29 Oct 2008
ح12: حديث أبي هريرة: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ت
قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (
12- عن أبي هريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ)). حديثٌ حَسَنٌ رواه التِّرمذيُّ وغيرُه هكذا.
شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (
الحديث الثاني عشر
عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَيَعْنِيْهِ)(1) حديثٌ حسنٌ، رواه الترمذي وغيره هكذا. (1)
- أخرجه الترمذي – كتاب: الزهد، باب: ما جاء فيمن تكلم فيما لا يعينه،
(2318). وابن ماجه – كتاب: الفتن، باب: كف اللسان في الفتنة، (3976).
والإمام أحمد- مسند آل أبي طالب عن الحسين بن علي بلفظ "إن من حسن إسلام
المرء قلة الكلام فيما لا يعينه"، (1732)
الشرح
"مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ" خبر مقدم و: "تَرْكُ" مبتدأ مؤخّر.
وقوله: "مَا لاَيَعْنِيْهِ" أي ما لاتتعلق به عنايته ويهتم به، وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم : "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرَاً أَولِيَصْمُتْ"(2) فإنه يشابهه من بعض الوجوه.
من فوائد هذا الحديث:
1.
أن الإسلام جمع المحاسن، وقد ألّف شيخنا عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله -
رسالة في هذا الموضوع: (محاسن الدين الإسلامي) وكذلك ألّف الشيخ عبد
العزيز بن محمد بن سلمان - رحمه الله - رسالة في هذا الموضوع.
ومحاسن الإسلام كلّها تجتمع في كلمتين: قال الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ) [النحل: الآية90].
2. أن ترك الإنسان ما لايهتم به ولا تتعلق به أموره وحاجاته من حسن إسلامه.
3.
أن من اشتغل بما لا يعنيه فإن إسلامه ليس بذاك الحسن، وهذا يقع كثيراً
لبعض الناس فتجده يتكلم في أشياء لاتعنيه، أو يأتي لإنسان يسأله عن أشياء
لاتعنيه ويتدخل فيما لايعنيه، وكل هذا يدل على ضعف الإسلام.
4.
أنه ينبغي للإنسان أن يتطلب محاسن إسلامه فيترك ما لايعنيه ويستريح، لأنه
إذا اشتغل بأمور لاتهمّه ولاتعنيه فقد أتعب نفسه. وهنا قد يَرِدُ إشكالٌ:
وهو هل ترك العبد ما لايعنيه هو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
والجواب: لا، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يعني الإنسان، كما قال الله عزّ وجل: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران: الآية104]
فلو رأيت إنساناً على منكر وقلت له: يا أخي هذا منكر لايجوز. فليس له الحق
أن يقول: هذا لايعنيك، ولو قاله لم يقبل منه، لأن الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر يعني الأمة الإسلامية كلها.
ومن ذلك أيضاً: ما يتعلق
بالأهل والأبناء والبنات فإنه يعني راعي البيت أن يدلّهم على الخير ويأمرهم
به ويحذرهم من الشر وينهاهم عنه. قال الله عزّ وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم: الآية6] والله الموفق.
_____________________________________________________________
(2)
- أخرجه البخاري – كتاب: الرقائق، باب: حفظ اللسان، (6475)، ومسلم- كتاب
الإيمان، باب: الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير وكون
ذلك كله من الإيمان، (47)، (74).
شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي
قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (
(2) تَرْجَمَةُ الصَّحَابِيِّ:
في الَحديثِ التَّاسِع
الشَّرْحُ:
(عَنْ أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ-: قَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ))مَا لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَلاَ غَيْرُهُ مِنْ خَلْقِ اللهِ، في ضَرُورَةِ المَعَاشِ، وزَادِ المَعَادِ. ومِنْ شُؤْمِ الاشْتِغَالِ بِمَا لاَ يَعْنِي قَوْلاً وَفِعْلاً وَخَاطِرًا شَغْلُ مَا خُلِقَ لِلعبَادَةِ والشُّكْرِ بغيرِ ذلكَ،
وفي ذَلِكَ خَسَارةٌ ظَاهِرَةٌ وَتَضْيِيعُ العُمرِ - الذي هُوَ مِنْ
أَنْفَسِ النَّفائِسِ - في العَبَثِ، وَإِتْعَابُ الكِرَامِ الكَاتِبِينَ
بِكِتَابَتِهِ، والسبَبُ لِقَسْوَةِ القَلْبِ وظُلْمَتِهِ، والوقُوعُ في
المَكْرُوهِ والحَرامِ، وطُولُ المُحَاسَبَةِ يومَ العرضِ الأكبرِ عَلى
اللهِ، قالَ اللهُ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} [سورة المؤمنونَ: 115].
المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري
قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (
(2) (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ)) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وابنُ مَاجَهْ بإِسْنادٍ صَحِيحٍ)
مَوضُوعُ الحَدِيثِ:
الاشْتِغَالُ بِمَا يَنْفَعُ.
المُفْرَدَاتُ:
(مِنْ حُسْنِ): (مِنْ) حَرْفُ جَرٍّ يُرَادُ بِه البَيَانُ، أي: يُبَيِّنُ الحَسَنَ مِنَ القَبِيحِ. و(حُسْنِ) الحُسْنُ: ضِدُّ القُبْحِ، والمُرَادُ بهِ الجَمَالُ، أي: مِمَّا يُجَمِّلُ الإنْسَانَ ويَسْتُرُ عُيوبَهُ ويُظْهِرُ مَحَاسِنَهُ.
ومِنْهُ الحَسَنَةُ وَهِيَ: كُلُّ مَا يُرْضِي اللَّهَ ويُثيبُ عَلَيْهِ،
وسُمِّيَتْ حَسَنَةً لحُسْنِهَا في ذَاتِهَا، لِمَا فِيهَا مِنَ
المَصَالِحِ العَظِيمَةِ وحُسْنِ فِعْلِهَا؛ إِذْ فيها امْتِثَالُ أَمْرِ
اللَّهِ تَعَالَى ومُضَاعَفَةُ الأَجْرِ إِذْ هِيَ بعَشْرِ حَسَنَاتٍ،
وتُحَسِّنُ صَاحِبَها كَمَا يَقُولُ ابنُ عَبَّاسٍ: (إِنَّ
لِلْحَسَنَةِ نُوراً فِي القَلْبِ وضِيَاءً في الوَجْهِ وسَعَةً في
الرِّزْقِ ومَحَبَّةً في قُلُوبِ الخَلْقِ وقُوَّةً فِي البَدَنِ).
