22 Oct 2008
ح7: حديث تميمٍ الدَّاريِّ (الدين النصيحة...) م
قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (
7- عن أبي رُقَيَّةَ تَميمِ بنِ أوْسٍ الدَّاريِّ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ).
قُلْنَا: لِمَنْ؟
قالَ: (للهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواهُ مسلمٌ.
شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (
الحديث السابع
عَنْ أَبِيْ رُقَيَّةَ تَمِيْم بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الدِّيْنُ
النَّصِيْحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَارَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: للهِ،ولكتابه،
ولِرَسُوْلِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَعَامَّتِهِمْ))(1) رواه مسلم
الشرح
قوله: عَنْ أَبِيْ رُقَيَّةَ
هذه كنية بأنثى، والغالب أن الكنية تكون بذكر، لكن قد تكون بأنثى لا سيما
إذا اشتهر، وقد تكون بغير الإنسان كأبي هريرة مثلاً، فأبو هريرة رضي الله
عنه اشتهر بهذه الكنية من أجل أنه كان معه هرة ألفها وألفته فكنّي أبا
هريرة.
الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ
الدين: مبتدأ والنصيحة خبر، وكلٌّ من المبتدأ والخبر معرفة. وعلماء
البلاغة يقولون: إذا كان المبتدأ معرفة والخبر معرفة كان ذلك من طرق الحصر.
فقوله: الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ مثل قوله: ما الدين إلا النصيحة، فإذا كان طرفا الجملة معرفتين كان ذلك من باب الحصر.
وقوله: الدِّيْنُ يعني بذلك دين العمل، لأن الدين ينقسم إلى قسمين: دين عمل ودين جزاء. فقوله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة:4]
المراد به: دين الجزاء،
وقوله تعالى: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً ) [المائدة: الآية3] المراد به: دين العمل.
وقوله هنا: الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ المراد به دين العمل، والنصيحة بمعنى إخلاص الشيء.
وأبهم النبي صلى الله عليه
وسلم لمن تكون النصيحة من أجل أن يستفهم الصحابة رضي الله عنهم عن ذلك،
لأن وقوع الشيء مجملاً ثم مفصلاً من أسباب رسوخ العلم،لأنه إذا أتى مجملاً
تطلعت النفس إلى بيان هذا المجمل، فيأتي البيان والنفس متطلعة إلى ذلك
متشوفة له،فيرسخ في الذهن أكثر مما لوجاء البيان من أول مرة.
و في بعض ألفاظه: الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ ثَلاثَاً يعني قالها ثلاثاً الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة
قُلْنَا:لِمَنْ يَارَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: للهِ،ولكتابه،ولِرَسُوْلِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَعَامَّتِهِمْ
* النصيحة لله تتضمن أمرين:
الأول:إخلاص العبادة له.
الثاني: الشهادة له بالوحدانية في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته.
* والنصيحة لكتابه تتضمن أموراً منها:
الأول: الذبّ عنه، بأن يذب الإنسان عنه تحريف المبطلين، ويبيّن بطلان تحريف من حرّف.
الثاني: تصديق خبره تصديقاً جازماً لا مرية فيه، فلو كذب خبراً من أخبار الكتاب لم يكن ناصحاً، ومن شك فيه وتردد لم يكن ناصحاً.
الثالث: امتثال أوامره فما ورد في كتاب الله من أمر فامتثله، فإن لم تمتثل لم تكن ناصحاً له.
الرابع: اجتناب ما نهى عنه، فإن لم تفعل لم تكن ناصحاً.
الخامس: أن تؤمن بأن ما تضمنه من الأحكام هو خير الأحكام، وأنه لا حكم أحسن من أحكام القرآن الكريم.
السادس:
أن تؤمن بأن هذا القرآن كلام الله عزّ وجل حروفه ومعناه، تكلم به حقيقة،
وتلقاه جبريل من الله عزّ وجل ونزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم
ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين.
* والنصيحة لرسوله تكون بأمور منها:
الأول: تجريد المتابعة له، وأن لا تتبع غيره،لقول الله تعالى: (لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب:21]
الثاني: الإيمان بأنه رسول الله حقاً، لم يَكذِب، ولم يُكذَب، فهو رسول صادق مصدوق.
الثالث: أن تؤمن بكل ما أخبر به من الأخبار الماضية والحاضرة والمستقبلة.
الرابع: أن تمتثل أمره.
الخامس: أن تجتنب نهيه.
السادس: أن تذبّ عن شريعته.
السابع:
أن تعتقد أن ما جاء عن رسول الله فهو كما جاء عن الله تعالى في لزوم العمل
به، لأن ما ثبت في السنة فهو كالذي جاء في القرآن . قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) [النساء: الآية59] وقال تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) [النساء: الآية80] وقال تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا )[الحشر: الآية7].
الثامن: نصرة النبي صلى الله عليه وسلم إن كان حياً فمعه وإلى جانبه، وإن كان ميتاً فنصرة سنته صلى الله عليه وسلم.
وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْن أئمة جمع إمام، والإمام: القدوة كما قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ) [النحل: الآية120] أي قدوة، ومنه قول عباد الرحمن: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)[الفرقان: الآية74]
وأئمة المسلمين صنفان من الناس:
الأول:
العلماء، والمراد بهم العلماء الربانيون الذين ورثوا النبي صلى الله عليه
وسلم علماً وعبادة وأخلاقاً ودعوة، وهؤلاء هم أولو الأمر حقيقة، لأن هؤلاء
يباشرون العامة، ويباشرون الأمراء، ويبينون دين الله ويدعون إليه
الصنف الثاني:
من أئمة المسلمين: الأمراء المنفذون لشريعة الله، ولهذا نقول: العلماء
مبينون، والأمراء منفذون يجب عليهم أن ينفذوا شريعة الله عزّ وجل في أنفسهم
وفي عباد الله.
* والنصيحة للعلماء تكون بأمورٍ منها:
الأول: محبتهم، لأنك إذا لم تحب أحداً فإنك لن تتأسّى به.
الثاني: معونتهم ومساعدتهم في بيان الحق، فتنشر كتبهم بالوسائل الإعلامية المتنوعة التي تختلف في كل زمان ومكان.
الثالث:
الذبّ عن أعراضهم، بمعنى أن لا تقرّ أحداً على غيبتهم والوقوع في أعراضهم،
وإذا نسب إلى أحدٍ من العلماء الربانيين شيء يُستنكر فعليك أن تتخذ هذه
المراحل:
المرحلة الأولى: أن تتثبت من نسبتهِ إليه، فكم من أشياء نسبت إلى عالم وهي كذب، فلابد أن تتأكد، فإذا تأكدت من نسبة الكلام إليه فانتقل إلى المرحلة الثانية وهي:
أن تتأمل هل هذا محل
انتقاد أم لا؟ لأنه قد يبدو للإنسان في أول وهلة أن القول منتقد، وعند
التأمل يرى أنه حق، فلابد أن تتأمل حتى تنظر هل هو منتقد أو لا؟
المرحلة الثالثة: إذا تبيّن أنه ليس بمنتقد فالواجب أن تذبّ عنه وتنشر هذا بين الناس، وتبين أن ما قاله هذا العالم فهو حق وإن خالف ما عليه الناس.
المرحلة الرابعة:
إذا تبين لك حسب رأيك أن ما نسب إلى العالم وصحت نسبته إليه ليس بحق،
فالواجب أن تتصل بهذا العالم بأدب ووقار، وتقول: سمعت عنك كذا وكذا،وأحب أن
تبين لي وجه ذلك، لأنك أعلم مني، فإذا بيّن لك هذا فلك حق المناقشة، لكن
بأدب واحترام وتعظيم له بحسب مكانته وبحسب ما يليق به.
أما مايفعله بعض الجهلة
الذين يأتون إلى العالم الذي رأى بخلاف مايرون، يأتون إليه بعنف وشدة،وربما
نفضوا أيديهم في وجه العالم، وقالوا له:ما هذا القول الذي أحدثته؟ ما هذا
القول المنكر؟ وأنت لا تخاف الله ، وبعد التأمل تجد العالم موافقاً للحديث
وهم المخالفون له، وغالب ما يؤتى هؤلاء من إعجابهم بأنفسهم، وظنهم أنهم هم
أهل السنة وأنهم هم الذين على طريق السلف، وهم أبعد ما يكون عن طريق السلف
وعن السنة.
فالإنسان إذا أعجب بنفسه - نسأل الله السلامة - رأى غيره كالذر، فاحذر هذا.
الأمر الرابع من النصيحة للعلماء:
أنك إذا رأيت منهم خطأ فلا تسكت وتقول: هذا أعلم مني، بل تناقش بأدب
واحترام، لأنه أحياناً يخفى على الإنسان الحكم فينبهه من هو دونه في العلم
فيتنبه وهذا من النصيحة للعلماء.
الخامس :
أن تدلهم على خير ما يكون في دعوة الناس، فإذا رأيت هذا العالم محباً لنشر
العلم ويتكلم في كل مكان وترى الناس يتثاقلونه ويقولون هذا أثقل علينا،
كلما جلسنا قام يحدّث، فمن النصيحة لهذا العالم أن تشير عليه أن لا يتكلم
إلا فيما يناسب المقام، لاتقل:إني إذا قلت ذلك منعته من نشر العلم، بل هذا
في الواقع من حفظ العلم، لأن الناس إذا ملّوا سئموا من العالم ومن حديثه.
ولهذا كان النبي صلى الله
عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة، يعني لا يكثر الوعظ عليهم مع أن كلامه
صلى الله عليه وسلم محبوب إلى النفوس لكن خشية السآمة، والإنسان يجب أن
يكون مع الناس كالراعي يختار ما هو أنفع وأجدى.
* والنصيحة للأمراء تكون بأمور منها:
أولاً:
اعتقاد إمامتهم وإمرتهم، فمن لم يعتقد أنهم أمراء فإنه لم ينصح لهم، لأنه
إذا لم يعتقد أنهم أمراء فلن يمتثل أمرهم ولن ينتهي عما نهوا عنه، فلا بد
أن تعتقد أنه إمام أو أنه أمير، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة
جاهلية، ومن تولى أمر المسلمين ولو بالغلبة فهو إمام، سواء كان من قريش
أومن غير قريش.
ثانياً: نشر محاسنهم في الرعية، لأن ذلك يؤدي إلى محبة الناس لهم، وإذا أحبهم الناس سهل انقيادهم لأوامرهم .
وهذا عكس ما يفعله بعض الناس حيث ينشر المعايب ويخفي الحسنات، فإن هذا جورٌ وظلم.
