الدروس
course cover
ح8: حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله...) خ م
23 Oct 2008
23 Oct 2008

8896

0

0

course cover
الأربعون النووية

القسم الثاني

ح8: حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله...) خ م
23 Oct 2008
23 Oct 2008

23 Oct 2008

8896

0

0


0

0

0

0

0

ح8: حديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله...) خ م


قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (

8-عن ابنِ عُمَرَ -رَضِي اللهُ عَنْهُما- أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى)) رواه البُخاريُّ ومسلِمٌ.

هيئة الإشراف

#2

23 Oct 2008

شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين


قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (

الحديث الثامن

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ وَيُقِيْمُوْا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهَمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى)(1) رواه البخاري ومسلم

الشرح
أُمِرْتُ بالبناء لما لم يسمّ فاعلهُ، لأن الفاعل معلوم و هو الله عزّ وجل، وإبهام المعلوم سائغ لغة واستعمالاً سواء: في الأمور الكونية. أو في الأمور الشرعية.
- في الأمور الكونية: قال الله عزّ وجل: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً) [النساء: الآية28] والخالق هو الله عزّ وجل.
- وفي الأمور الشرعية: كهذا الحديث: أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ وكقوله صلى الله عليه وسلم : أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاء(2)
وقوله: أُمِرْتُ أي أمرني ربي.
والأمرُ: طلب الفعل على وجه الاستعلاء، أي أن الآمر أو طالب الفعل يرى أنه في منزلة فوق منزلة المأمور، لأنه لو أمر من يساويه سمي عندهم التماساً، ولو طلب ممن فوقه سمي دعاءً وسؤالاً.
وقوله: أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ هذا المأمور به.
والمقاتلة غير القتل.
- فالمقاتلة: أن يسعى في جهاد الأعداء حتى تكون كلمة الله هي العليا.
-والقتل: أن يقتل شخصاً بعينه، ولهذا نقول: ليس كل ما جازت المقاتلة جاز القتل، فالقتل أضيق ولا يجوز إلا بشروط معروفة، والمقاتلة أوسع، قال الله تبارك وتعالى: ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّه) [الحجرات: الآية9] فأمر بقتالها وهي مؤمنة لايحل قتلها ولا يباح دمها لكن من أجل الإصلاح.
ولذلك أمرت الأمة أن توافق الإمام في قتال أهل البغي الذين يخرجون على الإمام بشبهة، قالوا: فإذا قرر الإمام أن يقاتلهم وجب على الرعيّة طاعته وموافقته دفعاً للشر والفساد، وهنا نقاتل مسلمين لأجل إقامة العدل وإزالة الفوضى. وقاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة ولكن لايقتلهم، بل قاتلهم حتى يذعنوا للحق .
حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله (حتى) هل هي للتعليل بمعنى أن أقاتل ليشهدوا، أو هي للغاية بمعنى أقاتلهم إلى أن يشهدوا؟
والجواب: هي تحتمل أن تكون للتعليل ولكن الثاني أظهر، يعني أقاتلهم إلى أن يشهدوا.
و(حتى) تأتي للتعليل وتأتي للغاية، فقوله تعالى: ( قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) [طـه:91]
فهذه للغاية ولا تصح للتعليل، لأن بقاءهم عاكفين على العجل لا يستلزم حضور موسى عليه السلام
وقوله عزّ وجل عن المنافقين: (لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا ) [المنافقون: الآية7] فحتى هنا للتعليل، يعني لا تنفقوا لأجل أن ينفضوا عن رسول الله، وليس المعنى لا تنفقوا حتى ينفضّوا، فإذا انفضّوا أنفقوا.
حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله أي حتى يشهدوا بألسنتهم وبقلوبهم، لكن من شهد بلسانه عصم دمه وماله، وقلبه إلى الله عزّ وجل.
أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله أي لا معبود حقّ إلا الله عزّ وجل، فهو الذي عبادته حقّ، وما سواه فعبادته باطلة.
وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ محمد: هو ابن عبد الله، وأبرز اسمه ولم يقل: وأني رسول الله للتفخيم والتعظيم. ورسول الله: يعني مرسله.
وَيُقِيْمُوا الصَّلاةَ أي يفعلوها قائمة وقويمة على ماجاءت به الشريعة. والصلاة هنا عامة، لكن المراد بها الخاص، وهي الصلوات الخمس، ولهذا لو تركوا النوافل فلا يقاتلون .
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ أي يعطوها مستحقّها. والزكاة: هي النصيب المفروض في الأموال الزكوية. ففي الذهب مثلاً والفضة وعروض التجارة: ربع العشر، أي واحد من أربعين. وفيما يخرج من الأرض مما فيه الزكاة: نصف العشر إذا كان يسقى بمؤونة، والعشر كاملاً إذا كان يسقى بلا مؤونة. وفي الماشية: كما هو في السُّنة.
فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أي شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة.
عَصَمُوا أي منعوا.
مِنِّي دِمَاءهَم وَأَمْوَالَهُم أي فلا يحل أن أقاتلهم وأستبيح دماءهم، ولا أن أغنم أموالهم، لأنهم دخلوا في الإسلام.
إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ هذا استثناء لكنه استثناء عام، يعني: إلا أن تباح دماؤهم وأموالهم بحق الإسلام، مثل: زنا الثيّب، والقصاص وما أشبه ذلك، يعني: إلا بحق يوجبه الإسلام.
وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ تَعَالَى أي محاسبتهم على الأعمال على الله تعالى، أما النبي صلى الله عليه وسلم فليس عليه إلا البلاغ.
فهذا الحديث أصلٌ وقاعدةٌ في جواز مقاتلة الناس،وأنه لايجوز مقاتلتهم إلا بهذا السبب.
من فوائد هذا الحديث:
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم عبد مأمور يوجه إليه الأمر كما يوجّه إلى غيره لقوله: أُمِرْتُ.
2. جواز إبهام المعلوم إذا كان المخاطب يعلمه، لقوله: أُمِرْتُ فأبهم الآمر لأن المخاطب يعلم ذلك.
3. وجوب مقاتلة الناس حتى يقوموا بهذه الأعمال.
فإذا قال قائل: لماذا لا يكون الأمر للاستحباب؟
والجواب: لا يكون للاستحباب، لأن هذا فيه استباحة محرّم، واستباحة المحرّم لاتكون إلا لإقامة واجب.
ولهذا استدل بعض الفقهاء - رحمهم الله - على وجوب الختان بأن الختان قطع شيء من الإنسان محترم، والأصل التحريم فلا يجوز قطع أي عضو أوجلدة من بدنك، فلما استبيح هذا القطع دلّ على وجوب الختان، إذ لا يستباح المحرّم إلا لأداء واجب وعلى هذا فنقول: الأمر هنا للوجوب.
فرضية الجهاد:الجهاد قد يكون فرض كفاية، وقد يكون فرض عين، ولا يمكن أن يكون فرض عين على جميع الناس لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا ) [التوبة:122]
أي القاعدون ( فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) [التوبة:122].
4. وجوب شهادة أن لا إله إلا الله بالقلب واللسان، فإن أبداها بلسانه ولاندري عما في قلبه أخذنا بظاهره ووكلنا سريرته إلى الله عزّ وجل ووجب الكفّ عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك، ولا يجوز أن نتهمه ونقول: هذا الرجل قالها كاذباً، أو خوفاً من قتل أو أسر، لأننا لا ننقب عن قلوب الناس.
5. أنه لابد أن يعتقد الإنسان أن لا معبود حق إلا الله، فلا يكفي أن يعتقد أن الله معبود بحق، لأنه إذا شهدأن الله تعالى معبود بحق لم يمنع أن غيره يعبد بحق أيضاً. فلا يكون التوحيد إلا بنفي وإثبات: لا إله إلا الله، نفي الألوهية عما سوى الله وإثباتها لله عزّ وجل.
6. أن المقاتلة لا ترتفع إلا بشهادة أن محمداً رسول الله، وأما الدخول في الإسلام فيكون بشهادة أن لا إله إلا الله، لكن لو شهدت طائفة أن لا إله إلا الله وأبت أن تشهد أن محمداً رسول الله فإنها تقاتل.
وشهادة أن محمداً رسول الله تستلزم: تجريد المتابعة له، وأن لايتبع من سواه، وتصديقه فيما أخبر واجتناب ماعنه نهى وزجر، وأن لايعبد الله إلا بما شرع.
7. وجوب إقامة الصلاة، لأنه إذا لم يقمها فإنه لا يمتنع قتاله، بل قد قال الفقهاء - رحمهم الله - يُقاتَل أهل بلد تركوا الأذان والإقامة وإن صلوا، لأن الأذان والإقامة من شعائر الدين الظاهرة، فإذا قال قوم: نحن لا نؤذن ولانقيم ولكن نصلي، وجب أن يقاتلوا.
واستدلّوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوماً أمسك حتى يطلع الفجر، فإن سمع أذاناً كفّ عن قتالهم، وإلا قاتلهم(3) .
كذلك قال الفقهاء: يقاتل أهل بلد تركوا صلاة العيد وإن لم تكن فرضاً على الأعيان كفريضة ا لصلوات الخمس.
قالوا: لأن صلاة العيد من شعائر الإسلام الظاهرة، فيقاتل أهل البلد إذا تركوا صلاتي العيدين
8. وجوب إيتاء الزكاة، لأنها جزء مما يمنع مقاتلة الناس.
ولابد أن يكون إيتاء الزكاة إلى مستحقّها، فلا يكفي أن يعطيها غنيّاً من أقاربه أو أصحابه لأن ذلك لايجزئ، لقوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة:60]
9. إطلاق الفعل على القول، لقوله: إِذَا فَعَلُوْا ذَلِكَ مع أن في جملة هذه الأشياء الشهادتين، وهما قول، ووجه ذلك: أن القول حركة اللسان،وحركة اللسان فعل، ويصح إطلاق الفعل على القول بأن يكون القول في جملة أفعال،كما في الحديث، فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من الأفعال بلا شك.
كما يطلق القول على الفعل، وهذا كثير كما في حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حين تيمّم قال بيديه هكذا وضرب بهما الأرض(4)،وهذا فعل.
10. أن الكفار تباح دماؤهم وأموالهم، لقوله: عَصَمُوا مِنِّيْ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فيقتلون، أو يؤسرون حسب ما تقتضيه الحال، وتغنم أموالهم. وهذا مما اختصّ به النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد صحّ عنه أنه قال: أُعْطِيْتُ خَمْسَاً لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِيْ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مِسِيْرَةَ شَهْر، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدَاً وَطَهُوْرَاً، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ مِنْ قَبْلِيَ ... (5) والغنائم هي أموال الكفار إذا أخذناها بالقتال. أما الأمم السابقة فلا تحل لهم الغنائم،وقد ورد أنهم يجمعونها ثم تنزل نار من السماء فتحرقها(6)
11. أنه قد يستباح الدم والمال بحق الإسلام وإن لم يكن من هذه المذكورات التي في الحديث، وقد نوقش أبو بكرٍ الصّديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة فأجاب: بأن الزكاة حق المال، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلامِ وقال رضي الله عنه: والله لو منعوني عناقاً - أو قال: عقالاً - كانوا يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على ذلك(7).
وأسباب إباحة القتل في الإسلام ليس هذا موضع بسطها، لكنها معلومة بالتتبّع.
12. أن حساب الخلق على الله عزّ وجل، وأنه ليس على الرسول صلى الله عليه وسلم إلا البلاغ، وكذلك ليس على من ورث الرسول إلا البلاغ، والحساب على الله عزّ وجل.
فلا تحزن أيها الداعي إلى الله إذا لم تقبل دعوتك، فإذا أدّيت ما يجب عليك فقد برئت الذمة والحساب على الله تعالى،كما قال الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ* إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) [الغاشية:22-23] يعني لكن من تولى وكفر (فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ*إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ) [الغاشية:24-26]
فلا تحزن أيها الداعي إلى الله إذا رد قولك، أو إذا لم يقبل لأول مرة، لأنك أديت ما يجب عليك.
ولكن اعلم أنك إذا قلت حقاً تريد به وجه الله فلابد أن يؤثر، حتى لو رد أمامك فلابد أن يؤثر، وفي قصة موسى عليه السلام عبرة للدعاة إلى الله، وذلك أنه جُمعَ له السحرة من كل وجه في مصر، واجتمعوا، وألقوا حبالهم وعصيّهم حتى كانت الأرض تمشي ثعابين، حتى إن موسى عليه السلام خاف (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى)[طـه:67]
فلما اجتمعوا كلهم قال لهم: (وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى)[طـه:61]
كلمات يسيرة، قال الله عزّ وجل: (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) [طـه:62]
يعني أنهم تنازعوا فوراً، والفاء في قوله: (فَتَنَازَعُوا) للسببية والترتيب والتعقيب.
فتأمل كيف أثرت هذه الكلمات من موسى عليه السلام بهؤلاء السحرة، فلابد لكلمة الحق أن تؤثر، لكن قد تؤثر فوراً وقد تتأخر. والله ا لموفق.
_
____________________________________________________________________________________

