الدروس
course cover
ح17: حديث شداد بن أوس: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء...) م
29 Oct 2008
29 Oct 2008

9648

0

0

course cover
الأربعون النووية

القسم الثالث

ح17: حديث شداد بن أوس: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء...) م
29 Oct 2008
29 Oct 2008

29 Oct 2008

9648

0

0


0

0

0

0

0

ح17: حديث شداد بن أوس: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء...) م

قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (

17- عن أبي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)). رواه مسلِمٌ.

هيئة الإشراف

#2

29 Oct 2008

شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين


قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (

الحديث السابع عشر

عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ. فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ)(1) رواه مسلم

الشرح
" إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانُ عَلَى كُلِّ شَيء" أي في كل شيء، ولم يقل: إلى كل شيء، بل قال: على كل شيء، يعني أن الإحسان ليس خاصاً بشيء معين من الحياة بل هو في جميع الحياة.
ثم ضرب أمثلة فقال: "فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ" والفرق بينهما: أن المقتول لايحل بالقتل كما لو أراد إنسان أن يقتل كلباً مؤذياً، فنقول: أحسن القتلة. وكذا إذا أراد أن يقتل ثعباناً فنقول: أحسن القتلة، وإذا ذبح فنقول: أحسن الذبحة، وهذا فيما يؤكل، أي يحسن الذبحة بكل ما يكون فيه الإحسان، ولهذا قال: "وَليُحدّ أحدكم شَفْرَته" أي السكين، وحدُّها يعني حكها حتى تكون قوية القطع، أي يحكها بالمبرد أو بالحجر أو بغيرهما حتى تكون حادة يحصل بها الذبح بسرعة.
" وَلْيُرِحْ ذَبِيْحَتَهُ" اللام للأمر، أي وليرح ذبيحته عند الذبح بحيث يمر السكين بقوة وسرعة .
من فوائد هذا الحديث:
1. رأفة الله عزّ وجل بالعباد، وأنه كتب الإحسان على كل شيء. ويدخل في ذلك الإحسان إلى شخص تدله الطريق، وكذا إطعام الطعام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من القتل والذبح مجرد أمثلة.
2. الحث على الإحسان في كل شيء، لأن الله تعالى كتب ذلك أي شرعه شرعاً مؤكداً.
3. أنك إذا قتلت شيئاً يباح قتله فأحسن القتلة، ولنضرب لهذا مثلاً: رجل آذاه كلب من الكلاب وأراد أن يقتله، فله طرق في قتله كأن يقتله بالرصاص، أو برضّ الرأس، أو بإسقائه السم، أو بالصعق بالكهرباء، أنواع كثيرة من القتل، فنقتله بالأسهل، وأسهلها كما قيل: الصعق بالكهرباء، لأن الصعق بالكهرباء لايحس المقتول بأي ألم ولكن تخرج روحه بسرعة من غير أن يشعر، فيكون هذا أسهل شيء.
يستثنى من ذلك القصاص، ففي القصاص يُفعل بالجاني كما فُعِل بالمقتول ، ودليل ذلك قصة اليهودي الذي رضّ رأس الجارية، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرَضَّ رأسه بين حجرين(2) .
4. أن الله عزّ وجل له الأمر وإليه الحكم، لقوله: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ" وكتابة الله تعالى نوعان: كتابة قدرية، وكتابة شرعية.
الكتابة القدرية لابد أن تقع، والكتابة الشرعية قد تقع من بني آدم وقد لاتقع.
مثال الأول: قول الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الانبياء:105] فهذه كتابة قدرية.
ومثال الثاني: قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ) [البقرة: الآية216] أي كتب كتابة شرعية.
وقوله: (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) يجب أن تعلم أن الضمير في قوله: (وَهُوَ) يعود على القتال وليس يعود على الكتابة، لأن الصحابة رضي الله عنهم لايمكن أن يكرهوا فريضة الله لكن يكرهون القتل ويقاتلون فيقتلون.
وفرق بين أن يكره الإنسان حكم الله، أو أن يكره المحكوم به.
ومن الكتابة الشرعية قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَام) [البقرة: الآية183] أي كتب شرعاً.
5. أن الإحسان شامل في كل شيء، كل شيء يمكن فيه ا لإحسان لقوله: إِنَّ الله كَتَبَ الإِحسَانَ عَلَى كِلِّ شَيء
6. حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الأمثال، لأن الأمثلة تقرّب المعاني في قوله: إِذَا قَتَلتُمْ.. إِذَا ذَبَحْتُمْ .
7. وجوب إحسان القِتلة، لأن هذا وصف للهيئة لا للفعل.
وإحسان القتلة على القول الراجح هو اتباع الشرع فيها سواء كانت أصعب أو أسهل، وعلى هذا التقدير لا يرد علينا مسألة رجم الزاني الثيّب.
8. أن نحسن الذبحة، بأن نذبحها على الوجه المشروع، والذبح لابد فيه من شروط:
(1) أهلية الذابح بأن يكون مسلماً أو كتابياً، فإن كان وثنياً لم تحل ذبيحته، وإن كان مرتدّاً لم تحل ذبيحته، وعلى هذا فتارك الصلاة لاتحل ذبيحته لأنه ليس مسلماً ولا كتابياً.
فإذا قال قائل: ما هو الدليل على أن ذبيحة الكتابي حلال؟
فالجواب: قول الله عزّ وجل: ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) [المائدة: الآية5] قال ابن عباس رضي الله عنهما: طعامهم: ما ذبحوه(3)، والكتابي: هو اليهودي أو النصراني
(2) أن تكون الآلة مما يباح الذبح بها، وهي: كل ما أنهر الدم من حديد أو فضة أو ذهب أو حصى أو قصب، أي شيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ(4) ومعنى: أَنْهَرَ الدَّمَ أي أساله. فلو أن إنساناً ذبح بحجر له حد وأنهر الدم، فالذبيحة حلال، إلا أنه يستثنى شيئان:
السن، والظفر، علل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظِّفْرُ فَمُدَى الحَبَشَة أي سكاكين الحبشة.
قوله: "أَمَّا السِّنُّ فَعَظمٌ" أخذ من هذا بعض أهل العلم أن جميع العظام لاتحلّ الذكاة بها، قالوا: لأن العلة أعم من المعين وهو المعلول، لأنه لو أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتصر على السن لقال: أما السن فسن، لكن قال: "أَمَّا السِّنُّ فَعَظمٌ" فالعلة أعم، وعلى هذا فجميع العظام لاتحل التذكية بها.
والحكمة واضحة، لأن العظم إن كان من ميتة فلا يصح أن يُذكى به، لأن التذكية تطهير والميتة نجسة. وإن كان العظم من طاهرة كعظم شاة مذكاة فلا تحل التذكية به، لأن عظم المذكاة طعام الجن، والتذكية به يفسده على الجن، لأنه سوف يتلوث بالدم النجس، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للجن الذين وفدوا عليه: "لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ تَجِدُونَهُ أَوفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمَاً"(5) .
قد يقول قائل: أنا أمر بالعظام تلوح ليس عليها لحم، فما الجواب؟
الجواب سهل: أولاً: نقول: أتؤمن بالله ورسوله؟ فسيقول: نعم، نقول: هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليك أن تؤمن بذلك، سواء رأيت أم لم ترَ.
ثانياً: عالم الجن عالم غيبي، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي لم يصل الصبح أنه: بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ(6) .
إذاً يستثنى مما ينهر الدم كل عظم.
أما الظفر: فقد علل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه مُدى الحبشة، أي سكاكينها، ونحن منهيون أن نتشبه بالأعاجم، والحبشة أعاجم حيث دخلت عليهم العربية بعد الفتوحات الإسلامية.
فإذا قال قائل: لو وجدنا سكاكين لايستعملها إلا الحبشة فهل تحل التذكية بها؟
فالجواب: نعم.
فإذا قال قائل: كيف تقولون العبرة بعموم العلة في قوله: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ ولا تقولون بعموم العلة هنا؟
فالجواب: أن أظفار الحبشة متصلة بالبدن، وجعلها مدى يستلزم أن لاتقص ولا تقلم، وهذا خلاف الفطرة، لأن الإنسان إذا عرف أن أظافره ستكون مدى سيبقيها، لأنه ربما يحتاجها، فتبين الفرق.
وهذا تحذير من النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهة الأعاجم، وعن اتخاذ الأظافر.
(3) إنهار الدم أي إسالته، ويكون إنهار الدم بقطع الودجين وهما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم، وهذان العرقان متصلان بالقلب فإذا قطعا انهال الدم بكثرة وغزارة، ثم ماتت الذبيحة بسرعة.
والدليل على إنهار الدم قول النبي صلى الله عليه وسلم :"مَا أَنهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ فاشترط إنهار الدم".
هل يشترط مع قطع الودجين قطع الحلقوم والمريء، لأن الذي في الرقبة أربعة أشياء: الودجان - اثنان - والحلقوم، والمريء، فهل يشترط قطع الأربعة؟
فالجواب: قطع الأربعة لاشك أنه أولى وأطهر وأذكى، لكن لو اقتصر على قطع الودجين فالصحيح أن الذبيحة حلال، ولو اقتصر على قطع المريء والحلقوم فالصحيح أنها حرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شريطة الشيطان(7)، وهي التي تذبح ولاتفرى أوداجها.
وهل يشترط أن يكون قطع الحلقوم من نصف الرقبة، أو من أسفلها، أومن أعلاها؟
الجواب: لايشترط، المهم أن يكون ذلك في الرقبة سواء من أعلاها مما يلي الرأس، أو من أسفلها مما يلي النحر، أو من وسطها.
(4) ذكر اسم الله عليها عند الذبح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا أَنهرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ فإذا كان إنهار الدم شرطاً فكذلك التسمية شرط،بل إن الله تعالى أكد هذا بقوله: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإنه لفِسْقُ) [الأنعام: الآية121] فإذا ذبح إنسان ذبيحة ولم يسمّ فالذبيحة حرام.
فإذا نسي أن يسمي فإنها حرام، لأن الشرط لايسقط بالنسيان بدليل أن الرجل لو صلى محدثاً ناسياً فصلاته غير صحيحة، ولأن الله تعالى قال: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) [الأنعام:121] وأطلق بالنسبة للذابح.
فإذا قال قائل: فهمنا أن التسمية شرط، وأنه لو تركها سهواً أو نسياناً أو عمداً فالذبيحة حرام، لكن ماذا تقولون في قول الله تعالى: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) [البقرة: الآية286] فقال الله: قد فعلت(8)؟
نقول: نحن لانؤاخذ هذا الذي ذبح الذبيحة ونسي أن يسمّي، ونقول: ليس عليه إثم، لكن بقي الآكل إذا جاء يريد أن يأكل من هذه وسأل: أذكر اسم الله عليها أم لا؟
فيقال له: لم يذكر اسم الله عليها، إذاً لا يأكل، لكن لو فرض أن هذا أكل من هذه الذبيحة ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه.
فإن قال قائل: إذا قلتم إن هذه البعير التي تساوي ألف ريال بأنها حرام لمَّا نسي أن يسمي عليها فإنه يلزم منه أن تفسدوا أموال الناس؟
فالجواب: نحن لم نُضع المال، لأن كل شيء متروك بأمر الله فتركه ليس إضاعة،بل هو طاعة لله عزّ وجل، ألسنا نطيع الله ونعطي الزكاة وهي ربع عشر أموالنا، فلو كان عند الرجل أربعين مليوناً فزكاته مليون، فما دمنا تركنا هذه الذبيحة التي لم يسمّ الله عليها فإننا لم نضع المال في الواقع، بل وضعناه في حلِّه ومَحلِّه
ثانياً: إذا حرمناه من الذبيحة هذه المرة فلا يمكن أن ينسى بعد ذلك أبداً، بل يمكن أن يسمي عشر مرات .
ولهذا اعترض بعض الناس على قطع يد السارق وقال: إننا لو قطعنا يد السارق لكان نصف الشعب أقطع؟.
فنقول له: أنت الآن أقررت بأن نصف شعبك سُرَّاقٌ، ولكننا نقول له: لو قطعت سارقاً واحداً لانتهى آلاف السرّاق.
فهذا الرجل الذي نسي التسمية وقلنا له: الذبيحة حرام لن ينسى في المستقبل ولدينا آية محكمة قال الله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) [الأنعام:121]
يستثنى من قولنا: أن يقطع الودجين وهما في الرقبة ما ليس مقدوراً عليه من الحيوان،فالذي ليس مقدوراً عليه يحل بطعنه في أي موضع كان من بدنه، فلو ندّ لنا بعير - أي هرب - وعجزنا عن إدراكه ورميناه بالرصاص وأصابت الرصاصة بطنه وخرقت قلبه ومات، فإنه يكون حلالاً لأنه غير مقدور عليه.
وكذلك لو سقط في بئر ولم نتمكن من النزول إليه للننحره ورميناه وأصابت الرصاصة أي مكان من بدنه فمات فهو حلال.
ومن فوائد هذا الحديث:
9. -وجوب حد الشفرة، لأن ذلك أسهل للذبيحة، ومعنىإحدادها: أن يمسحها بشيء يجعلها حادة، فإن ذبح بشفرةكالّة أي ليست بجيدة ولكن قطع ما يجب قطعه فالذبيحة حلال لكنه آثم حيث لم يحد الشفرة.
وهل يحد الشفرة أمام الذبيحة؟
الجواب: لا يحد الشفرة أمامها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم(9) ،أي تغطى.
ولأنه إذا حدها أمامها فهي تعرف، ولهذا أحياناً إذا حد الشفرة أمام الذبيحة هربت خوفاً من الذبح وعجزوا عنها.
10. وجوب إراحة الذبيحة وذلك بسرعة الذبح، فلا يبقى هكذا يحرحر بل بسرعة لأنه أريح لها.
ويبقى النظر: هل نجعل قوائمها الأربع مطلقة، أو نمسك بها؟
فالجواب: نجعلها مطلقة ونضع الرِّجل على صفحة العنق لئلا تقوم، وتبقى الأرجل والأيدي مطلقة، فهذا أريح للذبيحة من وجه، وأشد إفراغاً للدم من وجه آخر، لأنه مع الحركة والاضطراب يخرج الدم.
وما يفعله بعض الناس الآن من كونهم إذا أضجعوا الشاة وأرادوا الذبح بركوا عليها وأمسكوا بيديها ورجليها. فهذا تعذيب لها.
وبعضهم يأخذ بيدها اليسرى ويلويها من وراء العنق، وهذا أشد، فنقول: ضع رجلك على صفحة العنق واذبح ودعها تتحرك وتضطرب مع بقاء رجلك على صفحة العنق حتى تموت.
فإن قال قائل: هل من إراحتها ما يفعله بعض الناس بأن يكسر عنقها قبل أن تموت من أجل سرعة الموت؟
فالجواب: لايجوز هذا، لأن في كسر عنقها إيلاماً شديداً لها، ونحن لسنا في حاجة إلى هذا الإيلام، بل ننتظر حتى يخرج الدم، وإذا خرج الدم انتهى كل شيء.
11. إذا أراد الإنسان أن يؤدب أهله، أو ولده فليؤدب بإحسان؟
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَن لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدَاً تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَرْبَاً غَيْرَ مُبَرِّحٍ(10) فنقول:حتى في التأديب إذا أدبت فأحسن التأديب ولاتؤدّب بعنف. وبعض الناس يؤدّب بعنف يظن أن ذلك أنفع، وليس هكذا، بل اضرب ضرباً لاتسرف فيه.
ولهذا قال العلماء في كتاب الجنايات: لو أنه ضرب ولده ضرباً أسرف فيه ومات ضمنه، أما إذا أدّبه تأديباً عادياً بدون عنف ثم مات فلا ضمان عليه. والله أعلم.