فمثلاً يذكر خصلة واحدة مما يُعيب به على الأمراء وينسى خصالاً كثيرة مما قاموا به من الخير، وهذا هو الجور بعينه.
ثالثاً:
امتثال ما أمروا به وما نهوا عنه، إلا إذا كان في معصية الله عزّ وجل لأنه
لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وامتثال طاعتهم عبادة وليست مجرد سياسة،
بدليل أن الله تعالى أمر بها فقال عزّ وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأولي الأمر منكم) [النساء:59] فجعل ذلك من مأموراته عزّ وجل، وما أمر الله تعالى به فهو عبادة.
ولا يشترط في طاعتهم ألاّ يعصوا الله،فأطعهم فيما أمروا به وإن عصوا الله، لأنك مأمور بطاعتهم وإن عصوا الله في أنفسهم.
رابعاً:
ستر معايبهم مهما أمكن، وجه هذا: أنه ليس من النصيحة أن تقوم بنشر
معايبهم، لما في ذلك من ملئ القلوب غيظاً وحقداً وحنقاً على ولاة الأمور،
وإذا امتلأت القلوب من ذلك حصل التمرّد وربما يحصل الخروج على الأمراء
فيحصل بذلك من الشر والفساد ما الله به عليم.
وليس معنى قولنا: ستر
المعايب أن نسكت عن المعايب، بل ننصح الأمير مباشرة إن تمكنا،وإلا فبواسطة
من يتصل به من العلماء وأهل الفضل. ولهذا أنكر أسامة بن زيد رضي الله عنه
على قوم يقولون: أنت لم تفعل ولم تقل لفلان ولفلان يعنون الخليفة، فقال
كلاماً معناه: (أتريدون أن أحدثكم بكل ما أحدث به الخليفة) فهذا لا يمكن.
فلا يمكن للإنسان أن يحدث
بكل ما قال للأمير، لأنه إذا حدث بهذا فإما أن يكون الأمير نفذ ما قال،
فيقول الناس: الأمير خضع وذل، وإما أن لا ينفذ فيقول الناس: عصى وتمرّد.
ولذلك من الحكمة إذا نصحت ولاة الأمور أن لا تبين ذلك للناس،لأن في ذلك ضرراً عظيماً.
خامساً: عدم الخروج عليهم، وعدم المنابذة لهم، ولم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في منابذتهم إلا كما قال:
أَنْ تَرَوا أي رؤية عين، أو رؤية علم متيقنة.
كُفْرَاً بَوَاحَاً أي واضحاً بيّناً.
عِنْدَكُمْ فِيْهِ مِنَ اللهِ بُرْهَانٌ(2) أي دليل قاطع.
ثم إذا جاز الخروج عليهم بهذه الشروط فهل يعني ذلك أن يخرج عليهم ؟ لأن هناك فرقاً بين جواز الخروج، وبين وجوب الخروج.
والجواب:
لا نخرج حتى ولو رأينا كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، إلا حيث
يكون الخروج مصلحة،وليس من المصلحة أن تقوم فئة قليلة سلاحها قليل في وجه
دولة بقوتها وسلاحها، لأن هذا يترتب عليه إراقة الدماء واستحلال الحرام دون
ارتفاع المحذور الذي انتقدوا به الأمراء،كما هو مشاهد من عهد خروج الخوارج
في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم إلى يومنا هذا،حيث يحصل من الشر
والمفاسد ما لا يعلمه إلاربُّ العباد.
لكن بعض الناس تتوقد نار الغيرة في قلوبهم ثم يحدثون ما لا يحمد عقباه، وهذا غلط عظيم.
ثم إنا نقول: ما ميزان
الكفر؟ فقد يرى البعض هذا كفراً و البعض لايراه كفراً، ولهذا قيد النبي صلى
الله عليه وسلم ذلك بقوله كُفْرَاً بَوَاحَاً ليس فيه احتمال،كما لو رأيته
يسجد للصنم، أو سمعته يسب الله، أو رسوله أو ما أشبه ذلك.
قال: وَعَامَّتُهُمْ
أي عوام المسلمين، والنصح لعامة المسلمين بأن تبدي لهم المحبة، وبشاشة
الوجه، وإلقاء السلام، والنصيحة، والمساعدة ، وغير ذلك مما هو جالب للمصالح
دافعٌ للمفاسد.
واعلم أن خطابك للواحد من
العامة ليس كخطابك للواحد من الأمراء، وأن خطابك للمعاند ليس كخطابك
للجاهل، فلكل مقام مقال، فانصح لعامة المسلمين ما استطعت.
وبهذا نعرف أن هذا الحديث على اختصاره جامع لمصالح الدنيا والآخرة.
من فوائد هذا الحديث:
1. أهمية النصيحة في هذه المواضع، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلها الدين فقال: الدِّيْنُ النَّصِيْحةُ
2. حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يذكر الشيء مجملاً ثم يفصّله، لقوله: الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ.
3.
حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم، وأنهم لن يدعوا شيئاً يحتاج الناس
إلى فهمه إلا سألوا عنه، ومن ذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن
الدّجّال يمكث في الأرض أربعين يوماً، اليوم الأول كسنة قالوا يارسول الله:
هذا اليوم الذي يبدو كسنة تكفينا فيه صلاة واحدة؟(3)
فسألوا، ويتفرع على هذا : أن ما لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم من
أمور الدين فلا نسأل عنه لاسيما فيما يتعلّق بأسماء الله وصفاته، ولهذا عد
الإمام مالك - رحمه الله - من سأل عن كيفية الاستواء، مبتدعاً، لأنه ابتدع
سؤالاً لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم .
4.
البداءة بالأهم فالأهم، حيث بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالنصيحة لله،
ثم للكتاب، ثم للرسول صلى الله عليه وسلم ثم لأئمة المسلمين، ثم عامتهم.
وإنما قدم الكتاب على
الرسول لأن الكتاب يبقى، والرسول يموت، على أن النصيحة للكتاب وللرسول
متلازمان، فإذا نصح للكتاب نصح للرسول ، وإذا نصح للرسول نصح للكتاب.
5. وجوب النصيحة لأئمة المسلمين، وذلك بما ذكرناه من الوجوه بالنسبة للأمراء، وبالنسبة للعلماء.
6. الإشارة إلى أن المجتمع الإسلامي لابد له من إمام، والإمامة قد تكون عامة، وقد تكون خاصة.
فإمام المسجد إمام في
مسجده، ولهذا قال أهل العلم: لا يجوز أن تقام الجماعة التي لها إمام راتب
بدون إذن الإمام الراتب، لأن ذلك عدوان على حقه.
ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمّروا أحدهم(4) لئلا يكون أمرهم فوضى.
وهذا الأمير الذي يؤمّرونه
تجب طاعته فيما يتعلق بأحكام السفر، لأنهم جعلوه أميراً، فإذا تأمر على
قومه في السفر وقال: يا فلان قم أصلح كذا، وهو يتعلق بالسفر وجب عليه أن
يطيع، وإلا فلا فائدة في الإمرة.
أما لو قال الأمير لأحد
رفقائه: يا فلان قدم لي نعالي، فلا يلزمه أن يطيع، لأنهم جعلوه أميراً فيما
يتعلق بأمور السفر، وهذا لا يتعلق بأمور السفر.
ولو قال لأحدهم: يا فلان جهّز لنا الغداء، فإنه يلزمه لأن هذا يتعلق بالسفر.
ولو قال لهم: الآن ننزل في هذا المكان حتى يبرد الوقت فإنه يلزمهم، وهكذا ، وعليه فلابد للأمة الإسلامية من إمام . والله الموفق .
____________________________________________________________
(1) سبق تخريجه صفحة (78)
(2)
- أخرجه البخاري – كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم ((
سترون بعدي أموراً تنكرونها)) ، (7555)، ومسلم – كتاب: الإمارة، باب: وجوب
طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، (1709)، (42)، وفي
البخاري ومسلم وردت بلفظ "عندكم من الله فيه برهان"
(3) - أخرجه مسلم – كتاب: الفتن، باب: ذكر الدجال وصفته وما معه، (2937)، (110)
(4) - أخرجه مسلم – كتاب: المساجد، باب: فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح، وفضل المساجد، (672)،(289)
شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي
قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (
(1) تَرْجَمَةُ الصَّحَابِيِّ رَاوِي الحديثِ:
أبو رُقَيَّةَ: بِضَمِّ المُهْمَلَةِ، وَفَتْحِ القَافِ وتَشْدِيدِ الياءِ، تَمِيمُ بنُ أَوْسٍ الدَّارِيُّ نِسْبَةً إلى جَدِّهِ الدَّارِ، أَسْلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ ومَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الخَليلِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-.
الشَّرحُ:
عَنْ أبي رُقَيَّةَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الدِّينُ))الذي بُعِثْتُ بهِ ((النَّصِيحَةُ)) الإخلاصُ.
(قُلْنَا:) يَا رسُولَ اللهِ (لِمَنْ)ذلكَ الإخلاصُ؟
(قَالَ) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((للهِ))
هُوَ أَنْ يَجْعَلَ العَبْدُ نفسَهُ خالِصَةً لِمَوْلاَهُ، فَيَعْتَقِدُ
أَنَّهُ إلَهٌ واحدٌ في أُلُوهِيَّتِهِ مُنَزَّهٌ عَنِ الشِّرْكِ،
والنِّدِّ والمِثْلِ والنَّظِيرِ، وَعَمَّا لا يَلِيقُ بِهِ، وموصوفٌ
بِكُلِّ كَمَالٍ يَلِيقُ بهِ.
يُعَظِّمُهُ
أَعْظَمَ التَّعْظِيمِ، وَيَسْعَى فيمَا يُحِبُّ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ،
وَيَجْتَنِبُ مَا يَكْرَهُ، وَيُحِبُّ مَا يُحِبُّهُ، وَيَكْرَهُ مَا
يَكْرَهُهُ وَيَعْتَقِدُ مَا جَعَلَهُ حَقًّا حَقًّا، ومَا جَعَلَهُ
بَاطِلاً بَاطِلاً، وَيَكُونُ مَمْلُوءَ القلبِ مِنْ حُبِّهِ والشوقِ
إليهِ، شَاكِرًا لِنِعَمِهِ، صَابِرًا على بَلاَئِهِ، رَاضِيًا
بِقَضَائِهِ.
((وَلِكِتَابِهِ)) بأَنْ
يَعْتَقِدَ أَنَّهُ كلامُ اللهِ تَعَالَى، يَجِبُ الإيمانُ بِمَا فيهِ،
والعملُ بِهِ، وَتَكْرِيمُهُ، وَتِلاَوَتُهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ،
وَتَقْدِيمُهُ على مَا سِوَاهُ، والاعتناءُ بِعُلُومِهِ.
