29 Oct 2008
ح14: حديث ابن مسعود: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث...) خ م
قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (
14- عنْ ابنِ مسعودٍ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وأَنِّي رسُولُ اللهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ)). رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (
الحديث الرابع عشر
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ :
(لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ
الزَّانِيْ، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّاركُ لِدِيْنِهِ المُفَارِقُ
للجمَاعَةِ)(1) رواه البخاري ومسلم. (1)
- أخرجه البخاري- كتاب: الديات، باب: قوله تعالى: (والأذن بالأذن
والسن...)، (6878). ومسلم – كتاب: القسامة والمحاربين، باب: ما يباح به دم
المسلم، (1676)، (25)
الشرح
"لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ" أي لا يحل قتله، وفسّرناها بذلك لأن هذا هو المعروف في اللغة العربية، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ دِمَاءَكَمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاَضَكُمْ عَليْكُمْ حَرَامٌ"(2) .
وقوله: "امرِئٍ مُسْلِمٍ"
التعبير بذلك لايعني أن المرأة يحل دمها، ولكن التعبير بالمذكر في القرآن
والسنة أكثر من التعبير بالمؤنث، لأن الرجال هم الذين تتوجه إليهم الخطابات
وهم المعنيّون بأنفسهم وبالنساء.
وقوله: "مُسْلِمٍ" أي داخل في الإسلام.
"إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ" يعني بواحدة من الثلاث.
"الثَّيِّبُ الزَّانِي"
فالثيب الزاني يحلّ دمه، والثيب هو : الذي جامع في نكاح صحيح، فإذا زنا
بعد أن أنعم الله عليه بنعمة النكاح الصحيح صار مستحقاً للقتل، ولكن صفة
قتله سنذكرها إن شاء الله تعالى في الفوائد.
ومفهوم قوله "الثَّيِّبُ" أن البكر لايحل دمه إذا زنا، وهو الذي لم يجامع في نكاح صحيح.
"وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ" المقصود به القصاص، أي أنه إذا قتل إنسانٌ إنساناً عمداً قُتِلَ به بالشروط المعروفة.
"وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ" يعني بذلك المرتدّ بأي نوع من أنواع الرّدة.
وقوله: "المُفَارِقُ للجَمَاعَةِ" هذا عطف بيان، يعني أن التارك لدينه مفارق للجماعة خارج عنها.
من فوائد هذا الحديث:
1. احترام دماء المسلمين، لقوله: "لايَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلمٍ" وهذا أمر مجمع عليه دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع،قال الله تعالى في القرآن الكريم: (وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء: 93]
فقتل المسلم المعصوم الدم من أعظم الذنوب، ولهذا أول ما يقضى بين الناس في الدماء.
2. أن غير المسلم يحلّ دمه ما لم يكن معَاهَداً، أومستأمِناً، أو ذميّاً، فإن كان كذلك فدمه معصوم.
والمعاهد: من كان بيننا وبينه عهد، كما جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وقريش في الحديبية.
والمستأمن:
الذي قدم من دار حرب لكن دخل إلينا بأمان لبيع تجارته أو شراء أو عمل،
فهذا محترم معصوم حتى وإن كان من قوم أعداء ومحاربين لنا، لأنه أعطي أماناً
خاصاً.
والذّميّ: وهو الذي يسكن معنا ونحميه ونذبّ عنه، وهذا هو الذي يعطي الجزية بدلاً عن حمايته وبقائه في بلادنا.
إذاً قوله: "لايَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ" يخرج بذلك غير المسلم فإن دمه حلال إلا هؤلاء الثلاثة.
3.
حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث يرد كلامه أحياناً بالتقسيم، لأن
التقسيم يحصر المسائل ويجمعها وهو أسرع حفظاً وأبطأ نسياناً.
4.
أن الثيب الزاني يقتل، برجمه بالحجارة، وصفته: أن يوقف ويرميه الناس
بحجارة لاكبيرة ولا صغيرة، لأن الكبيرة تقتله فوراً فيفوت المقصود من
الرّجم، والصغيرة يتعذّب بها قبل أن يموت، بل تكون وسطاً، فالثيب الزاني
يرجم بالحجارة حتى يموت،سواء كان رجلاً أم امرأة.
فإن قال قائل: كيف تقتلونه على هذا الوجه، لماذا لا يقتل بالسيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ"(3) ؟
فالجواب : أنه ليس المراد بإحسان القتلة سلوك الأسهل في القتل، بل المراد بإحسان القتلة موافقة الشريعة، كما قال الله عزّ وجل: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً ) [المائدة: الآية50] فرجم الزاني من القتلة الحسنة، لموافقة الشريعة.
فإن قال قائل: ما الحكمة من كونه يقتل على هذا الوجه ؟
فالجواب:
أن شهوة الجماع لا تختص بعضو معين، بل تشمل كل البدن، فلما تلذذ بدن
الزاني المحصن بهذه اللذة المحرّمة كان من المناسب أن يذوق البدن كلّه ألم
هذه العقوبة التي هي الحدّ، فالمناسبة إذاً ظاهرة.
لكن بماذا يثبت الزّنا ؟
الجواب:
يثبت الزنا بشهادة أربعة رجال مرضيين أنهم رأوا ذكر الزاني في فرج المزني
بها ولابدّ، والشهادة على هذا الوجه صعبة جداً، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن
تيمية - رحمه الله -: إنه لم يثبت الزنا بالشهادة قطّ، وهو في وقته.
والطريق الثاني لثبوت الزنا أن يقرّ الزاني بأنه زنا .
وهل يشترط تكرار الإقرار أربع مرات، أو يكفي الإقرار مرة واحدة، أو يفصل بين ما اشتهر وبين ما لم يشتهر؟
في هذا خلاف بين أهل العلم:
فمن قال لابد من التكرار
استدل بقصة ماعز بن مالك رضي الله عنه فإنه أتى إلى النبي صلى الله عليه
وسلم وقال: إنه زنا، فأعرض عنه، ثم عاد فقال: إنه زنا، فأعرض عنه، ثم عاد
فقال: إنه زنا، فأعرض عنه، ثم عاد فقال: إنه زنا،أربع مرات، فقال له:
أَبِكَ جُنُونٌ ؟ فقال: لا، فأرسل إلى قومه، هل عهدتم بماعز جنونا ً ؟
فقالوا: لا، فأمر رجلاً أن يستنكهه، أي يشم رائحته هل قد شرب الخمر وهو
سكران، فلم يجد فيه شيئاً، ثم أمر به صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَ(4) .
والاستدلال بقصة ماعز التي
وردت على هذه الصفة بأنه لابد من تكرار الإقرار في النفس منه شيء، لأن
ظاهر القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه الإقرار في أول مرة
لكونه شاكّاً فيه حتى استثبت.
أما الذين قالوا يكفي
الإقرار مرة واحدة فاستدلوا بقصة المرأة التي زنا بها الأجير عند زوجها،
وكان هذا الزاني شاباً، وشاعت القصة وقيل لأبيه إنه يجب أن تفدي ولدك بمائة
شاة وجارية، ففعل، فسأل أهل العلم فقالوا: ليس عليك هذا، على ابنك جلد
مائة وتغريب عام، وعلى امرأة الرجل الرجم، فترافعا إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فقال: "الغَنَمُ وَالوَلِيْدَةُ" أي الجارية "رَدٌّ عَلَيْكَ" أي مردودة عليك، لأنها أخذت بغير حق "وَعَلَى ابنِكَ جَلْدُ مَائَةٍ وَتَغْرِيْبُ عَامٍ" لأنه لم يتزوج "وَاغْدُ يَا أَنِيْسُ إِلَى امْرَأةِ هَذَا فَإِن اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا"(5) فغدا إليها فاعترفت، فرجمها(6) .
ولم يقلّ النبي صلى الله
عليه وسلم فإن اعترفت أربع مرات، بل قال: إن اعترفت فارجمها، وهذا يدل على
عدم اشتراط تكرار الإقرار، ولأن جميع الحقوق التي يقرّ بها الإنسان على
نفسه لا تحتاج إلى تكرار، فهكذا الزنا.
وقال بعض أهل العلم: إن
اشتهر الأمر وانتشر بين الناس اكتفي بإقرار مرة واحدة، وإلا فلابد من
التكرار، وعللوا ذلك: بأن هذه القصة اشتهرت بين الناس، وأن هذا الأجير زنا
بامرأة مستأجره فاستغني بشهرتها عن تكرار الإقرار.
والأقرب أنه لايشترط تكرار
الإقرار، إلا إذا كان هناك شبهة، وإلا فأكبر بيّنة وأكبر دليل أن يقرّ
الفاعل، فكيف يقرّ وهو بالغ عاقل يدري ما يقول ثم نقول: لا حكم لهذا
الإقرار، فلو أقرّ ثلاث مرات لا نعتبره إقراراً.
فالصواب: أن الإقرار مرة واحدة يكفي إلا مع وجود شبهة.
وهل اللواط مثل الزنا؟
فالجواب:
نعم مثل الزنا بل أخبث، فاللواط لايشترط أن يكون اللائط أو الملوط به
ثيباً، وإنما يشترط أن يكونا بالغين عاقلين، فإذا كانا بالغين عاقلين أقيم
عليهما الحد.
والحد: قال فقهاء الحنابلة: الحد كحد الزنا، فيرجم الثيب، ومن ليس بثيبٍ يجلد مائة جلدة ويغرّب سنة.
ولكن هذا يحتاج إلى دليل، ولا دليل على هذا إلا تعليل عليل، وهو أن اللواط وطء في فرج محرّم فكان الواجب فيه ما يجب بالزنا.
لكن يقال: هذا قياس مع الفارق، لأن فاحشة اللواط أعظم من فاحشة الزنا.
وقال بعض العلماء: بل يعزر
الفاعل والمفعول به تعزيراً فقط، وهذا ليس بصواب لما سيأتي إن شاء الله
تعالى في ذكر دليل من يرى وجوب قتلهما بكل حال.
ومن غرائب العلم أني رأيت
منقولاً عن بعض العلماء من يقول: لاشيء عليهما اكتفاءً بالرادع الفطري،
قال: لأن النفوس لا تقبل هذا إطلاقاً يعني أن يتلوّط رجل برجل، فاكتفي
بالرادع الفطري عن الرادع بالعقوبة، وقال: هذا كما لو أن الإنسان أكل عذرة
فإنه لا يعاقب، ولو شرب خمراً فإنه يعاقب.
ولكن هذا غلط عظيم على
الشريعة، وقياس باطل، لأننا لانسلم أن من أكل عذرة لانعاقبه، بل نعاقبه لأن
هذا معصية، والتعزير واجب في كل معصية لاحد فيها ولا كفارة.
وإنما ذكرت هذا القول
لأبين أنه قول باطل لاتجوز حكايته، إلا لمن أراد أن يبطله: كالحديث الضعيف
لايجوز ذكره إلا لمن أراد أن يبين أنه ضعيف.
والقول الصواب في هذا: إن
الفاعل والمفعول به يجب قتلهما بكل حال، لأن هذه الجرثومة في المجتمع إذا
شاعت وانتشرت فسد المجتمع كله، وكيف يمكن للإنسان المفعول به أن يقابل
الناس وهو عندهم بمنزلة المرأة يُفعل به، فهذا قتل للمعنويات والرجولة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أجمع الصحابة على قتل الفاعل والمفعول به، وقد ورد فيه حديث: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ بهِ"(7) قال شيخ الإسلام: لكن الصحابة اختلفوا كيف يقتل الفاعل والمفعول به؟
فقيل:يحرقان بالنار، وروي
هذا عن أبي بكر رضي الله عنه وذلك لشناعة عملهما، فيعاقبان بأشنع عقوبة وهو
التحريق بالنار، ولأن تحريقهما بالنار أشد ردعاً لغيرهما.
وقال بعضهم: يرجمان كما يرجم الثيب الزاني
وقال آخرون: يصعد بهما إلى أعلى شاهق في البلد ثم يرميان ويتبعان بالحجارة بناء على أن قوم لوط فعل الله تعالى بهم هكذا.
وأهم شيء عندنا أنه لابد
من قتل الفاعل والمفعول به على كل حال إذا كانا بالغين عاقلين، لأن هذا مرض
فتّاك لايمكن التحرّز منه، فأنت مثلاً لو رأيت رجلاً مع امرأة واستنكرت
ذلك فممكن أن تقول: من هذه المرأة؟ لكن رجل مع رجل لايمكن، فكل الرجال يمشي
بعضهم مع بعض.
إذاً الثيب الزاني دمه حلال، ولكن إذا كان دمه حلالاً فهل لكل واحد أن يقيم عليه الحد؟
فالجواب: لا، ليس لأحد أن يقيم عليه الحد إلا الإمام أو من ينيبه الإمام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "أُغْدُ يَا أَنِيْسُ إِلَى امْرأةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارجُمْهَا"(8)
ولو قلنا لكل إنسان أن يقتل هذا الزاني لأن دمه هدر لحصل من الفوضى والشر
ما لايعلمه إلا الله عزّ وجل، ولهذا قال العلماء: لاتجوز إقامة الحدود ولا
التعزيرات إلا للإمام أو نائبه.
الثاني ممن يباح دمه: "النَّفْسُ بالنَّفسِ" أي إذا قتل الإنسان شخصاً مكافئاً له في الدين والحرية والرّق قتل به.
وعلى قولنا: في الدين وهو أهم شيء لايقتل المسلم بالكافر، لأن المسلم أعلى من الكافر، ويقتل الكافر بالمسلم لأنه دونه.
وهل يشترط أن لايكون القاتل من أصول المقتول، أو لا يشترط؟
فالجواب:
قال بعض أهل العلم إنه يشترط أن لايكون القاتل من أصول المقتول والأصول
هم: الأب والأم والجد والجدة وما أشبه ذلك، وقالوا: لا يقتل والد بولده
واستدلّوا بحديث: "لايُقتَلُ الوَالِدُ بوَلَدِهِ"(9)، وبتعليل قالوا: لأن الوالد هو الأصل في وجود الولد فلا يليق أن يكون الولد سبباً في إعدامه.
وقال بعض أهل العلم: هذا ليس بشرط، وأنه يقتل الوالد بالولد إذا علمنا أنه قتله عمداً، واستدلوا بعموم الحديث:"النَّفْسُ بالنَّفسِ"(10) وعموم قوله تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة: من الآية45] .
وأجابوا عن أدلة الآخرين فقالوا: الحديث ضعيف، ولايمكن أن يقاوم النصوص المحكمة الدّالة على قتل النفس بالنفس.
وأما التعليل فالتعليل
عليل، وجه ذلك: أن الوالد إذا قتل الولد ثم قتِلَ به فليس الولد هو السبب
في إعدامه، بل السبب في إعدامه فعل الوالد القاتل، فهو الذي جنى على نفسه،
وهذا القول هو الراجح لقوة دليله بالعمومات التي ذكرناها، ولأن هذا من أشدّ
قطيعة الرحم، فكيف نعامل هذا القاطع الظالم المعتدي بالرّفق واللين،
ونقول: لا قصاص عليه.
فالصواب: أن الوالد يقتل بولده سواء بالذكر كالأب، أو الأنثى كالأم.
"التَّارِكُ لدينِهِ" أي المرتدّ "المُفارقُ للجَمَاعَةِ" المراد بالجماعة أي جماعة المسلمين فالمرتد يقتل .
ولكن هل يستتاب قبل أن يقتل؟
في ذلك خلاف بين العلماء: منهم من قال: لايستتاب، بل بمجرّد أن يثبت كفره فإنه يقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلوهُ"(11) ولم يذكر استتابة.
ومنهم من قال:
يستتاب ثلاثة أيام إن كان ممن تقبل توبتهم، لأن المرتدين بعضهم تقبل
توبتهم، وبعضهم لاتقبل، فإذا كان ممن تقبل توبته فإننا نستتيبه ثلاثة أيام،
أي نحبسه ونقول: لك مهلة ثلاثة أيام فإن أسلم رفعنا عنه القتل، وإن لم
يسلم قتلناه.
والصحيح في الاستتابة: أنها ترجع إلى اجتهاد الحاكم، فإن رأى من المصلحة استتابته استتابه، وإلا فلا، لعموم قوله : "مَنْ بَدَّلَ دِيْنَهُ فَاقتُلُوهُ" ولأن الاستتابة وردت عن الصحابة رضي الله عنهم.
وهذا يختلف فقد يكون هذا
الرجل الكافر أعلن كفره واستهتر فلاينبغي أن نستتيبه، وقد يكون أخفى كفره
وتاب إلى الله ورأينا منه محبة التوبة، فلكل مقام مقال.
وقولنا: يستتاب من تقبل توبته إشارة إلى أن المرتدين قسمان:
قسم تقبل توبتهم، وقسم لاتقبل.
قال أهل العلم: من عظمت
ردته فإنه لاتقبل توبته بأن سب الله، أو سب رسوله، أو سب كتابه، أو فعل
أشياء منكرة عظيمة في الردة، فإن توبته لاتقبل، ومن ذلك المنافق فإنه
لاتقبل توبته، لأن المنافق من الأصل يقول إنه مسلم، فلا تقبل توبته.
وقيل: إن توبته مقبولة ولو
عظمت ردته ولو سب الله أو رسوله أو كتابه ولو نافق، وهذا القول هو الراجح،
لكن يحتاج إلى تأنٍّ ونظر: هل هذا الرجل يبقى مستقيماً أو لا؟
فإذا علمنا من حاله أنه صادق التوبة قبلنا توبته لعموم قوله تعالى:
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا
تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
جَمِيعاً ) [الزمر: من الآية53] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : "التَّوبَةُ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا"(12) وهذا عام، وهذا القول هو الراجح وله أدلة.
اما المستهزئ فتقبل توبته بدليل قول الله تعالى:
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا
تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ
طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة:65-66] ولا عفو إلا بالتوبة.
وفي المنافقين قال الله تعالى: (إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ
لَهُمْ نَصِيرا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا
بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:145-146] .
فالصواب: أن كل كافر أصلي أو مرتدّ إذا تاب من أي نوع من الكفر فإن توبته مقبولة.
ولكن مثل هؤلاء يحتاجون إلى مراقبة أحوالهم: هل هم صادقون،أو هم يستهزؤون بنا؟ يقولون: إنهم رجعوا إلى الإسلام وهم لم يرجعوا.
وإذا تاب يرتفع عنه القتل،
لأن إباحة قتله إنما كانت لكفره، فإذا قبلنا توبته ارتفع الكفرعنه فارتفع
قتله إلا من سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن توبته تقبل لكن يجب أن يقتل،
ويقتل مسلماً بحيث نغسله ونكفنه ونصلي عليه وندفنه مع المسلمين، لكننا
لانبقيه حياً. ومن سب الله عزّ وجل إذا تاب فإنه لا يقتل.
فإن قال قائل: على ضوء هذا الكلام أيكون سب الله عزّ وجل دون سب الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
فالجواب: لا والله لا يكون، بل سب الله أعظم، لكن الله تعالى قد أخبرنا أنه عافٍ عن حقه إذا تاب العبد، فإذا تاب علمنا أن الله تاب عليه.
أما الرسول صلى الله عليه
وسلم فإنه لم يقل: من سبّني أو استهزأ بي ثم تاب فأنا أسقط حقي، وعلى هذا
فنحن نقتله لأن سب الرسول صلى الله عليه وسلم حق آدمي لم نعلم أنه عفا عنه.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عن أناس سبّوه في عهده وارتفع عنهم القتل؟
فالجواب: هذا لا يمنع ما قلنا به لأن الحق حقه، وإذا عفا علمنا أنه أسقط حقه فسقط، لكن بعد موته هل نعلم أنه أسقط حقه؟
الجواب:
لا نعلم، ولا يمكن أن نقيس حال الموت علىحال الحياة، لأننا نعلم أن هذا
القياس فاسد، ولأننا نخشىأن يكثر سب الرسول صلى الله عليه وسلم لأن هيبة
الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته أعظم من هيبته بعد مماته. والله أعلم.
________________________________________________________________________
(2)
- أخرجه – كتاب: العلم، با: ليبلغ العلم الشاهد الغائب، (105). ومسلم –
كتاب: القسامة والمحاربين، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال،
(1679)،(29)
(3) - أخرجه مسلم – كتاب: الصيد، باب: الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة، (19559،(57)
(4)
- أخرجه البخاري – كتاب الطلاق، باب: الطلاق في الإغلاق والكره، (5271).
ومسلم – كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنى، (1691)، (16)
(5)
- أخرجه البخاري – كتاب: الشروط، باب: الشروط التي لا تحل في الحدود،
(2724). ومسلم- كتاب: الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنى، (1697)،(25)
(6)
أخرجه البخاري: كتاب الوكالة، باب الوكالة في الوقف ونفقته وأن يطعم
صديقاً له ويأكل بالمعروف، حديث (2314)، وأخرجه مسلم: كتاب الحدود، باب من
اعترف على نفسه بالزنى، (1697)،(25)
(7)
- أخرجه الإمام أحمد – مسند آل العباس عن عبدالله بن العباس، ج1/ ص 300
حديث (2732)، وأبو داود- كتاب: الحدود، باب: فيمن عمل عمل قوم لوط، (4462)،
والترمذي – كتاب: الحدود، باب: ما جاء في حد اللوطي، (1456) وابن ماجه –
كتاب: الحدود، باب: من عمل عمل قوم لوط، (2561)
(8) سبق تخريجه صفحة (169)
(9) أخرجه ابن ماجه: كتاب الديات، باب: لا يقتل الوالد بولده، حديث(2662)،وأخرجه الدارقطني: (3/141) حديث (181)
(10)
- أخرجه البخاري - كتاب الديات، باب: قول الله تعالى: (أن النفس بالنفس)،
حديث (6878). وأخرجه مسلم – كتاب: القسامة والمحاربين، باب: ما يباح به دم
المسلم، (1676)، (25)
(11) - أخرجه البخاري – كتاب: الجهاد والسير، باب: لا يعذب بعذاب الله، (1458).
(12)
في مسلم بمعناه، ولفظه "أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما
كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله"، كتاب: الإيمان، باب: كون الإسلام
يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، (121)، (192)
شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي
قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (
(2) تَرْجَمَةُ الصَّحَابِيِّ راوِي الحديْثِ:
سَبَقَ ذِكْرُهَا في الحَديثِ الرَّابِعِ.
الشَّرْحُ:
عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يَحِلُّ)) قَتْلُ ((امْرِئٍ مُسْلِمٍ)) وكَذَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ، بِشَيْءٍ منَ الأشْيَاءِ. ((إِلاَّ بِإِحْدَى)) خِصَالٍ ((ثَلاَثٍ))فَإِنَّهَا تُحِلُّ دَمَهُ.
(( الثَّيِّبُ)) المُحْصَنُ.
((الزَّانِي)) إذا ثبَتَ زِنَاهُ بِالبَيِّنَةِ أوِ بالإقرارِ، يُرْجَمُ لِزِنَاهُ.
((وَالنَّفْسُ)) القاتِلُ، تُقْتَلُ ((بِالنَّفْسِ))التي قَتَلَتْهَا عَمْدًا، لِقَتْلِهَا مَعْصُومَةً، والمُرْتَدُّ.
(( التَّارِكُ لِدِينِهِ)) الإسلامِ، الذي يَجِبُ علَيهِ أَنْ يكونَ مُدَاوِمًا عليهِ، وَيَحْرُمُ عليهِ الانْتِقَالُ مِنْهُ إلى غَيْرِهِ.
(( المُفارِقُ لِلْجَمَاعَةِ)) المُسْلِمَةِ، الذاهبُ إلى الجماعةِ الكافِرَةِ، يُقْتَلُ لارتدادِهِ إنْ لم يَتُبْ.
وهَذَا بيَانُ أَغْلَبِ مَا يُحِلُّ الدَّمَ ، فَلاَ يَرِدُ أَنَّ الدَمَ يُبَاحُ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ في بَعْضِ الأَحْوالِ.
المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري
قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (
الحَدِيثُ الرَّابِعَ عَشَرَ
(2) (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((لا
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ
الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْسِ، والتَّارِكُ لدِينِهِ المُفَارِقُ
للجَمَاعَةِ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ومَعْنَى ((دَمُ)) الدَّمُ: هو السَّائِلُ الأَحْمَرُ الذي يَجْرِي في عُرُوقِ الإنْسَانِ،
والمُرَادُ: لا يُؤْذَنُ في سَفْكِ دَمٍ وإِزْهَاقِ رُوحٍ، وَقَدْ يُقَالُ
للنَّفْسِ: دَمٌ، كقَوْلِهِم عَنِ الذي لا دَمَ فِيهِ: مَا لا نَفْسَ لَهُ
سَائِلَةٌ. ومَعْنَى ((مُسْلِمٍ))الإِسْلامُ هو: الاسْتِسْلامُ للَّهِ بالتَّوْحِيدِ، والانْقِيادُ لَهُ بالطَّاعَةِ، والخُلُوصُ لَهُ مِنَ الشِّرْكِ والبَرَاءةُ مِنْهُ. والمُسْلِمُ هو: مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ.
الغَرَضُ مِنَ الحَدِيثِ:
هَذَا
الحَدِيثُ بيَّنَ أَنَّ قَتْلَ المُسْلِمِ لا يُسْتَباحُ إلا بتَرْكِ
الدِّينِ، وإِرَاقَةِ الدَّمِ المُحَرَّمِ، وانْتِهَاكِ الفَرْجِ
المُحَرَّمِ، فَهُوَ تَخْصِيصٌ بعدَ قولِه: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ...))الحَدِيثَ.
الرَّاوِي: سَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ.
مَوْضُوعُ الحَدِيثِ: النَّفْسُ الرَّخِيصَةُ أو الدِّمَاءُ المُهْدَرَةُ.
المُفْرَدَاتُ:
(( لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِم)) (لا) نَافِيَةٌ تَقْتَضِي الإِخْبارَ ولا تَقْتَضِي الإِنْشَاءَ، أي: يُخْبِرُ مَنْ يَجُوزُ قَتْلُه ومَنْ يُهْدَرُ دَمُهُ.
و((يَحِلُّ)) أي: يَجُوزُ، ويُبَاحُ، ويُؤْذَنُ فِيهِ؛ لأَنَّ إْحَلالَ الشَّيْءِهو الإِذْنُ فِيهِ، مِن حَلَّ الشَّيْءَ إِذَا فَكَّ قَيْدَهُ.