_____________________________________________________________________

(1) سبق تخريجه صفحة (167)
(2) أخرجه البخاري كتاب: الخصومات، باب: ما يذكر في الإشخاص والملازمة، (2413)، ومسلم – كتاب: القسامة والمحاربين، باب: ثبوت القصاص في القتل وغيره من المحددات والمثقلات وقتل الرجل بالمرأة، (1672)، (117)
(3) أخرجه البخاري كتاب: الذبائح والصيد، باب: أهل الكتاب، (5507).
(4) أخرجه البخاري كتاب: الشركة، باب: قسمة الغنم، (2488)، ومسلم – كتاب الأضاحي، باب: جواز الذبح بكل ما أنهر الدم إلا السن والظفر وسائر العظام، (1968)، (20)
(5) أخرجه مسلم كتاب: الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن، (450)، (150).
(6) أخرجه البخاري كتاب: أبواب التهجد، باب: إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه، (1144)، ومسلم – كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح، (774)، (205)
(7) أخرجه أبو داود كتاب: الضحايا، باب: في المبالغة في الذبح، (2826)، والإمام أحمد – ج1/ص 289، (2618). والشريطة: قال الخطابي في "معالم السنن" ج4/ص 281: إنما سمي هذا شريطة الشيطان من أجل أن الشيطان هو الذي يحملهم على ذلك، ويحسن هذا الفعل عندهم، وأخذت الشريطة من الشرط، وهو شق الجلد بالمبضع ونحوه، وكأنه قد اقتصر على شرطه بالحديد دون ذبحه والإتيان بالقطع على حلقه.
(8) - أخرجه مسلم – كتاب: الإيمان، باب: أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق، (126)، (200)
(9) سبق تخريجه صفحة (167)
(10) أخرجه مسلم كتاب: الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم، (1218)، (147)

هيئة الإشراف

#3

6 Nov 2008

شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي


قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (

(2) تَرْجَمَةُ الصَّحابيِّ راوِي الحَدِيثِ: أبُو يَعْلَى شَدَّادُ بنُ أَوْسِ بنِ ثابتٍ الأَنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ النَّجَّارِيُّ، نَزَلَ بيتَ المَقْدِسِ، وَمَاتَ بِهِ - وَقَبْرُهُ بِظَاهِرِ بابِ الرَّحْمَةِ - بعدَ الخَمْسِينَ مِنَ الهجرةِ عَنْ خمسٍ وسبعِينَ سنةً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
الشَّرْحُ: عَنْ أبي يَعْلَى، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ))الرَّحِيمَ الرَّؤُوفَ بِخَلقِهِ((كَتَبَ)) أَوْجَبَ ((الإِحْسانَ عَلَى))أَوْ فِي، أَوْ إِلَى، أو لأَِجْلِ ((كُلِّ شَيْءٍ)) يُمْكِنُ أَنْ يكُونَ أَهْلاً للإحسانِ، ((فَإِذَا قَتَلْتُمْ))مَنْ أَمَرَكُمَ اللهُ بِقَتْلِهِ، ((فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ)) بِكَسْرِ القَافِ، أي: هيئةَ القَتْلِ، بِأَنْ تَقْتُلُوهُ عَلى الوجْهِ الذي وَجَبَ عَلَيهِ شَرْعًا، ولاَ تَزِيدُوا عَلى ذَلِكَ، مِنَ الجَدْعِ والمُثْلَةِ، ونحوِ ذَلك.
((وَإِذَا ذَبَحْتُمْ)) مَا أَبَاحَ اللهُ تَعَالَى لَكُمْ ذَبْحَهُ ((فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ)) بِفَتْحِ الشِّينِ، أَيْ: لِيَجْعَلْ سِكِّينَهُ الَّتِي يَذْبَحُ بِهَا الذَّبِيحَةَ حَادَّةً ((وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ))مَا يَذْبَحُ؛ فَإِنَّها تَتَعَذَّبُ عِنْدَ الذَبْحِ إِذَا لَمْ تَكُنْ آلَةُ الذَّبْحِ حَادَّةً.
وَ يَنْبَغِي للذَّابِحِ أَنْ لا يُرِيَ آلةَ الذَّبْحِ الذَّبِيحَةَ، ولا يُحِدَّهَا بِمَرْأَى مِنْهَا، ولا يَجُرَّهَا بِرِجْلِهَا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الذَّابِحُ عَارِفًا، والمُلْكُ والخَلْقُ للهِ، والتَّصَرُّفُ لَهُ، ولا يَنْبَغِي لِلعَبْدِ أَنْ يَتَصَرَّفَ في مُلْكِ سَيِّدِهِ وَعَبِيدِهِ إلاَّ بالقَدْرِ الذِي أَبَاحَهُ، وعَلى الوجْهِ الذي أَحَبَّهُ، ولاَ يَعْتَدِي؛ لأَنَّ اللهَ لاَ يُحِبُ المُعْتَدِين.

هيئة الإشراف

#4

6 Nov 2008

المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري


قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (

الحديثُ السابعَ عشَرَ

(2) (عنْ أبي يَعْلَى شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، عن الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)). رواهُ مسلمٌ).

الرَّاوِي:
هوَ شَدَّادُ بنُ أوسِ بنِ ثابتٍ الخَزْرَجِيُّ الأنصاريُّ، أبو يَعْلَى صَحَابِيٌّ جليلٌ من الأُمَرَاءِ، وَلاَّهُ عمرُ إمارةَ حِمْصَ، ولَمَّا قُتِلَ عثمانُ اعتزلَ الإمارةَ وعَكَفَ على العبادةِ. تُوُفِّيَ في العامِ الثامنِ والخمسينَ من الهجرةِ في القُدْسِ، ولهُ خمسونَ حديثاً.
موضوعُ الحديثِ:
الأمرُ بالإحسانِ في كلِّ شيءٍ أو الرِّفْقُ بالحيوانِ.
المفرداتُ:
(3) ((إنَّ اللَّهَ كَتَبَ)) أيْ: فرضَ وأَوْجَبَ وأَلْزَمَ.
(( الإحسانَ)) أيْ: إِتْقَانَ العملِ أو التَّفَضُّلَ والإنعامَ. وقدْ أَمَرَ اللَّهُ بالإحسانِ فقالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل: 90].
وقالَ: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
والإحسانُ هوَ أعلى مرتبةٍ منْ مراتبِ الدِّينِ؛ إذْ يَشْمَلُ الإسلامَ والإيمانَ، وهوَ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تراهُ، فإنْ لمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ. وتظهرُ فيهِ المراقبةُ للَّهِ تعالى، لا يقولُ العبدُ إلاَّ حَقًّا لِعِلْمِهِ أنَّ اللَّهَ يَسْمَعُهُ، ولا يَعْمَلُ إلاَّ حَقًّا لعِلْمِهِ أنَّ اللَّهَ يَرَاهُ، ولا يُضْمِرُ إلاَّ حَقًّا لعِلْمِهِ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعينِ وما تُخْفِي الصدورُ. ويُجْزَى صاحبُ الإحسانِ على إحسانِهِ في الآخرَةِ بالحُسْنَى وزيادةٍ. والحُسْنَى هيَ الجَنَّةُ، والزيادةُ هيَ النظرُ إلى وجهِ اللَّهِ تعالى، كما قالَ تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].
وأقسامُ الإحسانِ قسمانِ:
أَوَّلاً: إحسانٌ واجبٌ، كالإحسانِ للوَالِدَيْنِ والأرحامِ والضيفِ، وهذا الإحسانُ يكونُ بكَرَمِ القولِ ولِينِ الجانبِ وبَذْلِ المالِ.


