقوى هي وصية الله تعالى لجميع خلقه
التقوى هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته
ذكر أمثلة على وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بالتقوى
تواصي السلف بالتقوى
ذكر أمثلة على تواصي السلف بالتقوى
ذكر بعض فضائل المتقين
بيان سبب تسمية المتقين بهذا الاسم
ذكر بعض ما يعين على التقوى
تفسير ابن مسعود لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت)
الخطاب في الحديث موجه لأهل الإيمان
معنى الأمر في الحديث
الأمر بالتقوى للوجوب
معنى قوله: (حيثما كنت)
متعلَّق (حيثما) زماني ومكاني
ذكر ما يشهد لهذا المعنى من النصوص
مما يعين على خشية الله تعالى في السر استشعار مراقبته
التحذير من المعصية في الخلوة

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

7 Nov 2008

العناصر

حديث أبي ذر ومعاذ رضي الله عنهما -مرفوعاً-: (اتق الله حيثما كنت...)
ترجمة أبي ذر رضي الله عنه
ترجمة معاذ بن جبل رضي الله عنه
تخريج الحديث
موضوع الحديث
منـزلة الحديث
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت)
بيان معنى (التقوى)
أقوال السلف في تفسير التقوى
تعريف ابن رجب للتقوى
بيان معاني التقوى بحسب ما تضاف إليه:
1- إضافة التقوى إلى اسم الله عز وجل
2 - إضافة التقوى إلى عقاب الله تعالى
3- إضافة التقوى إلى اليوم الآخر
تفسر التقوى في كل مقام بحسبه
ثمرات التقوى:
بيان درجات التقوى:
فضائل التقوى:
مراتب الأمر بالتقوى في القرآن الكريم
أصل التقوى: أن يعلم العبد ما يتقي ثم يتقي:
أهمية التقوى
التقوى هي وصية الله تعالى لجميع خلقه
التقوى هي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته
ذكر أمثلة على وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بالتقوى
تواصي السلف بالتقوى
ذكر بعض فضائل المتقين
بيان سبب تسمية المتقين بهذا الاسم
ذكر بعض ما يعين على التقوى
تفسير ابن مسعود لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته)
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت)
معنى الأمر في الحديث
معنى قوله: (حيثما كنت)
مما يعين على خشية الله تعالى في السر استشعار مراقبته

التحذير من المعصية في الخلوة