(1) - أخرجه البخاري – كتاب: الإيمان، باب:: فإن تابوا وأقاموا الصلاة، (25)، ومسلم – كتاب: الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، (22)،(36).
(2) - أخرجه البخاري – كتاب: الأذان، باب: السجود على سبعة أعضاء، (809)، ومسلم- كتاب: الصلاة، باب: أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة، (490)،(230)
(3) - أخرجه مسلم – كتاب: الصلاة، باب: الإمساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان، (382)،(9)
(4) - أخرجه البخاري – كتاب: التيمم، باب: المتيمم هل ينفخ فيهما، (338)، ومسلم – كتاب: الحيض، باب: التيمم، (368)،(110)
(5) - أخرجه البخاري – كتاب: التيمم، باب، (325)، ومسلم – كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب، (521)، (3)
(6) - أخرجه الترمذي- كتاب: تفسير القرآن، باب: من سورة الأنفال، (3085)
(7) - أخرجه البخاري- كتاب: الزكاة، باب: أخذ العناق في الصدقة، (1456)، ومسلم- كتاب الإيمان، باب: الأمر بقتالالناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، (20)، (32)

هيئة الإشراف

#3

24 Oct 2008

شرح الأربعين النووية للشيخ المحدث: محمد حياة السندي


قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (

(1) ترَجَمةُ الصَّحابيِّ راوِي الحديثِ: (سَبَقَتْ في الحديثِ الثَّالِثِ).
الشَّرحُ:
(عَنْ) عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عَنْهُما-، أَنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أُمِرْتُ)) عَلى بِنَاءِ المفعُولِ، أَيْ: أَمَرَنِيَ اللهُ تَعَالَى.
((أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ)) الكَفَرَةَ.
((حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)) أَيْ: حَتَّى يُقِرُّوا بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهِمْ عَنْ مِلَلِهِم، وَدُخُولِهِمْ في الإِسْلاَمِ.
((وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكاةَ)) وهذَا يَدُلُّ عَلى أَنَّ تارِكَ الصَّلاةِ والزَّكَاةِ يُقَاتَلُ كَمَا يُقَاتَلُ تَارِكُ الشَّهَادَةِ.
((فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ)) الأمرَ المَذْكُورَ مِنَ الشَّهَادَةِ وإِقَامةِ الصَّلاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ.
((عَصَمُوا)) مَنَعُوا وحَقَنُوا.
((مِنِّي)) ومِنْ أَهلِ مِلَّتِي.
((دِمَاءَهُمْ)) فَلاَ تُهْرَاقُ.
((وَأَمْوَالَهُمْ)) فَلاَ تُؤْخَذُ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ.
((إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ)) الذي يُبِيحُ دِمَاءَهُم وَأَمْوَالَهُم، الارْتدادُ يُبيحُ الدَّمَ.
((وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ)) الذي يَعْلَمُ الضَّمَائِرَ والظَّوَاهِرَ.
- فإِنْ كَانُوا مُخْلِصِينَ في الإيمَانِ يُجَازِيهِمْ جَزَاءً جَمِيلاً.
- وإِنْ كَانُوا مُنَافِقِينَ يَجْزِيهِمِ خِزْيًا وَبِيلاً.

هيئة الإشراف

#4

30 Oct 2008

المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري


قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (

الرَّاوِي:

سَبَقَ تَرْجَمَتُهُ فِي الحَدِيثِ الثَّالِثِ.


مَوْضُوعُ الحَدِيثِ:
حُرْمَةُ دَمِ المُسْلِمِ ومَالِهِ.
المُفْرَدَاتُ:
(أُمِرْتُ) : الأَمْرُ هُوَ قَوْلٌ يَتَضَمَّنُ طَلَبَ الفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الاسْتِعْلاءِ؛ لِيَخْرُجَ بهَذَا التَّعْرِيفِ:
- الإِشَارَةُ.
- والنَّهْيُ.
- والالْتِمَاسُ.
- والدُّعَاءُ، وغَيْرُها.
والمُخَاطَبُ بالأَمْرِ: هو الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
والآمِرُ لَهُ: هُوَ الرَّبُّ تَعَالَى.
والأَمْرُ: للوُجُوبِ والإِلْزَامِ.
(أَنْ أُقَاتِلَ) (أَنْ) تَفْسِيرِيَّةٌ تُفَسِّرُ الأَمْرَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ وهو القِتَالُ.
والقَتْلُ: هو إِزْهَاقُ الرُّوحِ.
ومَعْنَى (أُقَاتِلَ) أي: أُجَاهِدَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الجِهَادَ مِمَّنْ أُهْدِرَ دَمُهُ، ورَخُصَتْ نَفْسُهُ، وضَيَّعَ حَقَّ رَبِّهِ.
(الناسَ) (ال) للجِنْسِ، أي: جَمِيعَ النَّاسِ، وقِيلَ: للعَهْدِ، أي: المُشْرِكِينَ أَهْلَ الأَوْثَانِ.
ويُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ المَجُوسُ إِذَا أَعْطَوُا الجِزْيَةَ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَخَذَ الجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ.
ويُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ الكِتَابِ:
اليَهُودُ والنَّصَارَى؛ لقَوْلِهِ تعالَى: {مِنَ الَّذِينَ أُتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}[التوبة: 29].
والصَّحِيحُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- العُمُومُ إِلاَّ بأَمْرَيْنِ:
الأَوَّلُ: الدُّخُولُ في الإِسْلامِ.
والثاني: إِعْطَاءُ الجِزْيَةِ.
وتَخْصِيصُ النَّاسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُم المُكَلَّفُونَ المُؤَاخَذُونَ والَّذِي يُمْكِنُ للرَّسُولِ مُخَاطَبَتُهُمْ.
أَمَّا الجِنُّ فَهُم مُكَلَّفُونَ ، ولَكِنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ قِتَالَهُمْ؛ إِذْ هُمْ مِنْ عَالَمٍ آخَرَ غَيْرِ الإِنْسِ، ومِنْ خَصَائِصِهِم الاجْتِنَانُ والاسْتِتَارُ.
(حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ)
(حَتَّى) للغَايَةِ، أي: غَايَةُ ونِهَايَةُ المُقَاتَلَةِ وُجُودُ مَا ذُكِرَ مِنَ الشَّهَادَةِ ومَا بَعْدَهَا.
وَ(يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) أي: يَقُولُوا وَيَعْتَقِدُوا ويَعْتَرِفُوا اعْتِرَافاً جَازِماً أَنَّ المَعْبُودَ بحَقٍّ هو اللَّهُ وَحْدَهُ مَعَ العِلْمِ واليَقِينِ، والإِخْلاصِ والانْقِيادِ، والصِّدْقِ والقَبُولِ، والمَحَبَّةِ لِمَا يَعْتَقِدُهُ.
و(يَشْهَدُوا أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ) أي:
- يَعْتَرِفُوا اعْتِرَافاً جَازِماً بظَاهِرِهِمْ وبَاطِنِهِمْ أَنَّ مُحَمَّداً مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ.
- ويُصَدِّقُوا بِمَا جَاءَ بِهِ.

- ويُطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَ.

- ويَجْتَنِبُوا مَا عنهُ نَهَى وزَجَرَ.
- وأَنْ لاَ يُعْبَدَ اللَّهُ إِلاَّ بِمَا شَرَعَ.
ومَنْ أَقَرَّ بإِحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ دُونَ الأُخْرَى لَمْ يَكُنْ مُسْلِماً ، ولَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ؛ لأَنَّ مِنْ شُرُوطِ قَبُولِ العَمَلِ:
- الإِخْلاصَ، وهو في الشَّهادَةِ الأُولَى.
- والمُتَابَعَةَ وهو فِي الشَّهَادَةِ الثانِيَةِ.
ومَنْ شَهِدَ للَّهِ بالوَحْدَانِيَّةِ وللرَّسُولِ بالرِّسَالَةِ وجُهِلَ حَالُهُ فِي بَقِيَّةِ الأَرْكَانِ لَمْ يُقَاتَلْ؛ لحَدِيثِ أُسَامَةَ عِنْدَما قَتَلَ الرَّجُلَ وَقَدْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ؛ لأَنَّهَا عِصْمَةٌ للدَّمِ والمَالِ والعِرْضِ.