ثانياً: إحسانٌ مَنْدُوبٌ، كصدقةِ التَّطَوُّعِ والقَرْضِ والعاريَّةِ والإصلاحِ بينَ الناسِ وإماطةِ الأَذَى عن الطريقِ ونَحْوِها.
(4) ((فَإِذَا قَتَلْتُمْ)) أي: القتلَ المشروعَ، والمرادُ إذا قَتَلْتُمْ قِصَاصاً وأَزْهَقْتُم الروحَ، فَلْيَكُنْ بطريقةٍ شَرْعِيَّةٍ، ولنْ يكونَ ذلكَ إلاَّ بالشروطِ الشرعِيَّةِ وعنْ طريقِ الحاكمِ حتَّى تُطْفَأَ الفتنةُ.
(( فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ)) أيْ: أَحْسِنُوا هَيْئَةَ القَتْلِ، كما يقولُ تعالى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ}[الإسراء: 33] فلا يُعَذِّبْهُ ولا يُمَثِّلْ بهِ.
والقتلُ المُبَاحُ على وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ : أنْ يكونَ قِصَاصاً، فَيُقْتَلُ كما قَتَلَ، أيْ: بالآلةِ التي قَتَلَ بها أوْ بِمِثْلِهَا؛ لِقِصَّةِ الجاريَةِ التي رُمِيَتْ بحجرٍ، وقُتِلَ الذي قَتَلَهَا بحجرٍ كذلكَ.
وقيلَ: يُقْتَلُ بالسَّيْفِ فقطْ.
والأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، ولحديثِ الجاريَةِ المُتَقَدِّمِ.
الثاني: أنْ يكونَ القتلُ للكُفْرِ، فيُقْتَلُ بالسيفِ أوْ بالرَّمْيِ بلا مُثْلَةٍ.
(5) ((وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ)) أيْ: إذا ذَكَّيْتُم الذبيحةَ الذَّكَاةَ الشرعِيَّةَ فَأَحْسِنُوا هيئةَ الذَّبْحِ.
وقدْ وردَ في الحديثِ آدابُ الذبحِ، وهيَ: الرِّفْقُ بها، الذبحُ بآلةٍ حَادَّةٍ، سَوْقُها إلى الذبحِ برِفْقٍ، أنْ لا تُذْبَحَ بِحَضْرَةِ أُخْرَى، تَرْكُهَا قبلَ السَّلْخِ حتَّى تَبْرَدَ، عدمُ ذَبْحِهَا من الخَلْفِ.
وأَمَّا شُرُوطُ الذَّكَاةِ الشرعِيَّةِ فهيَ:
1- أنْ يكونَ المُذَكِّي عاقلاً مُمَيِّزاً يقصِدُ الذبحَ ويَعْرِفُهُ، فلا تَحِلُّ ذكاةُ مجنونٍ أوْ سكرانَ أوْ صغيرٍ لا يُمَيِّزُ، أوْ كبيرٍ ذَهَبَ عقْلُهُ.
2- أنْ يكونَ المُذَكِّي مُسلماً أوْ كِتَابِيًّا.
3- أنْ يقصدَ التَّذْكِيَةَ، فلوْ قَتَلَهَا دِفَاعاً عنْ نَفْسِهِ لمْ تَحِلَّ.
4- أن لا يكون الذبح لغير الله تعالى.
5- أنْ لا يُسَمِّيَ عليها بغيرِ اسمِ اللَّهِ تعالى.
6- أنْ يَذْكُرَ اسمَ اللَّهِ تعالى علَيْها.
7- أنْ تكونَ الذكاةُ بِمُحَدٍّ يُنْهِرُ الدمَ منْ حديدٍ وأحجارٍ وزُجاجٍ ونَحْوِها؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ، إِلاَّ السِّنَّ وَالظُّفْرَ))إلاَّ السِّنَّ؛ لأنَّهُ عَظْمٌ، والظُّفْرُ مُدَى الْحَبَشَةِ.
8- إِنْهَارُ الدَّمِ، وذلكَ بقطعِ الوَدجَيْنِ والحُلْقُومِ والمَرِيءِ.
9- أنْ يكونَ المُذَكَّى مَأْذُوناً في ذَكَاتِهِ شَرْعاً.
وأمَّا غيرُ المأذونِ في ذَكَاتِهِ فهوَ شَيْئَانِ:
أ- ما حُرِّمَ لحقِّ اللَّهِ تعالى؛ كَصَيْدِ الحَرَمِ والإِحْرَامِ.
ب- ما حُرِّمَ لحقِّ المخلوقِ؛ كالمَغْصُوبِ والمسروقِ، والصحيحُ حِلُّ ذَكَاتِهِ وتَحْرِيمُ سَرِقَتِهِ.
الفوائدُ:
1- وُجُوبُ الإحسانِ في كلِّ شيءٍ.
2- فضلُ الإحسانِ، وهوَ أعْلَى مراتبِ الإيمانِ.
3- الأمرُ بالإحسانِ في القتلِ والاستيفاءِ.
4- الأمرُ بالإحسانِ عندَ الذبحِ.
5- التَّأَدُّبُ بآدابِ الذبحِ.
6- استيفاءُ شروطِ الذَّكَاةِ.
7- وُجُوبُ إِحْدَادِ السِّكِّينِ عندَ الذبحِ.
8- الرفقُ بالحيوانِ حَيًّا ومَيْتاً.
9- رحمةُ الإسلامِ بالحيوانِ.
10- الالتزامُ بشرائعِ الإسلامِ.
11- مَشْرُوعِيَّةُ إتقانِ العملِ.
12- تحريمُ المُثْلَةِ بالإنسانِ والحيوانِ.
13- حُسْنُ التعاملِ معَ المخلوقاتِ.
14- التحذيرُ منْ قسوةِ القلبِ.

هيئة الإشراف

#5

6 Nov 2008

شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح


قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (

(2) مَنْزِلَةُ الحديثِ:

قالَ النَّوويُّ رَحِمَهُ اللهُ: (وهذا الحديثُ من الأحاديثِ الجامعةِ لقواعدِ الإسلامِ؛ وذلكَ لأنَّ هذا الحديثَ يَدلُّ على عمومِ الإحسانِ في كلِّ شيءٍ، ولعلَّهُ أَمَرَ بإحسانِ القِتْلَةِ وإحسانِ الذِّبحةِ على سبيلِ المثالِ، أوْ لِحَاجَةِ البيانِ لذلكَ).
وبهذا يكونُ النَّوويُّ رحمهُ اللهُ مُصيبًا ومُوَفَّقًا في اختيارِهِ هذا الحديثَ ضِمْنَ أَرْبَعِينِهِ الَّتي جَمَعَهَا؛ وذلكَ لأنَّ الحديثَ يَدْعو لقاعدةٍ عامَّةٍ تَشْمَلُ كلَّ قولٍ وفعلٍ، وهذا مِنْ مَقاصدِ جَمْعِهِ للأربعينَ حديثًا.
حُكْمُ الإحسانِ:

(1) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ)) لفظُ الكتابةِ يَدُلُّ على الوُجوبِ عندَ أَكثرِ الفُقهاءِ والأُصوليِّينَ، كما أنَّ لفظَ الكتابةِ استُعْمِلَ في القرآنِ فيما هوَ واجبٌ، قالَ تَبارَكَ وتعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}.
- وقالَ تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}.
أو فيما هوَ واقعٌ قَدَرًا لا مَحَالَةَ، قالَ تعالى: {كَتَبَ اللهُ لأََغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}.
- وقولُهُ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.
ممَّا تَقدَّمَ نَخْلُصُ إلى أنَّ هذا الحديثَ نَصَّ على وُجوبِ الإحسانِ في كلِّ شيءٍ.
وقدْ أَمرَ اللهُ سبحانَهُ بهِ: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}.

- وقالَ تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
تعريفُ الإحسانِ: والإحسانُ هوَ مَصْدَرٌ، تقولُ: أَحْسَنَ يُحسِنُ إحسانًا.
ويأتي بمعنى:إِيصَالِ النَّفعِ إلى الآخرينَ.
وهذا منهُ ما هوَ واجبٌ: كالإحسانِ للوالدَيْنِ، والأرحامِ بِمِقدارِ ما يَحْصُلُ الْبِرُّ والصِّلَةُ الواجبةُ، وكالإحسانِ إلى الضَّيفِ بقَدْرِ ما يَصِلُ بهِ قِراهُ الواجبُ.
ومنهُ ما يكونُ مَندوبًا: كصَدَقةِ التَّطوُّعِ ونحوِهَا.
كما يأتي الإحسانُ بمعنى: الإتقانِ وإجادةِ الشَّيءِ.
وهذا منهُ ما هوَ واجبٌ: كالإتيانِ بالواجباتِ الظَّاهرةِ والباطنَةِ على وجهِ كمالِ واجباتِهَا، فهذا القَدْرُ مِن الإحسانِ فيها واجبٌ.
ومنهُ ما هوَ مَندوبٌ: كالإِتْيَانِ بِمُستحبَّاتِ الواجباتِ، مثلُ القيامِ بِمُسْتَحبَّاتِ الصَّلاةِ والحجِّ وغيرِها مِن الفرائِضِ، والواجباتِ، فهذا ليسَ بواجبٍ.
الإحسانُ في القتلِ:
(2) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ))والقـِتلـَةُ وَالذِّبْحَةُ بالكسرِ؛ أي: الهَيْئَةُ.
والمعنى: وأَحْسِنُوا هَيْئَةَ الذَّبحِ وهَيْئَةَ القتلِ.
والحديثُ يَدلُّ على الإسراعِ في إزهاقِ النُّفوسِ الَّتي يُباحُ إِزْهَاقُهَا على أسْهَلِ الوُجوهِ، وأسهلُ وُجوهِ قَتْلِ الآدميِّ ضربُهُ بالسَّيفِ على العُنُقِ.

ومِن الإحسانِ كذلكَ:
عَدَمُ الْمُثْلَةِ بالمقتولِ ابتداءً، عنْ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَنَّهُ نَهَى عَن النُّهْبَةِ وَالْمُثْلَةِ)).
ولكنْ إذا مُثِّلَ بالمقتولِ، هلْ يُمثَّلُ بالقاتلِ أثناءَ القِصَاصِ؟
الَّذي يَظهرُ -واللهُ أعلمُ- أنَّهُ يُمَثَّلُ بهِ إنْ طَلَبَ ذلكَ أولياءُ الْمَقتولِ، وهذا قولُ مالكٍ والشَّافعيِّ والمشهورُ عنْ أحمدَ.
قالَ ابنُ حَزْمٍ في كتابِهِ القيِّمِ (المُحَلَّى): (مَنْ قتلَ مُؤمنًا عَمْدًا في دارِ الإسلامِ أوْ في دارِ الحربِ، وهوَ يَدْرِي أنَّهُ مسلمٌ، فَوَلِيُّ المقتولِ مُخَيَّرٌ؛ إنْ شاءَ قتلَهُ بِمِثْلِ ما قَتَلَ هُوَ بهِ وَلِيَّهُ مِنْ ضَرْبٍ، أوْ رَمْيٍ، أوْ صَبٍّ منْ حَالِقٍ، أوْ تَحريقٍ، أوْ تَغريقٍ، أوْ شَدْخٍ، أوْ إجاعةٍ أوْ تَعطيشٍ، أوْ خَنْقٍ، أوْ سُمٍّ، أوْ وَطْءِ فَرَسٍ، أوْ غيرِ ذلكَ). اهـ
ثمَّ ساقَ الأدلَّةَ الصَّحيحَةَ الصَّريحَةَ على ما ذَهَبَ إليهِ، أَذْكُرُ منها:

- عنْ أَنَسٍ قالَ: (خَرَجَتْ جاريَةٌ علَيْها أَوْضَاحٌ بالمدينةِ، فرماهَا يَهُودِيٌّ بحَجَرٍ؛ فَجِيءَ بها إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبها رَمَقٌ، فقالَ لها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فُلاَنٌ قَتَلَكِ؟))

فرَفَعَتْ رَأْسَهَا، فقالَ لها في الثَّالثَةِ:


((فُلاَنٌ قَتَلَكِ؟))
فخَفَضَتْ رَأْسَهَا، فدعَا بهِ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَخَ رَأْسَهُ بينَ حَجَرَيْنِ).
وقالَ ابنُ حَزْمٍ رَادًّا على مَن اسْتَدَلَّ بحديثِ: ((فَأَحْسِنـُوا الْقِتْلَةَ)): (غايَةُ الإحسانِ في القِتْلَةِ هوَ أنْ يَقْتُلَهُ بِمِثْلِ ما قَتَلَ هوَ، وهذا عَيْنُ العَدْلِ والإنصافِ، {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} وأمَّا مَنْ ضَرَبَ بالسَّيفِ عُنُقَ مَنْ قَتَلَ آخَرَ خَنْقًا، أوْ تَغريقًا، أوْ شَدْخًا، فما أَحْسَنَ القِتْلَةَ). اهـ
الإحسانُ في الذَّبحِ:

- قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَإِذَا ذَبَحْتُـمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)) كذلكَ من الإحسانِ أثناءَ عمليَّةِ الذَّبحِ أنْ يُرَاعِيَ الشُّروطَ والواجباتِ والمستحبَّاتِ الَّتي وردَتْ في الشَّرعِ؛ وهيَ:
1 - أنْ تكونَ آلةُ الذَّبحِ حادَّةً تُنْهِرُ الدَّمَ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلْ، لَيْسَ الْعَظْمَ وَالظُّفُرَ)).
وكذلكَ:قولـُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَلْيُـحِـدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ)).
2 - قَطْعُ الْحُلْقومِ وَالْمَرِيءِ والْوَدَجَيْنِ في فَوْرٍ واحدٍ، وتَجوزُ تَذْكِيَتُهُ في أيِّ مَكانٍ في بَدَنِهِ عندَ ذَبْحِهِ، كَتَرَدِّيهِ في بِئْرٍ أوْ لِشُرُودِهِ؛ وذلكَ لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدْ نَدَّ بَعيرٌ -أَيْ: شَرَدَ- ولمْ يَكُنْ معَ القومِ خَيْلٌ، فَرَمَاهُ رجلٌ بسَهمٍ فَحَبَسَهُ: ((إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوهُ بِهِ هَكَذَا)) فقاسَ أهلُ العلمِ عليهِ كلَّ ما تَعَذَّرَتْ ذَكَاتُهُ منْ حَلْقِهِ أوْ لَبَّتِهِ.
3 - التَّسْمِيَةُ: قالَ تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ}.

وقولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وذُكِرَ اسْمُ اللهِ فَكُلْ)).
ولكنْ إذا لمْ يُعْلَمْ هلْ سُمِّيَ على الذَّبيحةِ أمْ لا، أوْ تُرِكَت التَّسميَةُ بسببِ النِّسيانِ، سَمَّى عليها أثناءَ الأكلِ.
عنْ عائشةَ، أنَّ قومًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِجَاهِليَّةٍ قالُوا للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنا باللُّحْمَانِ لا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللهِ أمْ لمْ يذْكُرُوا، نَأْكُلُ منها أمْ لا؟

فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اذْكُرُوا اسْمَ اللهِ، وَكُلُوا)).

4 - أَهْلِيَّةُ الْمُذَكِّي، بأنْ يكونَ مُسْلِمًا عاقلاً بالغًا، أوْ صَبِيًّا مُمَيِّزًا، أوْ كِتَابِيًّا؛ لقولِهِ جلَّ وَعَلا: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}.
هذا إذا لمْ يكُنْ ذَبْحُهُ تَقَرُّبًا للكنيسةِ والأعيادِ، أمَّا إذا كانَ تَقَرُّبًا فالأَحْوَطُ تَرْكُ ذلكَ؛ لأنَّهُ قدْ يدخلُ فيما أُهِلَّ لغيرِ اللهِ بهِ. وهذا ما قالَتْ بهِ عائِشَةُ، وقالَ بهِ ابنُ عُمَرَ وطاوُسُ بنُ كَيْسَانَ والحسنُ والشَّافعيُّ وغيرُهم.
5- ألاَّ تُحَدَّ الشَّفرةُ أمامَ الذَّبيحةِ، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أنَّ رَجُلاً أَضْجَعَ شاةً، وهُوَ يُحِدُّ شَفْرتَهُ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوتانِ؟ هَلاَّ أَحْدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا)).
6- ومِن الإحسانِ كذلكَ، ألاَّ يَقْطَعَ منها شيئًا حتَّى تَتِمَّ الذَّكاةُ وتَموتَ الذَّبيحةُ، وألاَّ يُبالغَ في الذَّبحِ فيَقطعَ رأسَ الذَّبيحةِ؛ لأنَّ هذهِ إساءةٌ. وإنْ فعلَ ذلكَ فَتُوكَلْ معَ الإساءةِ.


فوائدُ الحديثِ:
1 -في الحديثِ الحثُّ على الرَّحمةِ والشَّفقةِ بالحيوانِ، والإسلامُ لهُ السَّبقُ في هذا الْمَيدانِ قبلَ جماعاتِ الرِّفقِ بالحيوانِ الَّتي أُنْشِئَتْ حديثًا في أُورُوبَّا وغيرِهَا، والإنسانُ يَئِنُّ مِن الظُّلمِ الواقعِ عليهِ في مُجتمعاتِهِم.
2 - كما فيهِ النَّهيُ عن الْمُثْلَةِ بالإنسانِ بعدَ قَتْلِهِ دونَ وَجْهِ حقٍّ.

هيئة الإشراف

#6

6 Nov 2008

جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي


قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (

(2) هَذَا الحَدِيثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ دونَ البُخَارِيِّ مِن رِوَايَةِ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ، وتَرَكَهُ البُخَارِيُّ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُخَرِّجْ فِي (صَحِيحِهِ) لأَِبِي الأَشْعَثِ شَيْئًا، وهو شَامِيٌّ ثِقَةٌ.
وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُحْسِنٌ فَأَحْسِنُوا، فَإِذَا قَتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيُكْرِمْ مَقْتُولَهُ، وَإِذَا ذَبَحَ فَلْيَحُدَّ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ)). خرَّجَه ابنُ عَدِيٍّ.
وخرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِن حَدِيثِ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا حَكَمْتُمْ فَاعْدِلُوا، وَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ مُحْسِنٌ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ)).

فَقَوْلُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ)).

- وَفِي رِوَايَةٍ لأَِبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ في كِتَابِ (السِّيَرِ) عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ)).
أو قَالَ: ((عَلَى كُلِّ خَلْقٍ)).
هَكَذَا خَرَّجَهَا مُرْسَلَةً، وبالشَّكِّ فِي: ((كُلِّ شَيْءٍ)) أو: ((كُلِّ خَلْقٍ))، وظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ كُتِبَ عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ الإِحْسَانُ، فيَكُونُ كُلُّ شَيْءٍ أو كُلُّ مَخْلُوقٍ هو الْمَكْتُوبَ عَلَيْهِ، والمَكْتُوبُ هو الإِحْسَانَ.
وقِيلَ: إِنَّ المَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ، أو فِي كُلِّ شَيْءٍ، أو كَتَبَ الإِحْسَانَ في الوِلايَةِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فيَكُونُ المَكْتُوبُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَذْكُورٍ، وإِنَّمَا المَذْكُورُ المُحْسَنُ إِلَيْهِ.
ولَفْظُ ((الكِتَابَةِ)) يَقْتَضِي الوُجُوبَ عندَ أَكْثَرِ الفُقَهَاءِ والأُصُولِيِّينَ خِلافًا لبَعْضِهِم، وَإِنَّمَا اسْتِعْمَالُ لَفْظَةِ الكِتَابَةِ فِي القُرْآنِ فِيمَا هو وَاجِبٌ حَتْمٌ؛ إمَّا شَرْعًا، كقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء: 103].
وقولِهِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 182].


{كُتِبَ عَلَيكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: 216]، أو فيما هو وَاقِعٌ قَدَرًا لا مَحَالَةَ، كقَوْلِهِ: {كَتَبَ اللَّهُ لأََغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}[المجادلة: 21].

وقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105]، وقولِهِ: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ}[المجادلة: 22].
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: ((إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيكُمْ)).
وَقَالَ: ((أُمِرْتُ بِالسِّوَاكِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيَّ)).


