الدروس
course cover
تفسير سورة الكافرون
24 Oct 2008
24 Oct 2008

5614

0

0

course cover
تفسير جزء عمّ

القسم الثامن

تفسير سورة الكافرون
24 Oct 2008
24 Oct 2008

24 Oct 2008

5614

0

0


0

0

0

0

0

سورة الكافرون
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}

هيئة الإشراف

#2

24 Oct 2008


(1-6){بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (3) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (4) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (5) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (6) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (7)} أي: قلْ للكافرينَ معلناً ومصرّحاً {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} أي: تبرَّأ ممَا كانوا يعبدونَ منْ دونِ اللهِ، ظاهراً وباطناً.

{وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} لعدمِ إخلاصكمْ للهِ في عبادتهِ، فعبادتكمْ لهُ المقترنةُ بالشركِ لا تسمى عبادةً، ثمَّ كرَّرَ ذلكَ ليدلَّ الأولُ على عدمِ وجودِ الفعلِ، والثاني على أنَّ ذلكَ قدْ صارَ وصفاً لازماً.
ولهذا ميَّزَ بينَ الفريقينِ، وفصلَ بينَ الطائفتينِ، فقالَ: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} كمَا قالَ تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}{أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}.

هيئة الإشراف

#3

24 Oct 2008

سُورَةُ الْكَافِرُونَ

ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بهذهِ السُّورَةِ وَبِـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فِي رَكْعَتَيِ الطوافِ، وَفِي رَكْعَتَي الفَجْرِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ المغربِ، وَأَوْتَرَ بِـ "سَبِّحْ",و{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.
1، 2 - {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْبُدَ آلِهَتَهُمْ سَنَةً وَيَعْبُدُوا إِلَهَهُ سَنَةً، فَأَمَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: {لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}؛ أَيْ: لا أَفْعَلُ مَا تَطْلُبُونَ مِنِّي مِنْ عِبَادَةِ مَا تَعْبُدُونَ من الأصنامِ؛أَيْ: لَسْتُ الآنَ أَعْبُدُ آلِهَتَكُمْ.
3- {وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}؛ أَيْ: وَلَسْتُمْ أَنْتُمْ مَا دُمْتُمْ عَلَى شِرْكِكُمْ وَكُفْرِكُمْ عَابِدِينَ اللَّهَ الَّذِي أَعْبُدُهُ.
4- {وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ}؛ أَيْ: فِي مُسْتَقْبَلِ أَيَّامِي وَمَا يَأْتِي مِنْ عُمُرِي، لَنْ أَعْبُدَ شَيْئاً منْ آلِهَتِكُم الَّتِي تَعْبُدُونَهَا.
5- {وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}؛ أَيْ: لَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ فِي مُسْتَقْبَلِ أَيَّامِكُمْ مَا دُمْتُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَعِبَادَتِكُمْ للأصنامِ؛ فَإِنَّ عِبَادَةَ الْكَافِرِ بِاللَّهِ والمُشْرِكِ بِهِ مَرْفُوضَةٌ، لا يُعْتَدُّ بِهَا.
وَقِيلَ: فِي الآيَاتِ تَكرارٌ، والغرضُ التأكيدُ؛ لقطعِ أطماعِ الْكُفَّارِ عَنْ أَنْ يُجِيبَهُم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا سَأَلُوهُ منْ عِبَادَتِهِ آلِهَتَهُمْ.
6- {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}؛ أَيْ: إِنْ رَضِيتُمْ بِدِينِكُمْ فَقَدْ رَضِيتُ بِدِينِي، وَإِنَّ دِينَكُمُ الَّذِي هُوَ الإشراكُ لَكُمْ لا يَتَجَاوَزُكُمْ إِلَيَّ، وَدِينِي الَّذِي هُوَ التَّوْحِيدُ مَقْصُورٌ عَلَيَّ، لا يَتَجَاوَزُنِي إِلَى الحصولِ لَكُمْ.

هيئة الإشراف

#4

24 Oct 2008

المتن :

سورةُ الكافِرون

حُكِيَ في سببِ نزولها:

أنَّ قريشاً طلبت من الرسولِ صلى الله عليه وسلم أن يعبُدَ أصنامَهم سَنة، وهم يعبدونَ إلهَهُ سَنة، فأنزلَ الله هذه السورة براءةً من الكافرين وعبادتِهم.
وكان صلى الله عليه وسلم يقرأُ هذه السورة في الركعة الثانية من الشفع، وفي الركعة الأولى من سُنَّة الطواف وسُنَّة الفجر، ووردَ عنه صلى الله عليه وسلم أنها تعدِلُ رُبعَ القرآن.
1- 6قولُه تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
يأمرُ اللهُ نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم أنْ يوجِّهَ الخِطاب لكلِّ الكافرين، ما داموا على الكُفر(1)، ويُخبرَهم أنَّه لا يعبدُ معبوداتِهم لا في حَاضِرِهِ ولا في مُسْتَقْبَلِهِ، وهو قوله: {لا أَعْبُدُ} ولا في مَاضِيه(2)، وهو قوله: {وَلا أَنَا عَابِدٌ} كما أنهم هُم لا يعبدونَ إلهه أبداً ما داموا على الكفر، وهو قوله عنهم في الموضِعَين: {وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}(3).
ثمَّ ختمَ الآيات بتأكيد المُفاصَلةِ والبراءَةِ من مِلَّتِهم وشَرْعِهم، فقال: لكم ما تعتقدونَه من المِلَّةِ الكافِرةِ، وليَ ما أعتقِدُه من توحيدِ الله سبحانه، فلا يمكنُ أن نلتقي أبداً(4)، والله أعلم.



الحاشية :
(1)انظر: (دقائق التفسير 6: 327) فقد نصَّ على أن الخطابَ موجَّهٌ للكفَّار ما داموا على الكفر، وإن أسلموا بعد ذلك خرجوا عن هذا الخطاب، وهذا يزيلُ إشكالاً وقعَ لبعضِ المفسِّرين المتأخِّرين من أن هذا العمومَ مخرومٌ بإيمانِ من آمنَ منهم بعد هذا الخطاب؛ كأبي سفيان، وغيره، والله أعلم.
(2)وقع خلاف بين العلماء في سبب تَكرار هاتين الجُملتين، واختِلاف صيغتِهما، وهو كلامٌ يطولُ ذِكره، فاختصرتُ منه ما اختارَه شيخ الإسلام (انظر: (دقائق التفسير) 6: 315 وما بعدها).
وقد سبقَ الحديث على (ما) التي تكرَّرت في الآيات الأربعِ عند قوله تعالى: {وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا} ، وغيرها
(3)يلاحظُ أن قوله تعالى: {وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} جاء في الموضعين جملةً اسميةً للدلالةِ على ثبوتهم في هذا الكُفر، وأن نفسَ نفوسِهِمُ الخبيثةَ الكافرةَ بريئةٌ من عبادة إلهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنهم لا يعبدونَ الله ما داموا على الكفر. (انظر: (دقائق التفسير) 6/328).
(4) أطال ابنُ القيم في تفسير هذه الآيات، (انظر: (بدائع الفوائد) 133-247).

هيئة الإشراف

#5

24 Oct 2008

القارئ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}
الشيخ:
يأمر الله -جل وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول للكافرين المتصفين بهذا الوصف حالة كفرهم: {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} وهذا خطاب للكافرين المتصفين بصفة الكفر، ولهذا ما جاء فيه يا أيها الأشخاص أو يا أيها النفر؛ لأن الحكم متعلق بالوصف.
{لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}أي: لا أعبد في الحاضر ولا في المستقبل ما تعبدونه أنتم في الحاضر أو المستقبل؛ لأن كليهما فعل مضارع، والفعل المضارع يدل على الحال والاستقبال.
{وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}أي: لستم عابدين ما أعبد في الحال أو المستقبل.
{وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ}أي: ولا أنا عابد في الحال ولا في المستقبل ما عبدتم في الماضي.
{وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}في جميع الأحوال.
وهذه السورة يبين الله -جل وعلا- فيها أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- لن يعبد إلههم الذي يعبدونه حال كفرهم، كما أنهم لن يعبدوا إله النبي -صلى الله عليه وسلم- حال كفرهم؛ لأنهم لو آمنوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- لعبدوا إلهه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يستحيل أن يعبد آلهتهم؛ لأنه لا يعبد إلا الله وحده.
وهذا قضاء على ما عرضه المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يعبدوا إلهه سنة وأن يعبد آلهتهم سنة، فأمره ربه جل وعلا، وأنزل عليه هذا الوحي، بأن يقول لهم ذلك، لكن إذا آمنوا فقد انتفى عنهم وصف الكفر، فعندئذٍ يعبد النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يعبدون، وهم يعبدون ما يعبد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما وهم موصوفون بوصف الكفر الذي في صدر السورة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعبد ما يعبدون، وهم لا يعبدون ما يعبد النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قرر الله -جل وعلا- ذلك على سبيل التهديد: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}أي: أنتم لكم دينكم الذي تتبعونه وتدينون به، وأنا لي ديني الذي أتبعه وهو دين الله جل وعلا، وهذا خرج مخرج التهديد لهم كقوله -جل وعلا-: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} وهذا ليس راجعاً إلى مشيئتهم واختيارهم، بأنهم إن شاؤوا آمنوا، وإن شاؤوا كفروا، وإنما خرج مخرج التهديد، ولهذا قال الله -جل وعلا-: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}.
وهذه السورة جاءت كما أُمر خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- بأن يقول ذلك للمشركين: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)} ونبينا -صلى الله عليه وسلم- تابع للخليل -عليه السلام- وأصل دين الأنبياء واحد، فهم في العقيدة سواء، ولهذا قال الله -جل وعلا-: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ}.

هيئة الإشراف

#6

12 Feb 2009

تفسير سورة الكافرون
سبب نزول سورة الكافرون
من فضائل سورة الكافرون
تفسير قوله تعالى: ( قل يا أيها الكافرون )
تفسير قوله تعالى: ( لا أعبد ما تعبدون )
تفسير قوله تعالى: ( ولا أنتم عابدون ما أعبد )
تفسير قوله تعالى: ( ولا أنا عابد ما عبدتم )
تفسير قوله تعالى: ( ولا أنتم عابدون ما أعبد )
تفسير قوله تعالى: ( لكم دينكم ولي دين )
المواضع التي يسن أن تقرأ فيها سورة الكافرون.

هيئة الإشراف

#7

12 Feb 2009

الأسئلة

سورة الكافرون
س1: بين سبب نزول هذه السورة الكريمة.
س2: ما هو موضوع هذه السورة العظيمة؟
س3: اذكر المواضع التي يسن فيها قراءة هذه السورة.
س4: اذكر فضل هذه السورة.
س5: فسر هذه السورة تفسيراً إجمالياً مبيناً ما تضمَّنته من فوائد سلوكية دعوية مهمة.
س6: ما معنى (ما) في قوله تعالى: {وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}؟
س7: اذكر الأقوال في فائدة التكرار في قوله تعالى: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} مع بيان القول الراجح.
س8: زعم بعض أهل العلم أن هذه السورة منسوخة بآيات الجهاد، ما توجيه قولهم، وكيف ترد عليهم؟

س9: كيف تستدل على عدم وجودِ تكرار في القرآن الكريم لا فائدة فيه؟

هيئة الإشراف

#8

10 Apr 2014

تفسير ابن كثير



قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة الكافرون وهي مكّيّةٌ.

ثبت في صحيح مسلمٍ، عن جابرٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ بهذه السّورة وبـ {قل هو اللّه أحدٌ} في ركعتي الطّواف.

وفي صحيح مسلمٍ من حديث أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ بهما في ركعتي الفجر، وقال الإمام أحمد: حدّثنا وكيعٌ، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قرأ في الرّكعتين قبل الفجر والرّكعتين بعد المغرب بضعاً وعشرين مرّةً، أو بضع عشرة مرّةً: {قل يا أيّها الكافرون}، و{قل هو اللّه أحدٌ}.

وقال أحمد أيضاً: حدّثنا محمد بن عبد اللّه بن الزّبير، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر قال: رمقت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أربعاً وعشرين أو خمسةً وعشرين مرّةً، يقرأ في الرّكعتين قبل الفجر والرّكعتين بعد المغرب بـ {قل يا أيّها الكافرون}، و{قل هو اللّه أحدٌ}.

وقال أحمد: حدّثنا أبو أحمد، هو محمد بن عبد اللّه بن الزّبير الزّبيريّ، حدّثنا سفيان، هو الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر قال: رمقت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شهراً، وكان يقرأ في الرّكعتين قبل الفجر: {قل يا أيّها الكافرون}، و{قل هو اللّه أحدٌ}.

وكذا رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث أبي أحمد الزّبيريّ، وأخرجه النّسائيّ من وجهٍ آخر عن أبي إسحاق به، وقال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ.

وقد تقدّم في الحديث أنّها تعدل ربع القرآن، {وإذا زلزلت} تعدل ربع القرآن.

وقال الإمام أحمد: حدّثنا هاشم بن القاسم، حدّثنا زهيرٌ، حدّثنا أبو إسحاق، عن فروة بن نوفلٍ -هو ابن معاوية- عن أبيه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال له: ((هل لك في ربيبةٍ لنا تكفلها؟)). قال: أراها زينب، قال: ثمّ جاء فسأله النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عنها، قال: ((ما فعلت الجارية)). قال: تركتها عند أمّها. قال: ((فمجيء ما جاء بك)). قال: جئت لتعلّمني شيئاً أقوله عند منامي. قال: ((اقرأ: {قل يا أيّها الكافرون}. ثمّ نم على خاتمتها؛ فإنّها براءةٌ من الشّرك)). تفرّد به أحمد.

وقال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن عمرٍو القطرانيّ، حدّثنا محمد بن الطّفيل، حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن جبلة بن حارثة، وهو أخو زيد بن حارثة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((إذا أويت إلى فراشك فاقرأ: {قل يا أيّها الكافرون} حتّى تمرّ بآخرها؛ فإنّها براءةٌ من الشّرك)).

وقال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاجٌ، حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن فروة بن نوفلٍ، عن الحارث بن جبلة قال: قلت: يا رسول اللّه، علّمني شيئاً أقوله عند منامي. قال: ((إذا أخذت مضجعك من اللّيل فاقرأ: {قل يا أيّها الكافرون}؛ فإنّها براءةٌ من الشّرك)).

وروى الطّبرانيّ من طريق شريكٍ، عن جابرٍ، عن معقل الزّبيديّ، عن عبّاد بن أخضر أو أحمر، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أخذ مضجعه قرأ: {قل يا أيّها الكافرون} حتّى يختمها.

هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرةٌ بالإخلاص فيه؛ فقوله: {قل يا أيّها الكافرون}. شمل كلّ كافرٍ على وجه الأرض، ولكن المواجهون بهذا الخطاب هم كفّار قريشٍ.

وقيل: إنّهم من جهلهم دعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عبادة أوثانهم سنةً، ويعبدون معبوده سنةً؛ فأنزل اللّه هذه السّورة.

وأمر رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم فيها أن يتبرّأ من دينهم بالكلّيّة؛ فقال: {لا أعبد ما تعبدون}. يعني: من الأصنام والأنداد.

{ولا أنتم عابدون ما أعبد}. وهو اللّه وحده، لا شريك له.

فـ"ما" ههنا بمعنى "من"، ثمّ قال: {ولا أنا عابدٌ ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد}. أي: ولا أعبد عبادتكم، أي: لا أسلكها ولا أقتدي بها، وإنّما أعبد اللّه على الوجه الذي يحبّه ويرضاه.

ولهذا قال: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}. أي: لا تقتدون بأوامر اللّه وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم؛ كما قال: {إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربّهم الهدى}. فتبرّأ منهم في جميع ما هم فيه؛ فإنّ العابد لابدّ له من معبودٍ يعبده وعبادةٍ يسلكها إليه.

فالرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأتباعه يعبدون اللّه بما شرعه، ولهذا كان كلمة الإسلام: لا إله إلاّ اللّه محمّدٌ رسول اللّه، أي: لا معبود إلاّ اللّه، ولا طريق إليه إلاّ ما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، والمشركون يعبدون غير اللّه عبادةً لم يأذن بها اللّه؛ ولهذا قال لهم الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم: {لكم دينكم ولي دين}.

كما قال تعالى: {وإن كذّبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون ممّا أعمل وأنا بريءٌ ممّا تعملون}.

وقال: {لنا أعمالنا ولكم أعمالكم}.

وقال البخاريّ:

يقال: {لكم دينكم} الكفر، {ولي دين} الإسلام، ولم يقل: ديني؛ لأنّ الآيات بالنّون، فحذف الياء كما قال {فهو يهدين}، و{يشفين}.

وقال غيره: {لا أعبد ما تعبدون} الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري، {ولا أنتم عابدون ما أعبد}. وهم الذين قالوا: {وليزيدنّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً}. انتهى ما ذكره.

ونقل ابن جريرٍ عن بعض أهل العربيّة أنّ ذلك من باب التأكيد؛ كقوله: {فإنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسراً}. وكقوله: {لترونّ الجحيم ثمّ لترونّها عين اليقين}. وحكاه بعضهم -كابن الجوزيّ وغيره- عن ابن قتيبة، فاللّه أعلم. فهذه ثلاثة أقوالٍ؛ أوّلها ما ذكرناه أوّلاً

الثاني: ما حكاه البخاريّ وغيره من المفسّرين أنّ المراد: {لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد} في الماضي، {ولا أنا عابدٌ ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد} في المستقبل.

الثالث: أنّ ذلك تأكيدٌ محضٌ.

وثمّ قولٌ رابعٌ نصره أبو العبّاس ابن تيميّة في بعض كتبه، وهو أنّ المراد بقوله: {لا أعبد ما تعبدون}. نفي الفعل؛ لأنّها جملةٌ فعليّةٌ.

{ولا أنا عابدٌ ما عبدتم}. نفي قبوله لذلك بالكلّيّة؛ لأنّ النّفي بالجملة الاسميّة آكدٌ، فكأنّه نفى الفعل وكونه قابلاً لذلك، ومعناه: نفي الوقوع ونفي الإمكان الشّرعيّ أيضاً، وهو قولٌ حسنٌ أيضاً، واللّه أعلم.

وقد استدلّ الإمام أبو عبد اللّه الشّافعيّ وغيره بهذه الآية الكريمة {لكم دينكم ولي دين} على أنّ الكفر كلّه ملّةٌ واحدةٌ، فورث اليهود من النّصارى وبالعكس، إذا كان بينهما نسبٌ أو سببٌ يتوارث به؛ لأنّ الأديان ماعدا الإسلام كلّها كالشّيء الواحد في البطلان، وذهب أحمد بن حنبلٍ ومن وافقه إلى عدم توريث النّصارى من اليهود وبالعكس؛ لحديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((لا يتوارث أهل ملّتين شتّى)).

آخر تفسير سورة: {قل يا أيّها الكافرون}، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/506-508]