23 Apr 2011
الدرس الثاني: شرح المسائل الأربع (1/2)
اقتباس:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أرْبَعِ مَسَائِلَ:
الأُولى: العِلْمُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلاَمِ بالأَدِلَّةِ.
الثَّانِيَةُ: العَمَلُ بِهِ.
الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إلَيْهِ.
الرَّابعةُ: الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ.
والدَّلِيلُ قَولُه تَعَالَى:﴿وَالْعَصْرِ
(1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ (3) ﴾[العصر:1-3]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله
تَعَالى: (هَذِهِ السُّورَةُ لَو مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى
خَلْقِهِ إلاَّ هِيَ لَكَفَتْهُمْ).
وَقَالَ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى: (بَابٌ: العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ والعَمَلِ، والدَّليلُ قَوْلُهُ تَعَالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾[محمد:19]، فَبَدَأَ بِالعِلْمِ قَبْلَ القَولِ وَالعَمَلِ).
عناصر الدرس:
· تمهيد
· شرح البسملة
· شرح قول المؤلف: (اعلم رحمك الله )
· شرح قول المؤلف: (يجب علينا تعلم أربع مسائل...)
· بيان مراتب الجهاد وصلتها بالمسائل الأربع
· ميزات الجنديّة لله تعالى
· شرح المسألة الأولى وهي العلم
o حكم طلب العلم
o فضل العلم
o وجوب الإخلاص في طلب العلم
· شرح المسألة الثانية: وهي العمل به
o عظم شأن العمل بالعلم
o حكم العمل بالعلم
o ذم من لا يعمل بعلمه
o بيان أن ذم من لا يعمل بعلمه لا يختص بالعلماء
o هدي السلف في العمل بالعلم
الملف الأول:
لتحميل الملف اضغط هنا
الملف الثاني:
لتحميل الملف اضغط هنا
الملف الثالث:
لتحميل الملف اضغط هنا
الملف الرابع:
لتحميل الملف اضغط هنا
الملف الخامس:
لتحميل الملف اضغط هنا
المف السادس:
لتحميل الملف اضغط هنا
الملف السابع:
لتحميل الملف اضغط هنا
ألقي الدرس يوم السبت 19 جمادى الأولى 1432 هـ. *
تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذا هو يوم السبت التاسع
عشر من شهر جمادى الأولى من السنة الثانية والثلاثين بعد الأربعمائة
والألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم .
هذه الدورة هي في شرح (ثلاثة الأصول وأدلتها) ، هذه
الرسالة مشهورة متدوالة وقد طبعت مراراً كثيرة وشرحها كثير من أهل العلم
في بلادنا ، بل جعلوها من أول ما يبدؤون به تعليم العقيدة للسبب الذي
شرحته لكم في المقدمة.
والمسائل الأربع والمسائل الثلاث هي ملحقة برسالة ثلاثة الأصول كما نبه إلى ذلك شيخنا الشيخ عبد الله بن جبرين رحمه الله.
والأصول الثلاثة: هي معرفة الله ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
وكان الشيخ رحمه الله يكرر تأليف هذه الرسالة ويلقنها للعامة ، وفي بعض نسخها اختلاف يسير
وموضوعها واحد ،
- منها رسالة باسم (الأصول
الثلاثة) طبعت من دون المسائل الأربع والمسائل الثلاث وليس فيها حديث
جبريل الطويل وبينها وبين هذه النسخة اختلاف يسير.
- ومنها رسالة أكثر اختصاراً باسم (أصول الدين الثلاثة) أدخل في بعضها ألفاظاً عامية ليقربها للعامة.
- ومن تلاميذ الشيخ
والمعتنين بتدريس هذه الأصول الثلاثة من اختصرها وصاغها بأسلوب السؤال
والجواب كما فعل ذلك الشيخ/ عبد العزيز بن محمد أبو حبيب الشثري وعلق عليها
حاشية يسيرة وأسمى كتابه (المصقول في التعليق على مختصر ثلاثة الأصول)
وقد اعتنى بنشرها حفيده الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله.
والمقصود أن النسخة التي ندرسها هي أتم هذه النسخ وأكثرها شهرة وتداولاً ، وعليها أكثر الشروح.
والرسالتان الوجيزتان
المسائل الأربع والمسائل الثلاث ضمهما مع رسالة ثلاثة الأصول بعض تلاميذ
الشيخ ، وقد كان هذا التصرف سبباً مباركاً في كثرة تدريس هاتين الرسالتين
الوجيزيتن النافعتين.
كان شيخ الإسلام محمد بن
عبد الوهاب رحمه الله يعتني بتعليم طلابه الأصول الثلاثة وهي معرفة الله
ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، وكان يلقنها
للطلبة والعامة حتى يحفظوها ويعقلوا معانيها.
وقد كرر تأليفها مراراً
وبين النسخ اختلاف في العبارات وفي بعضها عبارات عامية لأنه كان يلقنها
للعامة لتصحيح فهمهم مبادئ الإسلام، لأن الشرك في زمنه قد انتشر انتشاراً
كبيراً واستفحل أمره بسبب الجهل وعلماء السوء وأهل البدع من الصوفية وغيرهم
وتأملوا هذه المقالة
لتلميذين من تلاميذ الشيخ رحمه الله يحكيان فيه ما كان عليه واقعهم إضافة
إلى ما ذكرته في تلخيص سيرة الشيخ رحمه الله.
وهاهي أقرؤها عليكم وهي موجودة في تاريخ ابن بسام رحمه الله.
(من محمد بن غيهب ومحمد بن
عيدان إلى عبد الله المويس، الباعث للكتاب إخبارك عن ديننا قبل أن يجعل
هذا الشيخ لهذا القرن يدعوهم إلى الله وينصح لهم ويأمرهم وينهاهم حتى أطلع
الله به شموس الوحي وأظهر به الدين وفرق به أهل الباطل من السادة والكهان
والمرتشين فهو غريب في علماء هذا الزمان هو في شأن وهم في شأن آخر، رفع
الله له علم الجهاد فشمر إليه فأمر ونهى ودعا إلى الله تعالى ونصح ووفى
بالعهد لما نقضوه وشمر عن ساعد الجد لما تركوه وتمسك بالكتاب المنزل لما
نبذوه فبدعوه وكفروه..