وفيهِ
مِنَ العلومِ الإِلَهِيَّةِ ما لاَ تُعَدُّ ولا تُحْصَى، وهُوَ رَفِيقُ
السَّالِكِينَ، ووَسِيلَةُ الوَاصِلِينَ، وقُرَّةُ عينِ العارِفينَ، ومَن
وَصَلَ فإنَّما وَصَلَ بطريقِهِ.
وَقدْ ضَلَّ مَنْ خَالَفَ طَرِيقَهُ، ولَوْ عَلِمَ العَبِيدُ جَلاَلَةَ كِتَابِ اللهِ المَجِيدِ لَمَا فَارَقُوهُ قَطُّ.
((وَلِرَسُولِهِ))
بأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ أَفْضَلُ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، أَرْسَلَهُ إلى
عِبَادِهِ لِيُخْرِجَهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ، وَبَيَّنَ لَهمُ
مَا يُسْعِدُهُم، وَمَا يُرْدِيهِمْ، وَيَشْرَحَ لَهُمْ صِرَاطَ اللهِ
المُسْتَقِيمَ لِيَفُوزُوا بالنَّعِيمِ وَيَنْجُوا مِنَ الجَحِيمِ.
وَيُحِبَّهُ
وَيُجِلَّهُ وَيَتَّبِعَهُ ولاَ يَجِدَ في صَدْرِهِ حَرَجًا مِمَّا قَضَى،
وَيَقْتَدِيَ بهِ في أَقْوالِهِ وأَفْعَالِهِ، وَيَنْقَادَ لَهُ كالأَعْمَى يَنْقَادُ للقَائِدِ البَصِيرِ.
والفائزُ مَنْ فازَ بِمَحَبَّةِ وَمُتَابَعَةِ سُنَّتِهِ، والخَائِبُ
مَن حُرِمَ اتِّبَاعَ مِلَّتِهِ، مَنْ أَطَاعَهُ فقَدْ أطَاعَ اللهَ،
ومَنْ خَالَفَهُ فقَدْ خَالَفَ اللهَ، ومَنْ خَالَفَهُ فسَوْفَ يُعَاقَبُ.
((وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ))
وُلاَةِ أُمُورِهِم، فَيَقْبَلُ أَمْرَهُمْ ويُطِيعُهُم وَيَسْمَعُ
قولَهُمْ في غَيرِ المَعْصِيَةِ؛ إذْ لاَ طاعةَ لِمخْلُوقٍ في مَعصِيةِ
الخَالِقِ، ولا يُقَاتِلُهُم، مَا لَمْ يَكْفُرُوا.وَيَسْعَى في إِصْلاَحِ
حَالِهِمْ، وإِذْهَابِ فَسَادِهِم، وَيَأْمُرُهُم بالخيرِ وَيَنْهَاهُمْ
عَنِ المُنْكَرِ، وَيَدْعُو لَهُمْ بالصَّلاحِ؛ إذْ في صَلاَحِهِمْ صَلاَحُ
الرَّعِيَّةِ، وفي فَسَادِهِمْ فَسَادُهَا.
((وَعَامَّتِهِم))
بِإِعَانَتِهِمْ على الخَيرِ، ومَنْعِهِمْ عَنِ الشَّرِّ،
وَإِرْاشَادِهِمْ إلى الهُدَى، وَزَجْرِهِم عَنِ الرَّدَى، وَيُحِبُّ
لَهُمْ مِنَ الخَيرِ مَا يُحِبُّ لِنفسِهِ؛ لأنَّهُم عَبِيدُ اللهِ،
وَيَنْبَغِي للعبدِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِمْ بعَيْنٍ وَاحِدَةٍ؛ عَينِ
الحقِّ.
المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري
قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (
الرَّاوِي:
تَمِيمُ بنُ أَوْسِ بنِ خَارِجَةَ الدَّارِيُّ أَبُو رُقَيَّةَ،أَسْلَمَ
السَّنَةَ التَّاسِعَةَ مِنَ الهِجْرَةِ، وانْتَقَل إِلَى الشَّامِ،
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْرَجَ السِّرَاجَ بالمَسْجِدِ، تُوُفِّيَ فِي فِلَسْطِينَ في العَامِ الأَرْبَعِينَ للهِجْرَةِ، ولَهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثاً.
مَوْضُوعُ الحَدِيثِ:
أَهَمِّيَّةُ النَّصِيحَةِ، أو وُجُوبُ النَّصِيحَةِ.
المُفْرَدَاتُ: أَنْواعُ النَّصِيحَةِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ:
أَوَّلاً: للَّهِ.
ثانياً: كِتَابِهِ.
ثَالِثاً: لِرَسُولِهِ.
رَابِعاً: لأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ.
خَامِساً:لِعَامَّةِ المُسْلِمِينَ.
(الدِّينُ) هُوَ
مَايَدِينُ بِهِ العَبْدُ لِرَبِّهِ عَزَّ وجَلَّ مِنَ القِيَامِ
بأَوَامِرِه، وتَرْكِ نَوَاهِيهِ، وبه يَعودُ إلى فِطْرَتِهِ وتَظْهَرُ
إِنْسَانِيَّتُهُ.
(النَّصِيحَةُ) كَلِمَةٌ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ إِرَادَةِ الخَيْرِ للمَنْصُوحِ لَهُ.
وأَصْلُ النُّصْحِ: الخُلُوصُ، ومِنْهُ: نَصَحْتُ العَسَلَ، أي: صَفَّيْتَهُ مِنَ الشَّمْعِ وخَلَّصْتَهُ مِنْهُ.
وقِيلَ: مِنْ نَصَحَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ إِذَا خَاطَهُ، فَهُوَ إِصْلاحٌ للأَخْطَاءِ وسَتْرٌ للعُيُوبِ.
- وتَكُونُ بالقَوْلِ: كالدَّعْوَةِ.
- وتَكُونُ بالفِعْلِ: الدَّفْعِ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
- وتَكُونُ بالمَالِ ، ونَحْوِ ذَلِكَ.
(قُلْنَا لِمَنْ) حِرْصُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى الخَيْرِ وحُبُّهُمْ لَهُ ورَغْبَتُهُمْ فِي العِلْمِ.
(قَالَ: للَّهِ) النُّصْحُ للَّهِ تَعَالَى:
بتَوْحِيدِهِ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وأُلُوهِيَّتِهِ وأَسْمَائِهِ
وصِفَاتِهِ، والإِخْلاصِ لَهُ فِي العِبَادَةِ، ونَيْلِ مَحَبَّتِهِ،
والعَمَلِ بأَوَامِرِه، وتَرْكِ نَوَاهِيهِ، والاسْتِسْلامِ والإِذْعَانِ
لَهُ.
(ولكتابِهِ) المُرَادُ بالكِتَابِ:
هُوَ القُرْآنُ الكَرِيمُ، وذَلِكَ بالتَّصْدِيقِ بهِ، وشِدَّةِ حُبِّ،
وتَعْظِيمِ قَدْرِهِ، والائْتِمَارِ بأَمْرِهِ، وتَرْكِ نَهْيِهِ،
وتَصْدِيقِ خَبَرِهِ، والعَمَلِ بهِ وتِلاوَتِهِ، ومَعْرِفَةِ مَعَانِيهِ،
والدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وعَدَمِ تَحْرِيفِهِ، ونَشْرِهِ بَيْنَ العِبَادِ،
والتَّخَلُّقِ بأَخْلاقِهِ، والتَّأَدُّبِ بآدَابِهِ، والاسْتِشْفَاءِ بهِ.
(وَلِرَسُولِهِ) المُرَادُ بِهِ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وذَلِكَ:
في حَيَاتِهِ: ببَذْلِ المَجْهُودِ فِي طَاعَتِهِ ونُصْرَتِهِ ومُعَاوَنَتِهِ، وبَذْلِ المَالِ لَهُ ومَحَبَّتِهِ.
وأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ: فبالتَّصْدِيقِ
برِسَالَتِهِ وطَاعَتِهِ، والتَّمَسُّكِ بسُنَّتِهِ، والتَّخَلُّقِ
بأَخْلاقِهِ، والسَّيْرِ عَلَى نَهْجِهِ، والاقْتِدَاءِ بهِ.
(ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ) أي:
الوُلاةِ والحُكَّامِ، وذَلِكَ بإِعْانَتِهِمْ عَلَى الحَقِّ،
وطَاعَتِهِمْ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وعَدَمِ الخُرُوجِ
عَلَيْهِم -إِلاَّ أَنْ يَرَى كُفْراً بَواحاً فِيهِ بُرْهانٌ- وحُبِّ
صَلاحِهِمْ، وحُبِّ اجْتِمَاعِ الأُمَّةِ عَلَيْهِمْ، وتَذْكِيرِهِمْ
بالحَقِّ ودَعْوَتِهِمْ إِلَيْهِ والدُّعَاءِ لَهُمْ بالصَّلاحِ
والرَّشَدِ.
(وعَامَّتِهِمْ) أي:
عُمُومِ النَّاسِ، وذَلِكَ بإِرْشَادِهِمْ إِلَى صَلاحِ دُنْياهُمْ
وأُخْرَاهُمْ، وأَمْرِهِمْ بالمَعْرُوفِ، ونَهْيِهِمْ عَنِ المُنْكَرِ،
ويُحِبُّ لَهُمْ مَا يُحِبُّ لنَفْسِه، ويَكْرَهُ لَهُمْ مَا يَكْرَهُ
لنَفْسِهِ، ويَرْحَمُ صَغِيرَهُمْ، ويُوَقِّرُ كَبِيرَهُمْ، ويُؤَدِّي
حُقُوقَهُمْ.
الفَوَائِدُ:
1- جَوَازُ التَّكَنِّي بالأُنْثَى.
2- وُجُوبُ النَّصِيحَةِ.
3- الاسْتِفْسَارُ عَنِ الأَمْرِ عِنْدَ الإِشْكَالِ.
4- رَغْبَةُ الصَّحَابَةِ فِي الخَيْرِ.
5- وُجُوبُ تَأَدُّبِ الطَّالِبِ مَعَ أُسْتَاذِهِ.
6- أَنَّ الدِّينَ هُوَ القِيامُ بالنَّصِيحَةِ.
7- النَّصِيحَةُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ.
8- أَعْظَمُ النَّصِيحَةِ النُّصْحُ للَّهِ تَعَالَى.
9- العَمَلُ بكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
10- النَّصِيحَةُ للرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
11- وُجُوبُ النُّصْحِ لأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ.
12- وُجُوبُ النُّصْحِ لعَامَّةِ المُسْلِمِينَ.
13- النَّصِيحَةُ صِدْقٌ فِي إِسْلامِ العَبْدِ.
