29 Oct 2008
ح11: حديث الحسن بن علي: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) ت ن
قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (
11- عن أبي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ، سِبْطِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورَيْحانَتِهِ -رَضِي اللهُ عَنْهُما- قالَ: حَفِظْتُ مِنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ)). رواهُ التِّرمذيُّ والنَّسائِيُّ، وقالَ التِّرمذيُّ: (حديثٌ حسَنٌ صحيحٌ).
شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (
الحديث الحادي عشر
عَنْ
أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيّ بنِ أبِي طالبٍ سِبْطِ رَسُولِ اللهِ
صلى الله عليه وسلم وَرَيْحَانَتِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
حَفِظْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ)(1) رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. (1) - أخرجه الترمذي- كتاب: صفة القيامة، باب،(2518). والنسائي – كتاب الأشربة، باب: الحث على ترك الشبهات، (5711)
الشرح
الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما سبط النبي صلى الله عليه وسلم ، والسبط: هو ابن البنت، وابن الابن يسمى: حفيداً، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيد فقال: (إِنَّ ابْنِي هذَا سَيِّدٌ، وَسَيُصْلِحُ اللهُ بهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ)(2)
وكان الأمر كذلك، فإنه بعد أن استشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبويع
بالخلافة للحسن تنازل عنها لمعاوية رضي الله عنه، فأصلح الله بهذا التنازل
بين أصحاب معاوية وأصحاب علي رضي الله عنهما، وحصل بذلك خير كثير.
وهو أفضل من أخيه الحسين
رضي الله عنهما، لكن تعلقت الرافضة بالحسين لأن قصة قتله رضي الله عنه تثير
الأحزان، فجعلوا ذلك وسيلة، ولو كانوا صادقين في احترام آل البيت لكانوا
يتعلقون بالحسن أكثر من الحسين،لأنه أفضل منه.
وأما قوله: وَرَيحَانَتهُ الريحانة هي تلك الزهرة الطيبة الرائحة، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين بأنهما ريحانتاه(3).
وقوله: "دَعْ" أي اترك "مَا يرِيْبُكَ" أي ما يلحقك به ريب وشك وقلق إِلَى "مَا لاَ يَرِيْبُكَ" أي إلى شيءٍ لايلحقك به ريبٌ ولا قلق.
وهذا الحديث من جوامع
الكلم وما أجوده وأنفعه للعبد إذا سار عليه، فالعبد يرد عليه شكوك في أشياء
كثيرة، فنقول: دع الشك إلى ما لاشكّ فيه حتى تستريح وتسلم، فكل شيء يلحقك
به شكّ وقلق وريب اتركه إلى أمر لا يلحقك به ريب، وهذا مالم يصل إلى حد
الوسواس، فإن وصل إلى حد الوسواس فلا تلتفت له.
وهذا يكون في العبادات، ويكون في المعاملات، ويكون في النكاح، ويكون في كل أبواب العلم.
ومثال ذلك في العبادات:
رجل انتقض وضوؤه، ثم صلى، وشكّ هل توضّأ بعد نقض الوضوء أم لم يتوضّأ ؟
فوقع في الشكّ ، فإن توضّأ فالصلاة صحيحة، وإن لم يتوضّأ فالصلاة باطلة،
وبقي في قلق.
فنقول: دع ما يريبك إلى ما لايريبك، فالريب هنا صحة الصلاة، وعدم الريب أن تتوضّأ وتصلي.
وعكس المثال السابق : رجل توضّأ ثم صلى وشك هل انتقض وضوؤه أم لا؟
فنقول: دع ما يريبك إلى ما
لايريبك، عندك شيء متيقّن وهو الوضوء، ثم شككت هل طرأ على هذا الوضوء حدث
أم لا؟ فالذي يُترك هو الشك: هل حصل حدث أو لا؟ وأرح نفسك، واترك الشك.
كذلك أيضاً في النّكاح:
كما لو شكّ الإنسان في شاهدي النكاح هل هما ذوا عدل أم لا؟ فنقول: إذا كان
الأمر قد تم وانتهى فقد انتهى على الصحة ودع القلق لأن الأصل في العقود
الصحة حتى يقوم دليل الفساد.
في الرّضاع: شَكُّ المرضعةِ هل أرضعت الطفل خمس مرات أو أربع مرات؟
نقول: الذي لاريب فيه الأربع، والخامسة فيها ريب، فنقول: دع الخامسة واقتصر على أربع ، وحينئذ لايثبت حكم الرضاع.
هذا الباب بابٌ واسعٌ لكنه في الحقيقة طريق مستقيم إذا مشى الإنسان عليه في حياته حصل على خير كثير: "دَعْ مَا يرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَيَرِيْبُكَ".
وقد تَقَدَّمَ أَنَّ هذا
مقيّد بما إذا لم يكن وسواساً، فإن كان وسواساً فلا يلتفت إليه، وعدم
الالتفات إلى الوسواس هو ترك لما يريبه إلى ما لايريبه، ولهذا قال العلماء -
رحمهم الله - الشك إذا كثر فلا عبرة به، لأنه يكون وسواساً، وعلامة كثرته:
أن الإنسان إذا توضّأ لا يكاد يتوضأ إلا شك، وإذا صلى لا يكاد يصلي إلا
شك، فهذا وسواس فلا يلتفت إليه، وحينئذ يكو ن قد ترك ما يريبه إلى ما
لايريبه.
مثال آخر:
رجل أصاب ثوبه نجاسة وغسلها، وشكّ هل النجاسة زالت أم لم تزل؟ يغسلها
ثانية، لأن زوالها الآن مشكوك فيه، وعدم زوالها هو الأصل، فنقول:دع هذا
الشك وارجع إلى الأصل واغسلها حتى تتيقّن أو يغلب على ظنك أنها زالت.
يقول: "رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيّ، وقَالَ التِّرْمِذِيّ:حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ"
والحديث كما قال الترمذي صحيح، لكنْ في الجمع بين كونه حسناً وكونه صحيحاً
إشكال، لأن المعروف أن الصحيح من الحديث غير الحسن، لأن العلماء قسموا
الحديث إلى: صحيح لذاته، وصحيح لغيره، وحسن لذاته، وحسن لغيره، وضعيف.
فكيف يُجمع بين وصفين متناقضين لموصوف واحد: حسن صحيح؟ ؟
أجاب العلماء عن ذلك بأنه:
إن كان هذا الحديث جاء من طريق واحد فمعناه أن الحافظ شكّ هل بلغ هذا
الطريق درجة الصّحيح أو لازال في درجة الحسن.
