الدروس
course cover
تفسير سورة التكوير من آية (1-14)
22 Oct 2008
22 Oct 2008

23769

0

0

course cover
تفسير جزء عمّ

القسم الثاني

تفسير سورة التكوير من آية (1-14)
22 Oct 2008
22 Oct 2008

22 Oct 2008

23769

0

0


0

0

0

0

0

سورةُ التَّكْوِير

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14)}

هيئة الإشراف

#2

22 Oct 2008

تفسير سورة التكوير

(1-14){بسم الله الرحمن الرحيم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14)}أي: إذا حصلتْ هذهِ الأمورُ الهائلةُ، تميَّزَ الخلقُ، وعلمَ كلُّ أحدٍ ما قدَّمهُ لآخرتِهِ، وما أحضرهُ فيهَا منْ خيرٍ وشرٍّ، وذلكَ إذا كانَ يومُ القيامةِ تُكَوَّرُ الشمسُ أي: تجمعُ وتلفُّ، ويخسفُ القمرُ، ويلقيان في النارِ.

{وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ}أي: تغيَّرتْ، وتساقطتْ، مِنْ أفلاكِهَا.
{وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}أي: صارتْ كثيباً مهيلاً، ثمَّ صارتْ كالعهنِ المنفوشِ، ثم تغيَّرتْ وصارتْ هباءً منبثاً، وسُيِّرتْ الجبالُ عنْ أماكنهَا.
{وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ}أي: عطَّلَ الناسُ حينئذٍ نفائسَ أموالِهم التي كانُوا يهتمُّونَ لها ويراعونَها في جميعِ الأوقاتِ، فجاءَهمْ ما يذهلهُمْ عنهَا، فنبّهَ بالعشارِ، وهيَ النوقُ التي تتبعُهَا أولادُهَا، وهيَ أنفسُ أموالِ العربِ إذْ ذاكَ عندَهم، على ما هوَ في معناهَا منْ كلِّ نفيسٍ.
{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}أي:جمعتْ ليومِ القيامةِ، ليقتصَّ اللهُ منْ بعضهَا لبعضٍ، ويرَى العبادُ كمالَ عدلِهِ، حتَى إنَّهُ ليقتصُّ منَ القرناءِ للجمّاءِ، ثمَّ يقولُ لهَا: كوني تراباً.
{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}أي: أوقدتْ فصارتْ - على عظمهَا - ناراً تتوقدُ.
{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}أي: قرنَ كلُّ صاحبِ عملٍ معَ نظيرهِ، فجُمعَ الأبرارُ معَ الأبرار، والفجارُ معَ الفجارِ، وزُوِّجَ المؤمنونَ بالحورِ العينِ، والكافرونَ بالشياطين:
- وهذا كقولِهِ تعالَى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً}
- {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً}.
- {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ}.
{وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ}وهيَ التي كانتْ الجاهليةُ الجهلاءُ تفعلهُ منْ دفنِ البناتِ وهنَّ أحياءٌ منْ غيرِ سببٍ، إلاَّ خشيةَ الفقرِ، فتُسألُ: {بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} ومنَ المعلومِ أنَّها ليسَ لهَا ذنبٌ، ففي هذا توبيخٌ وتقريعٌ لقاتليهَا.

{وَإِذَا الصُّحُفُ}المشتملةُ على مَا عملَهُ العاملونَ منْ خيرٍ وشرٍّ {نُشِرَتْ} وفُرِّقتْ على أهلهَا، فآخِذٌ كتابَهُ بيمينهِ، وآخذٌ كتابَهُ بشمالِهِ، أو من وراءِ ظهرهِ.

{وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ}أي: أُزيلتْ:
- كما قالَ تعالَى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ}.
- {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}.
- {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}.
{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ}أي: أُوقدَ عليهَا فاستعرتْ، والتهبتْ التهاباً لمْ يكنْ لهَا قبلَ ذلكَ، {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} أي: قُرِّبتْ للمتقينَ.
{عَلِمَتْ نَفْسٌ}أي: كلُّ نفسٍ؛ لإتيانهَا في سياقِ الشرطِ.
{مَا أَحْضَرَتْ}أي: ما حضرَ لديهَا منَ الأعمالِ [التي قدمتهَا] كمَا قالَ تعالَى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً}.
وهذهِ الأوصافُ التي وصفَ اللهُ بهَا يومَ القيامةِ، منَ الأوصافِ التي تنزعجُ لهَا القلوبُ، وتشتدُّ من أجلِهَا الكروبُ، وترتعدُ الفرائصُ، وتعمُّ المخاوفُ، وتحثُّ أولي الألبابِ للاستعدادِ لذلكَ اليومِ، وتزجرهُمْ عنْ كلِّ ما يوجبُ اللومَ، ولهذا قالَ بعضُ السلفِ: (منْ أرادَ أنْ ينظرَ ليومِ القيامةِ كأنَّهُ رأيُ عينٍ، فليتدبرْ سورةَ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}).

هيئة الإشراف

#3

22 Oct 2008

سُورَةُ التَّكْوِيرِ

أَخْرَجَ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}, وَ {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ}, وَ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ})).
1- {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}: كُوِّرَتْ مِثْلَ شَكْلِ الكُرَةِ، تُلَفُّ فَتُجْمَعُ فَيُرْمَى بِهَا.
2- {وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ}؛ أَيْ: تَهَافَتَتْ وَانْقَضَتْ وَتَنَاثَرَتْ، وَقِيلَ: انْكِدَارُهَا: طَمْسُ نُورِهَا.
3- {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ}؛ أَيْ: قُلِعَتْ عَن الأَرْضِ، وَسُيِّرَتْ فِي الْهَوَاءِ.
4- {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} الْعِشَارُ: النُّوقُ الحواملُ الَّتِي فِي بُطُونِهَا أَوْلادُهَا، وَخَصَّ العِشَارَ؛ لأَنَّهَا أَنْفَسُ مَالٍ عِنْدَ الْعَرَبِ وَأَعَزُّهُ عِنْدَهُمْ. وَمَعْنَى عُطِّلَتْ: تُرِكَتْ هَمَلاً بِلا رَاعٍ؛ وَذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوا من الهَوْلِ الْعَظِيمِ.
5- {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} الْوُحُوشُ: غَيْرُ المُسْتَأْنَسِ مِن دوابِّ الْبَرِّ، وَمَعْنَى حُشِرَتْ: بُعِثَتْ حَتَّى يُقْتَصَّ لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ. وَقِيلَ: حَشْرُهَا: مَوْتُهَا.
6- {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}؛ أَيْ: أُوقِدَتْ، فَصَارَتْ نَاراً تَضْطَرِمُ.
7- {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}؛ أَيْ: زُوِّجَتْ نُفُوسُ الْمُؤْمِنِينَ بالحُورِ العِينِ، وَقُرِنَتْ نُفُوسُ الْكَافِرِينَ بالشَّيَاطِينِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أُلْحِقَ كُلُّ امْرِئٍ بِشِيعَتِهِ: الْيَهُودُ باليهودِ، وَالنَّصَارَى بالنَّصَارَى، والمَجُوسُ بالمجوسِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئاً مِنْ دُونِ اللَّهِ يَلْحَقُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَالْمُنَافِقُونَ بِالْمُنَافِقِينَ، وَيَلْحَقُ الْمُؤْمِنونَ بِالْمُؤْمِنِينَ.
9،8 - {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}؛ أَي: المَدْفُونَةُ حَيَّةً، وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا وُلِدَتْ لأَحَدِهِمْ بِنْتٌ دَفَنَهَا حَيَّةً؛ مَخَافَةَ العَارِ أَو الحَاجَةِ. يُوَبِّخُ قَاتِلُهَا؛ لأَنَّهَا قُتِلَتْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ فَعَلَتْهُ.
10- {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} يَعْنِي: صَحَائِفُ الأَعْمَالِ نُشِرَتْ لِلْحِسَابِ.
11- {وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ}؛ أَيْ: تَشَقَّقَتْ وَأُزِيلَتْ.
12- {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ}: أُوقِدَتْ لأَعْدَاءِ اللَّهِ إِيقَاداً شَدِيداً، قَالَ قَتَادَةُ: سَعَّرَهَا غَضَبُ اللَّهِ وَخَطَايَا بَنِي آدَمَ.
13- {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ}:قُرِّبَتْ إِلَى الْمُتَّقِينَ وَأُدْنِيَتْ مِنْهُمْ. قِيلَ: هَذِهِ الأُمُورُ الاثْنَا عَشَرَ: سِتٌّ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا، وَهِيَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ}، وَسِتٌّ فِي الآخِرَةِ، وَهِيَ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} إِلَى هُنَا، وَجَوَابُ الْجَمِيعِ قَوْلُهُ:
14- {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}. الْمُرَادُ: عَلِمَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا أَحْضَرَتْهُ عِنْدَ نَشْرِ الصُّحُفِ، يَعْنِي: مَا عَمِلَتْ منْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ.