وأَمَّا مَنْ شَهِدَ بالتَّوْحِيدِ والرِّسَالَةِ وعُلِمَ إِنْكَارُهُ للأَرْكَانِ الأُخْرَى وَجَبَ قِتَالُهُ؛ لأَنَّ الإِسْلامَ كُلٌّ لا يَتَجَزَّأُ، أو مَنْ أَنْكَرَ وَاحِدَةً فَقَدْ أَنْكَرَ الجَمِيعَ، بَلْ نَاقَضَ قَوْلَهُ بفِعْلِهِ؛ إِذْ مِنْ مُقْتَضَياتِ الشَّهَادَةِ: العَمَلُ بجَمِيعِ أَرْكَانِ الإِسْلامِ.

وهَذَا هُوَ المَانِعُ الأَوَّلُ مِنَ القِتَالِ (أَيِ: الشَّهَادَتَانِ).
(ويُقِيمُوا الصَّلاةَ) هَذَا هو المَانِعُ الثَّانِي مِنَ القِتَالِ.
و(يُقِيمُوا) أي: يَأْتُوا بِهَا عَلَى الوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ؛ إِذْ يَقُولُ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)).
- فَمَنْ أَقَرَّ بها وَلَمْ يُصَلِّ يُقَاتَلُ.
- ومَنْ صَلَّى بَعْضَهَا وتَرَكَ البَعْضَ الآخَرَ يُقَاتَلُ.
- ومَنْ تَرَكَ بَعْضَ أَرْكَانِهَا عَمْداً عَالِماً يُقَاتَلُ.
- ومَنْ أدَّاها فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ.
(ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ) هَذَا هو المَانِعُ الثَّالِثُ مِنَ القِتَالِ و(يُؤْتُوهَا) أي: يُعْطُوهَا لمُسْتَحِقِّيها بشُرُوطِهَا ومَقَادِيرِهَا.
- فَمَنْ جَحَدَهَا قُوتِلَ.
- ومَنْ جَحَدَ بَعْضَهَا قُوتِلَ.
- ومَنْ مَنَعَها قُوتِلَ.
لأنَّ اللَّهَ قَرَنَهَا بالصَّلاةِ، وللحَدِيثِ المَذْكُورِ، ولأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: (وَاللَّهِ لأَُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكَاةِ).
- وَمَنْ أدَّاها فَقَدْ عَصَمَ دَمَهُ.
(فإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ)
أي: إِذَا جَاءُوا بالتَّوْحِيدِ والصَّلاةِ والزَّكَاةِ مَنَعُوا دِمَاءَهُمْ مِنَ السَّفْكِ ومَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ القَتْلِ.
ومَعْنَى (عَصَمُوا) أي: مَنَعُوا وحَفِظُوا، وأَصْلُ العِصْمَةِمِنَ العِصَامِ: وهو الخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ فَمُ القِرْبَةِ؛ ليَمْنَعَ سَيَلانَ المَاءِ.
وهذا يَدُلُّ عَلَى:
- أَنَّ دَمَ المُسْلِمِ غَالٍ.
- وأَنَّ الإِسْلامَ يَحْفَظُ أَهْلَهُ.
- وأَنَّ دَمَ الكَافِرِ رَخِيصٌ مُهْدَر.
- وأَنَّ المَعَاصِيَ تُضَيِّعُ أَصْحَابَهَا، وتُرَخِّصُ مَعَادِنَهُمْ.
(وأَمْوَالَهُمْ) أي: ومَنَعُوا أَمْوَالَهُمْ، فَلا تُؤْخَذُ جِزْيَةٌ ولا تُسْلَبُ غَنِيمَةٌ، ولا يُعْتَدَى عَلَيْهِم؛ لأنَّهَا أَصْبَحَتْ مُحْتَرَمَةً بإِسْلامِهِمْ، ومُصَانَةً بإِيمَانِهِم.
(إِلاَّ بحَقِّ الإِسْلامِ) هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، مَعْنَاهُ: لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِم بَعْدَ عِصْمَةِ دِمَائِهِم وأَمْوالِهِم أَنْ يَقُومُوا بحَقِّ الإِسْلامِ مِنْ فِعْلِ الوَاجِبَاتِ وتَرْكِ المَنْهِيَّاتِ.
وقِيلَ: المُرَادُ أَنَّ الدِّمَاءَ والأَمْوالَ تُعْصَمُ بهذِهِ الأُمُورِ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ الإِنْسَانُ بِمَا يُبِيحُ دَمَهُ:
- كالزِّنَى مِنَ الثَّيِّبِ.
- وقَتْلِ النَّفْسِ عَمْداً بغَيْرِ حَقٍّ.
- والرِّدَّةِ عَنِ الإِسْلامِ...
(وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى) أي: يُعَامَلُونَ بالظَّاهِرِ، وأَمَّا البَاطِنُ فهو للَّهِ تعالَى؛ إِذْ يَتَولَّى سَرَائِرَهُمْ ويَعْلَمُ بَوَاطِنَهُمْ:
- إِنْ صَدَقُوا فِي انْتِسَابِهِمْ للإِسْلامِ أَفْلَحُوا.
- وإِنْ كَذَبُوا خَسِرُوا.
وخَصَّ التَّوْحِيدَ والصَّلاةَ والزَّكَاةَ -مَعَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ غَيْرَهَا مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلامِ كَفَرَ- لعِظَمِهَا والاهْتِمَامِ بأَمْرِهَا؛ لأَنَّهَا عِبَادَاتٌ قَلْبِيَّةٌ وبَدَنِيَّةٌ ومَالِيَّةٌ.
بالإِضافَةِ إلى أَنَّ الشَّهَادَةَ بالرِّسَالَةِ تَتَطَلَّبُ الإِتْيَانَ بجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
بَلْ نَصُّ الحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ جَمِيعِ الأَرْكَانِ فِي ذَلِكَ لقَوْلِهِ: ((إِلاَّ بحَقِّ الإِسْلامِ)) أي: جَمِيعِ المَأْمُورَاتِ يَأْتُونَ بِهَا.
الفَوَائِدُ:
1- الاسْتِجَابَةُ لأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
2- مَشْرُوعِيَّةُ الجِهَادِ فِي الإِسْلامِ عِنْدَ وُجُوبِ أَسْبَابِهِ.
3- عِزَّةُ الإِسْلامِ وأَهْلِهِ.
4- ذِلَّةُ الكُفْرِ وأَهْلِهِ.
5- أنَّ الأَرْضَ لا تَصْلُحُ إلاَّ بإِقَامَةِ شَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى.
6- أَعْظَمُ الإِسْلامِ هُوَ التَّوْحِيدُ.
7- مَنْ تَلَفَّظَ بالتَّوْحِيدِ وعَمِلَ بأَرْكَانِ الإِسْلامِ حَرُمَ قَتْلُهُ وقِتَالُهُ.
8- أَنَّ الأحْكَامَ تَجْرِي عَلَى الظَّاهِرِ.
9- أَنَّ العَمَلَ إِخْلاصٌ ومُتَابَعَةٌ.
10- الاعْتِرَافُ برِسَالَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
11- وُجُوبُ إِقَامَةِ الصَّلاةِ.
12- مُدَاوَمَةُ فِعْلِ الصَّلاةِ حُرْمَةٌ للدَّمِ والمَالِ.
13- وُجُوبُ إِعْطَاءِ الزَّكَاةِ لمُسْتَحِقِّيهَا.
14- مَنْ جَحَدَ الصَّلاةَ والزَّكَاةَ كَفَرَ.
15- اقْتِرَانُ الصَّلاةِ بالزَّكَاةِ.
16- تَحْرِيمُ دَمِ المُسْلِمِ ومَالِهِ.
17- أَنَّ الإِسْلامَ حِفْظٌ لأَهْلِهِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ.
18- مَنْ جَحَدَ رُكْناً مِنْ أَرْكانِ الإِسْلامِ فهو حَلالُ الدَّمِ والمَالِ.
19- الإيمانُ بالجَزَاءِ والحِسَابِ.
20- إِتْقَانُ العَمَلِ للَّهِ تَعَالَى.

هيئة الإشراف

#5

30 Oct 2008

شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح


قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (

(1) مَنْزِلَةُ الْحَدِيثِ:

هذا الْحَدِيثُ عظيمٌ؛ لأنَّهُ يَنُصُّ عَلَى قواعدِ الدِّينِ وأُصولِهِ، مِن:
- توحيدِ اللَّهِ.
- وإقامةِ الصَّلاةِ.
- وإيتاءِ الزَّكاةِ.
- والجهادِ فِي سبيلِهِ.
- وإقامةِ باقي وَاجباتِ الإِسْلامِ.
- كَمَا يَنُصُّ عَلَى حُرْمَةِ دمِ المسلمِ ومالِهِ.
وُجوبُ القتالِ:
قولُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ)) الآمِرُ لَهُ هُو اللَّهُ عزَّ وجلَّ، قَالَ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.
فَرَضَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ القتالَ عَلَى المسلمينَ ، لِرَدِّ كيدِ الأَعْدَاءِ، ولرَفعِهِ رايَةَ عقيدةِ الإِسْلامِ، حتَّى تُهَيْمِنَ عَلَى أُمَمِ الأَرْضِ، وسَمَحَ الإِسْلامُ لأهلِ الْكِتَابِ أَنْ يَبْقَوْا عَلَى دِينِهِمْ فَقَطْ بشَرْطِ دَفْعِ الْجِزْيَةِ.
وأمَّا مُشْرِكُو العَرَبِ وغيرُهُمْ مِنَ الْوَثَنِيِّينَ فلمْ يَقْبَلْ مِنْهُم إِلا الإِسْلامَ أَو القتلَ.
وَقَالَ الزُّهريُّ: (الجهادُ واجبٌ عَلَى كلِّ أَحَدٍ، غَزَا أَو قَعَدَ، فالقاعدُ عَلَيْهِ إِذَا اسْتُعِينَ أَنْ يُعينَ، وَإِذَا اسْتُغِيثَ أَنْ يُغيثَ، وَإِذَا اسْتُنْفِرَ أَنْ يَنْفِرَ، وَإِنْ لَم يُحْتَجْ إِلَيْهِ قَعَدَ).