وإذا كان من طريقين فمعنى ذلك: أن أحد الطريقين صحيح والآخر حسن.
وهنا فائدة في: أيّهما أقوى أن يوصف الحديث بالصحة، أو بكونه صحيحاً حسناً؟
الجواب:
نقول: إذا كان من طريقين فحسن صحيح أقوى من صحيح، وإن كان من طريق واحد
فحسن صحيح أضعف من صحيح، لأن الحافظ الذي رواه تردد هل بلغ درجة الصحة أو
لا زال في درجة الحسن.
من فوائد هذا الحديث:
1. أن الدين الإسلامي لا يريد من أبنائه أن يكونوا في شكّ ولا قلق، لقوله: دَعْ مَا يرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَيَرِيْبُكْ.
2. أنك إذا أردت الطمأنينة والاستراحة فاترك المشكوك فيه واطرحه جانباً،لاسيّما بعد الفراغ من العبادةحتى لايلحقك القلق، ومثاله: رجل طاف بالبيت وانتهى وذهب إلى مقام إبراهيم ليصلي، فشك هل طاف سبعاً أو ستًّا فماذا يصنع؟
الجواب: لايصنع شيئاً، لأن الشك طرأ بعد الفراغ من العبادة، إلا إذا تيقن أنه طاف ستًّا فيكمل إذا لم يطل الفصل.
- مثال آخر: رجل انتهى من الصلاة وسلم، ثم شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، فماذا يصنع؟
الجواب: لايلتفت إلى هذا الشك، فالأصل صحة الصلاة مالم يتيقن أنه صلى ثلاثاً فيأتي بالرابعة إذا لم يطل الفصل ويسلم ويسجد للسهو ويسلم.
3. أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، لأن هاتين الجملتين: "دع مايريبك إلى مالايريبك" لو بنى عليهما الإنسان مجلداً ضخماً لم يستوعب ما يدلان عليه من المعاني، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________________________________________________________________
(2) - أخرجه البخاري – كتاب: الصلح، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنه، (2704)
(3) - أخرجه البخاري- كتاب: فضائل الصحابة: مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، (3753)
شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي
قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (
(1)تَرْجَمَةُ الصَّحَابِيِّ راوِي الحديثِ:
[أبُو مُحَمَّدٍ] كَنَّاهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذِهِ الكُنْيَةِ ، الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبي طَالبٍ -رَضِيَ
اللهُ عَنْهُمَا-، وَهُوَ سِبْطٌ: ابنُ بِنْتِ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَيْحَانَتُهُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وُلِدَ في
رمضَانَ سنَةَ ثلاثٍ منَ الهِجْرَةِ عَلى الصَّحيحِ في المدينَةِ، وَوَلِيَ
الخِلاَفةَ بعدَ أَبِيهِ، ثُمَّ تَرَكَهَا زَاهِدًا فيهَا وحِفْظًا
لِدِمَاءِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، مَاتَ مَسْمُومًا بالمدِينَةِ، لِخَمْسِ
ليالٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وأربَعِينَ.
وَقِيلَ: إِحْدَى وَخَمْسِينَ، وَدُفِنَ بالبَقيعِ.
الشَّرحُ:
(قالَ) الحسنُ بنُ عليِّ بنِ أَبي طَالبٍ: ((حَفِظْتُ مِنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) إِنَّمَا قالَ ذَلِكَ لِصِغَرِ سِنِّهِ، عِنْدَ وَفَاتِهِ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ))الذِي يُوقِعُكَ في الشَّكِّ في كَونِهِ جَائِزًا أَوْ لاَ، ذَاهِبًا ((إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ))
أَيْ: الذِي لاَ شَكَّ في جَوَازِهِ؛ إذْ في ارْتِكَابِ المَشْكُوكِ
احْتِمَالُ الوقوعِ في الحَرَامِ، وفِي تَرْكِهِ احْتِمَالُ تَرْكِ
الجَائِزِ، ولاَ بَأْسَ بِتَرْكِهِ ابْتِدَاءً، وهذَا إذَا كَانَ الشَّكُّ
نَاشِئًا مِنْ دليلٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا، وإلاَّ فَهُوَ مُجَرَّدُ
وَسْوَسَةٍ من الشَّيطَانِ، وهذَا الحديثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ في تَرْكِ المَشْكُوكِ، وَبَابٌ جَسِيمٌ مِنَ الوَرَعِ.
المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري
قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (
الرَّاوِي:
هُو أَبُو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالبٍ،
وُلِدَ فِي المَدِينَةِ ونَشَأَ في بَيْتِ النُّبُوَّةِ، سَيِّدُ شَبَابِ
أَهْلِ الجَنَّةِ، كَانَ عَاقِلاً حَلِيماً مُحِبًّا للخَيْرِ، بَايَعَهُ
أَهْلُ العِرَاقِ بَعْدَ اسْتِشْهَادِ أبيهِ، ثُمَّ تَنَازَلَ لمُعَاوِيَةَ
فِي العَامِ الوَاحِدِ والأَرْبَعِينَ مِن الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
فسُمِّيَ عَامَ الجَمَاعَةِ لاجْتِمَاعِ كَلِمَةِ المُسْلِمِينَ، تُوُفِّيَ
فِي العَامِ الوَاحِدِ والخَمْسِينَ مِنَ الهِجْرَةِ بالمَدِينَةِ
ودُفِنَِ بالبَقِيعِ. وَقَدْ رَوَى ثَلاثَةَ عَشَرَ حَدِيثاً.
مَوْضُوعُ الحَدِيثِ:
تَرْكُ المَشْكُوكِ فِيهِ.
المُفْرداتُ:
(سِبْطِ) السِّبْطُ هو وَلَدُ الوَلَدِ سَوَاءٌ كان ذَكَراً أو أُنْثَى،
ويَغْلِبُ عَلَى وَلَدِ البِنْتِ مُقَابِلِ الحَفِيدِ وَلَدِ الابْنِ،
مَأْخُوذٌ مِنَ السَّبَطِ وهو الشَّجَرَةُ لَهَا أَغْصَانٌ كَثِيرَةٌ
وأَصْلُها وَاحِدٌ، والسِّبْطُ عِنْدَ اليَهُودِ، أي: القَبِيلَةُ.