هيئة الإشراف

#4

22 Oct 2008

المتن :

سورةُ التَّكْوِير


قال صلى الله عليه وسلم: ((من سرَّه أن ينظرَ إلى يوم القيامة كأنه رأيَ عَيْنٍ، فليقرأ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، {وَإِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ}، {وَإِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ})).
وقد وردَ عن أُبي بن كعبٍ رضي الله عنه أنَّ الآيات الستَّ الأُولى تكونُ في آخرِ الزمان والناس ينظرونَ إليها، والستَّ الأخيرةَ تكون في يوم القيامة.

1- قولُه تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} أي: إذا جُمع جِرمُ الشمس، وذهب ضوؤها، فأُلقيت في النار(1).
2- قولُه تعالى: {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} أي: وإذا نجومُ السماءِ وقعت وانتثَرت، فتغيَّرت وطُمسَ ضوؤها(2).
3- قولُه تعالى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} أي: وإذا هذه الجبالُ العظيمةُ قد أمر الله بتحريكِها من مكانها، فسَارت(3).
4-قولُه تعالى: {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} أي: وإذا النُّوقُ الحوامِلُ التي بلَغت الشهرَ العاشرَ من حَمْلِها، التي هي أنفسُ أموالهم، قد أهملَها أهلها وتركوها من هَوْلِ الموقف (4)
5-قولُه تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} أي: وإذا الحيواناتُ البرِّيَّة التي لم تأنسْ بالإنسان جُمِعت معه وزالَ ما بينهما من الاستيحاشِ بسبب هَوْلِ الموقف(5).
6- قولُه تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} أي: وإذا هذه البحارُ امتلأت بالماء، ففاضت به، ثم أُوقِدت، فذهبَ ما فيها من الماء(6).
7- قولُه تعالى(7): {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} أي: إذا الأشخاصُ الذين يعملونَ أعمالاً متشابهة، يُقْرَنُ بينهم، فيُقرنُ الكافرُ مع الكافرِ، والمؤمنُ مع المؤمن، واليهوديُّ مع اليهوديِّ، والنصرانيُّ مع النصراني، وهكذا(8).
8- 9- قولُه تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} أي: وإذا سألَ اللهُ البنتَ المدفونةَ وهي على قيد الحياة: ما الجريمةُ التي فَعلتيها حتى يدفِنكِ أهلُك، فيقتلونَكِ بهذا الدفن(9) ؟.
وهذا فيه تبكيتٌ لقاتِلها، وتهويلٌ للموقف الذي يُسأل فيه المجني عليه، فما ظنُّكَ بما يلاقيه الجاني لهذه الجنايةِ البشعة؟.
10- قولُه تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} أي: وإذا ما كُتِبَتْ به أعمالُ العبادِ من الصُّحف قد فُتحت، ليقرأَ كلٌّ كتابَ أعمالِه؛ كقوله تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء: 14].
11- قولُه تعالى: {وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ} أي: وإذا نُزِعَتِ السماءُ كما يُنزعُ الجلدُ من الذبيحة(10).
12- قولُه تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} أي: وإذا نارُ الجحيمِ أُوقِدَت، فزاد حرُّها.
13-قولُه تعالى: {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} أي:وإذا الجنةُ التي أُعِدَّت للمتقين، قُرِّبَت وأُدْنِيَت(11).
14- قولُه تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} أي: إذا وَقعت هذه الأحداث، فإنَّ كُلَّ نفسٍ مؤمنةٍ وكافرةٍ تعلمُ علماً يقينياً بالذي جاءت به الأعمال لهذا اليوم؛ كما قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً}(12) [آل عمران: 30].