(إِسْلامِ المَرْءِ) أي: اسْتِسْلامِهِ وانْقِيادِهِ،
فالإِسْلامُ حَسَنٌ فِي ذَاتِهِ ويَزِيدُ حُسْنُهُ بهَذَا الأَدَبِ
الرَّفِيعِ الَّذِي يَحْفَظُ للإنْسانِ قَلْبَهُ فلا يَشْتَغِلُ بغَيْرِ
اللَّهِ تَعَالَى، ويَحْفَظُ لَهُ لِسَانَهُ فلا يَقُولُ إِلاَّ الخَيْرَ
أو يَصْمُتُ، ويَحْفَظُ بَصَرَهُ فَلا يَنْظُرُ إِلاَّ لِمَا فِيهِ
الأَجْرُ والثَّوَابُ، وكَذَلِكَ بَقِيَّةُ جَوَارِحِهِ لا تَعْمَلُ إِلاَّ
مَا فِيهِ سَعادَةُ دُنياهَا وأُخْراهَا.
(تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ) التَّرْكُ: عَدَمُ الفِعْلِ، والفِعْلُ يَشْمَلُ القَوْلَ والفِعْلَ، أي: عَدَمُ فِعْلِ مَا لا تَتَعَلَّقُ عِنَايَتُهُ بِهِ.
و (العِنَايَةُ) شِدَّةُ الاهْتِمَامِ بالشَّيْءِ، فَهُو لا يَهْتَمُّ بِمَا لا نَفْعَ فِيهِ، لا فِي الدُّنيا ولا في الآخرةِ، وهذا هو الزُّهْدُ المَطْلُوبُ، وهو: تَرْكُ مَا لا يَنْفَعُ في الآخِرَةِ.
فيَكُونُ المَعْنَى: إِنَّ
مِن جَمَالِ اسْتِسْلامِ العَبْدِ أَنْ يَتْرُكَ مَا لا يُهِمُّهُ ولا
يَعْنِيهِ بحُكْمِ الشَّرْعِ والإِسلامِ، لا بحُكْمِ الهَوَى وطَلَبِ
النَّفْسِ.
وهَذَا الحَدِيثُ أَصْلٌ مِن أُصُولِ الأَدَبِ.
وقدْ قِيلَ: جِمَاعُ آدَابِ الخَيْرِ وأَزِمَّتُهُ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ: أَوَّلاً: هَذَا الحَدِيثُ
ثَانِياً: حَدِيثُ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ)).
ثالثاً: حَدِيثُ: ((لا تَغْضَبْ)).
رَابِعاً: حَدِيثُ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لنَفْسِهِ)).
الفَوَائِدُ:
1- بَيانُ العَمَلِ الأَكْمَلِ.
2- التَّأَدُّبُ بآدَابِ الإِسْلامِ.
3- تَمْييزُ الحَسَنِ مِنَ القَبِيحِ.
4- الاهْتِدَاءُ بتَعَالِيمِ الإِسْلامِ.
5- الإِسْلامُ سَلامَةٌ للحَيَاةِ.
6- ظُهُورُ ثِمَارِ الإِسْلامِ بالتَّطْبِيقِ.
7- اشْتِغَالُ العَبْدِ بِمَا يَعْنِيهِ ويَنْفَعُهُ.
8- تَرْكُهُ لِمَا لا يُهِمُّهُ في آخِرَتِهِ.
9- اغْتِنَامُ الحَيَاةِ بالعَمَلِ الصَّالِحِ.
10- التَّحْذِيرُ مِنَ الاشْتِغَالِ بفُضُولِ المُبَاحَاتِ.
11- العِنَايَةُ بالأَفْعَالِ والأَقْوالِ.
12- أنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ ويَنْقُصُ.
شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح
قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (
(2) مَنْزِلَةُ الْحَدِيثِ:
- قالَ ابنُ رجبٍ رَحِمَهُ اللهُ: (هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عظيمٌ مِن أُصولِ الأَدَبِ).
- وَقَالَ محمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ إمامُ المالكيَّةِ فِي زمانِهِ: (جُمَّاعُ أَدَبِ الْخَيْرِ وأَزِمَّتُهُ تَتَفَرَّعُ مِن أربعةِ أحاديثَ:
قَوْلِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)).
وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ))
وقولـِهِ للَّذي اخْتَصَرَ لَه فِي الْوَصيَّةِ: ((لاَ تَغْضَبْ)).
وقولـِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لأَِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)). مِن عَلاَمَةِ كَمالِ إسلامِ العَبْدِ: إنَّ مِن عَلاَمَةِ كَمَالِ إسلامِ الْعَبْدِ واستقامتِهِ تَرْكَهُ مَا لَيْس لَه بِه غَرَضٌ مِن الأقوالِ والأفعالِ،واقتصارَهُ
عَلَى مَا يَعْنِيهِ مِنْهَا، ومعنَى يَعْنِيهِ، أَيْ: مَا تَتَعَلَّقُ
بِه عِنَايَتُهُ، وَيَكُونُ مِن مَقْصِدِهِ ومَطلوبِهِ، والعنايَةُ شدَّةُ
الاهتمامِ بالشَّيءِ، يُقالُ: عَنَاهُ يَعْنِيهِ: اهتمَّ بِهِ وطَلَبَهُ.
وأكثرُ مَا يُرادُ بتَرْكِ مَا لاَ يَعْنِي: حفظُ اللسانِ مِن لغوِ الْكَلاَمِ، قَالَ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} فكثيرٌ مِن النَّاسِ لاَ يَعُدُّ كَلامَهُ مِن عملِهِ، فيُجازِفُ فِيهِ وَلاَ يَتَحَرَّى، وَقَد خَفِيَ هذَا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي
اللهُ عَنْهُ، حتَّى سألَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ
بِه؟
فقالَ:((ثَكِلَتـْكَ
أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أو
قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ - إلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)).