العاصمُ للدِّماءِ والأموالِ:

بَيَّنَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ العاصمَ للدِّماءِ مِن الْهَدْرِ وَهِي:
1-النُّطقُ بالشَّهادتينِ: ((حَتـَّى يَشْهَدُوا: أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ))، قَالَ ابنُ رَجبٍ: (مِن الْمَعْلُومِ بالضَّرُورةِ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقبلُ مِن كلِّ مَنْ جاءَهُ يُريدُ الدُّخولَ فِي الإِسْلامِ الشَّهادَتَيْنِ فَقَطْ، ويَعْصِمُ دَمَهُ بِذَلِك ويَجعلُهُ مُسْلِمًا، فقد أَنْكَرَ عَلَى أسامةَ بْنِ زَيْدٍ قتْلَهُ لِمَن قَالَ: لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، لَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيفَ، واشْتَدَّ نَكيرُهُ عَلَيْهِ، وَلَم يَكُنِ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَشْتَرِطَ عَلَى مَن جاءَهُ يُريدُ الإِسْلامَ، ثُمَّ إنَّهُ يُلْزِمُهُ الصَّلاةَ والزَّكاةَ).


2- إقامةُ الصَّلاةِ، وَذَلِك لقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَيُقِيمُوا الصـَّلاةَ)) أَنْ يُدَاوِمُوا عَلَى إقامتـِها وبشروطِها وأَرْكَانِهَا، وَالْمَقْصُودُ بالصَّلاةِ: المفروضةُ، قَالَ النَّوويُّ: (فِي هَذَا الْحَدِيثِ أنَّ مَن تَرَكَ الصَّلاةَ عَمْدًا يُقْتَلُ).
ومِن الأدلَّةِ الَّتي تَشهدُ أنَّ تاركَ الصَّلاةِ لا يُعْصَمُ دمُهُ:


- قولُهُ عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}.
وهذه الآيَةُ الكريمةُ مِن حِجَجِ مَن قَالَ بقَتْلِ تاركِ الصَّلاةِ إِذَا لَم يَتُبْ.
- ومنها: قولُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ((إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ))
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نُقاتِلُهُم.
قَالَ: ((لا، مَا صَلَّوْا)).
فقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا، مَا صَلَّوْا))يَدُلُّ أنَّ الصَّلاةَ مانعةٌ مِن مُقاتَلَةِ أُمَرَاءِ الْجَوْرِ.


- ومنها: عَن أَبِي سَعِيدٍ الخدريِّ قَالَ: بعثَ عليٌّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ وَهُو باليمنِ إِلَى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذُهَيْبَةٍ، فقَسَمَهُ بَيْنَ أربعةٍ، فقالَ رجلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اتَّقِ اللَّهَ، فقالَ: ((وَيْلَكَ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ)).
ثمَّ ولَّى الرَّجلُ، فقالَ خالدُ بْنُ الوليدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا أضربُ عُنَقَهُ ؟
فقالَ: ((لا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي)).


فقولـُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ((لا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي)) دَلِيلٌ أنَّ الصَّلاةَ موجبةٌ لِحَقْنِ الدَّمِ مَع الأُمُورِ المذكورةِ فِي بقيَّةِ الأَحَادِيثِ.

وممَّنْ ذهبَ إِلَى الْقَوْلِ بقَتْلِ تاركِ الصَّلاةِ مِن علمائِنَا وأئمَّتِنَا الأَعْلامِ:
مالكٌ ، والشَّافعيُّوَأَحْمَدُ، وإسحاقُ بْنُ راهويهِ، وابنُ المبارَكِ، وشيخُ الإِسْلامِ ابنُ تيميَّةَ، والشَّوكانيُّ، وغيرُهُم.


وَلَكِنْ ذهبَ بعضُهُم إِلَى الْقَوْلِ بقَتلِهِ رِدَّةً، وذَهَبَ بعضُهُم إِلَى أنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا.
وهنا كَلامٌ قيِّمٌ للشَّيخِ نَاصِرِ الدِّينِ الألبانيِّ أَنْقُلُهُ بالنَّصِّ: (إنَّ التَّاركَ للصَّلاةِ كَسَلاً إنَّما يَصِحُّ الْحُكْمُ بإسلامِهِ، مَا دامَ لا يُوجَدُ هُنَاك مَا يكشِفُ عَن مَكْنونِ قلبِهِ، أَو يَدُلُّ عَلَيْهِ، وماتَ عَلَى ذَلِك قَبْلَ أَنْ يُستتابَ، كَمَا هُو الواقعُ فِي هَذَا الزَّمانِ، أمَّا لَو خُيِّرَ بَيْنَ القتلِ والتَّوبةِ بالرُّجوعِ إِلَى المحافَظَةِ عَلَى الصَّلاةِ فاختارَ القتلَ عَلَيْهَا فقُتِلَ، فَهُو فِي هَذِه الْحَالَةِ يموتُ كافرًا، وَلا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ المسلمينَ، وَلا تَجْرِي عَلَيْهِ أحكامُهُم؛ لأنَّهُ لا يُعقَلُ -لَو كَان غَيْرَ جاحدٍ لَهَا فِي قلبِهِ- أنْ يَختارَ القتلَ عَلَيْهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مستحيلٌ، معروفٌ بالضَّرورةِ مِن طبيعةِ الإِنْسَانِ، لا يحتاجُ إثباتُهُ إِلَى بُرهانٍ).


3- إيتاءُ الزَّكاةِ، وَذَلِك لقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ)).
- فمَنْ أدَّى الزَّكاةَ عَصَمَ دمَهُ ومالَهُ.
- ومَن أَنْكَرَ وُجُوبَهَا فإنَّهُ يَكْفُرُ ويَخْرُجُ مِن الملَّةِ.
- ومَن امْتَنَعَ عَن أدائِهَا مَع اعتقادِهِ بوجوبِهَا فإنَّهُ يَأْثَمُ وَلا يَخْرُجُ مِن الملَّةِ، وَعَلَى إمامِ المسلمينَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْه قَهْرًا.
- وَلَو امْتَنَعَ قَوْمٌ عَن أدائِهَا بِغَيْرِ جُحودٍ بفَرضيَّتِها، وَكَانَتْ لَهُم قُوَّةٌ ومَنَعةٌ، فعلَى إمامِ المسلمينَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ عَلَيْهَا حتىَّ يُعْطُوها.
وممَّا يَشهدُ لِذَلِك مِن النُّصوصِ:
عن أَبِي هُريرةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَّلمَ، وكَانَ أَبُو بكرٍ، وكَفرَ مَن كَفَرَ مِن العربِ.


فقالَ عمرُ: (كَيْف تُقاتلُ النَّاسَ، وَقَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى))؟!

فقالَ: (وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المالِ، وَاللَّهِ لَو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَها إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتَلْتُهم عَلَى مَنْعِهَا).
فقالَ عمرُ: (فواللَّهِ مَا هُو إِلا أَنْ قَد شَرَحَ اللَّهُ صدرَ أَبِي بكرٍ للقتالِ، فعَرَفْتُ أنَّهُ الحقُّ) وَلَفْظُ مسلمٍ وأبي دَاوُدَ والتِّرمذيِّ: (لَو مَنعُونِي عِقَالا)، بَدَلاً مِنْ (عَنَاقًا).
وممَّا يَشْهَدُ لِذَلِك قولُهُ جلَّ وَعَلا: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
قالَ أَبُو بكرِ بنُ العربيِّ مُعَقِّبًا عَلَى هَذِه الآيَةِ: (دَلِيلٌ صحيحٌ عَلَى مَا كَانَ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَعَلَّقَ بِه عَلَى أَهْلِ الرِّدَّةِ فِي قولِهِ: (لأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المالِ؛ لأنَّ اللَّهَ تَعَالَى علَّقَ العِصمةَ بإِقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، فتُعَلَّقُ بِهِمَا).
4- الالتزامُ بباقي حُقوقِ الإِسْلامِ: سْتَنْبَطَ أَبُو بكرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ مِن قولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ)) وُجُوبَ قِتالِ مانِعِي الزكاةِ، وَقَال: ((وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَن فرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المالِ)).


ومِنَ الْعُلَمَاءِ مَن قَالَ بقتالِ الْمُمْتَنِعينَ عَن الحجِّ والصِّيامِ استدلالاًبقولِهِ: ((إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ)).
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبيرٍ: (قَالَ عمرُ بْنُ الخطَّابِ: لَو أنَّ النَّاسَ تَركُوا الحجَّ لقاتلْنَاهُم عَلَيْهِ كَمَا نُقاتلُهُم عَلَى الصَّلاةِ والزَّكاةِ).


وَقَالَ ابنُ رجبٍ: (وَهَذَا الْكَلامُ فِي قتالِ الطَّائفةِ الْمُمْتَنِعَةِ عَن شَيْءٍ مِن الواجباتِ. وأمَّا قَتْلُ الواحدِ الْمُمْتَنِعِ عَنْهَا فأكثرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أنَّهُ يُقتَلُ الممتَنِعُ عَن الصَّلاةِ).

وكذلك مِن حقِّهَا ارْتِكَابُ المسلمِ مَا يُبيحُ دمَهُ:
- كقَتْلِ النَّفسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ.


- والزِّنَى بَعْدَ الإحصانِ.
- والرِّدَّةِ.
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ: أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ)).
فمَنْ نَطَقَ بالشَّهادتينِ وصلَّى وزكَّى، وَقَامَ بوَاجباتِ الدِّينِ، وَلَم يَرْتَكِبْ مَا يُبيحُ دَمَهُ فقدْ حَرُمَ دمُهُ ومالُهُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنـِّي دِمَاءَهُم وَأَمْوَالَهُمْ)).


الأحكامُ تَجْرِي عَلَى الظَّواهرِ، وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرائرَ:

قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَحِسَابُهـُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى)) مـَنْ أَظْهَرَ لَنَا الإِسْلامَ، وَقَامَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، عَصَمَ دمَهُ ومالَهُ، وعُومِلَ معامَلَةَ المسلمينَ.


فَإِنْ قَصَدَ بإسلامِهِ اللَّهَ والدَّارَ الآخِرَةَ فَهُو مُؤْمِنٌ، لَه الجزاءُ الأَوْفَى يومَ الدِّينِ.
ومَنْ قَصَدَ بإسلامِهِ التَّقِيَّةَ مِن القَتْلِ، فهذا مُنَافِقٌ أَمْرُ سريرتِهِ إِلَى اللَّهِ.