فديننا قبل هذا الشيخ
المجدد لم يبق منه إلا الدعوى والإسم فوقعنا في الشرك فقد ذبحنا للشياطين
ودعونا الصالحين ونأتي الكهان ولا نفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
ولا بين توحيد الربوبية الذي أقر به مشركو العرب وتوحيد الألوهية الذي دعت
إليه الرسل، ولا نفرق بين السنة والبدعة فنجتمع لليلة النصف من شعبان
لصلاتها الباطلة التي لم ينزل بها من سلطان ونضيع الفريضة، ونقدم قبل
الصلاة الوسطى - صلاة العصر - من الهذيان ما يفوتها عن وقت الاختيار إلى
وقت الضرورة..
هذا وأضعافه من البدع لم
ينهنا عنه علماؤنا بل أقرونا عليه وفعلوه معنا فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون
عن منكر ولا ينصحون جاهلًا ولا يهدون ضالًا والكلام من جهتهم طويل عصمنا
الله وإياك من الاقتداء بهم واتباع طريقتهم فكن منهم على حذر إلا القليل
منهم يكفيك عن التطويل أن الشرك بالله يخطب به على منابرهم ومن ذلك قول ابن
الكهمري: اللهم صل على سيدنا وولينا ملجانا منجنانا معاذنا ملاذنا. وكذلك
تعطيل الصفات في الطيبي فيشهد أن الله لا جسم ولا عرض ولا قوة.
فقبل هذا الشيخ لا تؤدى
أركان الإسلام كالصلاة والزكاة فلم يكن في بلدنا من يزكي الخارج من الأرض
حتى جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا).
وأنا قصدت ببيان هذا الأمر
لكم لأن من عرف حال الناس في زمان الشيخ قبل هذه الدعوة المباركة عرف
قيمة هذه الدعوة، وعظيم قدرها، وفهم سبب عناية الشيخ رحمه الله بتقرير هذه
المسائل
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله في مواضع من كتبه أثراً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه
قال: (إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف
الجاهلية).
فمعرفة حال أهل الجاهلية مهم لطالب العلم المعتني بأمر الدعوة إلى التوحيد.
وموضوع رسالة الأصول الثلاثة هو المسائل الثلاث التي يسأل عنها العبد في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟
فعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الميتَ ليسمع خَفْق نعالهم إذا وَلّوْا مدبرين حين يقال له : يا هذا، مَنْ ربُّك ؟ وما دِينُك ؟ ومن نَبِيُّكَ ؟). رواه أبو داوود وغيره.
والشيخ رحمه الله كان
يعتني بذكر الأعداد في رسائله من باب التعليم والإعانة على الحفظ والضبط
فله المسائل الأربع، والمسائل الثلاث ، والأصول الثلاثة والأصول الستة
وغيرها ، وهذا له فائدة تعليمية وهو منهج نبوي في التعليم، وفي الأحاديث
الصحيحة: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً..)
(وثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان)، وقال أبو هريرة: (أوصاني خليلي بثلاث) وغير ذلك من الأحاديث، فذكر العدد يعين على الضبط والحفظ والاستذكار.
ألا ترون لو أن امرأة قالت لابنها اذهب إلى السوق واشتر لي كذا وكذا وكذا وعددت له أشياء فإنه قد ينسى بعضها
لكن لو قالت له: أحضر لي خمسة أشياء هي كذا وكذا وعددت له هذه الخمسة.
ألا ترون أن ذلك يعينهم على ضبط ما طلب منه واستذكار عدده.
فقال رحمه الله : (اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل) فيتهيأ ذهن المتلقي لضبط هذه المسائل الأربع.
وهذه الرسالة نافعة جليلة
القدر ينبغي أن نفقهها حق الفقه لأنها تلخص للمسلم رسالته في الحياة
والمبادئ العامة التي يسير عليها وهي العلم والعمل والدعوة والصبر.
فيتعلم أولاً العلم النافع
ثم يعمل به ثم يدعو غيره إلى ذلك ويستعين بالصبر على كل ذلك، الصبر على
العلم والصبر على العمل والصبر على الدعوة.
مسألة لغوية
بقي
التنبيه على مسألة لغوية تتعلق باسم هذه الرسالة، وكان يثار حوله نقاش من
قبل بعض طلبة العلم فأحببت التنبيه عليها، وهي أن هذه الرسالة غلب عليها
اسم (ثلاثة الأصول) حتى صار علماً عليها؛ فهل هذا الاستعمال وهو إضافة
العدد إلى معدوده لغرض التعريف استعمال صحيح لغة؟ وهل له شواهد في عصر
الاحتجاج ؟
الجواب: نعم.
وأنتقي لكم نقلين عن إمامين من أئمة اللغة بيَّنا فيه هذه المسألة بما يكفي.
فقال المبرّد وهو محمد بن يزيد الثمالي في كتابه المقتضَب وهو من أجلّ كتب
النحو: قال رحمه الله: (تقول: هذه ثلاثة أثوابٍ؛ كما تقول: هذا صاحب ثوبٍ؛
فإن أردت التعريف قلت: هذه ثلاثة الأثواب، كما تقول: هذا صاحب الأثواب؛
لأن المضاف إنما يعرفه ما يُضاف إليه؛ فيستحيل هذه الثلاثة الأثواب؛ كما
يستحيل هذا الصاحب الأثواب.
وهذا محال في كل وجه، ألا ترى أن ذا الرمة لما أراد التعريف قال:
أمنزِلَتَيْ ميٍ سلامٌ عليكما = هل الأزمنُ اللائي مضين رواجع
و هل يرجع التسليم أو يدفع البكا = ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع
و قال الفرزدق:
ما زال مذ عقدت يداه إزاره = و دنا فأدرك خمسة الأشبار
فهذا لا يجوز غيره).
وقد ذكر الحريريُّ في أوهام الخواص أنهم يقولون ما فعلت الثلاثة الأثواب فيعرفون الاسمين ويضيفون الأول منهما إلى الثاني.
قال: (والاختيار أن يعرف الأخير من كل عدد مضاف ، فيقال : ما فعلت ثلاثة
الأثواب وفيم انصرفت ثلاثمائة الدرهم ، وعليه قول ذي الرمة :
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى = ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع).
شرح البسملة
بعد هذا التمهيد نشرع في شرح جمل الرسالة مستعينين بالله تعالى، وإنما
استرسلت في المقدمة لأنني لا أريد أن يكون تعلمنا للمتون العلمية تعلماً
نظرياً نستكثر به من المعلومات وشرح عبارات المتن، وإنما نريده منهجاً
علمياً وعملياً نمتثله في حياتنا، وأن تكون حياتنا لله، وهمتنا لإعلاء كلمة
الله، ورسالتنا أن نحيا في سبيل الله ونموت في سبيل الله {قُلْ
إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِين}
قال رحمه الله : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ)
البدء بالبسملة في الكتابة من سنن الأنبياء قال الله تعالى حكاية عن ملكة سبأ: {قَالَتْ
يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ *
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ
الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}
قال ابن عاشور في تفسيره: (والمظنون أن سليمان اقتدى في افتتاح كتابه بالبسملة بسنة موروثة من عهد إبراهيم).
وفيه اتساء بالنبي صلى
الله عليه وسلم في مكاتباته ومراسلاته ففي صحيح البخاري من حديث ابن عباس
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل وبدأ بالبسملة.
وأما حديث: (كل أمر ذي بال
لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع) فهو ضعيف جداً، رواه الخطيب
البغدادي في كتاب الجامع في أخلاق الراوي من حديث أبي هريرة مرفوعاً.
ورواه الإمام أحمد وأبو داوود وابن ماجه بلفظ: (كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر الله عز وجل فهو أبتر) أو قال: (أقطع).
ومن أهل العلم من حسَّنه
كالسيوطي والعجلوني، وذكر السخاوي في المقاصد الحسنة أنه ألف فيه جزءاً،
وضعفه الألباني وجماعة من أهل العلم، وقال الدارقطني: الصحيح عن الزهري
مرسلاً.
وقد ذكر بعض الشراح أن
المؤلف ابتدأ بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وفي هذا الاستدلال نظر إذ لو
بدأ متحدث حديثه بالحروف المقطعة اقتداء بالكتاب العزيز لَعُدَّ مبتدعاً.
• البسملة اسم لكلمة (باسم
الله) صيغ على طريقة النحت، كما يقال الحمدلة، والحوقلة والحسبلة، أسماء
منحوتة اختصاراً لكلمات الحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وحسبنا
الله ونعم الوكيل.
o (بسم)
الباء للاستعانة والتبرك، و(اسم) مفرد مضاف فيعم جميع الأسماء الحسنى،
وقد حذفت الألف في كلمة (بسم) رسماً – أي عند الكتابة - تبعاً لحذفها
لفظاً للكثرة.
• ومتعلق الجار والمجرور محذوف ويقدر بفعل يناسب المقام نحو: أَكْتُبُ، أو أعلِّمُ أو أدرس
o ويصح أن يقدر المتعلق اسماً كما دل عليه قوله تعالى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}، ويصح تقديره فعلاً كما دل عليه قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}.
o
والاستعانة بالله وشهود منته وطلب حفظه وتسديده من أسباب تمام العمل
ونجاحه؛ فينبغي للمعلِّم والمتعلم أن يستحضرا معاني البسملة وأن تمام الأمر
إنما هو بحول الله وقوته ومنته، وأن العبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً
إلا ما شاء الله.
(الله) علم على الباري جل وعلا، وهذا الاسم هو أعرف المعارف كما قال سيبويه رحمه الله.
وقال بعض علماء اللغة :
أصل اللفظ (الإله) فِعَالٌ بمعنى مفعول، والمألوه المعبود، الذي تألهه
الخلائق محبة وتعظيماً وخضوعاً، وهذا الاسم هو الجامع لجميع صفات الكمال
والجلال والجمال، ويدل عليها بالتضمن واللزوم، وهو اسم مختص بالله جل وعلا،
ولهذا تضاف الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم؛ فيقال: الرحمن والرحيم والغفور
من أسماء الله، ولا يقال العكس.
(اللهم) معناها يا الله ، زيدت الميم عوضاً عن النداء، ولذلك لا تقال إلا في الدعاء.
(الرحمن) أي ذو الرحمة الواسعة التي وسعت كل شيء.
(الرحيم) الذي يرحم من يشاء من خلقه.
- قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ( (الرحمن) دالٌّ على الصفة القائمة به سبحانه، و(الرحيم)
دال على تعلقها بالمرحوم؛ فكان الأول للوصف والثاني للفعل، فالأول دال
على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم
هذا فتأمل قوله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} ، {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ولم يجئ قط رحمن بهم، فعلم أن (رحمن هو الموصوف بالرحمة، و(رحيم) هو الراحم برحمته).
وصيغة فعلان في اللغة تدل
على قيام الصفة بالموصوف وسعتها بما يناسب حاله فتقول فلان شبعان إذا
امتلأ شبعاً، وغضبان إذا امتلأ غضباً، ونحو ذلك.
• والرحمة نوعان: رحمة عامة ورحمة خاصة فجميع ما في الكون من خير فهو من آثار رحمة الله العامة حتى إن البهيمة لترفع رجلها لصغيرها يرضعها من رحمة الله عز وجل كما جاء ذلك في الحديث.
وأما الرحمة الخاصة
فهي ما يرحم الله به عباده المؤمنين مما يختصهم به من الهداية للحق
واستجابة دعائهم وكشف كروبهم وإعانتهم وإعاذتهم وإغاثتهم ونصرهم على
أعدائهم ونحو ذلك كلها من آثار الرحمة الخاصة.
- والمؤلف رحمه الله اقتصر على البسملة اختصاراً لئلا يطيل على القارئ بالخطبة، ولأن البسملة من أبلغ الذكر والثناء.
شرح قول المؤلف: (اعلم رحمك الله )
شرح قول المؤلف: (اعلم رحمك الله)
o البدء بهذه الصيغة (اعلم) فيه تنبيه للقارئ، والدعاء له فيه تلطف وتودد، واسترعاء انتباه الطلاب والسامعين من سمات المعلم والداعية المؤثر.
o والرفق بالطالب والنصح له من سمات العالم الرباني؛ فإن مبنى الدعوة والتعليم على الرحمة والنصح.
فبدؤه رحمه الله بالدعاء
للمتلقي تعبير عن إرادة الخير له وفيه تلطف وتودد، وهذا له أثر حسن في نفس
المتلقي، وهذا اللين مع المخاطبين نحتاجه في الدعوة كثيراً وهو من صفات
نبينا صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ، وقال الله تعالى لنبيه الكريم: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
• قوله: (اعلم) العلم: إدراك المعلوم، والفرق بين العلم والمعرفة أن المعرفة مسبوقة بجهل أو غفلة غالباً.
• قوله: (رحمك الله)
دعاء للطالب بالرحمة، ومن رحمة الله بطالب العلم أن يوفقه لحسن الفهم،
وينفعه بما يقرأ ويسمع ويدرس، وأن يَغفر له الذنوب التي يحرم بسببها ثمرة
التعلم.
o المغفرة من آثار الرحمة؛ فالرحمة أعم من المغفرة.
شرح قول المؤلف: (يجب علينا تعلم أربع مسائل...)
شرح قول المؤلف: (يجب علينا تعلم أربع مسائل...)
• قوله: (يجب علينا)
فيه تنبيه آخر للقارئ ليعتني بمعرفة ما يجب عليه، والوجوب هنا يراد به
الوجوب العيني، فهذه المسائل الأربع هي منهاج حياة المسلم، والناس متفاضلون
في تحقيق هذه المسائل على مراتب كثيرة لا يحصيهم إلا من خلقهم فهم
متفاضلون في العلم، متفاضلون في العمل، متفاضلون في الدعوة، متفاضلون في
الصبر. (ما معنى متفاضلون؟ أي أنهم على درجات ومراتب ليسوا سواء فبعضهم
أفضل من بعض، وكلما ازداد المرء من العلم والعمل والدعوة والصبر فهو خير له
عند ربه، ويكون أعلى درجة ممن هو دونه في تحقيق هذه المسائل).
• فينبغي لطالب العلم أن يأخذ بنصيب وافر من هذه المسائل.
بيان مراتب الجهاد وصلتها بالمسائل الأربع
وهذه المسائل يجب على المسلم أن يجاهد نفسه عليها، وما أحسن كلام ابن القيم
رحمه الله تعالى في بيان مراتب الجهاد في كتابه المبارك زاد المعاد في
هدي خير العباد .
وأنا أسوقه هنا لأهميته وحسن تلخيصه، ولأنه مقدمة لبيان أهمية هذه المسائل ، حيث قال رحمه الله: ( الجهادُ أربع مراتب: جهادُ النفس، وجهادُ الشيطان، وجهادُ الكفار، وجهادُ المنافقين.
فجهاد النفس أربعُ مراتب أيضاً:
إحداها:
أَنْ يُجاهِدَها على تعلُّم الهُدى ودين الحق الذى لا فلاح لها، ولا
سعادة فى معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلمُه، شقيت فى الدَّارين.
الثانية : أن يُجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرَّدُ العلم بلا عمل إن لم يَضُرَّها لم ينفعْها.
الثالثة:
أن يُجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمِهِ مَنْ لا يعلمهُ، وإلا كان مِن
الذين يكتُمون ما أنزل الله مِن الهُدى والبينات، ولا ينفعُهُ علمُهُ، ولا
يُنجِيه مِن عذاب الله.
الرابعة :
أن يُجاهِدَها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق،
ويتحمَّلَ ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من
الربَّانِيينَ، فإن السلفَ مُجمِعُونَ على أن العَالِمَ لا يَستحِقُّ أن
يُسمى ربَّانياً حتى يعرِفَ الحقَّ، ويعملَ به، ويُعَلِّمَه، فمَن علم
وَعَمِلَ وعَلَّمَ فذاكَ يُدعى عظيماً فى ملكوتِ السموات).
قال: (وأما جهادُ الشيطان، فمرتبتان، إحداهما: جهادُه على دفع ما يُلقى إلى العبد مِن الشبهات والشُّكوكِ القادحة فى الإيمان.
الثانية:
جهادهُ على دفع ما يُلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهواتِ، فالجهادُ
الأول يكون بعده اليقين، والثانى يكون بعدَه الصبر. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ، وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فأخبر أن إمامة الدين، إنما تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهواتِ والإرادات الفاسدة، واليقينُ يدفع الشكوك والشبهات).
قال: (وأما جهادُ الكفار والمنافقين، فأربع مراتب:بالقلب، واللِّسان، والمالِ، والنفسِ، وجهادُ الكفار أخصُّ باليد، وجهادُ المنافقين أخصُّ باللسان).
قال: (وأما جهادُ أرباب الظلم، والبِدعِ، والمنكرات، فثلاث مراتبَ: الأولى: باليدِ إذا قَدَرَ، فإن عَجَزَ، انتقل إلى اللِّسان، فإن عَجَزَ، جاهد بقلبه.
فهذِهِ ثلاثةَ عشرَ مرتبةً من الجهاد، و"مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النَّفَاقِ").
انتهي
كلامه رحمه الله وهو كلام نفيس ينبغي لطالب العلم أن يعتني به جيداً،
لأنه بين للمؤمن منهجه في الحياة على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية ،
وبين مراتب الجهاد التي لا ينفك مسلم عن بعضها بكلام مؤصل موجز سهل
العبارة.
وقد قال الله تعالى: {وَجَاهِدُوا
فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا
عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ
الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ}
وتأملوا كيف قرن الله تعالى الأمر بالجهاد بنفي الحرج ، وختم الآية بالوعد بحسن الولاية والنصرة لمن اتبع هداه فيها.
وهذا يدلك على أن الأمر بالجهاد في أي نوع من أنواعه لا يجب فيه على المكلف إلا ما يستطيع كما قال الله تعالى : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وهذا يقطع على النفس عذر المشقة واستصعاب القيام بهذه الأمور، فقم بما تستطيع منها ، فإن ما لا تستطيعه معفو عنه ولا تؤاخذ به.
وهذا كما قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
فإذا قامت الأمة بما تستطيع من هذه الأمور تبدلت أحوالها وبوأها الله ما وعدها من النصر والرفعة والتمكين.
فضل الجنديّة لله تعالى
وكل
من يقوم بواجبه في ذلك من المؤمنين في أي نوع من أنواع الجهاد فهو من جند
الله وحزبه، وهذا هو التجنيد الصحيح بل هو أفضل التجنيد، وهو أن تكون
جندياً لله تعالى فتعملَ بمرضاة الله وتنالَ محبته ورضوانه وفضله العظيم،
وقد شرَّف الله جنده ووعدهم بالنصر والتمكين ونسبهم إليه جل وعلا نسبة
تشريف فقال تعالى: {وَلَقَدْ
سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ
الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}
ومن
أهم صفات الجندية الطاعة والتسليم والعمل بما يكلف به، واستشعار مسؤولية
العمل الذي استعمل عليه، وهذه الصفات مقررة في الكتاب والسنة في مواضع
كثيرة.
وتأملوا الفرق العظيم بين من جنَّد نفسه لله ، ومن جنَّد نفسه لهواها وللشيطان وللطواغيت.
ومن أبى أن يكون جندياً لله تعالى فقد جنَّد نفسه لغيره شاء أم أبى.
والجندية لله تعالى تتميز بميزات عظيمة من أهمها:
1: أنها جندية شريفة، شرفَ قدر وشرفَ نسبة، فأصحابها هم أشرف الناس في الدنيا والآخرة لأنهم أرفع الناس رتبة في الميزان الصحيح {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ، وأعظم المؤمنين شرفاً أكثرهم قياماً بها.
وقد نسبهم الله إليه نسبة تشريف فسماهم جنده كما تقدم، وأي شرف يداني هذا الشرف؟!!
ألا ترى لو أن ملكاً من ملوك الدنيا قال لشاعر عنده أنت شاعر الملك لعدَّ ذلك فخراً له يورثه أحفاده!!
فما بالكم بالنسبة إلى الله تعالى التي لا أشرف منها.
فيشعر المنتسب إلى الجندية لله تعالى بالعزة الإيمانية، والرفعة العظيمة، وأنه يعمل في الموقع الصحيح الذي خلق لأجله.
2:
أنها جندية نبيلة فالله تعالى لا يأمر جنده إلا بالعدل والإحسان ومكارم
الأعمال والأخلاق، وما فيه خير العباد والبلاد، وهو تعالى ينهى عن الظلم
والفحشاء ومساوئ الأخلاق كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ}
فرسالة هذه الجندية رسالة سامية ذات أخلاق عالية ، أهدافها تحرير العباد
من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا
والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن رق النفس والهوى والشيطان
إلى عبودية الملك الرحيم الرحمن.
ومن ظلمة الشرك إلى نور التوحيد.
ومن سبل البدعة إلى منهاج السنة
ومن ذل المعاصي إلى عزة الطاعة.
فهل أنبل من هذه الرسالة؟ !
3:
أنها جندية كريمة؛ كريمة في خصالها وأهدافها وأساليبها، كريمة في ثواب
أصحابها ، فثوابهم أعظم الثواب في الدنيا والآخرة ، كما قال الله تعالى
مثنيا على بعض جنده {وَمَا كَانَ
قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا
وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى
الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ
ثَوَابِ الْآخِرَةِ}
وأعظم
ثواب الدنيا الحياة الطيبة التي ملؤها السكينة والطمأنينة وبرد اليقين
وحلاوة الإيمان وعزة الطاعة ونور العلم وبركة اتباع رضوان الله تعالى، كما
قال الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً
طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ}
وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون قد خصهم الله بالربوبية الخاصة والفضل العظيم {ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} اللهم إنا نسألك من فضلك.
4:
أنها جندية رحيمة، رحيمة بالجندي نفسه ورحيمة برسالته إلى الناس، فالجندي
فيها لا يكلَّف ما لا يطيق، بل متى وجد مشقة خفف عنه ، بل ربما أسقطت عنه
بعض الواجبات تخفيفاً عليه بخلاف الجندية للطواغيت المبنية على القهر
والظلم والاستبداد.
ورحيمة برسالتها إلى الناس {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
5:
أنها جندية بصيرة، مبنية على العلم والحكمة ، وتحقيق المصالح ودرء
الفاسد، مبنية على الفقه في الدين، فليس فيها طاعة عمياء ولا اتباع من غير
دليل ، والتسليم فيها إنما هو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم {قُلْ
هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
6:
أنها جندية منصورة مؤيدة بحفظ الله ورعايته، وتسديده وهدايته، وقد وعد
الله جنده بالنصر والتمكين، والله لا يخلف وعده فقال الله تعالى: {وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا
يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ}.
وقال تعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}
وقال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}.
فمن
جاهد لإعلاء كلمة الله في أي مرتبة من مراتب الجهاد جهاد النفس أو جهاد
الشيطان أو جهاد الكفار أو جهاد المنافقين فهو موعود بالنصر والهداية، وقد
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}
وقال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}
فالنفس الأمارة بالسوء والشيطان والكفار والمنافقون متصفون بالإجرام.
والمؤمنون هم أتباع الأنبياء ينالهم من جنس ما ينال الأنبياء من الابتلاء، وقد جعلهم الله أسوة لنا وأمرنا أن نقتدي بهم.
وقد تكفل الله لأوليائه بالهداية والنصر، فبالهداية يسيرون في الطريق الصحيح، وبالنصر يتغلبون على أعدائهم.
وتقديم الهداية على النصر في الآية من باب تقديم العلم على العمل، لأن الهدايةَ من ثمرات العلم والنصرَ من ثواب العمل.
فتبين
لنا أن الجندية لله تعالى شريفة نبيلة كريمة رحيمة بصيرة منصورة؛ فلا
يحرم فضلَها إلا شقي محروم مخذول مستحق للعذاب، نعوذ بالله من الخذلان.
وهذه الجندية لله تعالى مرتبطة بهذه المسائل الأربع : العلم والعمل والدعوة والصبر.
وهذه
المسائل الأربع ليست أعمالاً يؤديها الإنسان في مدة يسيرة ثم يتركها، بل
هي منهاج حياته ما دام في دار الابتلاء؛ فهو مطالب بها إلى أن يتوفاه الله
عز وجل أو يرتفع عنه التكليف.
فامتثالها ميسر وثوابه عظيم لكنه دائم ما دام تكليف العبد في هذه الحياة الدنيا.
شرح المسألة الأولى وهي العلم
قال رحمه الله: (الأُولى: العِلْمُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلاَمِ بالأَدِلَّةِ).
• المراد بالعلم هنا العلم
الشرعي، وقد عرف العلم الشرعي بأنه معرفة الله ومعرفة نبيه صلى الله عليه
وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.
o وشرح هذا التعريف هو موضوع رسالة ثلاثة الأصول وأدلتها، لأنها هي الأصول الثلاثة المراد تدريسها.
• فمعرفة الله تكون بالإيمان به وعبادته وحده لاشريك له والقيام بحقه جل وعلا، وسبيلها التفكر في آيات الله المتلوة وآياته الكونية.
• روى ابن حبان في صحيحه عن طلحة بن خراش يحدث عن جابر بن عبد الله أن (رجلا قام يركع ركعتي الفجر وقرأ في الركعة الأولى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) حتى انقضت السورة فقال النبي ( هذا عبد عرف ربه ) وقرأ في الآخرة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حتى انقضت السورة فقال النبي ( هذا عبد آمن بربه عز و جل )قال طلحة وأنا أحب أن أقرأ بهاتين السورتين في هاتين الركعتين).
وقال محمد بن نصر المروزي
رحمه الله في كتاب تعظيم قدر الصلاة: (من عرف ربه واعترف به أوجبت معرفته
حبه وهيبته ورجاءه وخوفه، والدليل على ذلك أنه لو أعطى الدنيا كلها على أن
تكفر به أو تكذب عليه ما فعل).
• ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم تكون بالإيمان به واتباع هديه.
• ومعرفة دين الإسلام تكون
بتعلم العلم الشرعي الذي مبناه على آيات الكتاب العزيز وأحاديث النبي صلى
الله عليه وسلم فهي الأدلة على دين الإسلام.
• ولفظ الإسلام يطلق على معانٍ ثلاثة:
o المعنى الأول: الإسلام الكوني العام، ويراد به خضوع جميع المخلوقات لأمر الله الكوني كما في قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا}.
o المعنى الثاني:
الإسلام الشرعي العام وهو دين الأنبياء جميعاً ويراد به توحيد الله تعالى
وإفراده بالعبادة كما جاء في آيات كثيرة عن عدد من الأنبياء أنهم من
المسلمين، وكما في قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} وفي قوله جل وعلا: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا}
o فدين الأنبياء واحد، وشرائعهم شتى.
o المعنى الثالث: الإسلام الشرعي الخاص وهو الشريعة المحكمة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي المرادة في قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}
• قوله: (بدليله): الدليل هو طريق العلم والمرشد إليه.
o والأدلة على قسمين: سمعية وعقلية.
فالأدلة السمعية: هي التي مستندها الثبوت بالنقل الصحيح، وهي أدلة الكتاب والسنة والإجماع.
الأدلة العقلية: هي التي مستند ثبوتها العقل والنظر.
حكم طلب العلم
• العلم الشرعي منه فرض عين وفرض كفاية، ففرض العين هو ما يتأدى به الواجب، قال الإمام أحمد: (يجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه) قيل له: مثل أي شيء؟ قال: (الذي لا يسعه جهله صلاته وصيامه ونحو ذلك).
• فيجب على العبد أن يتعلم ما يؤدي به الواجب ويكف به عن المحرم ويتم به معاملاته على الوجه الذي لا معصية فيه.
• وما زاد على القدر الواجب من العلوم الشرعية فهو فرض كفاية على الأمة.
• قال سفيان بن عيينة: (طلب العلم والجهاد فريضة على جماعتهم ويجزئ فيه بعضهم عن بعض، وتلا هذه الآية {فَلَوْلا
نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِم}).
• قال ابن عبد البر: (قد
أجمع العلماء على أن من العلم ما هو فرض متعين على كل امرئ في خاصته بنفسه،
ومنه ما هو فرض على الكفاية إذا قام به قائم سقط فرضه على أهل ذلك
الموضع).
من فضائل العلم
• فمن طلب العلم ليؤدي به
ما وجب عليه من العبادات الواجبة، فقد أدى الفرض الذي يخصه، ويبقى النظر في
الفرض العام فإن قام به من يكفي وإلا وجب عليه أن يطلب العلم لحاجة الناس
إليه إن كان قادراً على ذلك.
• وطلب العلم له فضائل عظيمة ذكرت لكم بعض أدلته في الدرس السابق، ومن هذه الأدلة قول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
• وعن معاوية رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
• عن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((
مَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ
أصَابَ أرْضاً ؛ فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبةٌ قَبِلَتِ المَاءَ
فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ، وَالعُشْبَ الكَثِيرَ ، وَكَانَ مِنْهَا أجَادِبُ
أمْسَكَتِ المَاءَ ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا مِنْهَا
وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إنَّمَا هِيَ
قِيعَانٌ ؛ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كلأً ، فَذلِكَ مَثَلُ مَنْ
فَقُهَ في دِينِ اللهِ ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ ، فَعَلِمَ
وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأسَاً ، وَلَمْ
يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
وجوب الإخلاص في طلب العلم
o
ومما ينبغي التأكيد عليه بيان وجوب الإخلاص لله تعالى في طلب العلم ، وبيان
الوعيد الشديد لمن طلب العلم رياء وسمعة أو لا يريد به إلا ليصيب عرضاً من
الدنيا
o ففي صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في ذكر أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، وذكر منهم : (رجلاً
تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت
فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت ليقال
عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي
في النار). نعوذ بالله من غضبه وعقابه.
o وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((
مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ لا
يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ
عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ)) يَعْنِي: رِيحَهَا. رواه أَبُو داود بإسناد صحيح
o قال مالك بن دينار: (مَن تعلَّمَ العلمَ لِلعملِ كَسَرَهُ علمُه، وَمَن طَلبهُ لِغيرِ العملِ زادهُ فَخْرًا).
o وقَال مطر الوراق: (خيرُ العلمِ مَا نفع، وإنَّما ينفعُ الله بالعلم مَن عَلِمَهُ ثُمَّ عَمِلَ به، ولا ينفَعُ به مَن عَلِمَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ).
o
ومما يعين على الإخلاص في طلب العلم أن يطلب العبد العلم للعمل به
والاهتداء بهدى الله لينال فضله ورحمته وأن يعظم هدى الله في قلبه ويفرح
بفضل الله ورحمته إذا وجد ما يهتدي به لما ينفعه من خير الدنيا والآخرة .
o
فإن الله لم يحرم عليه شيئاً إلا عوضه خيراً منه، فعوض المخلصين بتركهم طلب
ثناء الناس ثناء الله تعالى عليهم في الملأ الأعلى ووضع القبول له في
الأرض.
o وأين هذا من ذاك.
o
فالإخلاص في طلب العلم يكون بأن يبتغي به وجه الله ليهتدي لمعرفة ما يحبه
الله ويرضاه فيعمله، ويعرف ما يبغضه الله فيجتنبه، ويعرف ما يخبر الله به
فيؤمن به ويصدقه، ويقصد به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره. فإذا فعل ذلك فقد
صلحت نيته في طلب العلم.
فتلخص مما سبق بيانه أن
العلم الشرعي منه فرض عين وفرض كفاية، وأن فضله عظيم، وأن الإخلاص في طلب
العلم واجب، وقد ذكرنا أيضاً المقاصد الصالحة في طلب العلم.
شرح المسألة الثانية: وهي العمل به
عظم شأن العمل بالعلم وفي هذا القدر كفاية.
• والعمل بالعلم شأنه عظيم فثواب العاملين بالعلم ثواب عظيم كريم كما قال الله تعالى: {فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
• وعقوبة تاركي العمل عظيمة شنيعة والقوارع عليهم في الكتاب والسنة شديدة كما قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.
• وقال:
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا
كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ} الآية.
• قال الله تعالى: {وَاتْلُ
عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا
فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا
لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ
هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ
أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا
بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
• وفي الصحيحين من حديث أسامةُ بن زيد رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:((
يُؤتَى بالرجل يوم القيامة فيُلْقى في النار، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ
بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بها كما يدُور الحمار في الرَّحَى، فيجتمع إِليه أَهلُ
النار، فيقولون: يا فُلانُ مالك؟ أَلم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟
فيقول: بلى، كنتُ آمر بالمعروف ولا آتيه، وأَنْهَى عن المنكر وآتيه)).
• في حديث أبي هريرة في أول من تسعر بهم النار أنه يقال لقارئ القرآن: ماذا عملت فيما علمت.
• وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((
لا تزولُ قدَمَا عبد يومَ القيامة حتى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمُره فيما
أفناه؟ وعن عِلْمِهِ ما عمِل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن
جسمه فيما أبلاه؟)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
• عن أبي برزة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل الفتيلة تضيء على الناس وتحرق نفسها)) رواه البزار وصححه الألباني.
اللهم إنا نسألك حسن التعلم وحسن العمل ، ونعوذ بك اللهم من مثل السوء إنك رؤوف رحيم.
• ولأهمية
هذا الأمر أفرده بعض العلماء بالتأليف، فكتب الحافظ ابن عساكر (ت:571هـ)
رسالة (ذم من لا يعمل بعلمه) وألف الخطيب البغدادي (ت:463هـ) كتاب (اقتضاء
العلم العمل)
•
وأفرد له ابن عبد البر فصلاً في جامع بيان العلم وفضله، وقبله الآجري في
أخلاق العلماء، وكذلك ابن رجب في فضل علم السلف على علم الخلف، وابن القيم
في مفتاح دار السعادة، وغيرهم.
حكم العمل بالعلم
• وعند التفصيل في حكم العمل بالعلم نقول : إنه من حيث الأصل واجب، وفي تفصيله أحوال وأحكام .
o فمنه ما تركُه كُفر ومنه ما تركُه معصية ومنه ما تركُه مكروه ومنه ماتركُه مُباح.
o مثال الأول: ترك العمل بالتوحيد، وترك ما يسبب تركه نقض الإسلام كترك الصلاة، وكذلك ترك العمل مطلقاً والإعراض عن دين الله عز وجل فهذا كفر.
o ومثال الثاني: قطيعة الأرحام.
o ومثال الثالث: ترك أمر مستحب كالسواك، فترك فعل المستحبات مكروه.
o ومثال الرابع: ترك ما لا يتعلق بالعمل به ثواب ولا عقاب كترك بعض ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم من الأمور الجبلية.
بيان أن ذم من لا يعمل بعلمه لا يختص بالعلماء
• ومن الخطأ أن يظن أن أحاديث الوعيد في ترك العمل بالعلم خاصة بالعلماء وطلاب العلم.
• بل كل من علم حكماً شرعياً وجب عليه العمل بمقتضاه، واستحق الذم على ترك العمل به إذا تركه.
فأوصي نفسي وإياكم إذا علمنا شيئاً أن نعمل به ولو مرة واحدة، إذا لم يكن فيه وجوب يقتضي تكرار العمل به.
وقد كان هذا من هدي أئمة الدين رحمهم الله تعالى فقد قال الإمام أحمد: ما كتبت حديثاً إلا وقد عملت به.
وقال سفيان الثوري: ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط إلا عملت به ولو مرة واحدة.
وقال عمرو بن قيس: إذا سمعت بالخير فاعمل به ، ولو مرة واحدة.
وعن وكيع والشعبي وإسماعيل بن إبراهيم بن مجمع أنهم قالوا: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به.
فإذا وطن طالب العلم نفسه
على العمل بما يتعلمه من العلم ، ولو مرة واحدة، كان ذلك تدريباً له
وتعويداً على العمل، والنفس إذا عوِّدت على أمر تعودت عليه وسهل عليها،
فتتعود نفسه على العمل ، ويترقى بذلك في مراقي العبودية، ولا يزال العبد
يزداد بذلك من التوفيق والفضل العظيم، ويجد من البركة في حياته وأعماله ما
هو من ثمرات امتثاله واحتسابه في العمل بما تعلم، نسأل الله من فضله.
وقد قال مالك بن دينار رحمه الله: (ما من أعمال البر شيء، إلا ودونه عقيبة، فإن صبر صاحبها، أفضت به إلى رَوح، وإن جزع رجع).
نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى، ومن الزيغ بعد الرشاد، ومن الحور بعد الكور.
ومن أعظم ما يعين على العمل بالعلم أن يربي الإنسان نفسه على اليقين والصبر
ولذلك تجد الإنسان لا يعصي الله تعالى إلا حين يضعف يقينه ويضعف صبره .
ألا ترى أن من كان على يقين بوجود سم في طعام مقدم له لا يتناوله مهما مدح له ذلك الطعام.
فإن اليقين يبصرك بعظيم
العقاب على المعاصي الذي لا يقدم عليه صاحب لب، وعظيم الثواب على الطاعات
الذي لا يفرط فيه إلا مغبون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المنافقين
في شأن صلاتي الفجر والعشاء: (ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) .
فكان ضعف العلم اليقيني بالثواب سبباً في زهدهم فيه.
وكذلك الصبر يعين على امتثال الأمر وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}.
اللهم أصلح قلوبنا
وأعمالنا، وحقق لنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقك وعباد من
عبادك لا حول لنا ولا قوة إلا بك، أنت ربنا الواحد وعبادك سوانا كثير،
نواصينا بيدك، وقلوبنا بين أصبعين من أصابعك، اللهم فأصلحها وأقمها على
الحق والهدى، واغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبتنا بتثبيتك وأنزل
علينا السكينة واملأ قلوبنا حكمة وإيماناً وانصرنا على القوم المفسدين.
(خلاصة الدرس الثاني )
وإن أوتيت فيه طويل باع... وقال الناس إنك قد سبقت
فلا تأمن ســــؤال الله عنه... بتوبيـخ علمت فهل عملت
بيان أن ذم من لا يعمل بعلمه لا يختص بالعلماء · كان من هدي أئمة الدين رحمهم الله الحرص على العمل بالعمل.
· من الخطأ أن يظن أن أحاديث الوعيد في ترك العمل بالعلم خاصة بالعلماء وطلاب العلم.
· كل من علم حكماً شرعياً وجب عليه العمل بمقتضاه، واستحق الذم على ترك العمل به إذا تركه.
هدي السلف في العمل بالعلم
o قال الإمام أحمد:ما كتبت حديثاً إلا وقد عملت به.
o وقال سفيان الثوري: ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط إلا عملت به ولو مرة واحدة.
o وقال عمرو بن قيس السّكوني: إذا سمعت بالخير فاعمل به، ولو مرة واحدة.
o وعن وكيع والشعبي وإسماعيل بن إبراهيم بن مجمع أنهم قالوا: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به.
· إذا وطن طالب العلم نفسه على العمل بما يتعلمه من العلم، ولو مرة واحدة، كان ذلك تدريباً له وتعويداً على العمل.
· النفس
إذا عوِّدت على أمر تعودت عليه وسهل عليها، فتتعود نفسه على العمل،
ويترقى بذلك في مراقي العبودية، ولا يزال العبد يزداد بذلك من التوفيق
والفضل العظيم، ويجد من البركة في حياته وأعماله ما هو من ثمرات امتثاله
واحتسابه في العمل بما تعلم، نسأل الله من فضله.
· قال مالك بن دينار رحمه الله: (ما من أعمال البر شيء، إلا ودونه عقيبة، فإن صبر صاحبها، أفضت به إلى رَوح، وإن جزع رجع).
· أعظم
ما يعين على العمل بالعلم أن يربي الإنسان نفسه على اليقين والصبر،
ولذلك تجد الإنسان لا يعصي الله تعالى إلا حين يضعف يقينه ويضعف صبره.
· اليقين يبصّر صاحبه بعظيم العقاب على المعاصي فلا يقدم عليها صاحب لبّ، ويبصّره بعظيم الثواب على الطاعات فلا يفرط فيها إلا مغبون.
· يدلّ على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم عن المنافقين في شأن صلاتي الفجر والعشاء: (ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً).؛ فكان ضعف العلم اليقيني بالثواب سبباً في زهدهم فيه.