الدروس
course cover
تفسير سورة الشرح
23 Oct 2008
23 Oct 2008

5094

0

0

course cover
تفسير جزء عمّ

القسم السادس

تفسير سورة الشرح
23 Oct 2008
23 Oct 2008

23 Oct 2008

5094

0

0


0

0

0

0

0

سورةُ الشَّرح

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}

هيئة الإشراف

#2

23 Oct 2008

تفسيرُ سورةِ ألم نشرحَ لكَ صدركَ


(1-8){بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}

يقولُ تعالى ممتناً على رسولهِ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} أي: نوسعُهُ لشرائعِ الدينِ والدعوةِ إلى اللهِ، والاتصافِ بمكارمِ الأخلاقِ، والإقبالِ على الآخرةِ، وتسهيلِ الخيراتِ، فلمْ يكنْ ضيقاً حرجاً لا يكادُ ينقادُ لخيرٍ، ولا تكادُ تجدهُ منبسطاً.


{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ}أي: ذنبكَ{الَّذِي أَنْقَضَ} أي: أثقلَ{ظَهَرَكَ} كمَا قالَ تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}.


{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}أي: أعلينَا قدركَ، وجعلنَا لكَ الثناءَ الحسنَ العالي، الذي لمْ يصلْ إليهِ أحدٌ منَ الخلقِ، فلا يُذكرُ اللهُ إلا ذُكرَ معهُ رسولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، كمَا في الدخولِ في الإسلامِ، وفي الأذانِ والإقامةِ والخطبِ، وغيرِ ذلكَ منَ الأمورِ التي أعلى اللهَ بهَا ذكرَ رسولهِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.


ولهُ في قلوبِ أمتهِ مِنَ المحبةِ والإجلالِ والتعظيمِ مَا ليسَ لأحدٍ غيرهِ، بعدَ اللهِ تعالى، فجزاهُ اللهُ عنْ أمتهِ أفضلَ مَا جزى نبيّاً عنْ أمتهِ.


وقوله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} بشارةٌ عظيمةٌ، أنَّهُ كلما وجدَ عسرٌ وصعوبةٌ، فإنَّ اليسرَ يقارنُهُ ويصاحبهُ، حتى لو دخلَ العسرُ جحرَ ضبٍّ لدخلَ عليهِ اليسرُ فأخرجهُ، كمَا قالَ تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} وكمَا قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((وإنَّ الفرجَ معَ الكربِ، وإنَّ معَ العسرِ يسراً)).


-وتعريفُ (العسرِ) في الآيتينِ، يدلُّ على أنَّهُ واحدٌ.



-وتنكيرُ (اليسر) يدلُّ على تكرارهِ، فلنْ يغلبَ عسرٌ يسرينِ.


وفي تعريفهِ بالألفِ واللامِ، الدالةِ على الاستغراقِ والعمومِ، ما يدلُّ على أنَّ كلَّ عسرٍ - وإنْ بلغَ منَ الصعوبةِ مَا بلغَ - فإنهُ في آخرهِ التيسيرُ ملازمٌ لهُ.


ثمَّ أمرَ اللهُ رسولهُ أصلاً، والمؤمنينَ تبعاً، بشكرهِ والقيامِ بواجبِ نعمهِ،فقالَ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ} أي: إذا تفرغتَ منْ أشغالكَ، ولمْ يبقَ في قلبكَ ما يعوقهُ، فاجتهدْ في العبادةِ والدعاءِ.


{وَإِلَى رَبِّكَ}وحدهُ {فَارْغَبْ} أي: أعظم الرغبةَ في إجابةِ دعائكَ وقبولِ عباداتِكَ، ولا تكنْ ممن إذا فرغوا وتفرغوا لعبوا وأعرضوا عن ربِّهمْ وعن ذكرهِ، فتكونَ من الخاسرينَ.


وقدْ قيلَ:إنَّ معنى قولهِ: {فَإِذَا فَرَغْتَ} منَ الصلاةِ وأكملتهَا {فَانْصَبْ} في الدعاءِ {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} في سؤالِ مطالبكَ.


واستدلَّ مَنْ قالَ بهذا القولِ،على مشروعيةِ الدعاءِ والذكرِ عقبَ الصلواتِ المكتوباتِ، واللهُ أعلمُ بذلكَ.


تمتْ وللهِ الحمدُ.