(ورَيْحَانَتِهِ) الرَّيْحَان هو كُلُّ نَبْتٍ طَيِّبِ الرَّائِحَةِ،
والمُرَادُ أَنَّهُ نَبْتٌ طَيِّبٌ مِنْ شَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ مِنْ قِبَلِ
أبيهِ؛ إِذْ هو أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصِّبْيانِ، وأُمُّه فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ
سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ، فهو طَيِّبٌ في مَنْبِتٍ طَيِّبٍ؛ أو
لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ يَشُمُّهُ
ويُقَبِّلُهُ ويَقُولُ: ((رَيْحَانَتِي)) لحُبِّهِ لَهُ كَمَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ لطِيبِهِ وطِيبِ رَائِحَتِهِ، وفي الحَدِيثِ: ((هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا)) أي: الحَسَنُ والحُسَيْنُ.
(حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) الحِفْظُ: هو المَنْعُ مِنَ الضَّيَاعِ واسْتِظْهَارُ الشَّيْءِ.
وهَذَا يَدُلُّ عَلَى: قُوَّةِ ذَاكِرَةِ الحَسَنِ؛ إِذْ حَفِظَ هَذَا وهو صَغِيرٌ دُونَ العَاشِرَةِ.
ويَدُلُّ عَلَى: حِرْصِ الصِّغَارِ عَلَى التَّعَلُّمِ.
ويَدُلُّ عَلَى: نَشْرِ العِلْمِ حَتَّى مِنَ الصِّغَارِ.
(دَعْ مَا يَرِيبُكَ) (دَعْ) بمَعْنَى: اتْرُكْ
وهو فِعْلُ أَمْرٍ وَلَيْسَ الأَمْرُ للوُجُوبِ، وإِنَّمَا هو للنَّدْبِ
للتَّحَلِّي بمَكَارِمِ الأَخْلاقِ. والَّذِي صَرَفَهُ عَنِ الوُجُوبِ
أنَّه أَرَادَ إِرْشَادَهُ إلى طُمَأْنِينَةِ القَلْبِ ومَنْعِ الرَّيْبِ
والشَّكِّ، فهو نُصْحٌ وتَوْجِيهٌ وإِرْشَادٌ.
وهَذَا مِنَ البَلاغَةِ أَنْ يَخْرُجَ الأَمْرُ عَنْ مَعْنَاهُ الحَقِيقِيِّ إِلَى مَعْنًى آخَرَ لا يُقْصَدُ بِهِ الوُجُوبُ، ومنه :
-الدُّعَاءُ ،مِثْلَ: {رَبِّ اغْفِرْ لِي}.
- ومِنْهُ: التَّهْدِيدُ، مِثْلَ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}.
- ومنه: الاسْتِحْبَابُ، مِثْلَ: {وأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}...
(مَا يَرِيبُكَ) أي: مَا يُصِيبُكَ بِهِ الرَّيْبُ والشَّكُّ، وعَدَمُ الطُّمأنينَةِ، والاضْطِرَابُ، والقَلَقُ.
(إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ) أي: إِلَى الشَّيْءِ الَّذِي لا تَشُكُّ فِيهِ.
وهَذَا يَدُلُّ عَلَى: الوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهاتِ.
ويَدُلُّ على: اتِّقَاءِ الشُّبُهاتِ، وقَدْ مَرَّ مَعَنَا المُشْتَبِهَاتُ وتَوْجيهُ الإِسلامِ فيها، وهذا تَوْجيهٌ آخَرُ يُؤَكِّدُ التَّوْجِيهَ الأَوَّلَ.
وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَتْرُكُونَ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الحَلالِ خَشْيَةَ الوُقُوعِ فِي الحَرَامِ، بَلْ وَرَدَ عَنِ ابنِ سِيرِينَ
أَنَّه غَرِمَ أَرْبَعِينَ أَلْفاً فِي بَيْعَةٍ شَرَاهَا وَلَمْ
يَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا خَشْيَةَ أَنْ يَغِشَّ بِهَا غَيْرَهُ.
والعَمَلُ
عَلَى هَذَا إِذَا كَانَ الإِنْسَانُ سَوِيًّا وسَلِمَ مِنَ الوَسْوَسَةِ،
أَمَّا إِذَا ابْتُلِيَ بالوَسْوَسَةِ فَلْيَطْرَحْهَا ولا يَتْرُكْ
للشَّيْطَانِ مَجَالاً؛ لأَنَّه بالوَسْوَسَةِ سَيُعِيدُ الوُضُوءَ
والصَّلاةَ ويَخْلَعُ ثِيابَهُ ويَشُكُّ في أَهْلِهِ ويَعِيشُ في
وَسْوَسَةٍ شَدِيدَةٍ.
(حَسَنٌ صَحِيحٌ) أي: حَسَنٌ مِنْ طَرِيقٍ، وصَحِيحٌ مِن طَرِيقٍ آخَرَ، أو أَنَّهُ شَكٌّ مِن الرَّاوِي هَلْ حَسَنٌ أَمْ صَحِيحٌ.
والصَّحِيحُ: مَا رَوَاهُ عَدْلٌ تَامُّ الضَّبْطِ مُتَّصِلُ السَّنَدِ, وسَلِمَ مِنَ الشُّذُوذِ والعِلَّةِ القَادِحَةِ.
والحَسَنُ: مِثْلُهُ إِلاَّ أَنَّهُ خَفِيفُ الضَّبْطِ.
الفَوَائِدُ:
1- مِنْ أَسْبَابِ تَحْصيلِ العِلْمِ الحِفْظُ.
2- العَمَلُ عَلَى نَشْرِ العِلْمِ.
3- اتِّقَاءُ الشُّبُهاتِ.
4- الحَذَرُ مِنَ الوَسْوَسَةِ.
5- فَضْلُ الوَرَعِ مِنَ الإِنْسَانِ السَّوِيِّ.
6- الحِرْصُ عَلَى طُمَأْنِينَةِ القَلْبِ.
7- الأَخْذُ بالأَحْوَطِ بَعِيداً عَنِ الشُّبُهاتِ.
8- طَرْحُ الشَّكِّ والأَخْذُ باليَقِينِ.
9- ضَبْطُ الرُّواةِ في سِياقِ الحَدِيثِ.
10- الحِرْصُ عَلَى تَعْلِيمِ الصِّغَارِ.
شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح
قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (
(1)مَنْزِلَةُ الْحَدِيثِ:
أصلُ هَذَا الْحَدِيثِ قاعدةٌ مِن قَواعدِ الدِّينِ، وَهِي:
(الأَخْذُ باليقينِ فِي الأُمُورِ وتَرْكُ الْمُشْتَبِهاتِ). - قَالَ ابنُ حَجَرٍ الْهَيتميُّ: (هَذَا
الْحَدِيثُ قاعدةٌ عَظِيمَةٌ مِن قَواعدِ الدِّينِ، وَأَصْلٌ فِي الوَرَعِ
الَّذي عَلَيْهِ مَدَارُ الْمُتَّقِينَ، ومُنْجٍ مِن ظُلَمِ الشُّكوكِ
والأَوْهَامِ الْمَانِعَةِ مِن نُورِ الْيَقينِ). فقالَ:
فرَجَعَ فلم يَحْتَمِلْ قَلْبُهُ، فأتاهُ فقالَ: يَا هَذَا، إنِّي لَم آتِ
هَذَا الأَمْرَ مِن قِبَلِ وَجْهِهِ فأُحِبَّ أَنْ تَسْتَرِدَّ هَذَا
الْبَيْعَ))
الْبُعْدُ عَن الشُّبُهَاتِ:
قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ))
يَأمرُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبُعدِ عَن الأُمُورِ المشكوكِ
فِيهَا، والأخْذِ بالأمورِ الْمُتَيَقَّنِ مِنْهَا، وبهذا يَحْفَظُ
الْمُسْلِمُ عِرْضَهُ مِن الذَّمِّ، ويَحْفَظُ نفسَهُ مِن الوُقوعِ فِيمَا
حرَّمَ اللهُ عزَّ وجلَّ، ويَطْمَئِنُّ قلبُهُ مِن القَلَقِ والاضطرابِ؛
لأنَّ الشُّبُهاتِ سَبَبٌ لحصولِ القلقِ والاضطراباتِ فِي القلبِ،
ويُؤَدِّي بِه إِلَى خُلُقِ الوَرَعِ وَهُو عميمُ النَّفعِ فِي سدِّ أبوابِ
وَساوسِ الشَّيطانِ، عظيمُ الْجَدْوَى فِي الدُّنيا والآخِرَةِ.
وَرَعُ السَّلفِ وتَرْكُهُم للشُّبُهاتِ:
كانَ سلَفُ الأمَّةِ يَتَخَلَّقونَ بأخلاقِ الإِسْلاَمِ الْوَاجِبِ مِنْهَا والمندوبِ، وَهَذِه بَعْضُ الْمَواقفِ أذكرُهَا لبَيانِ كَيْفَ كَانَ لنصوصِ الْكِتَابِ والسُّنَّةِ أَثَرٌ فِي حياتِهِم وسُلوكِهِم:
1- عن عائشةَ رَضِي اللهُ عَنْهُا قالَتْ: (كَان
لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي اللهُ عَنْهُ غلامٌ يُخْرِجُ لَه الْخَرَاجَ،
وَكَان أَبُو بكرٍ يَأكلُ مِن خَرَاجِهِ، فجاءَ يَومًا بِشَيْءٍ فأَكَلَ
مِنْه أَبُو بكرٍ، فقالَ لَه الغُلامُ: تَدْرِي مَا هَذَا؟
فقالَ أَبُو بكرٍ: وَمَا هُو؟
فقالَ:
كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإنسانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ
الكَهَانَةَ إِلاَّ أنِّي خَدَعْتُهُ، فلَقِيَنِي فأَعطانِي لِذَلِك هَذَا
الَّذي أَكَلْتَ منْهُ، فأَدْخَلَ أَبُو بكرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كلَّ شَيْءٍ
فِي بَطْنِهِ).
2- عن نافعٍ، أنَّ عمرَ بْنَ الخطَّابِرَضِي اللهُ عَنْهُ كَانَ فَرَضَ للمهاجِرِينَ الأوَّلينَ أربعةَ آلافٍ، وفَرَضَ لابنِهِ ثلاثةَ آلافٍ وخَمْسَمائَةٍ.
فقيلَ لَه: هُو مِن المهاجِرِينَ فلِمَ نَقَصْتَهُ؟
فقالَ: (إِنـَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبُوهُ - يَقولُ: لَيْسَ هُو كَمَنْ هاجَرَ بنفسِهِ)).
3- قالَ ابنُ الْمُبَارَكِ: (كَتَبَ
غلامٌ لحسَّانَ بْنِ أَبِي سِنانٍ إِلَيْهِ مِن الأهوازِ: (إنَّ قَصَبَ
السُّكَّرِ أَصابتْهُ آفَةٌ، فاشْتَرِ السُّكَّرَ فِيمَا قِبَلَكَ،
فاشتراهُ مِن رجلٍ فلم يأتِ عَلَيْهِ إِلاَّ قَلِيلٌ فِيمَا اشتراهُ حَتَّى
رَبِحَ ثلاثين أَلْفًا. قَالَ: فأتَى صَاحِبُ السُّكَّرِ فقالَ:
يَا هَذَا، إنَّ غلامي كَانَ قَد كَتَبَ إليَّ فلمْ أُعْلِمْكَ، فأَقِلْنِي
فِيمَا اشتريْتُ منك.
قَالَ: (فما زالَ بِهِ حتَّى ردَّهُ عَلَيْهِ).
4 - تَنزَّهَ يزيدُ بْنُ زُرَيعٍ عَن خَمْسِمائَةِ أَلْفٍ مِن ميراثِ أَبِيهِ فلم يَأْخُذْهُ، وَكَانَ أبوهُ يَلِي الأعمالَ للسَّلاطينِ، وَكَانَ يَزيدُ يَعملُ الْخُوصَ، ويَتَقَوَّتُ مِنْه إِلَى أَنْ ماتَ.
تَرْكُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لَيْسَ مِن الوَرَعِ عَلَى الإِطْلاَقِ:
الخروجُ مِن المسائلِ الَّتي اخْتَلَفَ فِيهَا العُلَماءُ لَيْسَ تَرْكُها مِن الوَرَعِ عَلَى الإِطْلاَقِ، فمَثلاً:
المسائلُ الَّتِي فِيهَا رُخصةٌ، لَيْس لَهَا مُعارِضٌ، فاتِّباعُهَا
أَوْلَى مِن اجتنابِهَا بِحُجَّةِ الوَرَعِ، كمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهارةَ
وشَكَّ فِي الحدثِ، وَذَلِك لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَلاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا))
أقولُ
هَذَا؛ لأنَّ البعضَ يَتركُ الكثيرَ مِن السُّننِ، وأُمورِ الدِّينِ
الثَّابتةِ والرُّخَصِ بِحُجَّةِ أنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَفْتَى
بخِلافِهَا.