وَقَالَ: ((كُتِبَ عَلَى ابنِ آدَمَ حَظُّهُ مِنَ الزِّنَا، فهو مُدْرِكٌ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ)).
وحِينَئذٍ فهَذَا الحَدِيثُ نَصٌّ في وُجُوبِ الإِحْسَانِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَقَالَ:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل: 90]، وقَالَ: {وأحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[البقرة: 195].
وهَذَا الأَمْرُ بالإِحْسَانِ تَارَةً يَكُونُ للوُجُوبِ؛ كالإِحْسَانِ إِلَى الوَالِدَيْنِ والأَرْحَامِ بِمِقْدَارِ مَا يَحْصُلُ بِهِ البِرُّ والصِّلَةُ، والإِحْسَانِ إِلَى الضَّيْفِ بقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ قِرَاهُ، عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُه.وتَارَةً يَكُونُ للنَّدْبِ؛ كصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ ونَحْوِهَا.
وهَذَا الحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِن الأَعْمَالِ، لَكِنَّ إِحْسَانَ كُلِّ شَيْءٍ بحَسَبِهِ؛ فَالإِحْسَانُ فِي الإِتْيَانِ بالوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ: الإِتْيَانُ بِهَا عَلَى وَجْهِ كَمَالِ وَاجِبَاتِهَا، فَهَذَا القَدْرُ مِن الإِحْسَانِ فِيهَا وَاجِبٌ، وَأَمَّا الإِحْسَانُ فِيهَا بإِكْمَالِ مُسْتَحَبَّاتِهَا فَلَيْسَ بوَاجِبٍ.


والإِحْسَانُ فِي تَرْكِ المُحَرَّمَاتِ:
الانْتِهَاءُ عَنْهَا، وتَرْكُ ظَاهِرِهَا وبَاطِنِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ}[الأنعام: 120].
فَهَذَا القَدْرُ مِن الإِحْسَانِ فِيهَا وَاجِبٌ.
وأَمَّا الإِحْسَانُ فِي الصَّبْرِ عَلَى المَقْدُورَاتِ، فَأَنْ يَأْتِيَ بالصَّبْرِ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهِهِ مِن غَيْرِ تَسَخُّطٍ وَلا جَزَعٍ.
والإِحْسَانُ الوَاجِبُ فِي مُعَامَلَةِ الخَلْقِ ومُعَاشَرَتِهِم:
القِيَامُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ مِن حُقُوقِ ذَلِكَ كُلِّه.
والإِحْسَانُ الوَاجِبُ فِي وِلايَةِ الخَلْقِ وسِيَاسَتِهِم:
القِيَامُ بوَاجِبَاتِ الوِلايَةِ كُلِّهَا، والقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى الوَاجِبِ فِي ذَلِكَ كُلِّه إِحْسَانٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ.
والإِحْسَانُ فِي قَتْلِ مَا يَجُوزُ قَتْلُه مِنَ النَّاسِ والدَّوَابِّ:
إِزْهَاقُ نَفْسِهِ عَلَى أَسْرَعِ الوُجُوهِ وأَسْهَلِهَا وأَوْحَاهَا مِن غَيْرِ زِيَادَةٍ في التَّعْذِيبِ؛ فَإِنَّه إِيلامٌ لا حَاجَةَ إِلَيْهِ. وَهَذَا النَّوْعُ هو الذي ذَكَرَه النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هَذَا الحَدِيثِ، ولَعَلَّهُ ذَكَرَه عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، أو لِحَاجَتِهِ إِلَى بَيَانِهِ فِي تِلْكَ الحَالِ فَقَالَ: ((إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ)).
والقِتْلَةُ والذِّبْحَةُ بالكَسْرِ، أيِ: الْهَيْئَةُ، والمَعْنَى: أَحْسِنُوا هَيْئَةَ الذَّبْحِ، وهَيْئَةَ القَتْلِ.
وهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الإِسْرَاعِ في إِزْهَاقِ النُّفُوسِ الَّتِي يُبَاحُ إِزْهَاقُهَا عَلَى أَسْهَلِ الوُجُوهِ.
وَقَدْ حَكَى ابنُ حَزْمٍ:(الإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الإِحْسَانِ فِي الذَّبِيحَةِ، وَأَسْهَلُ وُجُوهِ قَتْلِ الآدَمِيِّ ضَرْبُه بالسَّيْفِ عَلَى العُنُقِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ الكُفَّارِ: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}[محمد: 4]، وَقَالَ تَعَالَى: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ}[الأنفال: 12].


وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ عَيَّنَ المَوْضِعَ الذِي يَكُونُ الضَّرْبُ فِيهِ أَسْهَلَ عَلَى المَقْتُولِ، وهو فَوْقَ العِظَامِ دُونَ الدِّمَاغِ، ووَصَّى دُرَيْدُ بنُ الصِّمَّةِ قَاتِلَهُ أَنْ يَقتُلَهُ كَذَلِكَ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ لَهُم: ((لا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا)).
وخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ، وابنُ مَاجَه مِن حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الإِيمَانِ)).


وخَرَّج َ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ مِن حَدِيثِ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وسَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى عَنِ المُثْلَةِ.
وخرَّجَه البُخَارِيُّ مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ يَزِيدَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ نَهَى عَنِ المُثْلَةِ.
وخرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ مِن حَدِيثِ يَعْلَى بنِ مُرَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لا تُمَثِّلُوا بعِبَادِي)).


وخَرَّجَ أيضًا مِن حَدِيثِ رَجُلٍ مِن الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ مَثَّلَ بِذِي رُوحٍ، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ، مَثَّلَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
واعْلَمْ أَنَّ القَتْلَ المُبَاحَ يَقَعُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُما: أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا، فَلا يَجُوزُ التَّمْثِيلُ فِيهِ بالمُقْتَصِّ منه، بل يُقتَلُ كَمَا قَتَلَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ مَثَّلَ بالمَقْتُولِ، فَهَلْ يُمَثَّلُ به كَمَا فَعَلَ أمْ لا يُقْتَلُ إِلا بالسَّيْفِ ؟
فِيهِ قَوْلانِ مَشْهُورَانِ للعُلَمَاءِ:
أَحَدُهُما: أَنَّه يُفعَلُ به كَمَا فَعَلَ، وهو قَوْلُ مَالِكٍ والشَّافِعِيِّ وأَحْمَدَ فِي المَشْهُورِ عَنْهُ، وفي((الصَّحِيحَيْنِ))عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَرَجَتْ جَارِيَةٌ عَلَيْها أَوْضَاحٌ بِالمَدِينَةِ، فَرَمَاهَا يَهُودِيٌّ بِحَجَرٍ، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا رَمَقٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((فُلانٌ قَتَلَكِ؟)).
فَرَفَعَتْ رَأْسَها، فَقَالََ لَهَا فِي الثَّالِثَةِ:
((فُلانٌ قَتَلَكِ؟)).
فَخَفَضَتْ رَأْسَها، فَدَعَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَضَخَ رَأْسَهُ بَيْنَ الحَجَرَيْنِ.
وفي رِوَايَةٍ لَهُمَا: (فَأُخِذَ فَاعْتَرَفَ).
وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: (أَنَّ رَجُلاً مِنَ اليَهُودِ قَتَلَ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا، ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي القَلِيبِ، وَرَضَخَ رَأْسَها بِالحِجَارَةِ، فَأُخِذَ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُمِرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ).
والقَوْلُ الثَّانِي:
لا قَوَدَ إلا بالسَّيْفِ، وهو قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وأَبِي حَنِيفَةَ، ورِوَايَةٌ عَنْأَحْمَدَ.
وعن أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: ((يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ، إِلا أَنْ يَكُونَ حَرَّقَه بالنَّارِ أو مَثَّلَ بِهِ، فيُقْتَلُ بالسَّيْفِ؛ للنَّهْيِ عَنِ المُثْلَةِ وعَنِ التَّحْرِيقِ بالنَّارِ)).
نَقَلَهَا عنه الأَثْرَمُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا قَوَدَ إِلا بِالسَّيْفِ)).


خَرَّجَه ابنُ مَاجَه وإِسْنَادُه ضَعِيفٌ، قَالَ أَحْمَدُ: يُرْوَى: ((لا قَوَدَ إلا بِالسَّيْفِ)).
ولَيْسَ إِسْنَادُهُ بِجَيِّدٍ، وحَدِيثُ أَنَسٍ -يَعْنِي: فِي قَتْلِ اليَهُودِيِّ بالْحِجَارَةِ- أَسْنَدُ منه وأَجْوَدُ.
ولو مَثَّلَ به، ثُمَّ قَتَلَهُ؛ مِثْلَ أَنْ قَطَّعَ أَطْرَافَه، ثُمَّ قَتَلَهُ، فَهَلْ يُكْتَفَى بقَتْلِهِ أم يُصْنَعُ بِهِ كَمَا صَنَعَ، فَتُقَطَّعَ أَطْرَافُه ثُمَّ يُقْتَلَ؟
عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ سَوَاءً، وهو قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ والشَّافِعِيِّ وأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وإِسْحَاقَ وغَيْرِهِم.
والثَّانِي: يُكْتَفَى بقَتْلِهِ، وهو قولُ الثَّوْرِيِّ وأَحْمَدَ في رِوَايَةٍ وَأَبِي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ، وقَالَ مَالِكٌ: إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ والتَّعْذِيبِ، فُعِلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا الوَجْهِ اكْتُفِيَ بقَتْلِهِ.
الوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ القَتْلُ للكُفْرِ؛ إِمَّا لكُفْرٍ أَصْلِيٍّ، أو لرِدَّةٍ عَنِ الإسْلامِ، فأَكْثَرُ العُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ المُثْلَةِ فِيهِ أَيْضًا، وأَنَّه يُقْتَلُ فِيهِ بالسَّيْفِ، وَقَدْ رُوِيَ عن طَائِفَةٍ مِن السَّلَفِ جَوَازُ التَّمْثِيلِ فيه بالتَّحْرِيقِ بالنَّارِ وغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا فَعَلَه خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ وغَيْرُه.
ورُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّه حَرَّقَ الفُجَاءَةَ بالنَّارِ.
ورُوِيَ أَنَّ أُمَّ قِرْفَةَ الفَزَارِيَّةَ ارْتَدَّتْ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فأَمَرَ بِهَا، فَشُدَّتْ ذَوَائِبُها في أَذْنَابِ قَلُوصَيْنِ أو فَرَسَيْنِ، ثُمَّ صَاحَ بِهِمَا فتَقَطَّعَتِ المَرْأَةُ. وأَسَانِيدُ هَذِهِ القِصَّةِ مُنْقَطِعَةٌ.


وَقَدْ ذَكَرَ ابنُ سَعْدٍ في (طَبَقَاتِهِ) بغَيْرِ إِسْنَادٍ أَنَّ زَيْدَ بنَ حَارِثَةَ قَتَلَهَا هَذِهِ القِتْلَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك.

وصحَّ عن عَلِيٍّ أَنَّه حَرَّقَ المُرْتَدِّينَ، وأَنْكَرَ ذَلِكَ ابنُ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ، وقِيلَ: إِنَّه لَمْ يُحَرِّقْهُم، وإِنَّمَا دَخَّنَ عَلَيْهِم حَتَّى مَاتُوا.
وقِيلَ: إِنَّه قَتَلَهُم، ثُمَّ حَرَّقَهُم، ولا يَصِحُّ ذَلِكَ، ورُوِيَ عنه أَنَّه جِيءَ بِمُرْتَدٍّ، فأَمَرَ بِهِ فَوُطِئَ بالأَرْجُلِ حَتَّى مَاتَ.