هيئة الإشراف

#3

23 Oct 2008

سُورَةُ الشَّرْحِ

1- {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} الْمَعْنَى: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ شَرَحْنَا لَكَ صَدْرَكَ لِقَبُولِ النُّبُوَّةِ، وَمِنْ هُنَا قَامَ بِمَا قَامَ بِهِ من الدَّعْوةِ، وَقَدَرَ عَلَى حَمْلِ أعباءِ النُّبُوَّةِ وَحِفْظِ الْوَحْيِ.
2- {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ}:حَطَطْنَا عَنْكَ الَّذِي سَلَفَ مِنْكَ فِي الجاهليَّةِ.
3- {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ حِمْلاً يُحْمَلُ لَسُمِعَ نَقِيضُ ظَهْرِهِ. وَقِيلَ: الوِزْرُ حَمْلُ أعباءِ النُّبُوَّةِ، سَهَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى تَيَسَّرَتْ لَهُ.
4- {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}: رَفَعَ اللَّهُ ذِكْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ بِأُمُورٍ، مِنْهَا تَكْلِيفُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ إِذَا قَالُوا: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ أَنْ يَقُولُوا: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ.وَمِنْهَا ذِكْرُهُ فِي الأذانِ، وَمِنْهَا أَمْرُهُمْ بالصلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ، وَأَمْرُ اللَّهِ بِطَاعَتِهِ.
6- {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}؛ أَيْ: إِنَّ مَعَ ذَلِكَ العسرِ المذكورِ سَابِقاً يُسْراً آخَرَ، عَن ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعاً: ((لَوْ كَانَ الْعُسْرُ فِي جُحْرٍ لَتَبِعَهُ الْيُسْرُ حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ فَيُخْرِجَهُ، وَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ؛ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً})).
7- {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}؛ أَيْ: إِذَا فَرَغْتَ منْ صَلاتِكَ، أَوْ مِنَ التبليغِ، أَوْ مِنَ الغَزْوِ؛ فَاجْتَهِدْ فِي الدُّعَاءِ، وَاطْلُبْ من اللَّهِ حَاجَتَكَ، أَوْ: فَانْصَبْ فِي العبادةِ.
8- {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}؛ أَي: اجْعَلْ رَغْبَتَكَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ،تَضَرَّعْ إِلَيْهِ رَاهِباً مِنَ النَّارِ، رَاغِباً فِي الْجَنَّةِ.

هيئة الإشراف

#4

23 Oct 2008

المتن :

سورةُ الشَّرح

1-قولُه تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} يقولُ الله مُمْتَنَّاً على نبيِّه صلى الله عليه وسلم: لقد وسَّعْتُ لكَ صدرَكَ، فجعلتُه، منبسِطاً راضياً، وجعلتُه محلاًّ لوحيي، ومتحمِّلاً لأعباء حَمْلِهِ وتبليغِه للناس، ومتحمِّلاً أخلاقَهم، وغير ذلك مما يدلُّ على سَعَةِ الصَّدْرِ وعَدمِ ضِيقِه(1).

2-4-قولُه تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}ويمتنُّ عليه بأنه قد حطَّ عنه الإثمَ(2) الذي أتعَبَهُ وصارَ ثقيلاً عليه كأنه يحمِلُه على ظهرِهِ.


وأنه قد جعلَ له الثناءَ الحسنَ،فصارَ لا يُذكرُ إلاَّ بخيرٍ، ومِنْ أعظمِ ذلك أنه قُرِنَ ذِكْرُه بِذِكْرِ الله؛ كما في الشهادتين(3).


5-6-قولُه تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} أي: فإذا علمتَ هذا(4)، فاعلم أنَّه يعقبُ الشِّدَّةَ فرجٌ ومخرجٌ، ثمَّ أكَّد هذا بتكرارِ الجملة؛ للدلالةِ على أنَّ اليُسْرَ يَلْحَقُ العُسْرَ ويَغلِبُه(5).


7-8-قولُه تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} أي: لمَّا تقرَّرَ ما وهبَ اللهُ لك، فإنَّ عليكَ إذا فرغتَ من عملٍ أن تَنْصَبَ في عملٍ آخرَ من أعمالِ الخير(6)، وهذا المعنى كالمعنى في قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} ، وأن تكونَ أيُّ رغبةٍ لك - وهي طلبُ حصولِ ما هو محبوبٌ - مطلوبةً من الله لا من غيرِه، والله أعلم.



الحاشية :


(1)في هذا الشرح المعنويِّ إشارةٌ إلى الشرح الحسيِّ، وهو شَقُّ صدرِ الرسول صلى الله عليه وسلم وإخراجُ ما في قلبِه من


النُكْتَةِ السوداء، وملءُ قلبه إيماناً وحِكْمَة، وقد كان هذا ممهِّداً لذلك الشرحِ الذي ذكر الله في الآية، والله أعلم.


(2)أشارَ السلفُ إلى ذلك، فقال:


مجاهد من طريق ابن أبي نجيح: (ذنبُك)، قال قتادة من طريق سعيد ومعمر: (كانت على النبي صلى الله عليه وسلم ذنوبٌ قد أثقلته، فغفَرها الله له) وكذا قال ابن زيد.


وهذه مسألةٌ تتعلقُ بالعِصْمَة،وللناسِ فيها كلامٌ كثير، وأغلبُ الكلامِ فيها عقليٌّ لا يَعْتَمِدُ على النصوص، وهذا النص صريحٌ في وقوع الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء من الذنوب التي قد غفرَها الله له، ولكن لم يبيِّن الله نوعَ هذه الذنوب، ولذا فلا تتعدَّ ما أجملَهُ الله في هذا النصِّ، وقُلْ به تَسْلَم.