فتَرْكُ
الْخِلافِ يَكُونُ مِن الوَرَعِ فِي المسائلِ الْمُعْضِلَةِ الكبيرةِ
الَّتي يَعْجِزُ الْمَرْءُ عَن الْوُصُولِ للحَقِّ فِيهَا.
الوَرَعُ لأهلِ الاِسْتِقَامَةِ:
يكونُ الورعُ لائقًا لِمَن اسْتَقَامَتْ نفسُهُ بفِعلِ الواجباتِ وتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ، أمَّا
مَن يَقَعُ فِي الكبائرِ، ويَتْرُكُ الوَاجباتِ، ثمَّ يَسْعَى لِتَرْكِ
الشُّبُهاتِ، فهذا وَرَعُهُ مُظْلِمٌ مشكوكٌ فِيهِ، لِذَلِك أَنْكَرَ ابنُ عمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُما عَلَى مَنْ سَأَلَهُ عَن دَمِ الْبَعُوضِ مِن أَهْلِ العِراقِ قَالَ: (يَسْأَلُونَنِي عَن دمِ البَعوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ، وسَمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:((هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا)).
وسَأَلَ رجلٌ بِشْرَ بْنَ الحارثِ عَن: رجلٍ لَه زوجةٌ وأُمُّهُ تَأْمُرُهُ بطَلاقِهَا، فقالَ: (إِنْ
كَانَ بَرَّ أمَّهُ فِي كلِّ شَيْءٍ، وَلَم يَبْقَ مِن بِرِّهَا إِلاَّ
طلاقُ زوجتِهِ فلْيَفْعَلْ، وَإِن كَان بَرَّهَا بطَلاقِ زوجتِهِ، ثمَّ
يقومُ بَعْدَ ذَلِك إِلَى أُمِّهِ فيَضْرِبُهَا فَلاَ يَفْعَلْ)).
جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي
قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (
(1) هذا الحديثُ خَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسَائِيُّ، وابنُ حِبَّانَ في (صحيحِهِ) والحاكِمُ مِنْ حديثِ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ عنْ أبي الحَوْرَاءِ عن الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وصحَّحَهُ التِّرمذيُّ، وأبو الحَوْرَاءِ السَّعْدِيُّ.
قالَ الأكثرونَ: (اسْمُهُ رَبِيعَةُ بنُ شَيْبَانَ) ووَثَّقَهُ النَّسائيُّ وابنُ حِبَّانَ، وتَوَقَّفَ أحمدُ في أنَّ أبا الحوراءِ اسْمُهُ رَبِيعَةُ بنُ شَيْبَانَ، ومالَ إلى التفرِقَةِ بينَهُما.
وقالَ الجُوزَجَانِيُّ: (أبو الحَوْرَاءِ مجهولٌ لا يُعْرَفُ).
وهذا الحديثُ قِطْعَةٌ مِنْ حديثٍ طَوِيلٍ فيهِ ذِكْرُ قُنُوتِ الوِتْرِ.
- وعندَ التِّرْمذيِّ وغيرِهِ زيادةٌ في هذا الحديثِ، وهيَ: ((فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ)). قالَ: فما زالَ بهِ حتَّى رَدَّ عليهِ). - وكانَ يُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ إذا طُلِبَ المَتَاعُ وَنَفَقَ وأَرْسَلَ يشتريهِ، يقولُ لِمَنْ يَشْتَرِي لهُ: (أَعْلِمْ مَنْ تَشْتَرِي مِنهُ أنَّ المتاعَ قدْ طُلِبَ).
- ولفظُ ابنِ حِبَّانَ:((فَإِنَّ الْخَيْرَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الشَّرَّ رِيبَةٌ)).
- وقدْ خَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ بإسنادٍ فيهِ جَهَالَةٌ عنْ أنَسٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ)) وخرَّجَهُ منْ وَجْهٍ آخرَ أجْوَدَ منهُ مَوْقُوفًا على أَنَسٍ.
- وخرَّجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ روايَةِ مالِكٍ عنْ نافِعٍ عن ابنِ عمرَ مرفوعًا، قالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: (وإنَّما يُرْوَى هذا مِنْ قَوْلِ ابنِ عمرَ وعنْ عُمَرَ، ويُرْوَى عنْ مالِكٍ مِنْ قولِهِ) انتهَى.
- ويُرْوَى بإسنادٍ ضعيفٍ عنْ عثمانَ بنِ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ -وهوَ ضعيفٌ - عنْ أبِيهِ، عن الحَسَنِ، عنْ أبي هريرةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ لرَجُلٍ: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ)).
قَالَ: وَكَيْفَ لِي بِالعِلْمِ بِذَلِكَ؟
قَالَ:((إِذَا
أَرَدْتَ أَمْرًا فَضَعْ يَدَكَ عَلَى صَدْرِكَ؛ فَإِنَّ الْقَلْبَ
يَضْطَرِبُ لِلْحَرَامِ، وَيَسْكُنُ لِلْحَلاَلِ، وَإِنَّ الْمُسْلِمَ
الْوَرِعَ يَدَعُ الصَّغِيرَةَ مَخَافَةَ الْكَبِيرَةِ)) وقدْ رُوِيَ عنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ مُرْسَلاً.
- وخرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ نحوَهُ بإسنادٍ ضعيفٍ عنْ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وزَادَ فيهِ: قِيلَ لَهُ: فَمَن الوَرِعُ؟
قالَ: ((الَّذِي يَقِفُ عِنْدَ الشُّبْهَةِ)).
- وقدْ رُوِيَ هذا الكلامُ موقوفًا على جماعةٍ مِن الصَّحابةِ؛ مِنهم: عُمَرُ، وابنُ عمرَ، وأبو الدَّرْدَاءِ.
- وعن ابنِ مسعودٍ قالَ: ( ما تُرِيدُ إلى ما يَرِيبُكَ وحولَكَ أرْبَعَةُ آلافٍ لا تَرِيبُكَ؟! )
- وقالَ عُمَرُ: ( دَعُوا الرِّبا والرِّيبَةَ -يَعْنِي: مَا ارْتَبْتُمْ فيهِ- وإنْ لمْ تَتَحَقَّقُوا أنَّهُ رِبًا ).