14- أَدَاءُ الحُقُوقِ لأَهْلِهَا.
15- حُبُّ الخَيْرِ للغَيْرِ.
16- الحِرْصُ عَلَى هِدَايَةِ الخَلْقِ.
شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح
قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (
(1) مَنْزِلَةُ الْحَدِيثِ:
هذا
الْحَدِيثُ لَه شَأْنٌ عظيمٌ؛ لأنَّهُ يَنُصُّ عَلَى أنَّ عِمادَ الدِّينِ
وقِوامَهُ النَّصيحَةُ، فبُوجودِهَا يَبْقَى الدِّينُ قائمًا فِي
المسلمينَ، وبِعَدَمِهَا يَدْخُلُ النَّقصُ عَلَى المسلمينَ فِي جَمِيعِ
شؤونِ حياتِهِم.
وإذا
فُسِّرَتِ النَّصيحةُ بِمَعْنَى الصدقِ والإخلاصِ، تتَّضِحُ أَهِمِّيَّةُ
الْحَدِيثِ بجلاءٍ أَكْبَرَ؛ لأنَّ الصِّدقَ والإخلاصَ شَرْطٌ فِي قَبولِ
الأعمالِ.
والنُّصحُ بِمَعْنَى:
الْخُلُوصِ، فخُلوصُ النَّفسِ لِلَّهِ وتَزْكِيَتُهَا وتَطْيِيبُهَا هِي غايَةُ رسالةِ مُحَمَّدٍ صلواتُ اللَّهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ. قالَ الْخَطَّابيُّ فِي تعريفِ النَّصيحةِ:(كلمةً جامعةً معناها: حيازةُ الحظِّ للمَنصوحِ لَه). وَقَالَ أَبُو عمرِو بْنُ الصَّلاحِ: (النَّصيحةُ: كلمةٌ جامعةٌ تَتَضَمَّنُ قيامَ النَّاصحِ للمنصوحِ لَه بوُجوهِ الْخَيْرِ إِرَادَةً وفِعْلاً). النَّصيحَةُ لِلَّهِ
تَعريفُ النَّصيحةِ:
- يأتي النُّصحُ بِمَعْنَى: الْخُلوصِ، نَصَحَ الشَّيءُ: خَلُصَ.
والنَّاصِحُ: الخالِصُ مِن العسلِ وغيرِهِ.
وكلُّ
شَيْءٍ خَلُصَ فقد نَصَحَ، فشَبَّهُوا تَخليصَ الْقَوْلِ والفعلِ ممَّا
يُفْسِدُهُ، وتَخليصَ النَّفسِ ممَّا يُدَنِّسُهَا بتخليصِ العَسَلِ مِن
الْخَلْطِ.
- كما يأتي بمعنَى: خاطَ.
والنُّصحُ: مَصدرٌ مِن قولِكَ: نَصَحْتُ الثَّوبَ، إِذَا خِطْتَهُ.
قالَ الْخَطَّابِيُّ:(فشَبَّهُوا فِعْلَ النَّاصِحِ فِيمَا يَتَحَرَّاهُ مِن صَلاحِ الْمَنصوحِ لَه بِمَا يَسُدُّهُ مِن خَلَلِ الثَّوبِ).
وذلك أنَّهُ يَلُمُّ شَعْثَ أخيهِ المسلمِ كَمَا تَلُمُّ الْمِنْصَحَةُ خَلَلَ الثَّوبِ.
وَقَالَ ابنُ الأثيرِ: (النـَّصيحةُ: كلمةٌ يُعَبَّرُ بِهَا عَن جُملةٍ هِي إِرَادَةُ الْخَيْرِ للمنصوحِ لَه).
تكونُ النَّصيحةُ لِلَّهِ سبحانَهُ وَتَعَالَى بـ:
- الإيمانِ الصَّادقِ بِهِ، وبما أَخبرَ فِي كتابِهِ، وَعَلَى لسانِ رسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الطَّحاويُّ:(وإنَّ
الْقُرْآنَ كَلامُ اللَّهِ، مِنْهُ بَدَأَ بِلا كَيْفِيَّةٍ قولاً،
وأَنْزَلَهُ وَحْيًا، وصَدَّقَهُ المؤمنونَ عَلَى ذَلِك حَقًّا،
وأَيْقَنُوا أنَّهُ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى بالحقيقةِ وَلَيْس بمخلوقٍ
ككلامِ الْبَرِيَّةِ.
فمَن
سَمِعَهُ فزَعَمَ أنَّهُ كَلامُ البَشَرِ فقد كَفَرَ، وَقَد ذَمَّهُ
اللَّهُ وعابَهُ، وأَوْعَدَهُ بسَقَرَ، حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}.
فلمَّا أَوْعَدَ اللَّهُ بِسَقَرَ لِمَن قَالَ: {إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ} عَلِمْنَا وَأَيْقَنَّا أنَّهُ قَوْلُ خَالِقِ البَشَرِ، وَلا يُشْبِهُ قَوْلَ البَشَرِ).
فمَنْ آمَنَ بِمِثْلِ مَا آمَنَ بِه سلفُ الأمَّةِ نجا ممَّا وَقَعَ بِه الْمُعْتَزِلَةُ وغيرُهُم.
فالمعتزِلةُ يَعتقدونَ أنَّ الْقُرْآنَ لَم يَبدأْ مِنْه ، وأنَّ اللفظَ كَلامُ اللَّهِ دُونَ الْمَعْنَى.
وسترُ عَوراتِهِم، وسَدُّ خَلاتِهِم، ودَفْعُ الْمَضَارِّ عَنْهُم، وجَلْبُ الْمَنافعِ لَهُم، وأَمْرُهُم بالمعروفِ، ونَهْيُهُم عَن الْمُنْكَرِ برِفقٍ وإخلاصٍ، والشَّفقةُ عَلَيْهِم، وتوقيرُ كبيرِهِم، ورحمةُ صغيرِهِم، وتَخَوُّلُهم بالْمَوْعِظةِ الْحَسَنَةِ، وتَرْكُ غِشِّهِم وحَسَدِهِم.
وَأَنْ يُحِبَّ لَهُم مَا يُحِبُّ لنفسِهِ مِن الْخَيْرِ، ويَكرهَ لَهُم مَا يَكرَهُ لنفسِهِ مِن المكروهِ، والذَّبُّ عَن أموالِهِم وأعراضِهِم، وَغَيْرُ ذَلِك مِن أحوالِهِم بالقولِ والفعلِ، وحثُّهُم عَلَى التَّخلُّقِ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِن أَنْوَاعِ النَّصيحةِ، وتَنشيطُ هِمَمِهِمْ إِلَى الطَّاعاتِ.وَقَد كَانَ فِي السَّلفِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُم مَن تَبْلُغُ بِه النَّصيحةُ إِلَى الإضرارِ بدُنياهُ).
والنَّصيحَةُ لا تَقْتَصِرُ عَلَى المسلمينَ فَقَطْ ،
بَل تَجِبُ لغيرِ المسلمينَ كَذَلِك، لَقَد قامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَنْصَحُ قومَهُ، وبَذَلَ كلَّ مَا فِي وُسْعِهِ لإنقاذِهِم مِن
ظُلُماتِ الشِّركِ وَالْوَثَنِيَّةِ، وَلاقَى مِن الأَذَى فِي سَبيلِ ذَلِك
مَا لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ عزَّ وجلَّ.
قالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَن نَبِيِّهِ هُودٍ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُو يَنْصَحُ قومَهُ: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.
وقالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَن نَبيِّهِ صالحٍ وَهُو يُخاطِبُ قومَهُ بَعْدَ أَنْ أَهلَكَهم اللَّهُ سبحانَهُ: {فَتَوَلَّى
عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي
وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}.
فكَفَى بالْمَرْءِ شَرَفًا أَنْ يَقومَ بِمَا قامَ بِه أَشرفُ خَلْقِهِ، وَهُم أَنبياؤُهُ ورُسُلُهُ.
والنُّصحُ مِن أسبابِ سُمُوِّ أنبياءِ اللَّهِ عَلَيْهِم السَّلامُ، فمَنْ أَرادَ أَنْ يَسْمُوَ فِي مَوازينِ رَبِّ السَّماواتِ والأرضِ، فعليهِ أَنْ يَقومَ بِهَذِه الْمُهِمَّةِ العظيمةِ الجليلةِ.
حُكْمُ النَّصيحةِ- مِنْهَا: مَا هُو فرضُ عَيْنٍ.
- ومنها: مَا هُو فَرْضُ كفايَةٍ.
جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي
قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (
(1)
هذا الحديثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ من رِوايةِ: سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ،
عن عَطَاءِ بنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عن تَمِيمٍ الدَّارِيِّ.
وقد رُوِيَ: عن سُهَيْلٍ وغيرِه، عن أبي صالحٍ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وخَرَّجَه التِّرْمِذِيُّ من هذا الوَجْهِ.
فمِن العلماءِ: مَنْ صَحَّحَه مِن الطَّريقَيْنِ جَمِيعًا. وقال الحافِظُ أبو نُعَيْمٍ: (هذا حديثٌ له شَأْنٌ، ذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ أنَّه أحدُ أَرْبَاعِ الدِّينِ). وخَرَّج الطَّبَرَانِيُّ من حديثِ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمانِ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((مَنْ
لا يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ
يُمْسِ وَيُصْبِحْ نَاصِحًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ
وَلإَِّمَامِهِ، وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ)). وخَرَّج الإِمامُ أحمدُ من حديثِ أَبِي أُمامَةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَحَبُّ مَا تَعَبَّدَنِي بِهِ عَبْدِي النُّصْحُ لِي)).
وقد رُوِيَ هذا الحَدِيثُ
عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حديثِ ابنِ عُمَرَ،
وثَوْبَانَ، وابنِ عَبَّاسٍ، وغيرِهم.
وقد ذَكَرْنَا في أوَّلِ الكِتابِ عن أَبِي دَاودَ(أن هذا الحديثَ أَحدُ الأحاديثِ التي يَدُورُ عليها الفِقْهُ).
- وقد وَرَدَ في أحاديثَ كَثِيرةٍ النُّصْحُ للمُسْلِمِينَ عُمومًا.
وأمَّا الثَّاني: وهو النُّصْحُ لوُلاةِ الأمورِ، ونُصْحُهم لِرَعَاياهُمْ، ففِي (صحيحِ مُسْلِمٍ) عن أبي هُرَيْرَةَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا: يَرْضَي لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ)).
وفي (المُسْنَدِ) وغيرِه عن جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في خُطْبَتِهِ بالخَيْفِ مِنْ مِنًى: ((ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلاصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ)).وقد رُوِيَ حديثُ أبي سَعِيدٍ بلفظٍ آخَرَ خَرَّجَه الدَّارَقُطْنِيُّ في (الأَفْرَادِ) بإسنادٍ جيَّدٍ، ولَفْظُهُ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ)).
وفي (الصَّحيحَيْن) عن مَعْقِلِ بنِ يَسارٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، ثُمَّ لَمْ يُحِطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلا لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ)).
وقد
ذَكَرَ اللَّهُ في كِتابِهِ عن الأنبياءِ عليهم السَّلامُ أنَّهم نَصَحُوا
لأُِمَمِهِم كَمَا أَخْبَرَ بذلك عن نُوحٍ، وعن صالحٍ، وقال: {لَيْسَ
عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا
يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 91]
يَعْنِي: أنَّ مَن تَخَلَّفَ عن الجِهادِ لِعُذْرٍ، فلا حَرَجَ عليه
بِشَرْطِ أنْ يَكُونَ ناصِحًا لِلَّهِ ورسولِهِ في تَخَلُّفِهِ؛ فإنَّ
المُنافِقِينَ كانوا يُظْهِرُون الأَعْذارَ كاذِبين، ويَتَخَلَّفون عن
الجِهادِ مِن غيرِ نُصْحٍ لِلَّهِ ورسولِهِ.
وقد أَخْبَرَ النَّبيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، فهذا يَدُلُّ
على أنَّ النَّصِيحةَ تَشْمَلُ خِصالَ الإِسلامِ والإِيمانِ والإحسانِ
التي ذُكِرَت في حديثِ جِبْرِيلَ.
وسَمَّى ذلك كُلَّه
دِينًا؛ فإنَّ النُّصحَ لِلَّهِ يَقْتَضِي القيامَ بأداءِ واجباتِهِ على
أَكْمَلِ وُجوهِهَا، وهو مَقامُ الإِحسانِ، فلا يَكْمُلُ النُّصْحُ للهِ
بدونِ ذلك، ولا يَتَأَتَّى ذلك بدونِ كَمالِ المحبَّةِ الواجبةِ
والمُسْتَحَبَّةِ.
ويَسْتَلْزِمُ ذلك
الاجْتهادَ في التَّقَرُّبِ إليه بنَوافلِ الطَّاعاتِ على هذا الوَجْهِ
وتَرْكِ المحرَّماتِ والمكروهاتِ على هذا الوجهِ أيضًا.
وفي مَراسِيلِ الحَسَنِ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ((أَرَأَيْتُمْ
لَوْ كَانَ لأَِحَدِكُمْ عَبْدَانِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُطِيعُهُ إِذَا
أَمَرَهُ، وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ إِذَا ائْتَمَنَهُ، وَيَنْصَحُ لَهُ إِذَا
غَابَ عَنْهُ، وَكَانَ الآخَرُ يَعْصِيهِ إِذَا أَمَرَهُ، وَيَخُونُهُ
إِذَا ائْتَمَنَهُ، وَيَغُشُّهُ إِذَا غَابَ عَنْهُ كَانَا سَوَاءً؟))
قالُوا: لا.
قال: ((فَكَذَاكُمْ أَنْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)) خَرَّجَه ابنُ أبي الدُّنْيا.
وخَرَّج الإِمامُ أحمدُ معناه من حديثِ أَبِي الأَحْوَصِ عن أَبِيه عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال الفُضَيْلُ بنُ
عِياضٍ: (الحُبُّ أَفْضَلُ من الخوفِ، أَلا تَرَى إذا كان لك عَبْدَانِ
أَحَدُهما يُحِبُّك، والآخَرُ يَخافُك، فالذي يُحِبُّك منهما يَنْصَحُك
شاهِدًا كُنْتَ أو غائبًا لِحُبِّه إيَّاك، والذي يَخَافُك عَسَى أن
يَنْصَحَك إذا شَهِدْتَ لِمَا يَخافُ ويَغُشَّك إذا غِبْتَ ولا يَنْصَحَك).
قال عبدُ العزيزِ بنُ رُفَيْعٍ: (قال الحواريُّون لِعِيسَى عليه السَّلامُ: ما الخالصُ مِن العَمَلِ؟
قال: (ما لا تُحِبُّ أن يَحْمَدَكَ النَّاسُ عليه).
قالوا: فما النُّصْحُ لِلَّهِ؟.
قال: (أن تَبْدَأَ بِحَقِّ
اللَّهِ تعَالَى قَبْلَ حَقِّ النَّاسِ، وإن عَرَضَ لَكَ أَمْرانِ:
أَحدُهما لِلَّهِ، والآخَرُ للدُّنْيا، بَدَأْتُ بِحَقِّ اللَّهِ تعَالى).
قال الخَطَّابِيُّ:
(النَّصيحةُ كلمةٌ يُعَبَّرُ بها عن جُمْلةٍ هي إرادةُ الخَيْرِ للمَنْصوحِ
له، قال: وأَصْلُ النُّصْحِ في اللُّغةِ الخُلُوصُ، يُقالُ: نَصَحْتُ
العَسَلَ: إذا خَلَّصْتَهُ مِن الشَّمْعِ.
فمعنى النَّصيحةِ لِلَّهِ سبحانَهُ: صِحَّةُ الاعتقادِ في وَحدانيَّتِهِ، وإخلاصُ النِّيَّةِ في عِبادتِهِ.
والنَّصيحةُ لِكِتابِهِ: الإِيمانُ به، والعَمَلُ بما فيه.
والنَّصيحةُ لرسولِهِ: التَّصْدِيقُ بنُبُوَّتِهِ، وبَذْلُ الطَّاعةِ له فيما أَمَرَ به، ونَهَى عنه.
والنَّصيحةُ لعامَّةِ المسلمين: إِرْشادُهم إلى مَصالِحِهم) انْتَهَى.
وقد حَكَى الإِمامُ أبو
عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ في كتابِ (تَعْظِيمِ
قَدْرِ الصَّلاةِ) عن بعضِ أهلِ العِلمِ أنَّه فَسَّرَ هذا الحديثَ بما لا
مَزِيدَ على حُسْنِهِ، ونحنُ نَحْكِيهِ ههنا بلَفْظِهِ قال محمدُ بنُ
نَصْرٍ: (قال بعضُ أَهْلِ العِلْمِ: جِماعُ تَفْسِيرِ النَّصيحةِ هو
عِنايةُ القلبِ للمَنْصوحِ له كائِنًا مَنْ كان.
وهي على وَجْهَيْنِ:
أحدُهما: فَرْضٌ.
وقد تُرْفَعُ الأَعْمالُ كُلُّها عن العَبْدِ في بعضِ الحالاتِ، ولا يُرْفَعُ عنه النَّصحُ لِلَّهِ، فلو كان مِن المَرَضِ بحالٍ لا يُمْكِنُه عمَلٌ بشيءٍ من جوارِحِه بلِسانٍ ولا غَيْرِه، غيرَ أنَّ عَقْلَه ثابتٌ، لم يَسْقُطْ عنه النُّصْحُ للهِ بقَلْبِهِ وهو أنْ يَنْدَمَ على ذُنوبِهِ، ويَنْوِيَ إنْ صَحَّ أن يَقُومَ بما افْتَرَضَ اللَّهُ عليه، ويَجْتَنِبَ ما نَهاه عنه، وإلا كان غيرَ ناصحٍ للهِ بقلبِهِ.
وكذلك
النُّصحُ للهِ ولرسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما أَوْجَبَه
على النَّاسِ عن أَمْرِ رَبِّه، ومِن النُّصحِ الواجبِ للهِ أنْ لا
يَرْضَى بمعصيةِ العاصِي، ويُحِبَّ طاعةَ مَن أَطَاعَ اللَّهَ ورسولَهُ.
وأمَّا النصيحةُ التي هي نافلةٌ لا فَرْضٌ ، فبَذْلُ المَجْهُودِ بإيثارِ اللَّهِ على كُلِّ مَحْبوبٍ بالقلبِ وسائرِ الجوارِحِ حتَّى لا يَكُونَ في النَّاصحِ فَضْلٌ عن غَيْرِهِ؛ لأنَّ النَّاصِحَ إذا اجْتَهَد، لم يُؤْثِرْ نفسَهُ عليه، وقام بكُلِّ ما كان في القِيامِ به سُرورُه ومحبَّتُه.
فكذلك النَّاصحُ لرَبِّه، ومَن تَنَفَّلَ للهِ بدونِ الاجتهادِ، فهو ناصحٌ على قَدْرِ عَمَلِهِ، غيرُ مُسْتَحِقٍّ للنُّصحِ بكَمالِهِ.وكذلك النَّاصحُ مِن العِبادِ يَفْهَمُ وَصِيَّةَ مَن يَنْصَحُهُ، وإنْ وَرَد عليه كِتابٌ منه، عُنِيَ بفَهْمِهِ لِيَقُومَ عليه بما كُتِبَ به فيه إليه، فكذلك الناصحُ لِكتابِ رَبِّه، يُعْنَى بفَهْمِهِ لِيَقُومَ للهِ بما أَمَرَ به كما يُحِبُّ ويَرْضَى، ثُمَّ يَنْشُرُ ما فَهِمَ في العِبادِ ويُدِيمُ دِراسَتَه بالمحبَّةِ له، والتَّخَلُّقِ بأخلاقِهِ، والتَأَدُّبِ بآدابِهِ.
وأمَّا
النَّصيحةُ للرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حَياتِهِ
فبَذْلُ المجهودِ في طاعتِهِ ونُصْرَتِهِ ومُعاونتِهِ، وبَذْلُ المالِ إِذا
أرادَه والمُسارعةُ إلى مَحَبَّتِهِ.
وأمَّا بعدَ وَفاتِهِ فالعِنايةُ بطَلَبِ سُنَّتِهِ، والبَحْثُ عن أخلاقِهِ وآدابِهِ، وتَعْظِيمُ أَمْرِهِ، ولُزومُ القِيامِ به، وشِدَّةُ الغَضَبِ والإِعْراضُ عَمَّن تَدَيَّنَ بِخِلافِ سُنَّتِهِ، والغَضَبُ على مَن ضَيَّعَها لأَثَرةِ دُنْيَا، وإن كان مُتَدَيِّنًا بها، وحُبُّ مَنْ كان منه بسَبِيلٍ مِن قَرابةٍ، أو صِهْرٍ، أو هِجْرةٍ أو نُصْرةٍ، أو صُحْبةٍ ساعةً مِن لَيْلٍ أو نهارٍ على الإِسلامِ، والتَّشَبُّهُ به في زِيِّهِ ولِباسِهِ.
وأمَّا النصيحةُ لأئمَّةِ المسلمين فحُبُّ صَلاحِهِم ورُشْدِهِم وعَدْلِهم، وحُبُّ اجتماعِ الأمَّةِ عليهم، وكَرَاهةُ افْتِراقِ الأمَّةِ عليهم، والتَّدَيُّنُ بطاعتِهِم في طاعةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، والبُغْضُ لِمَن رَأَى الخُروجَ عليهم، وحُبُّ إِعْزازِهِم في طاعةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ.وأمَّا النَّصيحةُ لِلمسلمين فأنْ يُحِبَّ لهم ما يُحِبُّ لِنفسِهِ، ويَكْرَهَ لهم ما يَكْرَهُ لنفسِهِ، ويُشْفِقَ عليهم، ويَرْحَمَ صغيرَهم، ويُوَقِّرَ كبيرَهم، ويَحْزَنَ لحزنِهم، ويَفْرَحَ لفرحِهِم، وإنْ ضَرَّه ذلك في دنياه كرُخْصِ أسعارِهِم، وإنْ كان في ذلك فَواتُ رِبْحِ ما يَبِيعُ مِن تِجارتِهِ، وكذلك جميعُ ما يَضُرُّهم عامَّةً، ويُحِبَّ صلاحَهم وإِلْفَتَهم ودوامَ النِّعَمِ عليهم، ونَصْرَهم على عَدُوِّهِم، ودَفْعَ كُلِّ أَذًى ومَكْروهٍ عنهم)
وقال أبو عَمْرِو بنُ الصَّلاحِ: (النَّصيحةُ كلمةٌ جامعةٌ تَتَضَمَّنُ قِيامَ النَّاصحِ للمَنْصُوحِ له بوُجوهِ الخيرِ إرادةً وفعلاً.وكان عُمَرُ بنُ عَبْدِ العزيزِ يَقُولُ: (يا لَيْتَنِي عَمِلْتُ فيكم بِكِتابِ اللَّهِ وعَمِلْتُم به، فكُلَّما عَمِلْتُ فيكم بسُنَّةٍ، وَقَعَ مِنِّي عُضْوٌ حتَّى يَكُونَ آخِرَ شيءٍ منها خُروجُ نَفْسِي).
ومِن أنواعِ النُّصحِ للهِ تعالى وكتابِهِ ورسولِهِ وهو مِمَّا يَخْتَصُّ به العُلماءُ:
- رَدُّ الأهواءِ المُضِلَّةِ بالكتابِ والسُّنَّةِ، وبَيانُ دَلالتِهِمَا على ما يُخالِفُ الأهواءَ كُلَّها.وقال فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ: (قَرَأْتُ في بعضِ الكُتُبِ: المُحِبُّ للهِ عزَّ وجلَّ أميرٌ مُؤَمَّرٌ على الأمراءِ، زُمْرَتُه أوَّلُ الزُّمَرِ يومَ القيامةِ، ومَجْلِسُه أَقْرَبُ المجالسِ فيما هناك والمحبَّةُ مُنْتَهَى القُرْبَةِ والاجْتهادِ، ولنْ يَسْأَمَ المُحِبُّونَ مِن طُولِ اجْتهادِهِم للهِ عزَّ وجلَّ، يُحِبُّونَه ويُحِبُّونَ ذِكْرَه، ويُحبِّبُونَه إلى خَلْقِهِ، يَمْشُون بَيْنَ عِبادِهِ بالنَّصائِحِ، ويَخافُون عليهم مِن أعمالِهِم يومَ تَبْدُو الفَضَائِحُ.
أولئك أولياءُ اللَّهِ وأحبَّاؤُه وأهلُ صَفْوَتِهِ، أولئك الذين لا رَاحةَ لهم دونَ لِقائِهِ).
وقال
ابنُ عُلَيَّةَ في قولِ أَبِي بَكْرٍ المُزَنِيِّ: (ما فاق أَبُو بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أصحابَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِصَوْمٍ ولا صلاةٍ، ولكنْ بشَيْءٍ كان في قَلْبِهِ، قال: الذي
كان في قلبِهِ الحُبُّ للهِ عزَّ وجلَّ، والنَّصيحةُ في خَلْقِهِ).
وقال الفُضَيْلُ بنُ
عِياضٍ: (ما أَدْرَكَ عندَنا مَنْ أَدْرَكَ بكَثْرَةِ الصَّلاةِ
والصَّيامِ، وإنَّما أَدْرَكَ عندَنَا بسَخاءِ الأَنْفُسِ، وسَلامةِ
الصُّدورِ، والنُّصحِ للأمَّةِ).
وسُئِلَ ابنُ المُبارَكِ: أيُّ الأعمالِ أَفْضَلُ ؟
قال: (النُّصحُ للهِ).
وقال مَعْمَرٌ: (كان يُقالُ: أَنْصَحُ النَّاسِ لك مَنْ خافَ اللَّهَ فيك).
وكان السَّلفُ إذا
أَرَادُوا نصيحةَ أحدٍ، وَعَظُوه سِرًّا حتَّى قال بعضُهم: (مَنْ وَعَظَ
أخاه فيما بينَه وبينَه، فهي نصيحةٌ، ومَن وَعَظَه على رُءوسِ النَّاسِ
فإنَّما وَبَّخَه).
وقال الفُضَيْلُ: (المُؤْمِنُ يَسْتُرُ ويَنْصَحُ، والفاجِرُ يَهْتِكُ ويُعيِّرُ).
وقال عبدُ العزيزِ بنُ
أَبِي روَّادٍ: (كان مَنْ كان قبلَكم إذا رَأَى الرَّجُلُ مِن أَخِيه شيئًا
يَأْمُرُه في رِفْقٍ، فيُؤْجَرُ في أَمْرِهِ ونَهْيِهِ، وإنَّ أحدَ هؤلاءِ
يَخْرِقُ بصاحِبِه فيَسْتَغْضِبُ أخاه ويَهْتِكُ سِتْرَه).
وسُئِلَ ابنُ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما عن أمرِ السُّلطانِ بالمَعْروفِ، ونَهْيِهِ عن
المُنْكَرِ، فقال: (إنْ كُنْتَ فاعِلاً ولا بُدَّ، ففيما بينَك وبينَه).
وقال الإِمامُ أحمدُ رَحِمَه اللَّهُ: (ليس على المُسْلِمِ نُصْحُ الذِّمِّيِّ، وعليه نُصْحُ المسلمِ).
وقال النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالنُّصْحُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَأَنْ يَنْصَحَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ)).
شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (
القارئ:
قال المصنف رحمه الله تعالى: (وعن أبي رقية تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الدين النصيحة)) قالوا: (لمن) يعني من يستحقها في الدين؟ فهي منقسمة: وأيضاً من الحقوق المستحبة والنصيحة المستحبة للقرآن: -فإنْ أمرَهُ بخلافها لا يُطاع فيه. وفي
(صحيح البخاري) أيضاً أنّ أُسامة ابن زيد جاءهُ جماعة وقالوا له: ألا تنصح
لعثمان ألا ترى ما نحن فيه؟ فقال: (أما إنِّي لا أكونُ فاتح باب فِتنة وقد
بذلته له سرّاً) فهي كلمة عظيمة جامعة جمعت الحقوق جميعاً بما فيه خير الدنيا والآخرة للنَّاصح يعني: للذي قام بالنصيحة.
قلنا لمن؟
قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)) رواه مسلم.
الشيخ:
هذا الحديث حديث تميم الداري من الأحاديث الكلية العظيمة التي اشتملت على الدين كلّه؛ على:
-حقوق الله.
-وحقوق رسوله صلى الله عليه وسلم.
-وعلى حقوق عباده.
فليس ثمَّ أجمع في بيان تلك الحقوق من لفظ النصيحة.
والنصيحة: هذه (فَعِيلة) من النُّصح. وأصل النصح في لغة العرب فُسر بأحد تفسيرين:
الأول: أنّ النّصح بمعنى الخلوص من الشوائب والشَركة فيقال: عسلٌ ناصح أو نصوح إذا لم يشبه شيءٌ.
والثاني:
فسِّرت النصيحة بأنها التئام شيئين بحيث لا يكون ثمّ تنافر بينهما فيعطى
هذا الصلة بهذا حتى يكون التئامٌ يوافق ما بين هذا وهذا، قالوا: ومنه قيل
للخياط ناصح لأنه ينصح الطرفين؛ إذ يجمعها بالخياطة.
والنصيحة عرِّفت:
-يعني في هذا الحديث- بأنها إرادة الخير للمنصوح له وهذا يتعلق بنصح أئمة المسلمين وعامَّتهم.
أمّا في الثلاثة الأول: فَإنَّ
النصيحة كما ذكرنا أن تكون الصّلة بين الذَّاتين على التئامٍ بحيث يكون
هذا قد أعطى حق هذا فلم يكن بينهما تنافر، ومعلوم أنَّ العبد في صلته بربه،
أنَّ عليه حقوقاً كثيرة واجبة ومستحبة وكذلك في حق القرآن وكذلك في حق
المصطفى عليه الصلاة والسلام.
فقال عليه الصلاة والسلام: ((الدين النصيحة)) وجعل الدين كله النصيحة؛ لأنَّ النصيحة تجمع الدين كله بواجباته ومستحباته ففسَّرها بعد ذلك بقوله: (قلنا لمن يا رسول الله..) إلى آخر الحديث.
قال بعض العلماء ((الدين النصيحة)): يعني أن معظم الدين وجلَّ الدين النصيحة، وهذا على أخذ نظائره كقوله: ((الدعاء هو العبادة)) و((الحج عرفه)) وأشباه ذلك.
لكن
إذا تأملت في كون هذه الأشياء لها النصيحة رأيت أنها جمعت الدين كُلَّه؛
العقائد والعبادات والمعاملات وفي حقوق الخلق وحقوق من له الحق بجميع صوره.
قالوا: (لِمن يا رسول الله) واللام هنا في قولهم (لمن) يعني للاستحقاق، النصيحة لله يعني مستحقة.
فأجابهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))فاشتملت على أمور:
الأول: النصيحة لله، وهي كلمة جامعة لأداء حق الله -جل وعلا- الواجب والمستحب.
فحق
الله الواجب: هو الإيمان به بربوبيته وإلهيته وبأسمائه وصفاته، إيمان بأنه
هو الرب المتصرف في هذا الملكوت وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في تدبيره
للأمر ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد سبحانه
وتعالى.
والنصيحة
لله في ألوهيته: أن يُعطى الحق الذي له في ألوهيته وهو أن يُعبد وحده
بجميع أنواع العبادات وأن لا يتوجه لأحد بشيء من العبادات إلا له سبحانه
وتعالى.
كل عبادة تُوجه بها إلى غير الله -جل وعلا- فهي خروج عن النصيحة لله -جل وعلا- يعني عن أداء الحق الذي له سبحانه وتعالى.
وفي
الأسماء والصفات، النصيحة لله -جل وعلا- أن نؤمن بأنه سبحانه له الأسماء
الحسنى والصفات العلى، وأنه لا سمي له، ولا ندَّ له، ولا كفؤ له.
- كما قال جلّ وعلا: {هل تعلمُ له سمياً}.
-وكما قال جلّ وعلا: {ولم يكن له كُفواً أحد}.
-وكما قال جلّ وعلا: {ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير} إلى غير ذلك من الآيات.
فيعتقد
المسلم أنّ الله -جل وعلا- له ما أثبت لنفسه من الأسماء الحسنى ومن الصفات
العلى وأنه في أسمائه وفي صفاته ليس له مثيل كما أخبر عن نفسه بقوله: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
فالغلو في الصفات بالتجسيم:
تركٌ للنصيحة الواجبة.
والتفريط فيها والجفاء بالتعطيل:
ترك للنصيحة الواجبة.
والنصيحة
بالتئام ما بينك وبين الله -جل وعلا- في شأن أسمائه وصفاته: أن تثبت له
الأسماء الحسنى والصفات العلى من غير تمثيٍل ولا تعطيل، ومن غير تحريف ولا
تأويل يصرفها عن حقائقها اللائقة بالله -جل وعلا-.
أيضاً
من النصيحة لله -جل وعلا- أن يُحبَّ جل وعلا، وأن يُتَّبعَ أمرهُ، وأن
تُتبع شريعته -جل وعلا-، وأن يُصَّدق خبرهُ -جل وعلا-، وأن يُقبل عليه
المرء بقلبه مخلصاً له الدين.
فالإخلاص
في الأقوال والأعمال حق الله -جل وعلا-، فالذي يقع في قلبه غير الله في
الأعمال من جهة الرياء أو من جهة التسميع ما أدَّى الذي لله جلّ وعلا.
وهناك
أيضاً أشياء مستحبة لله جل وعلا يعني: في حق الله جل وعلا من مثل أن لا
يقوم بالقلب غيرهُ جلّ وعلا؛ فيُزدرى الخلق في جنب الله جلّ جلاله، وأن
يُراقِب الله جلّ وعلا دائماً في السِّر والعَلن فيما يأتي وما يذر من
الأمور المستحبة، وأن يستحضر مقامه بين يدي الله جلّ وعلا دائماً في
الآخرة، ونحو ذلك مما يدخل في المستحبات؛ فإن النصيحة فيه لله جلّ وعلا
مستحبة.
- إلى ما أوجبه الشرع في حق الله فيكون واجباً.
-وما كان مستحباً فيكون من النصيحة المستحبة.
قال: (وكتابه) يعني النّصيحة مستحقَّةٌ للكتاب وهو القرآن ومعنى ذلك: أن يُعطى القرآن حَقَّهُ وهو أن يوقن:
-بأنه كلام الله جلّ وعلا تكلّم به سبحانه وتعالى.
-وأنه آية عظيمة وأعظم الآيات التي أوتيها الأنبياء.
-وأنه الحجة البالغة إلى قيام الساعة.
-وأنَّ هذا القرآن فيه الهدى والنور {إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}.
-وأنَّ حكمه واجب الإنفاذ:
- ما أمر الله به في القرآن وجب إنفاذه.
- وما نهى عنه وجب الانتهاء عنه.
- وما أخبر به سبحانه فيه وجب تصديقه وعدم التردد فيه.
إلى غير ذلك مما يستحقه القرآن.
-أن يكثر من تلاوته.
- وأن لا يهجره:
- في تلاوته وتدبره.
- وفي العلاج به.
وأشباه ذلك مما جاءت به السنة في حق القرآن.
فهذا
من التواصل بين ذي النصيحة وهو العبد المكلَّف وبين القرآن، فإن النصيحة
التئام واجتماع فيما بين هذا وهذا، ولا يكون الاجتماع إلا بأداء الحق وهذا
الحق على العبد للقرآن على نحو المعنى الذي أسلفت.
كذلك النصيحة للرسول -صلى الله عليه وسلم- تكون:
- بطاعته عليه الصلاة والسلام فيما أمر.
-وتصديقه فيما أخبر.
-واجتناب ما عنه نهى عليه الصلاة والسلام وزجر.
-وأن لا يعبد الله إلا بما شرعه رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
- وأن يؤمن العبد بأنه عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء والمرسلين.
-وأنَّ كل دعوى للرسالة بعده عليه الصلاة والسلام فكذب وزور وباطلٌ وطغيان.
-وأن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي يُطاع {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
- وأنه يُحَب عليه الصلاة والسلام:
- لأمر الله جلّ وعلا بذلك.
- ولما يستحقه عليه الصلاة والسلام من المحبة الواجبة.
- وأن تقدّم محابُّه على محابِّ العبد.
ونحو ذلك من النصيحة التي هي أيضاً منقسمة إلى واجبة ومستحبة.
قال: (ولأئمة المسلمين وعامتهم) والنصيحة
لأئمة المسلمين أن يُعطوا حقَّهم الذي أعطاهم الله جلّ وعلا إياه، وبينه
تعالى في الكتاب وبينه الرسول عليه الصلاة والسلام في السنة:
-من طاعتهم في المعروف وعدم طاعتهم في المعصية.
-وأن يجتمع معهم على الحق والهدى وعلى ما لم نعلم فيه معصية.
-وأن تؤلف القلوب لهم، وأن يُجتمع عليهم، وأن يُدعى لهم، وهذا يشمل الحق الواجب والحق المستحب.
-وأن يُترك الخروجُ عليهم بالسيف طاعةً لله جلّ وعلا وطاعة لرسوله -صلى الله عليه وسلم.
-وأنْ يُبايع وليُّ الأمر المسلم.
-وأن لا يموت المرءُ وثم والٍ مسلم وليس في عنقه بيعة له.
-وأن يأتمر إذا أمره بما ليس بمعصية.
-وأن ينتهي إذا نهاه عن غير الطاعة يعني: ما كان من قبيل الواجبات:
-وإذا أمر بمعصية لا يطاع فيه.
-وما
كان من قبيل المستحبات والاجتهادات -يعني ما يدخله الاجتهاد- فإنّه يُترك
الرأيُ لما يراهُ الإمام المسلم، لأنَّ في ذلك مصالح العباد والبلاد كما
قرَّرهُ أهل العلم في هذا الموضع.
أيضاً من النصيحة لهم:
-أن
تبذل النُّصح لهم بمعنى النصح الذي يعلمه الناس بأن تنبههم على ما يخطئون
فيه وما يتجاوزون به الشريعة لمن وصل لهم، وهذه المرتبة كما قال ابن دقيق
العيد في شرحه وغيرهُ: (هذه فرض كفاية تسقط بفعل البعض من أهل العلم
ونحوهم).
فحقُّ ولي الأمر المسلم أن ينصح؛ بمعنى: أن يُؤتى إليه، وأن يبين له الحق، وأن يبصّر به.
-وأن يوضح له ما أَمر الله جلّ وعلا به وما أمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
-وأن يُعان على الطاعة ويسدَّد فيها ويُبين له ما قد يقع فيه من عصيان أو مخالفةٍ للأمر.
وهذه
النصيحة الخاصة لولاة الأمر جاءت لها شروط وضوابط معلومة في شروح الأحاديث
ومن أَمْثَلِ من تكلم عليها في هذا الموضع ابن رجب -رحمه الله- في (جامع
العلوم والحكم) وساق عن ابن عباس وعن غيره أنواعاً من الآداب والشروط التي
ينبغي للناصح أن يتحلى بها إذا نصح ولي الأمر المسلم، فمن ذلك:
-أن تكون النصيحة برفقٍ وسهولة لفظٍ لأن حال ولي الأمر في الغالب أنه تعزُّ عليه النصيحة إلا إذا كانت بلفظ حسن.
وهذا ربمّا كان في غالب الناس أنهم لا ينتصحون يعني لا يقبلون النصيحة إلا إذا كانت بلفظ حسن وقد قال جلّ وعلا لموسى وهارون: {فقولا له قولاً ليناً لعلَّهُ يتذكرُ أو يخشى} فمن الآداب والشروط في ذلك:
-أن
تكون النصيحة بلفظ حسن؛ لأنه ربمّا كان اللفظ خشناً فأداه ذَلك إلى رفض
الحق ومعلومٌ أن الناصح يريد الخير للمنصوح له كما قال أهل العلم في تفسير
النصيحة أنها: (إرادة الخير للمنصوح له)، فكيف ما كان السبيل في إرادة
الخير للمنصوح له فإنه يُؤْتى.
ومن الشروط في ذلك:
-أن
تكون النصيحة لولي الامر سراً، وليست بعلن لأن الأصل في النصيحة بعامّة
لولي الأمر ولغيره أن تكون سِراً بخلاف الإنكار كما سيأتي عند شرح حديث أبي
سعيد الخدري: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده))فإن الأصل في الإنكار: أن يكون علنا.
- والأصل في النصيحة: أن تكون سرّاً.
فالنصيحة
لولي الأمر يشترط لكونها شرعية أن تكون سرّاً بمعنى أنه لا يعلم بها من
جهة الناصح إلا هو، وأن لا يتحدث بها؛ بأنه نصح وعمل وكذا؛ لأنه ربما أفسد
المراد من النصيحة بذكره وصَعُبَ قبول النصيحة بعد اشتهار أنَّ ولي الأمر
نُصح وأشباه ذلك.
وعلى هذا جاء الحديث المعروف، الذي صححه بعض أهل العلم وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((من أراد أن ينصحَ لذي سلطان فلا يبده علانية ولكن ليخلُ به وليدنُ منه فإن قبل منه فذاك وإلاَّ فقد أدّى الذي عليه)).
وقد سُئل ابن عباس-رضي الله عنهما- (هل أُنكر على الإمام علناً؟ فقال: لا بل داره بذلك سِرّاً).
أو
كما جاء عن أسامة ابن زيد في (صحيح البخاري) فدلّ هذا على اشتراط أن تكون
النصيحةُ سرّاً وهذا من حَقّه، إلى غير ذلك من الشروط التي ذكرها أهل العلم
في هذا الموضع.
-والنصيحة (لأئمة المسلمين وعامتهم).
العامة هم: غير الأئمة.
والأئمة إذا أُطلقت فإنه يُراد بهم: الأئمة في الأمر العام؛ وليس الأئمة في العلم لأن على هذا جرى الاصطلاح.