ولا تفترض مصطَلَحَاً للعِصْمة من عقلِكَ تحمِلُ عليه أفعالَ الرسول صلى الله عليه وسلم، فتدخُل بذلك في التأويلاتِ السَمِجَةِ التي لا دليلَ عليها من الكتاب ولا السنة؛ كما وقع من بعضِهم في تأويلِ قولِه تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ، قال: (ما تقدَّم: ذنبُ أبيك آدم، وما تأخَّر: ذنوبُ أمَّتِك) وانظر الشَبَهَ بين هذا القولِ وبين قولِ النصارى في الخطيئة، فالله يقول: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ} وهذا يقول: هو ذنبُ غيره! والله المستعان.


واعلم أن في الرسولِ جانبين:


-جانبٌ بشري.


- وجانبٌ نَبَوي.


أما الجانب البشري: فهو فيه كالبشر: يحبُّ ويكرَه، ويرضى ويغضَب، ويأكلُ ويشرب، ويقومُ وينام… الخ، مع ما ميَّزَهُ الله به في هذا الجانب في بعض الأشياء؛ كسلامةِ الصدر، والقوةِ في النكاح، وعدمِ نومِ القلب، وغيرِها من الخصوصيات التي تتعلقُ بالجانب البشري.


ومن هذا الجانبِ قد يقعُ من النبي بعضُ الأخطاء التي يعاتبُه الله عليها،ولكَ أن تنظُرَ في جملةِ المعاتَبَاتِ الإلهية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ كعِتابه بشأن أسرَى بدر، وعتابِه بشأن زواجِه من زينب، وعتابِه في عبد الله بن أم مكتوم، وغيرِها.


وقد نصَّ اللهُ على هذا الجانبِ في الرُّسُل جميعِهم صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم، ومن الآيات في ذلك: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَسُولاً} ، ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بَشَرٌ، وإنكم تختصِمونَ إليَّ، ولعلَّ بعضكم يكون ألحن بحجَّتِه من بعض، فأقضي له بِنَحْوِ ما أسمع، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطعُ له من النار)) رواه البخاري.


وتكمُنُ العِصمةُ في هذا الجانب في أنَّ الله يُنَبِّهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم على ما وقعَ منه من خطأ،وهذا ما يتأتَّى لأحدٍ من البشر غيره، فتأمله فإنه من جوانب العِصمة المُغْفَلَةِ.


وأما الجانب النَّبَويُّ: وهو جانب التبليغ، فإنه لم يرِد البتةَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خالفَ فيه أمرَ الله؛ كأن يقولَ الله له: قل لعبادي يفعلوا كذا، فلا يقولُ لهم، أو يقولُ لهم خلافَ هذا الأمر، وهذا لو وقعَ فإنه مخالِفٌ للنبوَّة، ولذا لما سُحِرَ النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤثِّر هذا السحر في الجانب النبوي، بل أثَّرَ في الجانب البشري، ومن ثمَّ فجانب التبليغ في النبيِّ معصومٌ، ويدلُّ على هذا الجانب قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4)}، والله أعلم.


(3)كذا فسَّرَ السلف الرفعَ في الذكر بأنه في الشهادة، قال مجاهد من طريق ابن أبي نجيح: (لا أُذكر إلا ذُكِرْتَ معي: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله).


وقال قتادة من طريق سعيد: (رفعَ الله ذِكْرَهُ في الدنيا والآخرة، فليس خطيبٌ، ولا متشهِّدٌ، ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله).


(4)هذا تفسير للفاء في قوله :


{فَإِنْ} وتسمى فاء الفصيحة، وهي تدل على كلامٍ محذوف يُقَدَّرُ حسبَ السياق، وهي تربطُ بين الجملة السابقة واللاحقة.


(انظر: التحرير والتنوير).


(5)وردَ في حديثٍ من مُرْسَلِ الحسن وقتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم:((لن يغلبَ عُسْرٌ يُسْرَين)) وقد شرحَ بعض العلماء ذلك، على أن العسرَ في الآيتين معرَّف، واليسر مُنَكَّر، فالتعريف دليلُ التوحُّدِ والانفراد، والتنكيرُ دليلُ التعدُّد، والله أعلم، (انظر: تفسير ابن كثير).


(6)ذكرَ السلف أمثِلةً لما يَفرغُ منه وينصبُ فيه من الأعمال، ومنها:


1-إذا فرغتَ من صلاتِك، فانصبْ إلى ربِّك في الدعاء، وردَ ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، والضحاك من طريق عبيد، وقتادة من طريق سعيد ومعمر.


2-إذا فرغتَ من جهادِ عدوِّكَ فانصبْ في عبادة ربِّك، وردَ ذلك عن الحسن من طريق قتادة، وابن زيد.


3-إذا فرغتَ من أمرِ دُنياكَ، فانصبْ في عبادة ربِّك، وردَ ذلك عن مجاهد من طريق منصور.