ومعنى
هذا الحديثِ يَرْجِعُ إلى الوقوفِ عندَ الشُّبُهاتِ واتِّقَائِها؛ فإنَّ
الحلالَ المَحْضَ لا يَحْصُلُ للمؤمنِ في قلبِهِ مِنهُ رَيْبٌ -والرَّيْبُ:
بمعنى القَلَقِ والاضْطِرَابِ- بلْ تَسْكُنُ إليهِ النَّفسُ، ويَطْمَئِنُّ
بهِ القلبُ.
وأمَّا المُشْتَبِهاتُ فيَحْصُلُ بها للقلوبِ القلقُ والاضْطِرَابُ المُوجِبُ للشَّكِّ.
- وقالَ أبو عبدِ الرحمنِ العُمَرِيُّ الزَّاهِدُ: (إذا كانَ العبدُ وَرِعًا تَرَكَ ما يَرِيبُهُ إلى ما لا يَرِيبُهُ).
- وقالَ الفُضَيْلُ:(يَزْعُمُ
النَّاسُ أنَّ الوَرَعَ شديدٌ، وما وَرَدَ عَلَيَّ أمْرَانِ إلاَّ أخَذْتُ
بأشدِّهما، فَدَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ).
- وقالَ حَسَّانُ بنُ أبي سِنَانٍ: (ما شَيْءٌ أَهْوَنُ مِن الوَرَعِ، إذا رَابَكَ شَيْءٌ فدَعْهُ). وهذا إنَّما يَسْهُلُ على مِثْلِ حسَّانَ رَحِمَهُ اللهُ.
- قالَ ابنُ المُبَارَكِ: (كَتَبَ
غُلامٌ لحسَّانَ بنِ أبي سِنَانٍ إليهِ مِن الأَهْوَازِ: إنَّ قَصَبَ
السُّكَّرِ أَصَابَتْهُ آفَةٌ، فَاشْتَرِ السُّكَّرَ فيما قِبَلَكَ.
فاشْتَراهُ مِنْ رَجُلٍ، فلمْ يَأْتْ عليهِ إلاَّ قليلٌ فإذا فيما اشْتَرَى رَبِحَ ثلاثينَ ألفًا. قالَ: فأتَى صاحِبَ السُّكَّرِ. فقالَ: يا هذا، إنَّ غُلامِي كانَ كَتَبَ إِلَيَّ، فلَمْ أُعْلِمْكَ، فَأَقِلْنِي فيما اشْتَرَيْتُ مِنكَ. فقالَ لهُ الآخَرُ: قدْ أَعْلَمْتَنِي الآنَ، وقدْ طَيَّبْتُهُ لكَ.
قالَ:
فَرَجَعَ فلمْ يَحْتَمِلْ قَلْبُهُ، فَأَتَاهُ فقالَ: يا هذا، إنِّي لمْ
آتِ هذا الأمْرَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَأُحِبُّ أنْ تَسْتَرِدَّ هذا
البَيْعَ.
- وقالَ هشامُ بنُ حَسَّانَ: (تَرَكَ مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ أربعينَ ألفًا فيما لا تَرَوْنَ بهِ اليومَ بَأْسًا).
- وكانَ الحَجَّاجُ بنُ دِينَارٍ قدْ
بَعَثَ طعامًا إلى البَصْرَةِ معَ رجلٍ وأَمَرَهُ أنْ يَبِيعَهُ يَوْمَ
يَدْخُلُ بسِعْرِ يَوْمِهِ، فَأَتَاهُ كِتَابُهُ: إنِّي قَدِمْتُ
البَصْرَةَ، فوَجَدْتُ الطَّعامَ مُبَغَّضًا، فحَبَسْتُهُ، فزادَ الطَّعامُ
فازْدَدْتُ فيهِ كذا وكذا.
فكَتَبَ إليهِ الحجَّاجُ: (إنَّكَ
قدْ خُنْتَنَا، وعَمِلْتَ بخلافِ ما أَمَرْنَاكَ بهِ، فإذا أَتَاكَ كتابِي
فتَصَدَّقْ بجميعِ ثَمَنِ ذلكَ الطعامِ على فُقَرَاءِ البصرةِ،
فَلَيْتَنِي أَسْلَمُ إذا فعَلْتَ ذلكَ).
- وتَنَزَّهَ يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عنْ
خَمْسِمِائَةِ ألفٍ مِنْ مِيراثِ أبيهِ، فلمْ يأْخُذْهُ، وكانَ أَبُوهُ
يَلِي الأعمالَ للسَّلاطينِ، وكانَ يَزِيدُ يعملُ الخُوصَ ويَتَقَوَّتُ
منهُ إلى أنْ ماتَ رَحِمَهُ اللهُ.
-وكانَ
المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ قد احْتَكَرَ طعامًا كثيرًا، فرأَى سَحَابًا في
الخَرِيفِ فكَرِهَهُ، فقالَ: (أَلا أُرَانِي قدْ كَرِهْتُ ما يَنْفعُ
المسلِمينَ؟
فآلى أنْ لا يَرْبَحَ فيهِ شيئًا، فأخبَرَ بذلكَ عمرَ بنَ الخطَّابِ. فقالَ لهُ عمرُ: (جزاكَ اللهُ خيرًا).
وفي هذا أنَّ المُحْتَكِرَ يَنْبَغِي لهُ التَّنَزُّهَ عنْ رِبْحِ ما احْتَكَرَهُ احتكارًا مَنْهِيًّا عنهُ.
- وقدْ نَصَّ الإِمامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللهُ على التَّنَزُّهِ عنْ رِبْحِ ما لمْ يَدْخُلْ في ضمانِهِ لِدخولِهِ في رِبْحِ ما لمْ يُضْمَنْ، وقدْ نَهَى عنهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقالَ أحمدُ في روايَةٍ عنهُ فيمَنْ أَجَّرَ ما اسْتَأْجَرَهُ برِبْحٍ:( إنَّهُ يَتَصَدَّقُ بالرِّبْحِ).
وقالَ: في روايَةٍ عنهُ في رِبحِ مالِ المُضَارَبَةِ إذا خالَفَ فيهِ المُضَارِبُ: (إنَّهُ يَتَصَدَّقُ بهِ).
وقالَ: في روايَةٍ عنهُ فيمَا إذا اشْتَرَى ثَمَرةً قبلَ صلاحِها بشرطِ القَطْعِ، ثمَّ تَرَكَها حتَّى بدا صَلاحُها:( إنَّهُ يَتَصَدَّقُ بالزِّيادةِ).