- قالَ النَّوويُّ رحمَهُ اللهُ فِي كتابِهِ (رياضِ الصَّالحينَ):
(وَاعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لكلِّ مُكلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لسانَهُ عَن
جَمِيعِ الْكَلاَمِ إِلاَّ كَلامًا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، ومتَى استوَى
الْكَلاَمُ وتَرْكُهُ فِي الْمَصْلَحةِ فالسُّنَّةُ الإمساكُ عَنْه؛
لأنَّهُ قَد يَنْجَرُّ الْكَلاَمُ الْمُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ ومَكروهٍ،
وَذَلِك كثيرٌ فِي العَادَةِ، والسَّلامةُ لاَ يَعْدِلُهَا شَيْءٌ). وممَّا
هُو مُلاحَظٌ ومعروفٌ أنَّ الْمَقُولةَ الطَّيِّبةَ الْخَيِّرةَ الموزونةَ
أَو الصمتَ يُعْطِي هَيْبَةً ووَقَارًا لشخصيَّةِ المسلمِ، وكثرةَ
الْكَلاَمِ والثَّرْثَرةَ والتَّدخُّلَ فِيمَا لاَ يَعْنِي يَخْدِشُ
شَخصيَّةَ الْمُسْلِمِ، ويقلِّلُ مِن قدرِهِ وهَيبتِهِ فِي نفوسِ
الآخَرِينَ. الضَّابطُ لتَرْكِ مَا لاَ يَعْنِي: 2 - كما فِيهِ الحثُّ عَلَى الْبُعْدِ عَن سَفاسفِ الأُمُورِ، وَالاِشْتِغَالِ بِمَعَالِي الأُمُورِ.
فالحديثُ يَدُلُّ عَلَى
أنَّ تَرْكَ مَا لاَ يَعْنِي الْمَرْءَ مِن حُسْنِ إسلامِهِ، ومَنْ حَسُنَ
إسلامُهُ وُفِّقَ للخيرِ والرَّشادِ، وتُضَاعَفُ لَه حَسَنَاتُهُ،
وتُكَفَّرُ سَيِّئاتُهُ.
لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الضَّابطُ لِهَذِه القضيَّةِ الشَّرعَ، لاَ اتِّبَاعَ الهوَى، وحظوظِ النَّفسِ، لِذَلِك
جَعَلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن حُسْنِ الإِسْلاَمِ؛ لأنَّ
البَعْضَ قَد يُخْطِئُ فَهْمَ الْحَدِيثِ فيَتْرُكُ كثيرًا مِن الأُمُورِ
الواجبةِ أَو المستحبَّةِ ظانًّا أنَّ هَذَا ممَّا لاَ يَعْنِي، كَمَا
يَتْرُكُ البعضُ النُّصحَ للآخرينَ، وَهَذَا لاَ شَكَّ مُخالِفٌ لكثيرٍ مِن
النُّصوصِ الَّتي تَحُثُّ عَلَى النُّصحِ للمسلمينَ.
وقد يَتدخَّلُ البعضُ فِي كثيرٍ مِن الأُمُورِ ظانًّا أنَّ هَذَا ممَّا يَعنِيهِ.
فوائدُ الْحَدِيثِ:
3 - كما فِيهِ الحثُّ عَلَى مُجاهَدةِ النَّفسِ وتَهذيبِهَا، وَذَلِك بإبعادِهَا عمَّا يَشينُها مِن النَّقائصِ والرَّذائلِ.
4 - التَّدخُّلُ فِيمَا لاَ يَعْنِي يُؤَدِّي إِلَى الشِّقاقِ بَيْنَ النَّاسِ والْخِصَامِ.
جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي
قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (
(2) هذا الحديثُ خرَّجَهُ التِّرمِذِيُّ وابنُ ماجَهْ مِنْ روايَةِ الأَوْزَاعِيِّ، عنْ قُرَّةَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، عن الزُّهْرِيِّ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
وقالَ التِّرمذِيُّ: (غريبٌ).
وقدْ حسَّنَهُ الشَّيخُ المُصنِّفُ رحِمَهُ اللهُ؛ لأنَّ رجالَ إسنادِهِ ثِقَاتٌ، وقُرَّةُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ حَيْوِيلٍ وَثَّقَهُ قَوْمٌ وضَعَّفَهُ آخرونَ. - وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: (هذا الحديثُ مَحْفُوظٌ عن الزُّهْرِيِّ بهذا الإِسنادِ مِنْ روايَةِ الثِّقاتِ، وهذا مُوَافِقٌ لتحسينِ الشَّيخِ لهُ). - وأمَّا أكثرُ الأئمَّةِ فقالُوا: ليسَ هوَ بمحفوظٍ بهذا الإِسنادِ، وإنَّما هوَ محفوظٌ عن الزُّهْرِيِّ، عنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلاً.
كذلكَ روَاهُ الثِّقَاتُ عن الزُّهْرِيِّ؛ مِنهم: مالِكٌ في المُوَطَّأِ، ويُونُسُ، ومَعْمَرٌ، وإبراهيمُ بنُ سَعْدٍ، إلاَّ أنَّهُ قالَ: ((مِنْ إِيمَانِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ)).
ومِمَّنْ قالَ: (إنَّهُ لا يَصِحُّ إلاَّ عنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ مُرْسَلاً، الإِمامُ أحمدُ، ويَحْيَى بنُ مَعِينٍ، والبُخَارِيُّ، والدَّارَقُطْنِيُّ).
وقدْ خَلَطَ الضُّعفاءُ في إسنادِهِ على الزُّهْرِيِّ تَخْلِيطًا فاحِشًا، والصَّحيحُ فيهِ المُرْسَلُ.
