24 Oct 2008
سورةُ قُريش
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{لإِيلافِ
قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ (2)
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ
وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)}
تفسيرُ سورةِ لإيلافِ قريشٍ وهي مكية
قالَ كثيرٌ منَ المفسرينَ:إنَّ
الجارَّ والمجرورَ متعلقٌ بالسورةِ التي قبلهَا أي: فعلنَا مَا فعلنَا
بأصحابِ الفيلِ لأجلِ قريشٍ وأمنهمْ، واستقامةِ مصالحهمْ، وانتظامِ رحلتهمْ
في الشتاءِ لليمنِ، والصيفِ للشامِ، لأجلِ التجارةِ والمكاسبِ. فأهلكَ
اللهُ منْ أرادهمْ بسوءٍ، وعظَّمَ أمرَ الحرمِ وأهلَهُ في قلوبِ العربِ،
حتى احترموهمْ، ولمْ يعترضوا لهمْ في أي سفرٍ أرادوا، ولهذا أمرهمُ اللهُ
بالشكرِ، فقالَ: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} أي: ليوحدوهُ ويخلصوا لهُ العبادةَ. {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِنْ خَوْفٍ} فرغدُ الرزقِ والأمنُ منَ المخاوفِ منْ أكبرِ النعمِ الدنيويةِ، الموجبةِ لشكرِ اللهِ تعالى.
(1-4){بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ
رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ
(3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِنْ خَوْفٍ (4)}
فلكَ
اللهمَّ الحمدُ والشكرُ على نعمكَ الظاهرةِ والباطنةِ، وخصَّ اللهَ
بالربوبيةِ للبيتِ، لفضلهِ وشرفهِ، وإلا فهوَ ربُّ كلِّ شيءٍ.
سُورَةُ قُرَيْشٍ
وَتُسَمَّى سُورَةَ الإيلافِ
1- {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ}
الإيلافُ: أَنَّ قُرَيْشاً وَهُمْ قبيلةُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَانَتْ تَخْرُجُ فِي تِجَارَتِهَا فِي
الجاهليَّةِ، فَلا يُغَارُ عَلَيْهَا؛ لأَنَّ الْعَرَبَ يَقُولُونَ:
قُرَيْشٌ أَهْلُ بيتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ
يَعْبُدُوهُ لأَجْلِ إِيلافِهِمُ الرِّحْلَتَيْنِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ
آلَفَهُمُ الرِّحْلَتَيْنِ؛ أَيْ: جَعَلَهُمْ يَأْلَفُونَهُمَا
وَيَسَّرَهَا لَهُمْ.
2- {إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}
وَكَانَتْ إِحْدَى الرِّحْلَتَيْنِ إِلَى الْيَمَنِ فِي الشِّتَاءِ؛
لأَنَّهَا بلادٌ حَارَّةٌ، والرحلةُ الأُخْرَى إِلَى الشَّامِ فِي
الصيفِ؛لأَنَّهَا بلادٌ بَارِدَةٌ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَعِيشُ بالتجارةِ،
وَلَوْلا هَاتَانِ الرِّحْلَتَانِ لَمْ يُمْكِنْ بِهَا مُقَامٌ، وَلَوْلا
الأمنُ – بِجِوَارِهِم للبيتِ – لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى التَّصَرُّفِ.
3- {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ}؛
أَيْ: إِنْ لَمْ يَعْبُدُوهُ لِسَائِرِ نِعَمِهِ فَلْيَعْبُدُوهُ لِهَذِهِ
النِّعْمَةِ الخاصَّةِ المذكورةِ، والبيتُ: الْكَعْبَةُ، وَعَرَّفَهُمْ
سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ رَبُّ هَذَا الْبَيْتِ؛ لأَنَّهَا كَانَتْ لَهُمْ
أَوْثَانٌ يَعْبُدُونَهَا، فَمَيَّزَ نَفْسَهُ عَنْهَا، وبالبيتِ
تَشَرَّفُوا عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ.
4- {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ}؛ أَيْ: أَطْعَمَهُمْ بِسَبَبِ هَاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ فَخَلَّصَهُمْ مِن جُوعٍ شَدِيدٍ كَانُوا فِيهِ قَبْلَهُمَا.
{وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}
كَانَتِ الْعَرَبُ يُغِيرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَيَسْبِي بَعْضُهَا
بَعْضاً، فَأَمِنَتْ قُرَيْشٌ منْ ذَلِكَ؛ لمكانِ الحَرَمِ، وَقَدْ
آمَنَهُمْ منْ خوفِ الحَبَشةِ مَعَ الْفِيلِ.
المتن :
سورةُ قُريش
1- 2قولُه تعالى: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ} أي: لِتَعْبُدَ قريشٌ ربَّ هذا البيتِ الذي أطعَمهم من جوعٍ وآمنَهم من خوفٍ، لأجلِ
نعمتِه عليهِم بإيلافِهم رحلةَ الشتاءِ إلى اليَمن، والصيفِ إلى الشام(1)؛
أي: ما ألِفُوه واعتادوه من اجتماعِهم(2) في رحلتهِم للشام واليَمَنِ من
أجلِ التِّجارة، وقُدِّم ذكرُ الإيلافِ للاهتمام به(3). 3- 4قولُه تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} أي: ليعبُدوا ربَّ المسجدِ الحرام الذي سدَّ جوعَهم بالإطعام، وأمَّنهم من الخوف، فلا يعتدي عليهم أحدٌ، ولا يقع عليهم من المرضِ ما يذهبُ بهم، ولا غيرها من المخُوفات.
(4)،
والمعنى إن لم يعبُدوه على نِعَمِه، فليعبُدوه على هذه النِّعمة، التي هي
إيلافهم، وذكرَ البيتَ لأنهم إنما أمِنوا بسبب جِوارهم له. والله أعلم.
الحاشية :
(1)هذا المشهورُ في رحلةِ الشتاء والصيف، وقد وردَ قولٌ غريب عن
ابن عباس من طريق سعيد بن جبير قال: (كانوا يُشتون بمكة، ويصِيفون بالطائف).
-إما أن يكونَ من الإلف، وهو الاعتيادُ على الشيء.
-وإما أن يكون من الائتلاف، وهو الاجتماع.
(3)اختلفوا في هذه اللام التي في قوله تعالى:
{لإِيلافِ} على أقوال:
الأول: أنها متعلقة بقوله: {فَلْيَعْبُدُوا} أي: ليعبدوا الله، لأجل نعمته عليهم بالإيلاف، ويشيرُ إلى هذا الارتباط ما رواه عكرمة عن ابن عباس، قال: (أُمروا أن يألَفوا عبادةَ ربّ هذا البيت، كإلفهم رحلةَ الشتاء والصيف) والله أعلم.
الثاني: أنها متعلِّقة بسورة الفيل،
والمعنى: جعلتُ أصحابَ الفيل كعَصْفٍ مأكول، لإلفة قريش، فلا أفرق إلفَهم
وجماعتهم، التي جاء أصحابُ الفيل لتفريق جماعتهم وهدم كعبتهم التي يجتمع
إليها الناس، وهذا قول ابن زيد، وقد نسبه الطبريلابن عباس ومجاهد وفسَّروا: (إيلاف) نِعمتي على قريش.
ولم يظهر لي من نصوصِهم أنهم يَرَوْنَ تعلُّقَ اللام بالسورة التي قبلها، والله أعلم.
الثالث: أنها متعلقة بفعل التعجُّب المحذوف،
والتقدير: اعجبوا لإيلاف قريشٍ رحلةَ الشتاء والصيف، وتركهم عبادةَ ربِّ
هذا البيت، الذي أطعَمهم من جوعٍ وآمنَهم من خوف، وهو اختيارُ الطبري، واستدلَّ له بفعل العرب، فقال: (والعربُ
إذا جاءت بهذه اللام، فأدخلوها في الكلام للتعجُّب اكتفوا بها دليلاً على
التعجُّب من إظهار الفعل الذي يجلبُها، كما قال الشاعر:
أغـرَّكَ أن قـالوا لِقُرَّةَ شاعراً = فيا لأبَاهُ مِنْ عَريفٍ وشاعرِ
القارئ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{لإِيلافِ
قُرَيْشٍ (1) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ (2)
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِن جُوعٍ
وَآمَنَهُم مِنْ خَوْفٍ (4)}
الشيخ:
هذه
السورة ذكر بعض العلماء أنها مرتبطة بالسورة التي قبلها، والمعنى: أن الله
-جل وعلا- صنع ما صنع بأصحاب الفيل من أجل قريش، لأجل أن يكونوا مجتمعين
متآلفين كما كانوا قبل أبرهة، ولأجل أن يكونوا مؤتلفين مجتمعين في رحلتيهم؛ رحلة الشتاء والصيف.
وقال بعض العلماء -وهو الذي اختاره ابن جرير
-رحمه الله-: إلى أن هذه السورة مستأنفة، وأنها ليست متصلة بما قبلها؛ لأن
العلماء مجمعون على أن هذه سورة وهذه سورة، وأنه قد فصل بينهما في الكتاب
الذي اجتمعت عليه الأمة في عهد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، اجتمعوا أو كتب في ذلك (بسم الله الرحمن الرحيم) للفصل بين السورتين؛ وعلى هذا تكون اللام في قوله: {لإِيلافِ} هذه للتعجب أي:
اعجبوا لقريش؛ لأنهم ألفوا رحلة الشتاء والصيف، فكانوا مداومين عليها، إذا
جاء الصيف رحلوا إلى الشام، وإذا جاء الشتاء رحلوا إلى اليمن؛ لأن الشام
تكون في الصيف باردة، واليمن تكون في الشتاء أدفأ من الشام، فلذا كانت لهم
رحلتان رحلة الشتاء إلى بلاد اليمن، ورحلة الصيف إلى بلاد الشام.
ثم قال الله -جل وعلا-: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} يعني: فليعبدوا رب البيت الحرام
الذي جمعهم الله -جل وعلا- حوله؛ فكانوا أهلاً لهذا البيت، اجتمعوا حوله
وتآلفوا، وكان لهم حظٌ عند العرب لا يُمسون بسوء؛ لأنهم يعتبرونهم أهل هذا
البيت.
قال الله -جل وعلا-: {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِنْ خَوْفٍ}
أي: فليعبدوا ربهم رب هذا البيت؛ الذي من وصفه -جل وعلا- أنه أطعمهم من
جوع، وآمنهم من خوف، فقد كانوا في مكة تأتيهم الأرزاق من كل الجهات؛ لأن
مكة كانت مقصودة بالحج، تحج إليها العربُ، وكانت لهم فيها مواسم، فكانت
قريش ينتفعون بما يقدم به أولئك، ينتفعون بما يقدمون به، كما أن قريشا
تنتفع ببيع ما عندها إلى أولئك، ومن ذلك أنهم كانوا يأتيهم رزقهم رغداً من
كل مكان، وكانوا يعيشون في أمن؛ لأنهم كما تزعم العرب أهل الله فلا يمسون
بسوء، ولهذا امتن الله -جل وعلا- عليهم بذلك فقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} وقال -جل وعلا-: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَدُنَّا}.
وقال
الله -جل وعلا- مبيناً هذه النعمة وأنه -جل وعلا- غيرها على أهل مكة لما
غيروا على أنفسهم بعد بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً} وهذه القرية: مكة: {كَانَتْ
آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِن كُلِّ مَكَانٍ
فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ
وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ
مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113)} فلما كفروا هذه النعمة سلبهم الله -جل وعلا- إياها.
فذلك
دليل على أن رغد العيش الذي كانوا يعيشون فيه، وعلى أن الأمن الذي كانوا
يعيشون فيه، أن هذا كان الأحرى والأولى بهم أن يعبدوا الله جل وعلا؛ لأن
ذلك مما يوجب عبادة الله جل وعلا، ولكنهم لما أعرضوا ولم يتفكروا فيما نزل
إليهم، ولم يتفكروا في نعم الله جل وعلا، أصمهم الله وأعمى أبصارهم، وجعل
على قلوبهم أكنة فلم يهتدوا إلى شرع الله جل وعلا، ولم يؤمنوا برسوله صلى
الله عليه وسلم، بل كذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون، والله تعالى أعلم وصلى
الله وسلم على نبينا محمد.
تفسير سورة قريش
الخلاف في كون السورة تابعة لما قبلها أو أنها سورة مستقلة
أقوال السلف في اللام في قوله تعالى: (لإيلافِ )
تفسير قوله تعالى: ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )
أقوال السلف في المراد بالخوف.
الأسئلة
سورة قريش
س1: فسِّر السورة تفسيراً إجمالياً.
س2: عدد الفوائد التي استفدتها من دراستك لتفسير هذه السورة.
س3: ما المراد برحلة الشتاء والصيف؟
س4: ما متعلق الجار والمجرور في قوله تعالى: {لإِيلافِ}؟
س5: ما معنى الكلمات التالية: إيلافهم، رحلة، آمنهم؟
س6:
كثيراً ما يستدل الله تعالى في القرآن الكريم على استحقاقه للعبودية بكثرة
نِعَمه ومننه على خلقه، تحدث عن هذه القضية بإيجاز من خلال دراستك لهذه
السورة، وبين ما يستفيده الداعية المؤمن من هذا الأسلوب الحكيم.
س7: عرف العبادة لغةً، شرعاً.
س8: ما المقصود بالبيت المشار إليه في قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ}؟
تفسير ابن كثير