وتَحْرِيمُهُ: هو مَنْعُهُ وعَدَمُ الإِذْنِ فِيهِ.
والدَّمُ هو
المَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ مِن مَرَاحِلِ تَكْوِينِ الإنْسَانِ وهي
العَلَقَةُ، وهو مَادَّةُ الحَيَاةِ وعَلَيْهِ يَنْبُتُ اللَّحْمُ،
وتَتَحَرَّكُ الأَعْضَاءُ، وبفَقْدِه تُفْقَدُ الحَيَاةُ، ويَضْعُفُ
الجِسْمُ ويُشَلُّ.
ومَعْنَى ((امْرِئٍ))المُرَادُ بِهِ الإنْسَانُ،
وَجَاءَ بصِيغَةِ التَّنْكِيرِ؛ لأنَّه لَيْسَ بإِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ
وإِنَّمَا أيُّ امْرِئٍ انْطَبَقَتْ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ فهو للعُمُومِ،
ويَشْمَلُ الذَّكَرَ والأُنْثَى والشَّرِيفَ والوَضِيعَ والجَمِيلَ
والذَّمِيمَ.
وعِنْدَ الإطْلاقِ يُرَادُ بِهِ : صَاحِبُ الأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، وصَاحِبُ الأَعْمَالِ لبَاطِنَةِ.
وأما عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بالإيمانِ فيُرَادُ بِهِ: الأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ، كَمَا في حَدِيثِ جِبْرِيلَ المُتَقَدَّمِ.
((إلا بإِحْدَى ثَلاثٍ)) (إِلاَّ)
أَدَاةُ اسْتِثْنَاءٍ، وهَذَا خُصُوصٌ بَعْدَ عُمُومٍ، أي: أَنَّ
الثَّلاثَ الخِصَالِ يَحِلُّ سَفْكُ دَمِ أَصْحَابِهَا، فالأَوَّلُ يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ دَمَ المُسْلِمِ حَرَامٌ فِي العُمُومِ ولَكِنَّهُ اسْتَثْنَى
مِنْهُ ثَلاثَ حَالاتٍ.
(( إِحْدَى ثَلاثٍ)) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَاحِدَةً تَكْفِي لقَتْلِهِ، ولَيْسَ المُرَادُ اجْتِمَاعَ الثَّلاثِ؛ إِذْ قَال: ((بإِحْدَى)) أي: بوَاحِدَةٍ مِن الثَّلاثِ، ولَمْ يَقُلْ: بثَلاثٍ.
(( الثَّيِّبُ الزَّانِي)) الثَّيِّبُ: هو المُحْصَنُ الَّذِي جَامَعَ وهو حُرٌّ مُكَلَّفٌ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، سَواءٌ كَانَ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فعُقُوبَتُه الرَّجْمُ بالحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ.
(الزَّانِي) الزِّنَا: هو فِعْلُ الفَاحِشَةِ في قُبُلِ امْرَأَةٍ لا تَحِلُّ لَهُ.
واللِّواطُ: هو فِعْلُ الفَاحِشَةِ في دُبُرٍ.
والزِّنَا
مُحَرَّمٌ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ، وهو الثَّالِثُ مِن
كَبَائِرِ الذُّنُوبِ المُوبِقَةِ بَعْدَ الشِّرْكِ باللَّهِ، وقَتْلِ
النَّفْسِ التي حَرَّم اللَّهُ؛ إِلاَّ بالحَقِّ، وهو مُحَرَّمٌ في جَمِيعِ
الأَدْيانِ، فمَنْ زَنَى وهو مُحْصَنٌ؛ فإِنَّهُ يُقْتَلُ بتَوَفُّرِ ثَلاثَةِ شُرُوطٍ:
أَوَّلاً: أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ الوَطْءُ في القُبُلِ.
ثانياً: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ فَلَوْ وَطِئَ امْرَأَةً يَحْسَبُها زَوْجَتَهُ شُبْهَةً فلا قَتْلَ.
ثالثاً: ثُبُوتُ الزِّنَا بأَرْبَعَةِ شُهُودٍ أو بَأَرْبَعِ شَهَادَاتٍ يُقِرُّ بِهَا إقراراً كإقْرارِ مَاعِزٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
((والنَّفْسُ بالنَّفس)) هذه
النَّفْسُ الثانيةُ التي تُقْتَلُ وهي النَّفْسُ الَّتِي تَعَمَّدَتْ
قَتْلَ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ بغَيْرِ حَقٍّ فتُقْتَلُ قِصَاصاً، قَالَ تَعالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بالنَّفْسِ} الآيةَ،ويُسْتَثْنَى مِن ذَلِكَ صُوَراً:
أوَّلاً: قَتْلُ الوَالِدِ لوَلَدِهِ فلا يُقْتَلُ بهِ عِنْدَ الجُمْهُورِ؛ لقَوْلِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((لا يُقْتَلُ الوَالِدُ بالوَلَدِ)).
ثانياً: قَتْلُ السَّيِّدِ لعَبْدِهِ أو لعَبْدِ غَيْرِه لقولِه تعالَى: {الْحُرُّ بالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ}.
ثَالِثاً: قَتْلُ المُسْلِمِ للكَافِرِ؛ لقَوْلِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((لا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بكَافِرٍ)).
ولِذَا فَشُروطُ القِصَاصِ أَرْبَعَةٌ هِيَ:
1- عِصْمَةُ المَقْتُولِ.
2- أَنْ يَكُونَ القَاتِلُ بَالِغاً عَاقِلاً.
3- المُكَافَأَةُ.
4- عَدَمُ المُوالاةِ.
(( والتَّارِكُ لدِينِهِ المُفَارِقُ للجَمَاعَةِ)) هَذِهِ
النَّفْسُ الثالِثَةُ التي تَسْتَحِقُّ القَتْلَ، وَهِيَ النَّفْسُ التي
بَدَّلَتْ دِينَهَا، وارْتَدَّتْ عَنِ الإسْلامِ إلى الكُفْرِ، وفَرَّقَتْ
جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ.
وتَأْتِي المُفَارَقَةُ:
- بسَبِّ اللَّهِ تعالى.
- أو سبِّ رسولِهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ.
- أو سَبِّ الدِّينِ.
- أو إنكارِ شَيْءٍ مِن أركانِ الإسلامِ.
- أو الكُفْرِ ببَعْضِ المَلائِكَةِ.
- أو بِبَعْضِ الكُتُبِ.
- أو بالرُّسُلِ.
- أو إِنْكَارِ البَعْثِ.
- أو إنكارِ اليومِ الآخِرِ.
- أو مَا شَابَهَ ذَلِكَ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)) وَلا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ وإِلاَّ قُتِلَ.
الفَوَائِدُ:
1- أَنَّ التَّحْلِيلَ والتَّحْرِيمَ مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ.
2- حُرْمَةُ دَمِ المُسْلِمِ.
3- شَرَفُ الإِسْلامِ وشَرَفُ أَهْلِهِ بِهِ.
4- جَوَازُ قَتْلِ النُّفُوسِ الرَّخِيصَةِ بإِذْنِ الشَّرْعِ.
5- رَجْمُ الزَّانِي المُحْصَنِ.
6- وُقُوعُ النَّسْخِ في القُرْآنِ.
7- تحْرِيمُ الزِّنا وشِدَّةُ عُقُوبَتِهِ.
8- مَشْرُوعِيَّةُ القِصَاصِ.
9- قَتْلُ المُرْتَدِّ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ.
10- الحَثُّ عَلَى مُلازَمَةِ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ.
11- التَّحْذِيرُ مِن العُزْلَةِ إلا عِنْدَ ظُهُورِ المَصْلَحَةِ.
12- حِرْصُ الشَّارِعِ عَلَى بَقَاءِ النُّفُوسِ وأَمْنِهَا.
13- وُجُوبُ حِفْظِ الأَعْرَاضِ.
14- وُجُوبُ غَضِّ البَصَرِ عَنِ المُحَرَّمَاتِ.
شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح
قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (
مَنْزِلَةُ الْحَدِيثِ:
قالَ ابنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَنْزِلةِ الْحَدِيثِ: (وَهُو
مِن القَواعدِ الخطيرةِ لتَعَلُّقِهِ بأَخْطَرِ الأَشْيَاءِ وَهُو
الدِّماءُ، وَبَيَانُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا وَمَا لاَ يَحِلُّ، وأنَّ
الأَصْلَ فِيهَا العِصمةُ، وَهُو كَذَلِك عَقلاً؛ لأنَّهُ مَجبولٌ عَلَى
مَحَبَّةِ بَقاءِ الصُّوَرِ الإِنْسَانيَّةِ المخلوقةِ فِي أَحْسَنِ
تقويمٍ). حُرْمَةُ دَمِ الْمُسْلِمِ: وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لـَزَوَالُ الدُّنيا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ)) فالمسلمُ مَعصومُ الدَّمِ، والعِصمةُ مُلازِمَةٌ لَه، لاَ تُرْفَعُ عَنْه إِلاَّ إِذَا وَقَعَ بِمَا يَرفعُ عَنْه العِصمةَ. الزِّنَا بَعْدَ إِحصانٍ:
الحديثُ
يَدُلُّ عَلَى أنَّ دَمَ الْمُسْلِمِ الَّذي يَقومُ بحقوقِ الإِسْلاَمِ
مَعصومٌ، ووَرَدَتْ نصوصٌ كَثِيرَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَفِي
سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ
أَذْكُرُ مِنْهَا:
1 - بشَّرَ اللهُ مَن قَتَلَ المسلمَ دُونَ حقٍّ بالعذابِ الأليمِ، وبِبُطلانِ عَمَلِهِ فِي الدُّنيَا والآخِرةِ، وَلاَ نَاصِرَ لَه يومَ الدِّينِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ
الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ
بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ
النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}.
2 - لَعَنَ اللهُ وغَضِبَ، وأَعَدَّ عذابًا عظيمًا، لِمَن تَعَمَّدَ قَتْلَ المسلمِ دُونَ حقٍّ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ
يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا
وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.
3 - بيَّنَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ قَتْلَ النَّفسِ دُونَ حقٍّ مِن السَّبعِ الْمُهْلِكاتِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اجْتَنِبـُوا السـَّبـْعَ الْمُوبِقَاتِ)).
قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟
قَالَ:((الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ))وذَكَرَ البَاقِيَ.
أَجْمَعَ عُلماءُ المسلمينَ عَلَى أنَّ حَدَّ الزَّاني الثَّيِّبِ الرَّجمُ حتَّى يَموتَ،وَقَدْ رَجَمَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ.
وفي الْقُرْآنِ الَّذي نُسِخَ لفظُهُ: (والشَّيخُ والشَّيخةُ إِذَا زَنَيَا فارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكالاً مِن اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حكيمٌ).
ولقد اسْتَنْبَطَ تَرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ابنُ عبَّاسٍ الرَّجمَ مِن قولِهِ تَبارَكَ وَتَعَالَى: {يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا
مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} قَالَ ابنُ
عبَّاسٍ: (فمَنْ كَفَرَ بالرَّجْمِ فقد كَفَرَ بالقرآنِ مِن حَيْثُ لاَ
يَحْتَسِبُ، ثمَّ تَلا هَذِه الآيَةَ وَقَالَ: (كَانَ الرَّجمُ مِمَّا
أَخْفَوْا).
وكانَ حُكْمُ اللهِ فِي النِّساءِ الزَّوانِي، أَنْ يُحْبَسْنَ إِلَى أَنْ يَتَوَفَّاهُنَّ اللهُ،أَو يَجْعَلَ اللهُ لهنَّ سَبيلاً، ثمَّ جَعَلَ اللهُ لهنَّ سَبيلاً، ثَبَتَ عَن سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ عليهِ صلواتُ اللهِ وسَلاَمُهُ أنَّهُ قَالَ: ((خُذُوا
عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: الْبِكْرُ
بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ
جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجمُ)).
أَخَذَ بظاهرِ هَذَا الْحَدِيثِ جماعةٌ مِن السَّلفِ، مِنْهُم:
أَحْمَدُ، وإسحاقُ، والْحَسَنُ، وغيرُهُم،
فَأَوْجَبُوا جَلْدَ الثَّيِّبِ بمائةٍ، ويَشْهَدُ إِلَى مَا ذهبُوا
إِلَيْهِ فِعْلُ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، فإنَّهُ جَلَدَ
شُراحةَ الْهَمْدَانِيَّةَ.
- ثمَّ رَجَمَهَا.
- ثمَّ قَالَ: (جَلَدْتُهَا بكِتابِ اللهِ، ورَجَمْتُهَا بسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
قَتْلُ الْعَمْدِ:
قولُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((وَالنـَّفْسُ بِالنَّفْسِ)).
قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالتـَّاركُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ)).
أَجْمَعَ
أَهْلُ العِلمِ عَلَى أنَّ مَن ارْتَدَّ عَن الإِسْلاَمِ، وأَصَرَّ عَلَى
كُفْرِهِ بَعْدَ الاستتابةِ أنَّهُ يُقْتَلُ، والْحُجَّةُ فِي ذَلِك
الْحَدِيثُ السَّابقُ، وَفِي روايَةِ البُخاريِّوأصحابِ السُّنَنِ:((مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)) وقِتالُ أَبِي بكرٍ للمُرْتَدِّينَ، واخْتَلَفُوا فِي قَتْلِ المرأةِ، فجُمهورُ أَهْلِ الْعِلْمِ يقولون بِقَتْلِهَا لعُمومِ الأَدِلَّةِ.
ومعلومٌ أنَّ المرأةَ تُشارِكُ الرَّجلَ فِي الْحُدُودِ كلِّها دُونَ استثناءٍ، فكذلك يُطَبَّقُ عَلَيْهَا حَدُّ الرِّدَّةِ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِك. قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعاذٍ عندَما أَرْسَلَهُ لليَمَنِ: ((أَيُّمَا
رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلاَمِ فَادْعُهُ، فَإِنْ عَادَ، وَإِلاَّ
فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ ارْتَدَّتْ عَنِ الإِسْلاَمِ
فَادْعُهَا، فَإِنْ عَادَتْ، وَإِلاَّ فَاضْرِبْ عُنُقَهَا)).
الْقَتْلُ بِغَيْرِ الثَّلاثِ المذكورةِ فِي الْحَدِيثِ:
قد يُقْتَلُ المسلمُ بِغَيْرِ الثَّلاثِ المذكورةِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَد تَنْدَرِجُ هَذِه الأُمُورُ ضِمْنِيًّا تحتَ الثَّلاثِ، وَهِي:
1 - اللِّواطُ: يُقْتَلُ بسببِهِ المسلِمُ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْصَنًا أَو غَيْرَ مُحْصَنٍ، ذَهَبَ إِلَى ذَلِك: أَبُو بكرٍ، وعبدُ اللهِ بْنُ الزُّبيرِ، وابنُ عبَّاسٍ، وجابرٌ، والزُّهريُّ، ومالكٌ، وإسحاقُ بْنُ راهويهِ، وَأَحْمَدُ، والشَّافعيُّ، وحُجَّتُهم فِي ذَلِك: عَن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مـَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ)).
2 - قَتْلُ مَن أَرادَ أَنْ يَشُقَّ عصا المسلمينَ؛ وَذَلِك لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ
أَتَاكـُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ
يَشُقَّ عَصَاكُمْ، وَيُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ)).
ولقولـِهِ: ((إِذَا بُويِعَ خَلِيفَتَانِ، فَاقْتُلُوا الآخِرَ مِنْهُمَا)).
3 - الإفسادُ فِي الأَرْضِ وقَطْعُ الطَّريقِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا
جَزَاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي
الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ
أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ
ذَلكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ
عَظِيمٌ}.
وللعُلماءِ
فِي شَرْحِ هَذِه الآيَةِ كَلاَمٌ يَطولُ ذِكْرُهُ، وَلَكِنْ إِذَا قَتَلَ
قُطَّاعُ الطُّرقِ يَتحتَّمُ قَتْلُهُم جَمِيعًا.
4 - تاركُ الصَّلاةِ، وسبقَ بَيَانُ ذَلِك أثناءَ شرحِ الْحَدِيثِ الثَّامنِ.
5 - مَن طَلَبَ أَخْذَ مالِ إنسانٍ أَو حريمِهِ بِغَيْرِ حقٍّ.
6 - السَّاحرُ يُقتلُ، قَالَ بِذَلِك: أَحْمَدُ، ومالكٌ، وأبو حَنيفةَ، وعمرُ بْنُ عَبْدِ العزيزِ،
وهؤلاءِ يقولون بكُفرِهِ بسِحرِهِ، وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ
الْمُرْتَدِّ، فيَندرجُ تحتَ النُّصوصِ الَّتي تَنُصُّ عَلَى قَتْلِ
الْمُرْتَدِّ، كَمَا رُوِيَ عَن عمرَ، وعُثمانَ، وابنِ عمرَ، وحَفصةَ، وجُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وجُنْدَبِ بْنِ كَعبٍ، وقيسِ بْنِ سعدٍ.
والشَّافعيُّ يَرَى أَنَّه إِذَا بَلَغَ سحرُهُ الْكُفْرَ يُقتَلُ، كَمَا يَشهدُ لِذَلِكَ مَا رواهُ مالكٌ فِي (الْمُوَطَّأِ) عَن محمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحمنِ بْنِ سعدِ بْنِ زُرَارَةَ،
أنَّهُ بلغَهُ أنَّ حَفصةَ زوجَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَتَلَتْ جَاريَةً لَهَا، سَحَرَتْهَا، وَقَد كانَتْ
دَبَّرَتْهَا فأَمَرَتْ بِهَا فقُتِلَتْ.
قالَ مالكٌ: (السَّاحرُ الَّذي يعملُ السِّحرَ وَلَم يعملْ ذَلِك لَه غيرُهُ، هُو مِثْلُ الَّذي قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كتابِهِ: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ}، فأَرَى أَنْ يُقْتَلَ إِذَا عَمِلَ ذَلِك هُو نفسُهُ).
هل الْحَدِيثُ ناسخٌ لغيرِهِ؟
يرَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أنَّ حديثَ ابنِ مسعودٍ الَّذي نحنُ بِصَدَدِ شَرْحِهِ ناسخٌ لباقي الأَحَادِيثِ الَّتي فِيهَا هَدْرٌ لدماءِ بَعْضِ المسلمِين.
والرَّدُّ عَلَى هَؤُلاَءِ مِن وجهينِ:
1 - لم يقمِ الدَّليلُ القويُّ القاطعُ عَلَى أنَّ حديثَ ابنِ مسعودٍ متأخِّرٌ عَنْهَا.
2 - الخاصُّ لاَ يُنْسَخُ بالعامِّ، وَلَو كَانَ العامُّ متأخِّرًا عَنْهُ، وَهَذَا مَا عَلَيْهِ جمهورُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ ابنُ رجبٍ:(لأنَّ
دَلالةَ الخاصِّ عَلَى معناهُ بالنَّصِّ، ودَلالةَ العامِّ عَلَيْهِ
بالظَّاهرِ، عِنْدَ الأكثرينَ، فَلاَ يُبطلُ الظَّاهرُ حُكمَ النَّصِّ).
فوائدُ مِن الْحَدِيثِ:
1 - الحديثُ يَدُلُّ عَلَى حِفْظِ الأعراضِ ونَقائِهَا.
2 - كما فِيهِ الحثُّ عَلَى التزامِ جماعةِ المسلمينَ، وعَدَمِ مُفارقَتِهِم.
3 - شَرَعَ اللهُ الْحُدُودَ لرَدْعِ الْجُنَاةِ، ولحمايَةِ المجتَمَعِ ووِقايَتِهِ مِن الجرائمِ.
4 - كما فِيهِ التَّرهيبُ مِن قَتْلِ النَّفسِ الَّتي حرَّم اللهُ.
جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي
قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (
هَذَا الحَدِيثُ خَرَّجَاهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) مِن رِوَايَةِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((التَّارِكُ لِلإِسْلاَمِ))بَدَلَ قَوْلِهِ: ((لِدِينِهِ)).
وفي هَذَا المَعْنَى أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ: فَخَرَّجَ مُسْلِمٌ مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ، والنَّسَائِيُّ، وابنُ مَاجَةَ مِن حَدِيثِ عُثْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:((لاَ
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإحْدَى ثَلاَثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ
بَعْدَ إِسْلاَمِهِ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا
بِغَيْرِ نَفْسٍ)).
وفِي رِوَايَةٍ للنَّسَائِيِّ: ((رَجُلٌ
زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ، فَعَلَيْهِ الرَّجْمُ، أَوْ قَتَلَ عَمْدًا،
فَعَلَيْهِ القَوَدُ، أَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ، فَعَلَيْهِ
القَتْلُ)). وقَالَ الزُّهْرِيُّ: (بَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي اليَهُودِيَّيْنِ الَّلذَيْنِ رَجَمَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ)) وأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا). وخَرَّجَ مُسْلِمٌ فِي (صَحِيحِه) مِن حَدِيثِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قِصَّةَ رَجْمِ اليَهُودِيَّيْنِ، وقَالَ في حَدِيثِهِ: (فَأَنْزَلَ اللهُ: {يَا أيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ}[ المائدة: 41] وأَنْزَلَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ}[المائدة: 44] في الكُفَّارِ كُلَّهَا).
وقَدْ رُوِيَ هَذَا المَعْنَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن رِوَايَة ِ ابنِ عبَّاسٍ، وأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ وغَيْرِهِم،
وقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ أَنَسٍ فِيمَا تَقَدَّمَ، وفِيهِ تَفْسِيرُ أَنَّ
هَذِهِ الثَّلاَثَ خِصَالٍ هي حَقُّ الإِسْلاَمِ الَّتِي يُسْتَبَاحُ
بِهَا دَمُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، والقَتْلُ بكُلِّ واحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الخِصَالِ الثَّلاَثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ.
(أَمَّا زِنَا الثَّيِّبِ) فَأَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ حَدَّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ، وَقَدْ رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًاوالغَامِدِيَّةَ، وكَانَ فِي القُرْآنِ الذِي نُسِخَ لَفْظُهُ: ((والشَّيْخُ والشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا ألبَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللهِ، وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)).
وقَدْ اسْتَنْبَطَ ابنُ عَبَّاسٍ الرَّجْمَ مِنَ القُرْآنِ مِن قَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا
أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا
مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [المائدة: 15] قَالَ: (فَمَن
كَفَرَ بالرَّجْمِ، فَقَدْ كَفَرَ بالقُرْآنِ مِن حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ،
ثُمَّ تَلاَ هذه الآيَةَ، وقَالَ: كَانَ الرَّجْمُ مِمَّا أََخْفَوْا) خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ، والحَاكِمُ، وقَالَ: (صَحِيحُ الإِسْنَادِ).
ويُسْتَنْبَطُ أيضًا مِن قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى ونُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا للَّذِينَ هَادُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللهُ} [المائدة: 44-49].
وخَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ وعِنْدَه: (فَأَنْزَلَ اللهُ: {لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفْرِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ أُوتِيتُم هَذَا فَخُذُوهُ}
[المائدة: 41]يَقُولُونَ: ائْتُوا مُحَمَّدًا، فَإِنْ أَفْتَاكُم
بالتَّحْمِيمِ والجَلْدِ، فَخُذُوه، وإِنْ أَفْتَاكُم بالرَّجْمِ،
فاحْذَرُوا، إِلَى قَوْلِهِ: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ}[المائدة: 44]قَالَ: في اليَهُودِ).
ورُوِيَ مِن حَدِيثِ جَابِرٍ قَصَّةُ رَجْمِ اليَهُودِيَّيْنِ، وفِي حَدِيثِهِ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللهُ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بالْقِسْطِ}[المائدة: 42].
وكَانَ
اللهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ أَوَّلاً بِحَبْسِ النِّسَاءِ الزَّوَانِي
إِلَى أَنْ يَتَوَفَّاهُنَّ المَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ
السَّبِيلَ، ثُمَّ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، ففي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ) عَنْ عُبَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((خُذُوا
عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً: البِكْرُ
بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ
جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ)).
وقَدْ
أَخَذَ بظَاهِرِ هَذَا الحَدِيثِ جَمَاعَةٌ مِن العُلَمَاءِ، وأَوْجَبُوا
جَلْدَ الثَّيِّبِ مِائَةً، ثُمَّ رَجْمَهُ، كَمَا فَعَلَ عَلِيٌّ بِشُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ، وقَالَ: (جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللهِ، ورَجَمْتُها بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
يُشِيرُ إِلَى أَنَّ كِتَابَ اللهِ فيه جَلْدُ الزَّانِيَيْنِ مِن غَيْرِ
تَفْصِيلٍ بَيْنَ ثَيِّبٍ وبِكْرٍ، وجَاءَت السُّنَّةُ برَجْمِ الثَّيِّبِ
خَاصَّةً مَعَ اسْتِنْبَاطِهِ مِن القُرْآنِ أيضًا، وهذا القَوْلُ هو
المَشْهورُ عن الإمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللهُ وإِسْحَاقَ، وهو قَوْلُ الحَسَنِ وطَائِفَةٍ مِن السَّلَفِ.
وقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُم: (إِنْ
كَانَ الثَّيِّبَانِ شَيْخَيْنِ رُجِمَا وجُلِدَا، وإِنْ كَانَا
شَابَّيْنِ، رُجِمَا بغَيْرِ جَلْدٍ؛ لأَِنَّ ذَنْبَ الشَّيْخِ أَقْبَحُ،
لاَ سِيَّمَا بالزِّنَا) وهَذَا قَوْلُ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، ورُوِيَ عنه مَرْفُوعًا، وَلاَ يَصِحُّ رَفْعُه، وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ وإِسْحَاقَ أيضًا.
(( وأَمَّا النَّفْسُ بالنَّفْسِ)) فمَعْنَاهُ
أَنَّ المُكَلَّفَ إِذَا قَتَلَ نَفْسًا بغَيْرِ حَقٍّ عَمْدًا؛ فَإِنَّهُ
يُقْتَلُ بِهَا، وقَدْ دَلَّ القُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ بقَوْلِهِ تَعَالَى: {وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بالنَّفْسِ}[المائدة: 45] وقَالَ تَعَالَى:{يَا
أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى
الْحُرُّ بالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بالأُنْثَى}[البقرة: 178].
ويُسْتَثْنَى مِن عُمُومِ قَوْلِهِ:{النَّفْسَ بالنَّفسِ} صُورٌ:
- مِنْهَا: أَنْ يَقْتُلَ الوَالِدُ وَلَدَه، فالجُمْهُورُ عَلَى أَنَّه لاَ يُقْتَلُ بِهِ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ.
ورُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وقَدْ تُكُلِّمَ فِي أَسَانِيدِهَا، وقَالَ مَالِكٌ: (إِنْ
تَعَمَّدَ قَتْلَهُ تَعَمُّدًا لاَ يُشَكُّ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ
يَذْبَحَهُ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، وإِنْ حَذَفَهُ بسَيْفٍ أو عَصًا،
لَمْ يُقْتَلْ).
وقَالَ البَتِّيُّ: (يُقْتَلُ بقَتْلِهِ بِجَمِيعِ وُجُوهِ العَمْدِ للعُمُومَاتِ).
- ومنها:أَنْ يَقْتُلَ الحُرُّ عَبْدًا، فالأَكْثَرُونَ عَلَى أنَّه لاَ يُقْتَلُ بِهِ، وقَدْ وَرَدَتْ في ذَلِكَ أَحَادِيثُ في أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ.
وقِيلَ: يُقْتَلُ بعَبْدِ غَيْرِه دُونَ عَبْدِهِ، وهو قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وأَصْحَابِهِ.
وقِيلَ: يُقْتَلُ بعَبْدِهِ وعَبْدِ غَيْرِه،وهو رِوَايَةٌ عن الثَّوْرِيِّ، وقَوْلُ طَائِفَةٍ مِن أَهْلِ الحَدِيثِ؛ لحَدِيثِ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ، قَتَلْنَاهُ، وَمَنْ جَدَعَهُ جَدَعْنَاهُ)) وَقَدْ طَعَنَ فِيهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ وغَيْرُه.
وقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّه لاَ قِصَاصَ بَيْنَ العَبِيدِ والأَحْرَارِ فِي الأَطْرَافِ، وهَذَا
يَدُلُّ عَلَى أنَّ هَذَا الحَدِيثَ مُطَّرَحٌ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وهَذَا
مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ المُرَادَ بقَوْلِهِ تَعَالَى: {النَّفْسَ بالنَّفْسِ}[ المائدة: 45 ] الأحْرَارُ؛ لأَِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَه القِصَاصَ فِي الأَطْرَافِ، وهو يَخْتَصُّ بالأَحْرَارِ.
- ومنها: أَنْ يَقتُلَ المُسْلِمُ كافِرًا،
فإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا، لَمْ يُقْتَلْ بِهِ بغَيْرِ خِلاَفٍ؛ لأَِنَّ
قَتْلَ الحَرْبِيِّ مُبَاحٌ بِلاَ رَيْبٍ، وإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا أو
مُعَاهَدًا، فالجُمْهُورُ عَلَى أنَّه لاَ يُقْتَلُ بِهِ أيضًا، وفِي (صَحِيحِ البُخَارِيِّ) عن عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ)).
وقَال َ أَبُو حَنِيفَةَ وجَمَاعَةٌ مِن فُقَهَاءِ الكُوفِيِّينَ: (يُقْتَلُ بِهِ) وقَدْ رَوَى رَبِيعَةُ عن ابنِ البَيْلَمَانِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ القِبْلَةِ بِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَقَالَ: ((أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ)) وهذا مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ قَدْ ضَعَّفَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وأَبُو عُبَيْدٍ، وإِبْرَاهِيمُ الحَرْبِيُّ، والجُوزْجَانِيُّ، وابنُ المُنْذِرِ، والدَّارَقُطْنِيُّ، وقَالَ ابنُ البَيْلَمَانِيِّ: (ضَعِيفٌ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إِذَا وَصَلَ الحَدِيثَ، فَكَيْفَ بِمَا يُرْسِلُه؟!).
وقَالَ الجُوزْجَانِيُّ: (إِنَّمَا
أَخَذَهُ رَبِيعَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي يَحْيَى عن ابنِ
المُنْكَدِرِ، عن ابنِ البَيْلَمَانِيِّ، وابنُ أَبِي يَحْيَى مَتْرُوكُ
الحَدِيثِ) وفي (مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُدَ) حَدِيثٌ آخَرُ
مُرْسَلٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ يَوْمَ
خَيْبَرَ مُسْلِمًا بكَافِرٍ قَتَلَه غِيلَةً، وقَالَ: ((أَنَا أَوْلَى وَأَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ)).
وهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ
وأَهْلِ المَدِينَةِ أَنَّ القَتْلَ غِيلَةً لاَ تُشْتَرَطُ لَهُ
المُكَافَأَةُ، فَيُقْتَلُ فيه المُسْلِمُ بالكَافِرِ، وعَلَى هَذَا
حَمَلُوا حَدِيثَ ابنِ البَيْلَمَانِيِّ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ.
- ومنها: أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ امْرَأَةً، فيُقْتَلَ بِهَا بغَيْرِ خِلاَفٍ، وفِي كِتَابِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّجُلَ
يُقْتَلُ بالمَرْأَةِ. وصَحَّ أَنَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَتَلَ يَهُودِيًّا قَتَلَ جَارِيَةً.
وأَكْثَرُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّه لاَ يُدْفَعُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الرَّجُلِ شَيْءٌ.
ورُوِيَ عَن عَلِيٍّ : (أَنَّه يُدْفَعُ إِلَيْهِم نِصْفُ الدِّيَةِ) لأَِنَّ دِيَةَ المَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ، وهو قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ وأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ.
((وأمَّا التَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ للجَمَاعَةِ)) فالمُرَادُ
بِهِ مَن تَرَكَ الإِسْلاَمَ، وارْتَدَّ عَنْهُ، وفَارَقَ جَمَاعَةَ
المُسْلِمِينَ، كَمَا جَاءَ التَّصْرِيحُ بذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ،
وإِنَّما اسْتَثْنَاهُ مَعَ مَن يَحِلُّ دَمُه مِن أَهْلِ
الشَّهَادَتَيْنِ باعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ،
وحُكْمُ الإِسْلاَمِ لاَزِمٌ لَهُ بَعْدَهَا، ولهذا يُسْتَتَابُ، ويُطْلَبُ
منه العَوْدُ إِلَى الإِسْلاَمِ، وفي إِلْزَامِهِ بقَضَاءِ مَا فَاتَهُ
فِي زَمَنِ الرِّدَّةِ مِن العِبَادَاتِ اخْتِلاَفٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ
العُلَمَاءِ.
وأَيْضًا فَقَدْ يَتْرُكُ دِينَه، ويُفَارِقُ الجَمَاعَةَ، وهو
مُقِرٌّ بالشَّهَادَتَيْنِ، ويَدَّعِي الإِسْلاَمَ، كَمَا إِذَا جَحَدَ
شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ، أو سَبَّ اللهَ ورَسُولَه، أو كَفَرَ
ببَعْضِ المَلاَئِكَةِ أو النَّبِيِّينَ أو الكُتُبِ المَذْكُورَةِ في
القُرْآنِ مَعَ العِلْمِ بذلك، وفي (صَحِيحِ البُخَارِيِّ) عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)).
وَلاَ
فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الرَّجُلِ والمَرْأَةِ عِنْدَ أَكْثَرِ
العُلَمَاءِ، ومنهم مَن قَالَ: لاَ تُقْتَلُ المَرْأَةُ إِذَا ارْتَدَّتْ
كَمَا لاَ تُقْتَلُ نِسَاءُ أَهْلِ دَارِ الحَرْبِ فِي الحَرْبِ،
وَإِنَّمَا تُقْتَلُ رِجَالُهُم، وهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وأَصْحَابِهِ،
وجَعَلُوا الكُفْرَ الطَّارِئَ كالأَصْلِيِّ، والجُمْهُورُ فَرَّقُوا
بَيْنَهُما، وجَعَلُوا الطَّارِئَ أَغْلَظَ لِمَا سَبَقَهُ مِن
الإِسْلاَمِ، ولِهَذَا يُقْتَلُ بالرِّدَّةِ عنه مَن لاَ يُقْتَلُ مِن
أَهْلِ الحَرْبِ، كالشَّيْخِ الفَانِي، والزَّمِنِ، والأَعْمَى، ولاَ
يُقْتَلُونَ فِي الحَرْبِ.
وقَوْلُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((التَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ للجَماعَةِ)) يَدُلُّ
عَلَى أَنَّهُ لو تَابَ ورَجَعَ إِلَى الإِسْلاَمِ، لَمْ يُقْتَلْ؛
لأَِنَّه لَيْسَ بتَارِكٍ لدِينِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ، وَلاَ مُفَارِقٍ
للجَمَاعَةِ.
فإِنْ قِيلَ: بل
اسْتِثْنَاءُ هَذَا مِمَّن يُعْصَمُ دَمُه مِن أَهْلِ الشَّهَادَتَيْنِ
يَدُلُّ عَلَى أنَّه يُقْتَلُ ولو كَانَ مُقِرًّا بالشَّهَادَتَيْنِ،
كَمَا يُقْتَلُ الزَّانِي المُحْصَنُ، وقَاتِلُ النَّفْسِ، وهَذَا يَدُلُّ
عَلَى أَنَّ المُرْتَدَّ لاَ تُقْبَلُ تَوْبَتُه، كَمَا حُكِيَ عَنِ الحَسَنِ،
أو أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَن ارْتَدَّ مِمَّن وُلِدَ عَلَى
الإِسْلاَمِ؛ فَإِنَّه لاَ تُقْبَلُ تَوْبَتُه، وَإِنَّمَا تُقْبَلُ
تَوْبَةُ مَنْ كَانَ كَافِرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ ارْتَدَّ عَلَى
قَوْلِ طَائِفَةٍ مِن العُلَمَاءِ، منهم: اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وإِسْحَاقُ.
قِيلَ: إِنَّمَا اسْتَثْنَاهُ مِن المُسْلِمِينَ باعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ مُفَارَقَةِ دِينِهِ كَمَا
سَبَقَ تَقْرِيرُه، وَلَيْسَ هَذَا كالثَّيِّبِ الزَّانِي، وقَاتِلِ
النَّفْسِ؛ لأَِنَّ قَتْلَهُما وَجَبَ عُقُوبَةً لِجَرِيمَتِهِمَا
المَاضِيَةِ، ولاَ يُمْكِنُ تَلاَفِي ذَلِكَ.
(وأَمَّا المُرْتَدُّ) فَإِنَّمَا قُتِلَ لِوَصْفٍ قَائِمٍ بِهِ فِي الحَالِ،
وهو تَرْكُ دِينِهِ ومُفَارَقَةُ الجَمَاعَةِ، فإِذَا عَادَ إِلَى
دِينِهِ، وإلى مُوَافَقَةِ الجَمَاعَةِ، فالوَصْفُ الذي أُبِيحَ بِهِ دَمُه
قَدِ انْتَفَى، فتَزُولُ إِبَاحَةُ دَمِهِ، واللهُ أَعْلَمُ.
فإِنْ قِيلَ: فَقَدْ خَرَّجَ النَّسَائِيُّ مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((لاَ
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ: زَانٍ
مُحْصَنٍ يُرْجَمُ، ورَجُلٍ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا فَيُقْتَلُ، وَرَجُلٍ
يَخْرُجُ مِنَ الإِسْلاَمِ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ فَيُقْتَلُ أَوْ
يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الأَرْضِ))وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المُرَادَ مَن جَمَعَ بَيْنَ الرِّدَّةِ والمُحَارَبَةِ.
قِيلَ: قَدْ خَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بلَفْظٍ آخَرَ، وهو أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((لاَ
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ،
وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ إِلاَّ فِي إِحْدَى ثَلاَثٍ: زِنًا بَعْدَ
إِحْصَانٍ فَإِنَّه يُرْجَمُ، وَرَجُلٌ خَرَجَ مُحَارِبًا للهِ
وَرَسُولِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ
الأَرْضِ، أَوْ يَقْتُلُ نَفْسًا فَيُقْتَلُ بِهَا)).
وهَذَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ وُجِدَ منه الحِرَابُ مِن المُسْلِمِينَ،
خُيِّرَ الإِمَامُ فيه مُطْلَقًا، كَمَا يَقُولُه عُلَمَاءُ أَهْلِ
المَدِينَةِ
مَالِكٌ
وغَيْرُه، والرِّوَايَةُ الأُولَى قَدْ تُحْمَلُ عَلَى أَنَّ المُرَادَ
بِخُرُوجِهِ عن الإِسْلاَمِ خُرُوجُه عن أَحْكَامِ الإِسْلاَمِ، وَقَدْ
تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا.
ويَسْتَدِلُّ بذَلِكَ مَنْ يَقُولُ:
(إِنَّ آيَةَ المُحَارَبَةَ تَخْتَصُّ بالمُرْتَدِّينَ)
فَمَنِ ارْتَدَّ وحَارَبَ، فُعِلَ بِهِ مَا فِي الآيَةِ، ومَن حَارَبَ مِن
غَيْرِ رِدَّةٍ، أُقِيمَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ المُسْلِمِينَ مِنَ
القِصَاصِ والقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وهَذَا رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ
لَكِنَّهَا غَيْرُ مَشْهُورَةٍ عنه، وكَذَا قَالَ طَائِفَةٌ مِن السَّلَفِ:
إِنَّ آيَةَ المُحَارَبَةِ تَخْتَصُّ بالمُرْتَدِّينَ، مِنْهُم أَبُو
قِلاَبَةَ وغَيْرُه.
وبكُلِّ حَالٍ، فحَدِيثُ عَائِشَةَ أَلْفَاظُه مُخْتَلِفَةٌ، وَقَد رُوِيَ عَنْهَا مَرْفُوعًا، ورُوِيَ عَنْهَا مَوْقُوفًا، وَحَدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ لَفْظُه لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ، وهو ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ.
ولَكِنْ يُقَالُ علَى هَذَا: إِنَّه قَدْ وَرَدَ قَتْلُ المُسْلِمِ بغَيْرِ إِحْدَى هَذِهِ الخِصَالِ الثَّلاَثِ:
- فمنها: في اللِّوَاطِ، وقَدْ جَاءَ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((اقْتُلُوا الفَاعِلَ وَالمَفْعُولَ بِهِ))وأَخَذَ بِهِ كَثِيرٌ مِن العُلَمَاءِ كمَالِكٍ وأَحْمَدَ، وقَالُوا: (إنَّه مُوجِبٌ للقَتْلِ بكُلِّ حَالٍ، مُحْصَنًا كَانَ أو غَيْرَ مُحْصَنٍ) وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّه، قَالَ: (لاَ
يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بأَرْبَعٍ، فَذَكَرَ الثَّلاَثَةَ
المُتَقَدِّمَةَ، وزَادَ: ورَجُلٍ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ).
- ومنها: مَن أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ، وقَدْ رُوِيَ الأَمْرُ بقَتْلِهِ، ورُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مَن تَزَوَّجَ بامْرَأَةِ أَبِيهِ، وأَخَذَ بذَلِكَ طَائِفَةٌ مِن العُلَمَاءِ، وأَوْجَبُوا قَتْلَهُ مُطْلَقًا مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ.
- ومنها:السَّاحِرُ، وفي (التِّرْمِذِيِّ) مِن حَدِيثِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا: ((حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بالسَّيْفِ)) وذَكَرَ أَنَّ الصَّحِيحَ وقْفُهُ عَلَى جُنْدُبٍ، وهو مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِن العُلَمَاءِ، مِنْهُم عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ ومَالِكٌ وأَحْمَدُ وإِسْحَاقُ، وَلَكِنَّ هؤلاء يَقُولُونَ: (إِنَّه يَكْفُرُ بسِحْرِهِ، فَيَكُونُ حُكْمُه حُكْمَ المُرْتَدِّينَ).
- ومنها:قَتْلُ مَن وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وقَالَ بِهِ طَائِفَةٌ مِن العُلَمَاءِ.
- ومنها: مَن تَرَكَ الصَّلاَةَ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِن العُلَمَاءِ مَعَ قَوْلِهِم: (إِنَّه لَيْسَ بكَافِرٍ) وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى.
- ومنها: قَتْلُ شَارِبِ الخَمْرِ في المَرَّةِ الرَّابِعَةِ، وَقَدْ وَرَدَ الأَمْرُ بِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وأَخَذَ بذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ العَاصِ وغَيْرُه،
وأَكْثَرُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ القَتْلَ انْتَسَخَ، ورُوِيَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بالشَّارِبِ فِي
المَرَّةِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَقْتُلْه.
وفِي (صَحِيحِ البُخَارِيِّ): أَنَّ رَجُلاً كَانَ يُؤْتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الخَمْرِ، فَلَعَنَهُ رَجَلٌ.
وَقَالَ: مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((لاَ تَلْعَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ)) وَلَمْ يَقْتُلْهُ بذَلِكَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهُويَهْ: (إنَّمَا يُرِيدُ مَن شَهَرَ سِلاَحَهُ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي النَّاسِ حَتَّى اسْتَعْرَضَ النَّاسَ، فَقَدْ حَلَّ قَتْلُه) وهو مَذْهَبُ الحَرُورِيَّةِ يَسْتَعْرِضُونَ الرِّجَالَ والنِّسَاءَ والذُّرِّيَّةَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَن عَائِشَةَ مَا يُخَالِفُ تَفْسِيرَ إِسْحَاقَ، فَخَرَّجَ الحَاكِمُ مِن رِوَايَةِ عَلْقَمَةَ بنِ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَن أُمِّه: أَنَّ غُلاَمًا شَهَرَ السَّيْفَ عَلَى مَوْلاَهُ فِي إِمْرَةِ سَعِيدِ بنِ العَاصِ، وتَفَلَّتْ بِهِ عَلَيْهِ، فَأَمْسَكَهُ النَّاسُ عَنْهُ، فَدَخَلَ المَوْلَى عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:((مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدةٍ إِلَى أَحَدٍ مِنَ المُسْلِمينَ يُريدُ قَتْلَهُ، فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ)) فَأَخَذَهُ مَوْلاَهُ فقَتَلَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ:((وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ)).
فإِذَا أُرِيدَ مَالُ المَرْءِ أو دَمُه، دَافَعَ عَنْهُ بالأَسْهَلِ، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وأَحْمَدَ، وهل يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ أنَّه لاَ يُرِيدُ قَتْلَهُ أم لاَ؟
فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنِ الإمَامِ أَحْمَدَ.
وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ مَالَه أو دَمَه، أُبِيحَ لَهُ قَتْلُه ابْتِدَاءً، ودَخَلَ عَلَى ابنِ عُمَرَ لِصٌّ، فَقَامَ إِلَيْهِ بالسَّيْفِ صَلْتًا، فَلَوْلاَ أَنَّهُم حَالُوا بَيْنَهُ وبَيْنَهُ، لقَتَلَهُ.
وسُئِلَ الحَسَنُ عن لِصٍّ دَخَلَ بَيْتَ رَجُلٍ، ومَعَه حَدِيدَةٌ.
قَالَ: اقْتُلْه بأَيِّ قِتْلَةٍ قَدَرْتَ عَلَيْهِ، وهؤلاء أَبَاحُوا قَتْلَهُ، وإِن وَلَّى هَارِبًا مِن غَيْرِ جِنَايَةٍ، منهم أَيُّوبُ السِّخْتِيانِيُّ.
وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ مِن حَدِيثِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((الدَّارُ حَرَمُكَ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْكَ حَرَمَكَ، فَاقْتُلْهُ)) ولَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.
- ومنها: قَتْلُ الجَاسُوسِ المُسْلِمِ إِذَا تَجَسَّسَ للكُفَّارِ عَلَى المُسْلِمِينَ، وَقَدْ تَوَقَّفَ فيه أَحْمَدُ، وأَبَاحَ قَتْلَهُ طَائِفَةٌ مِن أَصْحَابِ مَالِكٍ، وابنُ عَقِيلٍ مِن أَصْحَابِنَا، ومِن المَالِكِيَّةِ مَنْ قَالَ: (إِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ منه أُبِيحَ قَتْلُه).
واسْتَدَلَّ مَن أَبَاحَ قَتْلَه: بقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ حَاطِبِ
بنِ أَبِي بَلْتَعَةَ لَمَّا كَتَبَ الكِتَابَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ
يُخْبِرُهُم بسَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِلَيْهِم، ويَأْمُرُهُم بأَخْذِ حِذْرِهِم، فاسْتَأْذَنَ عُمَرُ فِي
قَتْلِهِ، فَقَالَ: ((إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا)).
فَلَمْ
يَقُلْ: إِنَّه لَمْ يَأْتِ مَا يُبِيحُ دَمَهُ، وإِنَّما عَلَّلَ
بوُجُودِ مَانِعٍ مِنْ قَتْلِهِ، وهو شُهُودُه بَدْرًا ومَغْفِرَةُ اللهِ
لأَِهْلِ بَدْرٍ، وهَذَا المَانِعُ مُنْتَفٍ في حَقِّ مَنْ بَعْدَه.
- ومنها: ما خَرَّجَه أبو داودَ في (المَرَاسِيلِ) مِن رِوَايَةِ ابنِ المُسَيِّبِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ فَاقْتُلُوهُ)) ورُوِيَ مُسْنَدًا مِن وَجْهٍ آخَرَ لاَ يَصِحُّ.
واعْلَمْ أَنَّ مِن هذه الأَحَادِيثِ المَذْكُورَة ِ مَا لاَ يَصِحُّ وَلاَ يُعْرَفُ بِهِ قَائِلٌ مُعْتَبَرٌ، كحَدِيثِ: ((مَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ فَاقْتُلُوهُ)).
وَحَدِيثِ: ((قَتْلُ السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ)).
وبَاقِي النُّصُوصِ كُلِّها يُمْكِنُ رَدُّها إِلَى حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ، وذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ ابنِ مَسْعُودٍ تَضَمَّنَ أَنَّه لاَ يُسْتَبَاحُ دَمُ المُسْلِمِ إلاَّ بإِحْدَى ثَلاَثِ خِصَالٍ:
- إِمَّا أَنْ يَتْرُكَ دِينَهُ ويُفَارِقَ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ.
- وَإِمَّا أَنْ يَزْنِيَ وهو مُحْصَنٌ.
- وإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ نَفْسًا بغَيْرِ حَقٍّ.
فيُؤْخَذُ منه أَنَّ قَتْلَ المُسْلِمِ لاَ يُسْتَباحُ إلاَّ بأَحَدِ ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:
- تَرْكِ الدِّين.
- وإِرَاقَةِ الدَّمِ المُحَرَّم.
- وانْتِهَاكِ الفَرْجِ المُحَرَّم.
فهَذِهِ الأَنْوَاعُ الثَّلاَثَةُ هي الَّتِي تُبِيحُ دَمَ المُسْلِمِ دُونَ غَيْرِهَا.
فأَمَّا انْتِهَاكُ الفَرْجِ المُحَرَّمِ:
فَقَدْ ذُكِرَ فِي الحَدِيثِ أَنَّه الزِّنا بَعْدَ الإِحْصَانِ،
وهَذَا -واللهُ أَعْلَمُ- عَلَى وَجْهِ المِثَالِ؛ فإِنَّ المُحْصَنَ قَدْ
تَمَّتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ بنَيْلِ هَذِهِ الشَّهْوَةِ بالنِّكَاحِ،
فإِذَا أَتَاهَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ فَرْجٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ، أُبِيحَ
دَمُه، وقد يَنْتَفِي شَرْطُ الإِحْصَانِ، فيَخْلُفُه شَرْطٌ آخَرُ، وهو
كَوْنُ الفَرْجِ لاَ يُسْتَبَاحُ بِحَالٍ، إمَّا مُطْلَقًا كاللِّوَاطِ، أو
فِي حَقِّ الوَاطِئِ، كمَنْ وَطِئَ ذَاتَ مَحْرَمٍ بعَقْدٍ أو غَيْرِه،
فهَذَا الوَصْفُ هل يَكُونُ قَائِمًا مَقَامَ الإِحْصَانِ وخَلَفًا عنه؟
هَذَا
هو مَحَلُّ النِّزَاعِ بَيْنَ العُلَمَاءِ، والأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى
أَنَّهُ يَكُونُ خَلَفًا عنه، ويُكْتَفَى بِهِ فِي إِبَاحَةِ الدَّمِ.
وأَمَّا سَفْكُ الدَّمِ الحَرَامِ:
فَهَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ إِثَارَةُ الفِتَنِ
المُؤَدِّيَةِ إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ، كتَفْرِيقِ جَمَاعَةِ
المُسْلِمِينَ، وشَقِّ العَصَا، والمُبَايَعَةِ لإمَامٍ ثَانٍ، ودَلِّ
الكُفَّارِ عَلَى عَوْرَاتِ المُسْلِمِينَ، هَذَا هو مَحَلُّ النِّزَاعِ.
وقَدْ رُوِيَ عَن عُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ القَتْلِ بِمِثْلِ هَذَا.
وكَذَلِكَ شَهْرُ السِّلاَحِ لطَلَبِ القَتْلِ:
هَلْ يَقُومُ مَقَامَ القَتْلِ فِي إِبَاحَةِ الدَّمِ أم لاَ؟
فابنُ الزُّبَيْرِ وعَائِشَةُ رَأَيَاهُ قَائِمًا مَقَامَ القَتْلِ الحَقِيقِيِّ فِي ذَلِكَ.
وكذلك قَطْعُ الطَّرِيقِ بِمُجَرَّدِه:
هل يُبِيحُ القَتْلَ أم لاَ؟
لأَِنَّه مَظِنَّةٌ لسَفْكِ الدِّمَاءِ المُحَرَّمَةِ، وقَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}[المائدة: 32]، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يُبَاحُ قَتْلُ النَّفْسِ بشَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: بالنَّفْسِ.
والثَّانِي: بالفَسَادِ فِي الأَرْضِ.
ويَدْخُلُ فِي الفَسَادِ فِي الأَرْضِ:
الحِرَابُ والرِّدَّةُ، والزِّنَا؛
فإِنَّ ذَلِكَ كُلَّه فَسَادٌ فِي الأَرْضِ، وكَذَلِكَ تَكَرُّرُ شُرْبِ
الخَمْرِ والإِصْرَارُ عَلَيْهِ هو مَظِنَّةُ سَفْكِ الدِّمَاءِ
المُحَرَّمَةِ.
وَقَدْ اجْتَمَعَ الصَّحَابَةُ في عَهْدِ عُمَرَ
عَلَى حَدِّه ثَمَانِينَ، وجَعَلُوا السُّكْرَ مَظِنَّةَ الافْتِرَاءِ
والقَذْفِ المُوجِبِ لجَلْدِ الثَّمَانِينَ، ولَمَّا قَدِمَ وفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونَهَاهُم عَنِ الأَشْرِبَةِ والانْتِبَاذِ فِي الظُّرُوفِ قَالَ: ((إِنَّ أَحَدَكُم لَيَقُومُ إِلَى ابْنِ عَمِّهِ -يَعْنِي: إِذَا شَرِبَ- فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ))
وَكَانَ فِيهِم رَجُلٌ قَدْ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ مِنْ ذلك، فكَانَ
يُخَبِّؤُهَا حَيَاءً مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فهَذَا كُلُّه يَرْجِعُ إِلَى إِبَاحَةِ الدَّمِ بالقَتْلِ إِقَامَةً
لمَظَانِّ القَتْلِ مَقَامَ حَقِيقَتِهِ، لَكِنْ هل نُسِخَ ذَلِكَ أَمْ
حُكْمُه بَاق؟
هَذَا هو مَحَلُّ النِّزَاعِ.
((وأَمَّا تَرْكُ الدِّينِ، ومُفَارَقَةُ الجَمَاعَةِ)) فمَعْنَاهُ الارْتِدَادُ عن دِينِ المُسْلِمِينَ ولو أَتَى بالشَّهَادَتَيْنِ.
-
فَلَوْ سَبَّ اللهَ ورَسُولَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو مُقِرٌّ
بالشَّهَادَتَيْنِ، أُبِيحَ دَمُه؛ لأَِنَّه قَدْ تَرَكَ بذَلِكَ دِينَهُ.
- أو جَحَدَ مَا يُعْلَمُ مِن الدِّينِ بالضَّرُورَةِ كالصَّلاَةِ.
ومَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُخْرِجُ مِنَ الدِّينِ.
وهل يَقُومُ مَقَامَ ذَلِكَ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ الخَمْسِ؟
هَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّه هل يَخْرُجُ مِن الدِّينِ بالكُلِّيَّةِ بذلك أم لاَ؟
فمَن
رَآهُ خُرُوجًا عنِ الدِّينِ، كانَ عندَه كتَرْكِ الشَّهَادَتَيْنِ
وإِنْكَارِهِمَا، ومَن لَمْ يَرَهُ خُرُوجًا عَن الدِّينِ، فاخْتَلَفُوا هل
يَلْحَقُ بتَارِكِ الدِّينِ في القَتْلِ؛ لكَوْنِهِ تَرَكَ أَحَدَ
مَبَانِي الإِسْلاَمِ أَمْ لاَ؟
لكَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الدِّينِ.
فإِنَّهُم
نَظَرُوا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ شَبِيهٌ بالخُرُوجِ عَنِ الدِّينِ، وهو
ذَرِيعَةٌ ووَسِيلَةٌ إِلَيْهِ، فَإِنِ اسْتَخْفَى بذلك ولَمْ يَدْعُ
غَيْرَه، كَانَ حُكْمُه حُكْمَ المُنَافِقِينَ إِذَا اسْتَخْفَوْا، وإِذَا
دَعَا إِلَى ذَلِكَ، تَغَلَّظَ جُرْمُه بإِفْسَادِ دِينِ الأُمَّةِ.
وقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأمْرُ بقِتَالِ الخَوَارِجِ وقَتْلِهِم.
وَقَدْ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي حُكْمِهِم.
- فمَنْهم مَن قَالَ: هُم كُفَّارٌ، فيَكُونُ قَتْلُهُم لكُفْرِهِم.
- ومنهم مَن قَالَ: إِنَّما يُقْتَلُونَ لفَسَادِهِم في الأَرْضِ بسَفْكِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ وتَكْفِيرِهِم لَهُم، وهو قَوْلُ مَالكٍ وطَائِفَةٍ مِن أَصْحَابِنَا، وأَجَازُوا الابْتِدَاءَ بقِتَالِهِم، والإِجْهَازَ عَلَى جَرِيحِهِم.
- ومنهم مَن قَالَ: إِنْ دَعَوْا إِلَى ما هُمْ عَلَيْهِ قُوتِلُوا،وإِنْ أَظْهَرُوهُ وَلَمْ يَدْعُوا إِلَيْهِ لَمْ يُقَاتَلُوا، وهو نَصُّ أَحْمَدَ وإِسْحَاقَ، وهو يَرْجِعُ إِلَى قِتَالِ مَن دَعَا إِلَى بِدْعَةٍ مُغَلَّظَةٍ.
- ومنهم مَن لَمْ يَرَ البَدَاءةَ بقِتَالِهِم حَتَّى يَبْدَؤُوا بقِتَالٍ يُبِيحُ قِتَالَهُم مِنْ سَفْكِ دِمَاءٍ ونَحْوِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وهو قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وكَثِيرٍ مِن أَصْحَابِنَا.
وَقَدْ
رُوِيَ مِن وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمَرَ بقَتْلِ رَجُلٍ كَانَ يُصَلِّي، وقَالَ: ((لَوْ قُتِلَ، لَكَانَ أَوَّلَ فِتْنَةٍ وآخِرَهَا)).
وفي رِوَايَةٍ: ((لَوْ قُتِلَ، لَمْ يَخْتَلِفْ رَجُلاَنِ مِنْ أُمَّتِي حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ)) خَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ وغَيْرُه.
فيُسْتَدَلُّ
بِهَذَا عَلَى قَتْلِ المُبْتَدِعِ إِذَا كَانَ قَتْلُه يَكُفُّ شَرَّهُ
عَنِ المُسْلِمِينَ، ويَحْسِمُ مَادَّةَ الفِتَنِ.
وقَدْ حَكَى ابنُ عَبْدِ البَرِّ وغَيْرُه عَن مَذْهبِ مَالكٍ جَوَازَ قَتْلِ الدَّاعِي إِلَى البِدْعَةِ.
فرَجَعَتْ نُصُوصُ القَتْلِ كُلُّها إِلَى مَا فِي حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ بِهَذَا التَّقْدِيرِ وللَّهِ الحَمْدُ.
وكَثِيرٌ مِن العُلَماءِ يَقُولُ في كَثِيرٍ مِن هَذِهِ النُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا ههنا: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ،وَفِي هَذَا نَظَرٌ مِن وَجْهَيْنِ:
وقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُهم عَلَى أَنَّ القِبْطِيَّ
لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ بَعْدُ، وأَنَّ المُعَاهَدَ إِذَا فَعَلَ مَا
يُؤْذِي المُسْلِمِينَ، انْتَقَضَ عَهْدُه، فَكَيْفَ إِذَا آذَى النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وقَالَ بَعْضُهُم: (بَلْ كَانَ مُسْلِمًا)
ولَكِنَّهُ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَلْمْ يَنْتِهِ، حَتَّى تَكَلَّمَ
النَّاسُ بسَبَبِهِ فِي فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وأَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
فِرَاشِهِ مُبِيحٌ للدَّمِ، لَكِنْ لَمَّا ظَهَرَتْ بَرَاءَتُه بالعِيَانِ،
تَبَيَّنَ للنَّاسِ بَرَاءةُ مَارِيَةَ، فَزَالَ السَّبَبُ المُبِيحُ للقَتْلِ.
وقَدْ رُوِيَ عَنِ الإِمَامِ أَحْمَدَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ أَنْ
يَقْتُلَ بغَيْرِ هَذِهِ الأَسْبَابِ الثَّلاَثَةِ التي في حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ،
وغَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّه صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ أَنْ يُعَزِّرَ بالقَتْلِ إِذَا رَأَى
ذَلِكَ مَصْلَحَةً؛ لأَِنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ
مِن التَّعَدِّي والحَيْفِ، وأَمَّا غَيْرُه، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛
لأَِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ التَّعَدِّي بالْهَوَى.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: (سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عن حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ مَا كَانَتْ لأَِحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟)
شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (
القارئ:
(وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) رواه البخاري ومسلم).
الشيخ:
هذا الحديث حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- فيه ذكر ما به يحلُّ دم المرء المسلم، فإنه تقدم لنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أُمِرْتُ
أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أنَّ لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله،
ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن فعلوا ذلك؛ فقد عصموا مني دماءهم،
وأموالهم؛ إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله عز وجل))
فهذا
الحديث فيه أنّ دم المسلم معصوم، وأنه إذا شهد أن لا إله إلا الله، وأقام
الصلاة، وآتى الزكاة، يعني أدى حقوق التوحيد، فإنه معصوم الدم، وحرام
المال.
هذا
الحديث حديث ابن مسعود فيه الأحوال التي يُباح بها دم المسلم الموحد الذي
شهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله، وأتى بحقوق ذلك.
فقال عليه الصلاة والسلام: ((لا يحلُّ دم امرئ مسلم))
وقوله: ((لا يحلُّ)) يعني يحرم، وهو كبيرة من الكبائر، أنْ يُباح دم مسلم بغير حق، ولهذا ثبت عنه -عليه الصلاة ة والسلام- أنهُ قال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضربُ بعضكم أعناق بعض)) فجعل ضرب المسلم أخاه المسلم، وقتله بغير حق من خصال أهل الكفر، وثبت عنه أيضاً -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل، والمقتول في النار.)) قالوا يا رسول هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: ((إلا بإحدى ثلاث)) هذه الثلاث أصول قال فيها: ((الثيب الزاني)) والزاني له حالان: إذا كان كذلك فإنه لا يكون ثيباً بزنى. ولا يكون ثيباً بعقدٍ فاسد باطل. ولا
يكون ثيباً بعقد متعة، متعة زواج وأشباه ذلك.لا يكون محصناً ثيباً في
الشريعة؛ إلا إذا نكح نكاحاً صحيحاً مستوفياً للشروط، فالثيب إذا زنى فإنه
يحل دمُه، وقد كان فيما أُنزل ونُسخَ لفظه وبقي حكمه قوله -جل وعلا-:
(والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم)
وفيما بقي لفظاً وحكماً قول الله -جل وعلا-{الزانيةُ والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلْدة}فدلت الآية على عموم أن الزاني يجلد مائة، ودلت الآية التي نُسِخَ لفظها وبقى حكمها أنه يُرجَم. فقال
بعضهم: (الجمع بين الجلد، والرجم راجعٌ إلى الإمام فيما يراه من جهة كثرة
النكال والمبالغة فيه) المقصود من هذا أنّ الثيب إذا زنى، وتحققت شروط
الزنى كاملة بما هو معروف بشهادة أربعة، أو باعترافه على نفسه اعترافاً
محققاً أنه يُرجَم حتى يموت. وذهب أبو حنيفة الإمام المعروف -رحمه الله- وأصحابه إلى أن المسلم يُقتل بالكافر لعموم الآية: {وكتبا عليهم فيها أن النفس بالنفس} ولعموم الحديث، وعلى أنّ الحُرَّ يُقتل بالعبد. والثاني:أن المفارقة للجماعة يعني بالخروج على الإمام، أو البغي، ويكون المفارقة للجماعة المقصود بها الاجتماع بالأبدان. فإذاً قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يحلُّ دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث))
إحلاله لولى الأمر، أو لنوابه ممن جعل الله -جل وعلا- إليهم إنفاذ الحدود،
وقتل من يستحق القتل، أما لو جُعل هذا لكل أحد؛ لصار في ذلك استباحة عظيمة
للدماء، إذ المختلفون كثيراً ما يُكفِّر أحدهما الآخر، إذالم يكونوا من
أهل السنة والاعتدال، فإذا قيل بظاهره -ولا قائل به- فإنه يعني أنَّ من حكم
على الآخر بأنه كافر فإنه ينفذُ ذلك. والثاني:
أنه في بلد لا يوجد فيها من ينفذ أحكام الله -جل وعلا- فلا يجوز إنفاذ
أحكام القتل؛ لأن هذه معلَّقةٌ بولي الأمر المسلم، والنبي -صلى الله عليه
وسلم- في مكة، والصحابة في بعض البلاد التي لا يقام فيها لم يقيموا فيها
ذلك، وكذلك العلماء في بعض البلاد كما كان في الدولة العبيديَّة، وأشباه
ذلك، فإنّ العلماءلم يقيموا الحدود بالقتل، وأشباه ذلك..
قال: ((إنهُ كان حريصاً على قتل صاحبه)) وهذا يدل على أن من سعى في قتل المسلم، وأتى بالأسباب التي بها يَقتل المسلم؛ فإنه في النار.
وقوله: ((دمُ امرىءٍ مسلم))
المقصود بالمسلم هو:الذي حقق الإسلام، يعني أصبح مسلماً على الحقيقة، لا
على الدعوى، يعني من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأتى
بالتوحيد.
أمّا
المشرك الشرك الأكبر، والمبتدع البدعة المكفِّرة، المخرجه من الدين، وأشباه
ذلك؛ فلا يدخل في وصف الإسلام، في هذا الحديث، ولا في غيره؛ لأن المسلم هو
من حقَّقَ الإسلام بتحقيق التوحيد، يعني بإتيانه بالشهادتين، ومقتضى ذلك،
وكونه لم يرتكب مكفراً، ولا شركاً أكبراً.
قال: ((إلا بإحدى ثلاث))
وهذا استثناء، أو يُسمى حصراً؛ لأنه استثناءٌ بعد النفي، والاستثناءُ بعد
النفي يدل على الحصر، وقوله -عليه الصلاة والسلام- في أولها: ((لا يحلُّ))أتى
على النفي، ومجيء النفي يدل على النهي، بل مجيء النفي أبلغ من مجرد النهي،
يعني كأنه صار حقيقةً ماضية أنه لا يحل بحيث إنَّ النهي عنه قد تقرَّر
وإنما يُنفى وجوده في الشريعة أصلاً، وله نظائر كقوله:{لا يمسه إلا المطهرون} وأشباه ذلك مما يُعدَلُ فيه من النهي إلى النفي للمبالغة في النهي، وهذه قاعدة معروفة في اللغة وفي أصول الفقه.
وكذلك: السنة دلت على الرجم، ودلت أيضاً على الجمع بين الجلد، والرّجم، ولهذا اختلف العلماء في الزاني الثيب.
يعني هل يُجلد أولاً ثم يرجم؟
أم يُكتفى فيه بالرجم؟
وقد
قال بعض أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، كعلي -رضي الله عنه-: (إنه يجلد
ثم يُرجم) كما ثبت في (صحيح البخاري) -رحمه الله- أنّ علياً -رضي الله عنه-
(جَلَد زانياً ثيباً ثم رجمه، فقال: جلدته بكتاب الله، ورجمته بسنة رسول
الله -صلى الله عليه وسلم)- يُريد -رضي الله عنه- أنه جلدهُ بعموم قوله -جل
وعلا-:{فاجلدوا كلَّ واحدٍ منهما مائة جلدة} لأن الآية ليس فيها تفصيل هل هو محصن أو غير محصن ؟
هل هو ثيب أم بكر؟
والسنة فيها الرجم، فدل هذا عنده -رضي الله عنه- على الجمع بين الجلد والرجم، وهو روايةٌ عن الإمام أحمد.
وكثيرٌ
من أهل العلم على الاكتفاء بالرجم؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- اكتفى
بالرجم في حوادث متعددة، حيث رجم ماعزاً والغامدية، واليهودي واليهودية،
دون جَلْد كما هو معروف.
قال هنا: ((الثيب الزاني))يعني يحل دم الثيب إذا زنى.
قال: ((والنفس بالنفس)) كما قال -جل وعلا- في القرآن: {وكتبنا عليهم فيها أنَّ النفس بالنفس}.
- وقال -جل وعلا-: {كُتب عليكم القصاص في القتلى الحُر بالحُر والعبدُ بالعبد والأنثى بالأنثى} الآية،
فدلّ ذلك على أنَّ النفس تُقْتَل بالنفس، فإذا اعتدى أحدٌ على نفسٍ معصومة
فإنه يُقتل إذا كان اعتداؤه بالقتل عمداً ثم نظر أهل العلم في قوله: ((النفس بالنفس)) هل هذا عام لا تخصيص فيه أو هو عام مخصوص؟ أو هو مقيد؟
فقوله -عليه الصلاة والسلام- هنا: ((النفس بالنفس))
يعني فيما دلت عليه الآية، آية البقرة، ودلت عليه مواضعها من السنة أنّ
النفس: المكافئة للنفس، أما قتل كل نفس بكل نفس فهذا خلاف السنة.
قال: ((والتارك لدينه المفارق للجماعة))التارك لدينه فسِّرت بتفسيرين:
الأول: تارك لدينه يعني المرتد الذي ترك دينه كلَّهُ فارتدَّ عن الدين فيباح دمهُ.
والتفسير الثاني:
أن التارك هو من ترك بعض الدين ممّا فيه مفارقة للجماعة، يعني ترك بعض
أمرِ الدين مما فيه المفارقة للجماعة، قالوا:(ولهذا عَطف المفارق للجماعة
على التارك لدينه فقال: ((والتارك لدينه المفارقُ للجماعة))
فجعل مفارقة الجماعة عطفاً لبيانِ ترك الدين، فدلَّ هذا على أنْ إباحة
الدم في ترك الدين يكون بترك الجماعة، وترك الجماعة يُراد بها، تركُ
الجماعة التي اجتمعت على الدين الحق؛ بمفارقته للدين، وتركه للدين بما
يكفرهُ) يعني مفارق للجماعه في الدين.
وهنا
تكلم العلماء في كثير من المسائل، التي تدخل تحت ترك الدين، فجعلوا (باب
حكم المرتد) فيه مسائل كثيرة بها يخرج المرء من الدين، ويكون مرتداً بذلك،
وكل مسألة حكم العلماء فيها على أنها من أسباب الردَّة، أو بها يرتد
المسلم؛ فإنه بعد اكتمال الشروط، وانتفاء الموانع يحل دم المرتد.
وكذلك المفارق للجماعة بالأبدان، يحلُّ دمه لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشقَّ عصاكم؛ فاقتلوه كائناً من كان)) فدل هذا على أن ترك الجماعة، ومفارقة الجماعة:
- يحصل بالردة عن الدين.
- وبمفارقة الاجتماع على الإمام.
وهذا ظاهر بين في تعليق ترك الدين بمفارقة الجماعة، ولهذا جعل أهل العلم في ترك الدين هذا كل المسائل التي يُقتل بها.
إذا
تقرر هذا، فإن إحلال الدم هذا متوجِّهٌ إلى إمام المسلمين، فإنه لا يجوز
لأحد أن يستبيح دم أحد؛ قد أتى بشيء من هذه الثلاث، فإذا قال: (أنا رأيت
هذا يزني) رأيته بعيني فاستبحتُ دمه لذلك، فإنه يُقتل ولا يجوز له، لأنَّ
الله -جل وعلا- جعل ثبوت الزنى منوطاً بشهادةِ أربعة، ولو شهد ثلاثه من
أعظم المسلمين صلاحاً على حصول الزنى، وأنّهم رأَوْا ذلك بأعينهم لدرىء
الحدّ، ولأُقيم على هؤلاء الصلحاء حد القذف؛ لأنهم قذفوه ولم يكمل أربعة من
الشهداء، كما هو بين لكم في أوائل سورة النور.
ثم
هاهنا مسألة متعلقه بذلك: إذا كان في بلد لا يوجد إمامٌ، أو ولي أمرٍ
يُنفِّذُ الأحكام؛ فهل للمسلم إذا ثبت عنده شيء من ذلك أن ينفذ الأحكام؟
والجواب: لا، كما هو قول عامة أهل العلم، إذ يُشترط لإنفاذ الأحكام التي
فيها استباحة للدم، أو المال، أو الأعراض، وما أشبه ذلك، هذا إنما يكون
للإمام، فإذالم يوجدلم يجُزْ لأحد أن ينفذ هذا؛ إلا في حالة واحدة، وهو أن
يأتي أحد إلى من يرى فيه العلم والصلاح ويقول: (أنا ارتكبت حدًّا فيما دون
القتل) يعني ارتكبت زنا، وكان غير محصن.
أمّا استباحة الدم، أو تطبيق الحدود في غير حال من يرضى بتطبيقها عليه فإنه لا يجوز بقول عامة أهل العلم، فتلخص من هذا:
أن إقامة هذه الأشياء راجعة إلى الإمام؛ ولي الأمر المسلم أو من ينيبه.
وآخرون يشترطون في الجميع إذن الإمام،أو وجود ولي الأمر المسلم.
الكشاف التحليلي
حديث ابن مسعود - مرفوعاً -: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث....) الحديث
تخريج حديث ابن مسعود رضي الله عنه
موضوع حديث ابن مسعود
منزلة حديث ابن مسعود رضي الله عنه
المعنى الإجمالي لحديث ابن مسعود رضي الله عنه
أحاديث في معنى حديث ابن مسعود
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث...)
الاتفاق على مشروعية القتل بكل واحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الخِصَالِ الثَّلاَثِ
معنى قوله: (لا يحل)
النفي أبلغ من النهي
حرمة دم المسلم
إحلال الدم بهذه الخصال متوجه إلى إمام المسلمين
حكم إقامة الحدود في بلد ليس فيها إمام
الاستثناء بعد النفي يقتضي الحصر
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (الثَّيِّبُ الزَّانِي)
معنى كلمة (الثيب)
الأدلة على قتل الزاني المحصن
شروط إقامة حد الزنا على الزاني المحصن:
الشرط الأول: أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ الوَطْءُ في القُبُلِ
الشرط الثاني: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ
الشرط الثالث: ثُبُوتُ الزِّنَا بأَرْبَعَةِ شُهَداء أو إقرار معتبر أو حبل
هل يجمع الجلد والرجم على الزاني الثيب؟
القول الأول: يجمع الجلد والرجم على الزاني الثيب
القول الثاني: يكتفى بالرجم
شرح قوله صلى الله عليه وسلم:(والنَّفْسُ بالنَّفْس)
المراد بقتل النفس بالنفس
الأدلة على قتل النفس بالنفس
شُروطُ القِصَاصِ أَرْبَعَةٌ:
1- عِصْمَةُ دم المَقْتُولِ
2- أَنْ يَكُونَ القَاتِلُ بَالِغاً عَاقِلاً
3- المُكَافَأَةُ
4- عَدَمُ الولاء
الصور المستثناة من عُمُومِ قَوْلِهِ: (والنَّفْسَ بالنَّفسِ)
1- أَنْ يَقْتُلَ الوَالِدُ وَلَدَه
2- أَنْ يَقْتُلَ الحُرُّ عَبْدًا الأكثرون عَلَى أنَّه يغرم ثمنه ولاَ يُقْتَلُ بِهِ
3- أَنْ يَقتُلَ المُسْلِمُ كافِرًا
ذكر الخلاف في قتل المسلم بالكافر
يسقط القصاص إذا عفا أولياء القتيل
حديث (القاتل والمقتول في النار) لا يعارض أحاديث التجاوز
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (والتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ)
المراد بـ (التارك لدينه)
قد يفارق الرجل الإسلام وهو مقرٌّ بالشهادتين
أدلة قتل المرتد
الرد على من زعم أن قتل المرتد إنما كان لجمعه بين الردة والحرابة
الرد على من زعم أن نصوص القتل منسوخة
الجمع بين حديث ابن مسعود وحديث: (أمرت أن أقاتل الناس)
الخلاف في قبول توبة المرتد
هل يقتل المرتد إذا تاب؟
هل تقتل المرتدة؟
الأصل أن المرأة كالرجل في الحدود
هل يقضي المرتد ما فاته زمن الردة؟
حكم قتل الخوارج
الجمع بين حديث الباب والنصوص التي ورد التكفير فيها بغير هذه الخصال
التفريق بين سبب قتل الزاني والقاتل وبين قتل المرتد
من فوائد حديث ابن مسعود رضي الله عنه
أَنَّ التَّحْلِيلَ والتَّحْرِيمَ مِنَ اللَّهِ وَحْدَهُ
حُرْمَةُ دَمِ المُسْلِمِ
شَرَفُ الإِسْلامِ وشَرَفُ أَهْلِهِ بِهِ
تحْرِيمُ الزِّنا وشِدَّةُ عُقُوبَتِهِ
مَشْرُوعِيَّةُ القِصَاصِ
الحَثُّ عَلَى مُلازَمَةِ جَمَاعَةِ المُسْلِمِينَ
حفظ الشرع للدين والنفس والعرض
العناصر
حديث ابن مسعود - مرفوعاً -: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث....) الحديث
تخريج حديث ابن مسعود رضي الله عنه
موضوع حديث ابن مسعود
منزلة حديث ابن مسعود رضي الله عنه
المعنى الإجمالي لحديث ابن مسعود رضي الله عنه
أحاديث في معنى حديث ابن مسعود
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث...)
الاتفاق على مشروعية القتل بكل واحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الخِصَالِ الثَّلاَثِ
معنى قوله: (لا يحل)
النفي أبلغ من النهي
حرمة دم المسلم
إحلال الدم بهذه الخصال متوجه إلى إمام المسلمين
حكم إقامة الحدود في بلد ليس فيها إمام
الاستثناء بعد النفي يقتضي الحصر
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (الثَّيِّبُ الزَّانِي)
معنى كلمة (الثيب)
الأدلة على قتل الزاني المحصن
شروط إقامة حد الزنا على الزاني المحصن
هل يجمع الجلد والرجم على الزاني الثيب؟
شرح قوله صلى الله عليه وسلم:(والنَّفْسُ بالنَّفْس)
المراد بقتل النفس بالنفس
الأدلة على قتل النفس بالنفس
شُروطُ القِصَاصِ
الصور المستثناة من عُمُومِ قَوْلِهِ: (والنَّفْسَ بالنَّفسِ)
حديث (القاتل والمقتول في النار) لا يعارض أحاديث التجاوز
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (والتَّارِكُ لِدِينِهِ المُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ)
المراد بـ (التارك لدينه)
قد يفارق الرجل الإسلام وهو مقرٌّ بالشهادتين
أدلة قتل المرتد
الرد على من زعم أن قتل المرتد إنما كان لجمعه بين الردة والحرابة
الرد على من زعم أن نصوص القتل منسوخة
الجمع بين حديث ابن مسعود وحديث: (أمرت أن أقاتل الناس)
الخلاف في قبول توبة المرتد
هل يقتل المرتد إذا تاب؟
هل تقتل المرتدة؟
هل يقضي المرتد ما فاته زمن الردة؟
حكم قتل الخوارج
الجمع بين حديث الباب والنصوص التي ورد التكفير فيها بغير هذه الخصال
التفريق بين سبب قتل الزاني والقاتل وبين قتل المرتد
من فوائد حديث ابن مسعود رضي الله عنه