وَكَذَلِك مَن صلَّى بِغَيْرِ طهارةٍ، أَو أَفْطَرَ فِي رمضانَ فِي بيتِهِ وادَّعَى أنَّهُ صائمٌ، فهذا يُقْبَلُ مِنْه الظَّاهِرُ، وتُوكَلُ سريرتُهُ إِلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ.

وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْرِي أَحْكَامَ الإِسْلامِ عَلَى المنافقينَ، مَع عِلْمِهِ بنِفاقِ بعضِهِم فِي الباطِنِ.
فوائدُ الْحَدِيثِ:
1- قالَ الحافظُ: الاكتفاءُ فِي قَبولِ الإيمانِ بالاعتقادِ الجازمِ خِلافًا لِمَنْ أَوْجَبَ تَعَلُّمَ الأَدِلَّةِ.


2- قالَ ابنُ رجبٍ: قولُهُ:(((عَصَمُوا مِنـِّي دِمَاءَهُم وَأَمْوَالَهُمْ))يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ كَانَ عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ مَأْمُورًا بالقِتالِ، ويَقْتُلُ مَن أَبَى الإِسْلامَ، وَهَذَا كلُّهُ بَعْدَ هجرتِهِ إِلَى المدينةِ).
3- في الْحَدِيثِ ردٌّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ الَّذين زَعَمُوا أنَّ الإيمانَ لا يَحتاجُ إِلَى الأعمالِ، لِذَلِكَ أَوْرَدَ البخاريُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الإيمانِ للردِّ عَلَيْهِم.
4- في الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى قَبولِ الأعمالِ الظَّاهرةِ، والْحُكْمِ لَهُم بِمَا يَقتضِيهِ هَذَا الظَّاهِرُ، وتُوكَلُ السَّرائرُ إِلَى اللَّهِ
5- كما يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ تكفيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُقِرِّينَ بتوحيدِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ المقيمينَ لشرائِعِهِ.

هيئة الإشراف

#6

30 Oct 2008

جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي


قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (

(1) هذا الحديثُ خرَّجاه في (الصَّحيحَيْنِ) مِن رِوايةِ وَاقِدِ بنِ محمَّدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ، عن أَبِيهِ، عن جَدِّه عبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ.

وقولُهُ: ((إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ)) هذه اللَّفظةُ تَفَرَّدَ بها البُخارِيُّ دونَ مُسْلِمٍ.
وقد رُوِيَ معنى هذا الحديثِ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجوهٍ مُتَعَدِّدةٍ:
- ففِي (صحيحِ البُخارِيِّ) عن أَنَسٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((أُمِرتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا شَهِدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَصَلَّوْا صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنا، وَأَكَلُوا ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلا بِحَقِّهَا)).
- وخَرَّجَ الإمامُ أحمدُ مِن حديثِ مُعاذِ بنِ جَبَلٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكاةَ، ويَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، فَقَدِ اعْتَصَمُوا وَعَصَمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).
- وخَرَّجَه ابنُ ماجَةَ مُخْتَصَرًا.
- وخَرَّج نَحْوَه مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أيضًا، ولكنَّ المَشْهورَ مِن رِوايةِ أَبِي هُرَيْرَةَ ليس فيه ذِكْرُ: إِقامِ الصلاةِ، ولا إِيتاءِ الزَّكاةِ.
- ففِي (الصَّحيحَيْنِ) عن أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).
- وفي رِوايةٍ لمُسْلِمٍ: ((حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ)).
- وخَرَّجَه مُسْلِمٌ أيضًا من حديثِ جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلفظِ حديثِ أبي هُرَيْرَةَ الأوَّلِ وزَادَ في آخِرِهِ: ثُمَّ قَرَأَ: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية: 21].
- وخرَّج أيضًا من حديثِ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عن أَبِيهِ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).
- وقد رُوِيَ عن سُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ أنَّه قالَ: (كانَ هذا في أوَّلِ الإِسلامِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلاةِ والصِّيامِ والزَّكاةِ والهِجْرَةِ)وهذا ضعيفٌ جدًّا، وفي صِحَّتِهِ عن سفيانَ نَظَرٌ؛ فإن رُوَاةَ هذه الأحاديثِ إنما صَحِبُوا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينةِ، وبعضُهُم تَأَخَّرَ إسلامُه.
ثم قولُه: ((عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ)) يَدُلُّ على أنه كانَ عندَ هذا القولِ مَأْمُورًا بالقِتَالِ، وبقتلِ مَن أبى الإسلامَ، وهذا كُلُّه بعدَ هِجْرَتِهِ إلى المدينةِ.
ومِن المعلومِ بالضَّرورةِ أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَقْبَلُ مِنْ كُلِّ مَن جاءَه يُرِيدُ الدُّخولَ في الإسلامِ الشَّهادتيْنِ فقط، ويَعْصِمُ دَمَه بذلك، ويَجْعَلُه مُسْلِمًا، وقد أنْكَرَ على أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ قتْلَه لِمَن قالَ: لا إلهَ إِلا اللَّهُ، لَمَّا رَفَعَ عليه السَّيفَ، واشْتَدَّ نكيرُه عليه.
ولم يكنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْتَرِطُ على مَنْ جاءَه يُرِيدُ الإِسلامَ أن يَلْتَزِمَ الصَّلاةَ والزَّكاةَ، بل قد رُوِيَ أنه قَبِلَ مِن قومٍ الإِسلامَ، واشْتَرَطُوا أن لا يُزَكُّوا؛ ففي (مُسْنَدِ الإِمامِ أحمدَ) عن جابِرٍ قالَ: (اشْتَرَطَتْ ثَقِيفٌ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا صدقةَ عليها ولا جِهَادَ، وأنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((سَيَصَّدَّقُونَ ويُجَاهِدُونَ)).
وفيه أيضًا على نَصْرِ بنِ عاصِمٍ اللَّيْثِيِّ عن رجلٍ مِنهم: (أنه أتَى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلَمَ على أن لا يُصَلِّيَ إلا صلاتَيْنِ، فقَبِلَ مِنه).
أخَذَ الإمامُ أحمدُ بهذه الأحاديثِ، وقالَ: (يَصِحُّ الإِسلامُ على الشَّرطِ الفاسِدِ، ثم يُلْزَمُ بشرائِعِ الإِسلامِ كُلِّها، واسْتَدَلَّ أيضًا بأن حكيمَ بنَ حِزَامٍ قالَ: (بايَعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أن لا أَخِرَّ إلا قائِمًا) قال أحمدُ: (معناه أن يَسْجُدَ مِن غيرِ رُكُوعٍ).


وخرَّجَ محمدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ جدًّا عن أنَسٍ، قالَ: (لم يَكُن النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ مَن أجابَه إلى الإِسلامِ إلا بإِقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وكانتا فريضَتَيْنِ على مَنْ أقرَّ بمحمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبالإِسلامِ، وذلك قولُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ: {فإِذْ لَمْ تَفعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[المُجَادَلَة: 13]) وهذا لا يَثْبُتُ.

وعلى تقديرِ ثُبُوتِهِ، فالمرادُ مِنه أنه لم يكنْ يُقِرُّ أحدًا دخَلَ في الإِسلامِ على تَرْكِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ وهذا حَقٌّ؛ فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَه إلى اليَمَنِ أن يَدْعُوَهُم أوَّلاً إلى الشَّهادتيْن، وقالَ: ((إِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ بِالصَّلاةِ ثُمَّ بِالزَّكَاةِ)).

ومرادُه أن مَن صارَ مُسْلِمًا بدخولِهِ في الإِسلامِ أُمِرَ بعدَ ذلك بإقامِ الصَّلاةِ، ثم بإيتاءِ الزَّكاةِ، وكانَ مَن سأَلَه عن الإسلامِ يَذْكُرُ له معَ الشَّهادتيْن بقيَّةَ أركانِ الإسلامِ، كما قالَ لجبريلَ عليه السَّلامُ لما سأَلَه عن الإسلامِ، وكما قال للأعرابِيِّ الذي جاءَه ثَائِرَ الرَّأسِ يسألُ عن الإِسلامِ.
وبهذا الذي قرَّرْنَاه يَظْهَرُ الجمعُ بينَ ألفاظِ أحاديثِ هذا البابِ ، ويَتَبَيَّنُ أن كُلَّها حقٌّ؛ فإن كَلِمَتَي الشَّهادتيْن بمُجَرَّدِهِمَا تَعْصِمُ مَن أتَى بِهِمَا، ويَصِيرُ بذلك مُسْلِمًا، فإذا دَخَلَ في الإسلامِ، فإنْ أقامَ الصَّلاةَ، وآتى الزَّكاةَ، وقامَ بشرائِعِ الإِسلامِ، فله ما للمُسلِمينَ، وعليه ما عليهم، وإن أَخَلَّ بشيءٍ مِن هذه الأركانِ، فإن كانوا جماعةً لهم مَنَعَةٌ قُوتِلُوا.


وقد ظنَّ بعضُهم أن معنَى الحديثِ أنَّ الكافِرَ يُقَاتَلَ حتى يأتِيَ بالشَّهادتيْن، ويُقِيمَ الصَّلاةَ، ويُؤْتِيَ الزكاةَ، وجعلوا ذلك حُجَّةً على خِطابِ الكفَّارِ بالفروعِ، وفي هذا نَظَرٌ، وسيرةُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قِتالِ الكفَّارِ تَدُلُّ على خِلافِ هذا، وفي (صحيحِ مسلمٍ) عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا عليًّا يومَ خَيْبَرَ، فأعطاه الرايةَ وقالَ: ((امْشِ وَلا تَلْتَفِتْ حتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ)).
فسارَ عليٌّ شيئًا، ثم وَقَفَ، فصَرَخَ: يا رسولَ اللَّهِ، على ماذا أُقاتِلُ النَّاسَ ؟ فقالَ: ((قاتِلْهُمْ عَلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، فَقَدْ عَصَمُوا مِنْكَ دِمَاءَهُم وَأَمْوالَهُم إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).
فجَعَلَ مُجَرَّدَ الإِجابةِ إلى الشَّهادتيْن عاصِمَةً للنُّفُوسِ والأموالِ إلا بحَقِّهَا، ومِنْ حقِّها الامتناعُ مِن الصَّلاةِ والزَّكاةِ بعدَ الدُّخولِ في الإِسلامِ كما فَهِمَه الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم.
ومِمَّا يَدُلُّ على قِتالِ الجماعةِ المُمْتَنِعِين مِن إقامِ الصَّلاةِ ، وإيتاءِ الزَّكاةِ مِن القرآنِ:
- قولُه تعالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5].
- وقولُه تعالَى: {فإنْ تَابُوا وأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11 ].
- وقولُه تعالَى: {وقَاتِلُوهُم حتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ}[البقرة: 193 ].
- معَ قولِهِ تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا ليَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ} [البَيِّنَة: 5].
وثَبَتَ أن النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ إذا غزا قومًا لم يُغِرْ عليهم حتى يُصبِحَ، فإنْ سَمِعَ أذانًا وإلا أغارَ عليهم، معَ احتمالِ أن يكونوا قد دَخَلُوا في الإسلامِ.
وكان يُوصِي سَرَايَاهُ: ((إِنْ سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا أَوْ رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا، فَلا تَقْتُلُوا أَحَدًا)).
وقد بَعَثَ عُيَيْنَةَ بنَ حِصْنٍ إلى قومٍ مِن بَنِي العَنْبَرِ، فأغارَ عليهم ولم يَسْمَعْ أذانًا، ثم ادَّعَوْا أنهم قد أَسْلَمُوا قبلَ ذلك.
وبعَثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أهلِ عُمَانَ كتابًا فيه: ((مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ إِلى أَهْلِ عُمَانَ، سَلامٌ، أَمَّا بَعْدُ: فَأَقِرُّوا بِشَهادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَأَدُّوا الزَّكَاةَ، وَخُطُّوا المَسَاجِدَ، وَإِلا غَزَوْتُكُمْ)) خرَّجَه البَزَّارُ والطَّبَرَانِيُّ وغيرُهما.
فهذا كلُّه يَدُلُّ على أنه كانَ يَعْتَبِرُ حالَ الدَّاخِلِينَ في الإِسلامِ، فإن أقاموا الصلاةَ، وآتَوا الزكاةَ وإلا لَمْ يَمْتَنِعْ عن قِتالِهِم، وفي هذا وَقَعَ تَنَاظُرُ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما كما في (الصَّحيحيْن) عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: (لَمَّا تُوفِّيَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسْتُخْلِفَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بعدَه، وكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، قالَ عمرُ لأبي بَكْرٍ: كيف تُقَاتِلُ النَّاسَ، وقد قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).


فقالَ أبو بَكْرٍ: (واللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَن فرَّقَ بينَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المالِ، واللَّهِ لو مَنَعُونِي عِقَالاً كانوا يُؤَدُّونَه إلى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقَاتَلْتُهم على مَنْعِهِ).

فقالَ عمرُ: (فواللَّهِ ما هو إلا أن رأَيْتُ أن اللَّهَ قد شَرَحَ صَدْرَ أبي بَكْرٍ للقِتالِ فعَرَفْتُ أنه الحَقُّ).

فأبو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخَذَ قِتَالَهُم مِن قولِه: ((إِلا بِحَقِّهِ)) فَدَلَّ على أن قِتالَ مَن أتى بالشَّهادتيْنِ بحَقِّهِ جائِزٌ، ومِن حقِّه أداءُ حقِّ المالِ الواجِبِ.


وعمرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ظنَّ أن مُجَرَّدَ الإِتيانِ بالشَّهادتين يَعْصِمُ الدَّمَ في الدُّنيا؛ تَمَسُّكًا بعُمُومِ أوَّلِ الحديثِ كما ظنَّ طائِفَةٌ مِن الناسِ أن مَن أتَى بالشهادتيْنِ امْتَنَعَ مِن دُخُولِ النَّارِ في الآخِرَةِ؛ تَمَسُّكًا بعمومِ ألفاظٍ وَرَدَت، وليس الأمرُ على ذلك، ثم إن عمرَ رجَعَ إلى موافَقَةِ أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقد خرَّجَ النَّسَائِيُّ قِصَّةَ تَنَاظُرِ أبي بكرٍ وعمرَ بزيادَةٍ، وهي: أن أبا بكرٍ قالَ لعمرَ: (إنما قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأنِّي رَسولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ))).
وخَرَّجَه ابنُ خُزَيْمَةَ في (صحيحِهِ)، ولكنْ هذه الرِّوايةُ أخطَأَ فيها عِمْرَانُ القَطَّانُ إِسْنَادًا ومَتْنًا، قالَه أئِمَّةُ الحُفَّاظِ؛ مِنهم عليُّ بنُ المَدِينِيِّ وأبو زُرْعَةَ وأبو حَاتِمٍ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ.
ولم يكنْ هذا الحديثُ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا اللَّفظِ عندَ أبي بكرٍ ولا عمرَ، وإنما قالَ أبو بكرٍ: (واللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَن فرَّقَ بينَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المالِ)، وهذا أَخَذَه -واللَّهُ أعلمُ- مِن قولِهِ في الحديثِ ((إِلا بِحَقِّهَا)).
وفي روايةٍ: ((إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ)).
فجَعَلَ مِن حقِّ الإِسلامِ إقامَ الصَّلاةِ، وإيتاءَ الزَّكاةِ، كما أن مِن حقِّهِ أن لا يَرْتَكِبَ الحُدودَ، وجعَلَ كلَّ ذلك مما اسْتَثْنَى بقولِه: ((إِلا بِحَقِّها)).


وقولُه: (لأقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بينَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حقُّ المالِ) يَدُلُّ على أنَّ مَن تَرَكَ الصَّلاةَ، فإنه يُقَاتَلُ؛ لأنها حَقُّ البَدَنِ، فكذلك مَن تَرَكَ الزَّكاةَ التي هي حقُّ المالِ.
وفي هذا إشارةٌ إلى أن قِتالَ تَارِكِ الصَّلاةِ أَمْرٌ مُجْمَعٌ عليه ؛ لأنه جَعَلَه أصلاً مَقِيسًا عليه، وليسَ هو مَذْكُورًا في الحديثِ الذي احْتَجَّ به عُمَرُ، وإنما أُخِذَ مِن قولِه: ((إِلا بِحَقِّها)) فكذلك الزَّكاةُ؛ لأنها مِن حقِّها، وكلُّ ذلك مِن حقوقِ الإِسلامِ.
ويُسْتَدَلُّ أيضًا على القِتالِ على تَرْكِ الصَّلاةِ بما في (صحيحِ مسلمٍ) عن أَمِّ سَلَمَةَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فتَعْرِفونَ وتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ، فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ)).
فقالُوا: يا رسولَ اللَّهِ أَلا نُقاتِلُهُمْ ؟
قالَ: ((لا، مَا صَلَّوْا)).
وحُكْمُ مَن تَرَكَ سائِرَ أركانِ الإِسلامِ أن يُقَاتَلُوا عليها كما يُقَاتَلُون على تَرْكِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ.
ورَوَى ابنُ شِهَابٍ عن حَنْظَلَةَ بنِ عليِّ بنِ الأَسْقَعِ: (أن أبا بكرٍ الصِّدِّيقَ بعَثَ خالِدَ بنَ الوَلِيدِ، وأمَرَه أن يُقَاتِلَ النَّاسَ على خَمْسٍ، فمَن تَرَكَ واحِدَةً مِن الخَمْسِ، فقَاتِلْه عليها كما تُقَاتِلُ على الخَمْسِ: شَهَادَةِ أن لا إلهَ إلا اللَّهُ، وأن محمدًا رسولُ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصومِ رمضانَ).


وقال سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: (قالَ عمرُ بنُ الخطَّابِ: لو أنَّ النَّاسَ تَرَكُوا الحَجَّ لقَاتَلْنَاهم عليه، كما نُقاتِلُهم على الصَّلاةِ والزَّكاةِ).
فهذا الكلامُ في قِتالِ الطَّائِفَةِ المُمْتَنِعَةِ عن شيءٍ مِن هذه الواجباتِ.
وأمَّا قَتْلُ الواحِدِ المُمْتَنِعِ عنها، فأكْثَرُ العلماءِ على أنه يُقتَلُ المُمْتَنِعُ مِن الصَّلاةِ، وهو قولُ مالِكٍ والشافِعِيِّ وأحمدَ وأبي عُبَيْدٍ، وغيرِهم.
ويَدُلُّ على ذلك ما في (الصَّحيحيْنِ) عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أن خالِدَ بنَ الوَلِيدِ اسْتَأْذَنَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَتْلِ رجلٍ، فقالَ: ((لا؛ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي)).
فقالَ خالِدٌ: (وَكَم مِنْ مُصَلٍّ يقولُ بلسانِهِ ما ليسَ في قلبِهِ).


فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلا أَشُقَّ بُطُونَهُم)).

وفي (مُسْنَدِ الإمامِ أحمدَ) عن عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ: (أنَّ رجلاً مِن الأنصارِ حَدَّثَه أنه أتَى النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاسْتَأْذَنَه في قَتْلِ رجلٍ مِن المنافقِين. فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟))


قالَ: بلَى، ولا شهادةَ له.
قالَ: ((أَلَيْسَ يُصَلِّي؟))
قالَ: بلَى، ولا صلاةَ له.
قالَ: ((أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهَانِيُ اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِم)).

