24 Oct 2008
سورةُ الماعون
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{أَرَأَيْتَ
الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ
(2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ
لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}
تفسيرُ سورةِ الماعونِ
يقولُ تعالى ذامّاً لمنْ تركَ حقوقهُ وحقوقَ عبادهِ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} أي: بالبعثِ والجزاءِ، فلا يؤمنُ بمَا جاءتْ بهِ الرسلُ. فهؤلاءِ - لشدّةِ حرصهمْ - يمنعونَ الماعونَ، فكيفَ بمَا هوَ أكثرُ منهُ. وفي هذهِ السورةِ:
(1-7){بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ
(1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ
الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن
صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ وَيَمْنَعُونَ
الْمَاعُونَ (6)}
{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}أي: يدفعهُ بعنفٍ وشدةٍ، ولا يرحمهُ لقساوةِ قلبهِ، ولأنَّهُ لا يرجو ثواباً، ولا يخشى عقاباً.
{وَلا يَحُضُّ} غيرهُ {عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} ومن بابِ أولى أنَّهُ بنفسهِ لا يطعمُ المسكينَ.
{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} أي: الملتزمينَ لإقامةِ الصلاةِ، ولكنهمْ {عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أي: مضيعونَ لهَا، تاركونَ لوقتهَا، مفوتونَ لأركانهَا،
وهذا لعدمِ اهتمامهم بأمرِ اللهِ حيث ضيَّعوا الصلاةَ، التي هي أهمُّ
الطاعاتِ وأفضلُ القرباتِ، والسهوُ عنِ الصلاةِ هوَ الذي يستحقُّ صاحبهُ
الذمَّ واللومَ، وأمَّا السهوُ في الصلاةِ، فهذا يقعُ منْ كلِّ أحد، حتى
منَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
ولهذا وصفَ اللهُ هؤلاءِ بالرياءِ والقسوةِ وعدمِ الرحمةِ فقالَ: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} أي: يعملونَ الأعمالَ لأجلِ رئاءِ الناسِ.
{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} أي: يمنعونَ إعطاءَ الشيءِ، الذي لا يضرُّ إعطاؤهُ على وجهِ العاريةِ،أو الهبةِ، كالإناءِ، والدلوِ، والفأسِ، ونحو ذلكَ، مما جرت العادةُ ببذلهَا والسماحةِ بهِ.
-الحثُّ على إكرامِ اليتيمِ، والمساكينِ، والتحضيضِ على ذلكَ، ومراعاةِ الصلاةِ، والمحافظةِ عليهَا، وعلى الإخلاصِ في جميعِ الأعمالِ.
- والحثُّ على بذلِ الأمورِ الخفيفةِ،
كعاريةِ الإناءِ والدلو والكتابِ، ونحو ذلكَ، لأنَّ اللهَ ذمَّ منْ لمْ
يفعلْ ذلكَ، واللهُ سبحانهُ وتعالى أعلمُ بالصوابِ، والحمدُ للهِ ربِّ
العالمينَ.
سُورَةُ الْمَاعُونِ
وَيُقَالُ: سُورَةُ الدِّينِ
1- {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}؛ أَيْ: أَأَبْصَرْتَ المُكَذِّبَ بالحسابِ وَالْجَزَاءِ؟
2- {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ}؛
أَيْ: فَإِنْ تَأَمَّلْتَهُ أَوْ طَلَبْتَهُ فَهُوَ ذَلِكَ الَّذِي
يَدْفَعُ اليَتِيمَ عَنْ حَقِّهِ دَفْعاً شَدِيداً، وَقَدْ كَانَ عربُ
الجاهِلِيَّةِ لا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ والصِّبْيَانَ.
3- {وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}؛ أَيْ: لا يَحُضُّ نَفْسَهُ وَلا أَهْلَهُ وَلا غَيْرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ؛ بُخْلاً بِالْمَالِ.
4- {فَوَيْلٌ} يَوْمَئِذٍ {لِلْمُصَلِّينَ}
5- {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ}
سَاهُونَ؛ أَيْ: غَافِلُونَ عَنْهَا غَيْرُ مُبَالِينَ بِهَا، لا
يَرْجُونَ بِصَلاَتِهِمْ ثَوَاباً إِنْ صَلَّوْا، وَلا يَخَافُونَ
عَلَيْهَا عِقَاباً إِنْ تَرَكُوا.
فَهُمْ عَنْهَا غَافِلُونَ
حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا، وَإِذَا كَانُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ صَلَّوْا
رِيَاءً، وَإِذَا لَمْ يَكُونُوا مَعَهُمْ لَمْ يُصَلُّوا.
6- {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ}؛
أَيْ: يُرَاؤُونَ النَّاسَ بِصَلاتِهِمْ إِنْ صَلَّوْا أَوْ يُرَاؤُونَ
النَّاسَ بِكُلِّ مَا عَمِلُوهُ منْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لِيُثْنُوا
عَلَيْهِمْ.
7- {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}
المَاعُونُ: اسْمٌ لِمَا يَتَعَاوَرُهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ مِنَ
الدَّلْوِ والفَأْسِ وَالْقِدْرِ، وَمَا لا يُمْنَعُ كالماءِ والمِلْحِ،
وَقِيلَ: الْمَاعُونُ هُوَ الزَّكَاةُ؛أَيْ: يَمْنَعُونَ زَكَاةَ
أَمْوَالِهِمْ.
المتن :
سورةُ الماعون
1- 3قولُه تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أي: أرأيتَ الذي لا يُصدِّق بالجزاءِ من الثواب والعِقاب(1) ؟، الذي من صفتِه أنه يدفعُ ويظلمُ الطِّفْلَ الذي ماتَ أبوه وهو دونَ سنِّ البلوغ، فلا يُعطيه حَقَّهُ(2)، ولا يحثُّ نفسَه ولا غيرَه على إطعامِ المحتاجِ الذي قد بلغ من المَسْكنَةِ مَبْلَغاً عظيماً(3).4- 7 قولُه تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} يتوعَّدُ
ربُّنا المصلِّينَ الذين يَلهونَ عن الصلاة فيؤخِّرونها عن وقتِها، أو
يتركونها أحياناً فلا يصلُّونها(4)، أولئكَ المصلِّين الذين يقومونَ
بأعمالِهم ليراهم الناس، وهمُ المنافقون(5)، الذين لا يعطونَ الناس ولا
يُعينونَهم بشيء: لا بزكاةٍ ولا بغيرِها من المنافعِ التي يُنْتَفَعُ بها؛
كالقِدْرِ، والفأسِ، والدَّلْوِ، وغيرِها(6).
الحاشية :
(1)وردَ عن ابن عباس من طريق العوفي تفسير (الدِّين) فقال: (الذي يكذِّب بحكم الله عزَّ وجل) وقد سبقَ التعليقُ على هذا التفسير عند قوله تعالى: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)}
(2)وردت عبارات عن السلف فيها بيانُ معنى دَعِّ اليتيم.
الأولى:تفسير لفظي لمعنى (يدعُّ) وهو: يدفعُ اليتيم، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق العوفي، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وسفيان الثوري من طريق مهران.
والثانية:بيانٌ للمعنى،وهو: يظلمُه ويقهرُه، ورد ذلك عن قتادة من طريق سعيد ومعمر، والضحَّاك من طريق عبيد.
وهذا اختلاف تنوُّع؛ لأنَّ
التفسيرَ فيهما يؤول إلى معنىً واحد، فالأوَّلونَ عبَّروا عن المعنى
اللغوي، والآخِرون عبَّروا عن المعنى المراد به في السياق، والله أعلم.
(3)يلاحظُ ورود هذه الأوصافِ في المجتمع الكافر، وقد وردت في ثلاثِ سُوَرٍ من هذا الجزء، وهي سورةُ الفجر، وسورةُ البلد، وهذه السورة، كما ورد حثُّ النبي صلى الله عليه وسلم على الرفق باليتيم وعدم ردِّ السائل المسكين في سورة الضحى.
(4)اختلفَ السلفُ في هذا الوصفِ على أقوال:
الأول:الذين يؤخِّرونها عن وقتها، فلا يصلُّون إلا بعدَه، وهو قولُ سعد بن أبي وقاص من طريق ابنه مصعب، وابن عباس من طريق أبي جمرة الضبعي نصر بن عمران، وابن أبزَى من طريق جعفر، ومسروق من طريق أبي الضحى مسلم بن صبيح.
الثاني:يتركونَها فلا يصلُّونَها، وردَ ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق معمر، وابن زيد.
قال الطبري: (وأَوْلى الأقوال في ذلك عندي بالصواب بقوله: {سَاهُونَ}لاهونَ
يتغافَلونَ عنها، وفي اللهوِ عنها والتشاغُلِ بغيرها تضييعها أحياناً،
وتضييع وقتها أخرى، وإذا كان ذلك كذلك، صحَّ بذلك قول من قال: عنَى بذلك
ترك وقتها، وقول من قال: عنَى به تركَها، لما ذكرت من أن في السَّهْوِ عنها
المعاني التي ذُكرت).
ومن ثمَّ، فالخلاف يرجع إلى أكثر من معنى،وهما
معنيان، وكِلاهما محتمَل؛ لأنَّ الذي إن صلاَّها، لا يصلِّيها إلاَّ
رياءً، فهو من المنافقين كما ورد عن جمع من السلف، وهذا الصنف أقرب أن يكون
هو المَعْنِيُّ بالآية؛ للأوصاف السابقة اللاحقة، ويكون المتهاوِنُ بوقتها
السَّاهي عنها لتركِه إيَّاها في الوقت داخِلاً في حُكم المنافقين، فأشبه
المنافقين في تهاونِه بالصلاة، والله أعلم.
(5) ورد ذلك عن علي من طريق مجاهد، وابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، والضحاك من طريق عبيد، وابن زيد.
(6) أصلُ الماعونِ من كلِّ شيءٍ منفعتُه، ويكون المعنى: يمنعونَ الناسَ منافعَ ما عندهم، وهذا هو العموم في معنى اللفظ: والوارد عن السلف في تفسيرهم أمثلة لهذا العموم، ومنها:
الأول: الماعون: الزكاة، وهي منفعةُ المالِ الواجبة، وبه قال علي بن أبي طالب من طريق مجاهد وأبي صالح، وابن عمر من طريق مجاهد وأبي المغيرة، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وسعيد بن جبير من طريق حسَّان بن مخارق، وقتادة من طريق سعيد، والحسن من طريق سعيد ومحمد بن عقبة ومبارك، والضحاك من طريق عبيد وسلمة، وابن زيد، ومحمد بن الحنفية.
الثاني:الماعون: عاريَّةُ المتاعِ من الدلوِ والقِدْرِ ونحو ذلك، ورد ذلك عن عبد الله بن مسعود من طريق أبي العبيدين وسعد بن عياض والحارث بن سويد ومالك بن الحارث وإبراهيم النخعي وأبي وائل، وابن عباس من طريق سعيد بن جبير ومجاهد وعلي بن أبي طلحة والعوفي، وسعيد بن جبير من طريق حبيب بن أبي ثابت، وأبي مالك غزوان الغفاري من طريق حصين، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح.
وورد عن محمد بن كعب من طريق محمد بن رفاعة: ( الماعون المعروف) وهو يدخلُ في الذي قبلَه إلا إن أرادَ التخصيص.
كما وردَ عن سعيد بن المسيب والزهري: (أن الماعونَ بلسانِ قريش المال)، وهذا يمكن أن يدخل في القول الأول، غير أن مرادَهم أن هذه الدلالة اللغوية كانت عند قريش دون غيرهم من العرب.
قال الطبري: (وأولى
الأقوال في ذلك عندنا بالصواب - إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبلُ، وكان
الله قد أخبرَ عن هؤلاء القومِ، وأنهم يمنعونَه الناس، خبراً عامّاً من غير
أن يَخُصَّ من ذلك شيئاً - أن يقال: إنَّ الله وصفَهُم بأنهم يمنعونَ
الناسَ ما يتعاورونه بينهم، ويمنعونَ أهل الحاجةِ والمسْكَنةِ ما أوجبَ
الله لهم في أموالهم من الحقوق؛ لأن كل ذلك من المنافعِ التي ينتفعُ بها
الناسُ بعضُهم من بعض).
القارئ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{أَرَأَيْتَ
الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ
(2) وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ
(4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ
يُرَاؤُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} الشيخ: وبعض العلماء ذكرأن هذه السورة في المنافقين؛ لأنها تماثل ما ذكره الله -جل وعلا- عنهم في قوله في هذه السورة: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (6)} قال: هذه تماثل ما ذكر الله -جل وعلا- عنهم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الله -جل وعلا-: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}
أي: أخبرني عن الذي يكذب بالدين ما حاله وما شأنه؟ ثم بين الله-جل وعلا-
حاله؛ لأن هذا الاستفهام لم يرد الله -جل وعلا- به الاستخبار؛ لأن الله -جل
وعلا- أعلم بحاله ووصفه، فلهذا بين الله -جل وعلا- صفته؛ فقال سبحانه
وتعالى: {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} لأن من صفة الذي يكذب بيوم الدين أنه يدع اليتيم؛ بمعنى: أنه يدفعه دفعاً شديداً ويقهره فيتسلط عليه إما في بدنه وإما في ماله.
{وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}
وهذه
صفة أخرى، فهذا الذي يكذب بيوم الدين لا يحث غيره على إطعام المسكين، فهو
في نفسه لا يطعم، وكذلك لا يحض غيره على الإطعام؛ لأن العادة قاضية بأن
الذي يحض على الإطعام هو الذي يباشر الإطعام بنفسه قبل ذلك، وهذان الوصفان
ذكرهما الله -جل وعلا- كثيراً عن المكذبين بيوم الدين: {كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}.
فهاتان الصفتان متعلقتان بالذي يكذب بيوم الدين،وإنما
صنع ذلك؛ لأنه يكذب بيوم الجزاء والحساب، فلا يعتقد أن هناك يوماً يرد
إليه فيجازيه الله -جل وعلا- على سيئاته، أو يجزيه على حسناته، يجازيه على
السيئات إن أساء إلى هذا اليتيم، أو ترك الإطعام والحض عليه، وكذلك هو لا
يرجو ثواب بر اليتيم، ولا ثواب التحاض على طعام المسكين؛ لأنه لا يظن أن
هناك يوماً يعيد الله -جل وعلا- فيه العباد ليكافئهم ويجازيهم على أعمالهم.
قال الله -جل وعلا-:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} أي: الذين هم عن صلاتهم غافلون بتضييعها؛ كما قال الله -جل وعلا- في الآية الأخرى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} أو أن هؤلاء المصلين: {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ}
كانوا من المنافقين؛ لأنهم لا يفعلون الصلاة إلا رياءً وحفظاً لدمائهم،
ولا يفعلونها لله جل وعلا، فهم عن صلاتهم معرضون يؤدونها في ظاهرها خوفاً
من المؤمنين، أو يضيعونها في أوقاتها الأخرى، أولا يؤدون الصلاة كما شرعها
الله جل وعلا، وهذه كلها صفات للمنافقين، وهذه الآية مثل قول الله -جل
وعلا-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ
اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا
كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
وأما الذي يسهو في صلاته فليس بداخل في هذه الآية؛
لأن هناك سهواً عن الصلاة وسهواً في الصلاة، فما كان في الصلاة فهذا يقع
من المؤمن من البر والفاجر، وقد وقع من أزكى البشر صلى الله عليه وسلم، وقد
سهى عليه الصلاة والسلام، ونقل عنه في خمسة أحاديث صحيحة، والسهو في
الصلاة كما ذكر بعض العلماء لا يلزم منه أن يكون الإنسان غافلاً عنها؛ لأنه
قد يسهو في صلاته بسبب صلاته، فقد يطيل القراءة تعبداً لله فينسى كم صلى
من ركعة، وقد يناجي ربه -جل وعلا- ويتضرع بين يديه، ويقدم حاجته لله -جل
جلاله- بإلحاح شديد فيغفل عن عدد الركعات.
ولهذا قال بعض العلماء:
(لا
يلزم من السهو في الصلاة أن يكون الإنسان غافلاً عنها، بل قد يسهو في
الصلاة لكونه مشتغلاً بهذه الصلاة) وعلى هذا حمل بعض العلماء سهو النبي
-صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، وبعضهم حمل سهوه -صلى الله عليه وسلم- على
أن الله -جل وعلا- أراد أن يشرع لهذه الأمة، ويبين لها الحكم إذا سهوا في
صلاتهم، فأراد أن يسهو نبيه -صلى الله عليه وسلم- ليشرع للأمة، ويبين لهم
أحكام هذا السهو.
ثم قال -جل وعلا-: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} أي: يراؤون في عبادتهم،
فيفعلونها رئاء الناس، لا يرجون برَّها ولا ثوابها من عند الله جل وعلا،
وإنما يصنعونها ليراهم الخلق، فلهذا إذا راؤوا بها في الدنيا راءى الله -جل
وعلا- بهم في الآخرة.
ثم قال -جل وعلا-:{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} يعني: أنهم يبخلون بما عندهم، حتى الماعون وهو: الشيء القليل؛
لأنه مأخوذ من المعن وهو الشيء القليل حتى الشيء القليل يبخلون به، وقد
مثله بعض السلف بالفأس ونحوه؛ لأن هذه أشياء قليلة، فإذا بخل بالشيء القليل
فمن باب أولى أن يبخل بالشيء الكثير.
وقد ذكر بعض العلماء أن هذه السورة إذا اجتمعت هذه الأوصاف في عبد فإنه لا يكون إلا منافقاً، وقد يكون في المسلم بعضها، لكن لا تجتمع هذه الأوصاف فيه.
-في قوله: {إِنَّ
الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا
إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ
اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}.
-وفي قوله -جل وعلا-: {وَمَا
مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ
كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ
كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}.
تفسير سورة الماعون
من أسماء سورة الماعون
قال بعض العلماء هذه السورة في المنافقين
تفسير قول الله تعالى : ( أرأيت الذي يكذب بالدين )
تفسير قول الله تعالى : ( فذلك الذي يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين)
أقوال السلف في معنى دعِّ اليتيم
تفسير قول الله تعالى : (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون )
أقوال السلف في تفسير قوله تعالى: (الذين هم عن صلاتهم ساهون)
الفرق بين السهو في الصلاة والسهو عن الصلاة
لا يلزم من السهو في الصلاة أن يكون الإنسان غافلا عنها، وكيف يحمل سهو رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته ؟
تفسير قول الله تعالى : ( الذين هم يراؤون ، ويمنعون الماعون )
بيان معنى (الماعون)
الأمثلة الواردة عن السلف في تفسير (الماعون)
ما تضمنته سورة الماعون من التوجيهات الكريمة
الأسئلة
سورة الماعون
س1: بين معاني الكلمات التالية: يدعُّ، يحضُّ، ويلٌ، ساهون، الماعون
س2: فسر السورة الكريمة تفسيراً إجمالياً.
س3: اذكر الفوائد السلوكية التي استفدتها من دراستك لهذه السورة.
س4: اذكر أقوال المفسرين في معنى (الدين) في قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} مع الترجيح.
س5: الإيمان بالبعث والجزاء يحمل صاحبه على فعل الخير وصنائع المعروف،تحدث بإيجاز عن هذه الحقيقة في ضوء ما درست.
س6: اختلف السلف في تفسير قول الله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} على أقوال، اذكرها مع الترجيح.
س7: تحدث باختصار عن خطر الرياء.
س8: اختلف المفسرون في بيان معنى قوله تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}على أقوال اذكرها مع الترجيح.
س9: ما الفرق بين السهو عن الصلاة والسهو في الصلاة؟
س10: من محاسن الدين الإسلامي أنه دين الرحمة والإحسان، تكلم باختصار عن هذه الميزة في ضوء دراستك لهذه السورة الكريمة.
تفسير ابن كثير
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة الماعونوهي مكّيّةٌ. {أرأيت} يا محمّد، {الّذي يكذّب بالدّين}: وهو المعاد والجزاء والثواب. {فذلك الّذي يدعّ اليتيم}. أي: هو الذي يقهر اليتيم، ويظلمه حقّه، ولا يطعمه، ولا يحسن إليه. {ولا
يحضّ على طعام المسكين}. كما قال تعالى: {كلاّ بل لا تكرمون اليتيم ولا
تحاضّون على طعام المسكين}. يعني: الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده
وكفايته. ثم
قال: {فويلٌ للمصلّين الّذين هم عن صلاتهم ساهون}. قال ابن عبّاسٍ وغيره:
يعني المنافقين الذين يصلّون في العلانية، ولا يصلّون في السّرّ؛ ولهذا
قال: {للمصلّين}. أي: الذين هم من أهل الصلاة، وقد التزموا بها ثم هم عنها
ساهون؛ إمّا عن فعلها بالكلّيّة كما قاله ابن عبّاسٍ، وإمّا عن فعلها في
الوقت المقدّر لها شرعاً، فيخرجها عن وقتها بالكلّيّة، كما قاله مسروقٌ
وأبو الضّحى.
وقال عطاء بن دينارٍ: الحمد للّه الذي قال: {عن صلاتهم ساهون}. ولم يقل:
في صلاتهم ساهون. وإمّا عن وقتها الأول، فيؤخّرونها إلى آخره دائماً أو
غالباً، وإمّا عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به، وإمّا عن
الخشوع فيها والتّدبّر لمعانيها، فاللّفظ يشمل هذا كلّه.
ولكلّ من اتّصف بشيءٍ من ذلك قسطٌ من هذه الآية، ومن اتّصف بجميع ذلك فقد
تمّ نصيبه منها وكمل له النّفاق العمليّ، كما ثبت في الصحيحين أنّ رسول
اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق،
تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب قرص الشّمس، حتّى إذا كانت بين قرني الشّيطان
قام فنقر أربعاً، لا يذكر اللّه فيها إلاّ قليلاً)).
فهذه آخر صلاة العصر التي هي الوسطى، كما ثبت به النصّ إلى آخر وقتها، وهو
وقت كراهةٍ، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئنّ، ولا خشع فيها
أيضاً؛ ولهذا قال: ((لا يذكر اللّه فيها إلاّ قليلاً)).
ولعلّه إنّما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه اللّه،
فهو إذن لم يصلّ بالكلّيّة، قال تعالى: {إنّ المنافقين يخادعون اللّه وهو
خادعهم وإذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراؤون النّاس ولا يذكرون اللّه
إلاّ قليلاً}. وقال ههنا: {الّذين هم يراؤون}.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا يحيى بن عبد اللّه بن عبدويه البغداديّ، حدّثني
أبي، حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، عن يونس، عن الحسن، عن ابن عبّاسٍ، عن
النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((إنّ في جهنّم لوادياً، تستعيذ جهنّم
من ذلك الوادي في كلّ يومٍ أربعمائة مرّةٍ، أعدّ ذلك الوادي للمرائين من
أمّة محمّدٍ؛ لحامل كتاب اللّه، وللمصّدّق في غير ذات اللّه، وللحاجّ إلى
بيت اللّه، وللخارج في سبيل اللّه)).
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة قال:
كنّا جلوساً عند أبي عبيدة، فذكروا الرّياء؛ فقال رجلٌ يكنّى بأبي يزيد:
سمعت عبد اللّه بن عمرٍو يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((من
سمّع النّاس بعمله سمّع اللّه به سامع خلقه وحقّره وصغّره)).
ورواه أيضاً عن غندرٍ ويحيى القطّان، عن شعبة بن عمرو بن مرّة، عن رجلٍ،
عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره.
وممّا يتعلّق بقوله تعالى: {الّذين هم يراؤون}. أنّ من عمل عملاً للّه
فأطلع عليه الناس فأعجبه ذلك أنّ هذا لا يعدّ رياءً، والدليل على ذلك ما
رواه الحافظ أبو يعلى الموصليّ في مسنده:
حدّثنا هارون بن معروفٍ، حدّثنا مخلد بن يزيد، حدّثنا سعيد بن بشيرٍ،
حدّثنا الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: كنت أصلّي، فدخل عليّ رجلٌ
فأعجبني ذلك، فذكرت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فقال: ((كتب لك
أجران: أجر السّرّ، وأجر العلانية)).
قال أبو عليٍّ هارون بن معروفٍ: بلغني أنّ ابن المبارك قال: نعم الحديث
للمرائين. وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، وسعيد بن بشيرٍ متوسّطٌ، وروايته
عن الأعمش عزيزةٌ، وقد رواه غيره عنه.
قال أبو يعلى أيضاً: حدّثنا محمد بن المثنّى بن موسى، حدّثنا أبو داود،
حدّثنا أبو سنانٍ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال:
قال رجلٌ: يا رسول اللّه، الرّجل يعمل العمل يسرّه فإذا اطّلع عليه أعجبه،
قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((له أجران: أجر السّرّ، وأجر
العلانية)).
وقد رواه التّرمذيّ عن محمد بن المثنّى، وابن ماجه عن بندارٍ، كلاهما عن
أبي داود الطّيالسيّ، عن أبي سنانٍ الشّيبانيّ، واسمه ضرار بن مرّة، ثم قال
التّرمذيّ: غريبٌ. وقد رواه الأعمش وغيره عن حبيبٍ مرسلاً.
وقد قال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثني أبو كريبٍ، حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن
شيبان النّحويّ، عن جابرٍ الجعفيّ، حدّثني رجلٌ، عن أبي برزة الأسلميّ
قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا نزلت هذه الآية {الّذين هم
عن صلاتهم ساهون}: ((اللّه أكبر! هذا خيرٌ لكم من لو أعطي كلّ رجلٍ منكم
مثل جميع الدّنيا، هو الّذي إن صلّى لم يرج خير صلاته، وإن تركها لم يخف
ربّه)). فيه جابرٌ الجعفيّ، وهو ضعيفٌ، وشيخه مبهمٌ لم يسمّ، واللّه أعلم.
وقال ابن جريرٍ أيضاً: حدّثني زكريّا بن أبانٍ المصريّ، حدّثنا عمرو بن
طارقٍ، حدّثنا عكرمة بن إبراهيم، حدّثني عبد الملك بن عميرٍ، عن مصعب بن
سعدٍ، عن سعد بن أبي وقّاصٍ قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
عن: {الّذين هم عن صلاتهم ساهون}. قال: ((هم الّذين يؤخّرون الصّلاة عن
وقتها)). وتأخير
الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلّيّة، أو صلاتها بعد وقتها شرعاً، أو
تأخيرها عن أوّل الوقت، وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فرّوخٍ، عن
عكرمة بن إبراهيم به، ثمّ رواه عن أبي الرّبيع، عن حمّادٍ، عن عاصمٍ، عن
مصعبٍ، عن أبيه موقوفاً: (سهوا عنها حتّى ضاع الوقت). وهذا أصحّ إسناداً،
وقد ضعّف البيهقيّ رفعه، وصحّح وقفه، وكذلك الحاكم. وقوله:
{ويمنعون الماعون}. أي: لا أحسنوا عبادة ربّهم، ولا أحسنوا إلى خلقه حتّى
ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به مع بقاء عينه ورجوعه إليهم، فهؤلاء لمنع
الزكاة وأنواع القربات أولى وأولى.
وقد قال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: على الماعون الزّكاة. وكذا رواه
السّدّيّ عن أبي صالحٍ، عن عليٍّ. وكذا روي من غير وجهٍ عن ابن عمر، وبه
يقول محمّد ابن الحنفيّة وسعيد بن جبيرٍ وعكرمة ومجاهدٌ وعطاءٌ وعطيّة
العوفيّ والزّهريّ والحسن وقتادة والضّحّاك وابن زيدٍ. وقال الحسن البصريّ: إن صلّى راءى، وإن فاتته لم يأس عليها، ويمنع زكاة ماله، وفي لفظٍ: صدقة ماله. وقال زيد بن أسلم: هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلّوها، وخفيت الزّكاة فمنعوها.
وقال الأعمش وشعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزّار: أنّ أبا العبيدين سأل
عبد اللّه بن مسعودٍ عن الماعون فقال: هو ما يتعاوره الناس بينهم من الفأس
والقدر. وقال
المسعوديّ، عن سلمة بن كهيلٍ، عن أبي العبيدين: أنّه سأل ابن مسعودٍ عن
الماعون فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر والدّلو وأشباه
ذلك.
وقال ابن جريرٍ، حدّثني محمد بن عبيدٍ المحاربيّ، حدّثنا أبو الأحوص، عن
أبي إسحاق، عن أبي العبيدين، وسعد بن عياضٍ عن عبد اللّه قال: كنّا أصحاب
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نتحدّث أنّ الماعون: الدّلو والفأس
والقدر، لا يستغنى عنهنّ.
وحدّثنا خلاّد بن أسلم، أخبرنا النّضر بن شميلٍ، أخبرنا شعبة، عن أبي
إسحاق قال: سمعت سعد بن عياضٍ يحدّث عن أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه
وسلّم مثله.
وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن الحارث بن سويدٍ، عن عبد اللّه، أنّه سئل عن
الماعون فقال: ما يتعاوره الناس بينهم؛ الفأس والدّلو وشبهه.
وقال ابن جريرٍ، حدّثنا عمرو بن عليٍّ الفلاّس، حدّثنا أبو داود-هو
الطّيالسيّ- حدّثنا أبو عوانة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائلٍ، عن عبد
اللّه قال: كنّا مع نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن نقول: الماعون: منع
الدّلو وأشباه ذلك.
وقد رواه أبو داود والنّسائيّ، عن قتيبة، عن أبي عوانة بإسناده نحوه، ولفظ
النّسائيّ: عن عبد اللّه قال: كلّ معروفٍ صدقةٌ، كنّا نعدّ الماعون على
عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عاريّة الدّلو والقدر.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن
عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه قال: الماعون: العواريّ؛ القدر والميزان
والدّلو.
وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ويمنعون الماعون}. يعني:
متاع البيت، وكذا قال مجاهدٌ وإبراهيم النّخعيّ وسعيد بن جبيرٍ وأبو مالكٍ
وغير واحدٍ: أنّها العاريّة للأمتعة. وقال ليث بن أبي سليمٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ويمنعون الماعون}. قال: لم يجئ أهلها بعد. وقال
العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {ويمنعون الماعون}. قال: اختلف الناس في ذلك،
فمنهم من قال: يمنعون الزكاة. ومنهم من قال: يمنعون الطاعة. ومنهم من قال:
يمنعون العاريّة. رواه ابن جريرٍ، ثم روى عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن
عليّة، عن ليث بن أبي سليمٍ، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ: الماعون:
منع النّاس الفأس والقدر والدّلو. وقال عكرمة: رأس الماعون زكاة المال، وأدناه المنخل والدّلو والإبرة، رواه ابن أبي حاتمٍ.
وهذا الذي قاله عكرمة حسنٌ؛ فإنّه يشمل الأقوال كلّها، ويرجع كلّها إلى
شيءٍ واحدٍ وهو ترك المعاونة بمالٍ أو منفعةٍ، ولهذا قال محمد بن كعبٍ:
{ويمنعون الماعون}. قال: المعروف؛ ولهذا جاء في الحديث: ((كلّ معروفٍ
صدقةٌ)).
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا وكيعٌ، عن ابن أبي
ذئبٍ، عن الزّهريّ: {ويمنعون الماعون}. قال: بلسان قريشٍ: المال.
وروى ههنا حديثاً غريباً في إسناده ومتنه؛ فقال: حدّثنا أبي، وأبو زرعة،
قالا: حدّثنا قيس بن حفصٍ الدّارميّ، حدّثنا دلهم بن دهثمٍ العجليّ، حدّثنا
عائذ بن ربيعة النّميريّ، حدّثني قرّة بن دعموصٍ النّميريّ، أنّهم وفدوا
إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللّه، ما تعهد
إلينا؟ قال: ((لا تمنعوا الماعون)). قالوا: يا رسول اللّه، وما الماعون؟
قال: ((في الحجر وفي الحديدة وفي الماء)). قالوا: فأيّ الحديدة؟ قال:
((قدوركم النّحاس، وحديد الفأس الّذي تمتهنون به)). قالوا: ما الحجر؟ قال:
((قدوركم الحجارة)). غريبٌ جدًّا، ورفعه منكرٌ، وفي إسناده من لا يعرف، واللّه أعلم.
وقد ذكر ابن الأثير في الصحابة ترجمة عليٍّ النّميريّ فقال: روى ابن قانعٍ
بسنده إلى عائذ بن ربيعة بن قيسٍ النّميريّ، عن عليّ بن فلانٍ النّميريّ
سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ((المسلم أخو المسلم، إذا
لقيه حيّاه بالسّلام، ويردّ عليه ماهو خيرٌ منه، لا يمنع الماعون)). قلت:
يا رسول اللّه، ما الماعون؟ قال: ((الحجر والحديد وأشباه ذلك)). آخر تفسير سورة الماعون). [تفسير القرآن العظيم: 8/493-497]