وحَمَلَهُ طائِفَةٌ منْ أصحابِنا على الاستحبابِ؛ لأنَّ الصَّدقةَ بالشُّبُهاتِ مُسْتَحَبٌّ.
- ورُوِيَ عنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أنَّها سُئِلَتْ عنْ أَكْلِ الصَّيْدِ للمُحْرِمِ، فقالَتْ: (إنَّما هيَ أيَّامٌ قلائِلُ، فَمَا رَابَكَ فدَعْهُ).
يَعنِي
ما اشْتَبَهَ عليكَ هلْ هوَ حلالٌ أوْ حرامٌ فاتْرُكْهُ؛ فإنَّ النَّاسَ
اخْتَلَفوا في إباحةِ أَكْلِ الصَّيدِ للمُحْرِمِ إذا لمْ يَصِدْهُ هوَ.
- وقدْ يُسْتَدَلُّ بهذا على أنَّ الخروجَ مِن اختلافِ العلماءِ أفضلُ؛
لأنَّهُ أَبْعَدُ عن الشُّبْهَةِ، ولكنْ المُحَقِّقُونَ مِن العلماءِ منْ
أصحابِنَا وغيرِهم على أنَّ هذا ليسَ هوَ على إطلاقِهِ؛ فإنْ مِنْ مسائِلِ
الاختلافِ ما ثَبَتَ فيهِ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رُخْصَةٌ ليسَ لها مُعَارِضٌ، فاتِّبَاعُ تلكَ الرُّخْصَةِ أَوْلَى من
اجْتِنابِهَا، وإنْ لمْ تَكُنْ تلكَ الرُّخْصَةُ بلَغَتْ بعضَ العلماءِ،
فامْتَنَعَ منها لذلكَ، وهذا كمَنْ تَيَقَّنَ الطهارَةَ وشَكَّ في
الحَدَثِ، فإنَّهُ صَحَّ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أنَّهُ قالَ: ((لاَ يَنْصَرِفْ حتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا))
ولا سيَّما إنْ كانَ شَكُّهُ في الصلاةِ؛ فإنَّهُ لا يَجُوزُ لهُ قَطْعُها
لِصحَّةِ النَّهيِ عنهُ، وإنْ كانَ بعضُ العلماءِ يُوجِبُ ذلكَ.
وإنْ كانَ للرُّخْصَةِ مُعَارِضٌ، إمَّا منْ سُنَّةٍ أُخرَى، أوْ مِنْ عَمَلِ الأُمَّةِ بخلافِها، فالأَوْلَى تَرْكُ العَمَلِ بها.
قيلَ لهُ: إنَّهُ إبراهيمُ بنُ أبي نُعَيْمٍ.
فقالَ أحمدُ: (إنْ كانَ إبراهيمُ بنُ أبي نُعَيمٍ، فَنَعَمْ هذا يُشْبِهُ ذاكَ).
فكأنَّما سُفِعَ في وَجْهِهِ، ورَغِبَ في جارِيَتِهِ، فَسَأَلَهم، فمِنهم مَنْ أَمَرَهُ، ومِنهم مَنْ نَهَاهُ. فسألَ أبا الدَّرْدَاءِ، فقالَ: (الْخَيْرُ طُمَأْنِينَةٌ، والشَّرُّ رِيبةٌ، فذَرْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ).
وقولُهُ في الرِّوايَةِ الأُخرى: ((إِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ)) يُشيرُ إلى أنَّهُ لا يَنْبغِي الاعتمادُ على قَوْلِ كلِّ قائلٍ، كما قالَ في حديثِ وَابِصَةَ: ((وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ))
وإنَّما يَعْتَمِدُ على قَوْلِ مَنْ يقولُ الصِّدقَ. وعلامةُ الصِّدقِ
أنَّهُ تَطْمَئِنُّ بهِ القلوبُ، وعلامةُ الكَذِبِ أنَّهُ تَحْصُلُ بهِ
الرِّيبَةُ، فلا تَسْكُنُ القلوبُ إليهِ، بلْ تَنفِرُ منهُ.
ومِنْ
هنا كانَ العقلاءُ في عهدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا
سَمِعُوا كلامَهُ وما يدْعُو إليهِ، عَرَفُوا أنَّهُ صادِقٌ، وأنَّهُ جاءَ
بالحقِّ، وإذا سَمِعُوا كلامَ مُسَيْلِمَةَ عَرَفُوا أنَّهُ كاذِبٌ، وأنَّهُ جاءَ بالباطِلِ.
وقدْ رُوِيَ أنَّ عَمْرَو بنَ العاصِ سَمِعَهُ قبلَ إسلامِهِ يَدَّعِي أنَّهُ أُنْزِلَ عليهِ: (يا وَبْرُ يا وَبْرُ، لَكِ أُذُنَانِ وَصَدْرُ، وإنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا عَمْرُو. فقالَ: واللهِ إنِّي لأَعْلَمُ أنَّكَ تَكْذِبُ).
وقالَ بعضُ المُتقدِّمِينَ: (صَوِّرْ
ما شِئْتَ في قَلْبِكَ، وتَفَكَّرْ فيهِ، ثُمَّ قِسْهُ إلى ضِدِّهِ؛
فإنَّكَ إذا مَيَّزْتَ بينَهما عَرَفْتَ الحقَّ مِن الباطلِ، والصِّدْقَ
مِن الكَذِبِ).
قالَ: كأنَّكَ تَصَوَّرُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ تَتَفَكَّرُ فيما أتَى بهِ مِن القرآنِ فتقْرَأُ: {إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ} الآيَةَ [البقرة: 164] ثمَّ تَتَصَوَّرُ ضِدَّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَجِدُهُ مُسَيْلِمَةَ، فتَتَفَكَّرُ فيما جاءَ بِهِ فتَقْرَأُ:
أَلاَ يـَا رَبَّةَ الــمــَخــْدَعْ قَدْ هُيِّئَ لَكِ المَضْجَعْ
قالَ: فتَرَى هذا -يَعْنِي: القرآنَ-رَصِينًا عَجِيبًا، يَلُوطُ بالقَلْبِ، وَيَحْسُنُ في السَّمْعِ، وترَى ذَا -يعنِي: قَوْلَ مُسَيْلِمَةَ- بارِدًا غَثًّا فاحِشًا، فتَعْلَمُ أنَّ مُحَمَّدًا حقًّا أُتِيَ بوَحْيٍ، وأنَّ مُسَيْلِمَةَ كذَّابٌ أُتِيَ بباطِلٍ.
شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (
القارئ:
(عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته -رضي الله عنهما- قال: حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (دَع ما يَريبك إلى ما لا يريبك) رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح).
الشيخ: هذا الحديث عظيم أيضاً وهو في المعنى قريب من قوله -عليه الصلاة والسلام- في حديث النعمان ابن بشير: ((فمن ترك الشبهات فقد استبرأَ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) فهذا الحديث قال فيه الحسن - رضي الله عنه- حفظت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))وهذا أمر. فمثلاً: إذا اشتبه عليه في أمرِ مسألةٍ ما؛ هل هي حلال أم حرام؟ فإنه
يتركها إلى اليقين وهو أن يستبرئ لدينه؛ فيترك المسألة، أو إلى ما هو حلال
بيقين عنده، أو مال اشتبه عليه فيدع ما يريبه منه، ويأتي ما لا يريبهُ،
وكذلك في العبادات. وإذا قلنا العبادات فنعني بها: الشعائر لأنّ العلماء
إذا قالوا: (العبادة بالإفراد أرادوا منها ما يدخل في تعريف العبادة: اسم
جامع لكل ما يحبه الله ويرضاهُ... إلى آخره.
وقوله: ((يَريبُك)) بفتح الياء ويجوز ((يريبك))لكن الفتح أفصح وأشهر.
((دَعْ ما يَريبك))
يعني: إذا أتاك أمْر فيه عدم طمأنينة لك، أو أنت إذا أقبلت عليه، أو إذا
أردت عمله، استربْت منه، وصرتَ في خَوْف أن يكون حراماً؛ فدعْهُ إلى شيء لا
يَرِيبك؛ لأنَّ الاستبراء مأمور به؛ فترك المشتبهات إلى اليقين هذا أصل
عام.
وهذا الحديث دلّ على هذه القاعدة العظيمة؛ أنّ المرء يبحث عن اليقين لأن فيه الطمأنينة، وإذا حصل له اليقين فيدع ما شكَّ فيه.
- الصلاة.
- والزكاة.
- والصيام.
- والجهاد.
- والحج.
وأشباه ذلك ففرقوا ما بين الإفراد، والجمع كما فرقوا في السماء والسماوات ونظائر ذلك.
في
العبادات أيضاً يأتي اليقين، وإذا طرأ الشك عليه فلا يدع هذا اليقين لشكٍّ
طرأ؛ لأنّ اليقين لا يريبهُ، وما وقع فيه من الشك هذا يريبه، ولا يطمئن
إليه؛ فإذا اشتبه عليه مثلاً: في الصلاة، هل أحدث أم لم يُحدث؟
هل خرج منه شيء أم لم يخرج منه شيء؟
يبني على الأصل ويدع الشك، وهذا أصلٌ عظيم كما ذكرنا.
هذا
الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة كما مر معنا في حديث النعمان بن بشير،
فيدخل في ترك جميع ما يَرِيبُ المسلم، إلى شيء يتيقن من جوازه، وأنه لا
يلحقه به إثمٌ، أو شيء في دينه، أو عرضه، لهذا جاء هذا المعنى في أحاديث
كثيرة.
وقال
ابن مسعود -رحمه الله-: (دعْ الواحد الذي يرِيبك -يعني الشيء الواحد الذي
يريبك- إلى أربعةِ آلافٍ لا تريبُك) يعني ابن مسعود رحمه الله: (أن الذي
يريب قليل، والذي لا يريب المرء سواء:
- الذي يريبك من العلم.
- الذي يريبك من القول.
- الذي يريبك من الأعمال.
- الذي يريبك من العلاقات.
- الذي يريبك من الظن.
كل ما يريبك تخاف منه ولا تطمئن إليه؛ فدَعْهُ، واتركه إلى أمر لا يريبك، وهو كثير، ولله الحمد.
فهذا فيه طلب براءة الذِمَّة، إلى الأشياء المتيقنة.
وهذا التوجيه النبوي عظيم الفائدة، عظيم العائدة، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يستعملون هذا.
وهذا الحديث:
والورع سهل، وقد قال بعض السلف وأظنه حسان بن أبي سنان، قال:(إذا أتاني أمر وفيه ريبة تركته؛ وما أسهلها على النفس) وهذا ولا شك عند نفس المؤمن الذي أخبت لربه؛ فإنه إذا أتاه ما يريبه يتركه، ويكون في ذلك راحة النفس وطمأنينة القلب، وهذا أمرٌ واضح في الشريعة.
الكشاف التحليلي
حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما - مرفوعاً -: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)
تخريج الحديث
موضوع الحَدِيث
التورع عن الشبهات
منزلة الحديث
هذا الحديث أصل في الورع وترك المشتبهات
ذكر بعض ما روي عن الصحابة في معنى هذا الحديث
ترجمة الراوي
المعنى الإجمالي للحديث
شرح قوله: (سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ورَيْحَانَتِهِ)
تعريف السبط
المراد بالريحانة
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك)
معنى قوله: (دع ما يريبك)
ضبط قوله:(يريبك)
كلام السلف في التورع عما يريب
ذكر شيء من ورع السلف
ممن يحسن التدقيق في التورع عن الشبهات؟
مسألة: هل الأفضل الخروج من الخلاف؟
ترك المسائل المختلف فيها ليس من الورع بإطلاق
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (إلى ما لا يريبك)
من فوائد حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما:
- الحفظ مِنْ أَسْبَابِ تَحْصيلِ العِلْمِ
- العَمَلُ عَلَى نَشْرِ العِلْمِ
- فضيلة اتِّقَاءُ الشُّبُهاتِ
- فَضْلُ الوَرَعِ مِنَ الإِنْسَانِ السَّوِيِّ
- طَرْحُ الشَّكِّ والأَخْذُ باليَقِينِ
- الحث على تَعْلِيمِ الصِّغَارِ
العناصر
حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما - مرفوعاً -: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)
تخريج الحديث
موضوع الحَدِيث
منزلة الحديث
ترجمة الراوي
المعنى الإجمالي للحديث
شرح قوله: (سِبْطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ورَيْحَانَتِهِ)
تعريف السبط
المراد بالريحانة
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك)
ضبط قوله:(يريبك) كلام السلف في التورع عما يريب
ذكر شيء من ورع السلف
ممن يحسن التدقيق في التورع عن الشبهات؟
مسألة: هل الأفضل الخروج من الخلاف؟
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (إلى ما لا يريبك)
من فوائد حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما