تعريف الكلام
قال ابن آجُرُّوم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن داود الصنهاجي (ت: 723هـ): (الكَلاَمُ هُوَ: اللَّفْظُ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بِالوَضْعِ).
التحفة السنية للشيخ: محمد محيي الدين عبد الحميد
قَالَ المُصَنِّفُ(1):
المتن:
قال ابن آجُرُّوم: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن داود الصنهاجي (ت: 723هـ): (الكَلاَمُ(2) هُوَ اللَّفْظُ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بِالوَضْعِ).
الشرح:
قال الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد (ت: 1392هـ): ( (1) وهُوَ أبُو عبدِ الِلَّهِ بنُ محمَّدِ بنِ داودَ الصَّنْهَاجِيُّ المعروفُ بابنِ آجُرُّوم، المولودُ فِي سنةِ 672 اثنتينِ وسبعينَ وستِّمِائةٍ، والمُتَوفَّى فِي سنةِ 723 ثلاثٍ وعشرينَ وسبعِمِائةٍ من الهجرةِ النّبويَّةِ -رحمَهُ اللَّهُ تعالَى-.
(2) لِـلَفْظِ (الكلامِ) معْنيَانِ:
أحدُهمَا: لُغويٌّ.
والثّانِي: نحويٌّ.
أمَّا الكلاَمُ اللُّغويُّ: فهُوَ عبارةٌ عمَّا تحصُلُ بسببهِ فَائِدَةٌ، سواءٌ أَكانَ لفظاً، أمْ لَمْ يكنْ، كالخطِّ والكتابةِ والإشارةِ.
وأمَّا الكلاَمُ النّحويُّ: فلا بُدَّ مِن أن يجتمعَ فيهِ أربعةُ أمورٍ:
الأوَّلُ: أن يكونَ لفظاً.
والثَّاني: أن يكونَ مركَّباً.
والثَّالثُ: أن يكونَ مفيداً.
والرَّابعُ: أن يكونَ موضوعاً بالوضْعِ العربيِّ.
ومعنَى كَونِهِ لفظاً: أن يكونَ صَوْتاً مشتمِلاً عَلَى بعضِ الحروفِ الهجائيَّةِ التي تبتدئُ بالألفِ وتنتهي بالياءِ.
ومثالُهُ: (أحمَدُ) و(يَكتُبُ) و(سعِيدٌ)؛ فإنَّ كلَّ واحدةٍ مِن هذهِ الكلماتِ الثّلاثِ عنْدَ النّطقِ بهَا تكونُ صَوْتاً مشتمِلاً عَلَى أربعةِ أَحْرُفٍ هجائيّةٍ.
فَالإشَارةُ
مثلاً لا تُسمَّى كلاماً عنْدَ النّحويينَ؛ لعدمِ كونِهَا صوتاً مشتمِلاً
عَلَى بعضِ الحروفِ، وإنْ كَانتْ تُسمَّى عنْدَ اللُّغويينَ كلاماً؛ لحصولِ
الفائدةِ بهَا.
ومعْنَى كونِهِ مُركَّباً: أن يكونَ مؤلَّفاً مِن كلمتينِ أوْ أَكْثَرَ، نحوُ: (مُحَمَّدٌ مُسَافِرٌ) (والعِلْمُ نَافِعٌ) و(يَبْلُغُ المجْتَهِدُ المَجْدَ) و(لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ نَصِيبٌ) و(العِلْمُ خَيْرُ مَا تَسْعَى إِلَيْهِ).
فكلُّ عبارةٍ مِن هذهِ العباراتِ تُسمَّى كلاماً، وكلُّ عبارةٍ منْهَا مؤلَّفةٌ مِن كلمتينِ أوْ أَكْثَرَ،
فالكلمةُ الواحِدةُ لا تُسمَّى كلاماً عنْدَ النّحاةِ إلاَّ إذا انْضَمَّ غيرُهَا إليْهَا: سواءٌ أَكانَ انْضمامُ غيرِهَا إليْهَا:
- حقيقةً، كالأمثلةِ السَّابقةِ.
- أمْ تقديراً، كمَا إذَا قالَ لكَ قائلٌ: (مَنْ أخُوكَ؟) فتقُولُ: (مُحَمَّدٌ)، فهذِهِ الكلمةُ تُعْتَبَرُ كلاماً، لأنَّ التّقديرَ: (مُحَمَّدٌ أخِي)، فهيَ فِي التّقديرِ عبارةٌ مؤلَّفةٌ مِن ثلاثِ كلماتٍ.
ومعْنَى كونِهِ مفيداً: أن يَحْسُنَ سكوتُ المُتكلِّمِ عَلَيْهِ، بحيْثُ لا يبْقَى السَّامعُ منتظِراً لشيءٍ آخَرَ.
فلوْ قلْتَ: (إِذَا حَضَرَ الأُسْتَاذُ) لا يُسمَّى ذلكَ كلاماً، ولوْ أنَّهُ لفظٌ مركَّبٌ مِن ثلاثِ كلماتٍ؛ لأنَّ المُخاطَبَ ينتظِرُ ما تقُولُهُ بعْدَ هذَا، ممَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى حُضورِ الأُستاذِ.
فإذَا قلْتَ: (إِذَا حَضَرَ الأُسْتَاذُ أَنْصَتَ التَّلامِيذُ) صارَ كلاَماً لحصولِ الفائِدةِ.
ومعْنَى كونِهِ موضوعاً بالوضْعِ العربِيِّ: أن تكُونَ الألفاظُ المُستعمَلةُ فِي الكلاَمِ من الألفاظِ التي وَضَعَتْهَا العربُ للدَّلالةِ عَلَى معْنًى من المَعانِي.
مثلاً:(حَضَرَ) كلِمَةٌ وضَعَهَا العربُ لمعْنًى، وهُوَ حصولُ الحضورِ فِي الزَّمانِ الماضِي، وكلِمَةُ (محمَّد) قدْ وضَعَهَا العربُ لمعْنًى، وهُوَ ذاتُ الشّخصِ المُسمَّى بهذَا الاسمِ.
فإذَا قلْتَ: (حَضَرَ مُحَمَّدٌ) تكونُ قد اسْتعمَلْتَ كلمتينِ، كلٌّ منهُمَا ممَّا وضعَهُ العربُ، بخلافِ ما إذَا تكلَّمْتَ بكلامٍ ممَّا وضَعَهُ العجمُ،
كالفُرسِ، والتُّركِ، والبَرْبَرِ، والفرنجِ، فإنَّهُ لا يُسمَّى فِي
عُرفِ علماءِ العربيَّةِ كلاماً، وإنْ سمَّاهُ أهلُ اللغةِ الأخْرَى
كلاماً.
أمثلةٌ للكلامِ المُستوفِي الشُّروط: (الجَوُّ صَحْوٌ)، (البُسْتَانُ مُثْمِرٌ)، (الهِلالُ سَاطِعٌ)، (السَّمَاءُ صَافِيَةٌ)، (يُضِيءُ القَمَرُ لَيْلاً)، (يَنْجَحُ المُجْتَهِدُ)، (لا يُفْلِحُ الكَسُولُ)، (لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ)، (مُحَمَّدٌ صَفْوَةُ المُرْسَلِينَ)، (اللهُ رَبُّنَا)، (مُحَمَّدٌ نَبِيُّنَا).
أمثْلِةٌ لِلَّفظِ المُفردِ: (محمَّدٌ)، (علِيٌّ)، (إبراهيمُ)، (قامَ)، (مِنْ).
أمثْلِةٌ للمركَّب غيرِ المُفيدِ: (مَدِينَةُ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ)، (عَبْدُ اللَّهِ)، (حَضْرَمَوْتُ)، (لوْ أَنْصَفَ النَّاسُ)، (إِذا جَاءَ الشِّتاءُ)، (مَهْمَا أَخْفَى المُرَائِي)، (إنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ).
حاشية الآجرومية للشيخ: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم
المتن:
قال ابن آجُرُّوم: أبو
عبد الله محمد بن عبد الله بن داود الصنهاجي (ت: 723هـ): (الكَلاَمُ: هُوَ اللَّفْظُ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بِالوَضْعِ). (1)
الشرح:
قال الشيخ عبد الرحمن بن
محمد بن قاسم العاصمي (ت: 1392هـ): ( (1) بدأ المصنِّفُ بالكلامِ: لأنَّهُ المقصودُ بالذَّاتِ، ولأنَّهُ الَّذي يقعُ به التَّفاهمُ، والتَّخاطبُ.
والكلامُ في اللغة: هو: ما تكلَّمَ به الإنسانُ، قليلاً كانَ أو كثيرًا، مفيدًا أو غيرَ مفيدٍ.
وفي اصطلاحِ النَّحويِّينَ: هو: ما جمعَ القيودَ الأربعةَ، الَّتي ذكرَهَا المصنِّفُ.
وأحدُهَا:اللفظُ:وهوفي اللغة: الطَّرحُ والرَّميُ، يُقالُ: أكلْتُ الثَّمرةَ، ولفظْتُ النّواةَ.
وفي الاصطلاحِ: هو: الصَّوتُ المشتملُ على بعضِ الحروفِ الهجائيَّةِ، الَّتي أوَّلُهَا الألفُ، وآخرُهَا الياءُ، كزيدٍ.فخرجَ بذلك: الكتابةُ، والرُّموزُ، والإشارةُ، ولو مفهومةً.
والثَّاني:المركَّبُ: والتَّركيبُ في اللغةِ: وضعُ شيءٍ على شيءٍ، يُرادُ به الثّبوتُ أو عدمُهُ.
وفي الاصطلاحِ: ما تركَّبَ من كلمتين، فصاعدًا، كـ(زيدٌ قائمٌ). فخرجَ: ما كانَ ملفوظًا به غيرَ مركَّبٍ، كـ(زيدٌ).
والثَّالثُ:المفيدُ: والفائدةُ لغةً: ما استفادَهُ الإنسانُ من علمٍ، أو مالٍ، أو جاهٍ، أو غيرِ ذلك.
واصطلاحًا: ما أفادَ فائدةً، يحسنُ سكوتُ المتكلِّمِ عليها، بحيثُ لا يصيرُ السَّامعُ منتظرًا لشيءٍ آخرَ، كـ(قامَ زيدٌ).فخرجَ: ما كانَ لفظًا مركّبًا، ولم يُفِدْ، كـ(غلامِ زيدٍ).
والرَّابعُ:الوضعُ، يعني العربيّ.والوضعُ لغةً: الإسقاطُ، من قولِهِم: وَضَعْتُ الدَّيْنَ عن فلانٍ، إذا أسقطْتُهُ.
واصطلاحًا: جعْلُ اللفظِ دليلاً على المعنى، كوضعِ (زيدٍ) على الذَّاتِ المشخَّصةِ مثلاً. وخرجَ بالوضعِ العربيِّ: ما ليس بعربيٍّ، ككلامِ الأعاجمِ.
وقيل: معنى الوضعِ: القصدُ، وهو: قصدُ المتكلِّمِ إفهامَ السَّامعِ.
فيخرجُ
كلامُ النَّائمِ، والسَّكرانِ، ومن تكلَّمَ ولم يردْ إفهامَ أحدٍ، ويدخلُ
فيه: كلامُ البربرِ، وغيرِهِم، والصَّحيحُ: الأوَّلُ).
حاشية الآجرومية للشيخ: عبد الله العشماوي الأزهري
المتن:
قال ابن آجُرُّوم: أبو
عبد الله محمد بن عبد الله بن داود الصنهاجي (ت: 723هـ): (الكَلاَمُ(1): هُوَ اللَّفْظُ(2) المُرَكَّبُ(3) المُفِيدُ(4) بِالوَضْعِ(5) ).
الشرح:
قال الشيخ عبد الله العشماوي الأزهري: ( (1) قوله: (الكلامُ) بدأ به المصنّفُ:
- لأنَّه المقصودُ بالذَّاتِ.
-ولأنّه
الّذي يقعُ به التّفاهمُ والتَّخاطبُ بخلافِ الكلمةِ، وإنّما صدَّرَ بها
بعضُ النحاةِ نظراً إلى كونها جزءًا، والجزءُ مقدمٌ على الكلِّ طبعاً
فقدّمَ وضعاً.
والكلامُ -بفتح الكافِ- لغةً: كلُّ ما أفادَ من كتابةٍ أو إشارةٍ أو عقدٍ أو نصبٍ أو لسانِ حالٍ.
واصطلاحاً: ما تركّبَ من كلمتين وأفادَ كـ(زيدٌ قائمٌ)، فإنه تركّبَ من كلمتين:
الأولى:زيدٌ.
والثانيةُ:قائمٌ.
وأفادَ ثبوتَ القيامِ لزيدٍ.
والكُلامُ - بالضمِّ- الأرضُ الصَّعبةُ.
والكِلامُ -بكسرِ الكافِ-: الجراحاتُ، يُقالُ: فلانٌ به كِلامٌ، أي: جراحاتٌ.
والكَلامُ عند الفقهاءِ:كلُّ ما أبطلَ الصَّلاةَ من حرفٍ مفهمٍ كـ(قِ) من الوقايةِ، و(عِ) من الوعايةِ، أو حرفين وإن لم يُفهِما كـ(لم).
وعند المتكلِّمين: عبارةٌ عن المعنى القديمِ القائمِ بذاتِه تعالى*.
وعند الأصوليِّين:هو اللفظُ المنزلُ على محمّدٍ -صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ- للإعجازِ بأقصرِ سورةٍ منه، المتعبَّدُ بتلاوته.
(2) قوله: (اللفظُ) جنسٌ في التعريفِ.
وقد اشتملَ التعريفُ على أربعةِ أمورٍ:
الأولُ:اللفظُ.
والثَّاني:التَّركيبُ.
والثَّالثُ: الإفادةُ.
والرَّابعُ:الوضعُ.
فخرج باللفظِ خمسةُ أمورٍ:
- الكتابةُ.
-والإشارةُ.
-والنَّصبُ.
-والعقدُ.
-ولسانُ الحالِ.
فإنَّها ليست كلاماً عند النّحاةِ.
وخرجَ بالمركّبِ شيئان:
-المفردُ: كزيدٍ وعمرو وبكرٍ وخالد.
-والأعدادُ المسرودةُ: كواحدٍ، اثنان، ثلاثةٍ إلخ.
وخرجَ بالمفيدِ: غيرُ المفيدِ.وهو أربعةُ أشياءٍ:
-المركّبُ الإضافيُّ، كعبدِ اللهِ، أي: قبلَ جعله علَماً، وأمّا بعد جعلِهِ علَماً فهو مفردٌ.
-والمركَّبُ المزجيُّ،كبعلبكَّ.
-والتقييديُّ كالحيوانِ الناطقِ.
-والإسناديُّ، كقولك: (إن قامَ زيدٌ)، فإنّها لا تسمّى كلاماً لعدمِ الإفادةِ.
وخرجَ بالوضعِ:-يعني العربيَّ- كلامُ التُّركِ والتّكرورِ وكلامُ الهنودِ مما ليسَ بعربيٍّ. ويدخلُ كلامُ النَّائمِ والسّاهي والمجنونِ ومن جرى على لسانِه مالا يقصدُه، فهذا التَّقييدُ للإدخالِ والإخراجِ.
ويصحُّ أن يُفسَّرَ الوضعُ بالقصدِ، فيدخلُ كلامُ التُّركِ والتّكرورِ ونحوِه، فإنَّه يُسمَّى كلاماً؛ لوجودِ القصدِ فيه. ويخرجُ كلامُ السَّاهي وكلامُ النّائمِ، ومن جرى على لسانِه ما لا يقصدُه، ومحاكاةُ بعضِ الطيورِ فإنَّها لا تُسمّى كلاماً؛ لأنّها ليست مقصودةً.
وهذا الخلافُ مبنيٌّ على خلافٍ آخرَ، وهو أنَّ دلالةَ الكلامِ وضعيّةٌ، بمعنى أنَّ الواضعَ وضعَ (زيدٌ قائمٌ) ليدلَّ على ثبوتِ القيامِ لزيدٍ، أو عقليّةٌ بمعنى أنَّ ثبوتَ القيامِ فُهِمَ من العقلِ. فإن قلنا بالأوَّلِ وهو أنَّ دلالةَ الكلامِ وضعيّةٌ: فيُفسَّرُ الوضعُ بالوضعِ العربيِّ.
وإن قلنا بالثَّاني وهو أنَّ دلالةَ الكلامِ عقليّةٌ: فيُفسَّرُ الوضعُ بالقصدِ.
والحقُّ الأوّلُ، وهو أنَّ دلالةَ الكلامِ وضعيّةٌ، وأنَّ المرادَ بالوضعِ الوضعُ العربيُّ.
واللفظُ له معنيان: معنى لغةً، ومعنى اصطلاحاً.
أمّا معناه لغةً:فهو الطّرحُ والرَّميُ، تقولُ: (لفَظَتِ الرّحى الدّقيقَ)، و(لفظَ فلانٌ النّواةَ إذا رماها).
واصطلاحاً: هو الصّوت المشتملُ على بعضِ الحروفِ الهجائيَّةِ الَّتي أوَّلُها الألفُ وآخرُها الياءُ.
مثاله: (زيدٌ)، فإنَّه لفظٌ؛ لأنَّه صوتٌ مشتملٌ على بعضِ الحروفِ، وهي الزايُ والياءُ والدّالُ.
(3) قوله: (المركَّبُ) مأخوذٌ من التَّركيبِ:
وهو لغةً:وضعُ شيءٍ على شيءٍ، سواءً كان على جهةِ الثُّبوتِ أم لا؛ فكلُّ بناءٍ تركيبٌ ولا عكسَ، وسواءً كان بينهما مناسبةٌ أو لا، بخلافِ التَّأليفِ، فإنّه وضعُ شيءٍ على شيءٍ بينهما مناسبةٌ، فبينهما العمومُ والخصوصُ المطلقُ، فكلُّ تأليفٍ تركيبٌ ولا عكسَ.
(4) قوله: (المفيدُ) مأخوذٌ من الفيدِ، وهو استحداثُ المالِ والخيرِ.
واصطلاحاً: ما يكونُ الشّيءُ به أحسنَ حالاً منه بغيرِهِ.
(5) قوله: (بالوضعِ)
معناه لغةً:الولادةُ، تقول: وضعت المرأةُ إذا ولدت.
ويُطلقُ على الإسقاطِ، تقول: وضعتُ الدَّينَ عن فلانٍ أي: أسقطتُه عنه.
ويُطلقُ على الحطِّ، ومنه: وضعتُ الدَّينَ عن فلانٍ بمعنى حططته عنه.
واصطلاحاً: جعلُ اللفظِ دليلاً على المعنى كوضعِ زيدٍ على الذَّاتِ المشخّصةِ مثلاً.وإنَّما اختارَ اللفظَ على القولِ مع أنَّ القولَ جنسٌ قريبٌ، لأنَّ القولَ يطلقُ على الرأيِ والاعتقادِ، كما تقولُ: قال الشافعيُّ كذا بمعنى اعتقدَه ورآهُ حقًّا).
شرح الآجرومية للشيخ: حسن بن علي الكفراوي
قال الشيخ حسن بن علي الكفراوي الأزهري الشافعي (ت: 1202هـ): ( (الكلامُ) مُبْتَدأٌ مَرْفوعٌ بالابْتِداءِ، وَعَلامةُ رفْعِه ضمَّةٌ ظاهِرةٌ في آخِرِه.
(هو) ضميرُ فَصْلٍ علَى الأَصَحِّ لاَ مَحَلَّ لَهُ مِن الإعْرَابِ.
(اللَّفْظُ) خبَرُ المبتدأِ مَرفوعٌ بالمبتدأِ، وَعَلامةُ رفْعِه ضمَّةٌ ظاهِرةٌ في آخِرِه.
(المرَكَّبُ) نعتٌ للفظِ، ونعتُ المرفوعِ مرفوعٌ، وَعَلامةُ رفْعِه ضمَّةٌ ظاهِرةٌ في آخِرِه.
(المفيدُ) نعتٌ للمُرَكَّبِ، ونعتُ المرفوعِ مرفوعٌ، وَعَلامةُ رفْعِه ضمَّةٌ ظاهِرةٌ في آخِرِه.
(بالوضْعِ)
الباءُ: حرفُ جرٍّ، والوضْعُ: مجرورٌ بالباءِ، وعلامةُ جرِّه كسرةٌ
ظاهِرَةٌ في آخِرِه، والجارُّ والمجرورُ مُتَعَلِّقٌ بالمفيدِ، يعني: أنَّ
تعريفَ الكلامِ عندَ النَّحْوِيِّينَ هو: اللفظُ الْمُرَكَّبُ، إلَى
آخِرِه.
ومعنَى (اللفظِ) لغةً: الطرْحُ والرمْيُ، يقالُ: لَفَظْتُ كذا بمعنَى رَمَيْتُه.
واصْطِلاحًا:الصوتُ المشتَمِلُ علَى بعضِ الحروفِ الْهِجائيَّةِ كـزيدٍ؛ فإنه صوتٌ اشْتَمَلَ علَى: الزايِ، والياءِ، والدالِ.
فخَرَجَ
باللفظِ: الإشارةُ، والكتابةُ، والعَقْدُ، والنصْبُ، ونحوُها؛ فلا
تُسَمَّى كلاماً عندَ النُّحاةِ وإنْ كانتْ تُسَمَّى كلامًا لغةً.
و(المرَكَّبُ) ما تَرَكَّبَ مِن كلمتينِ فأَكْثَرَ، كـ قامَ زيدٌ وعبدُ اللهِ.
وخَرَجَ بالمرَكَّبِ الْمُفْرَدُ كـ زيدٍ، فلا يُقالُ له أيضًا كلامٌ عندَ النُّحاةِ.
و(المفيدُ)
ما أفادَ فائدةً تامَّةً يَحْسُنُ السكوتُ مِن المتكلِّمِ عليها كـ قامَ
زيدٌ، وزيدٌ قائمٌ؛ فإنَّ كُلاًّ منهما أفادَ فائدةً تامَّةً يَحْسُنُ
سكوتُ المتكلِّمِ عليها، وهي الإخبارُ بقيامِ زيدٍ.
وخَرَجَ بالمفيدِ غيرُه كـ: عبدُ اللهِ وحيوانٌ ناطقٌ وإنْ قامَ زيدٌ؛ لأنها لا تُفيدُ.
وقولُه: (بالوضعِ)
أي: العربيِّ، وهو جَعْلُ اللفظِ دَليلاً علَى المعنَى، كـ زيدٍ؛ فإنه
لفظٌ عربيٌّ جَعَلَتْه العربُ دَالاًّ علَى معنًى، وهو ذاتٌ وُضِعَ عليها
لفظُ زيدٍ.
وخَرَجَ
بالوضعِ العربيِّ كلامُ العَجَمِ: كالتُّرْكِ والبَرْبَرِ، فلا يقالُ له
كلامٌ عندَ النُّحاةِ، مِثالُ ما اجْتَمَعَ فيه القُيودُ المذكورةُ: قامَ
زيدٌ وزيدٌ قائمٌ.
وإعرابُ الأوَّلِ: قامَ:فِعْلٌ ماضٍ مَبْنِيٌّ علَى الفتحِ.وزيدٌ:فاعلٌ وهو مرفوعٌ، وَعَلامةُ رفْعِه ضمَّةٌ ظاهِرةٌ في آخِرِه.
وإعرابُ الثاني: زيدٌ: مبتدأٌ مرفوعٌ بالابتداءِ، وَعَلامةُ رفْعِه ضمَّةٌ ظاهِرةٌ في آخِرِه. وقائمٌ:خَبَرُه.فـ قامَ زيدٌ وزيدٌ قائمٌ: كلٌّ منهما كلامٌ عندَ النُّحاةِ؛ فإنه:لفظٌ - أي: صوتٌ - مُشْتَمِلٌ علَى بعضِ الحروفِ الْهِجائيَّةِ.
مُرَكَّبٌ: لتَرَكُّبِه من كلمتينِ:
الأُولَى:قامَ أو زيدٌ.
والثانيةُ:زيدٌ أو قائمٌ.
مُفيدٌ: لأنه أفادَ فائدةً يَحْسُنُ سكوتُ المتكلِّمِ عليها؛ وهي الإخبارُ بقِيامِ زيدٍ.
موضوعٌ: لأنه لفظٌ عربيٌّ جُعِلَ دَالاًّ علَى المعنَى. فخَرَجَ بقولِنا: عندَ النَّحْوِيِّينَ:
-
الكلامُ عندَ اللُّغَوِيِّينَ، فهو عندَهم: كلُّ قولٍ مُفْرَدٍ كـ زيدٍ، أو
مُرَكَّبٍ كـ قامَ زيدٌ، أو ما حَصَلَ به الإفهامُ مِن إشارةٍ وكتابةٍ
وعَقْدٍ ونَصْبٍ ونحوِها.
-
وخَرَجَ الكلامُ عندَ الفقهاءِ، فهو عندَهم: ما أَبْطَلَ الصلاةَ مِن حرفٍ
مُفْهِمٍ كـقِ وعِ، أو حرفين وإن لم يُفْهِمَا كـمِن وعن.
-
وخَرَجَ الكلامُ عندَ المتكلِّمينَ - أَعْنِي: عُلماءَ التوحيدِ - فهو
عندَهم عِبارةٌ عن: المعنَى القائمِ بذاتِ اللهِ تعالَى، الخالي عن الحرفِ
والصوتِ).
شرح الآجرومية للدكتور: محمد بن خالد الفاضل (مفرغ)
القارئ: (الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، قال المصنف -رحمه الله -:
أنواع الكلام: (الكلام هو: اللفظ المركب المفيد بالوضع).
قال الدكتور محمد بن خالد الفاضل: (يقول: (الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع) مراده بذلك -بلا شك- هو في اصطلاح النحويين، وإلا فإن الكلام له تعريفات أخرى في الاصطلاحات الأخرى، نحن نقف عند الاصطلاح النحوي،
وهو أن الكلام هو: (اللفظ المركب المفيد بالوضع). علم النحو إنما جاء لخدمة الكلام العربي، طبعاً علم النحو في اللغة العربية، علم النحو في اللغات الأخرى إنما هو يخدم هذه اللغات.
نحن
نتحدث والعلماء إنما يتحدثون عن علم النحو في اللغة العربية، علم النحو في
اللغة العربية إنما جاء لخدمة هذا الكلام وبيان أحواله من إعراب وتركيب
ونحو ذلك.والنحو-عادة- كلمة إذا أطلقت فإنها تشمل علم الصرف -أيضاً.
فالكلام في اصطلاح النحويين هو: اللفظ المركب المفيد بالوضع.
إذاً: لا بد للكلام في اصطلاح النحويين من هذه القيود:
-أن يكون لفظاً.
-وأن يكون مركباً.
-وأن يكون مفيداً.
والمراد باللفظ هو: ما يُتلفظ به، فأي شيء حصلت لك منه الفائدة دون أن يخرج من اللسان ومن الفم ودون أن يتلفظ به فإنه لا يسمى كلاماً. فالإشارة تفيد،وتحقق المعنى، وتحقق الغرض، لكنها لا تسمى كلاماً.والإيماء بالرأس أو بأي حركة أخرى يفيد -أيضاً- لكنه لا يسمى كلاماً.فلكي يكون الكلام كلاماً، لابد أن يكون ملفوظاً به.ولابد أن يكون مركباً.
والمراد بالتركيب -هنا- هو: التركيب الإسنادي، الذي يحصل فيه إسناد لفظ إلى لفظ.
فلو كان مركباً لكنه تركيب إضافي، فإنه لا يسمى كلاماً في اصطلاح النحاة.
فالأعلام والأسماء المركبة مثل: (عبد الله، وعبد الرحمن) وما إلى ذلك، المركبة التركيب الإضافي، أو الأعلام المركبة تركيباً مزجياً كـ (سيبويه) و(بعلبك) ونحو ذلك، إذا وقفت عندها بهذا فإنها لا تسمى كلاماً.
فلابد إذاً من التركيب الإسنادي الذي يسند فيه اسم إلى اسم، أو اسم إلى فعل، أو نحو ذلك من أنواع الإسناد.
ولابد لهذا التركيب أن يتحقق معه الفائدة، فالتركيب لا بد أن يكون من كلمتين على الأقل فأكثر، ولابد أن يتحقق منه فائدة.
فإذا قلت: (محمد قائمٌ) فإنه يكون عندنا -الآن- لفظ، وعندنا تركيب، وعندنا فائدة:
-فلو حصل اللفظ فقط: لم يسم كلاماً.
-ولو حصل التركيب فقط دون الفائدة: فإنه -أيضاً- لا يسمى كلاماً،وإن كان مركباً من كلمتين أو ثلاث كلمات أو أربع كلمات.
فأنت حينما تقول -مثلاً- (إذا طلعت الشمس) ثم تقف عند هذا لا يسمى كلاماً وإن كان مركباً من ثلاث كلمات؛ لأنه لم تحصل به الفائدة؛ لأنك حينما تقول: (إذا طلعت الشمس) فإن السامع ما زال مستشرفاً ومترقباً لشيء تحصل به هذه الفائدة، أي: ما الذي سيحصل إذا طلعت الشمس؟
فلابد إذاً مع التركيب من أن يكون مفيداً بالوضع.
مفيداً بالوضع:أي: أنه بوضعه بالنسبة لهذه اللغة العربية، أي: أن تكون هذه الكلمات وضعت في اللغة العربية لتحقق مثل هذا الشيء ولتدل عليه.
فالكلام إذاً لابد فيه من هذه القيود الثلاثة وهي:
-اللفظ.
- والتركيب.
- والفائدة.
فلو تحقق واحد منها أو تحقق اثنان فإنه لا يسمى كلاماً، بل لابد من اجتماع هذه الثلاثة).
العناصر
معاني (الكلام):
سبب بدء المؤلف بالحديث عن الكلام
المعنى الأول: (الكلام) عند أهل اللغة: كل ما أفاد من كتابة أو إشارة أو عقد أو نصب أو لسان حال.
تعريف آخر (للكلام) عند أهل اللغة: ما تكلم به الإنسان قليلاً كان أو كثيراً، مفيداً أو غير مفيد.
فائدة: (الكُلام) بالضم: الأرض الصعبة، و(الكِلام) بالكسر: الجِرَاحات.
المعنى الثاني: (الكلام) عند النحاة: اللفظ المركب المفيد بالوضع.
قيود (الكلام) عند النحاة:
القيد الأول: أن يكون لفظاً.
معنى كونه لفظاً: أي يتلفظ به باللسان.
بيان معنى (اللفظ)
تعريف (اللفظ) لغة: الطرح والرمي.
تعريف (اللفظ) اصطلاحاً: الصوت المشتمل على بعض الحروف الهجائية.
سبب تفضيل كلمة (اللفظ) على كلمة (القول)
القيد الثاني: أن يكون مركباً
معنى كونه مركباً: أي تركيباً إسنادياً مفيداً.
بيان معنى (التركيب):
تعريف (التركيب) لغة: وضع الشيء على شيء، يراد به الثبوت أو عدمه.
تعريف (التركيب) اصطلاحاً: ما تركب من كلمتين فصاعداً. كـ(زيد قائم).
القيد الثالث: أن يكون مفيداً.
معنى كونه مفيداً: أي تحصل به الفائدة، ويحسن السكوت عليه.
بيان معنى (الفائدة):
تعريف (الفائدة) لغة: ما استفاده الإنسان من علم أو مال أو جاه أو غير ذلك.
تعريف (الفائدة) اصطلاحاً: ما أفاد فائدة، يحسن سكوت المتكلم عليها، بحيث لا يصير السامع منتظراً لشيء آخر، كـ(قام زيد).
القيد الرابع: أن يكون موضوعاً بالوضع العربي.
معنى كونه موضوعاً بالوضع العربي: أي موضوعاً في اللغة العربية ليحصل منه الفائدة المقصودة به.
بيان معنى (الوضع):
تعريف (الوضع) لغة: الإسقاط، ومنه: وضعت الدين عن فلان، إذا أسقطته.
(الوضع) في الاصطلاح:
التعريف الأول للوضع: جعل اللفظ دليلاً على المعنى، كـ(زيد) على الذات المشخصة. (وهو الراجح)
التعريف الثاني للوضع: القصد، وهو قصد المتكلم إفهام السامع.
مثال (الكلام) المستوفي للشروط: (السماء صافية) (ينجح المجتهد) (الله ربنا) (لا إله إلا الله)
مثال (الكلام) غير المستوفي للشروط:
اللفظ المفرد غير المركب: (إبراهيم)، (قام)، (مِنْ).
اللفظ المركب غير المفيد: (مدينة الإسكندرية)، (حضرموت)، (إذا جاء الشتاء).
المعنى الثالث: (الكلام) عند الفقهاء: ما أبطل الصلاة من حرف مفهمٍ كـ(قِ)، أو حرفين وإن لم يفهما كـ(من).
المعنى الرابع: (الكلام) عند الأصوليين: هو القرآن الكريم خاصة.
المعنى الخامس: المعنى القائم بذات الله تعالى على مذهب المتكلمين من الأشاعرة والكلابية، وهو مذهب باطل.
فائدة: عقيدة أهل السنة والجماعة في كلام الله تعالى:
كلام الله تعالى بحرف وصوت، وهو موافق للمعنى اللغوي.
الأسْئلَةٌ
س1: مَا هُوَ الكلاَمُ؟
س2: مَا معْنَى كونِهِ لفظاً؟
س2: مَا معْنَى كونِهِ مُفيداً؟
س3: مَا معْنَى كونِهِ مُركَّباً؟
س4: مَا معْنَى كونِهِ موضوعاً بالوضْعِ العربيِّ؟
س5: مَثِّلْ بخمسةِ أمثْلِةٍ لِما يُسمَّى عنْدَ النّحاةِ كَلاماً.
س6: مَا هُوَ الاسمُ؟
س7: مَثِّلْ للاسمِ بعشْرةِ أمثلةٍ.
س8: مَا هُوَ الفِعْلُ؟
س9: إلَى كَمْ قسْمٍ ينقسمُ الفِعْلُ؟
س10: مَا هُوَ المضارعُ؟
س11: مَا هُوَ الأمرُ؟
س12: مَا هُوَ الماضِي؟
س13: مَثِّلْ للفعلِ بعشرةِ أمثلةٍ.
س14: مَا هُوَ الحرفُ؟
س15: مثِّلْ للْحَرْفِ بعشرةِ أمثلةٍ.