- ورَوَاهُ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ العُمَرِيُّ، عن الزُّهْرِيِّ، عنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ عنْ أبيهِ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوَصَلَهُ وجَعَلَهُ منْ مُسْنَدِ الحُسينِ بنِ عَلِيٍّ، وَخَرَّجَهُ الإِمامُ أَحْمَدُ في (مُسْنَدِهِ) منْ هذا الوَجْهِ، والعُمَرِيُّ ليسَ بالحافِظِ.
وخرَّجَهُ أيضًا منْ وَجْهٍ آخرَ عن الحُسَيْنِ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وضَعَّفَهُ البُخارِيُّ في (تارِيخِهِ) مِنْ هذا الوجهِ أيضًا، وقالَ: لا يَصِحُّ إلاَّ عنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ مُرْسَلاً.
- وقدْ رُوِيَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ وكُلُّها ضَعِيفَةٌ.
وهذا الحديثُ أَصْلٌ عظيمٌ مِنْ أُصُولِ الأدبِ، وقدْ حَكَى الإِمامُ أبو عَمْرِو بنُ الصَّلاحِ، عنْ أبي مُحَمَّدِ بنِ أبي زَيْدٍ إمامِ المالِكِيَّةِ في زمانِهِ أنَّهُ قالَ: (جِمَاعُ آدَابِ الخيرِ وأَزِمَّتُهُ تَتَفَرَّعُ منْ أربعةِ أحاديثَ:
- قولِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)).
- وقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ)).
- وقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُؤْمِنُ يُحِبُّ لأَِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)).)
ومعنَى هذا الحديثِ:
أنَّ مِنْ حُسْنِ إسْلامِهِ تَرْكَ ما لا يَعْنِيهِ مِنْ قَوْلٍ وفِعْلٍ، واقْتَصَرَ على ما يَعْنيهِ مِن الأقوالِ والأفعالِ.
ومعنَى (يَعنِيهِ): أنَّهُ تَتَعَلَّقُ عِنَايَتُهُ بهِ، ويكُونُ منْ مَقْصِدِهِ ومطلوبِهِ.
وإنَّ الإِسلامَ الكامِلَ الممدوحَ يَدْخُلُ فيهِ تَرْكُ المُحَرَّمَاتِ، كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ))
وإذا حَسُنَ الإِسلامُ اقْتَضَى تَرْكَ ما لا يَعْنِي كُلِّهِ مِن
المُحَرَّمَاتِ والمُشْتَبِهاتِ والمَكْرُوهَاتِ، وفضولِ المُبَاحَاتِ التي
لا يُحَتاجُ إليها؛ فإنَّ هذا كُلَّهُ لا يَعْنِي المسلمَ إذا كَمُلَ
إسلامُهُ وبَلَغَ إلى درجةِ الإِحسانِ، وهوَ أنْ يَعْبُدَ اللهَ تعالى
كأنَّهُ يرَاهُ؛ فإنْ لمْ يَكُنْ يرَاهُ فإنَّ اللهَ يَرَاهُ، فمَنْ عبدَ
اللهَ على اسْتِحْضَارِ قُرْبِهِ ومُشَاهَدَتِهِ بقلبِهِ، أوْ على
اسْتِحْضَارِ قُرْبِ اللهِ منهُ واطَّلاعِهِ عليهِ، فقدْ حَسُنَ إسلامُهُ،
ولَزِمَ مِنْ ذلكَ أنْ يَتْرُكَ كُلَّ ما لا يَعْنِيهِ في الإِسلامِ،
ويَشْتَغِلَ بما يَعْنِيهِ فيهِ؛ فإنَّهُ يَتَوَلَّدُ منْ هذَيْنِ
المَقَامَيْنِ الاستحياءُ مِن اللهِ وتَرْكُ كُلِّ ما يُسْتَحْيَى منهُ،
كما وَصَّى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً أنْ يَسْتَحِيَ مِن
اللهِ كما يَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ صالِحِي عشيرَتِهِ لا يُفَارِقُهُ.
- وفي (المُسْنَدِ) والتِّرمِذِيِّ: عن ابنِ مسعودٍ مرفوعًا: ((الاِسْتِحْيَاءُ
مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى، وَتَحْفَظَ
الْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، فَمَنْ فَعَلَ
ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَى مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)).
- قالَ بعضُهم: (اسْتَحِ مِن اللهِ على قَدْرِ قُرْبِهِ مِنكَ، وخَفِ اللهَ على قَدْرِ قُدْرَتِهِ عليكَ).
- وقولِهِ تعالَى: {وَمَا
تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ
مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا
يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي
السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ
مُبِينٍ}[يُونُس: 61].
- وقالَ تعالَى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}[الزُّخْرُف: 80].
- وأكثرُمايُرادُ بتَرْكِ ما لايَعْنِي:حِفْظُ اللِّسانِ مِنْ لَغْوِ الكلامِ،كما أُشِيرَ إلىذلكَ في الآياتِ الأُولى التي هيَ في سورةِ (ق).
- وخرَّجَ الخَرَائِطِيُّ مِنْ حديثِ ابنِ مسعودٍ قالَ: أَتَى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إِنِّي مُطاعٌ فِي قَوْمِي، فَمَا آمُرُهُم؟
قَالَ لَهُ:((مُرْهُمْ بِإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَقِلَّةِ الْكَلاَمِ إِلاَّ فِيمَا يَعْنِيهِمْ)).
- وقالَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ رَحِمَهُ اللهُ: (مَنْ عَدَّ كلامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قلَّ كلامُهُ إلاَّ فيما يَعْنِيهِ) وهوَ كما قالَ؛ فإنَّ كثيرًا مِن النَّاسِ لا يَعُدُّ كلامَهُ مِنْ عملِهِ، فيُجَازِفُ فيهِ ولا يَتَحَرَّى، وقدْ خَفِيَ هذا على مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ حتَّى سأَلَ عنهُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: أَنُؤَاخَذُ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟
- وخرَّجَ التِّرمذيُّ وابنُ ماجَهْ مِنْ حديثِ أُمِّ حَبِيبَةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((كُلُّ كَلاَمِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ، إِلاَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ، وَذِكْرَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)).
وقدْ تَعَجَّبَ قومٌ مِنْ هذا الحديثِ عندَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فقالَ سفيانُ: (وما تَعَجُّبُكُمْ مِنْ هذا، أَلَيْسَ قدْ قالَ اللهُ تعالَى: {لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ}[النساء: 114]؟! أليسَ قالَ اللهُ تعالَى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلاَئِكَةُ صَفًّا لاَ يَتَكَلَّمُونَ إلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا}[النَّبَأ: 38]؟! ).- وخرَّجَ التِّرمِذِيُّ مِنْ حديثِ أنَسٍ
قالَ: تُوُفِّيَ رجُلٌ مِنْ أصحابِهِ -يعني: النَّبيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالَ رجلٌ، يعني: أَبْشِرْ بالجَنَّةِ، فقالَ رسولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَوَلاَ تَدْرِي، فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ بِمَا لاَ يَعْنِيهِ، أَوْ بَخِلَ بِمَا لاَ يُغْنِيهِ))
وقدْ رُوِيَ معنَى هذا الحديثِ منْ وُجُوهٍ مُتعدِّدَةٍ عن النَّبيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي بعضِها: أنَّهُ قُتِلَ شهيدًا.
- وخرَّجَ أبو القاسِمِ البَغَوِيُّ في (مُعْجَمِهِ) مِنْ حديثِ شِهَابِ بنِ مالِكٍ،
وكانَ وَفَدَ على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أنَّهُ
سَمِعَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَالَتْ لهُ امرأةٌ: يا
رسولَ اللهِ، أَلا تُسَلِّمُ عَلَيْنا؟
فَقالَ: ((إِنَّكِ مِنْ قَبِيلٍ يُقَلِّلْنَ الْكَثِيرَ، وَتَمْنَعُ مَا لاَ يُغْنِيهَا، وَتَسْأَلُ عَمَّا لاَ يَعْنِيهَا)).
- قالَ عمرُو بنُ قَيْسٍ المُلاَئِيُّ:(مَرَّ رَجُلٌ بلُقْمَانَ والنَّاسُ عندَهُ، فقالَ لهُ: أَلَسْتَ عَبْدَ بَنِي فُلانٍ؟
قالَ: بَلَى.قالَ: الَّذِي كُنْتَ تَرْعَى عندَ جَبَلِ كذا وكذا؟
قالَ: بلى.
قالَ: فما بَلَغَ بِكَ ما أَرَى؟
قالَ: صِدْقُ الحديثِ، وطُولُ السُّكوتِ عمَّا لا يَعْنِينِي).
_ وقالَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ:
(كانَ في بَنِي إسرائِيلَ رَجُلانِ بَلَغَتْ بِهِمَا عِبَادَتُهما أنْ
مَشَيَا على الماءِ، فبينَما هما يَمْشِيانِ في البحرِ إذا هما برَجُلٍ
يَمْشِي على الهواءِ، فقَالاَ لهُ: يا عبدَ اللهِ، بأيِّ شيءٍ أَدْرَكْتَ
هذهِ المنْزِلَةَ؟
فقالَ: ما مِنْ عَمَلٍ أوْثَقَ عندي مِنْ خَصْلَتَيْنِ: كُنْتُ لا أَتَكَلَّمُ فيما لا يَعْنِينِي، وكانَ قلبِي سليمًا للمسلمِينَ).
- وقالَ مُوَرِّقٌ العِجْلِيُّ: (أَمْرٌ أنا في طَلَبِهِ منذُ كذا وكذا سَنَةٍ لمْ أَقْدِرْ عليهِ، ولَسْتُ بتاركٍ طَلَبَهُ أبدًا، قالُوا: وما هوَ؟
قالَ: الكَفُّ عمَّا لا يَعْنِينِي) رَوَاهُ ابنُ أبِي الدُّنْيا.
- وروَى أسدُ بنُ موسَى، حدَّثَنَا أبو مَعْشَرٍ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) فَدَخَلَ عبدُ اللهِ بنُ سَلاَمٍ، فَقَامَ إِلَيْهِ ناسٌ فَأَخْبَرُوهُ، وقالُوا: أَخْبِرْنا بِأَوْثقِ عَمَلِكَ في نَفسِكَ؟
قالَ: (إنَّ عَمَلِي لضَعِيفٌ، أَوْثَقُ مَا أَرْجُو بهِ سلامةُ الصَّدْرِ، وتَرْكِي ما لا يَعْنِينِي).
- وروَى أبو عُبَيْدَةَ عن الحَسَنِ قالَ: (مِنْ عَلامَةِ إعراضِ اللهِ تعالى عن العبدِ أنْ يَجْعَلَ شُغُلَهَ فيما لا يَعْنِيهِ).
_ وقالَ سَهْلُ بنُ عبدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ: (مَنْ تَكَلَّمَ فيما لا يَعْنِيهِ حُرِمَ الصِّدْقَ).
ويشهدُ لذلكَ ما رُوِيَ عنْ عَطِيَّةَ، عن ابنِ عمرَ قالَ: نَزَلَتْ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِهَا}[الأنعام: 160] في الأعرابِ.
قيلَ لهُ: فمَا للمُهاجِرينَ؟
قالَ: مَا هُوَ أكثرُ.
ثمَّ تلا قولَهُ تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء: 40].
قَالَ: ((أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الإِسْلاَمِ فَلاَ يُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلاَمِ)).
قُلْتُ: أنْ يُغْفَرَ لِي.
قالَ: ((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟)).
وخَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ، ولفظُهُ:((إِنَّ الإِسْلاَمَ يَجُبُّ مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ)). وهذا محمولٌ على الإِسلامِ الكامِلِ الحَسَنِ؛ جمعًا بينَهُ وبينَ حديثِ ابنِ مسعودٍ الذي قبلَهُ.
- قالَ: وقالَ آخرونَ:(التَّبديلُ في الآخِرَةِ، جُعِلَتْ لهم مَكَانَ كُلِّ سيِّئةٍ حسنَةٌ) مِنهم عمرُو بنُ مَيْمُونٍ، ومَكْحُولٌ، وابنُ المُسَيِّبِ، وعَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ.
ثمَّ قالَ: (ولوْ
قالَ قائِلٌ: إنَّما ذَكَرَ اللهُ أنْ يُبَدِّلَ السَّيِّئَاتِ حسناتٍ،
ولمْ يَذْكُر العَدَدَ كيفَ تُبَدَّلُ، فيَجوزُ أنَّ معنى تُبَدَّلُ: أنَّ
مَنْ عَمِلَ سيِّئَةً واحِدَةً وتابَ منها تُبَدَّلُ مِائَةَ ألْفِ حسنةٍ،
ومَنْ عَمِلَ ألْفَ سيِّئَةٍ أنْ تُبَدَّلَ ألفَ حسنةٍ، فيكونُ حينَئذٍ
مَنْ قَلَّتْ سيِّئَاتُهُ أحْسَنَ حالاً).
قُلْتُ: هذا القولُ -وهوَ التَّبديلُ في الآخرةِ- قدْ أنْكَرَهُ أبو العَالِيَةِ، وتلا قولَهُ تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}[آل عِمْرانَ: 30] وَرَدَّهُ بعضُهم بقولِهِ تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزَّلْزَلَة: 8].
لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ.
فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً.
فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لاَ أَرَاهَا هَا هُنَا)).
قالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ).
فإذا بُدِّلَت
السَّيِّئاتُ بالحسناتِ في حَقِّ مَنْ عُوقِبَ على ذُنُوبِهِ بالنَّارِ،
فَفِي حقِّ مَنْ مَحَى سَيِّئَاتِهِ بالإِسلامِ والتَّوبَةِ النَّصُوحِ
أولَى؛ لأنَّ مَحْوَها بذلكَ أَحَبُّ إلى اللهِ مِنْ مَحْوِهَا بالعِقَابِ.
- وخَرَّجَ الحاكِمُ مِنْ طريقِ الفَضْلِ بنِ موسى، عنْ أبي العَنْبَسِ، عنْ أبِيهِ، عنْ أبي هُريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ أَنَّهُمْ أَكْثَرُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ))
قالَ: ((الَّذِينَ بَدَّلَ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ)).
ويُرْوَى مثلُ هذا عنذ الحَسَنِ البَصرِيِّ أيضًا يُخالِفُ قَوْلَهُ المشهورَ: إنَّ التَّبديلَ في الدُّنيا.
وأمَّا ما ذَكَرَهُ الحَرْبِيُّ في التَّبديلِ، وأنَّ مَنْ قلَّتْ سيِّئَاتُهُ يُزَادُ في حسنَاتِهِ، ومَنْ كَثُرَتْ سيِّئَاتُهُ يُقَلَّلُ مِنْ حسنَاتِهِ، فحديثُ أبي ذَرٍّ صريحٌ في رَدِّ هذا، وأنَّهُ يُعْطَى مكانَ كلِّ سيِّئَةٍ حسنَةً.
وأمَّا قولُهُ: (يَلْزَمُ مِنْ ذلكَ أنْ يكونَ مَنْ كَثُرَتْ سيِّئَاتُهُ أحسنَ حالاً مِمَّنْ قلَّتْ سيِّئَاتُهُ)
فيُقَالُ: إنَّما التَّبديلُ في حقِّ مَنْ نَدِمَ على سيِّئَاتِهِ،
وجعَلَها نُصْبَ عَيْنَيْهِ، فكُلَّمَا ذكَرَها ازْدَادَ خوفًا ووَجَلاً،
وحَيَاءً مِن اللهِ، ومُسَارَعَةً إلى الأعمالِ الصَّالِحَةِ
المُكَفِّرَةِ، كما قالَ تعالى: {إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا}[الفُرْقَان: 70].
وما ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ
داخِلٌ في العَمَلِ الصَّالِحِ. ومَنْ كانَتْ هذهِ حالَهُ، فَإِنَّهُ
يَتَجَرَّعُ مِنْ مرارةِ النَّدمِ والأسَفِ على ذُنُوبِهِ أضعافَ ما ذاقَ
مِنْ حَلاوَتِهَا عندَ فِعْلِهَا، ويَصِيرُ كُلُّ ذَنْبٍ مِنْ ذُنُوبِهِ
سَبَبًا لأعمالٍ صالِحَةٍ مَاحِيَةٍ لهُ، فلا يُسْتَنْكَرُ بعدَ هذا تبديلُ
هذهِ الذُّنوبِ حسناتٍ.
قال: ((فَافْعَلِ الْخَيْرَاتِ، وَاتْرُكِ السَّيِّئَاتِ، فَيَجْعَلُهَا اللهُ لَكَ خَيْرَاتٍ كُلَّهَا))
قالَ: ((نَعَمْ)).
شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (
القارئ:
(وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا.
الشيخ:
هذا
الحديث أيضاً من الأحاديث الأربعة التي قال فيها طائفة من أهل العِلم _منهم
ابن أبي زيد القيرواني المالكي المعروف: (إنه أحد أحاديث أربعة هي أُصولُ
الأدب في السنة) فهذا الحديث أصلٌ من الأصول في الآداب، كما ذكرنا أنَّ
النووي -رحمه الله- اختار هذه الأحاديث كليةً في أبواب مختلفة، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: (من حسنِ إسلام المرء) (من) هنا تبعيضية، يعني بعضُ ما به حسنُ إسلام المرء تركُ ما لا يعني، وهذا ظاهر من اللغة.
وقوله عليه الصلاة والسلام هنا: ((حُسْن إسلام المرء)) حُسْن الإسلام: جاء هذا اللفظ ومشتقاته في أحاديث متعددة: وإحسان الإسلام مما اختلف فيه أهل العلم: فمن كان كذلك فقد حَسُنَ إسلامه. والقول الثاني: أنّ إحسان الإسلام معناه أن يكون على رُتبةِ الإحسان في العبادة التي جاءت في حديث جبريل المعروف قال: ((فأخبرني عن الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) فالذي يُحسن إسلامَه هو الذي وصل إلى مرتبة الإحسان، إما على درجتها الأولى درجة المراقبة، أو على كمالها وهو درجة المشاهدة.
- منها: مثلاً قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أحسنَ أحدُكم إسلامَه كان له بكلِّ حسنةٍ يعملها عشرُ حسنات إلى سبعمائة ضعف وإذا عمل بالسيئة كانت السيئة بمثلها)) وله ألفاظ أُخر، فدل هذا وغيره على أنَّ إحسان الإسلام مرتبةٌ عظيمة، وفيها فضل عظيم.
فالمقتصد هو: الذي يأتي بالواجبات، ويترك المحرمات، ويجعل مع الواجبات بعض النوافل، فقالوا المحسن لإسلامه هم أهل هذه الصفة ,
- الذين يأتون بالواجبات.
- وبعض النوافل.
- ويدعون المحرمات جميعاً.
وهذا
القول الثاني ظاهرٌ في الكمال، ولكنه ليس ظاهراً في كل المراتب، لهذا قال
طائفة أيضاً من أهل العلم: (إن إحسان الإسلام، ليس مرتبةً واحدة، بل الناس
مختلفون فيه، فبقدر إحسان الإسلام، يكون له الفضل والثواب الذي أعطيه مَن
أحسن إسلامَه؛ فمثلاً: في قوله -عليه الصلاة والسلام- ((إذا أحسن أحدكم إسلامه كان له بكل حسنةٍ يعملها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف)).
فقال: ((إلى سبعمائة ضعف)) فمن أسباب مزيدها إلى سبعمائة ضعف: أن يكون إحسانه للإسلام عظيماً.
ولهذا قال ابن عباس وغيره من المفسرين: (إن الحسنة بعشر أمثالها لكل أحد، يعني لكل مسلم في قوله -جل وعلا-: في آخر الأنعام:{من جاء بالحسنة فله عَشْرُ أمثالها} قال هذا لكل أحد).فقال: ((من حسن إسلام المرء)) يعني
هذا الفعل؛ وهو ترك ما لا يعني من حسن إسلامه، وهذا ظاهر في المرتبتين
جميعاً، فإن الذي يأتي الطاعات، ويبتعد عن المحرمات؛ فإنه منشغلٌ بطاعة
ربّه عن أن يتكلّف ما لا يعنيه، وأما أهل الإحسان في مقام المراقبة، أو ما
هو أعظمُ منها، وهو مشاهدة آثار الأسماء والصفات في خليقة الله -جل وعلا-،
فهؤلاء منشغلون بإحسان العمل الظاهر، والباطن، عن أن يكون لهم همٌّ فيما لا
يعنيهم.
إذا تقرَّر هذا، فما معنى قوله: ((ما لا يعنيه))؟
ما هو الذي يعني والذي لا يعني؟
العناية في اللغة:
ومعلوم أن أمور الشرع المسلم له بها عناية، وأن فقه الكتاب والسنة لكل مسلم به عناية، يعني يشتدُّ اهتمامه بها.
فإذاً الاهتمام بما فيه فقهٌ للنصوص، هذا مما يدل على حُسْن إسلام المرء، قال: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) بالمفهوم أن من حسن إسلام المرء الاهتمام بما يعنيه، ما لا يعني المرء المسلم من الأقوال التي ليس لها نفعٌ له في دينه، ولا في دنياه، أو في آخرته، أو في أُولاه، فإنَّ تركها من حُسن إسلام المرء، وهذا عامٌ يشمل ما يتصل بفضول العلوم التي لا تنفعه، وبفضول المعاملات، وبفضول العلاقات، ونحو ذلك.فتركه ما لا يعنيه في دينه، هذا دليلُ حُسن إسلامه، يعني دليل رغبته في الخير؛ لأنّ التوسع، أو الإتيان ما لا يعني في:
- العلاقات.
أدخل
الشّراح أيضا- وهذا واضح وبيِّن، وقد جاء في بعض الأحاديث- أنَّ من حسن
إسلام المرء تَركُ ما لا يعنيه من الكلام سماعاً، أو نطقاً، وهذا ظاهر
بيِّن، لأن اللسان هو مورد الزّلل، والأُذنُ أيضاً هي مورد الزلل.
فاللسان نطقاً محاسب عليه العبد {ما يلفظُ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد} وهذه الآية عامة، فإن الملك يكتبُ كل شيء، حتى الأشياء التي لا تؤاخذ بها.
والدليل الثاني: أن
تقسيم ما يكتبه الملك إلى أنه يكتب ما فيه الثواب والعقاب، هذا يحتاج له
أن يثبت أن الملك الذي يكتب عنده التمييز في الأعمال، بين ما فيه الثواب،
وما لا ثواب فيه، والتمييز في النيات، وأعمال القلب، والأقوال التي تصدر عن
أعمال القلوب… إلخ. قال شيخ الإسلام -ابن تيمية- رحمه الله في كتاب
الإيمان: (وهذا لا دليل عليه) يعني: أن الملك يعلم ما يُثاب عليه، من
الأقوال وما لا يُثاب عليه وإنما الملك كاتب كما قال -جل وعلا-: {أم يحسبون أنَّا لا نسمع سِرَّهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون}{كراماً كاتبين}إلى آخره).
دَلّ هذا على أن ترك ما لا يعني في القول لفظاً، أو سماعاً، أن هذا مما تعظم به درجة العبد، {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس} فلهذا
يظهر من الحديث عند كثيرين أنَّ المراد به القول، أو السماع؛ فيدخل فيه
إذاً البحث عن أحوال لا تخصُّكَ، أو لا تعنيك في دينك، فالاهتمام بهذه
الأشياء بما لا يعني، هذا مخالف لما يدل عليه حُسْنُ الإسلام، فمن أدلة حسن
الإسلام ترك ما لا يعني من فضول الأقوال، وفضول ما يُسمع.
- ما لا يعنيه في دينه.
- ما لا يعنيه في أمر دنياه.
- ما لا يعنيه من الأقوال.
- ومما يَسمع أو مما يُسمع.
وأشباه ذلك، فإن في هذا الأثر الصالح له في صلاح قلبه، وصلاح عمله، والناس يُؤتوْن من كثرة ما يسمعون أو يتكلمون.
ولهذا
قال بعض السلف في أُناس يُكثرون الكلام والحديث مع بعضهم قال: (هؤلاء
خَفَّ عليهم العمل فأكثروا الكلام) وهذا مذموم أن نكثر الكلام بلا عمل،
نجلس مجالس طويلة في كلامٍ مكَرَّر مُدار لا نفع فيه، والواجبات لو تأملها
كثيرة، تجد أنه يتوسع في مباح، وربما كان معه بعض الحرام في الأقوال،
والأعمال، ويترك واجبات كثيرة، وهذا ليس من صفة طلاب العلم؛ فطالب العلم،
يتحرى أن يكون عمله دائماً فيما فيه نفعٌ له، فيما يعنيه مما أُمر به في
الشريعة، أو حُثّ عليه، وأن يترك ما لا يعنيه، من الأقوال، والأعمال
الظاهرة والباطنة.
هذا الحديث قال عنه النووي في آخره: (حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا) وتحسينه من جهة كثرة شواهده.
والراجح عند علماء العلل أنه مرسل,فقد
قال أحمد، ويحيى بن معين، وجماعة: (إن الصواب فيه أنه مرسل) ولكن له شواهد
كثيرة قريب من لفظه، ولهذا حسنه النووي رحمه الله؛ فقال: (حديث حسن رواه
الترمذي وغيره هكذا) فالصواب أنه حسنٌ لغيره لشواهده.
الكشاف التحليلي
حديث أبي هريرة رضي الله عنه_ مرفوعاً _:(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
تخريج حديث أبي هريرة رضي الله عنه
درجة حديث أبي هريرة رضي الله عنه
موضوع الحديث
الحث على ترك ما لا يعني
منزلة حديث أبي هريرة رضي الله عنه
هذا الحديث أصل في الآداب الشرعية
أحاديث في معنى حديث أبي هريرة رضي الله عنه
المعنى الإجمالي للحديث
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء)
بيان معنى حسن الإسلام
بيان أن إحسان الإسلام متفاضل
أقوال العلماء في معنى (إحسان الإسلام):
القول الأول: فعل الواجبات وترك المحرمات
القول الثاني: أن يكون على رتبة الإحسان الواردة في حديث جبريل عليه السلام
القول الثالث: إحسان الإسلام ليس على مرتبة واحدة بل يتفاضل فيه الناس
بيان الإسلام الكامل الممدوح
ذكر بعض الأحاديث الواردة في فضل من حسن إسلامه
إذا أسلم الكافر أثيب على حسناته التي فعلها حال كفره بشرط أن يحسن إسلامه
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (تركه ما لا يعنيه)
فضيلة ترك ما لا يعني
ضابط ترك ما لا يعني
ذم الاشتغال بما لا يعني
أهمية حفظ الوقت
حفظ اللسان من لغو الكلام من ترك ما لا يعني
ذكر بعض أحوال السلف في ترك ما لا يعني من الكلام
إذا استوَى الْكَلاَمُ وتَرْكُهُ فِي الْمَصْلَحةِ فالسُّنَّةُ الإمساكُ عَنْه
هل يكتب في الصحف جميع ما يلفظ أم ما يتعلق به ثواب وعقاب فقط؟
الأدلة على كتابة جميع ما يلفظه العبد
الأسباب المعينة على حفظ اللسان:
1- استشعار المراقبة
2- خشية الحساب في الآخرة
3- علو الهمة
4- شغل اللسان بذكر الله تعالى
5- الاحتراز من الفضول
ما يدل عليه مفهوم (تركه ما لا يعنيه)
أهمية الاشتغال بما يعني المرء وعدم الإهمال فيه
(ما يعني المرء) يشمل المصالح الدينية والدنيوية
من فوائد حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ الإِيمَانَ يتفاضل
التَّأَدُّبُ بآدَابِ الإِسْلامِ
ظُهُورُ ثِمَارِ الإِسْلامِ بالتَّطْبِيقِ
الحث على اشْتِغَالِ العَبْدِ بِمَا يَعْنِيهِ ويَنْفَعُهُ
الحث على اغْتِنَامِ الحَيَاةِ بالعَمَلِ الصَّالِحِ
التَّحْذِيرُ مِنَ الاشْتِغَالِ بفُضُولِ المُبَاحَاتِ
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء)
بيان معنى حسن الإسلام
بيان أن إحسان الإسلام متفاضل
أقوال العلماء في معنى (إحسان الإسلام)
ذكر بعض الأحاديث الواردة في فضل من حسن إسلامه
إذا أسلم الكافر أثيب على حسناته التي فعلها حال كفره بشرط أن يحسن إسلامه
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (تركه ما لا يعنيه)
فضيلة ترك ما لا يعني
ضابط ترك ما لا يعني
ذم الاشتغال بما لا يعني
أهمية حفظ الوقت
حفظ اللسان من لغو الكلام من ترك ما لا يعني
ذكر بعض أحوال السلف في ترك ما لا يعني من الكلام
إذا استوَى الْكَلاَمُ وتَرْكُهُ فِي الْمَصْلَحةِ فالسُّنَّةُ الإمساكُ عَنْه
هل يكتب في الصحف جميع ما يلفظ أم ما يتعلق به ثواب وعقاب فقط؟
الأسباب المعينة على حفظ اللسان:
ما يدل عليه مفهوم (تركه ما لا يعنيه)
أهمية الاشتغال بما يعني المرء وعدم الإهمال فيه
(ما يعني المرء) يشمل المصالح الدينية والدنيوية
من فوائد حديث أبي هريرة رضي الله عنه
العناصر
حديث أبي هريرة رضي الله عنه_ مرفوعاً _:(من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)
تخريج حديث أبي هريرة رضي الله عنه
درجة حديث أبي هريرة رضي الله عنه
موضوع الحديث
منزلة حديث أبي هريرة رضي الله عنه
المعنى الإجمالي للحديث