واخْتَارَ ابنُ عَقِيلٍ - مِن أَصْحَابِنَا - جَوَازَ القَتْلِ بالتَّمْثِيلِ للكُفْرِ لا سِيَّمَا إِذَا تَغَلَّظَ، وحُمِلَ النَّهْيُ عن المُثْلَةِ عَلَى القَتْلِ بالقِصَاصِ، واسْتَدَلَّ مَن أَجَازَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ العُرَنِيِّينَ، وَقَدْ خَرَّجَاهُ في (الصَّحِيحَيْنِ) مِن حَدِيثِ أَنَسٍ: أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((إِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَتَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا، فَافْعَلُوا)).
فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، ثُمَّ مَالُوا عَلَى الرِّعَاءِ، فَقَتَلُوهُم، وَارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلامِ، وَسَاقُوا ذَوْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُم وَأَرْجُلَهُم، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُم، وَتَرَكَهُم فِي الحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا).
وفي رِوَايَةٍ: (ثُمَّ نُبِذُوا في الشَّمْسِ حَتَّى مَاتُوا).
وفي رِوَايَةٍ: (وسُمِّرَتْ أَعْيُنُهُم، وَأُلْقُوا في الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلا يُسْقَوْنَ).


وفي رِوَايَةٍ: للتِّرْمِذِيِّ: (قَطَعَ أَيْدِيَهُم وَأَرْجُلَهُم مِنْ خِلافٍ).

وفي رِوَايَةٍ للنَّسَائِيِّ: (وصَلَبَهُم).
وقد اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي وَجْهِ عُقُوبَةِ هؤلاء.
فمِنْهُم مَن قَالَ: (مَن فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِم فارْتَدَّ، وحَارَبَ، وأَخَذَ المَالَ، صُنِعَ بِهِ كَمَا صُنِعَ بهؤلاء).


ورُوِيَ هَذَا عَنْ طَائِفَةٍ، منهم أَبُو قِلابَةَ، وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ.
ومنهم مَنْ قَالَ: (بل هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّمْثِيلِ بِمَن تَغَلَّظَتْ جَرَائِمُهُ في الْجُمْلَةِ، وإِنَّمَا نُهِيَ عن التَّمْثِيلِ في القِصَاصِ) وهو قَوْلُ ابنِ عَقِيلٍ مِن أَصْحَابِنَا.
ومِنْهُم مَن قَالَ: (بل نُسِخَ مَا فُعِلَ بالعُرَنِيِّينَ بالنَّهْيِ عن المُثْلَةِ).
ومنهم مَن قَالَ: (كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الحُدُودِ وآيَةِ المُحَارَبَةِ، ثُمَّ نُسِخَ بذَلِكَ).
وهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ، منهم الأَوْزَاعِيُّ وأَبُو عُبَيْدٍ.
ومنهم مَن قَالَ: (بل مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِم إِنَّمَا كَانَ بآيَةِ المُحَارَبَةِ، وَلَمْ يُنْسَخْ شَيْءٌ مِن ذلك).
وقالُوا: (إِنَّمَا قَتَلَهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَطَعَ أَيْدِيَهُم؛ لأَِنَّهُم أَخَذُوا الْمَالَ، ومَن أَخَذَ الْمَالَ وقَتَلَ، قُطِعَ وقُتِلَ، وصُلِبَ حَتْمًا؛ فَيُقتَلُ لِقَتْلِهِ، ويُقْطَعُ لأَِخْذِهِ الْمَالَ يَدُه ورِجْلُه مِن خِلافٍ، ويُصلَبُ لِجَمْعِهِ بَيْنَ الجِنَايَتَيْنِ وهُمَا القَتْلُ وأَخْذُ الْمَالِ).
وهَذَا قَوْلُ الحَسَنِ، ورِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.


وإِنَّمَا سَمَلَ أَعْيُنَهُم؛ لأَِنَّهُم سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ.

كَذَا خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِن حَدِيثِ أَنَسٍ، وَذَكَرَ ابنُ شِهَابٍ: (أَنَّهُم قَتَلُوا الرَّاعِيَ، ومَثَّلُوا بِهِ).
وذَكَرَ ابنُ سَعْدٍ: (أَنَّهُم قَطَعُوا يَدَهُ ورِجْلَه، وغَرَسُوا الشَّوْكَ فِي لِسَانِهِ وعَيْنَيْهِ حَتَّى مَاتَ، وحِينَئذٍ، فَقَدْ يَكُونُ قَطْعُهُم، وسَمْلُ أَعْيُنِهِم، وتَعْطِيشُهم قِصَاصًا) وهَذَا يَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ المُحَارِبَ إِذَا جَنَى جِنَايَةً تُوجِبُ القِصَاصَ اسْتُوْفِيَتْ مِنْه قَبْلَ قَتْلِهِ، وهو مَذْهَبُ أَحْمَدَ.
لَكِنْ هَلْ يُسْتَوْفَى منه تَحَتُّمًا كقَتْلِهِ أم عَلَى وَجْهِ القِصَاصِ، فيَسْقُطَ بعَفْوِ الوَلِيِّ ؟
عَلَى رِوَايَتَيْنِ عِنْهُ، ولَكِنَّ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ قَطْعَهُم مِن خِلافٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَطْعَهُم للمُحَارَبَةِ، إِلا أَنْ يَكُونُوا قَدْ قَطَعُوا يَدَ الرَّاعِي ورِجْلَه مِن خِلافٍ، واللَّهُ أَعْلَمُ.


وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ أَذِنَ فِي التَّحْرِيقِ بالنَّارِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ، كَمَا فِي (صَحِيحِ البُخَارِيِّ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بَعْثٍ فَقَالََ: ((إِنْ وَجَدْتُم فُلانًا وفُلانًا - لِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ - فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ)).
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَدْنَا الخُرُوجَ: ((إِنِّي كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلانًا وفُلانًا بِالنَّارِ، وَإِنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بِهَا إِلا اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا)).


- وفيه أَيْضًا عَنِ ابنِ عبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ)).
- وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وأَبُو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ مِن حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَرْنَا بِقَرْيَةِ نَمْلٍ قَدْ أُحْرِقَتْ، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:((إِنَّه لا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ)).
- وقَدْ حَرَّقَ خالِدٌ جَمَاعَةً فِي الرِّدَّةِ، ورُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِن الصَّحَابَةِ تَحْرِيقُ مَن عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّه أَشَارَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَقْتُلَه ثُمَّ يُحَرِّقَهُ بالنَّارِ، واسْتَحْسَنَ ذَلِكَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهُويَه؛ لِئَلا يَكُونَ تَعْذِيبًا بالنَّارِ.
- وَفِي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا ضَرَبَهُ ابنُ مُلْجَمٍ قَالَ: افْعَلُوا بِهِ كَمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ برَجُلٍ أَرَادَ قَتْلَه، قَالَ: ((اقْتُلُوهُ ثُمَّ حَرِّقُوهُ)).
وأَكْثَرُ العُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيقِ بالنَّارِ حَتَّى للهَوَامِّ.
وقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: (تَحْرِيقُ العَقْرَبِ بالنَّارِ مُثْلَةٌ).
ونَهَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ عَنْ تَحْرِيقِ البُرْغُوثِ بالنَّارِ.


وَقَالَ أَحْمَدُ: (لا يُشْوَى السَّمَكُ فِي النَّارِ وهو حَيٌّ).

وَقَالَ: (الجَرَادُ أَهْونُ؛ لأَِنَّهُ لا دَمَ لَهُ).
وقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ صَبْرِ البَهَائِمِ، وهو: أَنْ تُحْبَسَ البَهِيمَةُ ثُمَّ تُضْرَبَ بالنَّبْلِ ونَحْوِه حَتَّى تَمُوتَ.
- فَفِي (الصَّحِيحَيْنِ) عَنْ أَنَسٍ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُصْبَرَ البَهائِمُ)).


وفيهما، أيضًا عن ابنِ عُمَرَ: (أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَها.
فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟


إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا).

- وخرَّجَ مُسْلِمٌ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُتَّخَذَ شَيْءٌ فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا.


والغَرَضُ : هو الذي يُرْمَى فيه بالسِّهَامِ.
- وفي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الرَّمِيَّةِ؛ أَنْ تُرْمَى الدَّابَّةُ ثُمَّ تُؤْكَلَ؛ وَلَكِنْ تُذْبَحُ، ثُمَّ لْيَرْمُوا إِنْ شَاءُوا)).
وفِي هَذَا المَعْنَى أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
فلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإِحْسَانِ القَتْلِ والذَّبْحِ، وأَمَرَ أَنْ تُحَدَّ الشَّفْرَةُ، وأَنْ تُرَاحَ الذَّبِيحَةُ، يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الذَّبْحَ بالآلَةِ الحَادَّةِ يُرِيحُ الذَّبِيحَةَ بتَعْجِيلِ زُهُوقِ نَفْسِهَا.


- وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وابنُ مَاجَه مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِّ الشِّفَارِ، وَأَنْ تُوارَى عَنِ البَهَائِمِ، وَقَالَ:((إِذَا ذَبَحَ أحَدُكُم، فَلْيُجْهِزْ)) يَعْنِي: فَلْيُسْرِعِ الذَّبْحَ.
وَقَدْ وَرَدَ الأَمْرُ بالرِّفْقِ بالذَّبِيحَةِ عِنْدَ ذَبْحِهَا.
- وخَرَّجَ ابنُ مَا جَه، مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: ((مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَجُلٍ وهو يَجُرُّ شَاةً بأُذُنِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعْ أُذُنَهَا وَخُذْ بِسَالِفَتِهَا)).
والسَّالِفَةُ: مُقَدَّمُ العُنُقِ.
-وخرَّجَ الخَلالُ والطَّبَرَانِيُّ مِن حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ برَجُلٍ وَاضِعٍ رِجْلَه عَلَى صَفْحَةِ شَاةٍ، وهو يَحُدُّ شَفْرَتَه وهي تَلْحَظُ إِلَيْهِ ببَصَرِهَا، فَقَالَ: ((أَفَلا قَبْلَ هَذَا؟ تُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ؟)).
وَقَدْ رُوِيَ عَن عِكْرِمَةَ مُرْسَلاً خَرَّجَه عَبْدُالرَّزَّاقِ وغَيْرُه، وفيه زِيَادَةٌ: ((هَلا حَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا)).
وقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: (تُقَادُ إِلَى الذَّبْحِ قَوْدًا رَفِيقًا، وتُوارَى السِّكِّينُ عنها، وَلا تُظْهَرُ السِّكِّينُ إِلا عِنْدَ الذَّبْحِ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذَلِكَ؛ أَنْ تُوارَى الشِّفَارُ.
وَقَالَ: مَا أُبْهِمَتْ عَلَيْهِ البَهَائِمُ فَلَمْ تُبْهَمْ أَنَّها تَعْرِفُ رَبَّهَا، وتَعْرِفُ أَنَّهَا تَمُوتُ.
وقَالَ: يُرْوَى عن ابنِ سَابِطٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ البَهَائِمَ جُبِلَتْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِلا عَلَى أَنَّهَا تَعْرِفُ رَبَّهَا وتَخَافُ المَوْتَ).