قال ابن جرير: (وأولى الأقوالِ في ذلك بالصواب، قول من قال: إن الله تعالى ذِكرُه أمرَ نبيَّهُ أَن يجعلَ فراغَهُ من كلِّ ما كان به مشتغِلاً من أمر دُنياه وآخرتِه، مما أدَّى له الشغل به، وأمره بالشغلِ به إلى النَّصبِ في عبادته، والاشتغال فيما قرَّبه إليه، ومسألته حاجاته، ولم يخصِّص بذلك حالاً من أحوالِ فراغِه دون حال، فسواءٌ كل أحوال فراغه: من صلاته كان فراغه، أو جهاده، أو أمرِ دنيا كان به مشتغلاً لعمومِ الشرط في ذلك من غير خصوصِ حالِ فراغ دون حال أخرى).


وهذا يعني أن لفظ الفراغ والنَّصَبِ عامٌّ،وما ذُكِرَ من التفسير أمثلةٌ لهذا العام، ولذا وردَ عن مجاهد في التفسير قولان مختلفان، وكلاهما من قبيلِ الأمثلة لهذا العموم، والله أعلم.

هيئة الإشراف

#5

23 Oct 2008

القارئ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}
الشيخ:
هذه السورة يبين الله -جل وعلا- فيها لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بعض نعمه عليه، فيقول -جل وعلا-: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وهذا استفهام تقريري؛ لأن الهمزة إذا دخلت على النفي كان استفهاماً تقريرياً، ومعنى ذلك: قد شرحنا لك صدرك، فالله -جل وعلا- قد شرح صدر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالإيمان والعلم والحكمة، وقد شُق صدر نبينا -صلى الله عليه وسلم- حسَّاً مرتين، شُق صدره -صلى الله عليه وسلم- لما كان مسترضعاً في بني سعد، جاءه ملكان فشقا صدره وملآه نوراً وحكمة، ثم شق صدره -صلى الله عليه وسلم- ليلة المعراج؛ وذلك شق حقيقي.
وقوله -جل وعلا-: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} يعني: أنه -جل وعلا- شرح صدر نبيه -صلى الله عليه وسلم- للإيمان والعلم والحكمة والهدى، ومن ذلك الشق الحسي الذي كان به قلبه -صلى الله عليه وسلم- مملوءاً حكمة وعلماً ونوراً، وهذه منة على نبينا صلى الله عليه وسلم، كما امتن الله -جل وعلا- بذلك على عموم الخلق، قال الله -جل وعلا-: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِن رَبِّهِ}، وهذا الشرح - شرح الصدر للإسلام - دليل على أن الله -جل وعلا- يريد بعبده خيراً، كما قال تعالى: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}.
ومن انشراح صدره -صلى الله عليه وسلم-أن شرحه ربه -جل وعلا- للدعوة، وتحمل حال الخلق؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- في دعوته تحمل مشاق عظيمة، ولولا أن الله -جل وعلا- شرح صدره للإسلام؛ وشرح صدره لمثل هذه الأشياء لم يقم بأعباء هذه الرسالة، ولهذا نبي الله موسى لما أمره ربه -جل وعلا- أن يبلغ إلى فرعون قال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}؛ لأن شرح الصدر في مثل هذه الأمور يؤتي ثماراً عظيمة كثيرة، فلهذا كان من شرح الله لصدر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن شرحه لمثل هذه الأشياء، فكان -صلى الله عليه وسلم- يُعتدى عليه، ويؤذى، وتكاد له المكائد، وتحبل له الحبائل صلى الله عليه وسلم، فيقابل ذلك بالإحسان كما أمره ربه -جل وعلا-: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}.
ثم قال -جل وعلا-: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} يعني: حططنا عنك الذنب {الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} يعني: أثقل ظهرك.
وهذه الآية استدل بها أكثر العلماء على أن الأنبياء قد يقع منهم شيء من المعاصي، ولكن المعاصي التي تقع من الأنبياء:
أولاً: ليست متعلقة بالبلاغ.
ثانياً:ليست في الأمور التي يقتدي الناس بهم فيها، ولو حصل شيء من ذلك لنبهوا عليه.
-ثم إنها ليست من كبائر الذنوب.
-كما أنها ليست من أفعال الخسة
كالزنا أو السرقة أو غيرها؛ مما هو يعتبره الناس من أفعل الخسة.
فهذا قد يقع من الأنبياء ولكنهم يتوبون إلى الله جل وعلا، ويبادرون بالتوبة، وتكون حالهم بعد الذنب أحسن من حالهم قبل الذنب، كما قال الله -جل وعلا-: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}
فأكثر العلماء وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الأنبياء قد يقع منهم بعض ذنوب، لكن هذه الذنوب ليست في البلاغ، وليست من كبائر الذنوب، وليست من أفعال الخسة، ثم إنهم إذا وقع منهم بادروا إلى التوبة، كما حصل في قصة قتل موسى للرجل قال بعد ذلك: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} وقال آدم -عليه السلام- وحواء: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فهم يبادرون إلى التوبة، ثم تكون حالهم بعد التوبة أحسن وأكمل.
ولعل الله -جل وعلا- جعل ذلك لئلا يتوهم الناس في هؤلاء الأنبياء أنهم يماثلون الله جل وعلا؛ لأن الله -جل وعلا- أفعاله لا تقع إلا لحكمة، وأفعاله -جل وعلا- كلها عدل، وأفعاله -جل وعلا- كلها محمودة، فلو أن الأنبياء لم يقع منهم ذنب مطلقاً ربما توهم أتباعهم فيهم الألوهية من دون الله، فلعل الله -جل وعلا- أراد أن يقع من هؤلاء الأنبياء بعض الذنوب التي لا تتعلق بالبلاغ؛ ليعلم العباد أجمعون أن الذي تقع أفعاله لحكمة وبعدل، وتقع أفعالاً محمودة أن المتفرد بذلك هو الله جل وعلا.