وأمَّا قَتْلُ المُمْتَنِعِ مِن أداءِ الزَّكاةِ، ففيه قولانِ لِمَن قالَ: يُقْتَلُ المُمْتَنِعُ مِن فِعْلِ الصَّلاةِ:

أحدُهما: يُقْتَلُ أيضًا، وهو المشهورُ عن أحمدَ ، ويَسْتَدِلُّ له بحديثِ ابنِ عمرَ هذا.
والثَّاني: لا يُقْتَلُ، وهو قولُ مالِكٍ، والشَّافِعِيِّ، وأحمدَ في روايَةٍ.
وأمَّا الصَّوْمُ: فقالَ مالِكٌ وأحمدُ في روايةٍ عنه: يُقْتَلُ بتَرْكِهِ.
وقالَ الشَّافعِيُّ وأحمدُ في روايةٍ: لا يُقْتَلُ بذلك.
ويَسْتَدِلُّ له بحديثِ ابنِ عمرَ وغيرِه مِمَّا في معنَاه؛ فإنه ليسَ في شيءٍ مِنها ذِكْرُ الصوْمِ.
ولهذا قالَ أحمدُ في روايةِ أبي طالِبٍ:(الصَّومُ لم يَجِئْ فيه شَيْءٌ).
قُلْتُ: قد رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ مرفوعًا وموقوفًا: (إن مَن تَرَكَ الشَّهادتيْنِ أو الصَّلاةَ أو الصِّيامَ، فهو كافِرٌ حلالُ الدَّمِ، بخلافِ الزَّكاةِ والحجِّ)، وقد سَبَقَ ذِكْرُه في شرْحِ حديثِ: ((بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ)).
وأما الحَجُّ: فَعَنْ أحمدَ في القَتْلِ بترْكِهِ روايتانِ، وحَمَلَ بعضُ أصحابِنَا روايةَ قَتْلِهِ على مَن أخَّرَه عازِمًا على ترْكِهِ بالكُلِّيَّةِ، أو أَخَّرَه وغَلَبَ على ظنِّهِ الموتُ في عامِهِ.
فأمَّا إن أخَّرَه مُعْتَقِدًا أنه على التراخِي كما يقولُهُ كثيرٌ مِن العلماءِ، فلا قَتْلَ بذلك.
وقولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِلا بِحَقِّهَا)).
وفي روايةٍ: ((إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ)) قد سَبَقَ أن أبا بَكْرٍ أدْخَلَ في هذا الحقِّ فِعْلَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، وأن مِن العلماءِ مَن أدْخَلَ فيه فِعْلَ الصيامِ والحَجِّ أيضًا.
ومِن حقِّها: ارْتِكَابُ ما يُبِيحُ دمَ المُسْلِمِ مِن المُحَرَّمَاتِ، وقد وَرَدَ تفسيرُ حقِّها بذلك، خرَّجَه الطَّبَرَانِيُّ وابنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ مِن حديثِ أنَسٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: ((أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقَولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُم إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))
قِيلَ: وَمَا حَقُّهَا؟
قالَ: ((زِنًى بَعْدَ إِحْصَانٍ، وَكُفْرٌ بَعْدَ إِيمانٍ، وَقَتْلُ نَفْسٍ، فَيُقْتَلُ بِهَا)).
ولعلَّ آخِرَه مِن قوْلِ أنَسٍ.
وقد قِيلَ: إن الصَّوابَ وَقْفُ الحديثِ كلِّه عليه.
ويَشْهَدُ لهذا ما في (الصَّحيحيْن) عن ابنِ مَسْعُودٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: ((لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلجَمَاعَةِ)).
وسيأتِي الكلامُ على هذا الحديثِ مُسْتَوْفًى عندَ ذِكْرِهِ في مَوْضِعِهِ مِن هذا الكِتابِ، إن شاءَ اللَّهُ تعالَى.


وقولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)) يعنِي: أن الشَّهادتيْنِ مع إِقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ تَعْصِمُ دَمَ صاحِبِهَا ومالَه في الدنيا، إلا أن يأتِيَ ما يُبِيحُ دَمَهُ.

وأمَّا في الآخِرَةِ، فحسابُه على اللَّهِ عزَّ وجلَّ، فإن كانَ صادِقًا أَدْخَلَه اللَّهُ بذلِكَ الجنَّةَ، وإن كانَ كاذِبًا، فإنه مِن جُمْلَةِ المُنَافِقِين في الدَّرْكِ الأسفلِ مِن النَّارِ.

وقد تَقَدَّمَ أن في بَعْضِ الرِّواياتِ في (صحيحِ مسلمٍ) ثم تَلا: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ(22) إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ(23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ العَذَابَ الأَكْبَرَ(24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيابَهُم (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ(26)} [الغَاشِيَة: 21-26].


والمعنَى: إنما عليكَ تذكيرُهم باللَّهِ، ودَعْوَتُهُم إليه، ولَسْتَ مُسَلَّطًا على إِدْخَالِ الإِيمانِ في قُلُوبِهِم قَهْرًا وَلا مُكَلَّفًا بذلك، ثم أخْبَرَ أن مَرْجِعَ العِبَادِ كلِّهم إليه وحسابَهُم عليه.
وفي (مُسْنَدِ البَزَّارِ) عن عِياضٍ الأنصارِيِّ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ كَلِمَةٌ عَلَى اللَّهِ كَرِيمةٌ، لَهَا عِنْدَ اللَّهِ مَكانٌ، وَهِيَ كَلِمَةٌ مَنْ قَالَهَا صَادِقًا، أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الجَنَّةَ، وَمَنْ قَالَهَا كَاذِبًا حَقَنَتْ مَالَه وَدَمَهُ، وَلَقِيَ اللَّهَ غَدًا فَحَاسَبَهُ)).
وقد اسْتَدَلَّ بهذا مَن يَرَى قَبُولَ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ وهو المُنَافِقُ إذا أَظْهَرَ العَوْدَ إلى الإِسلامِ، ولم يَرَ قَتْلَه بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ نِفَاقِهِ، كما كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعامِلُ المُنَافِقِين، ويُجْرِيهِم على أحكامِ المُسْلِمِين في الظَّاهِرِ معَ عِلْمِهِ بنفاقِ بعضِهم في الباطِنِ.
وهذا قولُ الشَّافِعِيِّ وأحمدَ في روايةٍ عنه، وحَكَاه الخَطَّابِيُّ عن أكثرِ العلماءِ، واللَّهُ أعلَمُ.

هيئة الإشراف

#7

30 Oct 2008

شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)


قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (

القارئ:

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى)) رواه البخاري ومسلم.
الشيخ:
هذا الحديث، حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة))
قوله: (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا) يعني: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وما يلزم عنها من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هذه لا بد من مطالبة الناس بها جميعاً المؤمن والكافر.
وللناس جميعاً أرسل المصطفى عليه الصلاة والسلام وأُمر أن يقاتلهم بقول الله جلّ وعلا: {وقاتلوا المشركين كافةً كما يقاتلونكم كافةً} وبقوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين آوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
فأمر الله جلّ وعلا بالقتال حتى تُلتزم الشريعة وهذا لا يعني أنه يُبتدأ بالقتال بل هذا يكون بعد البيان وبعد الإنذار، وقد كان عليه الصلاة والسلام لا يغزُ قوماً حتى يُؤذنهم يعني: حتى يأتيهم البلاغ بالدين، وقد أرسل عليه الصلاة والسلام الرسائل المعروفة إلى عظماء أهل البلاد فيما حوله يبلغهم دين الله جلّ وعلا ويأمرهم بالإسلام أو فالقتال وهذا ذائع مشهور.
إذاً فقوله عليه الصلاة والسلام: (أُمرتُ أَن أُقاتل الناس حتى يشهدوا) يعني: بعد البيان والإعذار فهو يقاتلهم حتى يلتزموا بالدين.


وهل هذا يعني أنه هو الخيار الوحيد؟

الجواب: هذا في حق المشركين، ولهذا حمله طائفة من أهل العلم أن الناس هنا: هم المشركون الذين لا تُقبل منهم الجزية ولا يقرُّون على الشرك، أما أهل الكتاب أو من له شبهة كتاب فإنه يُخير أهل تلك الملل بين القتال، أو أن يُعطوا الجزية؛ حتى يكونوا في حماية أهل الإسلام ويكون هؤلاء رعايا لدولة الإسلام وبذلك لا يُقتلون وهذا في حق أهل الكتاب واضح.
فإن أهل الكتاب مخيرون بين ثلاثة أشياء:
- إمَّا أن يسلموا فتعصم دماءهم وأموالهم.
- وإما أن يُقاتلوا حتى يظهر دين الله.

- وإما أن يرْضَوا بدفع الجزية وهي ضريبة على الرُّؤوس؛ مال على كل رأس فيبقوا رعايا في دولة الإسلام ويسمون أهل الذِمَّة.
قوله عليه الصلاة والسلام إذاً (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) المقصود بالشهادة هنا شهادة أن لا إله إلا الله يعني أن يقولوا: لا إله إلا الله.
فأولُ الأمر أنه يُكفَ عن قتالهم بأن يقول هذه الكلمة وقد يكون قالها تعوُّذاً، فتعصمهُ هذه الكلمة حتى ينظر عملهُ.
ومعلوم في الصحيح قصة أسامة وقصة خالد، حيث قتل من قال: لا إله إلا الله فلما سأل النبي عليه الصلاة والسلام القاتل قال: ((أقتلتهُ بعد ما قال لا إله إلا الله)؟!))

قال: يا رسول الله إنما قالها تعوُّذاً -يعني من القتل-.

قال: ((فكيف تفعل بها إذا جاء يُحاج بها يوم القيامة)) فندم وَودّ أنه لم يفعل ذلك فهذا يكتفى فيه بالقول.


فإذاً قوله عليه الصلاة والسلام: ((حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)) المقصود به هنا يعني في مبدأ الأمر: أن يقول الكافر: أشهد أن لا إله إلا الله أو أن يقول لا إله إلا الله محمدٌ رسول بالله.

ومن هنا اختلف العلماء ، لم أضاف إقام الصلاة وإيتاء الزكاة بعدها فقال: ((حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)) ومن المعلوم أنه لا يُشترط يعني بالإجماع في الكف عن قتال الكافر أنْ يقيم الصلاة وأن يؤتي الزكاة.
قالت طائفة: هذا باعتبار المآل يعني: يُكتفى منه بالشهادتين فيُكف عن دمه ثم يطالب بحقها وأعظم حقوقها الظاهرة: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة حتى يكون دخل في الدين بصدق كما قال جلّ وعلا: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين} فتبينَّ بهذا أنّ قوله: ((ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)) ليست على ظاهرها من أنه لا يُكفُ عنه حتى تجتمع الثلاثة: الشهادة والصلاة والزكاة.
معلومٌ أنه قد يشهد قبل حلول وقت الصلاة، والصلاة تحتاج إلى طهارة وإلى غُسل، والزكاة تحتاج إلى شروط: من دوران الحول وشروط أُخر معروفة لوجوبها.
وقالت طائفة من أهل العلم: إنّ المقصود هنا ((ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)) أن يلتزموا بها. يعني أن يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويلتزم بجميع شعائر الإسلام التي أعظمها حق البدن، وحق الله جل وعلا المتعلق بالبدن وهو الصلاة، وحق الله جلّ وعلا المتعلق بالمال وهو الزكاة.
ومعنى الالتزام أنه دخل في العقيدة وفي الشريعة، لأنه قد يقول: لا إله إلا الله ولا يؤدي بعض الواجبات، لا يؤدي الصلاة ولا يؤدي الزكاة فيقول أنا لم أدْخُل إلا في التوحيد ما التزمت بهذه الأعمال.

