28 Apr 2011
الدرس الرابع: شرح المسائل الثلاث (1/2)
اقتباس: [المسائل الثلاث] اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ: أَنَّهُ يَجبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ تَعَلُّمُ ثَلاَثِ هذِهِ المَسَائِلِ والعَمَلُ بهِنَّ:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
الأُولَى: أَنَّ
اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ
إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ
دَخَلَ النَّارَ، والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إنَّا
أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا
إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ
أَخْذاً وَبيلاً﴾ [المزمل:14-15].
الثَّانِيَةُ: أَنَّ
اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ، لاَ
نَبيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ
قَولُهُ تَعَالى: ﴿وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾[الجن:18].
الثَّالِثَةُ: أَنَّ
مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ لاَ يَجُوزُ لَهُ مُوَالاَةُ
مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ، وَالدَّلِيلُ
قَولُهُ تَعَالى:﴿لاَ تَجدُ قَوماً يُؤْمِنُونَ
باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ
وَلَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَو أَبْنَآءَهُمْ أَو إِخْوَانَهُمْ أَو
عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبهِمُ الإيمَانَ وأَيَّدَهُمْ
برُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ
حِزْبُ اللهِ ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة:22].
عناصر الدرس:
· بيان مقاصد رسالة المسائل الثلاث
· شرح قوله: (اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل)
· شرح
المسألة الأولى وهي قوله: (الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا
وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ
أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ..)
- إفراد الله تعالى بالخلق والرزق
- قوله: (وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً...)
- قوله: (بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ)
- قوله: (والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إنَّا
أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا
إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ
أَخْذاً وَبيلاً﴾[المزمل:15، 16]).
· شرح
قوله: (الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ
أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ، لاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا
غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: ﴿وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ [الجن:18]).
- تفسير قول الله تعالى: ﴿وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا﴾[الجن:18].
الملف الأول
لتحميل الملف الصوتي اضغط هنا
الملف الثاني:
لتحميل الملف الصوتي اضغط هنا
الملف الثالث:
لتحميل الملف اضغط هنا
الملف الرابع:
لتحميل الملف اضغط هنا
بيان مقاصد رسالة المسائل الثلاث
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده
ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده
الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد:
فهذا هو الدرس الثلاث من
دروس دورة شرح ثلاثة الأصول وأدلتها ألقيه يوم الأربعاء الثالث والعشرين من
شهر جمادى الأولى من اسنة الثانية والثلاثين بعد الأربعمائة والألف من
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال رحمه الله: (اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ: أَنَّهُ يَجبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ تَعَلُّمُ ثَلاَثِ هذِهِ المَسَائِلِ والعَمَلُ بهِنَّ:
الأُولَى:
أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ
أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ
عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ.
والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إنَّا
أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا
إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ
أَخْذاً وَبيلاً} [المزمل:14-15].
الثَّانِيَةُ:
أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ،
لاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ
قَولُهُ تَعَالى: {وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} [الجن:18].
الثَّالِثَةُ:
أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ لاَ يَجُوزُ لَهُ
مُوَالاَةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ،
وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: {لاَ تَجدُ
قَوماً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ
اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَو أَبْنَآءَهُمْ أَو
إِخْوَانَهُمْ أَو عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبهِمُ الإيمَانَ
وأَيَّدَهُمْ برُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا
عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ ألا إنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ} [المجادلة:22] ).
هذه المسائل الثلاث مهمة جداً في تأصيل فهم التوحيد، وهي مبنية على الشهادتين ولوازمهما.
فالمسألة الأولى : بعضها في تقرير توحيد الربوبية وبعضها في تقرير شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقوله: (الأُولَى:
أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ
أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ
عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ).
فتضمنت هذه المسألةُ ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أن الله خلقنا ورزقنا، وهذا من أنواع توحيد الربوبية.
الأمر الثاني: أن الله لم يتركنا هملاً ، وهذا لبيان حكمة الله تعالى وتقرير مبدأ الرسالة والبعث والجزاء.
الأمر الثالث:
أن الله تعالى أرسل إلينا رسولاً من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار،
وهذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمن أقر بهذه الأمور الثلاثة لزمه الإقرار بوجوب التوحيد، ولذلك قدم رحمه الله هذه المسألة على المسألة الثانية.
وهذا يعرّفك بخبرة الشيخ
رحمه الله وحسن معرفته بتقرير مسائل التوحيد، فبدأ بالأمور البينة السهلة
المتفق عليها حتى مع من يخالف في بعض مسائل توحيد العبادة.
والبدء بالأمور المتفق عليها طريقة حسنة في الإقناع والإلزام بالحجة.
فالأمر الأول وهو أن الله خلقنا ورزقنا لا يخالف فيه إلا ملحد، والإيمان به مستقر في غالب النفوس وتقتضيه الفطرة الصحيحة.
والشيخ رحمه الله قد كتب هذه الرسالة لأناس يعلم أنهم يقرون بتوحيد الربوبية، فبدأ بالأمر المتفق عليه.
والأمر الثاني: وهو أن الله لم يتركنا هملاً ، وهذا لا يمكن لأحد رده وإنكاره، فلا يستطيع أحد أن يقول إن الله تركنا هملاً.
فبنى على هذين الأمرين الأمر الثالث
وهو تقرير إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو أمر لا ينكره مسلم، ومن
أقر بالرسالة لزمه الإقرار بمقتضاها وهو أن من أطاع الرسول دخل الجنة ومن
عصاه دخل النار ، وهذه المقدمات التي رتب بعضها على بعض بعبارة وجيزه سهلة
تتقبلها النفوس، وهي مدخل مهم للاحتجاج لوجوب التوحيد الذي ذكره في المسألة
الثانية.
وذلك لأن أعظم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو إفراد الله تعالى بالعبادة.
فمن عصاه في أعظم ما أمر به فهو من أهل النار.
فمن ادعى أنه يطيعه في
أداء بعض الواجبات والانتهاء عن بعض المحرمات، وهو يعصيه في أعظم الأمور
وأهمها، وهو الأمر الذي جاهد الكفار لأجله وقاتل الناس عليه وبين أنه
الفارقُ بين الإسلام والكفر ، فهو عاص للرسول صلى الله عليه وسلم ، وطاعته
له في غير هذا الأمر لا تنفعه ما دام أنه لم يطعه في أهم الأمور وأصل
الإسلام الذي من أجله بعثه.
ثم ذكر الدليل على ذلك وهو قول الله تعالى: {إِنَّا
أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا
إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ
فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا}
ليبين للقارئ أن تلقي
العقيدة يجب أن يكون مبنياً على الدليل وأنه لم يأت للمخاطب بكلام من تلقاء
نفسه بل بينه له ما يدل عليه الدليل الصحيح، وهذا من سمات العالم الرباني.
والفرق بين العالم الرباني
وعالم السوء أن العالم الرباني يقول بما يدل عليه الدليل الصحيح ويقصد
النصح للناس فيبين الحق لهم كما دل عليه الدليل ويعلمهم ما يحتاجون إليه من
العلم.
وعالم السوء يفتي بهواه، ويَلبس الحق بالباطل، ويدلِّس على الناس، ويسكت عن بيان الحق عند وجوب بيانه.
فهو خطر وفتنة يجب الحذر منها.
وبعد أن قرر الشيخ هذه
المسألة الأولى بأسلوب قريب من أفهام المخاطبين، وافٍ بأركان الحجة العلمية
انتقل إلى تقرير المسألة الثانية وهي مسألة وجوب التوحيد الذي هو مقتضى
شهادة أن لا إله إلا الله ، وتفطن إلى حسن تعبير الشيخ في تقريره هذه
المسألة
فقال رحمه الله:(الثَّانِيَةُ:
أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ،
لاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ
قَولُهُ تَعَالى: {وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} [الجن:18].)
هذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي أن لا يعبد مع الله أحدٌ من خلقه مهما كان لا نبي مرسل ولا ملك مقرب.
فالعبادة حق الله وحده، هو المستحق وحده للعبادة.
وقوله : (إن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته ) هذا أمر لا يستطيع أن ينكره أحد
وأنتم تعلمون أن الشرك قد
كثر في زمان الشيخ رحمه الله وانتشرت مظاهر الشرك من دعاء الصالحين وتقديم
النذور للقبور والذبح لغير الله وغيرها من مظاهر الشرك الأكبر والعياذ
بالله
وهؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال منهم من يصلي ويصوم ويحج ويقرأ القرآن ويظن أنه مسلم.
وفي بعض البلدان اليوم من يفعل ذلك والعياذ بالله.
وإذا قلت لهم (إن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته)
لا ينازعون في هذا الأمر ، فعبر بالتعبير الأقرب إلى القبول، وهم إذا
أقروا بهذا لزمهم وجوب التوحيد وتحريم الشرك والإقرارُ بأنه منافٍ للإسلام
مناقض لمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله.
وسيأتي شرح هذه المسائل
بشيء من التفصيل، لكن أردنا في هذه المقدمة أن نبين لماذا اختار رحمه الله
تقرير هذه المسائل بهذه الطريقة، وهذا يفيدك بأنه رحمه الله كتبها بعد تأمل
وعن خبرة ودراية وحسن معرفة بالاستدلال لوجوب التوحيد وبيان واجباته.
فإن الشيخ قد مكث سنوات
طويلة وعمراً مديداً وهو يدعو إلى التوحيد ويناظر المجادلين فيه ويكشف
الشبه ويقرر الحجج ويدعو العامة والعلماء والأمراء والأعيان وغيرهم ويعلِّم
طلاب العلم مسائل التوحيد ويقررها لهم من وجوه كثيرة حتى يفهموها ، فهو
صاحب خبرة قيمة في هذا الباب، وقد حصل له مع المخالفين في مسائل توحيد
العبادة مناظرات ومخاصمات وحروب وفتن ومحن استمرت سنوات طويلة ، وأكثر من
كان يجادله ويناظره ويخاصم من وصفت لكم حالهم في تلخيص سيرة الشيخ رحمه
الله من علماء السوء وأهل البغي والحسد.
وكان الشيخ رحمه الله يخشى
على العامة من فتنتهم فكان يجتهد في توضيح مسائل التوحيد بأسلوب ميسر قريب
من الفهم وينتقي العبارات بعناية بالغة وقد فتح له في هذا الباب فتحاً
عظيماً ونفع الله به نفعاً كبيراً فجزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء.
وهذا يفيد طالب العلم أن يأخذ كل علم عن أهله الذي برعوا فيه وتبين حذقهم فيه وحسن معرفتهم وخبرتهم في تعليمه وبيان مسائله .
فيأخذ كل علم عن أهله ،
ولا بأس أن يستعين في أول أمره ببعض الشروح التي تقرب له فهم كلامهم
ومنهجهم حتى يتضح له المنهج ثم يواصل طلبه للعلم وهو ماهر فيه بصير بسبيله.
ذكرت لكم المسألة الأولى والثانية، وكيف رتب الشيخ رحمه الله الاحتجاج للتوحيد فيها.
وأنهما مما تقتضيه الشهادتان شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد تقرير هاتين
المسألتين وتسليم المتلقي بهما، وتيقنه بأنه يلزمه الإقرار بالشهادتين حتى
يدخل في الإسلام ، فيقر بأن من أطاع الرسول دخل الجنة ومن عصاه دخل النار،
وأن أهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم التوحيد، وأن الله لا يرضى أن
يشرك معه أحد في عبادته؛ فمن وحد الله دخل الجنة ، ومن عصاه دخل النار ،
انتقل إلى بيان المسألة الثالثة وهي قوله: (الثَّالِثَةُ:
أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ وَوَحَّدَ اللهَ لاَ يَجُوزُ لَهُ
مُوَالاَةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ)
هذه المسألة هي من واجبات
تحقيق الشهادتين، فمن أقر بالشهادتين إقراراً صحيحاً وعرف معناهما معرفة
صحيحة لزمه أن يقرَّ بالمسألة الثالثة، وهي البراءة من الشرك وأهله؛ فإن من
صدقت محبته لله ولرسوله لزمه أن يحب من يحبه الله ورسوله، ويبغض من يبغضه
الله ورسوله، وسنأتي على بيان هذه المسألة إن شاء الله.
فعرفنا بذلك أن هذه
المسائل الثلاث ترجع إلى معاني الشهادتين ولوازمهما فمن فقه معنى الشهادتين
فقهاً صحيحاً عرف هذه المسائل الثلاث.
فهذا عرض موجز لبيان مقاصد هذه الرسالة، وسبب ترتيبها على هذا النحو.
وأنا أود أن أنبه إلى
مسألة مهمة ومفيدة لطلاب العلم ، وهي أن طالب العلم إذا أراد دراسة أي باب
من أبواب العلم ، فأوصيه قبل أن يدخل في تفاصيل عبارات المتن أن يتعرف على
المقصد العام لهذا الباب، فإن فهمه سهل عليه بعد ذلك فهم جمله وفق هذا
المقصد العام.
شرح قوله: (اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل)
وننتقل الآن إلى شرح كلامه رحمه الله.
قوله : (اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل)
نصه على كل مسلم ومسلمة هو
من باب التأكيد واسترعاء الانتباه وليعلم جميع المكلفين أنه معنيون بهذا
الواجب سواء في ذلك الذكر والأنثى.
وتنويع العبارات وعرض
الحجج من أكثر من وجه مما ينبغي للداعية أن يعتني به، خصوصاً إذا كان يخاطب
قوماً ألفوا المنكر واعتادوه حتى شب عليه صغيرهم وهرم عليه كبيره وتشربته
قلوبهم ، فتنويع الخطاب لهم وعرضه من أكثر من وجه أمر نافع ، لأن بعض الشبه
قد تعلق ببعض القلوب ويصعب تخلصها منها، فعرض الحق وتقريره بأكثر من طريقه
يزيد المهتدي ومن في قلبه شبهة
فالمهتدي يزداد يقيناً بالحق الذي معه، ومن في قلبه شبهة تفيده هذه الطريقة في زوال شبهته.
وتنويع الاحتجاج من الهدي
القرآني والنبوي ، ومن تدبر القرآن والسنة وجد لذلك أمثلة كثيرة ولا سيما
في المسائل الكبار كمسألة التوحيد والبعث والجزاء والنبوة وأن القرآن حق
وغيرها من المسائل الكبار تجد تقريرها في القرآن والسنة من وجوه كثيرة.
والمقصود أن توضيح المسائل
المهمة بأكثرَ من طريقة مفيد لطالب العلم ، بل ينبغي أن يعتني به، ولذلك
تجد بعض العلماء إذا أجابوا عن بعض الشبه يجيبون عنها من وجوه كثيرة، فإن
كثرة الأدلة وتنوعها تورث اليقين في النفس وتزيل ما يلقيه الشيطان من
الشبه.
قوله : (اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل)
الوجوب هنا هو الوجوب العيني لأن هذه المسائل الثلاث يجب على كل مكلف ذكر أو أنثى أن يعلَمها ويعمل بها لأنها أصل الدين.
فتعلم هذه المسائلِ واجبٌ
لأنها من معنى الشهادتين وواجباتهما، ومن عرف معنى الشهادتين معرفة صحيحة
فقد عرف هذه المسائل الثلاث، وإن لم يقرأ هذه الرسالة.
شرح
المسألة الأولى وهي قوله: (الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا
وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ
أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ..)
إفراد الله تعالى بالخلق والرزق
شرح المسألة الأولى وهي قوله: (الأُولَى:
أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا وَرَزَقنَا وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ
أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ
عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ.
والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إنَّا
أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا
إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ
أَخْذاً وَبيلاً} [المزمل:14-15].).
اعتقاد أن الله خلقنا ورزقنا فرض واجب، وهو من توحيد الربوبية
فإن التوحيد على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: توحيد الربوبية، وهو إفراد الله تعالى بأفعاله من الخلق والملك والتدبير والرَّزق وغيرها.
والقسم الثاني: توحيد الألوهية ، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة.
والقسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهو إفراد الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
فاعتقاد أن الله هو الخالق الرازق هذا من واجبات توحيد الربوبية، من أنكر ذلك فهو كافر كفراً أكبر والعياذ بالله.
والأدلة على أن الله خلقنا كثيرة منها قوله تعالى: {اللَّهُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ
يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَٰلِكُمْ مِنْ
شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وقوله: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}.
وقوله في الرزق: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.
وقد أشار الله تعالى إلى الدليل العقلي على تفرده بالخلق بطريقة السبر والتقسيم وهو من الأدلة العقلية الملزمة في قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ}.
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله في تفسيره أضواء البيان: (ومن أمثلة السبر والتقسيم في القرآن قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}، فكأنه تعالى يقول: لا يخلو الأمر من واحدة من ثلاث حالاتٍ بالتقسيم الصحيح.
الأولى: أن يكونوا خُلقوا من غير شيء أي بدون خالق أصلاً.
الثانية: أن يكونوا خلقوا أنفسهم.
الثالثة: أن يكون خَلَقَهم خالقٌ غيرُ أنفسهم.
ولا شك أن القسمين الأولين باطلان، وبطلانهما ضروري كما ترى، فلا حاجة إلى إقامة الدليل عليه لوضوحه.
والثالث: هو الحق الذي لا شك فيه، وهو جل وعلا خالقهم المستحق منهم أن يعبدوه وحده جل وعلا) ا.هـ.
قال جبير بن مطعم رضي الله عنه: أتيت المدينة في فداء بدر ( وفي رواية: فداء المشركين) قال : وهو يومئذ مشرك قال : (فدخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة المغرب فقرأ فيها بـ [الطُّورِ] فلما بلغ هذه الآية : {أَمْ
خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ
خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ
يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} كاد قلبي أن يطير) ، وفي رواية: (فكأنما صُدِّعَ قلبي لقراءة القرآن) رواه أبو داوود الطيالسي وأحمدُ وأصله في الصحيحين وفيهما أنه قال: (وذلك أولَ ما وقر الإيمان في قلبي).
والله تعالى من اسمائه
الخالق والخلاق، والتفكر في اسم الخالق جل وعلى إذا أحسنه العبد ملأ قلبه
يقيناً وتعظيماً لله جل وعلا ؛ فهو سبحانه الخالق العظيم، وخلقه من أعظم
الأدلة على وجوده جل وعلا، وعلى عظمته وبديع حكمته، وسعة علمه وعظيم قدرته،
وجلال ملكه وحسن تدبيره؛ فهو الذي خلق الخلائق كلها كبيرها وصغيرها على
كثرتها وتنوعها ودقائق تفاصيل خلقها الذي تحار فيه الألباب، فتذعن لحكمة
الرب الخلاق العليم الذي أنشأها من العدم على غير مثال سابق.
وهو بديع السموات والأرض الذي ابتدع خلقها العجيب، ولم يكتسب معرفة خلقها من أحد، وذلك لكمال علمه وقدرته وإحاطته.
وهو الذي خلق عوالم
الأفلاكِ والملائكةِ والإنس والجن والحيوانات والنباتات والرياح والسحاب
والمياه، وغيرها من العوالم الكثيرة والعجيبة، وفي كل عالَم من هذه العوالم
أمم لا يحصيها إلا من خلقها.
وفي كل مخلوق من هذه
المخلوقات دقائق وعجائب في تفاصيل خلقه تبهر العقول، فتستدل بها على حكمة
خالقها جل وعلا وسعة علمه، وعظيم قدرته، فتبارك الله رب العالمين.
فهو الرب الذي خلق كل شيء، ولا يستطيع أحد أن يخلق كخلقه جل وعلا.
ولقد تحدى المشركين أن يخلقوا هم وآلهتهم ذباباً فلم يستطيعوا، بل تحداهم أن يسترجعوا ما يأخذه منهم الذباب!.
وذلك غاية ما يكون من الضعف والذل.
فلم يستطيعوا أن يخلقوا شيئاً وذلك لضعف قوتهم.
ولم يستطيعوا أن يستنقذوا ما أخذه منهم الذباب على قلته وحقارته، وذلك لضعف عزتهم.
فكيف يدعون لما لا يخلق حقاً في العبادة؟!!
سبحان الله وتعالى عما يشركون.
قال تعالى: {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ
تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا
لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ
ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} فله تعالى القوة
المطلقة، والعزة المطلقة، ومن آمن بذلك أيقن أنه لا يستحق أن يعبد إلا
اللهُ عز وجل، وأن عبادة غيره ظلم عظيم، وضلال مبين.
وقال تعالى: {أَيُشْرِكُونَ
مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ
لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُون}.
فالذي لا يخلق شيئاً لا
يستحق أن يكون إلهاً، بل الإله الحق هو ربنا الذي انفرد بالخلق، ولا يستطيع
أحد أن يخلق كخلقه جل وعلا، فلذلك يجب إفراده بالعبادة.
كما قال الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}.
والإقرار بأن الله تعالى
هو الخالق الرازق لم يخالف فيه إلا الملاحدةُ الذين ينكرون وجود الله
تعالى، والمجوسُ الذين يزعمون أن للكون خالقين النور والظلمة.
وكان مشركو العرب يقرون
بأن الله هو الخالق الرازق ومع ذلك لم يكونوا مسلمين لأنهم لم يخلصوا
العبادة لله عز وجل ولم يطيعوا الرسول، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} .
وقال تعالى: {
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ
أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ
حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ . قُلْ يَا
قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
(39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ
مُقِيمٌ (40) }.
فمن أقرَّ بأن الله تعالى هو الخالق الرازق ولم يخلص العبادة لله تعالى فهو مشرك كافر متوعَّد بهذا العذاب الأليم.
قوله: (وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً...)
قوله: (وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً ...) أي مهملين بلا أمر ولا نهي ولا غاية.
روى ابن جرير وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: {أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} قال: هملاً.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله تعالى: {أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} قال: أن يُهمل.
وقال ابن جرير: (وقوله:{أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} يقول تعالى ذكره: أيظنّ هذا الإنسان الكافر بالله أن يترك هملا لا يؤمر ولا ينهى، ولا يُتَعَبَّد بعبادة)
والعرب تقول: إبلٌ هَمَل وَهَمْلَى إذا كانت مهملة مسيبة ليس لها راعٍ يرعاها.
وهذا كما قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ
أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ
(115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}.
فالله تعالى يتنزَّه ويتعالى عن أن يخلق الخلق عبثاً ويتركهم هملاً، كيف يكون ذلك وهو الحكيم الخبير.
بل خلقنا لغاية عظيمة بينها الله تعالى بقوله: {وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ
مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ
الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}.
فالله تعالى خلقنا لعبادته ، وكيف نعبده؟
بين لنا ذلك بإرسال الرسول
الذي من أطاعه فقد عبد الله كما يحب الله، ومن عصاه فقد استحق العذاب
لأنه لم يمتثل الأمر الذي خلق لأجله.
قال: [بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ]
(بل) إذا تقدمها نفي فهي لتقرير هذا النفي وتأكيده، ويكون ما بعدها بيان وتوجيه يعرف به صحة النفي السابق، [وَلَمْ يَتْرُكْنا هَمَلاً؛ بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً] وهذا كما في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}.
فإثبات رفع عيسى عليه السلام بيان لصحة النفي السابق وهو أنه لم يقتل.
فرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم تؤكد صحة أننا لم نترك هملاً.
قوله: [بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ].
هذا الرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم من أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار
قال الله تعالى: {وَمَنْ
يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ
يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا
خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ}.
وقال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}.
فبين أن الناس قسمان:
مطيع ومتولي لا يوجد قسم ثالث، وهاتان الآيتان تدلان على أنه من صفات
العصاة اللازمة أنهم متولون متعدون لحدود الله عز وجل، فإن العدول عن اللفظ
المقابل عند تبادره إلى وصف آخر دليل على إرادة معنى هذا الوصف.
وهذا مدخل مهم لتقرير
التوحيد؛ فإن من أقر برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم لزمه تصديقه فيما
يخبر به وطاعته فيما يأمر به واجتناب ما ينهى عنه لأن هذا هو معنى الإيمان
بالرسول ، فمن لم يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في خبره أو لم يطع
الرسول في أمره فهو غير مؤمن به.
فهذا من حيث الأصل ينبغي أن يقرر.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذِي
نَفْسُ مُحمَّدٍ بيده لا يسمع بي أحَدٌ من هذه الأمّة، يهوديٌّ ولا
نصرانيٌّ يموت ولم يؤمِن بالذي أرْسلتُ بهِ إلا كانَ مِن أصْحابِ النَّار). رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
قوله
: (والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إنَّا أَرْسَلْنَا إلَيْكُمْ
رَسُولاً شَاهِداً عَلَيكُم كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً
(15) فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبيلاً}
[المزمل:14-15].).
(إنا) الضمير عائد إلى عز وجل ، والضمير إذا كان عائداً إلى مفرد وصيغ بصيغة الجمع فهو للتعظيم. (أَرْسَلْنَا) أي بعثناه إليكم برسالة يؤديها، فافقهوا معنى هذه الرسالة وامتثلوا ما فيها.
{شَاهِداً عَلَيكُم} كل رسول شهيد على أمته ، وسيأتي النبي صلى الله عليه وسلم شهيداً على أمته يوم القيامة في مشهد عظيم وصفه الله بقوله: {فَكَيْفَ
إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ
هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا
الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ
حَدِيثًا}.
ففي هذه الآية وعيد شديد لمن عصى الرسول.
وشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم على من كانوا في حياته بما رأى منهم ، وعلى من بعده بما ترك لهم.
كما قال الله تعالى عن عيسى عليه السلام: {وَكُنْتُ
عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ
أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد تركْتكُم على البَيْضاءِ لَيْلُها كنَهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِك). رواه أحمد وغيره من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه.
{كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرعَوْنَ رَسُولاً} وهو موسى كليم الله صلى الله عليه وسلم .
{فَعَصَى فِرْعَونُ الرَّسُولَ}
لم يقل فعصاه فرعون ، وأعاد ذكر لفظ الرسول، لفائدة بلاغية لطيفة وهي
بيان ترتب الحكم على الوصف لا على الشخص، فاستحقاق فرعون للعذاب هو لأجل
أنه عصى من أرسله الله عز وجل، وليس لأجل كون الرسول هو موسى، بل لو أرسل
إليه غير موسى فعصاه لاستحق العذاب أيضاً.
وهذا يفيدك أن طاعة الرسول هي طاعة لله عز وجل كما قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}.
{فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبيلاً}
أي فعذبناه عذاباً شديداً ثقيلاً متتابعاً كما يتتابع الوابل من المطر
قال ابن جرير رحمه الله : (العرب تقول لمن تتابع عليه الشرّ: لقد أوبل
عليه).
وعبر بالأخذ لبيان أنه لا يفلت من هذا العذاب.
فأخذه جل وعلا عند الغرق هو وجنوده فلم يفلتهم {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} ذهبت أجسادهم للغرق، وأرواحهم للحرق، بسبب خطيئاتهم وطغيانهم.
وهم في البرزخ يعذبون كم قال تعالى : {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}.
فكذلك من يعص الرسول من هذه الأمة فإنه مستحق للعذاب الوبيل. نعوذ بالله من معصية الرسول.
قوله:
(الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحـدٌ فِي
عِبَادَتِهِ، لاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا غَيرُهُمَا،
وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: {وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا
مَعَ اللهِ أَحَداً}). شرح
قوله: (الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللهَ لاَ يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ
أَحـدٌ فِي عِبَادَتِهِ، لاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا
غَيرُهُمَا، وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: ﴿وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً﴾ [الجن:18]).
الله
تعالى لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، بل
توعد من أشرك به أحداً منهم وعيداً شديداً ، بل توعد الرسل أنفسهم أنهم إن
أشركوا أحبط أعمالهم وجعلهم من الخاسرين، قال الله تعالى لرسوله صلى الله
عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ
وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ
الشَّاكِرِينَ}
بل اللهَ فاعبد أي لا تعبد إلا الله ، لأن تقديم المعمول يفيد الحصر في لسان العرب، فالعبادة حق لله وحده.
وقال تعالى: {وَإِذْ
قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ
اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ
مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} .
وقال تعالى: {وَلَا
يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا
أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
وقال تعالى عن الملائكة: {بَلْ
عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ
يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا
يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ *
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ
جَهَنَّمَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.
ولعظيم جرم الشرك فإن الله لا يغفره كما قال الله تعالى: {إِنَّ
اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا
بَعِيدًا}.
فإذا كان أشرف الخلق وهم
الأنبياء والملائكة ليس لهم نصيب من العبادة، بل يفرَقون فرقاً شديداً من
أن يدَّعى فيهم شيء من خصائص الله تعالى ، ويغضبون غضباً شديداً على من
يصنع ذلك، فكيف يدعونه لأنفسهم.
وفي سنن أبي داوود من حديث
جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: أتى رسولَ
الله صلى الله عليه وسلم أعرابيُّ فقال يا رسول الله: جهدت الأنفس وضاعت
العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا؛ فإنا نستشفع بك على
الله، ونستشفع بالله عليك!.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ويحك أتدري ما تقول! )) وسبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبِّح حتى عُرِف ذلك في وجوه أصحابِه.
ثم قال: (( ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك)).
ولما قال له رجل: (ما شاء الله وشئت) أنكر عليه وقال له: (( أجعلتني لله ندا؟!!))
فالعبادة حق لله تعالى وحده ليس لأحد فيها حق كائناً من كان.
إذا تقرر هذا فإن ما يفعله
الذين يذبحون لغير الله من الأولياء والجن وغيرهم ويقدمون لهم النذور
ويسألونهم الحوائج أولى بأن يكونوا من المشركين.
ولذلك قال الشيخ رحمه الله في كتابه كشف الشبهات:
(إذا عرفت أن هذا الذي
يسميه المشركون في زماننا ( الاعتقاد ) هو الشرك الذي نزل فيه القرآن وقاتل
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس عليه ، فاعلم أن شرك الأولين أخفّ من شرك أهل زماننا بأمرين :
أحدهما : أن الأولين يشركون ويدعون الملائكة والأولياء والأوثان مع الله في الرخاء ، وأما في الشدة فيخلصون لله الدعاء . كما قال تعالى :
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا
إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ
الْإِنْسَانُ كَفُورًا} [ الإسراء : 67 ] .
وقوله : {قُلْ
أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ
السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} {بَلْ
إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ
وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [ الأنعام : 40 ، 41 ] .
وقوله : {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} [ الزمر : 8 ] ، إلى قوله : {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} وقوله : {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} .
فمن فهم هذه المسألة التي
وضحها الله في كتابه ، وهي أن المشركين الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - يدعون الله ويدعون غيره في الرخاء ، وأما في الضراء والشدة فلا
يدعون إلا الله وحده لا شريك له وينسون ساداتهم ، تبين له الفرق بين شرك
أهل زماننا وشرك الأولين ، ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهما راسخا ،
والله المستعان .
الأمر الثاني :
أن الأولين يدعون مع الله أناسا مقربين عند الله . إما أنبياء ، وإما
أولياء ، وإما ملائكة ، أو يدعون أشجارا أو أحجارا مطيعة لله ليست عاصية .
وأهل زماننا يدعون مع الله
أناسا من أفسق الناس ، والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور من
الزنا والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك .
والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يُشاهد فسقه وفساده ويَشهد به) ا.هـ
تفسير قول الله تعالى: ﴿وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا﴾[الجن:18]
قوله: (وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالى: {وَأَنَّ المَسَاجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} ).
المساجد فيها ثلاثة أقوال مشهورة.
الأول:
أنها مواضع السجود من جسد الإنسان لأنها المساجد التي يسجد بها وهي (لله)
لأن الله هو الذي خلقها فلا يجوز أن تعبد هذه المساجد إلا الله، وهذا القول
مروي عن سعيد بن جبير والربيع بن أنس البكري وذكره الفراء وجهاً في
التفسير، وقال به الزجاج.
القول الثاني: أن المساجد مصدر كالمضارب فهي بمعنى السجود يقال سجدت سجوداً ومسجداً ومساجد ، وهذا قول ابن قتيبة رحمه الله.
القول الثالث:
أن المساجد مواضع الصلاة التي يصلى فيها ويدعى فيها فهي لله لا يجوز أن
يشرك مع الله أحد، وهذا قول جمهور المفسرين لأنه المعنى المتبادر لهذا
اللفظ والمعهود في القرآن.
قال ابن جرير رحمه الله في تفسيرها: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا} أيها الناس {مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} ولا تشركوا به فيها شيئا، ولكن أفردوا له التوحيد، وأخلصوا له العبادة).
قال قتادة: (كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا بالله، فأمر الله نبيه أن يوحد الله وحده).
(ملخص الدرس الرابع)
شرح عبارات المتن
قوله: (اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم ثلاث هذه المسائل)