وقوله -جل وعلا-: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} هذا خبر من الله -جل وعلا- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في معرض الامتنان، وهذه السورة عند جماهير العلماء كانت في مكة، فقوله -جل وعلا-: {وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} هذا استفاد منه بعض العلماء: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد غُفر له الذنب قبل أن يقع، فكان الأول والآخر مغفوراً، كما قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فالنبي -صلى الله عليه وسلم- بناءً على هذه الآية، وما استدل به بعض العلماء منها؛ ذنبه مغفور قبل أن يقع، وهذا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن أهل بدر: ((لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) فتأويل هذا الحديث عند بعض العلماء أن الله -جل وعلا- غفر لهم قبل أن تقع الذنوب، وعند بعض العلماء معنى هذا الحديث: أنهم لا يموتون إلا على توبة، فهم وإن أذنبوا استغفروا، وماتوا قد خلصوا من الذنوب والسيئات، وهذه الآية قوله تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} تحتمل هذين المعنيين، إما أن الذنب يقع مغفوراً له قبل وقوعه، وهذا ظاهر من قوله -جل وعلا-: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} فقدم -جل وعلا- العفو قبل العتاب، ويحتمل أنه -صلى الله عليه وسلم- وإن وقع منه ذنب؛ فإنه لا يموت -صلى الله عليه وسلم- إلا وقد تاب منه.
ثم قال -جل وعلا-: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} يعني: أن الله -جل وعلا- رفع ذكر نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا الرفع للذكر كان في الجاهلية، وفي الإسلام، ويكون أيضاً يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وهو ذكر مرفوع له -صلى الله عليه وسلم- عند أهل الأرض، وعند أهل السماء، فالملائكة يذكرونه في الملأ الأعلى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} والله -جل وعلا- أيضاً يذكره في الملأ الأعلى، ويثني عليه، وأهل الأرض يذكرونه -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة، في الأذان، في كثير من الأذكار، وفي كثير من العبادات، ذكره -صلى الله عليه وسلم- يجري على الألسنة، بل ذكره -صلى الله عليه وسلم- حتى في القلوب، حتى الطاعة والعبادة التي لا يتلفظ فيها بذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن قلوب العباد تذكره؛ لأنه هو الذي دلَّهم على شرع الله -جل وعلا- ودينه.
وكذلك هو في الآخرة يكون له الذكر الأعلى بين الخلائق؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- يكون له المقام المحمود، وهو الشفاعة العظمى، التي يشهدها الخلائق أجمعون، فيحمدونه -صلى الله عليه وسلم- بعدها، وهذا من رفع ذكره -صلى الله عليه وسلم-.
ثم قال -جل وعلا-: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)} يعني: أن العسر يأتي بعده يسر، ولهذا أكده الله جل وعلا، فعرف العسر بالألف واللام في الآيتين، وهذا يقتضي أنهما شيء واحد، ونكَّر اليسر فذكره منكراً؛ وهذا يدل على أنهما شيئان.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((لن يغلب عسر يسرين)) ولكن هذا حديث ضعيف، لكن ثبت عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه من حيث اللغة صحيح؛ لأن علماء اللغة يقولون: إن الشيء إذا عرف بالألف واللام وكرر فهو شيء واحد، وإذا نُكِّر كان شيئين، فاليسر هاهنا نكِّر فكان مرتين، والعسر عُرف بالألف واللام فكان مرة واحدة، فهذا دليل على أنه يكون بعد العسر يسر.
قال بعض العلماء: إن الله -جل وعلا- في هذه الآية قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (6)} فجاء بلفظة (مع) ولم يقل: فإن بعد العسر يسراً ولكن قال: (مع)؛ ليبين -جل وعلا- لخلقه سرعة اليسر إليهم بعد حصول العسر.
وهذه الآية وإن كانت في جميع الخلق إلا أنه يستفاد منها: أن الله -جل وعلا- يُنبئ نبيه -صلى الله عليه وسلم- فيها بأن العسر الذي يحصل له من جراء دعوته للناس للرسالة، ولدين الله -جل وعلا-، سيكون بعده اليسر، وهو الفتح الذي فتحه الله -جل وعلا- على نبيه صلى الله عليه وسلم، فأخضع له العرب، ودانت له جزيرة العرب -صلى الله عليه وسلم-، فهذا فيه بشارة لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن هذه الحروب التي تتوالى عليه في سبيل دعوته لله -جل وعلا- سيجعل الله تعالى بعدها يسراً، كما قال تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً}، فكان في هذه الآية معجزة لنبيه -صلى الله عليه وسلم- إذ أنزل الله -جل وعلا- عليه هذه الآية قبل أن يجعل الله -جل وعلا- له اليسر.
ثم قال -جل وعلا-: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}النصب: هو التعب.
وقوله: {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} معناه: التجئ، وهاتان الآيتان ذكر بعض العلماء: أن الله -جل وعلا- أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يوصل العبادة بالعبادة، فكلما نصب في عبادة وانتهى منها فإنه يرغب إلى الله -جل وعلا- بعبادة أخرى، وهذا حاله -صلى الله عليه وسلم-، فكان في جميع أحواله مطيعاً لله تبارك وتعالى، حتى في مجالسه التي يجلس فيها مع الناس إما واعظاً وإما مستغفراً صلى الله عليه وسلم.
وهذا المعنى هو الذي يدور عليه كلام كثير من السلف؛ لأن بعضهم قال: إذا نصبت من الفرائض فارغب إلى الله -جل وعلا- بفعل النوافل.
وبعضهم قال: إذا انتهيت من صلاة الفريضة فارغب إلى الله -جل وعلا- بصلاة الوتر.
وبعضهم قال: إذا فرغت من الفريضة فارغب إلى الله -جل وعلا- بالدعاء.
وهذه كلها ترجع إلى أنهم يقولون: إن هذا أن يصل النبي -صلى الله عليه وسلم- العبادة بالعبادة.
وبعض العلماء يقول: إن هذه الآية مثلها مثل قوله الله -جل وعلا-: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3)} أي: إذا أقمت الجهاد، ودعوت إلى دين الله، ودخل الناس في دين الله، فعليك أن ترغب إلى ربك جل وعلا؛ لأن هذا إعلان أو إيذان بوفاته صلى الله عليه وسلم.

هيئة الإشراف

#6

11 Feb 2009

تفسير سورة الشرح


تفسير قول الله تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك )
تفسير قول الله تعالى : ( ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك )
مبحث في عصمة الأنبياء
الكلام عن عصمة النبي صلى الله عليه وسلم
الاستدلال على أن النبي صلى الله عليه وسلم مغفورة ذنوبه قبل أن تقع
تفسير قول الله تعالى : ( ورفعنا لك ذكرك )
تفسير قول الله تعالى : ( فإن مع العسر يسراً ، إن مع العسر يسراً )
ما يفيده التعبير بلفظة (مع) دون (بعد) في قوله تعالى: (إن مع العسر يسرا)
تفسير قول الله تعالى : ( فإذا فرغت فانصب )
أمثِلة لما يُفرَغُ منه ويُنصَبُ فيه من الأعمال
تفسير قول الله تعالى : ( وإلى ربك فارغب )

هيئة الإشراف

#7

11 Feb 2009

الأسئلة


س1: قال الله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} فسِّر هذه الآية باختصار، مع بيان المراد بالشرح المعنوي.

س2: اذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غفرت له ذنوبه كلها.
س3: كيف ترد على من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يقع منه أي ذنب؟.


س4: بين ما يجب على الداعية وطالب العلم إذا وقع في معصية، وهل تسوِّغ له المعصية ترك الدعوة وطلب العلم.


س5: اذكر باختصار مظاهر رفع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.

س6: بين ما يفيده تعريف "العسر" وتنكير "اليسر" في قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}.

س7: اذكر أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}.
س8: فسر السورة تفسيراً إجمالياً مع بيان أهم الفوائد السلوكية التي استفدها.
س9: بين معاني الكلمات التالية: نشرح، وزرك، أنقض، انصبْ، ارغبْ.

هيئة الإشراف

#8

10 Apr 2014

تفسير ابن كثير



قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة الم نشرح وهي مكّيّةٌ.

يقول تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} يعني: أما شرحنا لك صدرك؟ أي: نوّرناه وجعلناه فسيحاً رحيباً واسعاً، كقوله: {فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} وكما شرح الله صدره كذلك جعل شرعه فسيحاً واسعاً سمحاً سهلاً، لا حرج فيه ولا إصر ولا ضيق.

وقيل: المراد بقوله: {ألم نشرح لك صدرك} شرح صدره ليلة الإسراء، كما تقدّم في رواية مالك بن صعصعة، وقد أورده التّرمذيّ ههنا، وهذا إن كان واقعاً، ولكن لا منافاة؛ فإنّ من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء، وما نشأ عنه من الشرح المعنويّ أيضاً. والله أعلم.