وَقَدْ وَرَدَ الأَمْرُ بقَطْعِ الأَوْدَاجِ عِنْدَ الذَّبْحِ، كَمَا خَرَّجَه أَبُو دَاوُدَ مِن حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وأَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ نَهَى عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ وَهِي الَّتِي تَذْبَحُ فَتَقْطَعُ الجِلْدَ، وَلا تُقْرِي الأَوْدَاجَ، وخَرَّجَه ابنُ حِبَّانَ فِي (صَحِيحِه) وعندَه قَالَ عِكْرِمَةُ:(كَانُوا يَقْطَعُونَ مِنْهَا الشَّيْءَ اليَسِيرَ، ثُمَّ يَدَعُونَهَا حَتَّى تَمُوتَ، وَلا يَقْطَعُونَ الوَدَجَ، فنُهِي عَنْ ذَلِكَ).

ورَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِهِ عَن مُحَمَّدِ بنِ رَاشِدٍ، عن الوَضِينِ بنِ عَطَاءٍ، قَالَ: (إنَّ جزَّارًا فَتَحَ بَابًا عَلَى شَاةٍ ليَذْبَحَهَا فانْفَلَتَتْ مِنْهُ حَتَّى جَاءت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاتَّبَعَهَا، فأَخَذَ يَسْحَبُهَا برِجْلِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((اصْبِرِي لأَِمْرِ اللَّهِ، وَأَنْتَ يَا جَزَّارُ فَسُقْهَا إِلَى المَوْتِ سَوْقًا رَفِيقًا)).
وبإِسْنَادِهِ عن ابنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ رَأَى رَجُلاً يَسْحَبُ شَاةً برِجْلِهَا ليَذْبَحَهَا، فَقَالَ لَهُ: ويْلَكَ قُدْهَا إِلَى المَوْتِ قَوْدًا جَمِيلاً.

ورَوَى مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ أَنَّ ابنَ عُمَرَ: (رَأَى قَصَّابًا يَجُرُّ شَاةً، فَقَالَ: سُقْهَا إِلَى المَوْتِ سَوْقًا جَمِيلاً.

فأَخْرَجَ القَصَّابُ شَفْرَتَه، فَقَالَ: مَا أَسُوقُهَا سَوْقًا جَمِيلاً، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَذْبَحَهَا السَّاعَةَ، فَقَالَ: سُقْهَا سَوْقًا جَمِيلاً).


وفي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ) عَن مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ: (أَنَّ رَجُلاً قَالَ للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لأََذْبَحُ الشَّاةَ وَأَنَا أَرْحَمُهَا.

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((والشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ)).
وَقَالَ مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ: (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْحَمُ برَحْمَةِ العُصْفُورِ).
وقَالَ نَوْفٌ البِكَالِيُّ: (إِنَّ رَجُلاً ذَبَحَ عِجَّوْلاً بَيْنَ يَدَيْ أُمِّهِ، فَخُبِّلَ، فَبَيْنَا هو تَحْتَ شَجَرَةٍ فِيهَا وَكْرٌ فِيهِ فَرْخٌ، فَوَقَعَ الفَرْخُ إِلَى الأَرْضِ، فَرَحِمَهُ فأَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ قُوَّتَهُ).
وَقَدْ رُوِيَ مِن غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى أَنْ تُوَلَّهَ والِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا، وهو عَامٌّ في بَنِي آدَمَ وغَيْرِهِم.
وفي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ): (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن الفَرَعِ، فَقَالَ: ((هُوَ حَقٌّ، وَأَنْ تَتْرُكُوهُ حَتَّى يَكُونَ بِكْرًا ابنَ مَخَاضٍ، أَو ابنَ لَبُونٍ، فَتُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً، أَوْ تَحْمِلَ عَلَيهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ فَيَلْصَقَ لَحْمُهُ بِوَبَرِهِ، وَتُكْفِئَ إِنَاءَكَ، وَتُوَلِّهَ نَاقَتَكَ)).
والمَعْنَى: أَنَّ وَلَدَ النَّاقَةِ إِذَا ذُبِحَ وهو صَغِيرٌ عندَ وِلادَتِهِ لَمْ يُنْتَفَعْ بلَحْمِهِ، وتَضَرَّرَ صَاحِبُه بانْقِطَاعِ لَبَنِ نَاقَتِهِ، فتُكْفِئُ إِنَاءهُ وهو المِحْلَبُ الذي تُحْلَبُ فِيهِ النَّاقَةُ، وتُوَلَّهُ النَّاقَةُ عَلَى وَلَدِهَا بفَقْدِهَا إِيَّاهُ.

هيئة الإشراف

#7

6 Nov 2008

شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)


قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (

القارئ:

(وعن أبي يعلى شداد بن أوس -رضي الله عنه- (أَنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إِنَّ الله كتب الإحسان على كلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، وليحدَّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) رواه مسلم).

الشيخ :
هذا الحديث في بابٍ آخر، وهو باب الإحسان، وقال فيه -عليه الصلاة والسلام-: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) فلفظ: ((كَتَبَ)) يدلنا على أنّ الإحسان واجب، لأن لفظ (كتب) عند الأصوليين من الألفاظ التي يستفاد بها الوجوب، وما تصرف من الكتابة، قال الله -جل وعلا- مثلاً: {إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} فدلَّ على وجوبها أشياء، منها أنه وصفها بأنَّها كتاب، وقال -جل وعلا-: {كُتب عليكم الصيام} وقال -جل وعلا-: {كُتِبَ عليكُم إذا حضرَ أَحدَكمُ الموتُ} وقال -جل وعلا-: {كِتابَ الله عليكم} وقال -جل وعلا-: {وَكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} في آياتٍ كثيرة فيها لفظ الكتابة، فلفظ ((كتب)) وما تصرّف منهُ يدل على أنَّ المكتوب واجب، ومنه الإحسان:((إن الله كتب الإحسان على كُلِّ شيء)).
وقوله هنا (كتب الإحسان على كل شيء) كلمة (على) هنا فيها احتمال أن تكون كتابته الإحسان على كل شيء كتابة قدرية، يعني أنه كتبها قدراً، بأن الأشياء تمشي على الإحسان، وأن الله -جل وعلا- ألهم مخلوقاته الإحسان، ويحتمل أن تكون الكتابة هنا شرعية، فيكون معنى قوله: ((كتب الإحسان على كل شيء)) أن تكون ((على))هنا بمعنى (في) يعني: كتب الإحسان في كل شيء يعني لكل شيء، وهذا الخطاب للمكلفين إذا كانت الكتابة شرعية فلهذا مثل بمثالٍ يتعلق بالمكلفين، وهذا الثاني أظهر، يعني أن تكون الكتابة شرعية وأن يكون معنى: ((كتب الإحسان على كل شيء)) يعني في كل شيء، أو لكلِّ شيء، فـ(على) هنا بمعنى: (في) كقوله -عليه الصلاة والسلام- حيث سُئل :أي الأعمال أحبُّ إلى الله؟


فقال:((الصلاة على وقتها)) يعني في وقتها، فيما هو معلوم في مجيء (على) بمعنى: (في) في مواضع و مجيء (في) بمعنى :(على) أيضا في مواضع.

إذا تقرَّر هذا فالإحسان الذي كُتب على المكلف بكلِّ شيء ما هو؟

الإحسان: مصدر أحْسنَ الشيء يُحسنهُ إحساناً، وإذا كان كذلك، فالإحسان يختلف باختلاف الشيء، فإذا كان الشيء هذا عبادة صار الإحسان الواجب بتكميل ما به يكون إجزاؤها وصحتها وحصول الثواب بها، يعني تكميل الأركان والواجبات والشرائط، فيخرج عن ذلك المستحبات، لأنها ممَّا لم يُكتب مَع أَنَّهُ يكون بها الإحسان، لكن الإحسان المستحب، فـ((الشيء)) هنا، ((كتب الإحسان على كل شيء)) يعني في كل شيء، الشيء هنا أخذنا منه العبادات ((كتب الإحسان في كل شيء)) يعني : فيما تزاوله من أمرك في حياتك، وهذا الإحسان مطلوب منك دائماً، وهو أنْ تُحسنَ في تعامُلِك مع نَفسِكَ بأن تمتثل الواجبات، وأن تنتهي عن المحرمات، لأنّ من لم يُحسنْ هذا الإحسان كان ظالماً لنفسهِ والظالم لنفسه من ارتكب بعض المنهيات أو فرّط في بعض الواجبات، ولهذا أمر الله -جل وعلا- في سورة النحل بالإحسان فقال -جل وعلا-: {إنّ الله يأمُرُ بالعدْل والإحسان وإيتاء ذي القُرْبى} وهذا يشمل جميع الشريعة.
الإحسان في التعاملِ مع الخلق، وهذا يكون بأداء الحقوق التي لهم وعدم ظُلْمهم فيما لهم، والخلق أصناف شتى: وكلُّ أحدٍ من الخلق له حق، فأعلى الخلْق مقاماً له حق النبي -عليه الصلاة السلام- فالإحسان المتعلق بالمصطفى عليه الصلاة والسلام أن تُحسنَ في الشهادة له بالرسالة بأن تُصدِّقهُ عليه الصلاة والسلام فيما أخبر، وأن تعبد الله على ما جاء به المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وأن تقدِّم مرادهُ - عليه الصلاة والسلام- في الدين على ما تشتهيه أنت من الأهواء والبدع.



إحسان في حق الوالدين، أمر الله -جل وعلا- به في قوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إيَّاه وبالوالدين إحسانا} فهذا إحسان في حق الوالدين، بإعطاء الوالدين الحقوق الواجبة التي لهم.
إحسانٌ في حق المؤمنين بعامة، إحسانٌ في حق العصاة، إحسان في حق العلماء، إحسانٌ في حق ولاة الأمر، إحسانٌ في حق الكافر أيضاً.
وهكذا فكلُّ نوعٍ من أنواع الخلق يتعلق به نوعٌ من أنواع الإحسان، جاءت الشريعة بتفصيله، حتى الحيوان من الخلق تعلَّق الإحسان به بما مثَّل به المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة)) هذا تمثيلٌ لنوع من أنواع الإحسان تعلَّق بنوعٍ من أنواع المخلوقات.
فذكرنا أنَّ الإحسان على كلِّ المخلوقات، يعني في كل المخلوقات التي تعاشرها، ومن هذه المخلوقات الحيوانات، فالحيوان كيف تحسن إليه؟ مَثَّل المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بالحيوان تمثيلاً وتنبيهاً للإحسان في غيره فقال: ((فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحَة، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته)) يعني أن تسعى في القتل بأحسن الطرائق، وفي الذَّبح بأحسن الطرائق.
وقوله: ((فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة)) هذا يشمل قتل من يستحق القتل من ابن آدم أو من الحيوانات، والظاهر من السياق أنَّ المقصود به الحيوان، وحتى الإنسان مأمور بأن تُحسنَ قِتْلتهُ، فيضرب بالسيف ضربةً واحدة على رقبته، بما يكون أسرع في إزهاق روحه، حتى الكفار، أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يُمثَّل بهم، ((لاتمثلوا بهم)) وأن لا يُقتل شيخ، ولا تقتل امرأة، ولا طفل، إلى آخر ما في السنة في ذلك.
قال: ((وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة)) أحسنوا يعني: ابحثوا عن أحسن طريق للذبح فاذبحوا.


((وليحدِّ أحدكم شفرته)) يعني بحيث لا يتألم المذبوح حين الذَّبح، بحيث يكون إمرارها مسرعاً في إزهاق الروح، حيث لا يأتي فيحاول ويحاول، فيكون مع ذلك إتعاب الحيوان في إزهاق روحه، وهذا يدلُّ على استخدام الآلات الجيدة في إزهاق الروح في الحيوان، ويخالف الإحسان، ما قد يفعله بعضهم من أنه لا يحسن الذبح؛ فيذهب يتعلم كيف يذبح؟

يذهب يتعلم، فيأتي عشر دقائق، أوخمس دقائق، وهويعالج هذه الذبيحة، وربما فرت منه، أو جمزت من يديه، وقامت والدم يتناثر، ونحو ذلك مما قد يجرب بعضهم الذبح وهذا مخالف للأمر بالإحسان، وإحسان الذِّبحة أن يكون مسرعاً في إزهاق الروح، في الحيوان بإحداد الشَّفرْة، وأن تكون يدهُ أيضا محسنة لاستعمال الشفرة في ذلك.

وهذا من الإحسان الذي أُمِرْنا به، حتى جاء من الإحسان الذي أمرنا به، أن لا تذبح بهيمة عند بهيمة، حتى لا تتأذى برؤية دَمِ أختها، وهي تذبح، فهذا أمرٌ عام بالإحسان في كلِّ شيء، الإحسان في العبادة، والإحسان في تعامل المرء مع نفسه، والإحسان في التعامل مع الخلق، ومع الحيوان، حتى مع النبات حتى مع الجن، حتى مع الملائكة، حتى مع مخلوقات الله، في كلِّ شيءٍ إحسان بحسبه، وهذا مقامٌ عظيم أمر الله -جل وعلا- به: {إن الله يأمرُ بالعدْلِ والإحسانِ} فعلى طُلابِ العلم أن يحسنوا في أقوالهم، وفي أعمالهم، وفي تعاملهم مع ربهم -جل وعلا- وفي تعاملهم مع الخلق بأنواعه، المكلفين وغير المكلفين، الجبال، والنبات، والشجر، والدواب.. إلخ، فالله -جل وعلا- كتب الإحسان على كل شيء.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

6 Nov 2008

الكشاف التحليلي


حديث شداد بن أوس -مرفوعاً-:(إن الله كتب الإحسان على كل شيء...)
ترجمة الراوي
تخريج الحديث
موضوع الحديث
منزلة الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)
معنى قوله: (كتب)
لفظ الكتابة يدل على الوجوب عند أكثر الفقهاء والأصوليين
لفظ الكتابة مستعمل في القرآن للدلالة على الوجوب
ذكر أمثلة ذلك
هل الكتابة الواردة في الحديث قدرية أو شرعية؟
بيان معنى (الإحسان)
بيان حكم الإحسان
الإحسان منه واجب ومستحب؛ فهو على قسمين:
القسم الأول: إحسان واجب
من أمثلته: الإحسان للوالدين والأرحام بقدر ما يحصل البر والصلة الواجبة
حكم ما زاد على الإحسان الواجب
القسم الثاني: إحسان مستحب
من أمثلته: الإحسان بصدقة التطوع ونحوها
يأتي الإحسان أيضاً بمعنى الإتقان والإجادة
(الإحسان) بمعنى (الإتقان) على قسمين:
القسم الأول: إحسان واجب
من أمثلته: أداء الفرائض على الوجه الذي تتأدى به أركانها وواجباتها
القسم الثاني: إحسان مستحب
من أمثلته: أداء الفرائض والواجبات على وجه الكمال المستحب، بتكميل آدابها وسننها
عموم الأمر بالإحسان في كل شيء
دلالة الحديث على وجوب الإحسان في كل شيء
إحسان كل شيء بحسبه:
فَالْإِحْسَانُ فِي أداء الفرائض ِ والواجبات: الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى وَجْهِ كَمَالِ وَاجِبَاتِهَا
والْإِحْسَانُ فِي تَرْكِ المُحَرَّمَات: الْانْتِهَاءُ عَنْهَا، واجتنابها
والْإِحْسَانُ فِي الصَّبْرِ عَلَى المصائب: الإيمان بتقديرها واجتناب التَّسَخُّط والجزع
والْإِحْسَانُ الوَاجِبُ فِي مُعَامَلَةِ الخَلْقِ القِيَامُ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ مِن حُقُوقِهم

والْإِحْسَانُ الوَاجِبُ فِي وِلَايَةِ الرعية وسِيَاسَتِهِم: القِيَامُ بوَاجِبَاتِ الوِلَايَةِ كُلِّهَا
والْإِحْسَانُ فِي قَتْلِ مَا يَجُوزُ قَتْلُه مِنَ النَّاسِ والدَّوَابِّ: إِزْهَاقُ نَفْسِهِ عَلَى الوجه المشروع

شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)

معنى (القتلة)
معنى (الذبحة)
معنى الإحسان في القتل
أسهل وجوه قتل الآدمي ضربه بالسيف على العنق
قتل الآدمي لا يشرع إلا في حالتين:
الحالة الأولى: أن يقتل قصاصاً
الحالة الثانية: أن يقتل حداً
مسألة: حكم التمثيل بالمقتول قصاصاً، ولها فرعان:
الفرع الأول: إذا قَتَلَ ثم مثَّل فهل يمثل به بعد قتله؟
الفرع الثاني: إذا مثَّلَ ثم قتل فهل يُفعل به كما فعل؟
مسألة: حكم التمثيل بالكافر
مسألة: حكم التحريق بالنار
الإحسان في الذبح:
معنى الإحسان في الذبح
حكى ابن حزم الإجماع على وجوب الإحسان في ذبح الذبيحة
شروط الذكاة الشرعية:
أ- شروط ترجع إلى المذكِّي:
الشرط الأول: أن يكون المذكِّي عاقلاً مميزاً
الشرط الثاني: أن يكون مسلماً أو كتابياً
الشرط الثالث: أن يقصد التذكيةَ فلو قتلها دفاعاً عن النفس لم تحل
ب- شروط ترجع إلى المذكَّى:
الشرط الأول: أن يكون مأذوناً في ذكاته شرعاً
أخرج هذا الشرط ما حرم ذكاته كالسباع، وما حرم لعارض كصيد الحرم والإحرام
الشرط الثاني: أن لا يهل بها لغير الله تعالى
ج- شروط ترجع إلى الذكاة:
الشرط الأول: أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم إلا السن والعظم
إنهار الدم يكون بقطع الودجين والحلقوم والمريء
الشرط الثاني: أن تكون باسم الله تعالى
حكم نسيان التسمية
مسألة: حكم الذبيحة المسروقة والمغصوبة؟
الصحيح حل الذكاة إذا تمت شروطها، وعلى السارق والغاصب الإثم والضمان
آداب التذكية الشرعية:
1- الذبح بآلة حادة
2- قطع الودجين والحلقوم والمريء في فور واحد
3 - التسمية
4- تولية الذكاة للمتأهل لها
5 - ألا تحد الشفرة أمام الذبيحة
ذكر الدليل من السنة على النهي عن حد الشفرة أمام الذبيحة
6 - ألا يقطع منها شيئًا حتى تتم الذكاة وتموت الذبيحة
7- ألا يذبح ذبيحة وأختها تنظر إليها
8- أن تحد الشفرة قبل إضجاع البهيمة
9- أن تقاد بسالفتها قوداً جميلاً
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الذبح
ذكر بعض الصور المنهي عنها في قتل البهائم
النهي عن صبر البهائم
صبر البهائم: هو حبسها ثم ضربها بالنبل ونحوه حتى تموت
النهي عن جعلها غرضاً يرمى
حكم رمي أوابد البهائم
أحكام مستفادة من قصة العرنيين
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)
التحذير من تعذيب البهيمة
حد الشفرة من الرحمة بالبهيمة
رحمة البهائم من أسباب رحمة الله تعالى
النهي عن تَوْليهِ الأم بولدها
من فوائد حديث شداد بن أوس رضي الله عنهما
وُجُوبُ الإحسانِ في كلِّ شيءٍ
الأمرُ بالإحسانِ عندَ الذبحِ
وُجُوبُ إِحْدَادِ السِّكِّينِ عندَ الذبحِ
الرفقُ بالحيوانِ حَيًّا ومَيْتاً
رحمةُ الإسلامِ بالحيوان

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

6 Nov 2008

العناصر

من فوائد حديث أبي هريرة رضي الله عنه حديث شداد بن أوس مرفوعاً-:(إن الله كتب الإحسان على كل شيء...)
ترجمة الراوي
تخريج الحديث
موضوع الحديث
منزلة الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)
معنى قوله: (كتب)
لفظ الكتابة مستعمل في القرآن للدلالة على الوجوب
هل الكتابة الواردة في الحديث قدرية أو شرعية؟
بيان معنى (الإحسان)
بيان حكم الإحسان
عموم الأمر بالإحسان في كل شيء
دلالة الحديث على وجوب الإحسان في كل شيء
إحسان كل شيء بحسبه
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)
معنى (القتلة)
معنى (الذبحة)
معنى الإحسان في القتل
أسهل وجوه قتل الآدمي ضربه بالسيف على العنق
مسألة: حكم التمثيل بالمقتول قصاصاً، ولها فرعان:
الفرع الأول: إذا قَتَلَ ثم مثَّل فهل يمثل به بعد قتله؟
الفرع الثاني: إذا مثَّلَ ثم قتل فهل يُفعل به كما فعل؟
مسألة: حكم التمثيل بالكافر
مسألة: حكم التحريق بالنار
الإحسان في الذبح:
معنى الإحسان في الذبح
حكى ابن حزم الإجماع على وجوب الإحسان في ذبح الذبيحة
شروط الذكاة الشرعية:
أ- شروط ترجع إلى المذكِّي:
ب- شروط ترجع إلى المذكَّى:
ج- شروط ترجع إلى الذكاة:
حكم نسيان التسمية
مسألة: حكم الذبيحة المسروقة والمغصوبة؟
آداب التذكية الشرعية:
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الذبح
ذكر بعض الصور المنهي عنها في قتل البهائم
النهي عن صبر البهائم
النهي عن جعلها غرضاً يرمى
حكم رمي أوابد البهائم
أحكام مستفادة من قصة العرنيين
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)
التحذير من تعذيب البهيمة
رحمة البهائم من أسباب رحمة الله تعالى
النهي عن تَوْليهِ الأم بولدها
من فوائد حديث شداد بن أوس رضي الله عنهما