فقالوا: دلّ قوله: ((ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)) على وجوب الالتزام بالعبادات يعني: أن يعتقد أنه مخاطبٌ بكلّ حكمٍ شرعي وأنه لا يخرج عن الأحكام الشرعية، لأن هناك من العرب من قبلوا بشرط أن لا يخاطبوا بترك شُرْب الخمر أو أن لا يكونوا مخاطبين بعدم نكاح المحارم وأشباه ذلك.
فالالتزام بالشريعة معناه: أن يكون معتقداً دخوله في الخطاب بكل حكم من أحكام الشريعة وهذا كما هو معلوم مقترنٌ بالشهادتين.
لهذا قال العلماء: (تُقاتل الطائفة الممتنعة عن التزام شعيرة من شعائر الإسلام واجبة أو مستحبة)
ومعنى قولهم (تُقاتل الطائفة الممتنعة): أنه إذا اجتمع أُناس قالوا نحن نلتزم بأحكام الإسلام لكن لا نلتزم بالأذان بمعنى أنَّ الأذان ليس لنا وإنما لطائفة من الأمة أخرى.

أو يقولون: نلتزم إلا بالزكاة فالزكاة لسنا مخاطبين بأن نعطيها الإمام يعني: أنهم يعتقدون أنَّ شيئاً من الشريعة ليسوا داخلين فيه هذا الذي يسمى (الامتناع).

الطائفة الممتنعة يعني التي تقول: هذا الحكم ليس لي وإنمّا لكم، مثل مانعي الزكاة في عهد أبي بكر الصديق الذين ارتدوا ومثل الذين يزعمون سقوط التكاليف عنهم وأنهم غير مخاطبين بالصلاة والزكاة أو غير مخاطبين بتحريم الزنا وأشباه ذلك فيه تفاصيل لهذا.
المقصود أنّ قوله عليه الصلاة والسلام: ((أُمرتُ أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)) أنّ هذا لأداء حقوق كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
اختلف العلماء في الفرد الذي يمتنع عن أداء الصلاة يمتنع يعني يقول: لا أؤديها، أما الذي لا يلتزم بمعنى يقول: أنا غير مخاطب سواء كان فرداً أو جماعة فإنه كافر ليس له حق ولا يُعصم ماله ولا دمه.
لكن الذي يمتنع من الأداء مع التزامه بذلك فاختلفوا هل يُقتل تارك الصلاة؟
والصحيح فيها أنه لا يقتل حتى يستتيبه إمامٌ أو نائبه، ويتضايق وقت الثانية عنها، ويؤمر بها ثلاثاً ثم بعد ذلك يقتل مرتدّاً على الصحيح.
واختلفوا أيضا في المانع للزكاة هل يُقتل؟
على روايتين عند الإمام أحمد، وعلى قولين أيضاً عند بقية العلماء، فقولٌ: أنه يقتل.
والثاني: أنه لا يقتل؛ كالفرد الذي يمتنع عن أداء الزكاة.
وهكذا في سائر الأحكام الصوم والحج، ثَمَّ خلاف بين أهل العلم فيمن ترك هل يُقتل يعني وأصر على الترك ودعاه الإمام وقال افعل: هل يقتل أو لا يقتل؟
اختلفوا في هذا كله بما هو مبسوط في كتب الفروع ومعروف.
قال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك ((فإذا فعلوا ذلك عصموا منِّي دمائهم وأموالهم)) دلّ على أن الكافر مباح المال ومباح الدم، يعني لا شيء في سرقة مال حرْبيٍ وهو من بينك وبينه حرب فوجدت شيئاً من ماله فلا يحرم ماله لأنه قد أبيح دمه وأبيح ماله بالتبع.
بخلاف المعاهد والمستأمن أو من خانك فإنه لا يجوز أن تعتدي على شيءٍ من أموالهم حتى ولو كان غير مسلم إلا إذا كان حربياً ولو خانوا في المال فإنه لا يجوز التعدي على أموالهم وإذا لم يخونوا من باب أولى لأنهم لم يُبح مالهُم.
وقد جاء في الحديث ((أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)) لأنك تعاملهم لحق الله تعالى جل وعلا فلا تستبح مالهم لأجل ما هم عليه بل تؤدي فيهم حقّ الله جلّ وعلا.
أمّا مَنْ ليس كذلك يعني المشرك الذي أبى أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن يقيم الصلاة وأن يؤتي الزكاة فهذا لا يحرمُ ماله ودمه بل يباح منه الدم فيقتل على الكفر لأنه أصرّ على ذلك يعني بعد إقامة الحجة عليه أو بعد الإِعذار، هذا هو الأصل.
وجاء في (صحيح مسلم) ما هو بخلاف هذا الأصل حديث ابن عباس المعروف ((أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- غزا قوماً وهم غارُّون)) يعني بدون أن يُؤْذنهم وهذا كالاستثناء للأصل وله بعض أحكامه.
فالأصل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يُقاتل قوماً حتى يُؤذنهم حتى يبلغهم وربما فعل غير ذلك في قصة بني المصطلق المعروفة أنه غزاهم وهم غارون في تفاصيل لذلك.
قال: ((عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله جل وعلا))
حق الإسلام:


يعني ما جاء في الإسلام التشريع به من إباحة الدم أو إباحة المال، فإذا شهدوا الشهادتين وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإنهم إخواننا فتحرم دماؤهم وأموالهم إلا بحق الإسلام يعني إلا بما أباح الإسلام أو شرع الله جل وعلا في هذه الشريعة أنّ دمهم مباح

- مثل الثيب الزاني.
- ومثل النفس بالنفس.
وأشباه ذلك مما هو معروف وسيأتي بعضه في حديث: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث))
قال: ((وحسابهم على الله عز وجل)) هذا لما تقدم من أنه قد يَشهد وُيقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ظاهراً فنقول: نقبل منه الظاهر ونكلُ سريرته إلى الله جل وعلا كحال المنافقين.

المنافقون نعلم أنهم كفار لكن نعصم دمهم ومالهم بما أَظهروه وحسابهم على الله جلَّ وعلا.
لهذا نقول:
الكفر كفران:

- كفر ردةٍ: تترتب عليه الأحكام من إباحة المال والدم.
- وكفر نفاق: نعلم أنه كافر ويحكم عليه بأنه كافر لكن لا تترتب عليه أحكام الكفر لأنه ملحق بالمنافقين وهذا معروف بتفاصيله في كلام أهل العلم.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

30 Oct 2008

الكشاف التحليلي

حديث ابن عمر رضي الله عنهما: مرفوعاً: (أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتى...)
تخريج الحديث
موضوع الحديث
منـزلة الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث ابن عمر
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس)
معنى الأمر بالقتال في الحديث
إعراب قوله: (أُمرت)
المراد بالناس في قوله: (أمرت أن أقاتل الناس)
الحديث خاص بالمشركين دون أهل الكتاب
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله..)
اختلاف العلماء في إضافة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة بعد الأمر بالشهادتين
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ويقيموا الصلاة)
معنى إقامة الصلاة
حكم تارك الصلاة
متى يكفر تارك الصلاة؟
حكم قتال الممتنع من أداء الصلاة
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ويؤتوا الزكاة)
معنى إيتاء الزكاة
حكم مانع الزكاة
حكم قتال الممتنع من إيتاء الزكاة
أدلة مشروعية قتال الممتنعين من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
حكم قتال الممتنع من الصوم
حكم قتال الممتنع من الحج
مسائل متفرقة في القتال
حكم القتال
الحكمة من مشروعية القتال
أهل الكتاب لا يقاتلون إلا بعد التخيير
اشتراط الإيذان والإبلاغ قبل الغزو
حكم التبييت
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأموالهم)
معنى (عصموا) أي منعوا وحفظوا
أصل العصمة من (العصام) وهو وكاء القربة
المراد بعصمة الدم: حرمة القتل
المراد بعصمة المال: حرمة أخذه
حكم دم المستأمن وماله
حكم دم المعاهد وماله
حكم دم الحربي وماله
حكم دم المشرك وماله
شرح قوله صلى الله عليه سلم: (إلا بحقها)
بيان ما يدخل في هذه الجملة
لفظة: (إلا بحق الإسلام) تفرَّد بها البخاري عن مسلم
الاستثناء في الحديث منقطع

زعم سفيان أن الحديث كان في أول الإسلام

أراد بذلك أنه منسوخ
بيان أن الحديث محكم غير منسوخ
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وحسابهم على الله)
الجمع بين ألفاظ أحاديث الباب
حكم قبول توبة الزنديق
فوائد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما
وجوب الاسْتِجَابَةِ لأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
مَشْرُوعِيَّةُ الجِهَادِ فِي الإِسْلامِ

عصمة دم المسلم

أَنَّ الأحْكَامَ تُجرَى عَلَى الظَّاهِر
أَنَّ الإِسْلامَ حِفْظٌ لأَهْلِهِ فِي الدُّنْيَا والآخِرَة
اقتران الزكاة بالصلاة دليل أهميتها
إثبات الحساب

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

30 Oct 2008

العناصر

تخريج الحديث
موضوع الحديث
منـزلة الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث ابن عمر
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس)
معنى الأمر بالقتال في الحديث
إعراب قوله: (أُمرت)
المراد بالناس في قوله: (أمرت أن أقاتل الناس)
الحديث خاص بالمشركين دون أهل الكتاب
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله..)
اختلاف العلماء في إضافة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة بعد الأمر بالشهادتين
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ويقيموا الصلاة)
معنى إقامة الصلاة
حكم تارك الصلاة
حكم قتال الممتنع من أداء الصلاة
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ويؤتوا الزكاة)
معنى إيتاء الزكاة
حكم مانع الزكاة
حكم قتال الممتنع من إيتاء الزكاة
أدلة مشروعية قتال الممتنعين من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة
حكم قتال الممتنع من الصوم
حكم قتال الممتنع من الحج
مسائل متفرقة في القتال
حكم القتال
الحكمة من مشروعية القتال
أهل الكتاب لا يقاتلون إلا بعد التخيير
اشتراط الإيذان والإبلاغ قبل الغزو
حكم التبييت
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأموالهم)
معنى (عصموا) أي منعوا وحفظوا
المراد بعصمة الدم: حرمة القتل
المراد بعصمة المال: حرمة أخذه
حكم دم المستأمن وماله
حكم دم المعاهد وماله
حكم دم الحربي وماله
حكم دم المشرك وماله
شرح قوله صلى الله عليه سلم: (إلا بحقها)
بيان ما يدخل في هذه الجملة
لفظة: (إلا بحق الإسلام) تفرَّد بها البخاري عن مسلم
الاستثناء في الحديث منقطع
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وحسابهم على الله)
الجمع بين ألفاظ أحاديث الباب
حكم قبول توبة الزنديق

فوائد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما