الدروس
course cover
الحديث الثاني: حديث جبريل الطويل (1/2)
20 Oct 2008
20 Oct 2008

10635

0

1

course cover
الأربعون النووية

القسم الأول

الحديث الثاني: حديث جبريل الطويل (1/2)
20 Oct 2008
20 Oct 2008

20 Oct 2008

10635

0

1


0

0

0

1

0

الحديث الثاني: حديث جبريل الطويل (1/2)

قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (

2- عن عُمرَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: بَينَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاتَ يَوْمٍ إذْ طلَعَ عَلَيْنا رَجُلٌ شَديدُ بَيَاضِ الثِّيابِ، شَديدُ سَوادِ الشَّعْرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ على فَخِذَيْهِ.
قالَ: يا محمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ.
فَقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِليْهِ سَبِيلاً)).
قالَ: صَدَقْتَ.
قالَ: فَعَجِبْنا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.
قالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمانِ.
قالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِِ)).
قالَ: صَدَقْتَ.
قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ الإحسانِ؟
قالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإِنَّهُ يَرَاكَ)).
قالَ: فَأَخْبِرْني عَنِ السَّاعةِ.
قالَ: ((مَا الْمَسْؤُولُ عَنْها بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)).
قالَ: فَأخْبِرْني عَنْ أَمَاراتِها.
قالَ: ((أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ، يَتَطاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ)).
قالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا.
ثُمَّ قالَ لي: ((يا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟)).
قُلتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قالَ: ((فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ)) رواه مسلِمٌ.

هيئة الإشراف

#2

20 Oct 2008

شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (

الحديث الثاني

عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيضاً قَال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَاب شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَم،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ الله،وَتُقِيْمَ الصَّلاَة، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ،وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البيْتَ إِنِ اِسْتَطَعتَ إِليْهِ سَبِيْلاً))
قَالَ: صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ
قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِيْمَانِ
قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِالله،وَمَلائِكَتِه،وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ،وَالْيَوْمِ الآَخِر،وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ))
قَالَ: صَدَقْتَ
قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ
قَالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ))
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ
قَالَ: ((مَا الْمَسئُوُلُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ))
قَالَ: فَأَخْبِرْنِيْ عَنْ أَمَارَاتِها
قَالَ: ((أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا،وَأَنْ تَرى الْحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُوْنَ فِي البُنْيَانِ))
ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيَّاً ثُمَّ قَالَ: ((يَا عُمَرُ أتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟)) قُلْتُ: اللهُ وَرَسُوله أَعْلَمُ، قَالَ: ((فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكُمْ))(1)

الشرح

قوله: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ
بينما هي (بينا) ولكن زيدت (ما) فيها والأصل: بين نحن، فـ: (ما) زيدت للتوكيد.
و: جُلُوسٌ مبتدأ، وخبره: عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
و: ذَاتَ يَوْمٍ ذات هنا تفيد النكرة، أي في يوم من الأيام.
وتستعمل في اللغة على وجوه متعددة، فتارة تكون بمعنى:
1-صاحبة: مثل ذات النطاقين أي صاحبة النطاقين.
2-وتارة تكون اسماً موصولاً: كما في لغة طي،وهم قوم من العرب يستعملون: ذات بمعنى التي،كما قال ابن مالك - رحمه الله-:( وكالتي أيضاً لديهم ذات) فمثلاً يقول: بعت عليك بيتي ذات اشتريت، أي التي اشتريت.
3-وتارة تكون بمعنى النكرة الدالة على العموم: كما في جملة الحديث ذات يوم.. وهذا أغلب ما تستعمل.
إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ الرجل هنا مبهم، وهو رجل في شكله لكن حقيقته أنه مَلَك.
شَدِيْدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ أي عليه ثياب .
شَدِيْدُ سَوَادِ الشَّعْرِ أي أنه شاب.
لايُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ لأن ثيابه بيضاء وشعره أسود ليس فيه غبار ولا شعث السفر، ولهذا قال: لايُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ لأن المسافر في ذلك الوقت يُرى عليه أثر السفر، فيكون أشعث الرأس،مغبرّاً، ثيابه غير ثياب الحضر، لكن لا يرى عليه أثر السفر.
وَلا يَعْرِفْهُ مِنَّا أَحَدٌ أي وليس من أهل المدينة المعروفين، فهو غريب.
حَتَّى جَلَسَ إِلىَ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل عنده ليفيد الغاية،أي أن جلوسه كان ملاصقاً للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا قال: أَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلىَ رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ أي كفي هذا الرجل عَلَىَ فَخِذَيْهِ أي فخذي هذا الرجل، وليس على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا من شدة الاحترام.
وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ ولم يقل:يا رسول الله ليوهم أنه أعرابي، لأن الأعراب ينادون النبي صلى الله عليه وسلم باسمه العلم، وأما أهل الحضر فينادونه بوصف النبوة أو الرسالة عليه الصلاة والسلام .
أَخْبِرْنيِ عَنِ الإِسْلامِ أي ما هو الإسلام؟ أخبرني عنه.
فَقَالَ: الإسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ تشهد أي تقرّ وتعترف بلسانك وقلبك، فلا يكفي اللسان، بل لابد من اللسان والقلب، قال الله عزّ وجل: (إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [الزخرف: الآية86]
وإعراب لاَ إِلَهَ إَلاَّ اللهُ :
لا إله إلا الله: هذه جملة اسمية منفية بـ (لا) التي لنفي الجنس، ونفي الجنس أعم النفي، واسمها: (إله)، وخبرها: محذوف والتقدير حقٌ، وقوله: (إلا) أداة حصر، والاسم الكريم لفظ الجلالة بدل من خبر: (لا) المحذوف وليس خبرها لأن: (لا) النافية للجنس لا تعمل إلافي النكرات.
فصارت الجملة فيها شيء محذوف وهو الخبر وتقديره: حق، أي: لا إله حق إلا الله عزّ وجل، وهناك آلهة لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقّة، وليس لها من حق الألوهية شيء،ويدل لذلك قوله تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) [الحج:62]
وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ أي وتشهد أن محمداً رسول الله،ولم يقل: إني رسول الله مع أن السياق يقتضيه لأنه يخاطبه، لكن إظهاره باسمه العلم أوكد وأشد تعظيماً.
وقوله: مُحَمَّداً هو محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي من ذرية إسماعيل، وليس من ذرية إسماعيل رسول سواه، وهو المعني بقول الله تعالى عن إبراهيم وإسماعيل: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ ) [البقرة: الآية129]
رَسُولُ اللهِ رسول بمعنى مرسل، والرسول هو من أوحى الله إليه بشرع وأمر بتبليغه والعمل به.
وتُقِيْمَ الصَّلاةَ أي تأتي بها قائمة تامة معتدلة.
وكلمة: الصَّلاةَ تشمل الفريضة والنافلة.
وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ تؤتي بمعنى تعطي، والزكاة هي المال الواجب بذله لمستحقه من الأموال الزكوية تعبداً لله، وهي الذهب والفضة والماشية والخارج من الأرض وعروض التجارة.
وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ أي تمسك عن المفطرات تعبداً لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وأصل الصيام في اللغة: الإمساك.
ورمضان هو الشهر المعروف مابين شعبان وشوال.
وَتَحُجَّ البَيْتَ أي تقصد البيت لأداء النسك في وقت مخصوص تعبداً لله تعالى.
إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلِيْهِ سَبِيْلاقَالَ: صَدَقْتَ القائل صدقت: جبريل عليه السلام وهو السائل، فكيف يقول: صدقت وهو السائل؟ لأن الذي يقول: صدقت للمتكلم يعني أن عنده علماً سابقاً علم بأن هذا الرجل أصابه،وهو محل عجب، ولهذا تعجب الصحابة كيف يسأله ويصدقه، لكن سيأتي إن شاء الله بيان هذا.
شرح هذه الأركان الخمسة:
-الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وهنا مسألة: لماذا جُعِلَ هذان ركناً واحداً، ولم يجعلا ركنين؟.
والجواب:أن الشهادة بهذين تبنى عليها صحة الأعمال كلها، لأن شهادة ألا إله إلا الله تستلزم الإخلاص، وشهادة أن محمداً رسول الله تستلزم الاتباع، وكل عمل يتقرب به إلى الله لا يقبل إلا بهذين الشرطين: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله .
ومعنى أن تشهد أن لا إله إلا الله، أي: أن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لامعبود حق إلا الله عزّ وجل . و أَشْهَدُ بمعنى:أقر بقلبي ناطقاً بلساني؛ لأن الشهادة نطق وإخبار عما في القلب. وإذا كان الشاهد بقلبه أخرس لا يستطيع النطق فإنه يكفي للعجز.
والشهادة باللسان لاتكفي بدليل أن المنافقين يشهدون لله عزّ وجل بالوحدانية ولكنهم يشهدون بألسنتهم، فيقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فلا ينفعهم، وهم يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤكدون له أنهم يشهدون أنه رسول الله ، والله يعلم أنه رسول الله، ولكنه سبحانه يشهد أن المنافقين لكاذبون.
و لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله أي:لا معبود حق إلا الله، وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة حق يتبين الجواب عن الإشكال التالي: وهو كيف يُقال لا إله إلا الله مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله،وقد سماها الله آلهة وسماها عابدوها آلهة، قال الله تعالى: (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) [هود: الآية101] وقال تعالى: (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ) [الانبياء:43]
وقال تعالى: (وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ )[القصص: الآية88]
بتقدير الخبر في لا إله إلا الله فنقول: هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة لكنها باطلة، ليست آلهة حقّة، وليس لها حق الألوهية من شيء، ويدل لذلك قول الله عزّ وجل : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[الحج:62]
فإذا جاء مشركٌ إلى تمثالٍ يعبده بأن يركع له، ويسجد وينتحب ويخشع وربما يغمى عليه، فعبادته باطلة، ومعبوده باطل أيضاً.
إِلاَّ اللهُ، الله: علم على الرب عزّ وجل لا يسمى به غيره، وهو أصل الأسماء، ولهذا تأتي الأسماء تابعة له،ولا يأتي تابعاً للأسماء إلا في آية واحدة،وهي قول الله تعالى: ( إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) [إبراهيم:1-2] لكن لفظ الاسم الكريم هنا بدل من العزيز، وليست صفة، لأن جميع الأسماء إنما تكون تابعة لهذا الاسم العظيم.
مسألة: هل هذه الشهادة تُدخِل الإنسان في الإسلام ؟
والجواب: نعم تدخله في الإسلام حتى لو ظننا أنه قالها تعوّذاً، فإننا نعصم دمه وماله؛ ولو ظننا أنه قالها كاذباً، ودليل ذلك قصة المشرك الذي أدركه أسامة بن زيد رضي الله عنهما حين هرب المشرك، فلما أدركه أسامة بالسيف قال: لا إله إلا الله، فقتله أسامة ظنّاً أنه قالها تعوّذاً من القتل، أي قالها لئلا يقتل فقتله، فلما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم جعل يردد: ((أَقَتَلتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلا الله؟)) قَالَ: يَارَسُوْلَ اللهِ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذَاً (2) فجعل يردد: ((أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟)) قال أسامة : فتمنيت أنني لم أكن أسلمت بعد، من شدة ما وجد رضي الله عنه .
إذاً نحن ليس لنا إلا الظاهر حتى لو غلب على ظننا أنه قالها تعوذاً عصمته، نعم لو ارتد بعد ذلك قتلناه، وهذا يوجد من جنود الكفر إذا أسرهم المسلمون قالوا: أسلمنا. من أجل أن يعصموا أنفسهم من القتل، فيسأل المجاهدون ويقولون: هل نقتل هؤلاء بعد أن قالوا: لا إله إلا الله أم لا ؟
نقول: حديث أسامة يدلّ على أنهم لا يقتلون ولكن يراقبون، فإذا ظهر منهم ردة قتلوا، لأنهم بشهادة أن لا إله إلا الله تُلزمهم أحكام الإسلام. فإن كان الكافر يقول: لا إله إلا الله لكن لا يشهد أن محمداً رسول الله، فلا يكفيه ذلك حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وعلى هذا فالكافر يدخل في الإسلام بمجرّد أن يقول: لا إله إلا الله، فإذا كان يقولها لكنه ينكر رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فلابد أن يضيف إليها شهادة أن محمداً رسول الله، وفي الحديث الشريف: ((اُدْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّيْ رَسُوْلُ الله)) (3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ( وقد عُلم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة: أن أول ما تؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فبذلك يصير الكافر مسلماً ) (4) وإذا كان مسلماً وشهد أن لا إله إلا الله ومات على ذلك فإنه يكفي لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ مِنَ الدُّنْيَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله دَخَلَ الجَنَّة)) (5) وإنما اكتفي بلا إله إلا الله لأن هذا الميت يقر بأن محمداً رسول الله وليس عنده فيها إشكال.
شهادة أن لا إله إلا الله تستلزم إخلاص العبادة لله، ويسمى هذا النوع من التوحيد توحيد الألوهية، ويسمّى توحيد العبادة، لأن معنى لا إله إلا الله أي لا معبود حقّ إلا الله، إذا لا تعبد غير الله، فمن قال: لا إله إلا الله وعبد غير الله فهو كاذب، إذْ إن هذه الشهادة تستلزم إخلاص العبادة لله عزّ وجل وطرد الرياء والفخر وما أشبه ذلك .
وقوله: أنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ الله فلابد أن تشهد أنه رسول الله، أي مرسلِهُ إلى الخلق، والرسول هو من أوحى إليه الله بشرعٍ وأمره بتبليغه، وكان الناس قبل نوح على ملة واحدة لم يحتاجوا إلى رسول، ثم كثروا واختلفوا، فكانت حاجتهم إلى الرسل، فأرسل الله تعالى الرسل، قال الله عزّ وجل: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيين مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) [البقرة: الآية213]
فالرسل إنما بعثت حين اختلف الناس ليحكموا بينهم بالحق، ولهذا كان أول الرسل نوحاً عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم . فلابد من الإيمان بأن محمداً رسول الله، ولابد أن نؤمن بأنه خاتم النبيين.
ومما سبق يُعلم خطأ المؤرّخين الذين قالوا: إن هناك رسولاً أو أكثر قبل نوح، فليس قبل نوح عليه السلام رسول بدليل قول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيينَ مِنْ بَعْدِهِ) [النساء: الآية163] وقال الله عزّ وجل : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب) [الحديد: الآية26] أي في ذريتهم خاصة.
ومن السنة في قصة الشفاعة أن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له: أَنْتَ أَوَّلُ رَسُوْلٍ أَرْسَلَهُ اللهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ (6) ، فعقيدتنا أن أول الرسل نوحٌ عليه السلام، وآخرهم: محمد صلى الله عليه وسلم، فمن ادعى النبوة بعد محمد فحكمه أنه كافر، لقول الله تعالى: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النبيينَ ) [الأحزاب: الآية40] ولم يقلْ سبحانه وخاتم الرسل ، مع أنه قال رسول الله بالأول، لأنه إذا كان خاتم النبيين فهو خاتم الرسل، إذ لا رسالة إلا بعد النبوة، فإذا انتفت النبوة من بعده فالرسالة من باب أولى.
شهادة أن محمداً رسول الله تستلزم أموراً منها:
الأول: تصديقه صلى الله عليه وسلم فيما أخبر، بحيث لايكون عند الإنسان تردد فيما أخبر به صلى الله عليه وسلم ، بل يكون في قلبه أشد مما نطق،كما قال عزّ وجل في القرآن: (إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات: الآية23] فالإنسان لايشك فيما ينطق به،كذلك ماينطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نشك فيه، ونعلم أنه الحق، لكن بيننا وبينه مفاوز وهو السند، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس أمامنا لكن إذا ثبت الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وجب علينا تصديقه، سواء علمنا وجهه أم لم نعلمه، أحياناً تأتي أحاديث نعرف المعنى لكن لا نعرف وجهها، فالواجب علينا التصديق.
الثاني: امتثال أمره صلى الله عليه وسلم ولا نتردد فيه لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) [الأحزاب: الآية36] ولهذا أقول:من الخطأ قول بعضهم: إنه إذا جاءنا الأمر من الله ورسوله بدأ يتساءل فيقول: هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ كما يقوله كثير من الناس اليوم،وهذا السؤال يجب طرحه وأن لا يورد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم إذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يقولون يا رسول الله: هل الأمر للوجوب أو الأمر للاستحباب أو غير ذلك؟ بل كانوا يمتثلون ويصدقون بدون أن يسألوا. نقول: لا تسأل وعليك بالامتثال، أنت تشهد أن محمداً رسول الله فافعل ما أمرك به.
وفي حالة ما إذا وقع الإنسان في مسألة وخالف الأمر، فهنا له الحق أن يسأل هل هو للوجوب أو لغير الوجوب، لأنه إذا كان للوجوب وجب عليه أن يتوب منه لأنه خالف، وإذا كان لغير الوجوب فأمره سهل.
ثالثاً : أن يجتنب ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه بدون تردد، لايَقُلْ: هذا ليس في القرآن فيهلك، لأننا نقول: ما جاء في السنة فقد أمر القرآن باتباعه. ولقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا وأمثاله الذي يقول هذا ليس في القرآن فقال: ((لاَ ألْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ عَلَى أَرِيْكَتِه أي جالساً متبختراً متعاظماً يَأْتِيْهِ الأَمْرُ مِنْ عِنْدِيْ فَيَقُولُ مَا أَدْرِيْ، مَا كَانَ فِيْ كِتَابِ اللهِ اِتَّبَعْنَاهُ)) (7) أي وما لم يكن لانتبعه، مع أننا نقول: كل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جاء في القرآن، لأن الله تعالى قال: ( وَاتَّبِعُوهُ ) [الأعراف: الآية158] وهو عام في كل ماقال.
رابعاً : أن لايقدم قول أحدٍ من البشر على قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا لايجوز أن تقدم قول فلان - الإمام من أئمة المسلمين - على قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأنك أنت والإمام يلزمكما اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أعظم قول من إذا حاججته وقلت: قال رسول الله ، قال: لكن الإمام فلان قال كذا وكذا، فهذه عظيمة جداً، إذ لايحل لأحد أن يعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من المخلوقين كائناً من كان حتى إنه ذُكِر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يُوْشكُ أَن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله وتقولون قال أبوبكر وعمر (8) ومن إمام هذا الرجل المجادل بالنسبة إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
خامساً : أن لايبتدع في دين الله مالم يأتِ به الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء عقيدة، أو قولاً، أو فعلاً، وعلى هذا فجميع المبتدعين لم يحققوا شهادة أن محمداً رسول الله، لأنهم زادوا في شرعه ماليس منه، ولم يتأدبوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
سادساً : أن لايبتدع في حقه ماليس منه، وعلى هذا فالذين يبتدعون الاحتفال بالمولد ناقصون في تحقيق شهادة أن محمداً رسول الله، لأن تحقيقها يستلزم أن لاتزيد في شريعته ماليس منه.
سابعاً : أن تعتقد بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له شيء من الربوبية، أي أنه لايُدعى، ولايُستغاث به إلا في حياته فيما يقدر عليه، فهو عبد الله ورسوله : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ ) [الأعراف: الآية188] وبهذا نعرف ضلال من يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنهم ضالون في دينهم، سفهاء في عقولهم، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم لايملك لنفسه نفعاً ولاضراً فكيف يملك لغيره؟ ولهذا أمره الله أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) [الجن:21-22] أي أنه هو عليه الصلاة والسلام لو أراد الله به ما يريد ما استطاع أحد من الناس أن يمنع إرادة الله فيه. إذا كان كذلك فمن الضلال البيّن أن يستغيث أحدٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هذا من الشرك، فلو جاء إنسان مهموم مغموم إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يارسول الله أغثني فإني مهموم مغموم، فيكون هذا مشركاً شركاً أكبر، لأنه دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعوة الميت أن يغيثك أو يعينك شرك، لأنه غير قادر، فهو جسد وإن كانت الروح قد تتصل بالجسد في القبر لكن هو جسد، وهذا لاينافي أن يكون حياً في قبره حياة برزخية لاتشبه حياة الدنيا.
ثامناً: احترام أقواله، بمعنى أن يحترم أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضع أحاديثه عليه الصلاة والسلام في أماكن غير لائقة، لأن هذا نوع من الامتهان، ومن ذلك: أن لا ترفع صوتك عند قبره، وقد سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلين قدما من الطائف فجعلا يرفعان أصواتهما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لَوْلاَ أَنَّكُمَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ لأَوْجَعْتُكُمَا ضَرْبَاً (9) ؛ لأن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات:2] .
ولماَ نزلت هذه الآية كان رجل من الصحابة يقال له: ثابت بن قيس رضي الله عنه ممن يخطب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جهوري الصوت، فلما نزلت هذه الآية بقي في بيته يبكي ليلاً ونهاراً رضي الله عنه هؤلاء الذين يعلمون قدر القرآن الكريم، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم لأن من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتفقّد أصحابه، وهذا من حسن رعايته صلى الله عليه وسلم فسأل عنه فقالوا: يارسول الله إن الرجل منذ أنزل الله تعالى هذه الآية وهو في بيته يبكي ليلاً ونهاراً، فقال صلى الله عليه وسلم : (اِذْهَبْ فَادْعُهُ لِي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: مَايُبْكِيْكَ يَاثَابِتُ فقال:أنا صيّت وأتخوّف أن تكون هذه الآية نزلت فيّ؛ لأن الله تعالى يقول: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ)[الحجرات:2] فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أَمَا تَرْضَى أَنْ تَعِيْشَ حَمَيدَاً، وَتُقْتَلَ شَهِيْدَاً، وَتَدْخُلَ الجَنَّة)) (10) ، الله أكبر،كل من خاف من الله أمن، فهو بقي في بيته خائفاً من الله عزّ وجل ولكن أمَّنه الله ، ولهذا يجب علينا وجوباً أن نشهد أن ثابت بن قيس رضي الله عنه من أهل الجنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بهذا. فبقي الرجل حميداً في حياته وشارك المسلمين في قتال مسيلمة الكذاب، وغزوة مسيلمة الكذاب معروفة ومشهورة في التاريخ، وقتل رضي الله عنه شهيداً، ويدخل الجنة، اللهم اجعلنا من أهل الجنة يارب العالمين.
وقع في قصته رضي الله عنه أيضاً مسألة غريبة: مر به أحد الجنود وهو ميت وعلى ثابت رضي الله عنه درع جيد، فأخذ الجندي الدرع منه ثم ذهب به إلى رحله وجعل عليه برمة - والبرمة قدر من الخزف - وفي الليل رأى أحد أصحاب ثابت ثابتاً رضي الله عنه في المنام وأخبره الخبر وقال له: مر بي رجل من الجند وأخذ درعي ووضعه تحت برمة في طرف العسكر وحوله فرس تستن، أي رافعة إحدى قوائمها، فلما أصبح الرجل الذي رأى هذه الرؤيا أخبر بها القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه فأرسله إلى المكان، ولما أرسله إلى المكان وجد الأمر كما قال ثابت - فسبحان الله العظيم - ما الذي أعلم ثابتاً وهو ميت،لكن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، فأخذ الدرع.
كما أن ثابتاً رضي الله عنه أوصى بوصية بعد موته، وأُبلِغَت أبا بكر رضي الله عنه فنفذ الوصية، قالوا: ولايوجد أحد نفذت وصيته التي أوصى بها بعد موته إلا ثابت بن قيس رضي الله عنه، لكن يشكل على هذا كيف نعتبر الرؤيا في تنفيذ الوصية؟
والجواب: أنه إذا دلت القرائن على صدق الرؤيا نُفذت الوصية ولاحرج. ولقد حدثني رجل أثق به يقول: إنه مات أبوه وكان قد استأجر البيت الذي تركه بعد موته لمدة كذا سنة، فلما مات أتى أهل البيت الذين يملكون رقبة البيت وقالوا للورثة: اخرجوا عن البيت، البيت بيتنا، فقالوا: لن نخرج، بين مورّثنا وبينكم عقد لم ينتهِ بعد، فقالوا:بل انتهى العقد، ففزع الورثة من هذه الدعوى وضاقت بهم الأرض، يقول: فلما كان ذات ليلة رأيت في المنام أن أبي أطل علينا من فرجة المجلس وقال لهم: العقد في أول صفحة من الدفتر لكنه لاصق في جلدة الدفتر، فلما أصبح وفتح أول صفحة وجد العقد.
سبحان الله، فالله تعالى قد يخبر بعض الموتى ببعض ما يحصل على أهله، لكن هذه مسائل ليست لكل أحد.
وتقيم الصلاة أي تأتي بها قويمة، ولاتكون قويمة إلا بفعل شروطها وأركانها وواجباتها - وهذا لابد منه - وبمكملاتها، فهذا يكون أكمل.
ولاحاجة لشرح هذه لأنها معروفة في كتب الفقه (11)
وقوله الصّلاةَ يشمل كل الصلاة:الفريضة والنافلة،وهل تدخل صلاة الجنازة أو لا؟
يحتمل هذا وهذا، إذا نظرنا إلى عموم اللفظ قلنا: إنها داخلة لأنها صلاة،كما قال الله عزّ وجل : (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً ) [التوبة: الآية84] ‘ وإن نظرنا إلى أن صلاة الجنازة صلاة طارئة حادثة يقصد بها الشفاعة للميت قلنا: لاتدخل في هذا الحديث، لكن تدخل في عموم الأمر بإحسان.
وَتُؤْتي الزَّكَاةَ تؤتي بمعنى تعطي، والزكاة هي: المال الواجب في الأموال الزكوية، فيعطيه الإنسان مستحقه تعبّداً لله عزّ وجل ورجاءً لثوابه.
مثال ذلك: الدراهم والدنانير فيهما زكاة، وهي ربع ا لعشر، أي تأخذ ربع العشر وهو واحد من أربعين وتعطيه المستحق.
وقد بيّن الله عزّ وجل أهل الزكاة في سورة التوبة أنهم ثمانية أصناف فقال عزّ وجل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ )[التوبة: الآية60] أي فرضها الله علينا أن نعطيها هؤلاء ولا نعطي غيرهم: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: الآية60] وتفاصيل ذلك مذكورة في كتب الفقه ولا حاجة إلى تفصيله هنا (12) .
وَتَصُوْمَ رَمَضَانَ بأن تمسك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس تعبّداً لله تعالى.
والمفطرات أيضاً معروفة لاحاجة إلى ذكرها(13) ولكن ننبّه على شيء مهمّ فيها: أن المفطرات لاتفطر الصائم إلا بثلاثة شروط: أن يكون عالماً، وأن يكون ذاكراً، وأن يكون مريداً.
فضدّ العالم الجاهل، فلو أكل الصائم يظن أن الليل باقٍ ثم تبين أنه قد طلع الصبح وهو يأكل فحكم الصوم أنه صحيح.
ولو أكل يظن غروب الشمس ثم تبين أنها لم تغرب فالصوم صحيح، ودليل ذلك: ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس (14) ولم يأمرهم بالقضاء، فلو كان القضاء واجباً لكان يبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولنُقِلَ إلينا، لأنه إذا كان واجباً لكان القضاء من شريعة الله، ولابد أن تنقل، وهو داخل في عموم قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) [البقرة: الآية286] وقوله: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب: الآية5].
ولو أكل غير مريد للأكل أو شرب غير مريد للشرب بأن كان مكرهاً فصيامه صحيح، ومن ذلك:أن يكره الرجل زوجته فيجامعها وهي صائمة، فليس عليها شيء لاقضاء ولاكفّارة.
هذه مهمة لأن كثيراً من الفقهاء يقولون: إن الإنسان إذا أكل جاهلاً بالوقت سواء من أول النهار أو آخره وجب عليه القضاء إذا تبيّن أنه قد أكل في النهار، ولكن يقال: إن الذي شرع الصوم للعباد هو الذي رفع عنهم الحرج بهذه الأعذار.
وَتَحُجّ البَيْتَ أي تقصده. لأداء المناسك في وقت مخصوص تعبّداً لله تعالى.
وهل يدخل في ذلك العمرة أو لا ؟
فيه خلاف بين العلماء: فمنهم من قال: إن العمرة داخلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((العُمْرَةُ حَجٌّ أَصْغَر)) (15) لأنه وردت روايات في نفس الحديث فيها ذكر العمرة.
والصحيح أن العمرة دون الحج، أي ليست من أركان الإسلام لكنها واجبة يأثم الإنسان بتركها إذا تمّت شروط الوجوب.
إِنِ اسْتَطَعْتَ إَلِيْهِ سَبِيْلاً مأخوذ من قوله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )[آل عمران: الآية97]
قد يقول قائل: هذا الشرط في جميع العبادات لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [التغابن: الآية16] فلماذا خص الحج؟
نقول: خص الحج لأن الغالب فيه المشقة والتعب وعدم القدرة، فلذلك نص عليه وإلا فجميع العبادات لابد فيها من الاستطاعة.
قَالَ:(صَدَقْتَ) أي أخبرت بالحق، والقائل هو جبريل عليه السلام.
قَالَ عُمَرُ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلهُ وَيُصَدِّقُه ووجه العجب أن السائل عادة يكون جاهلاً، والمصدّق يكون عالماً فكيف يجتمع هذا وهذا، ومثاله: لو قال قائل: فلانٌ قدم من المدينة، فقال بعضهم:صدقت، فمقتضى ذلك أنه عالم، فكيف يسأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول صدقت؟ هذا محل عجب، وستأتي الحكمة في ذلك.
قَالَ: فَأَخْبِرني عَنِ الإِيمَانِ قال: أي جبريل، فأخبرني: أي يا محمد عن الإيمان؟
والإيمان في اللغة: هو الإقرار والاعتراف المستلزم للقبول والإذعان وهو مطابق للشرع.
وأما قولهم: الإيمان في اللغة التصديق ففيه نظر، لأنه يقال: آمنت بكذا وصدقت فلاناً ولايقال: آمنت فلاناً، بل يقال: صدقه، فصدق فعل متعدٍ، وآمن فعل لازم، وقد ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - باستفاضة في كتابه: (كتاب الإيمان.
وقولنا: الإيمان المستلزم للقبول والإذعان احترازاً مما لو أقر لكن لم يقبل كأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم ،حيث أقر بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه صادق لكن لم يقبل ماجاء به - نسأل الله العافية - ولم يُذعن ولم يتابع، فلم ينفعه الإقرار، فلابد من القبول والإذعان.
ولذلك يخطئ خطأً كبيراً من يقول: إن أهل الكتاب مؤمنون بالله، وكيف يكون ذلك وهم لم يقبلوا شرع الله ولم يذعنوا له، فاليهود والنصارى حين بعث رسول الله كفروا به وليسوا بمسلمين ودينهم دين باطل، ومن اعتقد أن دينهم صحيح مساوٍ لدين الإسلام فهو كافر خارج عن الإسلام فالإيمان قبولٌ وإذعانٌ.
قَالَ: الإِيْمَانُ أَنْ تُؤمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرسله، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنُ بَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ هذه ستّة أشياء:
أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ
الإيمان بالله يتضمن أربعة أشياء:
الأول : الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى.
فمن أنكر الله تعالى فليس بمؤمن، ومع ذلك لايمكن أن يوجد أحد ينكر وجود الله تعالى بقرارة نفسه، حتى فرعون الذي قال لموسى: ما رب العالمين؟ كان مقرّاً بالله، قال له موسى: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ ) [الإسراء: الآية102] لكنه جاحد،كما قال الله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ) [النمل: الآية14]
الثاني : الإيمان بانفراده بالرّبوبية، أي تؤمن بأنه وحده الرّب وأنه منفرد بالربوبية، والرب هو الخالق المالك المدبر.
فمن الذي خلق السماوات والأرض ؟ الله عزّ وجل .
ومن الذي خلق البشر ؟ الله عزّ وجل .
ومن يملك تدبير السماوات والأرض ؟ الله عزّ وجل .
الثالث : إيمان بانفراده بالألوهية، وأنه وحده الذي لا إله إلا هو لاشريك له، فمن ادعى أن مع الله إلهاً يُعبد فإنه لم يؤمن بالله، فلابد أن تؤمن بانفراده بالألوهية، وإلا فما آمنت به.
الرابع : أن تؤمن بأسماء الله وصفاته بإثبات ما أثبته سبحانه لنفسه في كتابه، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات على الوجه اللائق به من غير تحريف، ولاتعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل، فمن حرّف آيات الصفات أو أحاديث الصفات فإنه لم يحقق الإيمان بالله .
قال قومٌ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طـه:5] استولى، ومعناه شرعاً ولغة: علا وارتفع على العرش، لكنه علوّ خاص، ليس العلوّ العام على جميع المخلوقات. فهذا الذي فسّر (اسْتَوَى) بـ : استولى لم يحقق الإيمان بالله، لأنه نفى صفة أثبتها الله لنفسه، والواجب إثبات الصفات.
ومن قال: (لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) [صّ: الآية75] أي بقدرتيَّ ، أو: بقوتيَّ وليس لله يد حقيقة لم يحقق الإيمان بالله، لو حقق الإيمان بالله لقال: لله عزّ وجل يد حقيقية لكن لاتماثل أيدي المخلوقين،كما قال الله عزّ وجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) [الشورى: الآية11] لأننا لا نحدث عن الله إلا على حسب ما أخبرنا الله به عن نفسه، فإذا كنّا لا يمكن أن نتحدث عن شخص لم نرهُ وإن كان عندنا في البلد، فكيف نتحدث عن الله تعالى بلا علم.
وإذا قال: إن الله لايتكلم بكلام مسموع، ولكن كلامه المعنى القائم بنفسه، وما سمعه جبريل فهو مخلوق، أصوات خلقها الله عزّ وجل لتعبّر عما في نفسه، فهذا ما حقق الإيمان بالله. لأن تفسير (الكلام) بهذا المعنى يدلّ على أن الله تعالى لايتكلم حقيقة، لأنك إذا قلت: الكلام هو المعنى القائم بالنفس صار معنى الكلام هو العلم، لا أنه المسموع، وعلى هذا فقس.
وعلى هذا فجميع المبتدعة في الأسماء والصفات، المخالفين لما عليه السلف الصالح، لم يحققوا الإيمان بالله، ولا نقول إنهم غير مؤمنين، فهم مؤمنون لاشك، لكنهم لم يحققوا الإيمان بالله، والذي فاتهم من الأمور الأربعة هو الرابع: الإيمان بأسماء الله وصفاته، فلم يحققوا الإيمان به، وهم مخطئون مخالفون لطريق السلف، وطريقتهم ضلال بلاشكّ، ولكن لايحكم على صاحبه بالضلال حتى تقوم عليه الحجة، فإذا قامت عليه الحجة، وأصر على خطئه وضلاله، كان مبتدعاً فيما خالف فيه الحق، وإن كان سلفيّاً فيما سواه، فلا يوصف بأنه مبتدع على وجه الإطلاق، ولا بأنه سلفيّ على وجه الإطلاق ،بل يوصف بأنه سلفي فيما وافق السلف، مبتدع فيما خالفهم .
ومن مسائل الأسماء والصفات التي حصل فيها خلاف معنى حديث : ((أَنَّ اللهَ خَلَقَ آَدَمَ عَلَى صُوْرَتِهِ)) (16) وضجّوا وارتفعت أصواتهم وكثرت مناقشاتهم، كيف خلق آدم على صورته؟
فحرّفه قومٌ تحريفاً مشيناً مستكرهاً، وقالوا: معنى الحديث: خَلَقَ اللهُ آدم على صورته أي على صورة آدم - الله المستعان - هل يمكن لأفصح البشر وأنصح البشر أن يريد بالضمير ضمير المخلوق، بمعنى خلق آدم على صورته أي على صورة آدم ؟ لايمكن هذا، لأن كل مخلوق فقد خلق على صورته، وحينئذ لا فضل لآدم على غيره. فهذا هراء لامعنى له، أتدرون لما قالوا هذا التأويل المستكره المشين؟
قالوا: لأنك لو قلت إنها صورة الرب عزّ وجل لمثّلت الله بخلقه، لأن صورة الشيء مطابقةله ، وهذا تمثيل .
وجوابنا على هذا أن نقول : لو أعطيت النصوص حقها لقلت خلق الله آدم على صورة الله ، لكن ليس كمثل الله شيء.
فإن قال قائل: اضربوا لنا مثلاً نقتنع به ، أن الشيء يكون على صورة الشيء وليس مماثلاً له ؟
والجواب نقول: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُوْرَةِ القَمَرِ لَيْلَةِ البَدْرِ ثُمَّ الَّذِيْنَ يَلوُنَهُمْ عَلَى أَضْوَءِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ)) (17) فهل أنت تعتقد أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه أو تعتقد أنهم على صورة البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك على صورة القمر، لامن كل وجه ، فإن قلت بالأول فمقتضاه أنهم دخلوا وليس لهم أعين وليس لهم أفواه، وإن قلت بالثاني؛ زال الإشكال وثبت أنه لايلزم من كون الشيء على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فالمهم أن باب الصفات بابٌ عظيمٌ، خطره جسيم، ولايمكن أن ينفك الإنسان من الورطات والهلكات التي يقع فيها إلا باتباع السلف الصالح، أثبت ما أثبته الله تعالى لنفسه، وانْفِ مانفى الله عن نفسه، فتستريح.
هل تبحث في أمر يكون البحث فيه تعمّقاً وتنطّعاً ؟
الجواب: لا تبحث.
وقد سُئِل الإمام مالك - رحمه الله - عن قول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] كيف استوى؟
فأطرق - رحمه الله - برأسه وجعل يتصبب عرقاً من ثقل ما ألقي عليه وتعظيمه الرب جل وعلا، ثم رفع رأسه وقال: (الاستواء غير مجهول) أي أنه معلوم في اللغة العربية، استوى على كذا: أي علا عليه واستقرّ، وكل ما ورد في القرآن والسنة وكلام العرب أن (استوى) إذا تعدّت بـ (على) فمعناه العلو
وقوله: (والكيف غير معقول) أي معناه: أنّا لاندرك كيفية استواء الله على عرشه بعقولنا: وإنما طريق ذلك السمع.
وقوله: (الإيمان به واجب) معناه : أن الإيمان باستواء الله على عرشه على الوجه اللائق واجب.
(والسؤال عنه بدعة) معناه : أن السؤال عن كيفية الاستواء بدعة، لأن مثل هذا السؤال لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم أشد منا حرصاً على معرفة الله عزّ وجل ، والمجيب لو سألوه فهو أعلم منا بالله تعالى، ومع ذلك لم يقع السؤال، أفلا يسعنا ما وسعهم ؟
الجواب: بلى، فيجب على المسلم أن يسعه ما وسع السلف الصالح، فلا يسأل.
ثم قال الإمام مالك - رحمه الله- : (ما أراك) أي ما أظنك (إلامبتدعاً) تريد أن تفسد على الناس دينهم، ثم أمر به فأُخرج من المسجد، أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل: والله لاأستطيع إخراجه، أخشى أن أدخل في قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) [البقرة: الآية114] لأني أمنع هذا من دخول المسجد، لأنه لم يدخل ليذكر فيه اسم الله، بل دخل ليفسد عباد الله، ومثل هذا يمنع.
فإذا كان الذي يأكل الثوم والبصل يمنع من دخول المسجد، فكيف بمن يفسد على الناس أديانهم، أفلا يكون أحقّ بالمنع؟ بلى والله، ولكن كثيراً من الناس غافلون.
على كلّ حال هذا المقام مقام عظيم، لكني أحذركم أن تتعمّقوا في باب الأسماء والصفات، وأن تسألوا عما لاحاجة لكم به.
يقول بعض الناس: الله تعالى له أصابع، ويقول المحرفون: ليس له أصابع، والمراد بقوله: ((إنَّ قُلُوْبَ بَنِيْ آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ)) (18) كمال السيطرة والتدبير، سبحانَ الله، أأنتم أعلم أم رسول الله؟ نفوا الأصابع لظنهم أن إثباتها يستلزم التمثيل، فمثلوا أولاً وعطّلوا ثانياً، فجمعوا بين التمثيل والتعطيل.
وجاء آخرون فقالوا: قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، وأمسك المسواك بين أصابعه وقال: بين أصبعين من أصابع الرحمن. قطع الله هاتين الأصبعين. فهل يحلّ هذا ؟
الجواب: لا يحل، أولاً: هل تعلم أن أصابع الله تعالى خمسة: إبهام وسبابة ووسطى وبنصر وخنصر؟ لا تعلم .
ثانياً: هل تعلم أن كون القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن: بين الإبهام والسبابة، أو بين الإبهام والوسطى، أو بين الإبهام والبنصر، أو بين الإبهام والخنصر؟ كيف تقول على الله ما لاتعلم، أم على الله يفترون، فمثل هذا يستحق أن يؤدّب لأنه قال على الله ما لا يعلم.
فقالوا: أليس النبي صلى الله عليه وسلم لما قال:وَكَانَ اللهُ سَمِيعَاً بَصِيرَا وضع إبهامه وسبابته على العين والأذن(19)
نقول: بلى، لكن أنت لست رسولاً حتى تفعل هذا، ثم المقصود من وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أصبعيه تحقيق السمع والبصر فقط.
وأكرر أن باب الصفات باب عظيم، احذر أن تزل، فتحت رجلك هوّة، فالأمر صعب جداً.
يقول آخرون في قول الله تعالى: (وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )[الزمر: الآية67] فيشير بيده قابضاً لها على شيء - أعوذ بالله - والآخرون يقولون: قبضته أي تحت تصرفه، والفرق بينهما عظيم.
فعلى كل حال، أكرر:احذروا باب الصفات أن تخوضوا في شيءٍ لم يتكلم فيه السلف الصالح.
يقول بعض العلماء: من لم يسعه ما وسع الصحابة والتابعين فلا وسّع الله عليه.
قوله: وَمَلائِكَتِهِ بدأ بالملائكة قبل الرسل والكتب لأنهم عالم غيبي، أما الرسل والكتب فعالم محسوس، فالملائكة لا يظهرون بالحس إلا بإذن الله عزّ وجل ، وقد خلق الله الملائكة من نورٍ،كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم لايحتاجون إلى أكل وشرب، ولهذا قيل إنهم صمدٌ أي ليس لهم أجواف، فلا يحتاجون إلى أكل ولا شرب، فنؤمن أن هناك عالماً غيبياً هم الملائكة.
وهم أصناف، ووظائفهم أيضاً أصناف حسب حكمة الله عزّ وجل كالبشر أصناف ووظائفهم أصناف.
والإيمان بالملائكة يتضمّن:
أولاً : الإيمان بأسماء من علمنا أسماءهم،أن نؤمن بأن هناك ملَكاً اسمه كذا مثل جبريل.
ثانياً : أن نؤمن بما لهم من أعمال، مثلاً:
جبريل: موكل بالوحي، ينزل به من عند الله إلى رسله.
وميكائيل: موكل بالقطر أي المطر، والنبات أي نبات الأرض.
وإسرافيل: موكل بالنفخ في الصور .
هؤلاء الثلاثة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهم عندما يستفتح صلاة الليل فيقول: ((اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيْلَ وَمِيْكَائِيْلَ وَإِسْرَافِيْلَ)) (20) والحكمة من هذا : أن كل واحد منهم موكل بحياة: فجبريل موكل بالوحي وهو حياة القلوب كما قال عزّ وجل : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا) [الشورى: الآية52] وميكائيل موكل بالقطر والنبات وهو حياة الأرض، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور وهو حياة الناس الحياة الأبدية.
والمناسبة ظاهرة، لأنك إذا قمت من النوم فقد بعثت من موت كما قال تعالى: [وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ) [الأنعام: الآية60] وقال عزّ وجل: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّى)[الزمر: الآية42]
إذا كان القيام من الليل بعثاً وهؤلاء الملائكة الثلاثة الكرام كلهم موكلون بحياة،صارت المناسبة واضحة.
كذلك يجب الإيمان بما لبعض الملائكة من أعمال خاصة،
فمثلاً: هناك ملائكة وظائفهم أن يكتبوا أعمال العباد، قال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ*مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:16-18] فهؤلاء موكلون بكتابة أعمال بني آدم،وقال الله عزّ وجل أيضاً في آية أخرى:( كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ*وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كراما كاتبين) [الانفطار:9-11] يكتبون كل قول يقوله الإنسان، وظاهر الآية الكريمة أنهم يكتبون ما للإنسان وما عليه وما ليس له ولا عليه، وجه كون هذا هو الظاهر: أن قوله عزّ وجل :( مِنْ قَوْلٍ) نكرة في سياق النفي مؤكّدة بـ: (من) فتفيد العموم، لكن ما ليس له ولا عليه لا يحاسب عليه وإنما يقال إنه فاته خير كثير.
وذُكر أن رجلاً دخل على الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله- فقيه المحدّثين ومحدث الفقهاء وإمام أهل السنة، دخل عليه وهو يئن من الوجع، فقال له: يا أبا عبد الله تئنّ وقد قال طاوس: إن الملك يكتب حتى أنين المريض، فأمسك الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - عن الأنين، وهذا من تعظيم آثار السلف عند السلف.
ومن الملائكة من هم موكلون بالسياحة في الأرض يلتمسون حِلَق الذّكر والعلم فإذا وجدوها جلسوا.
ومنهم ملائكة موكلون بحفظ بني آدم.
ومنهم ملائكة موكلون بقبض روح بني آدم.
ومنهم ملائكة موكلون بسؤال الميت في قبره.
ومنهم ملائكة موكلون بتلقّي المؤمنين يوم القيامة:( وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ )[الانبياء: الآية103]
ومنهم ملائكة موكلون بتحية أهل الجنة كما قال تعالى في كتابه: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَاب ٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ) [الرعد:23-24]
ومنهم ملائكة يعبدون الله عزّ وجل ليلاً ونهاراً، كما قال سبحانه وتعالى: (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء:20] قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَطَّتِ السَّماءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ) والأطيط : هو صرير الرحل على البعير إذا كان الحمل ثقيلاً، فيقول صلى الله عليه وسلم : (( أَطَّتِ السَّماءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، مَامِنْ مَوْضِعِ أَرْبَعِ أَصَابِع مِنْهَا إِلاَّ وَفِيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ لِلَّهِ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِد)) (21)
وَكُتُبِهِ جمع كتاب بمعنى: مكتوب والمراد بها الكتب التي أنزلها الله عزّ وجل على رسله لأنه ما من رسول إلا أنزل الله عليه كتاباً كما قال الله عزّ وجل : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ )[البقرة:213]
وقال عزّ وجل: (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا) أي إبراهيم ونوح: (النُّبُوَّةَ وَالْكِتَاب) [الحديد:26] واعلم أن جميع الكتب السابقة منسوخة بما له هيمنة عليها وهو القرآن، قال الله عزّ وجل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة: الآية48] كل الكتب منسوخة بالقرآن،فلا يُعمل بها شرعاً.
واختلف العلماء - رحمهم الله - فيما ثبت في شرائع من قبلنا، هل نعمل به إلا أن يرد شرعنا بخلافه، أو لا نعمل به؟
من العلماء من قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا مالم يرد شرعنا بخلافه، وذلك أن ماسبق من الشرائع:
1-إما أن توافقه شريعتنا
2-وإما أن تخالفه شريعتنا
3- وإما أن لاندري توافقه شريعتنا أم لا فيكون مسكوتاً عنه
فما وافقته شريعتنا فهو حق ونتبعه، وهذا بالإجماع، واتباعنا إياه لا لأجل وروده في الكتاب السابق ولكن لشريعتنا.
- وما خالف شريعتنا فلا نعمل به بالاتفاق، لأنه منسوخ، ومثاله لا يحرم على الناس أكل الإبل في وقتنا مع أنها على بني إسرائيل - اليهود خاصة - كانت محرمة.
- وما لم يرد شرعنا بخلافه ولا وفاقه فهذا محل الخلاف: منهم من قال: إنه شرع لنا. ومنهم من قال: ليس بشرعٍ لنا، ولكل دليل، وتفصيل ذلك في أصول الفقه.
والإيمان بالكتب يتضمّن أربعة أمور:
أولاً : أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على الرسل كتباً، وأنها من عند الله ولكن لانؤمن بأن الكتب الموجودة في أيدي هذه الأمم هي الكتب التي من عند الله لأنها محرّفة ومبدلة، لكن أصل الكتاب المنزل على الرسول نؤمن بأنه حق من عند الله.
ثانياً : أن نؤمن بصحة ما فيها من أخبار كأخبار القرآن وأخبار ما لم يبدل أو يحرّف من الكتب السابقة.
ثالثاً : أن نؤمن بما فيها من أحكام إذا لم تخالف الشريعة على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا - وهو ا لحق - إذا لم يرد شرعنا بخلافه.
رابعاً : أن نؤمن بما علمنا من أسمائها، مثل: القرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى.
فلو قال رجل: أنا لا أومن بأن هناك كتاباً يسمى التوراة، فإنه كافر، لأن الإيمان بالله يتضمن الإيمان بالكتب.
وَرسُلِهِ أي أن تؤمن برسل الله عزّ وجل ، والمراد بالرسل من البشر، وليعلم بأنه يعبر برسول ويعبّر بنبي، فهل معناهما واحد؟
الجواب: أما في القرآن فكل من ذكر من الأنبياء فهو الرسول ، فكلما وجدت في القرآن من نبي فهو رسول، لكن معنى النبي والرسول يختلف، والصواب فيه: أن النبي هو من أوحي إليه بشرع وأمر بالعمل به ولكن لم يؤمر بتبليغه، فهو نبي بمعنى مُخْبَر، ولكن لم يؤمر بالتبليغ. مثاله: آدم عليه السلام أبو البشر نبي مكلف لكنه ليس برسول، لأن أول الرسل نوح، أما آدم فنبي كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فإذا قال قائل: لماذا لم يرسل؟
فالجواب: لأن الناس في ذلك الوقت كانوا أمة واحدة، قليلون وليس بينهم اختلاف، لم تتسع الدنيا ولم ينتشر البشر فكانوا متّفقين فكفاهم أن يروا أباهم على عبادة ويتبعوه، ثم لما حصل الخلاف وانتشر الناس احتيج إلى الرسل، كما قال الله عزّ وجل : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النبيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ)[البقرة: الآية213]
فإذا قال قائل: ما الفائدة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد آدم عليه السلام إذا كان لم يؤمر بالتبليغ ؟
قلنا الفائدة: تذكير الناس بالشريعة التي نسوها، وفي هذا لا يكون الإعراض من الناس تاماً فلا يحتاجون إلى رسول ،ويكفي النبي صلى الله عليه وسلم الذي يذكرهم بالشريعة، قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النبيونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا )[المائدة: الآية44] هذه هي الفائدة من النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن هذا الإيراد إيراد قوي وهو ما الفائدة من النبوة بلا رسالة؟ والجواب ماسبق. ولهذا جاء في حديث لكنه ضعيف: ((عُلَمَاءُ أُمَّتِيْ كَأَنْبِيَاءِ بَنِيْ إِسْرَائِيْل)) (22) معناه صحيح لكنه ضعيف من حيث إنه مسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
- وأوّل الرسل نوح عليه السلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، واعلم بأنك ستجد في بعض كتب التاريخ أن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح عليه السلام، وأن هناك بعضاً آخرين مثل شيث، كل هذا كذبٌ وليس بصحيح.
فإدريس بعد نوح قطعاً، وقد قال بعض العلماء: إن إدريس من الرسل في بني إسرائيل، لأنه دائماً يذكر في سياق قصصهم، لكن نعلم علم اليقين أنه ليس قبل نوح، والدليل قول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنبيينَ مِنْ بَعْدِهِ ) [النساء: الآية163] وقال الله عزّ وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ) [الحديد: الآية26] فأرسلهم الله وهم القمة، وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب، فمن زعم أن إدريس قبل نوح فقد كذب القرآن وعليه أن يتوب إلى الله من هذا الاعتقاد.
والرسل عليهم الصلاة والسلام هم أعلى طبقات البشر الذين أنعم الله عليهم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرسول فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النبيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ) [النساء: الآية69] هذه أربعة أصناف.
النبيون يدخل فيهم الرسل وهم أفضل من الأنبياء، ثم الرسل أفضلهم خمسة هم أُوُلو العزم، ذكروا في القرآن في موضعين في سورة الأحزاب وفي سورة الشورى: ففي سورة الأحزاب قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) [الأحزاب: الآية7] وفي سورة الشورى قال الله تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّين) [الشورى: الآية13] فسبحان الله ، هذه وصية من الله للأولين والآخرين : (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا ) [الشورى: الآية13] فهي وصية بإقامة الدين وعدم التفرّق في الدين.
وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ)) (23) ولما التقى بهم في الإسراء أَمَّهم في الصلاة، فإبراهيم إمام الحنفاء صلى وراء محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أنه لايقدم في الإمامة إلا الأفضل،فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أفضل أولي العزم.
والثاني: إبراهيم الخليل عليه السلام يلي مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله فيه: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) [النساء: الآية125] والذي ابتلاه الله تعالى ببلية لايصبر عليها إلا أولو العزم.
وقصّة ابتلاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه أتاه ابناً على كبر، ومعلوم أنه إذا أتى الفريد الوحيد ابنٌ على كبر، سيكون في قلب أبيه في غاية المحبة للبشر، لما بلغ معه السعي فلم يكن طفلاً لايهتم به، ولم يكن كبيراً انفرد بنفسه بل بلغ السعي، أي بدأ يمشي معه، تعلق قلبه به تماماً فامتحنه الله تعالى، بأن رأى في المنام أنه يذبح ابنه، ورؤيا الأنبياء وحي، فقال له: يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، فلم يخيره لكن أراد أن يمتحنه، فجاء الابن في غاية ما يكون من الامتثال والانقياد فقال: يا أبتِ افعل ما تؤمر، لم يقل يا أبت اذبحني، بل قال: افعل ما تؤمر حتى ينبّهه أنه يفعل هذا امتثالاً لأمر الله عزّ وجل ، افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، فلم يجزم، بل قال: إن شاء الله، كما قال الله تعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً*إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) [الكهف:23-24] فاتفق الأب والابن على الاستجابة لأمر الله، فلما أسلما أي استسلما لأمر الله، وتلّه أي أبوهُ للجبين أي على الأرض والجبين: الجبهة، وإنما تلّه على الجبين دون أن يذبحه مستلقياً لئلا يرى وجه ابنه والسكين تلوح على رقبته، فيخفف هو عن نفسه ويخفف أيضاً على الابن، فلما تلّه للجبين جاء الفرج من الله عزّ وجل ، فرّج الله تعالى عنه: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات:104-105].
هذه المحبة لهذا الابن وهذا الابتلاء وهذا الامتثال التام يدل على أن محبة الله في قلب إبراهيم عليه السلام أعظم من محبة الولد، فكان إبراهيم خليل الله عزّ وجل ، أعطاه الله الخلة. والخلّة: هي أعظم أنواع المحبة، والمحبة أنواعها عشرٌ، وقيل سبع، لكن أعلاها الخلّة، وفي هذا يقول الشاعر لمعشوقته:

قدْ تخلَّلتِ مسلك الرّوحِ منّي وبذا سُمِّيَ الخليلُ خَليلا


لأن محبته تخللت مسلك الروح، العروق والعظام والمخ وكل شيء.
ففي قوله: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) [النساء: الآية125] دليل على أن إبراهيم بالنسبة لله عزّ وجل ، أعلى مايكون من المحبوب، ففيه إثبات المحبة.
وقال المحرّفون الذين يقولون: إن الله لايحب: إن قوله تعالى: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) مأخوذ من الخِلّة بالكسر، يعني الافتقار ومعنى (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) أي فقيراً إليه.
وهذا من التّحريف، فكل إنسان على قولهم يكون خليلاً لله، لأن كل إنسان مفتقر إلى الله عزّ وجل .
ولكن نقول:الخليل هو الذي بلغ غاية المحبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم :"إِنَّ اللهَ اِتَّخَذَنِيْ خَلِيْلاً كَمَا اِتَّخَذَ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلا، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً مِنْ أُمَّتِيْ خَلِيْلاً لاَتَّخّذْتُ أَبَا بَكْرخليلاً" (24)
وهناك كلمة شائعة عند الناس: يقولون: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله وموسى كليم الله، ولاشك أن محمداً صلى الله عليه وسلم حبيب الله فهو حابّ الله ومحبوب لله ولكن هناك وصف أعلى من ذلك وهو خليل الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم خليل الله. والذين يقولون محمد حبيب الله قد هضموا حق الرسول صلى الله عليه وسلم،لأن المحبة أقل من الخلة، ولذلك نقول لا نعلم من البشر خليلاً لله إلا اثنان: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، لكن المحبة كثيرٌ كما قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: الآية195] و: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً) [الصف: الآية4] وغير ذلك من الآيات.
وقوله: واليوم الآخِرِ اليوم الآخر، هو يوم القيامة، وسمي آخراً لأنه آخر مراحل بني آدم وغيرهم أيضاً، فالإنسان له أربع دور، في بطن أمه، وفي الدنيا، وفي البرزخ، ويوم القيامة وهو آخرها.
- الإيمان باليوم الآخر يتضمّن:
أولاً: الإيمان بوقوعه، وأن الله يبعث من في القبور، وهو إحياؤهم حين ينفخ في الصور، ويقوم الناس لرب العالمين، قال تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ)[المؤمنون:16] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً غُرْلاً))(25) ، وأنه واقع لامحالة، لأن الله تعالى أخبر به في كتابه وكذلك في السنة، وكثيراً مايقرن الله تعالى بين الإيمان به وبين الإيمان باليوم الآخر،لأن من لم يؤمن باليوم الآخر لايعمل، إذ إنه يرى أن لاحساب.
ثانياً: الإيمان بكل ماذكره الله في كتابه وما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في ذلك اليوم الآخر، من كون الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً، أي ليس معهم مال، وهذا كقوله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ) [الأنبياء: الآية104] .
ثالثاً: الإيمان بما ذكر في اليوم الآخر من الحوض والشفاعة والصراط والجنة والنار فالجنة دار النعيم، والنار دار العذاب الشديد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- في العقيدة الواسطية: ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم يكون بعد الموت مثل الفتنة في القبر فإن الناس يفتنون في قبورهم ويسألون عن ثلاثة أشياء: من ربك ؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟
رابعاً: الإيمان بنعيم القبر وعذابه، لأن ذلك ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف.
وهنا ننبّه على ما نسمعه من قول بعض الناس أو نقرأه في بعض الصحف إذا مات إنسان قالوا: انتقل إلى مثواه الأخير.
وهذا غلط عظيم، ولولا أننا نعلم مراد قائله لقلنا: إنه ينكر البعث، لأنه إذا كان القبر مثواه الأخير،فهذا يتضمن إنكار البعث، فالمسألة خطيرة لكن بعض الناس إمّعة، إذا قال الناس قولاً أخذ به وهو لا يتأمل في معناه.
وَتُؤْمِنُ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ وهنا أعاد صلى الله عليه وسلم الفعل: (تؤمن) لأهمية الإيمان بالقدر، لأن الإيمان بالقدر مهم جداً وخطير جداً.
والإيمان بالقدر يتضمّن أربعة أمور:-
الأول : أن تؤمن بعلم الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلاً.
دليل ذلك: عموم الأدلة مثل قول الله تعالى: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة: الآية282] وخصوص العلم بالغيب، وقد قال موسى عليه الصلاة والسلام: ( لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) [طـه: الآية52] أي لايجهل ولاينسى ما علم.
وقد ذكر الله عزّ وجل العلم في آيات كثيرة جملة وتفصيلاً:
قال الله عزّ وجل في الجملة: (وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:282]، وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [الطلاق: الآية12] أي أخبرنا كم بهذا : (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) [الطلاق: الآية12] هذا مجمل.
أما التفصيل فقال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا) [الأنعام: الآية59] كلمة ما اسم موصول، وكل اسم موصول فهو مفيد للعموم، فكل شيء في البرّ الله سبحانه وتعالى يعلمه، وكذلك كل شيء في البحر فالله سبحانه وتعالى يعلمه، وقوله تعالى: (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ) أي ورقة في أي شجرة إلا يعلمها: يعلم متى سقطت، وأين سقطت، وكيف سقطت: (وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: الآية59] أي حبة، سواء كانت كبيرة، أو صغيرة في ظلمات الأرض إلا يعلمها الله عزّ وجل ، فإذا قدرنا أن حبة بر غاصت في قاع البحر، ففوقها طين، وفوق الطين ماء، وكان ذلك ليلاً أي في ظلمة الليل، وكانت السماء ممطرة، والغيوم متلبدة، فهذا ظلمة المطر وظلمة الغيوم وكان الجو مغبرّاً، هذا أيضاً ظلمة، فيعلم الله عزّ وجل الحبة في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتاب مبين ، وإذا حقق العبد الإيمان بعلم الله، وأنه جلّ وعلا محيطٌ بكل شيء أوجب له الخوف من الله، وخشيته، والرغبة فيما عنده جل وعلا ، لأن كل حركة تقوم بها فالله يعلمها.
ثانياً: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ، مقادير كل شيء إلى يوم القيامة، قال الله عزّ وجل: (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس:12] أي في كتاب، وقال عزّ وجل : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) [الأنبياء:105] وهو اللوح المحفوظ : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء: الآية105] ، والآيات في هذا متعددة.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله لما خلق القلم قال له: اِكْتُبْ، قَالَ رَبِّ: وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: ((اكتُبْ مَاهُوَ كَائِنٌ، فَجَرَى فِيْ تِلْكَ السَّاعةِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)) (26) فأمر الله القلم أن يكتب؛ ولكن كيف يوجه الخطاب إلى الجماد؟
الجواب عن ذلك: نعم، من الله يصح لأنه هو الذي ينطق الجماد ثم إن الجماد، بالنسبة إلى الله عاقل يصحّ أن يوجه إليه الخطاب، قال تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) [فصلت:11] فوجّه الخطاب إليهما، وذكر جوابهما وكان الجواب لجمع العقلاء (طائعين) دون طائعات. والحاصل أن الله أمر القلم أن يكتب، وقد امتثل القلم، لكنه أشكل عليه ماذا يكتب، فقال: ربي وماذا أكتب ؟
قال: اكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة، فجرى في تلك اللحظة بما هو كائن إلى يوم القيامة - سبحان الله - من يحصي الحوادث والوقائع إلا الله عزّ وجل ، وهذا اللوح المحفوظ مشتمل عليها.
- واللوح المحفوظ لانعرف ماهيته، من أيّ شيء؛ أمن الخشب، أم من حديد، ولانعرف حجم هذا اللوح ولاسعته، فالله أعلم بذلك والواجب أن نؤمن بأن هناك لوحاً كتب الله فيه مقادير كل شيء، وليس لنا الحق أن نبحث وراء ذلك.
وقد ظهر في الآونة الأخيرة ما يسمّى بأقراص الليزر يتسع القرص الصغير إلى كتب كثيرة، وهو من صنع الآدمي، وأقول هذا تقريباً لا تشبيهاً،لأن اللوح المحفوظ أعظم من أن نحيط به.
ثالثاً: أن تؤمن بأن كل ما حدث في الكون فهو بمشيئة الله تعالى،فلا يخرج شيء عن مشيئته أبداً ، ولهذا أجمع المسلمون على هذه الكلمة: ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فأي شيء يحدث فهو بمشيئة الله.
وهذا عام، لما يفعله عزّ وجل بنفسه وما يفعله العباد،فكله بمشيئة الله، ودليل ذلك قول الله عزّ وجل : (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)[البقرة: الآية253] وقال عزّ وجل: (وَلَوْ شَاءَ ربك مَا فَعَلُوهُ) [الأنعام:112] وقال: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ) [الأنعام:137] وقال عزّ وجل: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ*وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:29،28] فكل ماحدث في الكون فهو بمشيئة الله، وإذا آمن الإنسان بهذا سلم من عمل الشيطان، فإذا فعل فعلاً وحصل خلاف المقصود، قال ليتني لم أفعل، فهذا من عمل الشيطان، لأن الذي فعلته قد شاءه الله عزّ وجل ولابد أن يكون، لكن إن كان ذنباً فعليك بالتوبة والاستغفار.
رابعاً: الخلق، ومعناه: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء، فنؤمن بعموم خلق الله تعالى لكل شيء، قال تعالى:(وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان: الآية2]
فكل شيء مخلوق لله: السموات، والأرضون، والبحار، والأنهار، والكواكب، والشمس، والقمر، الإنسان، الكل مخلوق لله عزّ وجل وحركات الإنسان مخلوقة لله،لأن الله تعالى خلق الإنسان وأفعاله، وإذا كان هو مخلوقاً فصفاته وأفعاله مخلوقة ولا شك، فأفعال العباد مخلوقة لرب العباد عزّ وجل ، وإن كانت باختيار العباد وإرادتهم لكنها مخلوقة لله، وذلك لأن أفعال العباد ناشئةعن إرادة جازمة وقدرة تامة، وخالق الإرادة والقدرة هو الله سبحانه وتعالى.
وهل صفات الله مخلوقة ؟
الجواب: لا، لأن صفاته سبحانه وتعالى كذاته كما أن صفات الإنسان كذات الإنسان مخلوقة.
وسنذكر في الفوائد إن شاء الله أن الناس انقسِموا في القدر إلى ثلاثة أقسام: مُفَرِّط، ومُفْرِط، ومقتصد، أي مستقيم.
____________________________________________________________________
(1) رواه مسلم: كتاب الإيمان باب: الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى، حديث (8)، (1).
(2) رواه البخاري: كتاب الديات، باب قول الله تعالى: (ومن أحياها)، حديث(6872). ومسلم: كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله، حديث (96) (159).
(3) أخرجه البخاري- كتاب: الزكاة، باب: وجوب الزكاة، (1395)، ومسلم- كتاب: الإيمان، باب: الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، (19)، (29)
(4) مجموع الفتاوى، ج (20) ص(456)
(5) رواه الإمام أحمد في مسند الأنصار بلفظ ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة)) حديث (2384). وفي سنن أبي داود: كتاب الجنائز. باب التلقين، حديث (3116). والحاكم في المستدرك – كتاب الجنائز، (1299) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، والطبراني في معجمه الكبير – ج 20/ص 112، (221)، والطبراني في معجمه الأوسط – ج1/ 180ن (574).
(6) رواه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب: الأرواح جنود مجندة، (33409. ومسلم: كتاب الإيمان، باب: أدنى أهل الجنة منزلة فيها، حديث (194)
(7) رواه أبو داود: كتاب السنة باب في لزوم السنة، حديث (4605)، والترمذي: كتاب العلم، باب ما نهي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم (2663)، وابن ماجه: المقدمة، باب: تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضهن (13)
(8) زاد المعاد (2/195)
(9) أخرجه البخاري – كتاب: الصلاة، باب: رفع الصوت في المساجد، (470)
(10) أخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق – ج1/ص21، (14)، وابن حبان في صحيحه- ج16/ ص126، (5034)، المعجم الكبير للطبراني: (2/68) حديث(1316)، وابن المبارك في الجهاد – ج 1/ص103، (123)، والطبراني في معجمه الأوسط – ج1/ص18ن (42).
(11) تكلم شيخنا –غفر الله له- عن أحكام الصلاة في (مجموع الفتاوى) المجلدات: 12-13-14-15.
(12) فصل شيخنا- غفر الله له- أحكام الزكاة في المجلد 18 من مجموع الفتاوى.
(13) فصل شيخنا – غفر الله له – أحكام الصيام في المجلد 19 من مجموع الفتاوى.
(14) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس (1959).
(15) رواه الترمذي: في كتاب الحج، باب ما في العمرة أواجبة هي أم لا؟ حديث(931)
(16) أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب بدء السلام(6227) ومسلم- كتاب الجنة وصفة نعيمها باب: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير (2841)
(17) أخرجه البخاري- كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، (3246) ومسلم – كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، (2834)
(18) أخرجه مسلم- كتاب: القدر، باب: تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، (2654)، (17)
(19) أخرجه أبو داود – كتاب: السنة، باب: في الجهمية، (4728)
(20) أخرجه مسلم- كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه، (770)، (220).
(21) أخرجه الترمذي- كتاب: الزهد، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً"، (2312) وابن ماجه – كتاب الزهد، باب: الحزن والبكاء، (4190)، والإمام أحمد في مسنده- ج 5/173 في مسند الأنصار عن أبي ذر الغفاري، (21848)
(22) أورده إسماعيل بن محمد العلجوني الجراحي في كتابه" كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس"، ج2/ص83، (1744) قال السيوطي في الدار: لا أصل له، وكذلك قال ابن حجر، وقبله الدميري والزركشي.
(23) أخرجه مسلم- كتاب: الفضائل، باب: تفضل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، (2278)،(3).
(24) أخرجه مسلم- كتاب: المساجد، باب: النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد، (532)، (23).
(25) أخرجه مسلم- كتاب: الجنة باب: فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، (2859)،(56)
(26) أخرجه الإمام أحمد- في مسند الأنصار عن عبادة بن الصامت، ج5/ص317، (23083)، وأبو داود- كتاب: السنة، باب: في القدر، (4700)، الترمذي- كتاب: القدر، (2155)

هيئة الإشراف

#3

24 Oct 2008

شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي

قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (

(1)تَرْجَمَةُ الصَّحَابِيِّ رَاوِي الحَدِيثِ:
تَقَدَّمَتْ فِي الحَدِيثِ الأَوَّلِ.

الشَّرحُ:

قالَ:(بَيْنَمَا) أَيْ: بَيْنَ أَوْقاتٍ (نَحْنُ)كَائِنُونَ (عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذاتَ يَوْمٍ) زِيدَتِ الذَاتُ لِرَفْعِ تَوَهُّمِ أنَّ المُرَادَ من اليَوْمِ مُطلَقُ الوَقْتِ.

(إذْ) فُجَائِيَّةٌ (طَلَعَ) ظَهَرَ (عَليْنَا رجلٌ)، أَيْ: جِبْريلُ عليهِ السَّلامُ في صُورَةِ رَجُلٍ، وَقَدْ مَكَّنَ اللهُ تَعَالى للملائِكَةِ منْ أَنْ يَتَصَوَّرُوا وَيَظْهَرُوا في أيِّ صورةٍ شَاءُوا.
(شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ) أي: شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ.
(لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ) مِنْ تَغَيُّرِ اللَّوْنِ وَتَدَنُّسِ الثِّيابِ، والتَّغَيُّرِ بالغُبارِ.
وفي رِوَايةٍ:(أَحسَنُ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا، كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ).
(وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ) فَعَجِبْنَا منهُ؛ إذْ لَوْ كَانَ مُسَافِرًا لَظَهَرَ عَليْهِ أَثَرُهُ، وَلَوْ كَانَ منْ أهلِ المدينةِ لعَرَفْنَاهُ؛ إذْ لا يَخْفَى سُكَّانُهَا عَلَيْنَا، فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِي (حَتَّى جَلَسَ إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ) صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَدُّبًا مَعَه.
وَنَبَّهَهُ بهذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلمُتَعَلِّمِ أَنْ يَتَأدَّبَ معَ المُعَلِّمِ كَمَالَ التَّأَدُّبِ؛ إذْ هُوَ وَارِثُ الأَنبيَاءِ علَيْهِم السَّلامُ، يُقَرِّبُ إلَى اللهِ تَعَالَى بِتَعْلِيمِهِ، وصَاحِبُ الأدبِ فائزٌ، وَفاقِدُهُ خَاسِرٌ.
(وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ)-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا جاءَ ذلكَ صَريحًا في روَايةِ النَّسائيِّ، ولَفْظُهَا: (أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسُ معَ أَصْحابِهِ فلاَ يَعْرِفُهُ الغَريبُ، فَبُنِيَتْ لهُ مِصْطَبَةٌ مِنْ طِينٍ، فجَاءَهُ جِبْريلُ وَهُوَ عليها، فقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يامُحمَّدُ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلام).
فقالَ: أَدْنُو يامُحَمَّدُ؟
قالَ: ((ادْنُهْ))، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: أَدْنُو؟ فيَقُولُ: ((ادنُهْ)) حتَّى وَضَعَ يَديْهِ على رُكْبَتَي النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَالَ: يَامُحَمَّدُ).
وَنَبَّهَ بِوَضْعِ يَدَيْهِ على رُكْبَتَي النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقَوْلِهِ: يَامُحَمَّدُ، أَنَّهُ يَنْبَغِي للمُعَلِّمِ أَنْ لا يَبْخَلَ بالتَّعْلِيمِ والنُّصْحِ عِنْدَ قِلَّةِ تَأَدُّبِ المُتَعَلِّمِ، فِعْلاً وَقَوْلاً؛ إذ العِلْمُ أَمَانَةٌ يَنْبَغِي أَدَاؤُهَا إلى أَهلِهَا، أَخَذُوهَا بِتَأَدُّبٍ أَوْ لاَ، وإليهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}. وَقَوْلُهُ تَعالَى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}.
وَقَدْ جَاءَ جِبْريلُ عَلَيْهِ السَّلامُ مُعَلِّمًا.
(أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ) الْذي يَتَعَلَّقُ بالظَّاهِرِ، ويَحْفَظُ الدِّماءَ وَالأَمْوَالَ والأَوْلاَدَ والذُّرِّيَّةَ.
(فَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُجِيبًا لهُ عَمَّا سَأَلَ: ((الإسلامُ)) الذي تُرِيدُ تَفْسِيرَهُ، ((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ))بوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ ((إِلاَّ اللهُ))الواجِبُ الوُجودِ المُنْفَرِدُ بالأُلُوهيَّةِ، الموصوفُ بأَوصَافِ الكَمَالِ، المُقَدَّسُ عَنْ سِمَاتِ أهْلِ الزَّوَالِ.
((وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ)) رَسُولُ اللهِ إلى النَّاسِ والجِنِّ، وأَنَّ مَا جَاءَ بهِ فهُوَ حَقٌّ.
((وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ)) المفرُوضَةَ بِفَرَائِضِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَمَنْدُوبَاتِهَا، مُجَانِبًا عَنْ مُفْسِدَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا وَعَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهَا.
((وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ)) إِنْ وَجَبَتْ عَلَيْكَ.
((وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ)) بفِعْلٍ مَخْصُوصٍ، في زمَانٍ مَخْصُوصٍ.
((إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)) بالزَادِ والرَّاحِلةِ بِشُرُوطِهَا المُقَرَّرَةِ في مَحَلِّهَا.
وهذَا إشارةٌ إلى أنَّ الإسلامَ عِبَارَةٌ عن تَحْلِيَةِ الظاهرِ بالعبادَةِ، وأَشَارَ بهذهِ الخمسِ إلى أُصُولِهَا؛لأنَّ العِبَادَةَ المُتَعَلِّقَةَ بالظَّاهرِ:
- إِمَّا مَالِيَّةٌ: وإليْهِ الإشَارةُ بالزَّكاةِ.
- أَو مَالِيَّةٌ بَدَنِيَّةٌ: وإليهِ الإشَارَةُ بالحَجِّ.
- أَوْ بَدَنِيَّةٌ وهيَ تَزْكِيَةٌ: وإليْهِ الإِشَارَةُ بالصَّوْمِ.
- أَوْ عَمَلِيَّةٌ قَوْلِيَّةٌ فَقَطْ: وإليهِ الإشَارَةُ بالشَّهَادَتَيْنِ.
- أو فِعْلِيَّةٌ وَقَوْلِيَّةٌ: وإليهِ الإشَارَةُ بالصَّلاةِ.
(قالَ)جِبْريلُ: (صَدَقْتَ) فِيمَا قُلْتَ.
وَنَبَّهَ بهذَا أَنَّ مِنْ حَقِّ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُصَدَّقَ في كُلِّ ما يَقُولُ؛ إذْ هُوَ معصُومٌ عنِ الكَذِبِ، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} ويُسَلَّمُ أَمْرُهُ تَسْلِيمًا.
(قَالَ)عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: (فَعَجِبْنَا لَهُ) أَيْ: مِنْهُ، أَوْ لأَِجْلِهِ (يَسْأَلُهُ)، ومُقْتَضَى السُّؤالِ عَدَمُ العِلْمِ بالمَسْؤُولِ،(وَيُصَدِّقُهُ) وَمُقْتَضَى التَّصْدِيقِ العِلْمُ بِهِ.

(قالَ)جبريلُ عليهِ السَّلامُ: (فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمَانِ) الذي هوَ مُتَعَلِّقٌ بالباطِنِ، وعَليْهِ مدارُ الدِّينِ.

قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جَوَابِهِ: الإيمَانُ ((أَنْ تُؤْمِنَ))تُصَدِّقَ بِقَلْبِكَ تصْدِيقًا لاَ يَطْرَأُ عليهِ الشَّكُّ أَبَدًا.
((باللهِ))بأنَّهُ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ، واحِدٌ في ذاتِهِ وصِفاتِهِ وأَفْعالِهِ، مُنْفَرِدٌ بأُلوهيَّتِهِ، لاَ شَريكَ مَعَهُ بِوجهٍ مَا، موصُوفٌ بكلِّ كَمَالٍ يَلِيقُ بهِ، مُنَزَّهٌ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بهِ.
((وَمَلاَئِكَتِهِ)) بأنَّهُم عِبَادُ اللهِ المُكْرَمُونَ لاَ يَعْصُونَ، وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ، ومَا مِنهُمْ أحدٌ إلاَّ لَهُ مقامٌ مَعْلُومٌ.
((وَكُتُبِهِ)) بأنَّها كَلاَمُهُ الحَقِيقِيُّ، تَكَلَّمَ بهَا كمَا يَلِيقُ التَّكَلُّمُ بهِ، ويُسمِعُ كَلاَمَهُ مَنْ يَشَاءُ اسْتِمَاعَهُ كَيْفَ يَشَاءُ{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.
((وَرُسُلِهِ)) بِأَنَّهُمْ عِبادُ اللهِ المُكرَمُونَ عَصَمَهُمْ عَمَّا لا يَلِيقُ بِجَنَابِهِم، وَأَرْسَلَهُم إلى خَلْقِهِ لِهِدَايَتِهِم وَتَكْمِيلِ مَعَاشِهِمْ ذومَعَادِهِم، وَأَيَّدَهُمْ بالمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ على صِدْقِهم، وَبَلَّغُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، وَيَجِبُ تَعْظِيمُهُم وتَنْزِيلُهُم مَنَازِلَهُم، أَوَّلُهُم آدَمُ صَفِيُّ اللهِ، وَآخِرُهُم وَأَجَلُّهُم مُحَمَّدٌ حَبِيبُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
((وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) الذي ليسَ بعدَهُ ليلٌ، قِيلَ: هوَ مِنَ الموتِ إلى آخِرِ مَا يَقَعُ يومَ القيامَةِ، أَيْ: تُؤْمِنَ بِوُجُودِهِ، وما اشْتَمَلَ عَليهِ مِنْ سُؤَالِ المَلَكَيْنِ، وَنَعِيمِ القبرِ وَعَذَابِهِ والبَعثِ والحِسَابِ والمِيزَانِ والصِّرَاطِ، والجَنَّةِ والنَّارِ وغيرِ ذَلكَ، أَنْ تُؤْمِنَ بِهِ.
((والقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)) بأَنْ تُؤْمِنَ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ الأشياءَ كُلَّهَا، عِلْمَهُ الأَزَلِيَّ، وَقَدَّرَ لكلٍّ مِقْدَارًا، لاَ يَزِيدُ عليهِ ولا يَنْقُصُ، وَزَمَنًا لا يَتَقَدَّمُ عليهِ ولا يَتَأَخَّرُ عنهُ، وَقَدَّرَ الخيرَ في حقِّ مَنْ أرادَ أنْ يُقدِّرَهُ فلاَ يُصْرَفُ عنهُ أبدًا، وَقَدَّرَ الشَّرَّ في حقِّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُقَدِّرَهُ فلاَ يُحْفَظُ عنهُ أَبَدًا؛ لأِنَّه مَا قُدِّرَ يَكُونُ.

هيئة الإشراف

#4

24 Oct 2008

المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري

قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (

موضوعُ الحديثِ: بيانُ مَرَاتِبِ الدِّينِ.

المُفْرَدَاتُ:
(بَيْنَمَا نحنُ جلوسٌ عندَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم): يُؤْخَذُ مِنْ هذا:
-حِرْصُ الصحابةِ على العِلْمِ، وتحَلُّقُهُم لهُ.
-وطُولُ مُكْثِهِم في مُجالسةِ وصُحْبَةِ العلماءِ.

-والتواضعُ في الطَّلَبِ.

(ذَاتَ يومٍ): (ذَاتَ) اسمٌ مُضَافٌ إلى اسمِ الزمانِ.

و (يَوْمٍ) قطعةٌ مِن الزمنِ: يُرَادُ بها النهارُ: كما في قولِهِ تعالى: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ}[البقرة: 184].
وقَوْلِهِ: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 169].

ويرادُ بهِ الليلُ والنهارُ: كَقَوْلِهِ:{إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً}[الأعراف: 163].

ويُرَادُ بهِ الحِينُ: كَقَوْلِهِ:{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} [النازعات: 46].
ويُرَادُ بهِ الآخرةُ: كَقَوْلِهِ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: 4].

وجاءَ بصيغةِ النكرةِ لِيَدُلَّ على عدمِ مَعْرِفَتِهِ بعَيْنِهِ، وليَدُلَّ على عَظَمَتِهِ.
(إذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ) : (إِذْ) هيَ الفُجَائِيَّةُ، بمعنى: فَاجَأَنَا بِطُلُوعِهِ.
و(طَلَعَ) بمعنى ظَهَرَ.
و(عَلَيْنَا) أيْ: على الصَّحَابَةِ.
و(رَجُلٌ) هوَ الذَّكَرُ الذي يُقَابِلُ المرأةَ.
وهذا الرجلُ هوَ جِبْرِيل جاءَ في صورةِ أعرابيٍّ.
وهذا المَجِيءُ هوَ أحدُ أنواعِ الوَحْيِ،
والذي مِنْ أَنْوَاعِهِ:

-الرؤيَةُ الصادقةُ.

-والإلقاءُ في الرُّوْعِ.
-وأنْ يَتَغَشَّاهُ.
-وأنْ يَرَاهُ على صُورَتِهِ التي خُلِقَ علَيْها.
-وأنْ يُكَلِّمَهُ مِنْ وراءِ حِجَابٍ.
(شَدِيدُ بياضِ الثيابِ شديدُ سوادِ الشعر) أيْ: نَظَافَتُهُ في ظَاهِرِهِ ومَلابِسِهِ؛ لِتَكُونَ رائحةُ ثِيَابِهِ طَيِّبَةً ومَنْظَرُهَا مَقْبُولاً.
وفيهِ:الترغيبُ في لُبْسِ الثيابِ البيضِ.

وأمَّا شِدَّةُ سَوَادِ شَعَرِهِ ففيهِ: نظافةُ بَدَنِهِ وزوالُ الروائحِ الكريهةِ من البَدَنِ.

وفيهِ: أنَّ أحسنَ ألوانِ الشَّعَرِ السوادُ؛ إذْ إِنَّ الملائكةَ أجملُ المخلوقاتِ.
وفيهِ:النهيُ عن التَّشَبُّهِ بأعداءِ اللَّهِ في أَلْوَانِ الشَّعَرِ كالأَشْقَرِ وما شَابَهَهُ.

(لا يُرَى عليهِ أثرُ السَّفَرِ ولا يَعْرِفُهُ منَّا أحدٌ)

هذا أَدَبٌ مِنْ آدابِ طالبِ العلمِ، وهوَ شَدُّ الرِّحَالِ لطلبِ العلمِ، والتَّنَقُّلُ في البلادِ للأخذِ مِن العلماءِ؛ إذْ هذا الرجلُ غَرِيبٌ فهوَ مِنْ مكانٍ بعيدٍ.
وفيهِ: أنَّ العلمَ يُزَيِّنُ أَهْلَهُ؛ إذْ لَمْ يُرَ عليهِ أثرُ السفرِ.
والسفرُ: هوَ الضَّرْبُ في الأَرْضِ لحاجةٍ وتَرْكُ الأهلِ والأوطانِ.
وسُمِّيَ سَفَراً؛ لأنَّهُ يُسْفِرُ عنْ أخلاقِ الرجالِ.
ومِنْ فوائدِ السَّفَرِ: ما قالهُ الإمامُ الشافعيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى:



تَغَرَّبْ عَنِ الأوطانِ في طَلَبِ العُلاوَسَافِرْ فَفِي الأسفارِ  خمسُ  فَوَائِدِ
فتفْرِيجُ هَمٍّ  واكتسابُ  مَعِيشَـةٍوعِلْمٍ وأخلاقٍ  وصُحْبَةُ  مَاجِـدِ

(حتَّى جلسَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم) فيهِ: أَدَبٌ منْ آدابِ طالبِ العلمِ، وهوَ الدُّنُوُّ مِن العَالِمِ، والقُرْبُ منهُ والاستماعُ لهُ؛ إذْ فيهِ الحرصُ على العِلْمِ والرَّغْبَةُ فيهِ.
(فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ ووَضَعَ كَفَّيْهِ على فَخِذَيْهِ)
فيهِ: التواضعُ في طلبِ العلمِ وعدمُ التَّكَبُّرِ.
وفي الحديثِ: ((مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ)).
وقدْ قِيلَ: لا يَنَالُ العلمَ مُتَكَبِّرٌ ولا مُسْتَحْيٍ.
(وقالَ يَا مُحَمَّدُ) فيهِ:سببٌ مِنْ أسبابِ تَحْصيلِ العلمِ، وهوَ حُسْنُ السؤالِ.
وقدْ قَالُوا لابنِ عَبَّاسٍ: بِمَ نِلْتَ العلمَ؟ قالَ: (بِلِسَانِ سَؤُولٍ وقلبٍ عقولٍ).
ويَقْصِدُ بـ(مُحَمَّدٍ) الرسولَ صلى الله عليه وسلم.
(أَخْبِرْنِي عن الإسلامِ) أيْ: عَلِّمْنِي الإسلامَ.
والإسلامُ لُغَةً: الانقيادُ.
وشَرْعاً: اسْتِسْلامُ العبدِ للَّهِ ظاهراً وباطناً بفعلِ أوَامرِهِ واجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ.
فقالَ: ((الإسلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ)) بيَّنَ أركانَ الإسلامِ التي يقومُ عليها ولا يقومُ بدُونِها.
وبدأَ بالتوحيدِ الذي لا يَصِحُّ الإسلامُ بدُونِهِ، ولا تَتَطَهَّرُ القلوبُ بِسِوَاهُ، وهوَ: الشهادةُ.
ومَعْنَاهَا: لامَعْبُودَ بحَقٍّ في الوُجُودِ سِوَاهُ.
وتَتَضَمَّنُ:
-النَّفْيَ: وهوَ بِمَثَابَةِ التَّخْلِيَةِ.
-والإثباتَ: وهوَ بمَثَابَةِ التَّحْلِيَةِ.
وتُمَثِّلُ الشرطَ الأَوَّلَ مِنْ شُرُوطِ قَبُولِ العملِ وهوَ:
الإخلاصُ للَّهِ تعالى.
((وأنَّ مُحَمَّداً رسولُ اللَّهِ)) هذهِ تَكْمِلَةُ الشهادةِ، وهيَ الشهادةُ للرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بالرسالةِ، وَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بهذهِ لَمْ يُقِرَّ بِسَابِقَتِهَا.
وهذا هوَ الشرطُ الثاني مِنْ شُرُوطِ قَبُولِ العملِ وهوَ:
المُتَابَعَةُ للرسولِ صلى الله عليه وسلم.
((وَتُقِيمَ الصلاةَ)) هذا هوَ الرُّكْنُ الثاني مِنْ أركانِ الإسلامِ.
ومعنى:(تُقِيمَ) ؛ أيْ: تُؤَدِّيَهَا كاملةَ الشروطِ والأركانِ والواجباتِ.
و(الصلاةُ) لُغَةً: الدعاءُ.
وشرعاً: أقوالٌ وأفعالٌ بِنِيَّةٍ، مُفْتَتَحَةٌ بالتكبيرِ ومُخْتَتَمَةٌ بالتسليمِ.
وهيَ:
-فَرْضٌ.
-ورَاتِبَةٌ.
- ونَفْلٌ.
والنَّفْلُ:
- مُقَيَّدٌ.
- ومُطْلَقٌ.
ومِنْ إِقَامَتِهَا: صَلاتُها في المسجدِ جماعةً.
((وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ)) أيْ: تُعْطِيَهَا لمُسْتَحِقِّهَا.
و(الزكاةُ)لُغَةً: النَّمَاءُ والزيادةُ.
وشرعاً:نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ شَرْعاً في مالٍ مُعَيَّنٍ يُصْرَفُ لطائفةٍ خَاصَّةٍ.
وشُرُوطُها خمسةٌ:
-الإسلامُ.
-الحُرِّيَّةُ.
- ومِلْكُ النِّصَابِ.
-واستقْرَارُهُ.
- ومُضِيُّ الحَوْلِ.
والأموالُ التي تُزَكَّى أَرْبَعَةٌ، وهيَ:
-النَّقْدَانِ.
- والخَارِجُ مِن الأرضِ.
-وبَهِيمَةُ الأنعامِ السائمةِ.
-وعُرُوضُ التجارةِ.
وأَهْلُهَا ثمانيَةٌ، وهم:
-الفقراءُ.
-والمساكينُ.
-والعاملونَ عليها.
- والمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهم.
-وفي الرِّقَابِ.
-والْغَارِمُونَ.
-وفي سبيلِ اللَّهِ.
- وابنُ السَّبِيلِ.
وهيَ:
- فرضٌ.
- ونَفْلٌ.
والأفضلُ في النَّفْلِ السرُّ، وأمَّا الفرضُ فَتُظْهَرُ.
((وَتَصُومَ رمضانَ))
(الصومُ) لُغَةً: الإمساكُ.
وشرعاً: الإمساكُ بِنِيَّةٍ عن المُفْطِرَاتِ مِنْ طلوعِ الفجرِ الثاني إلى غروبِ الشمسِ.
وهو:
- فرضٌ.
-ونفلٌ.
والفرضُ:
- أَدَاءٌ.
- وكَفَّارَةٌ.
والنفلُ:
- مُطْلَقٌ.
- ومُقَيَّدٌ.
و(رمضانُ) هوَ الشهرُ التاسعُ مِنْ أَشْهُرِ العَامِ.
وسمُي رمضانَ؛ لأنَّهُ يُحْرِقُ الذنوبَ أوْ تَصِلُ حرارةُ الإيمانِ بهِ إلى القلوبِ، أوْ لأنَّهُ وَقْتَ فَرْضِهِ كانَ حَارًّا.
((وَتَحُجَّ البيتَ إن اسْتَطَعْتَ إليهِ سبيلاً))
الحَجُّ لغةً: القصدُ.
وشرعاً: قصدُ البيتِ الحرامِ بِنِيَّةٍ لأداءِ النُّسُكِ في زمنٍ مخصوصٍ.
وشُرُوطُهُ خمسةٌ:
-الإسلامُ.
-والعَقْلُ.
-والبُلوغُ.
-والحُرِّيَّةُ.
- والاستطاعةُ.
وأَشْهُرُهُ:
-شَوَّالٌ.
-وذُو القَعْدَةِ.
- وَعَشْرُ ذِي الحِجَّةِ.
ومَوَاقِيتُهُ:
-ذُو الحُلَيْفَةِ.
-والجُحْفَةُ.
-ويَلَمْلَمُ.
-وقَرْنُ المنازلِ.
- وذاتُ عِرْقٍ.
وأَرْكَانُهُ:
- الإحرامُ.
-والطَّوَافُ.
-والسَّعْيُ.
- والوقوفُ بعَرَفَةَ.
ووَاجِبَاتُهُ:
-الإحرامُ من الميقاتِ.
-والوقوفُ بعَرَفَةَ إلى الغروبِ.
-والمَبِيتُ بمُزْدَلِفَةَ.
-والمَبِيتُ بِمِنًى أَيَّامَ التشريقِ.
-والرَّمْيُ.
- والحَلْقُ أو التقصيرُ.
-وطوافُ الوداعِ.
(قالَ: صَدَقْتَ):هذا يَدُلُّ على أنَّهُ يَعْرِفُ الحُكْمَ، لَكِنَّهُ سألَ لتعليمِ الناسِ وبيانِ أَدَبِ التَّعَلُّمِ.
والصِدْقُ: هوَ الإتيانُ بما يُطَابِقُ الواقعَ.
(قالَ: فَأَخْبِرْنِي عن الإيمَانِ)
(الإيمانُ) لُغَةً: التصديقُ.
وشرعاً: إقْرَارُ القلبِ المستلزمِ للقولِ والعملِ؛ أي:
-اعتقادُ القلبِ.
-وقولُ اللسانِ.
- وعملُ القلبِ والجوارحِ.
يَزِيدُ بالطاعةِ ويَنْقُصُ بالمعصيَةِ.
وإذا انفردَ الإيمانُ فهوَ الدِّينُ كُلُّهُ، وإذا انفردَ الإسلامُ فهوَ الدِّينُ كُلُّهُ.
وإذا اقترنَ الإيمانُ بالإسلامِ: فالإسلامُ هوَ الأعمالُ الظاهرةُ، والإيمانُ هوَ الأعمالُ الباطنةُ كما في الحديثِ.
قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ)) أيْ: تُصَدِّقَ بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وبِرُبُوبِيَّتِهِ وبِأُلُوهِيَّتِهِ وبأَسْمَائِهِ وصِفَاتِهِ.
((ومَلائِكَتِهِ)) الملائكةُ: عَالَمٌ غَيْبِيٌّ نُورَانِيٌّ جُسْمَانِيٌّ، يَعْبُدُونَ اللَّهَ بالليلِ والنهارِ لا يَسْأَمُونَ.
ولهمْ وظائفُ كثيرةٌ، منها: الوَحْيُ والنباتُ والمَطرُ والنفخُ في الأجسادِ بعدَ الموتِ ونفخُ الرُّوحِ في الجنينِ وكتابةُ الأعمالِ وحفظُ الأجسادِ، وملكُ الموتِ وأَعْوَانُهُ للرحمةِ أو العذابِ، ومَلِكُ الجبالِ وغيرُ ذلكَ.
((وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ)) و(كُتُبِهِ) المرادُ الكتبُ التي أَنْزَلَهَا اللَّهُ على رُسُلِهِ.
وهيَ سِتَّةٌ:
-القرآنُ.
-والتوراةُ.
-والإنجيلُ.
-والزَّبُورُ.
-وصحفُ إبراهيمَ.
- وصحفُ موسى.
ونُؤْمِنُ إجمالاً بما لا نَعْلَمُهُ.
و(رُسُلِهِ) أي: الرُّسُلِ الَّذِينَ أَرْسَلَهُم اللَّهُ تعالى إلى الناسِ.
والرسولُ: مَنْ أَوْحَى اللَّهُ إليهِ مِن البَشَرِ الذُّكُورِ بشرعٍ وأُمِرَ بالتبليغِ.
وقيلَ: إِنَّ الرَّسُولَ مَنْ جَاءَ بِشَرْعٍ جديدٍ.
وعَدَدُهُم: ثَلاثُمِائَةٍِ وخمسةَ عشرَ رسولاً؛ منهم خمسةٌ همْ أُولو العَزْمِ.
والمذكورونُ في القرآنِ: خمسةٌ وعشرونَ رَسُولاً.
(واليومِ الآخِرِ) هوَ يومُ القيامةِ.
وسُمِّيَ الآخِرَ؛ لأنَّهُ لا يومَ بَعْدَهُ.
والقيامةُ ثلاثٌ:
-صُغْرَى: عندَ الموتِ.
-ووُسْطَى وهيَ: موتُ أهلِ القرنِ الواحدِ.
- وكُبْرَى وهيَ: بعثُ الناسِ مِنْ قُبُورِهِم للحسابِ.
((وبالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ)) (القَدَرُ)
أيْ: تَقْدِيرُ اللَّهِ تعالى للكَائِنَاتِ حَسْبَمَا سبقَ بهِ عِلْمُهُ واقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ، وهوَ سِرُّ اللَّهِ الذي لا يَعْلَمُهُ إلاَّ هوَ.
ومَرَاتِبُهُ:
-العلمُ.
- والكتابةُ.
-والمشيئةُ.
- والخَلْقُ.
وحَقِيقَتُهُ: أنْ تَعْلَمَ أنَّ ما أَصَابَكَ لمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وما أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ.
(خَيْرِهِ) أيْ: ما كانَ فيهِ مِن الخيرِ.
وأَمَّا قولُهُ (شَرِّهِ)؛ أيْ: شرٌّ للمخلوقِ، ولَكِنَّهُ مِن اللَّهِ تعالى لِحِكْمَةٍ، فهوَ شرٌّ جُزْئِيٌّ وليسَ شَرًّا كُلِّيًّا.

هيئة الإشراف

#5

24 Oct 2008

شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح

قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (

(1) مَنْزِلَةُ الْحَدِيثِ:
قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ رحمَهُ اللَّهُ: (هَذَا حديثٌ عظيمٌ، اشْتَمَلَ عَلَى جَمِيعِ وَظائفِ الأعمالِ الظَّاهرةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَعُلُومُ الشَّريعةِ كلُّهَا راجعةٌ إِلَيْهِ، ومُتَشَعِّبَةٌ مِنْهُ، لِمَا تَضَمَّنَهُ مِن جمعِهِ عِلْمَ السُّنَّةِ، فَهُو كالأمِّ للسُّنَّةِ، كَمَا سُمِّيَتِ الفاتحةُ (أمَّ الْقُرْآنِ) لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِن جَمْعِهَا معانيَ الْقُرْآنِ).
وقالَ ابنُ رجبٍ: (وَهُو حديثٌ عظيمُ الشَّأنِ جِدًّا، يَشتملُ عَلَى شرحِ الدِّينِ كلِّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخرِهِ: ((هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ))) ا. هـ

وَقَالَ النَّوويُّ رحمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (وَاعْلَمْ أنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَجْمَعُ أنواعًا مِن الْعُلُومِ، وَالْمَعَارِفِ، والآدابِ، واللطائفِ، بَلْ هُو أَصْلُ الإِسْلامِ).
قُلْتُ: ولذلك ساقَهُ فِي أَرْبَعينِهِ رَحِمَهُ اللَّهِ.
الإسلامُ: الإسلامُ والاستسلامُ

فِي اللغةِ: الانقيادُ.
وَفِي الشَّرعِ: إِظْهَارُ الخضوعِ، وَإِظْهَارُ الشَّريعةِ، وَالْتِزَامُ مَا أتَى بِهِ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبذلكَ يُحقَنُ الدَّمُ، ويُسْتَدْفَعُ المكروهُ.
وفي الْحَدِيثِ الَّذي بَيْنَ أيدينَا عرَّفَهُ حَبِيبُ ربِّ الْعَالِمِينَ عَلَيْهِ صلواتُ اللَّهِ وسلامُهُ: بأعمالِ الْجَوَارِحِ الظَّاهرَةِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ:
- فالتَّلفُّظُ بالشَّهادتينِ:
عملُ اللسانِ.
- والصَّلاةُ والصَّومُ:
عملٌ بدنيٌّ.
- وزكاةُ المالِ:
عملٌ ماليٌّ.
- والحجُّ:
بدنيٌّ ماليٌّ.
وفيهِ أنَّ جَمِيعَ الواجباتِ الظَّاهرةِ دَاخِلَةٌ فِيهِ ، وإنَّما ذَكَرَ الصَّلاةَ وباقيَ الأركانِ؛ لأنَّها الأصولُ الَّتي يُبْنَى عليهَا.

وممَّا يَشْهَدُ أنَّ كلَّ الواجباتِ دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الإِسْلامِ
قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)).
كما أنَّ تَرْكَ المحرَّمَاتِ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الإِسْلامِ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مـِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ)).

الإيمانُ:
الكلامُ حولَ الإيمانِ يَطُولُ وَلَكِنْ سأتناولُ بَعْضَ النِّقاطِ الآتيَةِ:

1- أَصْلُ الإيمانِ: التَّصديقُ ، وعَرَّفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بالإيمانِ لِمَا بَطَنَ مِن الاعتقاداتِ، كَمَا ذَكَرَ ربُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى الإيمانَ فِي كتابِهِ بهذِهِ الأصولِ فِي مَوَاضِعَ، أَذْكُرُ مِنْهَا قولَهُ تَعَالَى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}.
وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ:

أنَّ الإيمانَ قَوْلٌ وعملٌ ونيَّةٌ، وأنَّ الأعمالَ كلَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مُسمَّى الإيمانِ.
حَكَى الشَّافعيُّ عَلَى ذَلِك إِجْمَاعَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ ومَنْ بعدَهُم ممَّنْ أَدْرَكَهُم، وسيأتي تَفْصِيلُ ذلِكَ، إِنْ شاءَ اللَّهُ.

2- الإِسْلامُ وَالإِيمَانُ:
قَالَ ابنُ رجبٍ: (وأمـَّا تَفريقُ النَّبيِّ بَيْنَ الإيمانِ والإسلامِ فِي تعريفِهِ، وإدخالُهُ الأعمالَ فِي مُسمَّى الإِسْلامِ دُونَ الإيمانِ، فإنَّهُ يَتَّضِحُ بتقريرِ أَصْلٍ وَهُو: أنَّ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا يَكُونُ شامِلاً لِمُسمَّياتٍ مُتعدِّدَةٍ عِنْدَ إفرادِهِ وإطلاقِهِ، فَإِذَا قُرِنَ ذَلِك الاسْمُ بغيرِهِ صَارَ دَالاًّ عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْمُسمَّياتِ، وَالاسْمُ المقرونُ بِهِ دالٌّ عَلَى باقيها.
وَهَذَا كاسمِ الْفَقِيرِ والمسكينِ، فَإِذَا أُفْرِدَ أحدُهُما دَخَلَ فِيهِ كلُّ مَنْ هُو مُحتاجٌ، فَإِذَا قُرِنَ أحدُهُما بالآخَرِ دَلَّ أَحَدُ الاسْمَيْنِ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِ ذَوِي الحاجاتِ والآخَرُ عَلَى باقيها.
فهكذا اسْمُ الإِسْلامِ وَالإِيمَانِ، إِذَا أُفردَ أحدُهُما دخلَ فِيهِ الآخَرُ، ودلَّ بانفرادِهِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الآخَرُ بانفرادٍ، فَإِذَا قُرِنَ بينَهما دلَّ أحدُهُما عَلَى بَعْضِ مَا يدلُّ بانفرادِهِ، ودَلَّ الآخَرُ عَلَى البَاقِي) اهـ.

إذا قُرِنَ فِي نصٍّ بَيْنَ الإيمانِ والإسلامِ يَكُونُ بينَهما فَرْقٌ.
فَيَكُونُ الإيمانُ: هُو تصديقَ القلبِ وإقرارَهُ ومَعْرِفتَهُ.
وَيَكُونُ الإِسْلامُ بِمَعْنَى: الاستسلامِ لِلَّهِ والخضوعِ والانقيادِ لَهُ بِالْعَمَلِ.
وعلَى هَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ:
كلُّ مُؤْمِنٍ مسلِمٌ، وَلَيْسَ كلُّ مسلمٍ مُؤْمِنًا؛ لأنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَنقادُ بالأعمالِ الظَّاهرةِ، كالصَّلاةِ والحجِّ والزَّكاةِ وغيرِهَا تَظَاهُرًا ونِفاقًا، وَقَدْ يَنقادُ وإيمانُهُ وتَصديقُهُ ضعيفٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

بَيَّنَ ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهم لَم يكونُوا مُنافقينَ بالكُلِّيَّةِ، بَلْ كَانُوا ضَعيفِي الإيمانِ.
3- عقيدةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أنَّ الْعَمَلَ مِن الإيمانِ، وَذَلِك للأدلَّةِ الْمُستفيضةِ، وأَذْكُرُ مِنْهَا قولَهُ جلَّ وَعَلا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}.
بيَّنَ جلَّ وَعَلا بأنَّ المؤمنَ مَنْ كَانَتْ هَذِه صفاتِهِ:
- إيمانٌ بالقلبِ.
- وعملٌ بالواجباتِ.
وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّريقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ)).
فإماطةُ الأذَى عملٌ، وعَدَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن الإيمانِ.
قالَ ابنُ بَطَّالٍ: (وَهَذَا الْمَعْنَى أرادَ البخاريُّ رحمَهُ اللَّهُ إثباتَهُ فِي كِتَابِ الإيمانِ، وَعَلَيْهِ بَوَّبَ أبوابَهُ كلَّهَا، فقالَ: بابُ أمورِ الإيمانِ، وبابُ الصَّلاةِ مِن الإيمانِ، وبابُ الزَّكاةِ مِن الإيمانِ، وبابُ الْجِهادِ مِن الإيمانِ، وَسَائِرُ أبوابِهِ، وإنَّمَا أرادَ الردَّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي قولِهِم: إنَّ الإيمانَ قَوْلٌ بِلا عملٍ، وتَبيينَ غَلَطِهِم وسوءِ اعتقادِهِم، ومُخالفَتِهم لِلْكِتَابِ والسُّنَّةِ، ومَذاهبِ الأئمَّةِ).
4- عقيدةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أنَّ الإيمانَ يَزيدُ ويَنْقُصُ، وحُجَّتُهم فِي ذَلِك قولُهُ تَعَالَى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}.
وقولُهُ: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
وقولُهُ: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى}، وغيرُهَا مِن الأَدِلَّةِ.
قالَ ابنُ بطَّالٍ: (فإيمانُ مَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزِّيادةُ ناقصٌ، قَالَ:
فَإِنْ قِيلَ: الإيمانُ فِي اللغةِ: التَّصديقُ.
فالجوابُ: أنَّ التَّصديقَ يَكْمُلُ بالطَّاعاتِ كلِّهَا، فكُلَّمَا ازدادَ المؤمنُ مِنْ أعمالِ الْبِرِّ كَانَ إيمانُهُ أَكْمَلَ، وبهذه الجملةِ يَزيدُ الإيمانُ، وبِنُقْصَانِهَا يَنْقُصُ، فمتَى نَقَصَتْ أعمالُ الْبِرِّ، نَقَصَ كَمَالُ الإيمانِ، ومتَى زادَتْ زادَ الإيمانُ كَمالاً، هَذَا تَوَسُّطُ الْقَوْلِ فِي الإيمانِ)اهـ.
وقالَ ابنُ عَبْدِ الرزَّاقِ: (سمعـْتُ مَنْ أدركْتُ مِن شيوخِنَا وأصحابِنَا: سفيانَ الثَّوريَّ، ومالكَ بْنَ أنسٍ، وعبدَ اللَّهِ بْنَ عمرَ، والأَوْزَاعِيَّ، ومَعْمَرَ بْنَ رَاشِدٍ، وابنَ جُرَيْجٍ، وسفيانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، يقولونَ: (الإيمانُ قَوْلٌ وعملٌ، ويَزيدُ ويَنْقُصُ، وَهَذَا قَوْلُ ابنِ مسعودٍ، وحُذيفةَ، والنَّخَعِيِّ، والحسَنِ البَصريِّ، وعَطاءٍ، وطاوُوسٍ، ومُجَاهِدٍ، وعبدِ اللَّهِ بْنِ المبارَكِ) اهـ.
5- المؤمنونُ يَتفاضلونَ بالإيمانِ، فإيمانُ الصِّدِّيقينَ الَّذين يُصْبِحُ عندَهُم الْغَيْبُ كالشَّهادَةِ، لَيْسَ كغيرِهِم ممَّنْ لَم يَبْلُغْ هَذِه الدَّرجةَ.
وَلِهَذَا قَالَ بعضُهُم: (مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بكرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ بكثرةِ صومٍ، وَلا صَلاةٍ، وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي صَدْرِهِ).
وسُئِلَ ابنُ عمرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: هَل كَانَ أصحابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضحَكونَ؟.
قَالَ: (نَعمْ، وَالإِيمَانُ فِي قلوبِهِمْ أَعظمُ مِن الْجَبَلِ).
قَالَ ابنُ رجبٍ: (فأينَ هَذَا ممَّن الإيمانُ فِي قلبِهِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً أَو شَعيرةً، كالَّذينَ يَخرُجُونَ مِن أَهْلِ التَّوحيدِ مِن النَّارِ، فهؤلاءِ يَصِحُّ أَنْ يُقالَ: لَمْ يدخلِ الإيمانُ فِي قلوبِهِم، لضَعْفِهِ عندَهُم).
الإيمانُ بالقضاءِ والقَدَرِ:
القضاءُ : حُكْمُ اللَّهِ سبحانَهُ أَزَلاً بِوُجُودِ الشَّيءِ أَو عدمِهِ.
والقَدَرُ: إِيجَادُ اللَّهِ تَعَالَى الشَّيءَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ فِي وَقْتٍ خاصٍّ، وَقَدْ يُطْلَقُ كلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ.
فالإيمانُ بالقَدَرِ رُكْنٌ مِن أركانِ الإيمانِ، كَمَا بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الشَّريفِ: ((وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)).
وَسَبَبُ إيرادِ ابنِ عمرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُما هَذَا الْحَدِيثَ،
كَانَ ردًّا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ القَدَرَ، وزَعَمَ أنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ، بِمَعْنَى: أنَّهُ مُستَأْنَفٌ، لَم يَسْبِقْ لَه سابقُ قَدَرٍ مِن اللَّهِ عزَّ وجلَّ.
وَلَقَدْ غَضِبَ ابنُ عمرَ مِن مَقالَتِهِم غَضَبًا شَديدًا، وأَغْلَظَ لَهُم الْقَوْلَ، وَتَبَرَّأَ مِنْهُم، وبيَّنَ بأنَّ أعمالَهُم مَردودةٌ عَلَيْهِم، لا تُقْبَلُ مِنْهُم إِلا بإيمانِهِم بالقَدَرِ.
والإيمانُ بالقَدَرِ يَكُونُ عَلَى وَجهينِ، كَمَا بيَّنَ العُلماءُ:
1- التَّصديقِ بأنَّ اللَّهَ جلَّ وَعَلا سَبقَ فِي علمِهِ مَا يَعمَلُهُ عِبادُهُ مِن خَيْرٍ وشرٍّ، وطاعةٍ ومعصيَةٍ، قَبْلَ إيجادِهِم، ومَنْ هُو مِنْ أَهْلِ السَّعادةِ، ومَنْ هُو مِنْ أَهْلِ الشَّقاءِ، ودَوَّنَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ المحفوظِ.

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)) قَالَ: ((وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ)).

وأعمالـُهـُم لا بدَّ أَنْ تَكُونَ مطابِقةً لِمَا كتَبَهُ اللَّهُ عليهِمْ جلَّ وَعَلا، وتَجْرِي عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ سبحانَهُ.
ولقدْ نَفَى غُلاةُ القَدَرِيَّةِ كمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، وعمرِو بْنِ عُبَيْدٍ، وغيرِهِم هَذَا، وخالَفوا مَا عَلَيْهِ سَلَفُ الأمَّةِ، فضَلُّوا سَوَاءَ السَّبيلِ.

وذَهَبَ أَحْمَدُ والشَّافعيُّ، وغيرُهُم مِن أئمَّةِ الإِسْلامِ إِلَى الْقَوْلِ بتكفيرِ مَن أَنْكَرَ العِلْمَ الْقَدِيمَ.

2- إنَّ اللَّهَ جلَّ جلالُهُ خَلَقَ أفعالَ العِبادِ كلَّهَا، مِنْ كُفْرٍ وإيمانٍ، وطاعةٍ ومَعصيَةٍ، وشاءَهَا منهُم، قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.
هذا مُعتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وخالفَهُم بِذَلِك القَدَرِيَّةُ، الَّذين بدأَتْ بِدْعَتُهُم فِي أواخرِ زمَنِ الصَّحابةِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُم؛ لِذَلِك لَمَّا أُخْبِرَ ابنُ عمرَ بخَبَرِهِم قَالَ لِمَنْ أخبرَهُ: (إِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُم أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وأنَّهم بُرَآءُ مِنِّي، والَّذي يَحْلِفُ بِه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمرَ، لَو أنَّ لأحدِهِم مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْه حتَّى يُؤْمِنَ بالْقَدَرِ).

العاصِمُ مِن الزَّلَلِ فِي القضاءِ والقَدَرِ:
ممَّا هُو معروفٌ، أنَّ كثيرًا مِنَ النَّاسِ انْحَرَفَ فِي فَهْمِ الإيمانِ بالقَدَرِ عمَّا كَانَ عَلَيْهِ سلفُ الأمَّةِ، ويَرْجِعُ ذَلِك لأمورٍ:
مِنْهَا:

استغلَّ أعداءُ الإِسْلامِ الحاقدونَ القَدَرَ فِي إضلالِ النَّاسِ، حَيْثُ وَجَدُوا فِي نُصوصِهِ مَنْفَذًا لإضلالِ المسلمينَ، وإلقاءِ الشُّبُهاتِ عَلَيْهِم، وضَرْبِ نصوصِهِ بعضِها بِبَعْضٍ، فَتَأَثَّرَ كثيرٌ مِن المسلمينَ بهؤلاءِ، وضَلُّوا عَن الفَهْمِ السَّويِّ فِي هَذَا الرُّكنِ.
فمنهُمْ:
مَن وَصَفَ اللَّهَ بالظُّلمِ والعَبَثِ.
ومنهم:
مَنْ فَوَّضَ فَهْمَ النُّصوصِ الَّتي وَرَدَتْ كَمَا فَوَّضَ فَهْمَ الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعةِ فِي أوائلِ السُّوَرِ.
ومعلومٌ أنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا بِتَدَبُّرِهَا، وَلَم يَقْفِلِ البَابَ فِيهَا، وَلَو شاءَ لفَعَلَ، كَمَا قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً}.
3- الفَهْمُ القاصرُ لنصوصِ القَدَرِ، فمنهُمْ مَنْ يَخْلُصُ بفهمٍ عامٍّ مِن نصٍّ يَتَكلَّمُ عَن جزئيَّةٍ مِن الموضوعِ، كَمَا فَهِمَ البعضُ مِن قولِهِ:{فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، بأنَّ المشيئَةَ كلَّها لِلَّهِ، وأنَّ الْعَبْدَ لا مَشيئةَ لَهُ، بَلْ هُو مَجبورٌ عَلَى فِعْلِهِ، وَهَذَا الفَهْمُ ناتجٌ مِنَ الفَهْمِ الْجُزْئِيِّ لنصوصِ القَدَرِ، وعَدَمِ النَّظرةِ الشُّموليَّةِ للنُّصوصِ.
4- تشابُكُ النُّصوصِ فِي هَذِه القضيَّةِ فِي أمورٍ كَثِيرَةٍ، مِثْلُ التَّشابُكِ بَيْنَ السَّببِ والنَّتيجةِ، وبيْنَ إِرَادَةِ اللَّهِ جلَّ وَعَلا، وإرادةِ العَبْدِ، هَذَا التَّشابُكُ أَوْقَعَ الكثيرَ فِي اللَّبْسِ والْحَيْرَةِ.

5- تَقْدِيمُ البعضِ أفهامَهُم القاصرةَ الْمُتَأَثِّرَةَ بِمَا دَسَّهُ الحاقدونَ عَلَى الإِسْلامِ عَلَى أَفهامِ سَلَفِ الأُمَّةِ، الَّذينَ زكَّاهُم رَبُّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتابِهِ، ورسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أحاديثِهِ المستفيضةِ، فِي بَيَانِ مَناقِبِهِم، فعلينا أَنْ نَتَتَلْمَذَ عَلَى أفهامِهِم فِي نصوصِ الْكِتَابِ والسُّنَّةِ؛ فإنَّ الْخَيْرَ فِي ذَلِك، وصَدَقَ مَنْ قَالَ:

فكلُّ خَيْرٍ فِي اتِّباعِ مَن سَلَفَ وكلُّ شرٍّ فِي ابتداعِ مَن خَلَفَ

لذلك عَلَى الباحثِ فِي نصوصِ القضاءِ والقَدَرِ أَنْ يَعِيَ الأُمُورَ الآتيَةَ
حتَّى يُعْصَمَ بإذنِ اللَّهِ تَعَالَى مِن الانحرافِ عَن الفَهْمِ السَّليمِ، الَّذي يُريدُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ أَنْ نَعتَقِدَهُ فِي هَذَا الرُّكْنِ:
1- التَّفريقُ بَيْنَ صِفَاتِ اللَّهِ وخَلْقِهِ:
فلا بُدَّ مِنَ التَّفريقِ بَيْنَ عِلْمِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، وعِلْمِ البَشَرِ، فهذه الصِّفَةُ لا بدَّ مِن إثباتِهَا عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ لِلَّهِ تَعَالَى، فاللَّهُ جلَّ وَعَلا لا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، وَلَم يَسْبِقْ عِلْمَهُ جَهْلٌ.
فَهُو يَعلمُ كلَّ مَا سَيَحْدُثُ فِي مُلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُم عِلْمًا دَقيقًا كاملاً لا يَعتريهِ نَقْصٌ، لِذَلِك كَتَبَ فِي اللوحِ المحفوظِ كلَّ مَا سيَحدُثُ ويَقَعُ فِي مُلكِهِ مِن خَيْرٍ وشرٍّ، وسعادةٍ وشقاءٍ، وَلا بدَّ أَنْ يَكُونَ مُطابِقًا لِمَا كَتَبَ، وأَلا يَكُونَ هُنَاك نَقْصٌ بصفةِ الْعِلْمِ عندَهُ، وَاللَّهُ عزَّ وجلَّ مُنَزَّهٌ عَن النَّقائصِ.
وما قِيلَ فِي صِفَةِ الْعِلْمِ يَعُمُّ جَمِيعَ صِفَاتِ رَبِّنا تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فقُدرتُهُ ومَشيئتُهُ كاملةٌ، لا يَشوبُهَا عَجْزٌ وَلا نَقْصٌ وَلا قَهْرٌ، كَمَا يَعْتَرِي قُدْرَةَ ومشيئةَ الْخَلْقِ، حَيْثُ إنَّ مشيئَتَهُم محدودةٌ، يَعْتَرِيهَا النَّقْصُ والقهرُ، فكلُّ مَا يَقعُ بسُلطانِ رَبِّنا سبحانَهُ وَقَعَ بمشيئَتِهِ مِن: كفرٍ وإيمانٍ، وَهُو يَرْضَى لعبادِهِ الإيمانَ وَلا يَرْضَى لَهُم الكُفرَ.
فالَّذينَ ظَنُّوا أنَّ الكافرَ يُوقِعُ كُفْرَهُ رَغْمًا عَلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ لا يَستطيعُ أَنْ يَمْنَعَهُ، هَؤُلاءِ يَعبدونَ ربًّا عاجزًا مَقهورًا مِن قِبَلِ خَلقِهِ، تَعَالَى اللَّهُ عمَّا يَقُولُ الظَّالمونَ علوًّا كبيرًا.
2- تَنزيهُ اللَّهِ جلَّ وَعَلا عَنِ النَّقائصِ: يَجِبُ عَلَى العِبادِ، أَنْ يُنَزِّهُوا ربَّهُم عَن العَبَثِ والْجَهْلِ والظُّلمِ وغيرِها مِن النَّقائصِ، قَالَ تَعَالَى مُنَزِّهًا نفسَهُ عَن الظُّلْمِ:
{إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}.
وَقَالَ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ}.
والظُّلمُ: هُو وَضْعُ الشَّيءِ بِغَيْرِ مَوْضِعِهِ.
فيستحيلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الإِنْسَانُ الهدايَةَ، ويَحْرِمَهُ اللَّهُ مِنْهَا.
وَكَذَلِك يَستحيلُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الإِنْسَانُ الإضلالَ وَلا يَكُونَ لَهُ.
وَلَكِنْ قَدْ تَغِيبُ عنَّا عواقبُ الأُمُورِ، وَذَلِك لقِصَرِ فَهْمِنَا ولضَعْفِنَا، فعلَى الْعَبْدِ عندَما يَحِيرُ فِي أَمْرِ إنسانٍ ضَلَّ بَعْدَ استقامَتِهِ، أَنْ يَتَّهِمَ نفسَهُ وعَقْلَهُ، ويُنَزِّهَ ربَّهُ عَنِ الظُّلمِ، وبهذا يَنْجُو.
3- النَّظرةُ الشُّموليَّةُ لنصوصِ الْكِتَابِ والسُّنَّةِ، والخروجُ بالْحُكْمِ بَعْدَ ذَلِك، وَهَذَا يَنبغِي أَنْ يَكُونَ فِي جَميعِ قَضايا الدِّينِ:
- تُجْمَعُ النُّصوصُ فِي القضيَّةِ.
- ويُبْذَلُ الْجُهْدُ والوُسْعُ فِي فَهْمِهَا والتَّوفيقِ بينَها.
ثمَّ يَصْدُرُ الْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِك.
4- اللَّهُ عزَّ وجلَّ لا يُسألُ عمَّا يَفْعَلُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
فَإِذَا أرادَ أَنْ يَعْرِفَ الْعَبْدُ كلَّ مَا يَدورُ، وكلَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ اللَّهُ سبحانَهُ، مَعْنَى ذَلِك: يُريدُ هَذَا أَنْ يُنَصِّبَ نفسَهُ إلهًا آخَرَ، ويُريدُ أَنْ يُشارِكَ ربَّهُ فِي صِفاتِهِ.
فعندَما يُوحِي إليك الشَّيطانُ مَثَلاً هَذَا السُّؤالَ: لِمَاذا خَلَقَ اللَّهُ فُلانًا وَهُو يَعلمُ أنَّهُ مِن أَهْلِ النَّارِ؟ وغيرَهَا مِن الأسئلةِ.
فتَذَكَّرْ هَذِهِ الآيَةَ: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}، ونَزِّهْهُ عَن الظُّلْمِ والعَبَثِ، وصِفْهُ بالْحِكمةِ والعَدْلِ، وبكلِّ صِفَاتِ الكمالِ، واتَّهِمْ فَهْمَكَ وعَقْلَكَ القاصِرَ، واحْذَرْ مِن وَساوِسِ إبليسَ، فإنَّهُ يَعْرِفُ الْمَدَاخِلَ الَّتي يُضِلُّ بِهَا العِبادَ عَن الصراطِ المستقيمِ.
5- يَنبغِي الْعِلْمُ بأنَّ الْعَبْدَ مكلَّفٌ ببَذْلِ السَّببِ، والنَّتائجُ بيدِ اللَّهِ، وَلَيْسَ كلُّ مَنْ بَذَلَ سَببًا مُعَيَّنًا، وَقَامَ بمثلِهِ آخَرُ يَصِلُ كِلاهما إِلَى نَفْسِ النَّتيجةِ، فقدْ يَسْعَى إنسانٌ ويَكْدَحُ وَلا يُحَصِّلُ مِن رِزْقِهِ إِلا القليلَ، ويَسْعَى آخَرُ بِجَهْدٍ قَلِيلٍ تَنْهالُ عَلَيْهِ الأموالُ والثَّرَواتُ، وَكَذَلِك قَدْ يَسْعَى الْعَبْدُ بالطَّاعةِ ويَشْقَى ويَنصَبُ وَلا يُوفَّقُ فِيهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}، فهؤلاءِ مَعَ سَعيِهِم ونَصَبِهِمْ عاقبتُهُم سَيِّئَةٌ، فالنَّتائجُ بيدِهِ سبحانَهُ يُرَتِّبُها عَلَى الأعمالِ بِناءً عَلَى عَدْلِهِ وحِكْمَتِهِ سبحانَهُ.
ثبتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّه قَالَ: ((احْتـَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلامُ عِنْدَ رَبِّهِمَا، فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى.
قَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلائِكَتَهُ، وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الأَرْضِ !!
قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلامِهِ، وَأَعْطَاكَ الأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ، وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّورَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ؟
قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا.
قَالَ آدَمُ: فَهَلْ وَجَدْتَ فيهَا: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلاً كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً ؟!)).

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى)).

حَجـَّهُ؛ لأنَّ الإخراجَ مِنَ الجنَّةِ نَتِيجَةُ المعصيَةِ، والنَّتيجةُ مِن عندِهِ سبحانَهُ، أمَّا المعصيَةُ فقدْ وَقَعَتْ بإرادةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ.

هذه بَعْضُ الأُمُورِ الَّتي أراهَا مُهِمَّةً، ومُعِينَةً عَلَى فَهْمِ النُّصوصِ الَّتِي تَدورُ فِي فَلَكِ هَذِه القضيَّةِ.

هيئة الإشراف

#6

24 Oct 2008

جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي

قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (

(1) هَذَا الحَدِيثُ تَفَرَّدَ مُسْلِمٌ عن البُخارِيِّ بإِخْرَاجِهِ، فَخَرَّجَهُ مِنْ طَرِيقِ كَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ قَالَ:

كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ في القَدَرِ بالبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أوْ مُعتَمِرَيْنِ.

فَقُلْنَا: لوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاءِ في القَدَرِ.


فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ دَاخِلاً المَسْجِدَ، فاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وصَاحِبِي، أَحَدُنا عَنْ يَمِينِهِ، والآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سيَكِلُ الكَلامَ إِلَيَّ.فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ، ويَتَقَفَّرُونَ العِلْمَ، وذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِم، وأنَّهم يَزْعُمُونَ أَنْ لا قَدَرَ، وأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ. فَقَالَ: (إِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فأَخْبِرْهُم أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُم، وأنَّهم بُرَآءُ مِنِّي، والَّذي يَحْلِفُ بهِ عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، لوْ أَنَّ لأَحَدِهِم مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ منهُ حتَّى يُؤمِنَ بالقَدَر).

ِ ثُمَّ قَالَ: (حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بنُ الخطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ)، فذَكَرَ الحَدِيثَ بطُولِهِ.


ثُمَّ خَرَّجَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى، بَعْضُها يَرْجِعُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، وبَعْضُها يَرْجِعُ إِلَى يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، وذَكَرَ أنَّ في بَعْضِ ألْفَاظِهَا زِيَادَةً ونَقْصًا.

وقَدْ خَرَّجَهُ ابنُ حِبَّانَ فِي (صَحِيحِهِ) مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ.
وقَدْ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ، إلا أنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ، وفيهِ زِيَادَاتٌ منها: في الإِسْلامِ قَالَ: ((وَتَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَأَنْ تُتِمَّ الْوُضُوءَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ)).
قالَ: فَإِذَا أَنَا فَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَنَا مُسْلِمٌ؟ قالَ: ((نَعَمْ)).

وقَالَ في الإِيمَانِ: ((وَتُؤْمِنَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْمِيزَانِ)).

وقَالَ فيهِ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَنَا مُؤْمِنٌ؟ قالَ: ((نَعَمْ)).
وقَالَ في آخِرِهِ: ((هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ لِيُعَلِّمَكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ، خُذُوا عَنْهُ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا شُبِّهَ عَلَيَّ مُنْذُ أَتَانِي قَبْلَ مَرَّتِي هَذِهِ، وَمَا عَرَفْتُهُ حَتَّى وَلَّى)).
وخَرَّجَاهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَوْمًا بَارِزًا للنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ.
فَقَالَ: مَا الإِيمَانُ؟
قَالَ: ((الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَبِلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ)).
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِسْلامُ؟
قَالَ: ((الإِسْلامُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ)).

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِحْسَانُ؟
قَالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)).
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟
قَالَ: ((مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا:

- إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّتَهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْراطِهَا.


- وَإِذَا رَأَيْتَ الْعُرَاةَ الْحُفَاةَ رُءُوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا.

- وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْبَهْمِ فِي الْبُنْيَانِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا فِي خَمْسٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللَّهُ)).
ثُمَّ تَلا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لُقْمَان: 34].
قَالَ: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((عَلَيَّ بِالرَّجُلِ)).
فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ)).
وخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ بسِيَاقٍ أَتَمَّ مِنْ هَذَا.
وفيهِ في خِصَالِ الإِيمانِ: ((وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ)).
وقَالَ في الإِحْسَانِ: ((أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)).
وخَرَّجهُ الإِمامُ أَحْمَدُ في (مُسْنَدِه) مِنْ حَدِيثِ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَن ابنِ عَبَّاسٍ.
ومِنْ حَدِيثِ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ أَيْضًا عَن ابنِ عَامِرٍ أوْ أَبِي عَامِرٍ، أوْ أَبِي مَالِكٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
وفي حَدِيثِهِ قَالَ: وَنَسْمَعُ رَجْعَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وَلا نَرَى الَّذِي يُكَلِّمُهُ، وَلا نَسْمَعُ كَلامَهُ.
وهَذَا يَرُدُّهُ حَدِيثُ عُمَرَ الَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وهوَ أَصَحُّ.
وقَدْ رُوِيَ الحَدِيثُ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ وجَرِيرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ البَجَلِيِّ وغَيْرِهِمَا.
وهوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ جِدًّا، يَشْتَمِلُ عَلَى شَرْحِ الدِّينِ كُلِّهِ ؛ ولِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في آخِرِهِ:((هَذَا جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ))، بَعْدَ أنْ شَرَحَ دَرَجَةَ الإِسْلامِ ودَرَجَةَ الإِيمَانِ ودَرَجَةَ الإِحْسَانِ، فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا.
واخْتَلَفَت الرِّوَايَةُ في تَقْدِيمِ الإِسْلامِ عَلَى الإِيمَانِ وعَكْسِهِ.
ففي حَدِيثِ عُمَرَ الَّذِي خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أنَّهُ بَدَأَ بالسُّؤَالِ عَن الإِسْلامِ.
وفي التِّرْمِذِيِّ وغَيْرِهِ أنَّهُ بَدَأَ بالسُّؤَالِ عن الإِيمَانِ، كَمَا في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وجَاءَ في بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ عُمَرَ أنَّهُ سَأَلَ عَن الإِحْسَانِ بَيْنَ الإِسْلامِ والإِيمَانِ.
فَأَمَّا الإِسْلامُ، َقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بأَعْمَالِ الجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ مِن القَوْلِ والعَمَلِ.
وأَوَّلُ ذَلِكَ: شَهَادَةُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وهوَ عَمَلُ اللِّسانِ.
- ثُمَّ إِقَامُ الصَّلاةِ.
- وإِيتاءُ الزَّكاةِ.
- وصَوْمُ رَمَضَانَ.
- وحَجُّ البَيْتِ لِمَن اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً.
وهيَ مُنْقَسِمَةٌ:
- إِلَى عَمَلٍ بَدَنِيٍّ كالصَّلاةِ والصَّوْمِ.
- وإِلَى عَمَلٍ مَالِيٍّ، وهوَ إِيتَاءُ الزَّكاةِ.
- وإِلَى مَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْهُما كالحَجِّ بالنِّسْبَةِ إِلَى البَعِيدِ عَنْ مَكَّةَ.
وفي رِوَايَةِ ابنِ حِبَّانَ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ:
- الاعْتِمَارَ.
- والغُسْلَ مِن الجَنَابَةِ.
- وإِتْمَامَ الوُضُوءِ.
وفي هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ دَاخِلَةٌ في مُسَمَّى الإِسْلامِ .
وإنَّما ذَكَرَ ها هُنا أُصُولَ أَعْمَالِ الإِسلامِ الَّتِي يَنْبَنِي الإِسْلامُ عَلَيْهَا، كَمَا سَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ في حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ: ((بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ)) في مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وقَوْلُهُ في بَعْضِ الرَّواياتِ: فإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ، فَأَنَا مُسْلِمٌ؟
قَالَ: ((نَعَمْ)).
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ كَمَّلَ الإِتْيَانَ بِمَبَانِي الإِسْلامِ الخَمْسِ صَارَ مُسْلِمًا حَقًّا، مَعَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بالشَّهَادَتَيْنِ صَارَ مُسْلِمًا حُكْمًا، فَإِذَا دَخَلَ في الإِسْلامِ بذلكَ أُلْزِمَ بالقِيَامِ ببَقِيَّةِ خِصالِ الإِسلامِ.
ومَنْ تَرَكَ الشَّهادَتَيْنِ خَرَجَ مِنَ الإِسلامِ.
وفي خُرُوجِهِ مِن الإِسْلامِ بتَرْكِ الصَّلاةِ خِلافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ العُلَمَاءِ، وكَذَلِكَ في تَرْكِ بَقِيَّةِ مَبَانِي الإِسْلامِ الخَمْسِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ في مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
ومِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ تَدْخُلُ في مُسَمَّى الإِسْلامِ
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)).
وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَمْروٍ، أنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: أَيُّ الإِسْلامِ خَيْرٌ؟
قَالَ: ((أَنْ تُطْعِمَ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأَ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ)).
وفي (صَحِيحِ الحَاكِمِ): عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ لِلإِسْلامِ صُوًى وَمَنَارًا كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، مِنْ ذَلِكَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى بَنِي آدَمَ إِذَا لَقِيتَهُمْ وَتَسْلِيمُكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِم، فَمَنِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَهُوَ سَهْمٌ مِنَ الإِسْلامِ تَرَكَهُ، وَمَنْ يَتْرُكْهُنَّ فَقَدْ نَبَذَ الإِسْلامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ)).
وخَرَّجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((لِلإِسْلامِ ضِيَاءٌ وَعَلامَاتٌ كَمَنَارِ الطَّرِيقِ، فَرَأْسُهَا وَجِمَاعُهَا شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَتَمَامُ الْوُضُوءِ، وَالْحُكْمُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَاعَةُ وُلاةِ الأَمْرِ، وَتَسْلِيمُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَتَسْلِيمُكُمْ عَلَى أَهْلِيكُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتَكُمْ، وَتَسْلِيمُكُمْ عَلَى بَنِي آدَمَ إِذَاقِيتُمُوهُمْ )).
وفي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ، ولَعَلَّهُ مَوْقُوفٌ .
وصَحَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ صِلَةَ بنِ زُفَرَ، عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: (الإِسْلامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ: الإِسلامُ سَهْمٌ، والصَّلاةُ سَهْمٌ، والزَّكَاةُ سَهْمٌ، وحَجُّ البَيْتِ سَهْمٌ، والجِهَادُ سَهْمٌ، وصَوْمُ رَمَضَانَ سَهْمٌ، والأَمْرُ بالمَعْرُوفِ سَهْمٌ، والنَّهْيُ عَن المُنْكَرِ سَهْمٌ، وخَابَ مَنْ لا سَهْمَ لَهُ).
وخَرَّجَهُ البَزَّارُ مَرْفُوعًا، والمَوْقُوفُ أَصَحُّ .
ورَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَن أَبِي إِسْحَاقَ، عن الحَارِثِ عَن عَلِيٍّ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
خَرَّجَهُ أَبُو يَعْلَى المَوْصِلِيُّ وغَيْرُهُ، والمَوْقُوفُ عَلَى حُذَيْفَةَ أَصَحُّ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وغَيْرُهُ.
وقَوْلُهُ: (الإِسْلامُ سَهْمٌ)، يَعْنِي: الشَّهَادَتَيْنِ؛ لأَِنَّهما عَلَمُ الإِسْلامِ، وبِهِمَا يَصِيرُ الإِنْسَانُ مُسْلِمًا.
وكَذَلِكَ تَرْكُ المُحَرَّمَاتِ دَاخِلٌ في مُسمَّى الإِسْلامِ أَيْضًا ، كَمَا رُوِيَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: ((مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ))، وسَيَأْتِي في مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
ويَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا خَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا، وَلا تَعْوَجُّوا.
وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ. وَالصِّرَاطُ: الإِسْلامُ، وَالسُّورَانِ: حُدُودُ اللَّهِ، وَالأَبْوَابُ الْمُفتَّحَةُ: مَحَارِمُ اللَّهِ، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ: كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي مِنْ فَوْقُ: وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ)).
زَادَ التِّرْمِذِيُّ: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25].
فَفِي هَذَا المَثَلِ الَّذِي ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّ الإِسْلامَ هوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بالاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ، ونَهَى عَن تَجَاوُزِ حُدُودِهِ، وأَنَّ مَن ارْتَكَبَ شَيْئًا مِن المُحَرَّماتِ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَهُ.
وأَمَّا الإِيمَانُ، فَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في هَذَا الحَدِيثِ بِالاعْتِقَادَاتِ البَاطِنَةِ ، فَقَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)).

وقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ في كِتَابِهِ الإِيمانَ بِهَذِهِ الأُصُولِ الخَمْسَةِ في مَوَاضِعَ:

- كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285].


- وقَالَ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} الآيَةَ [البقرة: 277].
- وقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[البقرة: 3-4].
والإِيمانُ بالرُّسُلِ يَلْزَمُ منهُ الإِيمانُ بِجَمِيعِ مَا أَخْبَرُوا بهِ مِن المَلائِكَةِ، والأَنْبِياءِ، والكِتَابِ، والبَعْثِ، والقَدَرِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَفَاصِيلِ مَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وصِفَاتِ اليَوْمِ الآخِرِ، كالمِيزَانِ والصِّراطِ والجنَّةِ والنَّارِ.
وقَدْ أُدْخِلَ في الإِيمانِ الإِيمانُ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، ولأَِجْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ رَوَى ابنُ عُمَرَ هَذَا الحَدِيثَ مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى مَنْ أنْكَرَ القَدَرَ وزَعَمَ أَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ، يَعْنِي: أنَّهُ مُسْتَأنَفٌ لَمْ يَسْبِقْ بِهِ سَابِقُ قَدَرٍ مِن اللَّهِ عزَّ وجلَّ.

وقَدْ غَلَّظَ ابنُ عُمَرَ عَلَيْهِم، وتَبَرَّأَ مِنْهُم، وأَخْبَرَ أَنَّهُ لا تُقْبَلُ منهم أَعْمَالُهُم بدُونِ الإِيمانِ بالقَدَرِ.

والإِيمانُ بالقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: الإِيمانُ بأنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَبَقَ في عِلْمِهِ مَا يَعْمَلُهُ الْعِبَادُ مِنْ خَيْرٍ وشَرٍّ، وطَاعَةٍ ومَعْصِيَةٍ، قَبْلَ خَلْقِهِم وإِيجَادِهِم، ومَنْ هُوَ مِنْهُم مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ومِنْ أهلِ النَّارِ، وأَعَدَّ لَهُم الثَّوابَ والعِقَابَ جَزَاءً لأَِعْمَالِهِم قَبْلَ خَلْقِهِم وتَكْوِينِهِم، وأنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ عندَهُ وأَحْصَاهُ، وأنَّ أَعْمالَ العِبَادِ تَجْرِي عَلَى مَا سَبَقَ في عِلْمِهِ وكِتَابِهِ.


والدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ أَفْعَالَ عِبَادِهِ كُلَّهَا مِن الكُفْرِ والإِيمانِ، والطَّاعةِ والعِصْيانِ، وشَاءَها مِنْهُم.
فهذهِ الدَّرَجَةُ يُثْبِتُها أَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ، ويُنْكِرُهَا القَدَرِيَّةُ.
والدَّرَجَةُ الأُولَى أَثْبَتَهَا كَثِيرٌ مِن القَدَرِيَّةِ، ونَفَاهَا غُلاتُهم، كمَعْبَدٍ الجُهَنِيِّ، الَّذِي سُئِلَ ابنُ عُمَرَ عَنْ مَقَالَتِهِ، وكعمرِو بنِ عُبَيْدٍ وغَيْرِهِ.
وقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ:
نَاظِرُوا القَدَرِيَّةَ بالعِلْمِ، فَإِنْ أَقَرُّوا بهِ خُصِمُوا، وإنْ جَحَدُوهُ فَقَدْ كَفَرُوا.
يُرِيدُونَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ العِلْمَ القَدِيمَ السَّابِقَ بأَفْعَالِ العِبَادِ ، وأَنَّ اللَّهَ قَسَّمَهُم قَبْلَ خَلْقِهِمْ إِلَى شَقِيٍّ وسَعِيدٍ، وكَتَبَ ذَلِكَ عِنْدَهُ في كِتَابٍ حَفِيظٍ، فَقَدْ كَذَّبَ بالقُرْآنِ، فيَكْفُرُ بذلكَ، وإنْ أَقَرُّوا بذَلِكَ وأَنْكَرُوا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَفْعَالَ عِبَادِهِ وشَاءَها، وأَرَادَها مِنْهُم إِرَادَةً كَوْنِيَّةً قَدَرِيَّةً، فَقَدْ خُصِمُوا؛ لأَِنَّ مَا أَقَرُّوا بِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِم فيما أَنْكَرُوهُ.
وفي تَكْفِيرِ هؤلاءِ نِزَاعٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ العُلَمَاءِ.
وأمَّا مَنْ أَنْكَرَ العِلْمَ القَدِيمَ، فنَصَّ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ عَلَى تَكْفِيرِهِ، وكَذَلِكَ غَيْرُهما مِنْ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ.
فإنْ قِيلَ:
فَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في هَذَا الحَدِيثِ بَيْنَ الإِسْلامِ والإِيمانِ،

وجَعَلَ الأَعْمَالَ كُلَّها مِن الإِسْلامِ، لا مِن الإِيمانِ.

والمَشْهُورُ عَن السَّلَفِ وأَهْلِ الحَدِيثِ أنَّ الإِيمَانَ:
قَوْلٌ وَعَمَلٌ ونِيَّةٌ، وأَنَّ الأَعْمَالَ كُلَّها دَاخِلَةٌ في مُسَمَّى الإِيمانِ.
وحَكَى الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ ومَنْ بَعْدَهُم مِمَّنْ أَدْرَكَهُم.
وأَنْكَرَ السَّلَفُ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ الأَعْمَالَ عَن الإِيمانِ إِنْكَارًا شَدِيدًا.

ومِمَّن أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى قَائِلِهِ، وجَعَلَهُ قَوْلاً مُحْدَثًا:


سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ، ومَيْمُونُ بنُ مِهْرَانَ، وقَتَادَةُ، وأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وإِبْرَاهِيمُ النَّخَعَيُّ، والزُّهْرِيُّ، ويَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ، وغَيْرُهم.
وقَالَ الثَّوْرِيُّ: (هوَ رَأْيٌ مُحْدَثٌ، أَدْرَكْنَا النَّاسَ عَلَى غَيْرِهِ).

وقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: (كَانَ مَنْ مَضَى مِمَّنْ سَلَفَ لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الإِيمَانِ والعَمَلِ).

وكَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى أَهْلِ الأَمْصَارِ: (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ للإِيمَانِ فَرَائِضَ وشَرَائِعَ وحُدُودًا وسُنَنًا، فمَن اسْتَكْمَلَها اسْتَكْمَلَ الإِيمانَ، ومَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِل الإِيمانَ).
ذَكَرَهُ البُخَارِيُّ في (صَحِيحِهِ).
قِيلَ: الأَمْرُ عَلَى ما ذَكَرَهُ.
وقَدْ دَلَّ عَلَى دُخُولِ الأَعْمَالِ في الإِيمانِ:
- قَوْلُهُ تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 2-4].
- وفي (الصَّحيحَيْنِ): عن ابنِ عبَّاسٍ، أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ قَالَ لِوَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ: ((آمُرُكُمْ بَأَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَهَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ)).


- وفي (الصَّحيحَيْنِ): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ))، ولفْظُهُ لِمُسْلِمٍ.
- وفي (الصَّحيحَيْنِ): عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)).
فَلَوْلا أَنَّ تَرْكَ هَذِهِ الكَبائِرِ مِنْ مُسَمَّى الإِيمانِ لَمَا انْتَفَى اسْمُ الإِيمانِ عنْ مُرْتَكِبِ شيءٍ منهَا ؛ لأَِنَّ الاسْمَ لا يَنْتَفِي إلا بانْتِفَاءِ بَعْضِ أَرْكَانِ المُسَمَّى أوْ واجِبَاتِهِ.
وأَمَّا وَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ هذهِ النُّصوصِ وبَيْنَ حَدِيثِ سُؤالِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ
عَن الإِسْلامِ والإِيمانِ، وتَفْرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَيْنَهُمَا، وإِدْخَالِهِ الأَعْمَالَ في مُسمَّى الإِسلامِ دُونَ مُسمَّى الإِيمانِ؛ فإنَّهُ يَتَّضِحُ بتَقْرِيرِ أَصْلٍ:
وهوَ:
أَنَّ مِن الأَسْمَاءِ ما يَكُونُ شَامِلاً لمُسَمَّياتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عندَ إِفْرَادِهِ وإِطْلاقِهِ، فَإِذَا قُرِنَ ذَلِكَ الاسْمُ بغَيْرِهِ صَارَ دَالاًّ عَلَى بَعْضِ تِلْكَ المُسَمَّياتِ، والاسمُ المَقْرُونُ بِهِ دَالٌّ عَلَى باقِيهَا.
وهَذَا كاسْمِ الفَقِيرِ والمِسْكِينِ:

- فإِذَا أُفْرِدَ أَحَدُهُما:


دَخَلَ فيهِ كُلُّ مَنْ هوَ مُحْتَاجٌ.
- فإِذَا قُرِنَ أَحَدُهُما بالآخَرِ:
دَلَّ أَحَدُ الاسْمَيْنِ عَلَى بَعْضِ أَنْواعِ ذَوِي الحَاجَاتِ، والآخَرُ عَلَى بَاقِيهَا.
فهكَذَا اسْمُ الإِسْلامِ والإِيمَانِ:
إِذَا أُفْرِدَ أَحَدُهُما دَخَلَ فيهِ الآخَرُ، ودَلَّ بانْفِرَادِهِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الآخَرُ بانْفِرَادِهِ، فإِذَا قُرِنَ بينَهُما دلَّ أَحَدُهُما عَلَى بَعْضِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بانْفِرَادِهِ، ودَلَّ الآخَرُ عَلَى البَاقِي.
وقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا المَعْنَى جَمَاعَةٌ مِن الأَئِمَّةِ.
َالَ أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ في رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ الجَبَلِ: (قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ: إِنَّ الإِيمانَ قَوْلٌ وعَمَلٌ، والإِسْلامَ فِعْلُ مَا فُرِضَ عَلَى الإِنْسَانِ أنْ يَفْعَلَهُ، إِذَا ذُكِرَ كُلُّ اسمٍ عَلَى حِدَتِهِ مَضْمُومًا إلى الآخَرِ، فقِيلَ: المُؤْمِنُونَ والمُسْلِمونَ، جَمِيعًا مُفْرَدَيْنِ، أُرِيدَ بأَحَدِهِمَا مَعْنًى لَمْ يُرَدْ بالآخَرِ، وإِذَا ذُكِرَ أَحَدُ الاسْمَيْنِ شَمِلَ الكُلَّ وعَمَّهُم).

وقَدْ ذَكَرَ هَذَا المَعْنَى أيضًا الخَطَّابِيُّ في كِتَابِهِ (مَعَالِمِ السُّنَنِ)، وتَبِعَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِن العُلَمَاءِ مِنْ بَعْدِهِ.

ويَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَّرَ الإِيمَانَ عِنْدَ ذِكْرِهِ مُفْرَدًا في حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ بِمَا فَسَّرَ بِهِ الإِسلامَ المَقْرُونَ بالإِيمانِ في حديثِ جِبْرِيلَ.


وفَسَّرَ في حَدِيثٍ آخَرَ الإِسْلامَ بِمَا فَسَّرَ بِهِ الإِيمانَ، كما في (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ): عَن عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِسْلامُ؟

قَالَ: ((أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَكَ لِلَّهِ، وَأَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ)).

قَالَ: فَأَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: ((الإِيمَانُ)).
قَالَ: وَمَا الإِيمانُ؟
قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ)).
قَالَ: فَأَيُّ الإِيمانِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: ((الْهِجْرَةُ)).
قَالَ: فَما الهِجْرَةُ؟
قَالَ: ((أَنْ تَهْجُرَ السُّوءَ)).
قَالَ: فَأَيُّ الهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟
قالَ: ((الْجِهَادُ)).
فجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الإِيمانَ أَفْضَلَ الإِسْلامِ، وأَدْخَلَ فيهِ الأَعْمَالَ.
وبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَظْهَرُ تَحْقِيقُ القَوْلِ في مَسْأَلَةِ الإِسْلامِ والإِيمَانِ:


هلْ هُمَا واحِدٌ، أوْ هُمَا مُخْتَلِفَانِ؟
فإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ والحَدِيثِ مُخْتَلِفُونَ في ذَلِكَ ، وصَنَّفُوا في ذَلِكَ تَصَانِيفَ مُتَعَدِّدَةً.
فمِنْهُم مَنْ يَدَّعِي أنَّ جُمْهُورَ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى أنَّهُما شَيْءٌ واحِدٌ:
مِنْهُم مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، وابنُ عَبْدِ البَرِّ.
وقَدْ رُوِيَ هَذَا القَوْلُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَيُّوبَ بنِ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيِّ عنهُ، وأيُّوبُ فيهِ ضَعْفٌ.

ومنهم مَنْ يَحْكِي عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ التَّفْرِيقَ بينَهُما:


كأَبِي بَكْرِ بْنِ السَّمْعَانِيِّ وغَيْرِهِ.
وقَدْ نُقِلَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُما عَنْ كَثِيرٍ مِن السَّلَفِ ، منهم قَتَادَةُ، ودَاودُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وأَبُو جَعْفَرٍ البَاقِرُ، والزُّهْرِيُّ، وحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وابْنُ مَهْدِيٍّ، وشَرِيكٌ، وابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وأبو خَيْثَمَةَ، ويَحْيَى بنُ مَعِينٍ، وغَيْرُهم، على اختلافٍ بينَهم في صِفَةِ التَّفْرِيقِ بينَهُما.
وكَانَ الحَسَنُ وابْنُ سِيرِينَ يَقُولانِ: (مُسْلِمٌ)، ويَهَابَانِ: (مُؤْمِنٌ).

وبِهَذَا التَّفْصِيلِ الَّذي ذَكَرْنَاهُ يَزُولُ الاخْتِلافُ.


فيُقَالُ: إِذَا أُفْرِدَ كُلٌّ مِن الإِسْلامِ والإِيمَانِ بالذِّكْرِ فَلا فَرْقَ بَيْنَهُما حِينَئذٍ، وإِنْ قُرِنَ بَيْنَ الاسْمَيْنِ كَانَ بينَهما فَرْقٌ.

والتَّحْقِيقُ في الفَرْقِ بينَهُما :


- أَنَّ الإِيمانَ: هوَ تَصْدِيقُ القَلْبِ وإِقْرَارُهُ ومَعْرِفَتُهُ.
- والإِسلامَ: هوَ اسْتِسْلامُ العَبْدِ لِلَّهِ وخُضُوعُهُ وانْقِيَادُهُ لَهُ، وذَلِكَ يَكُونُ بالعَمَلِ، وهوَ الدِّينُ، كَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ الإِسْلامَ دِينًا، وفى حَدِيثِ جِبْرِيلَ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الإِسْلامَ والإِيمَانَ والإِحْسَانَ دِينًا.
وهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ علَى أنَّ أَحَدَ الاسْمَيْنِ إِذَا أُفْرِدَ دَخَلَ فيهِ الآخَرُ، وإنَّما يُفَرَّقُ بَيْنَهُما حَيْثُ قُرِنَ أَحَدُ الاسْمَيْنِ بالآخَرِ، فيَكُونُ حينَئذٍ المُرَادُ بالإِيمانِ جِنْسَ تَصْدِيقِ القَلْبِ، وبالإِسْلامِ جِنْسَ العَمَلِ.

وفِي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ): عَنْ أنسٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((الإِسْلامُ عَلانِيَةٌ، وَالإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ)).

وهَذَا لأَِنَّ الأَعْمَالَ تَظْهَرُ عَلانِيَةً، والتَّصْدِيقَ في القَلْبِ لا يَظْهَرُ.
وكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ في دُعَائِهِ إِذَا صَلَّى عَلَى المَيِّتِ: ((اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ)) لأَِنَّ العَمَلَ بالجَوَارِحِ إِنَّمَا يُتَمَكَّنُ منهُ في الحَيَاةِ، فأَمَّا عندَ الموتِ فَلا يَبْقَى غَيْرُ التَّصْدِيقِ بالقَلْبِ.
ومِنْ هُنا قَالَ المُحَقِّقونَ مِن العُلَماءِ:


كُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ؛ فإِنَّ مَنْ حَقَّقَ الإِيمَانَ، ورَسَخَ في قَلْبِهِ، قَامَ بأَعْمَالِ الإِسْلامِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلبُ)).
فَلا يَتَحَقَّقُ الْقَلْبُ بِالإِيمَانِ إِلا وَتَنْبَعِثُ الْجَوَارِحُ فِي أَعْمَالِ الإِسْلامِ.

ولَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا؛ فإنَّهُ قَدْ يَكُونُ الإِيمانُ ضَعِيفًا، فَلا يَتَحَقَّقُ القَلْبُ بِهِ تَحَقُّقًا تَامًّا مَعَ عَمَلِ جَوَارِحِهِ بأعْمَالِ الإِسلامِ، فيَكُونُ مُسْلِمًا ولَيْسَ بِمُؤْمِنٍ الإِيمانَ التَّامَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحُجُرَات: 14]، ولَمْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى أَصَحِّ التَّفْسِيرَيْنِ، وهوَ قَوْلُ ابنِ عبَّاسٍ وغَيْرِهِ، بلْ كَانَ إِيمَانُهم ضَعِيفًا.

ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحُجُرات: 14].
يَعْنِي: لا يَنْقُصُكُم مِنْ أُجُورِهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعَهُم مِن الإِيمانِ مَا تُقْبَلُ بِهِ أَعْمَالُهُم.
وكَذَلِكَ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لسَعْدِ بنِ أَبِي وقَّاصٍ لَمَّا قَالَ لَهُ: لَمْ تُعْطِ فُلانًا وهوَ مُؤْمِنٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((أَوْ مُسْلِمٌ)) يُشِيرُ إِلَى أنَّهُ لَمْ يُحَقِّقْ مَقَامَ الإِيمانِ، وإنَّما هوَ فِي مَقَامِ الإِسْلامِ الظَّاهِرِ.


ولا رَيْبَ أنَّهُ مَتَى ضَعُفَ الإِيمانُ البَاطِنُ لَزِمَ منهُ ضَعْفُ أَعْمَالِ الجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ أيضًا ، لكنَّ اسْمَ الإِيمانِ يُنْفَى عَمَّنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ وَاجِبَاتِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ((لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ)).
وقَد اخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ:
هَلْ يُسَمَّى مُؤْمِنًا نَاقِصَ الإِيمانِ، أوْ يُقَالُ: لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ لَكِنَّهُ مُسْلِمٌ، عَلَى قَوْلَيْنِ، وهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ.
وأَمَّا اسْمُ الإِسْلامِ ، فَلا يَنْتَفِي بانْتِفَاءِ بَعْضِ واجِبَاتِهِ، أو انْتِهَاكِ بَعْضِ مُحَرَّمَاتِهِ.
وإنَّما يُنْفَى بالإِتْيانِ بِمَا يُنافِيهِ بالكُلِّيَّةِ.
ولا يُعرَفُ فِي شَيْءٍ مِن السُّنَّةِ الصَّحيحةِ نَفْيُ الإِسْلامِ عَمَّنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ وَاجِبَاتِهِ، كَمَا يُنْفَى الإِيمانُ عمَّنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ وَاجِبَاتِهِ، وإِنْ كَانَ قَدْ وَرَدَ إِطْلاقُ الكُفْرِ علَى فِعْلِ بَعْضِ المُحَرَّماتِ، وإِطْلاقُ النِّفَاقِ أيضًا.

واخْتَلَفَ العُلَماءُ:


هَلْ يُسَمَّى مُرْتَكِبُ الكَبَائِرِ كَافِرًا كُفْرًا أَصْغَرَ أوْ مُنَافِقًا النِّفَاقَ الأَصْغَرَ.
ولا أَعْلَمُ أنَّ أَحَدًا منهم أَجَازَ إِطْلاقَ نَفْيِ اسْمِ الإِسْلامِ عنْهُ، إلا أَنَّهُ رُوِيَ عن ابنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ قَالَ: (مَا تَارِكُ الزَّكَاةِ بِمُسْلِمٍ).

ويَحْتَمِلُ أنَّهُ كَانَ يَرَاهُ كَافِرًا بذَلِكَ خَارِجًا مِن الإِسْلامِ.


وكَذَلِكَ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ فِيمَنْ تَمَكَّنَ مِن الحَجِّ وَلَمْ يَحُجَّ (أَنَّهُم لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ).
والظَّاهِرُ أنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ كُفْرَهم؛ ولِهَذَا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِم الجِزْيَةَ يَقُولُ: لَمْ يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ بَعْدُ، فَهُم مُسْتَمِرُّونَ عَلَى كِتَابِيَّتِهِم.

وإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ اسْمَ الإِسْلامِ لا يَنْتَفِي إلا بوُجُودِ ما يُنافِيهِ


ويُخْرِجُ عن المِلَّةِ بالكُلِّيَّةِ، فاسمُ الإِسلامِ إِذَا أُطْلِقَ أو اقْتَرَنَ بهِ المَدْحُ دَخَلَ فيهِ الإِيمانُ كُلُّهُ مِن التَّصْدِيقِ وغَيْرِهِ، كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ.
وخَرَّجَ النَّسائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بنِ مَالِكٍ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً، فَغَارَتْ عَلَى قَوْمٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُم: إِنِّي مُسْلِمٌ، فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِن السَّريَّةِ، فَنُمِيَ الحديثُ إِلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ فيهِ قَوْلاً شَدِيدًا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنَّما قَالَهَا تَعَوُّذًا مِن القَتْلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((إِنَّ اللَّهَ أَبَى عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ مُؤْمِنًا)) ثَلاثَ مَرَّاتٍ.

فلَوْلا أَنَّ الإِسْلامَ المُطْلَقَ يَدْخُلُ فيهِ الإِيمَانُ والتَّصْدِيقُ بالأُصُولِ الخَمْسَةِ، لَمْ يَصِرْ مَنْ قَالَ: أَنَا مُسْلِمٌ، مُؤْمِنًا بِمُجَرَّدِ هَذَا القَوْلِ.

وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عنْ مَلِكَةِ سَبَأٍ أنَّهَا دَخَلَتْ فِي الإِسْلامِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].
وأَخْبَرَ عنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ دَعَا بالمَوْتِ عَلَى الإِسْلامِ.
وهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِسْلامَ المُطْلَقَ يَدْخُلُ فيهِ مَا يَدْخُلُ فِي الإِيمَانِ مِن التَّصْدِيقِ.
وفي (سُنَنِ ابنِ مَاجَهْ): عنْ عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((يَا عَدِيُّ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ)).
قُلْتُ: وَمَا الإِسْلامُ؟
قَالَ: ((تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَتُؤْمِنُ بِالأَقْدَارِ كُلِّهَا؛ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، حُلْوِهَا وَمُرِّهَا)).
فهذا نَصٌّ فِي أنَّ الإِيمَانَ بالقَدَرِ مِن الإِسْلامِ.
ثُمَّ إِنَّ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ خِصَالِ الإِسْلامِ بِغَيْرِ نِزَاعٍ ، ولَيْسَ المُرَادُ الإِتْيانَ بِلَفْظِهِمَا دُونَ التَّصْدِيقِ بِهِمَا، فَعُلِمَ أنَّ التَّصْدِيقَ بِهِمَا دَاخِلٌ فِي الإِسْلامِ.


وقَدْ فَسَّرَ الإِسْلامَ المَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمرانَ: 19] بالتَّوحِيدِ والتَّصْدِيقِ طَائِفَةٌ مِن السَّلَفِ؛ مِنْهُم مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ الزُّبَيْرِ.

وأَمَّا إِذَا نُفِيَ الإِيمَانُ عَنْ أَحَدٍ وأُثْبِتَ لَهُ الإِسْلامُ ، كالأَعْرَابِ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُم؛ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي رُسُوخُ الإِيمانِ فِي القَلْبِ، وتَثْبُتُ لَهُم المُشَارَكَةُ فِي أَعْمَالِ الإِسْلامِ الظَّاهِرَةِ مَعَ نَوْعِ إِيمَانٍ يُصَحِّحُ لَهُم العَمَلَ؛ إِذْ لَوْلا هَذَا القَدْرِ مِن الإِيمانِ لَمْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ، وإنَّما نُفِيَ عَنْهُم الإِيمانُ؛ لانْتِفَاءِ ذَوْقِ حَقَائِقِهِ، ونَقْصِ بَعْضِ واجِبَاتِهِ.


وهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ الْقَائِمَ بالقُلُوبِ مُتَفَاضِلٌ.

وهَذَا هوَ الصَّحِيحُ، وهوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ ؛ فإِنَّ إيمانَ الصِّدِّيقِينَ الَّذِينَ يَتَجَلَّى الغَيْبُ لِقُلُوبِهِم حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ شَهَادَةٌ، بِحَيْثُ لا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ ولا الارْتِيَابَ، لَيْسَ كإِيمَانِ غَيْرِهم مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ بِحَيْثُ لَوْ شُكِّكَ لدَخَلَهُ الشَّكُّ.


ولِهَذَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَرْتَبَةَ الإِحْسَانِ أنْ يَعْبُدَ العَبْدُ رَبَّهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وهَذَا لا يَحْصُلُ لِعُمُومِ المُؤْمِنِينَ.

ومِنْ هنا قَالَ بَعْضُهُم:


مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَوْمٍ وَلا صَلاةٍ، ولَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي صَدْرِهِ.
وسُئِلَ ابنُ عُمَرَ: هَلْ كَانَت الصَّحَابَةُ يَضْحَكُونَ؟

فَقَالَ: (نَعَمْ، والإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِم أَمْثَالُ الجِبَالِ).

فَأَيْنَ هَذَا مِمَّن الإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ يَزِنُ ذَرَّةً أوْ شَعِيرَةً؟! كالَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ أهلِ التَّوحيدِ مِن النَّارِ، فهؤلاءِ يَصِحُّ أنْ يُقالَ: لَمْ يَدْخُل الإِيمانُ فِي قُلُوبِهِم؛ لضَعْفِهِ عِنْدَهُم.
وهَذِهِ المَسَائِلُ -أَعْنِي مَسَائِلَ الإِسْلامِ والإِيمَانِ والكُفْرِ والنِّفَاقِ- مَسَائِلُ عَظِيمَةٌ جِدًّا؛


فَإِنَّ اللَّهَ عَلَّقَ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ السَّعَادَةَ والشَّقَاوَةَ، واسْتِحْقَاقَ الجَنَّةِ والنَّارِ.
والاخْتِلافُ فِي مُسَمَّياتِهَا أوَّلُ اخْتِلافٍ وَقَعَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ ، وهوَ خِلافُ الخَوَارِجِ للصَّحَابَةِ؛ حَيْثُ أَخْرَجُوا عُصَاةَ المُوَحِّدِينَ مِن الإِسْلامِ بالكُلِّيَّةِ، وأَدْخَلُوهُم فِي دَائِرَةِ الكُفْرِ، وعَامَلُوهُم مُعَامَلَةَ الكُفَّارِ، واسْتَحَلُّوا بذَلِكَ دِمَاءَ المُسْلِمِينَ وأَمْوَالَهُم.
ثُمَّ حَدَثَ بعدَهم خِلافُ المُعْتَزِلَةِ
وقَوْلُهُم بالمَنْزِلَةِ بينَ المَنْزِلَتَيْنِ.
ثُمَّ حَدَثَ خِلافُ المُرْجِئَةِ وقَوْلُهم:
إِنَّ الفَاسِقَ مُؤْمِنٌ كَامِلُ الإِيمانِ.
وقَدْ صَنَّفَ العُلَمَاءُ قَدِيمًا وحَدِيثًا فِي هَذِهِ المَسَائِلِ تَصَانِيفَ مُتَعَدِّدةً، ومِمَّنْ صَنَّفَ فِي الإِيمانِ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلفِ: الإِمامُ أَحْمَدُ، وأَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلامٍ، وأَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، ومُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ.

وكَثُرَتْ فيهِ التَّصَانِيفُ بَعْدَهُم مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ، وقَدْ ذَكَرْنَا هَا هُنا نُكَتًا جَامِعَةً لأُصُولٍ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذِهِ المَسَائِلِ والاخْتِلافِ فيهَا، وفيهِ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- كِفَايَةٌ.

فَصْلٌ
قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الأَعْمَالَ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الإِسْلامِ ومُسَمَّى الإِيمَانِ أَيْضًا، وذَكَرْنَا مَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ، ويَدْخُلُ فِي مُسَمَّاهَا أَيْضًا أَعْمَالُ الجَوَارِحِ البَاطِنَةِ.
فَيَدْخُلُ فِي أَعْمَالِ الإِسْلامِ:
- إِخْلاصُ الدِّينِ للَّهِ .


- والنُّصْحُ لهُ ولعِبَادِهِ .
- وسَلامَةُ القَلْبِ لَهُم مِن الغِشِّ والحَسَدِ والحِقْدِ .
- وتَوَابعُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الأَذَى.
ويَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الإِيمانِ:

- وَجَلُ القُلوبِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ .


- وخُشُوعُهَا عندَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ وكِتَابِهِ .
-وزِيَادَةُ الإِيمانِ بذلكَ .
- وتَحْقِيقُ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ .
- وخَوْفُ اللَّهِ سِرًّا وعَلانِيَةً .
- والرِّضَا باللَّهِ ربًّا، وبالإِسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَسُولاً .
- واخْتِيارُ تَلَفِ النُّفُوسِ بأَعْظَمِ أَنْواعِ الآلامِ علَى الكُفْرِ .
- واسْتِشْعَارُ قُرْبِ اللَّهِ مِن العَبْدِ، ودَوَامُ اسْتِحْضَارِهِ .
- وإِيثَارُ مَحَبَّةِ اللَّهِ ورَسُولِهِ عَلَى مَحَبَّةِ مَا سِوَاهُمَا .
- والمَحَبَّةُ فِي اللَّهِ والبُغْضُ فِي اللَّهِ .
- والعَطَاءُ لهُ والمَنْعُ لهُ .
- وأَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الحَرَكَاتِ والسَّكَناتِ لهُ .
- وسَمَاحَةُ النُّفوسِ بالطَّاعةِ المَالِيَّةِ والبَدَنِيَّةِ .
- والاسْتِبْشَارُ بعَمَلِ الحَسَنَاتِ والفَرَحُ بِهَا.
- وَالمَسَاءَةُ بعَمَلِ السَّيِّئاتِ والحُزْنُ عَلَيْهَا .
- وإِيثَارُ المُؤْمِنِينَ لرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى أَنْفُسِهِم وأَمْوَالِهِم.
- وكَثْرَةُ الحَيَاءِ.
- وحُسْنُ الخُلُقِ.
- ومَحَبَّةُ ما يُحِبُّهُ لنَفْسِهِ لإَِّخْوَانِهِ المُؤْمِنِينَ.
- ومُوَاسَاةُ المُؤْمِنِينَ خُصُوصًا الجِيرَانَ.
- ومُعَاضَدَةُ المُؤْمِنِينَ ومُنَاصَرَتُهُم، والحُزْنُ بِمَا يُحْزِنُهم.
ولْنَذْكُرْ بَعْضَ النُّصُوصِ الوَارِدَةِ بذَلِكَ:

فأَمَّا مَا وَرَدَ فِي دُخُولِهِ فِي اسْمِ الإِسْلامِ:

- ففي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ ) وَ(النَّسائِيِّ): عنْ مُعَاوِيَةَ بنِ حَيْدَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ما الَّذِي بَعَثَكَ بِهِ؟


قَالَ: ((الإِسْلامُ)).

قُلْتُ: وَمَا الإِسْلامُ؟

قَالَ: ((أَنْ تُسْلِمَ قَلْبَكَ لِلَّهِ، وَأَنْ تُوَجِّهَ وَجْهَكَ إِلَى اللَّهِ، وَتُصَلِّيَ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ)).
- وفي رِوَايَةٍ لَهُ: قُلْتُ: وَمَا آيَةُ الإِسْلامِ؟


قَالَ: ((أَنْ تَقُولَ: أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَتَخَلَّيْتُ، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ عَلَى مُسْلِمٍ حَرَامٌ)).

- وفي (السُّنَنِ): عَن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، أنَّهُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ بِالْخَيْفِ مِنْ مِنًى: ((ثَلاثٌ لا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ:


- إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ.

- وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأُمُورِ.

- وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ))، فأَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الثَّلاثَ الخِصَالَ تَنْفِي الغِلَّ عَنْ قَلْبِ المُسْلِمِ.
- وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عنْ أَبِي مُوسَى، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أنَّهُ سُئِلَ: أيُّ المُسْلِمينَ أَفْضَلُ؟


فَقَالَ: ((مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)).

- وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ؛ فَلا يَظْلِمُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، وَلا يَحْقِرُهُ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ. كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ)).


وأمَّا ما وَرَدَ فِي دُخُولِهِ فِي اسْمِ الإِيمانِ:

- فمِثْلُ قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 2-4].


- وقَوْلِهِ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16].

- وقَوْلِهِ: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.


- وقَوْلِهِ: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].
- وقَوْلِهِ: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمرانَ: 175].
-وفي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ): عن العَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً)).
والرِّضَا برُبُوبِيَّةِ اللَّهِ يَتَضَمَّنُ:

- الرِّضَا بعِبَادَتِهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ.


- والرَّضَا بتَدْبِيرِهِ للعَبْدِ واخْتِيَارِهِ لَهُ.
والرِّضَا بالإِسْلامِ دِينًا يَقْتَضِي:
اخْتَيَارَهُ علَى سَائِرِ الأَدْيَانِ.
والرِّضا بِمُحَمَّدٍ رَسُولاً يَقْتَضِي:
الرِّضا بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وقَبُولَ ذَلِكَ بالتَّسليمِ والانْشِرَاحِ.
- كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
- وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عَنْ أَنَسٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ)).
- وفي رِوَايَةٍ: ((وَجَدَ بِهِنَّ طَعْمَ الإِيمَانِ)).
- وفي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: ((طَعْمَ الإِيمَانِ وَحَلاوتَهُ)).
- وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عَنْ أَنَسٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ، وَوَالِدِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)).
- وفي رِوَايَةٍ: ((مِنْ أَهْلِهِ، وَمَالِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)).
- وفي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ): عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِيمَانُ؟
قَالَ: ((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ تَحْتَرِقَ فِي النَّارِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ، وَأَنْ تُحِبَّ غَيْرَ ذِي نَسَبٍ لا تُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، فَإِذَا كُنْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ دَخَلَ حُبُّ الإِيمَانِ فِي قَلْبِكَ كَمَا دَخَلَ حُبُّ الْمَاءِ لِلظَّمْآنِ فِي الْيَوْمِ الْقَائِظِ)).

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ لِي بِأَنْ أَعْلَمَ أَنِّي مُؤْمنٌ؟

قَالَ: ((مَا مِنْ أُمَّتِي -أَوْ هَذِهِ الأُمَّةِ- عَبْدٌ يَعْمَلُ حَسَنَةً، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا حَسَنَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَازِيهِ بِهَا خَيْرًا، وَلا يَعْمَلُ سَيِّئَةً، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا سَيِّئَةٌ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُ إِلا هُوَ، إِلا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)).
- وفي (المُسْنَدِ) وغَيْرِهِ: عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ، وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ)).


-وفي (مُسْنَدِ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ): عنْ رَجُلٍ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((صَرِيحُ الإِيمَانِ: إِذَا أَسْأَتَ أَوْ ظَلَمْتَ أَحَدًا؛ عَبْدَكَ أَوْ أَمَتَكَ أَوْ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، صُمْتَ أَوْ تَصدَّقْتَ، وَإِذَا أَحْسَنْتَ اسْتَبْشَرْتَ)).
- وفي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ): عنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((الْمُؤْمِنُونَ فِي الدُّنْيَا عَلَى ثَلاثَةِ أَجْزَاءٍ: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا، وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَالَّذِي يَأْمَنُهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ الَّذِي إِذَا أَشْرَفَ عَلَى طَمَعٍ تَرَكَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).
- وفيهِ أيضًا: عنْ عَمْرِو بنِ عَبَسَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِسْلامُ؟
قَالَ: ((طَيِّبُ الْكَلامِ، وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ)).

قُلْتُ: مَا الإِيمَانُ؟

قَالَ: ((الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ)).
قُلْتُ: أيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: ((مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)).
قُلْتُ: أَيُّ الإِيمَانِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: ((خُلُقٌ حَسَنٌ)).
وقَدْ فَسَّرَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ الصَبْرَ والسَّمَاحَةَ فَقَالَ: (هوَ الصَّبْرُ عنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، والسَّماحَةُ بأَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ).
- وفي (التِّرْمِذِيِّ) وغَيْرِهِ: عنْ عَائِشَةَ، عن النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)).


- وخَرَّجَهُ أَبُو دَاودَ وغَيْرُهُ منْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
- وخَرَّجَ البَزَّارُ فِي (مُسْنَدِهِ) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مُعَاوِيَةَ الْغَاضِرِيِّ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ فِي كُلِّ عَامٍ))، وذَكَرَ الحَدِيثَ.
وفى آخِرِهِ: فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَا تَزْكِيَةُ المَرْءِ نَفْسَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: ((أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَهُ حَيْثُ كَانَ)).

- وخَرَّجَ أَبُو دَاودَ أَوَّلَ الحَدِيثِ دُونَ آخِرِهِ.


- وخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ أَفْضَلَ الإِيمَانِ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ مَعَكَ حَيْثُ كُنْتَ)).
- وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ)).
- وخَرَّجَ الإِمامُ أَحْمَدُ وابنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بنِ سَارِيَةَ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ)).
- وقَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحُجُرات: 10].

- وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عَن النُّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ)).


- وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ)).
- وفي رِوَايَةٍ لهُ أيضًا: ((الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ)).
- وفي (الصًحِيحَيْنِ): عَن أَبِي مُوسَى، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا))، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.
- وفي (مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ): عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((الْمُؤْمِنُ مِنْ أَهْلِ الإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ، يَأْلَمُ الْمُؤْمِنُ لأَِهْلِ الإِيمَانِ كَمَا يَأْلَمُ الْجَسَدُ لِمَا فِي الرَّأْسِ)).
- وفي (سُنَنِ أِبِي دَاودَ): عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَنْهُ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ)).
- وفي (الصَّحِيحَيْنِ): عَنْ أَنَسٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)).
- وفي (صَحِيحِ البُخَارِيِّ): عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الكَعْبِيِّ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ)).
قَالُوا: مَنْ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: ((مَنْ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ)).

- وخَرَّجَ (الحَاكِمُ) مِنْ حَدِيثِ ابنِ عبَّاسٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ)).


- وخَرَّجَ الإِمَامُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بنِ مُعَاذٍ الجُهَنِيِّ عنْ أَبِيهِ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، وَأَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ))، زَادَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: ((وَأَنْكَحَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ)).
- وفي رِوَايَةٍ للإِمَامِ أَحْمَدَ: أنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ أَفْضَلِ الإِيمَانِ، فَقَالَ: ((أَنْ تُحِبَّ لِلَّهِ، وَتُبْغِضَ لِلَّهِ، وَتُعْمِلَ لِسَانَكَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ)).
فَقَالَ: ومَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟

قَالَ: ((أَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَتَكْرَهَ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ)).

- وفي رِوَايَةٍ لَهُ: ((وَأَنْ تَقُولَ خَيْرًا أَوْ تَصْمُتَ)).


وفي هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ كَثْرَةَ ذِكْرِ اللَّهِ مِنْ أَفْضَلِ الإِيمَانِ.
- وخَرَّجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بنِ الْجَمُوحِ، أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: ((لا يَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ صَرِيحَ الإِيمَانِ حَتَّى يُحِبَّ لِلَّهِ، وَيُبْغِضَ لِلَّهِ، فَإِذَا أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَحَقَّ الْوَلايَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى)).
- وخَرَّجَ أيضًا مِنْ حَدِيثِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ)).
- وقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: (أَحِبَّ فِي اللَّهِ، وأَبغِضْ فِي اللَّهِ، وَوَالِ فِي اللَّهِ، وَعَادِ فِي اللَّهِ؛ فإنَّما تُنَالُ وَلايَةُ اللَّهِ بذَلِكَ، ولَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الإِيمَانِ -وَإِنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ وصَوْمُهُ- حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ، وقَدْ صَارَتْ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ عَلَى أَمْرِ الدُّنيا، وذَلِكَ لا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئًا)، خَرَّجَهُ ابنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، ومُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ.

هيئة الإشراف

#7

7 Nov 2008

شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)


قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (
القارئ:
وعن عمر -رضي الله عنه- -أيضاً- قال: بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم؛ إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه.
فقال: يا محمدأخبرني عن الإسلام.
قال: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)).
قال: صدقت.
فعجبنا له يسأله ويصدِّقه.
قال: فأخبرني عن الإيمان.
قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمنَ بالقدر خيره وشره)).
قال: صدقت.
قال: فأخبرني عن الإحسان.
قال: ((أنْ تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
قال: فأخبرني عن الساعة، ؟
قال: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)).
قال: فأخبرني عن أماراتها.
قال: ((أن تلدَ الأَمةُ رَبَّتها، وأن ترى الحفاة العُراة العالة رِعاءَ الشاء يتطاولون في البنيان)).
ثم انطلق، فلبثت ملياً.
ثم قال: ((يا عمر: أتدري من السائل؟)).
قلت: الله ورسوله أعلم.
قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) رواه مسلم.
الشيخ:
هذا الحديث حديث عظيم أيضاً، سمّاه بعض أهل العلم: أمُّ السنة.كما في القرآن أمُّ القرآن، فهذا الحديث أم السنة؛ لأنَّ جميع السنة تعود إلى هذا الحديث.
فإن الحديث: فيه.

بيان العقيدة: والعقيدة مبنية على أركان الإيمان الستة.
-وفيه بيان الشريعة: وذلك بذكر أركان الإسلام الخمسة.
فيه ذكر آداب السلوك والعبادة وصلاح توجه القلب والوجه إلى الله -جل وعلا- بذكر الإحسان.
- وفيه ذكر الساعة وأماراتها، وهذا نوع من ذكر الأمور الغيبية ودلالات ذلك.
فهذا الحديث يعود إليه جُلُّ السنة، كما أنَّ قول الله -جل وعلا- في آية النحل: {إنَّ الله يأْمرُ بالعدْل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون}قال طائفة من مفسري السلف: دخل في هذه الآية جميع أحكام الدين، وجميع أصول الأحاديث النبوية في هذا الحديث.
وهذا الحديث معروف بحديث جبريل، وروايته على هذا الطول عن عمررضي الله عنه .
ورُوي أيضاً مقطعاً ببعض الاختصار في (الصحيحين) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وهذا الحديث فيه ذكر الإسلام والإيمان والإحسان، وفيه أن هذه الثلاثة هي الدين؛ لأنه في آخرها قال عليه الصلاة والسلام: ((أتاكم يعلمكم دينكم)).

فإذاً: الدين الذي هو الإسلام منقسم إلى ثلاثِ مراتب:

- الإسلام.
- والإيمان.
- والإحسان.
وهذا نخلص منه إلى قاعدة مهمة وهي: أنَّ الاسم العام قد يندرج فيه أنواع منها الاسم العام؛ لأنَّ الإسلام هو الدين، فجمع هذه الثلاثة.
- الإسلام.


- والإيمان.
- والإحسان.
فالإسلام؛ منه الإسلام، -الإسلام منه الإسلام- وهذا مهم في فهم الشريعة بعامة؛ لأنَّ من الألفاظ ما يكون أحد الأقسام هو اللفظ ذاته، وله نظائر.
إذا وُجد هذا: فالاسم العام غير الاسم الخاص، ولهذا نقول: الاسم العام للإسلام يشمل الإسلام والإيمان والإحسان، وليس هو الاسم الخاص إذا جاء مع الإيمان ومع الإحسان، لهذا لم يلحظ هذا الأمر طائفة من أهل العلم فجعلوا الإسلام والإيمان واحداً، ولم يفرقوا بين الإسلام والإيمان، حتى عزا بعضهم هذا القول لجمهور السلف. وهذا ليس بصحيح.
فإن السلف فرّقوا بين الإسلام والإيمان إذا كان الإسلام والإيمان في موردٍ واحدٍ، وأمَّا إذا كان الإسلام في مورد والإيمان في مورد، يعني: هذا في سياق وهذا في سياق، هذا في حديث وهذا في حديث، فالإسلام يشمل الدين جميعاً، والإيمان يشمل الدين جميعاً.
فإذاً: هذا الحديث فيه بيان الإسلام بمراتبه الثلاث.

(إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر) في هذا مدح لهذه الصفة، وإحداهما مكتسبة والأخرى جبلِّية.

أما شدة سواد الشعر: فهذه جبلِّية لا تُكتسب، ولا يجوز أنْ يصبغ بالسواد لمن ليس بذي سواد.


وأمَّا شدة بياض الثياب: فسياق هذا الحديث يقتضي مدح من كان على هذه الصفة، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب الثياب البيض وكان يلبسها، وأمر بتكفين الموتى فيها -عليه الصلاة والسلام-.
قال: (ولا يُرى عليه أثر السّفر) يعني: أنه لا يعرفونه في المدينة، وأتى بهذه الصفة الجميلة: شدة سواد الشعر، ليس عليه أثر غبار أو تراب وعادة المسافر أن يكون كذلك، وأيضاً شديد بياض الثياب، كأنه خرج من بيته، في نظافة أهله؛ الساعة، فكيف يكون ذلك؟
فإذاً: في قوله: (ولا يُرى عليه أثر السّفَر) إشعارٌ بأنه مستغرب أن يكون على هذه الصفة، لهذا قال بعدها: (ولا يعرفه منا أحد).
وقد جاء في بعض الروايات:
أن جبريل -عليه السلام- كان ربما أتاهم على صورة دحية الكلبي -أحد الصحابة- فيسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيجيب، وهذا غير مراد هنا؛ لأنه لا يتوافق مع قوله: (ولا يعرفه منّا أحد) خلافاً لمن قال غير ذلك.
وهذا فيه التعليم، فإن جبريل -عليه السلام- أتى متعلِّماً ومعلماً:
- متعلماً:من جهة الهيئة والسؤال والأدب.
- ومعلماً:حيث سأل لأجل أن يستفيد الصحابة -رضوان الله عليهم- وتستفيد الأمة من بعدهم.
قال: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه).
(أسند ركبتيه إلى ركبتيه) : الضمير الأول: يرجع إلى جبريل-عليه السلام-.
والثاني: إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا فيه القرب من العالم، القرب من المسؤول، حتى يكون أبلغ في أداء السؤال بدون رعونة صوت ولا إيذاء، وأفهم للجواب.
(ووضع كفيه على فخذيه)
هذه قيل فيها تفسيران: (ووضع كفيه)
يعني: جبريل (على فخذيه) يعني: على فخذي النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالوا ذلك؛ لأجل أن تكون الضمائر راجعة على نحو ما رجعت عليه الجملة الأولى؛ لأنَّ توافق الرجوع أَوْلى من تعارضه بلا قرينة.
وقال آخرون: (وضع كفيه على فخذيه) على فخذي جبريل أيضاً يعني: وضع كفي نفسه على فخذي نفسه، وهذا أدب منه أمام مقام النبي صلى الله عليه وسلم.
في هذا: أن طالب العلم ينبغي له أن يكون مُهيئاً نَفْسَه، ومهيئاً المسئول للإجابة على سؤاله، في حُسْن الجِلْسة وفي حُسْن وضع الجوارح وفي القرب منه، وهذا نوع من الأدب مهم. فإن سؤال طالب العلم للعالم، أو سؤال المتعلم لطالب العلم له أثر في قبول العالم للسؤال، وفي انفتاحه للجواب.
قد ذُكِر في آداب طلب العلم وفي الكلام عليه: أن بعض العلماء -من علماء السلف- كانوا ينشطون لبعض تلامذتهم فيعطونه، وبعضهم لا ينشطون له، فيعطونه بعض الكلام الذي يكون عاماً، أو لا يكون مكتملاً من كل جهاته، وذلك راجعٌ إلى حُسْن أدب طالب العلم أو المتعلم، فإنه كلما كان المتعلم أكثرَ أدباً في جلْسته، وأكثر أدباً في لفظه، وفي سؤاله، كان أوقع في نفس المسؤول، فيحرص ويتهيأ نفسياً لجوابه؛ لأنه: من احْتَرَمَ احْتُرِم، ومن أَقبل أُقبِل عليه.
فهذا فيه أن نتأدب جميعاً بهذا الأدب.
فمثلاً: ألحظ على بعض طلاب العلم أو بعض المتعلمين أنه إذا أتى يسأل العالم يسأله بندِّية، لا يسأله على أنه مستفيد، فيجلس جلسة العالم نفسه، أو يجلس جلسة المستغني، ويداه في وضع ليس في وضع أدب؛ واحدة هنا والأخرى هناك، وجسمه أيضاً في استرخاء تام، ليس فيه الاستجماع، ونحو ذلك مما يدل على أنه غير متأدب مع العالم أو مع طالب العلم الذي سيستفيد منه.
وهذه الآداب لها أثر على نفسية العالم أو المجيب، فإنك تريد أن تأخذ منه العلم، وكلما كنت أذَلَّ -على الوجه الشرعي- في أخذ العلم، كان العالم أكثرَ إقبالاً عليك.
ولهذا تجد أنَّ أكثر أهل العلم لهم خواص:
-هذا من خاصته-، هذه الخصوصية راجعة إلى أنَّ هذا المتعلم كان متأدباً في لفظه، وفي تعامله، وفي كلامه، وفي حركته مع شيخه، ممّا جعل شيخه يثق فيه، ويُقبل عليه في العلم، ويعطيه من العلم ما لا يعطيه غيرَه، ويعطيه من تجاربه في الحياة، وتجاربه مع العلم ومع العلماء، وفي الأمور وفي الواقع بما لا يفيده غير المتأدب معه.
فهذه نأخذها من حديث جبريل -عليه السلام- ونأخذها أيضاً من قصة الخضر مع موسى في سورة الكهف، وهي حَرية بالتأمل في آداب طلب العلم.
قال: (يا محمد أخبرني عن الإسلام؟)
هذا سؤال عن نوع من أنواع الدين: ألا وهو الإسلام المتعلق بالأعمال الظاهرة.
فسأل عن الإسلام، ثم سأل عن الإيمان، ثم سأل عن الإحسان، … إلخ.
وفي قوله: (أخبرني) فيه دلالة على أنّ النبي عليه الصلاة والسلام مُخْبِر، يعني: أنه ينقل أيضاً الخبر عن الإسلام، وهذا موافق لما هو متواتر في الشريعة: أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما هو مبلِّغ للدين عن الله -جل وعلا-.
قال: (أخبرني) يعني: اجعل كلامك لي خبراً، فأخبرني بذلك، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً مُخبر عن ربه جلَّ وَعلا في ذلك، كما جاء في بعض الأحاديث القدسية: قد قال عليه الصلاة والسلام فيما يخبر به عن ربه -جل وعلا-.

قال: ((الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله...))إلخ، هذا التفسير للإسلام تفسيرٌ للأركان الخمسة المعروفة التي سيأتي -إن شاء الله- بعض بيانها في حديث ابن عمر الثالث إن شاء الله.

فقال: ((الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله)) -وهذا ركن واحد-، ((وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)).
الإسلام هنا: فسّره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأعمال الظاهرة، ولم يجعل فيه الأعمال الباطنة أو بعض الأعمال الباطنة.
ومعنى هذا: أنَّ الإسلام:استسلامٌ ظاهر، وهذا الاستسلام الظاهر يُخبر عنه بالشهادتين وبإقامة الأركان العملية الأربع، والشهادة في نفسها لفظ فيه: الاعتقاد، والتحدث والإخبار الذي هو الإعلام.


وعلى هذا فسرّ السلف كلمة (شهد)، فقوله -جل وعلا-: {شهد الله أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط}، (شهد الله): بمعنى: يُعلم ويُخبر.
فإذاً: شهادة المسلم بأن لا إله إلا الله لا تستقيم مع كتمانه هذه الشهادة، فمن شهد ذلك بقلبه ولم يُظهر هذه الشهادة (دون عُذْرٍ شرعي) فإنه لا شهادة له، بل لا بُدَّ في الشهادة -من حيث اللفظ الذي دلَّت عليه اللغة، وأيضاً من حيث الدليل الشرعي- من الإظهار، وهو الموافق لمعنى الإسلام الذي هو: الأعمال الظاهرة.
فإذاً: دخول الشهادتين في الإسلام -الذي هو: الأعمال الظاهرة- راجعٌ إلى معنى الشهادة، وهو أنَّ معنى الشهادة: بعد الاعتقاد- الإظهار، والإعلام، والإخبار.
وهنا يأتي الاعتقاد، اعتقاد الشهادتين يرجعُ إليه؛ لأنه في معنى: (شهد)، يرجع إليه أركان الإيمان جميعاً.
ولهذا نقول: الإسلام هو الأعمال الظاهرة، ولا يصح إلا بقدْرٍ مُصَحِّحٍ له من الإيمان، وهو الإيمان الواجب بالأركان الستة، فالإيمان الواجب أقل قدْراً من الإيمان، به يُصبح المرءُ مسلماً.
هذا مشمولٌ في قوله: ((أن تشهد أن لا إله إلا الله))؛ لأنَّ:

الشهادة معناها: الاعتقاد، والنطق، والإخبار والإعلام.
تشمل ثلاثة الأمور هذه.
فالاعتقاد يرجعُ إليه أركان الإيمان الستة.
فنخلصُ من هذا: إلى أنَّ الإسلام وإن قال أهل العلم فيه: إنّ المراد به هنا: الأعمال الظاهرة فإنه لا يصح الإسلام إلا بقدْرٍ من الإيمان مصحِّح له، وهذا القدْرُ من الإيمان دلَّنا على اشتراطه لفظ: ((أن تشهد))؛ لأن لفظ الشهادة في اللغة والشرع متعلق بالباطن والظاهر.
والاعتقاد في الشهادتين بأن لا إله إلا الله: هذا هو الإيمان بالله، وبأن محمداً رسول الله: يرجع إليه الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، والإيمان باليوم الآخر والقدر خيره وشرِّه.
الإيمان: فسَّره النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل بالاعتقادات الباطنة، وهذا الفرق بين المقامين، لأجل ورودهما في حديثٍ واحد.
فالإسلام إذا اقترن مع الإيمان رجع الإسلام إلى الأعمال الظاهرة، ومنها الشهادتان، ورجع الإيمان إلى الأعمال الباطنة، وإذا أُفرد الإسلام فإنه يراد به الدين كلُّه، وهو الذي منه قسم الإسلام هذا، وإذا أفرد الإيمان فإنه يراد به الدين كله، بما فيه الأعمال.

ولهذا أجمع السلف والأئمة على أنّ الإيمان:قول وعمل واعتقاد.
وعلى أن الإيمان:قولٌ وعمل.
قول وعمل: يعني: قول وعمل واعتقاد، يعني: إذا أفرد.
وهذا هو الذي عليه عامة أهل العلم من أهل السنة والجماعة:
في أنَّ الإسلام غير الإيمان، وأن الإيمان إذا جاء مستقلاً عن الإسلام فإنه يُعنى به الدين كله؛ يُعنى به الإسلام والإيمان والإحسان، وإذا أتى الإسلام في سياق مستقل عن الإيمان يُعنى به الدين كلُّه، وأنَّ الإسلام والإيمان إذا اجتمعا؛ افترقا من حيث الدِّلالة، فجُعلَ الإسِلام للأعمال الظاهرة وجُعل الإيمان للاعتقادات الباطنة.
من أهل العلم من السلف أيضاً:
من رأى أنّ الإسلام والإيمان واحد. ومنهم أيضاً: من رأى أن الإسلام والإيمان يختلفان ولو تفرَّقا أيضاً.
ولكنَّ الصحيح: أنّ الإسلام إذا اجتمع مع الإيمان صار الإسلام -كما ذكرت لك- للأعمال الظاهرة، والإيمان للاعتقادات الباطنة كما دل عليه حديث جبريل هذا.
نقول: الإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، مع أَنهُ متعلق بالاعتقادات، والإسلام؛ عند أهل السنة والجماعة لا يطلقون العبارة بأنه يزيد وينقص، مع أنه متعلق بالعمل الظاهر فكيف يكون هذا؟
الإيمان يعلقونه بالاعتقادات الباطنة، ويقولون: يزيد وينقص، والإسلام في الأعمال الظاهرة، ولا يقولون فيه: أنه يزيد وينقص.
و الجواب عن هذا الإشكال: أن الإيمان إذا أُريد به عامّة أمُور الدين، كما جاء في حديث وفد عبد القيس مثلاً، حيث قال لهم -عليه الصلاة والسلام-: ((آمركم بالإيمان بالله وحدْه. أتدرون ما الإيمان بالله وحده))؟ ثم ذكر أمور الإيمان، وقال: ((وأن تؤدوا الخمس من المغنم)). وهذا نوع من الأعمال.
فإذاً: الأعمال باتفاق السلف -يعني: من أهل السنة- داخلة في مسمى الإيمان، وإذا كان كذلك فإذا قالوا: الإيمان يزيد وينقص، فإنه يرجع في هذه الزيادة إلى الاعتقاد، ويرجع إلى الأعمال الظاهرة، وهذا يعني: أن الإسلام يزيد وينقص؛ لأن الإيمان الذي يزيد وينقص إيمان القلب، وإيمان الجوارح.
وإيمان القلب: اعتقاده وقوة إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله. هذا الناسُ ليسوا فيه سواءً بل يختلفون؛ منهم من إيمانه كأمثال الجبال، ومنهم من هو أقل من ذلك.

وهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
والأعمال الظاهرة التي هي من الإيمان تزيد أيضاً وتنقص، فكلما زادت زاد إيمان العبد، وكلما نقصت نقص إيمان العبد.
وينقص الإيمان بالمعصية أيضاً ويزيد بترك المعصية .
بعض أهل العلم أيضاً يقول: الإسلام يزيد وينقص، على اعتبار أن الإسلام هو الإيمان، في دلالته على الاعتقاد والعمل، أو في دلالته على الأعمال الظاهرة، فإن الأعمال الظاهرة أيضاً يزيد معها الإسلام، ويزيد معها الإيمان.
كيف يزيد معها الإسلام؟
لأن الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
فالإسلام فيه استسلام لله بالتوحيد، وهذا تدخل فيه الشهادتان، يزيد الناس فيه وينقص.
استسلامهم لله بالتوحيد مختلف، -يتفاوتون فيه-، والانقياد بالطاعة يتفاوتون فيه.
إذاً: من أطلق هذا القول فلا يُغَلَّط، قد أطلقه مرة شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن القول المعتمد عند السلف: أنهم يعبرون في الزيادة والنقصان عن الإيمان دون الإسلام؛ لأنَّ في ذلك مخالفة للمرجئة الذين يجعلون الإيمان؛ الناس في أصله سواء، يعني في اعتقاد القلب، وإنما يتفاوت الناس عندهم في الأعمال الظاهرة.
فتقيد السلف بلفظ: (الإيمان يزيد وينقص) خلافاً للمرجئة الذين جعلوا الزيادة والنقصان في الأعمال الظاهرة دون اعتقاد القلب، وعندهم اعتقاد القلب؛ الناس فيه سواء، كما يعبرون عنه بقولهم: (وأهله في أصله سواء).
فيعبرون عن الإيمان بأنه هو الذي يزيد وينقص دون الإسلام؛ لهذا فيؤخذْ بتعبيرهم، ولا تطلق العبارة الأخرى؛ لأنها غير مستعملة عندهم، مع أنها إن أطلقت فهي صحيحه، إن احتيج إليها.
قال: (صدقت) : يعني: في جوابه عن مسألة الإسلام. وهذا فيه عجب! أن يسأل ويصدِّق! فيه لفت -انتباه الصحابة- إلى هذه المسائل: كيف يسأل ويصدِّق!

فالمتعلم إذا أتى بأسلوب في السؤال يلفت النظر ليستفيد البقية -مع علم المسؤول- فإنَّ هذا حسن؛ ليستفيد منه الآخرون؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يعرف أن هذا جبريل، وتصديقه له دال على هذا بوضوح.

ففي هذا أنَّ المتعلم يأتي للعالم بمعرفته بما يسأل؛ لإفادة غيره، وأنّ هذا أسلوب حسن من أساليب التعليم الشرعية.


قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: ((أن تؤمن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره))
ذكر أركان الإيمان الستة، وهذه الأركان جاءت في القرآن أيضاً:
منها: الخمسة المتتابعة، جاءت في قول الله -جل وعلا-: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله} هذه أربعة.
- وقوله: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين}.
- وكما في قوله: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب ا لذي نزَّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً}.
- وفي القدر جاء قوله -جل وعلا-: {إنَّا كل شيء خلقناه بقدر} يعني: أنَّ أصول هذه الأركان جاءت في القرآن.
وهذه الأركان الستة هي التي عُبر عنها بأركان الإيمان، والخمسة التي قبلها: بأركان الإسلام.
أركان الإيمان، ما معنى كونها أركاناً؟
نلحظ مسألة مهمة أنّ لفظ (أركان الإسلام)، ولفظ (أركان الإيمان)، لم يرد في شيء من النصوص، وإنما عَّبر العلماء بلفظ (الركن) اجتهاداً من عندهم.
وإذا كان كذلك فينبغي أن تُفهمَ النصوص على ضوء هذا الأصل، وهو: أنّ التعبير عن هذه بالأركان، إنما هو فهمٌ لأهل العلم في أنَّ هذه هي الأركان، وفهمهم صحيح بلا شك؛ لأن الركن هو: ما تقوم عليه ماهية الشيء.
فالشيء لا يُتَصَوَّرُ قيامهُ إلا بوجود أركانه، فمعنى ذلك: أنّه إذا تخلف ركن من الأركان؛ ما قام البناء، فإذا تخلف الإيمان بالقدر؛ ما قام بناء الإيمان أصلاً، إذا تخلف ركن الإيمان باليوم الآخر ما قام البناء، لأنَّ الركن في التعريف الاصطلاحي هو: ما تقوم عليه ماهية الشيء.

فإذا تخلّف ركن لم يقم الشيء أصلاً، يعني: لم يقم الشيء وجوداً شرعياً؛ لأن قيامه مبني على تكامل أركانه.

وهذا يُورِدُ علينا إشكالاً، وهو: أنه في الإسلام قيل: هذه هي أركان الإسلام الخمسة، والعلماء لم يتفقوا على أن من ترك الحج والصيام جميعاً أنه ليس بمسلم، واتفقوا على أنّه من ترك ركناً من أركان الإيمان فإنه ليس بمؤمن أصلاً، وهذا يرجع إلى أنَّ اصطلاح الركن اصطلاح حادث.
فينبغي أن تفهم -خاصةً في مسائل الإيمان والإسلام والتكفير وما يتعلق بها.


- أنّ العلماء أتوا بألفاظٍ للإفهام، فهذه الألفاظ التي للإفهام لا تُحكَّم على النصوص، وإنمّا النصوص التي تُحكّم على ما أتى العلماء به من اصطلاحات.
يعني: أن نفهم الاصطلاحات على ضوء النصوص، وأن نفهم النصوص على ضوء الاصطلاحات.
فإذا صار الاصطلاح صحيحاً من جهة الدليل الشرعي رجعنا في فهم الدليل الشرعي للاصطلاح ففهمنا ذلك.
وهذا يتضح ببيان أركان الإسلام، فإنه لو تخلف ركنان من أركان الإسلام، تخلف الحج مثلاً والصيام، فإن أهل السنة والجماعة ما اتفقوا على أن من لم يأت بالحج والصيام فإنه ليس بمسلم، بل قالوا: هو مسلم؛ لأنه شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولأنه أقام الصلاة.
واختلفوا فيما عدا ذلك من الأركان فيما إذا تركها، دون جحدٍ لها، مع أنه تخلف عنه ركن أو أكثر.
وهذا يعني أنه في فهم أركان الإسلام، نجعل هذه الأركان تختلف في تعريف الركن عن فهم أركان الإيمان، فنقول: في أركان الإسلام يُكتفى في الإسلام بوجود الشهادتين والصلاة، وفي غيرهما خلاف.
وأما في أركان الإيمان فمن تخلف منه ركن من هذه الأركان فإنه ليس بمؤمن، هذا من حيث التأصيل.
فإذاً نقول: يمكن أن يسمى مسلماً ولو تخلف عنه بعض أركان الإسلام، ولا يصح أن يسمى مؤمناً إن تخلف عنه ركن من أركان الإيمان.
إذا تقرر هذا فأركان الإيمان الستة هذه فيها قدْر واجب لا يصح إسلامٌ بدونه، وهناك قدرٌ زائد على هذا تبع لما يصله من الدليل، فما هو القدر المجزئ وهو الذي من لم يأت به صار كافراً؟
فهذا هناك قدر مجزئ في الإيمان بالله، قدر مجزئ في الإيمان بالرسل، قدر مجزئ في الإيمان بالكتب، قدر مجزئ في الإيمان باليوم الآخر والقدر... إلخ.
أمَّا الإيمان بالله:
فهو ثلاثة أقسام:
1- إيمانٌ بالله، بأنه واحدٌ في ربوبيته.
2- وإيمانٌ بالله بأنه واحدٌ في ألوهيته، يعني في استحقاقه العبادة.
3- وإيمانٌ بالله، يعني: بأنه واحدٌ في أسمائه وصفاته لا مثيل له سبحانه وتعالى، {ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير}.
القدْر المجزئ من الأول:
أن يعتقد أن الله جلّ جلاله هو ربُّ هذا الوجود، يعني أنه هو الخالقُ له المدبِّرُ له المتصرِّف فيه، كيف يشاء، هذه الربوبية.
بالإلهية: بأنه لا أحد يستحق شيئاً من أنواع العبادة من الخلق، بل الذي يستحق هو الله جل جلاله وحده.
والثالث: أن يؤمن بأنّ الله -جل وعلا- له الأسماء الحسنى والصفات العلى دون تمثيلٍ لها بصفات المخلوقين، ودون تعطيل له عن أسمائه وصفاته بالكلية، أو جحد لشيء من أسمائه وصفاته بعد وضوح الحجة فيها له.
هذا القدر المجزئ من الإيمان بالله.

الإيمان بالملائكة:
القدر المجزئ: أن يؤمن بأنَّ الله -جل وعلا- له خلقٌ من خلقه اسمهم الملائكة، عبَاد يأتمرون بأمر الله -جل وعلا-، مربوبون وأنّ منهم من يأتي بالوحي للأنبياء، هذا القدْر هو الواجب.
فإذا قال: أنا لا أؤمن بوجود ملائكة، ما رأيت أحداً، فهذا انتفى عنه الإيمان بالملائكة، لكن لو قال: أنا ما أعلم ميكال فإنه لا يقدح في إيمانه بالملائكة، لأنه يقول: أنا مؤمن بوجود هذا الخلق من خلق الله -جل وعلا-، ملائكة، لكن ميكال ما أعرفه.
فيبلَّغ بالحجة فيه في آية البقرة: {من كان عدواًّ لله...} الآية التي ذكر فيها ميكال، ويبلَّغ بما جاء فيه، فإن علم أنَّها آية ثم لم يُؤمن كان جاحداً لهذا الركن من الأركان.
فإذاً: فيه قدْر مجزئ وهو الذي يجب على كل أحد، وقدر يتفاضل فيه الناس واجب أيضاً مع العلم، فكلما علم شيئاً من ذلك وجب عليه الإيمان به... إلخ.
وهذا واسع، وكلما علم شيئاً واجباً من ذلك زاد أجره وثوابه وإيمانه ويقينه.
الإيمان بالكتب:
القدر المجزئ منها: أن يعتقد الاعتقاد الجازم الذي لا شك فيه: بأن الله -جل وعلا- أنزل على من شاء من رسله كتباً، هي كلامه -جل وعلا-، وأنَّ منها: القرآن الذي هو كلامه -جل وعلا-.
وما بعد ذلك أن يؤمن بالتوراة. إذا عُرّف وجب عليه الإيمان، وهكذا.. في تفاصيل ذلك.
فمن علم شيئاً بدليله وجب عليه أن يؤمن به.
لكن أول ما يدخل في الدين يجب عليه أن يؤمن بهذا القدر المجزئ، وهو الذي يصح معه إيمان المسلم.
((ورسله)) الإيمان بالرسل: وهو الاعتقاد الجازم الذي لا ريب فيه ولا تردد بأن الله -جل وعلا- أرسل رسلاً لخلقه، وأنّ هؤلاء الرسل موحَى إليهم من الله -جل وعلا-، وأنّ خاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام، فيؤمن به ويتَّبعه.
فهذا هو القدر المجزئ، وما بعد ذلك -أيضاً- يكون واجباً بقدر ما يصله من العلم.
وفيه أشياء أيضاً مستحبة، في تفاصيل.
هذا الحديث قد نُدخل فيه العقيدة كلها، ويطول الكلام، لكن أنبهك على أصول في فهم هذه الأحاديث.
واليوم الآخر: القدر المجزئ منه، الذي يتحقق به قيام الركن:أن يؤمن بأن الله -جل وعلا- جعل يوماً يحاسب فيه الناس، يعودون إليه ويبعثهم من قبورهم، ويلقون ربّهم، ويجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وأن المحسن يدخل الجنة وأن المسيء -يعني: الكافر- يدخل النار.
هذا القدر واجبٌ -ركن- وما بعد ذلك يكون بحسب العلم.
والقدر: يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى، بأن يؤمن -هذا هو القدر المجزئ- بأنه ما من شيء يكون إلا وقد قدره الله -جل وعلا-، بمعنى:
- أنه سبحانه علم هذا الشيء قبل وقوعه، وعِلْمه بذلك أول.
- وأنه كتب ذلك عنده سبحانه وتعالى.
ويغني عن اعتقاده الكتابة قبل العلم بدليلها:
أن يؤمن بالقدر السابق، يعني: أن القدر سابق، فيشمل اعتقاده أن القدر سابق: العلم -علم الله -جل وعلا- والكتابة؛ لأن الأقسام الآتية مُقَارِنة أو لاحقة وليست سابقة، ويؤمن أيضاً بأنَّ ما شاء الله -جل وعلا- كان وما لم يشأ لم يكن سبحانه، فيخلق -جل وعلا- جميع الأشياء، كما قال: {الله خالق كل شيء}.
فإذاً: الإيمان بالقدر، إيمان بالقدر السابق وبمشيئة الله وقدرته وخلقه لإنفاذ القَدَرِ السابق، هذا قدر واجب لا يصح الإيمان بدونه، وهو الركن فيه؛ أن يؤمن بسبق القدر، وفيما يتعلق بالمقدور الواقع، يعني: بالقضاء الواقع، يعتقد أنه بمشيئة الله وخلقه لهذا الفعل وأنه ما من شيء إلا والله جل وعلا هو الذي يخلقه كما قال: {الله خالق كل شيء}، يعلم مراتب القدر الأربعة.
وتفاصيل ذلك، هذا بحسب ما يصل إليه من العلم؛ فمنه واجب ومنه مستحب.

إذا تقرر هذا؛ فالإيمان الشرعي المراد به في هذا الموطن الذي يكون قريناً للإسلام يراد به: الاعتقاد الباطن.

فإذا قُرن بين الإسلام والإيمان انصرف الإسلام إلى عمل اللسان وعمل الجوارح؛ والإيمان إلى الاعتقادات الباطنة.
فلهذا نقول -إذاً-: لا يُتصور أن يوجد إسلام بلا إيمان، ولا أن يوجد إيمان بلا إسلام. فكل مسلم لا بد أن يكون معه من الإيمان قدر صحح به إسلامه، ولولم يكن عنده ذلك القدر ما سُمي مسلماً أصلاً.
فلا يتصور مسلم بلا إيمان، فكل مسلم عنده قدر من الإيمان، وهذا القدر هو القدر المجزئ الذي ذكرت لك؛ وكل مؤمن عنده قدر من الإسلام مصحح لإيمانه، فإنه لا يقبل من أحد إيمان بلا إسلام، كما أنه لا يقبل من أحد إسلام بلا إيمان.


فإذا قلنا: هذا مسلم، فمعناه أنه وُجد إسلامه الظاهر مع أصل الإيمان الباطن -وهو القدر المجزئ-.
إذا تقرّر هذا فنقول: الإيمان يتفاوت أهله فيه ولتفاوت أهله فيه صار الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام أو صار المؤمن أعلى مرتبة من المسلم؛ لأنّ الإيمان -في المرتبة التي هي أعلى من مرتبة الإسلام- قد حقَّق فيها الإسلام وما معه من القدر المجزئ من الإيمان؛ وزاد على ذلك؛ فيكون إذاً إيمانه أرفع رتبة من إسلامه؛ لأنه اشتمل على الإسلام وزيادة، ولهذا قال العلماء: كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً.
ولهذاجاء في الحديث الصحيح:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له أحد الصحابة: أعطِ فلاناً فإنه -يارسول الله- مؤمن فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أو مسلم)) فأعادها عليه الصحابي، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أو مسلم)) فهذا قوله: ((أو مسلم)) فيه دليل على تفريق ما بين المسلم والمؤمن، فإنّ مرتبة المؤمن أعلى من مرتبة المسلم، كما دلت عليها آية الحجرات: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم} الآية، فدّل على أنهم لم يبلغوا مرتبة الإيمان التي هي أعلى من مرتبة الإسلام.
فإذاً: نخلص من هذا إلى أنّ الإيمان الذي هو تحقيق هذه الأركان الستة بالقدر المجزئ منه، ليس هو المراد بذكر هذه المراتب؛ لأنه داخلٌ في قوله: ((أنْ تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)).
فتحقيق مرتبة الإيمان يكون بالقدر المجزئ، وما هو أعلىمن ذلك؛ لأن الإيمان أعلى رتبة من الإسلام، والمؤمن أعلى رتبة من المسلم.
السّلف تنوعت عباراتهم في الإيمان وأنواعه:
فقالت طائفة منهم: الإيمان: قول وعمل.
وقالت طائفة: الإيمان: قول وعمل واعتقاد.
وقال آخرون: الإيمان: قول وعمل ونية.
وهذا مصيرٌ منهم إلى شيء واحد، وهو: أنَّ الإيمان إذا أُطلق أو جاء على صفة المدح لأهله -يعني في النصوص أو في الاستعمال- فإنه يراد به: الإيمان الذي يشمل الإسلام.
الحظ هذا: إذا أطلق، قلنا: الإيمان ولم نذكر الإسلام أو جاء في مورد فيه المدح له، ولو كان مع الإسلام؛ فإنه يشمل الإسلام أيضاً؛ لدخول العمل فيه.

فنقول: هنا تنوعت عباراتهم:

فقال بعضهم: الإيمان قول وعمل. من قال هذا فإنه يعني:
- بالقول: قول القلب وقول اللسان.


- والعمل: عمل القلب وعمل الجوارح.
- وقول القلب هو: اعتقاده.
- وعمل الجوارح: هذا هو العمل.
- وقول اللسان: هو القول.
فرجع إلى أنه: قول وعمل واعتقاد؛ لأن الاعتقاد داخل في قول من قال: قول وعمل، فالاعتقاد داخل في القول؛ لأن المراد به: قول القلب وقول اللسان وقول القلب هو: اعتقاده.
من قال -وهم كثير من السلف-: قول وعمل ونية.
يريد بالنية: ما يصح به الإيمان، فزاد هذا القيد تنبيهاً على أهميته، لقول الله -جل وعلا-: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن} (من عمل) و(هو مؤمن) صار القول والعمل مع النية، يعني: النية في القول والعمل.
وهذا راجع -أيضاً- إلى الاعتقاد؛ لأن النية هي: توجه القلب وإرادة القلب وقصد القلب.
فإذاً: إذا اختلفت العبارات فالمعنى واحد، والإيمان عندهم -كما ذكرت لك- يزيد بالطاعة.
وينقص بشيئين:
- بنقص الطاعات الواجبة.
- أو ارتكاب المحرمات.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

7 Nov 2008

الكشاف التحليلي


حديث عُمرَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: (بَينَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ طلع علينا رجل...)

* منزلة الحديث
* موضوع الحديث
* تسمية حديث جبريل الطويل بـ(أم السنة)
- هذا الحديث يجمع أصول الدين
* طرق الحديث وبعض ألفاظه
- رواية ابن حبان للحديث
- رواية الشيخين للحديث من طريق أبي هريرة في صحيحيهما
- رواية الإمام أحمد للحديث في مسنده
* اختلاف روايات الحديث في تقديم الإسلام والإيمان والإحسان بعضها على بعض
* ترجمة راوي الحديث
بيان مراتب الدين
* قاعدة مهمة: الاسم العام قد يندرج فيه أنواع منها الاسم العام
شرح قوله: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم...)
* مجيء جبريل عليه السلام بالوحي نوع من أنواع الوحي الإلهي
شرح قوله: (إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر)

شرح قوله: (لا يرى عليه أثر السفر)

شرح قوله: (ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم)

شرح قوله: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه)
شرح قوله: (ووضع كفيه على فخذيه؛ وقال يا محمد)

* أدب الطالب في جلوسه عند شيخه

* بيان مرجع الضمير في قوله: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه)
* على أي فخذ وضع جبريل عليه السلام كفيه؟

شرح قوله: (أخبرني عن الإسلام)
* تعريف الإسلام
- تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام بالأعمال الظاهرة
* الأدلة على أن جميع الأعمال الظاهرة تدخل في مسمى الإسلام
*الأدلة على أن ترك المحرمات داخل في مسمى الإسلام
- تقسيم الأعمال إلى بدنية ومالية
* هل الإسلام يزيد وينقص؟
* بيان أن من كمّل الإتيان بأصول الإسلام صار مسلماً؛ ودليل ذلك
- الإقرار بالشهادتين يجعل المرء مسلماً حكماً
* عقيدة أهل السنة في عصاة الموحدين، وذكر الطوائف المخالفة لهم
- مذهب الخوارج
- مذهب المعتزلة
- مذهب المرجئة
* مسألة: هل يسمى الفاسق الملِّي مؤمناً ناقص الإيمان أو يقال هو مسلم وليس بمؤمن؟
* مسألة: هل يطلق على مرتكب الكبيرة أنه كافر كفراً أصغر أو منافق نفاقاً أصغر؟
شرح قوله: (قال: صدقت)
* سبب تعجب الصحابة من تصديق السائل للنبي صلى الله عليه وسلم
شرح قوله: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)
* معنى الشهادة
شرح قوله: (وتقيم الصلاة)
* معنى (الصلاة) لغة وشرعاً
* معنى إقامة الصلاة
* حكم تارك الصلاة
شرح قوله: (وتؤتي الزكاة)
* معنى (الزكاة) لغة وشرعاً
* حكم مانع الزكاة
شرح قوله: (وتصوم رمضان)
* معنى (الصيام) لغة وشرعاً
* حكم تارك الصيام
شرح قوله: (وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)
* معنى (الحج) لغة وشرعاً

* حكم تارك الحج.

شرح قوله: (فأخبرني عن الإيمان)
تعريف أهل السنة للإيمان
معنى قولهم: الإيمان قول وعمل
معنى قولهم: الإيمان قول وعمل ونية
تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للإيمان بالأمور الباطنة
معنى أركان الإيمان
ذكر أركان الإيمان في القرآن الكريم
مذهب أهل السنة في الإيمان
عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص
دخول العمل في مسمى الإيمان
الأدلة على دخول الأعمال في الإيمان
إنكار السلف على من أَخرج الأَعمال من مسمى الإِيمان
تصانيف العلماء في مسائل الإيمان
أول اختلاف وقع في الأمة كان في مسألة الإيمان
مسألة: الإسلام المطلق والإيمان المطلق
الفرق بين الإسلام والإيمان
اختلاف السلف في مسألة التفريق بين الإسلام والإيمان

التحقيق في الفرق بين الإيمان والإسلام
إذا نفي اسم الإيمان عن شخص وأثبت له الإسلام؛ فالمراد نفي رسوخ الإيمان في قلبه
لفظ أركان (الإسلام) وأركان (الإيمان) لم يرد ذكرها في نصوص من الكتاب والسنة
القدر الواجب والمجزئ من أركان الإيمان
حكم ما زاد على القدر المجزئ في الإيمان
الإيمان بالله تعالى

ما يتضمنه الإيمان بالله تعالى

القدر المجزئ من الإيمان بالله تعالى
القدر المجزئ من الإيمان بالربوبية
القدر المجزئ من الإيمان بالألوهية
القدر المجزئ من الإيمان بالأسماء والصفات
الإيمان بالملائكة
القدر المجزئ من الإيمان بالملائكة
القدر الواجب من الإيمان بالملائكة
الإيمان بالكتب
القدر المجزئ من الإيمان بالكتب
القدر الواجب من الإيمان بالكتب
الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل يلزم منه الإيمان بجميع ما أخبروا به
القدر المجزئ من الإيمان بالرسل
الإيمان باليوم الآخر
القدر المجزئ من الإيمان باليوم الآخر
الإيمان بالقضاء والقدر
معنى (القضاء)
معنى (القدر)
درجات الإيمان بالقدر
القدر المجزئ من الإيمان بالقدر
بيان ضلال القدرية
كلام الأئمة في القدرية
احتجاج ابن عمر بهذا الحديث على من أنكر القدر
مراد السَّلَفِ بقولهم: نَاظِرُوا القَدَرِيَّةَ بالعِلْمِ، فَإِنْ أَقَرُّوا بهِ خُصِمُوا، وإنْ جَحَدُوهُ فَقَدْ كَفَرُوا
أسباب انحراف الناس في القدر:
السبب الأول: كيد أعداء الإسلام
السبب الثاني: الفهم القاصر لنصوص القدر
السبب الثالث: اشتباه بعض النصوص على بعض من قصر باعه في العلم
السبب الرابع: التكلف في تعليل أفعال الله تعالى
السبب الخامس: الخوض في مسائل القدر بلا علم
السبب السادس: اتباع الهوى
السبب السابع: طاعة أئمة الضلال في هذا الباب بلا بينة
العواصم من الضلال في هذا الباب بإذن الله تعالى
1 - الاعتصام بالله تعالى وسؤاله العصمة من الضلال
2 - تنزيه الله تعالى عن ظن السوء
3- الجمع بين النصوص الواردة في هذا الباب
4- عدم الخوض في تعليل أفعال الله تعالى
5- عدم مجاوزة النصوص في مسائل هذا الباب، والمسائل الشرعية عموماً
6- اتباع منهج السلف الصالح.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

7 Nov 2008

العناصر


حديث عُمرَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: (بَينَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ طلع علينا رجل...)

منزلة الحديث
موضوع الحديث

تسمية حديث جبريل الطويل بـ(أم السنة)
هذا الحديث يجمع أصول الدين
طرق الحديث وبعض ألفاظه
اختلاف روايات الحديث في تقديم الإسلام والإيمان والإحسان بعضها على بعض
ترجمة راوي الحديث
بيان مراتب الدين
قاعدة مهمة: الاسم العام قد يندرج فيه أنواع منها الاسم العام
شرح قوله: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم...)

مجيء جبريل عليه السلام بالوحي نوع من أنواع الوحي الإلهي
شرح قوله: (إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر)
شرح قوله: (لا يرى عليه أثر السفر)

شرح قوله: (ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم)
شرح قوله: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه)
شرح قوله: (ووضع كفيه على فخذيه؛ وقال يا محمد)
أدب الطالب في جلوسه عند شيخه
بيان مرجع الضمير في قوله: (فأسند ركبتيه إلى ركبتيه)
على أي فخذ وضع جبريل عليه السلام كفيه؟
شرح قوله: (أخبرني عن الإسلام)
تعريف الإسلام
تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام بالأعمال الظاهرة
الأدلة على أن جميع الأعمال الظاهرة تدخل في مسمى الإسلام
الأدلة على أن ترك المحرمات داخل في مسمى الإسلام
تقسيم الأعمال إلى بدنية ومالية
هل الإسلام يزيد وينقص؟
بيان أن من كمّل الإتيان بأصول الإسلام صار مسلماً
الإقرار بالشهادتين يجعل المرء مسلماً حكماً
عقيدة أهل السنة في عصاة الموحدين، وذكر الطوائف المخالفة لهم
مسألة: هل يسمى الفاسق الملِّي مؤمناً ناقص الإيمان أو يقال هو مسلم وليس بمؤمن؟
مسألة: هل يطلق على مرتكب الكبيرة أنه كافر كفراً أصغر أو منافق نفاقاً أصغر؟
شرح قوله: (قال: صدقت)

سبب تعجب الصحابة من تصديق السائل للنبي صلى الله عليه وسلم
شرح قوله: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)
معنى الشهادة
شرح قوله: (وتقيم الصلاة)
معنى (الصلاة) لغة وشرعاً
معنى إقامة الصلاة
حكم تارك الصلاة
شرح قوله: (وتؤتي الزكاة)
معنى (الزكاة) لغة وشرعاً
حكم مانع الزكاة
شرح قوله: (وتصوم رمضان)
معنى (الصيام) لغة وشرعاً
حكم تارك الصيام
شرح قوله: (وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا)
معنى (الحج) لغة وشرعاً
حكم تارك الحج
شرح قوله: (فأخبرني عن الإيمان)

تعريف أهل السنة للإيمان
معنى قولهم: الإيمان قول وعمل

معنى قولهم: الإيمان قول وعمل ونية

تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للإيمان بالأمور الباطنة
معنى أركان الإيمان
ذكر أركان الإيمان في القرآن الكريم
مذهب أهل السنة في الإيمان
عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص
دخول العمل في مسمى الإيمان
تصانيف العلماء في مسائل الإيمان
أول اختلاف وقع في الأمة كان في مسألة الإيمان
مسألة: الإسلام المطلق والإيمان المطلق
الفرق بين الإسلام والإيمان
إذا نفي اسم الإيمان عن شخص وأثبت له الإسلام؛ فالمراد نفي رسوخ الإيمان في قلبه
لفظ أركان (الإسلام) وأركان (الإيمان) لم يرد ذكرها في نصوص من الكتاب والسنة
القدر الواجب والمجزئ من أركان الإيمان
حكم ما زاد على القدر المجزئ في الإيمان
الإيمان بالله تعالى
ما يتضمنه الإيمان بالله تعالى
القدر المجزئ من الإيمان بالله تعالى
الإيمان بالملائكة
القدر المجزئ من الإيمان بالملائكة
القدر الواجب من الإيمان بالملائكة
الإيمان بالكتب
القدر المجزئ من الإيمان بالكتب
القدر الواجب من الإيمان بالكتب
الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل يلزم منه الإيمان بجميع ما أخبروا به
القدر المجزئ من الإيمان بالرسل
الإيمان باليوم الآخر
القدر المجزئ من الإيمان باليوم الآخر
الإيمان بالقضاء والقدر
معنى (القضاء)
معنى (القدر)
درجات الإيمان بالقدر
القدر المجزئ من الإيمان بالقدر
بيان ضلال القدرية
كلام الأئمة في القدرية
احتجاج ابن عمر بهذا الحديث على من أنكر القدر
مراد السَّلَفِ بقولهم: نَاظِرُوا القَدَرِيَّةَ بالعِلْمِ، فَإِنْ أَقَرُّوا بهِ خُصِمُوا، وإنْ جَحَدُوهُ فَقَدْ كَفَرُوا
أسباب انحراف الناس في القدر
العواصم من الضلال في هذا الباب بإذن الله تعالى