أما
لفظ: (ولي الأمر) فإنه في الأصل يُعنى به: الإمام العام للمسلمين لأنّ ولاة
الأمر في عهد الخلفاء الراشدين وفي عهد معاوية..؛ لأن ولاة الأمر في ذاك
الزمان كانوا يجمعون ما بين:
- فهم الدنيا.
- وفهم الشريعة.
وأما ما بعد ذلك فقد قال العلماء: إنّ (ولاة الأمر) كلاًّ فيما يخصهُ هم العلماء والأمراء.
الأمراء: في الأمر العام الذي يتعلق بأمور المسلمين العامة.
والعلماء: في أمر دين الناس.
فهذا
حَصَلَ تفسير بأن ولاة الأمر يُعنى بهم هذا وهذا؛ لأنه صار الأمر فيما بعد
أنه تولى الأمر مَنْ ليس بعالم لما شاع الملك في عهد بني أمية ثم في عهد
بني العباس فما بعد ذلك.
فالنصيحة لأئمة المسلمين المقصود بهم في الحديث الأئمة الذين يلونَ الأمر العام.
أمّا أئمة الدين فإنه أيضاً لهم نصيحة ولهم حق.
والنصيحةُ لهم -يعني العلماء-:
- أن تُحبهم لأجل ما هم عليه من الدين وما يبذلون للناس من العلم والخير.
-وأن يُنصروا فيما يقولونه من أمر الشريعة وفيما يبلغونه عن الله جلّ وعلا.
-وأن يُذبّ عنهم وعن أعراضهم.
-وأن يُحبوا أكثر من مَحبةِ غيرهم من المؤمنين؛ لأنّ الله جلّ وعلا عَقد الولاية بين المؤمنين بقوله: {و المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}
يعني بعضهم يحبُّ بعضاً وينصر بعضاً، ومن المعلوم أنّ أعلى المؤمنين
إيماناً هم الراسخون في العلم أو هم أهل العلم العاملون به كما قال تعالى: {يرفع اللهُ الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.
فالنصيحة لأهل العلم:
-أن يحبوا.
- وأن يذب عن أعراضهم.
- وأن يؤخذ ماينقلونه من العلم.
- وأن ينصروا فيما نصروا فيه الشريعة.
- وأن تُحفظ لهم مكانتهم وسابقتهم ونشرهم للعلم ونشرهم للدين وهذه كلُّها حقوقٌ واجبة لهم؛ لأنَّ لهم في الملَّة مقاماً عظيماً.
وإذا
طُعِن في أهل العلم أو لم تبذل لهم النصيحة الواجبة بهذا المعنى فإن ذلك
يعني أنّ الشريعة تَضْعُفُ في الهيبة في نفوس الناس، فإنه إذا نيل من
العالم أولم يُنصَرْ ولم يُحترم فإنّ الشريعة تضعف في نفوس الناس؛ لأنه
إنما ينقلها أهل العلم.
وأمَّا النصيحة لعامة المسلمين فهي:
إرشادهم لما فيه صلاحهم في دنياهم وآخرتهم، هذه جماع النصيحة للمؤمنين:
- بأن يُحبوا في الله.
- وأن يُنصروا في الحق.
- وأن يُتعاون معهم على الخير والهدى.
- وأن لا يتعاون معهم على الإثم والعدوان.
- وأن يبين لهم الحق وينصحوا فيه ويُرشدوا إلى ما فيه صلاحهم في دنياهم وآخرتهم بأنواع النصح في القول والعمل.
-وأن يُنكر عليهم المنكر إذا واقعوهُ لحقّ الله جلّ وعلا.
-وأنه إذا رُئي أنَّهم يحتاجون إلى عقاب شرعي أو تعزير يعني بحد أو تعزير فإنه يَرْحمهم بذلك فإن هذه الأمور مبناها على الرحمة.
فالنصيحة لعامة المسلمين:
-أن تبذل وتحكم فيهم بشرع الله تعالى.
- وأن تعطيهم حقهم.
-وأن تلزمهم بأمر الله جلّ وعلا إذا كانوا تحت يدك وهذا على قدر الاستطاعة.
-ثم إنه إذا حصل منهم ضد ذلك فيسعى فيهم بما يصلحهم وما فيه سعادتهم وإرشادهم:
- بالبيان.
- أو بالإلزام بحسب الأحوال.
فكلُّ حق للمسلم على المسلم يدخل في النصيحة لعامة المسلمين.
فكلمة
النصيحة إذاً -كما ترى- كلمة جامعة دخلت فيها جميع الحقوق الشرعية لله
وللكتاب ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- ولأئمة المسلمين ولعامتهم.
فكلُّ مفرِّط في أمر من أمر الله فقد فرّط في شيء من النصيحة الواجبة، والله المستعان.
الكشاف التحليلي
حديث تميم بن أَوس الدَّاريِّ رضي الله عنه مرفوعاً: (الدين النصيحة...)
تخريج الحديث
موضوع الحديث
ترجمة الراوي: تميم بن أوس الداري رضي الله عنه
منزلة الحديث
أضرب النصيحة في السنة:
الضرب الأول:النصح للمسلمين عموماً
الأدلة على الضرب الأول
الضرب الثاني: النصح لولاة الأمور
الأدلة على الضرب الثاني
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)
النَّصِيحَة خَمْسَة أنواع:
النوع الأول: النصيحة للَّهِ
النوع الثاني: النصيحة لكتابه
النوع الثَّاالِث: النصيحة لِرَسُولِهِ.
النوع الرابع: النصيحة لأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ.
النوع الخَامِس: النصيحة لِعَامَّةِ المُسْلِمِينَ.
بيان معنى النصيحة
تعريف النصيحة لغة
تطلق النصيحة في لغة العرب على أمرين:
الإطلاق الأول: بمعنى الخلوص من الشوائب
الإطلاق الثاني: بمعنى الالتئام بين شيئين
تعريف النصيحة شرعا
جماع تفسير النصيحة
معنى اللام في قوله: (لمن؟)
معنى النصيحة لله
معنى النصيحة لكتاب الله تعالى
معنى النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
النصيحة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-على حالين:
الحالة الأولى: النصيحة له في حال حياته
المراد بالنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم في حال حياته
الحالة الثانية:النصيحة له بعد وفاته
المراد بالنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته
من النصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم محاربة البدع والمحدثات
معنى النصيحة لأئمة المسلمين
حكم النصح لولي الأمر: فرض كفاية
ذكر بعض الأحاديث في النصح للولاة
شروط النصح لولي الأمر:
الشرط الأول: أن تكون النصيحة برفق ولين
الشرط الثاني: أن تكون النصيحة سرا
بيان الفرق بين النصيحة والإنكار
الإنكار يسر فيه ويجهر حسب المصلحة الشرعية
معنى النصيحة لعامة المسلمين
ذكر بعض الأحاديث في النصح للمسلمين عموماً
ذكر بعض الأحاديث في نصح ولاة الأمور لرعاياهم
حكم النصيحة:
النصيحة تنقسم إلى قسمين من جهة حكمها:
القسم الأول: النصيحة الواجبة
بيان المراد بالنصيحة الواجبة
النصح يكون بالقلب والقول والعمل
القسم الثاني: النصيحة المستحبة
بيان المراد بالنصيحة المستحبة
مسألة: هل على المسلم أن ينصح للذمي؟
هدي السلف في النصيحة
منـزلة الناصحين
فوائد الحديث
وُجُوبُ النَّصِيحَة
الاسْتِفْسَارُ عَنِ الأَمْرِ عِنْدَ الإِشْكَال
حرص الصَّحَابَةِ على الخَيْرِ
أَنَّ الدِّينَ هُوَ القِيامُ بالنَّصِيحَة
النَّصِيحَةُ تدل على صِدْق إِسْلامِ العَبْدِ
العناصر
حديث تميم بن أَوس الدَّاريِّ رضي الله عنه مرفوعاً: (الدين النصيحة...)
تخريج الحديث
موضوع الحديث
ترجمة الراوي: تميم بن أوس الداري رضي الله عنه
منزلة الحديث
أضرب النصيحة في السنة:
الضرب الأول:النصح للمسلمين عموماً
الأدلة على الضرب الأول
الضرب الثاني: النصح لولاة الأمور
الأدلة على الضرب الثاني
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)
النَّصِيحَة خَمْسَة أنواع:
النوع الأول: النصيحة للَّهِ
النوع الثاني: النصيحة لكتابه
النوع الثَّاالِث: النصيحة لِرَسُولِهِ.
النوع الرابع: النصيحة لأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ.
النوع الخَامِس: النصيحة لِعَامَّةِ المُسْلِمِينَ.
بيان معنى النصيحة
تعريف النصيحة لغة
تطلق النصيحة في لغة العرب على أمرين:
الإطلاق الأول: بمعنى الخلوص من الشوائب
الإطلاق الثاني: بمعنى الالتئام بين شيئين
تعريف النصيحة شرعا
جماع تفسير النصيحة
معنى اللام في قوله: (لمن؟)
معنى النصيحة لله
معنى النصيحة لكتاب الله تعالى
معنى النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
النصيحة لرسوله -صلى الله عليه وسلم-على حالين:
الحالة الأولى: النصيحة له في حال حياته
المراد بالنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم في حال حياته
الحالة الثانية: النصيحة له بعد وفاته
المراد بالنصيحة لرسوله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته
من النصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم محاربة البدع والمحدثات
معنى النصيحة لأئمة المسلمين
حكم النصح لولي الأمر: فرض كفاية
ذكر بعض الأحاديث في النصح للولاة
شروط النصح لولي الأمر:
الشرط الأول: أن تكون النصيحة برفق ولين
الشرط الثاني: أن تكون النصيحة سرا
بيان الفرق بين النصيحة والإنكار
الإنكار يسر فيه ويجهر حسب المصلحة الشرعية
معنى النصيحة لعامة المسلمين
ذكر بعض الأحاديث في النصح للمسلمين عموماً
ذكر بعض الأحاديث في نصح ولاة الأمور لرعاياهم
حكم النصيحة:
النصيحة تنقسم إلى قسمين من جهة حكمها:
القسم الأول: النصيحة الواجبة
بيان المراد بالنصيحة الواجبة
النصح يكون بالقلب والقول والعمل
القسم الثاني: النصيحة المستحبة
بيان المراد بالنصيحة المستحبة
مسألة: هل على المسلم أن ينصح للذمي؟
هدي السلف في النصيحة
منـزلة الناصحين
فوائد الحديث
وُجُوبُ النَّصِيحَة
الاسْتِفْسَارُ عَنِ الأَمْرِ عِنْدَ الإِشْكَال
حرص الصَّحَابَةِ على الخَيْرِ
أَنَّ الدِّينَ هُوَ القِيامُ بالنَّصِيحَة
النَّصِيحَةُ تدل على صِدْق إِسْلامِ العَبْدِ