قال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدّثني محمد بن عبد الرّحيم أبو يحيى البزّاز، حدّثنا يونس بن محمدٍ، حدّثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبيّ بن كعبٍ، حدّثني أبي محمد بن معاذٍ، عن معاذٍ، عن محمدٍ، عن أبيّ بن كعبٍ: أن أبا هريرة كان حريًّا على أن يسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن أشياء لا يسأله عنها غيره، فقال: يا رسول الله، ما أوّل ما رأيت من أمر النّبوّة؟ فاستوى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالساً.

وقال: ((لقد سألت يا أبا هريرة، إنّي لفي الصّحراء ابن عشر سنين وأشهرٍ، وإذا بكلامٍ فوق رأسي، وإذا رجلٌ يقول لرجلٍ: أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوهٍ لم أرها لخلقٍ قطّ، وأرواحٍ لم أجدها من خلقٍ قطّ، وثيابٍ لم أرها على أحدٍ قطّ، فأقبلا إليّ يمشيان، حتّى أخذ كلّ واحدٍ منهما بعضدي، لا أجد لأحدهما مسًّا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه. فأضجعاني بلا قصرٍ ولا هصرٍ، فقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره. فهوى أحدهما إلى صدري ففلقه فيما أرى بلا دمٍ، ولا وجعٍ، فقال له: أخرج الغلّ والحسد. فأخرج شيئاً كهيئة العلقة، ثمّ نبذها فطرحها، فقال له: أدخل الرّأفة والرّحمة. فإذا مثل الّذي أخرج، شبه الفضّة، ثمّ هزّ إبهام رجلي اليمنى فقال: اغد واسلم. فرجعت بها أغدو رقّةً على الصّغير ورحمةً للكبير)).

وقوله: {ووضعنا عنك وزرك} بمعنى: {ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر}.

{الّذي أنقض ظهرك} الإنقاض: الصوت. وقال غير واحدٍ من السلف في قوله: {الّذي أنقض ظهرك} أي: أثقلك حمله.

وقوله: {ورفعنا لك ذكرك} قال مجاهدٌ: لا أذكر إلاّ ذكرت معي: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله.

وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيبٌ، ولا متشهّدٌ، ولا صاحب صلاةٍ إلاّ ينادي بها: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله.

قال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن درّاجٍ، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيدٍ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: ((أتاني جبريل فقال: إنّ ربّي وربّك يقول: كيف رفعت ذكرك؟ قال: الله أعلم. قال: إذا ذكرت ذكرت معي)).

وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، عن يونس بن عبد الأعلى به، ورواه أبو يعلى من طريق ابن لهيعة، عن درّاجٍ.

وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا أبو عمر الحوضيّ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((سألت ربّي مسألةً وددت أنّي لم أكن سألته: قلت: قد كان قبلي أنبياء، منهم من سخّرت له الرّيح، ومنهم من يحيي الموتى. قال: يا محمّد، ألم أجدك يتيماً فآويتك؟ قلت: بلى يا ربّ. قال: ألم أجدك ضالاًّ فهديتك؟ قلت: بلى يا ربّ. قال: ألم أجدك عائلاً فأغنيتك؟ قلت: بلى يا ربّ. قال: ألم أشرح لك صدرك؟ ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت: بلى يا ربّ)).

وقال أبو نعيمٍ في (دلائل النّبوّة): حدّثنا أبو أحمد الغطريفيّ، حدّثنا موسى بن سهلٍ الجونيّ، حدّثنا أحمد بن القاسم بن = بهرام الهيتيّ، حدّثنا نصر بن حمّادٍ، عن عثمان بن عطاءٍ، عن الزّهريّ، عن أنسٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((لمّا فرغت ممّا أمرني الله به من أمر السّماوات والأرض قلت: يا ربّ، إنّه لم يكن نبيٌّ قبلي إلاّ وقد كرّمته؛ جعلت إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً، وسخّرت لداود الجبال، ولسليمان الرّيح والشّياطين، وأحييت لعيسى الموتى، فما جعلت لي؟ قال: أو ليس قد أعطيتك أفضل من ذلك كلّه؛ إنّي لا أذكر إلاّ ذكرت معي، وجعلت صدور أمّتك أناجيل يقرؤون القرآن ظاهراً ولم أعطها أمّةً، وأعطيتك كنزاً من كنوز عرشي: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم)).

وحكى البغويّ، عن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ، أن المراد بذلك الأذان. يعني: ذكره فيه. وأورد من شعر حسّان بن ثابتٍ:

أغرّ عليه للنّبوّة خاتمٌ = من الله من نورٍ يلوح ويشهد

وضمّ الإله اسم النّبيّ إلى اسمه = إذا قال في الخمس المؤذّن أشهد

وشقّ له من اسمه ليجلّه = فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد

وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأوّلين والآخرين، ونوّه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيّين أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به، ثمّ شهر ذكره في أمّته، فلا يذكر الله إلاّ ذكر معه. وما أحسن ما قال الصّرصريّ رحمه الله:

لا يصحّ الأذان في الفرض إلاّ = باسمه العذب في الفم المرضيّ

وقال أيضاً:

ألم تر أنّا لا يصحّ أذاننا = ولا فرضنا إن لم نكرّره فيهما.

وقوله تعالى: {فإنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسراً} أخبر تعالى أنّ مع العسر يوجد اليسر، ثمّ أكّد هذا الخبر.

قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا محمود بن غيلان، حدّثنا حميد بن حمّاد بن أبي خوارٍ أبو الجهم، حدّثنا عائذ بن شريحٍ، قال: سمعت أنس بن مالكٍ يقول: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جالساً وحياله حجرٌ، فقال: ((لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتّى يدخل عليه فيخرجه)) فأنزل الله عزّ وجلّ: {فإنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسراً}.

ورواه أبو بكرٍ البزّار في مسنده، عن محمد بن معمرٍ، عن حميد بن حمّادٍ به، ولفظه: ((لو جاء العسر حتّى يدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتّى يخرجه)) ثمّ قال: {فإنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسراً})). ثمّ قال البزّار: لا نعلم رواه عن أنسٍ إلاّ عائذ بن شريحٍ.

قلت: وقد قال فيه أبو حاتمٍ الرّازيّ: في حديثه ضعفٌ، ولكن رواه شعبة عن معاوية بن قرّة، عن رجلٍ، عن عبد الله بن مسعودٍ موقوفاً.

وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن محمد بن الصّبّاح، حدّثنا أبو قطنٍ، حدّثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: لا يغلب عسرٌ واحدٌ يسرين اثنين.

وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن عبد الأعلى، حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن، قال: خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوماً مسروراً فرحاً، وهو يضحك، وهو يقول: ((لن يغلب عسرٌ يسرين، لن يغلب عسرٌ يسرين، إنّ مع العسر يسراً، إنّ مع العسر يسراً)).

وكذا رواه من حديث عوفٍ الأعرابيّ، ويونس بن عبيدٍ، عن الحسن مرسلاً.

وقال سعيدٌ، عن قتادة: ذكر لنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشّر أصحابه بهذه الآية، فقال: ((لن يغلب عسرٌ يسرين)). ومعنى هذا: أن العسر معرّفٌ في الحالين؛ فهو مفردٌ واليسر منكّرٌ فتعدّد، ولهذا قال: ((لن يغلب عسرٌ يسرين)) يعني: قوله: {فإنّ مع العسر يسراً إنّ مع العسر يسراً} فالعسر الأوّل هو الثاني، واليسر تعدّد.

وقال الحسن بن سفيان: حدّثنا يزيد بن صالحٍ، حدّثنا خارجة، عن عبّاد بن كثيرٍ، عن أبي الزّناد، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ((نزل المعونة من السّماء على قدر المؤونة، ونزل الصّبر على قدر المصيبة)).

وممّا يروى عن الشافعيّ أنه قال:

صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا = من راقب الله في الأمور نجا

من صدّق الله لم ينله أذى = ومن رجاه يكون حيث رجا

وقال ابن دريدٍ: أنشدني أبو حاتمٍ السّجستانيّ:

إذا اشتملت على اليأس القلوب = وضاق لما به الصّدر الرّحيب

وأوطأت المكاره واطمأنّت = وأرست في أماكنها الخطوب

ولم تر لانكشاف الضّرّ وجهاً = ولا أغنى بحيلته الأريب

أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ = يمنّ به اللّطيف المستجيب

وكلّ الحادثات إذا تناهت = فموصولٌ بها الفرج القريب

وقال آخر:

ولربّ نازلةٍ يضيق بها الفتى = ذرعاً وعند الله منها المخرج

كملت فلمّا استحكمت حلقاتها = فرجت وكان يظنّها لا تفرج.

وقوله: {فإذا فرغت فانصب وإلى ربّك فارغب} أي: إذا فرغت من أمور الدّنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطاً فارغ البال، وأخلص لربّك النيّة والرغبة.

ومن هذا القبيل قوله صلّى الله عليه وسلّم في الحديث المتّفق على صحّته: ((لا صلاة بحضرة طعامٍ، ولا وهو يدافعه الأخبثان)). وقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((إذا أقيمت الصّلاة وحضر العشاء فابدؤوا بالعشاء)).

قال مجاهدٌ في هذه الآية: إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة فانصب لربّك.

وفي روايةٍ عنه: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك.

وعن ابن مسعودٍ: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام اللّيل.

وعن ابن عياضٍ نحوه.

وفي روايةٍ عن ابن مسعودٍ: {فانصب * وإلى ربّك فارغب} بعد فراغك من الصلاة وأنت جالسٌ.

وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فإذا فرغت فانصب} يعني: في الدعاء.

وقال زيد بن أسلم والضحّاك: {فإذا فرغت} أي: من الجهاد {فانصب} أي: في العبادة.

{وإلى ربّك فارغب}. قال الثّوريّ: اجعل نيّتك ورغبتك إلى الله عزّ وجلّ.

آخر تفسير {ألم نشرح}. ولله الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/429-433]