الحاشية :
(1) عبَّر السلف عن التكوير بالعبارات الآتية:

1- ذهبت، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، والضحَّاك من طريق عبيد، وقال مجاهد من طريق أبي يحيى: اضمحلَّت وذهبت، وقال سعيد بن جبير من طريق جعفر: غُوِّرت.

2- ذهب ضوؤها، وهو قول أبي بن كعب من طريق أبي العالية، وقتادة من طريق شعبة، وقال ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة: أظلمت.
3- رُمي بها، وهو قول الربيع بن خثيم، وأبي صالح من طريق إسماعيل، وفي رواية أخرى من طريق إسماعيل: نُكِّسَت.
وهذه الأقوال ترجع إلى معنيين:
- ذهابها بذاتها، يلحقه ذهاب ضوئها.
- ورميها.

وعلى هذه التفاسير يكون التكوير محتملاً لهذين الأمرين، ويربط بينهما أنهما من الأحوال التي تَمُرُّ بها الشمس في ذلك اليوم، فجاءت هذه اللفظةُ الواحدةُ دالةً على هذه المعاني، والله أعلم.

قال ابن جرير الطبري:(والصواب من القول عندنا في ذلك أن يقال: (كُوِّرت) كما قال الله جل ثناؤه، والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشيء إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لَفُّهَا على الرأس، وكتكوير الكَارَةِ، وهي جَمْعُ الثيابِ بعضها إلى بعض ولَفُّها، وكذلك قوله: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إنما معناه: جُمِعَ بعضُها إلى بعض، ثم لُفَّت، فرُمي بها، وإذا فُعل ذلك بها ذهب ضوؤها، فعلى التأويل الذي تأوَّلناه وبينَّاه لكِلا القولين اللذَينِ ذكرتُ عن أهل التأويل وجه صحيح، وذلك أنها إذا كوِّرت ورُمي بها ذهب ضوؤها).


وعلى هذا الترجيح من الطبري يزيد معنى اللفِّ والجمع، ولم أجِدْهُ لأحدٍ من السلف قبل الطبري، وهو مستنبَطٌ من المعنى اللغويِّ للتكوير، كما أنَّ من قال: رُمي بها، فإنه مأخوذٌ من معنىً لغويٍّ آخر في مادة التكوير، تقول: كوَّرتُ الرجلَ؛ أي: طرحتَه في الأرض، وقد ورد في الحديث:((الشمسُ والقمرُ ثورانِ مكوَّران في القار)) وهذا يشهد لهذا المعنى التفسيري، ويزيد عليه بيانَ مآلِ الشمس.

أمَّا من فسَّرها بذهبت واضمحلَّت فإن ذلك لازمُ لفِّها كما ذكر الطبري، وإذا ذهبت ذهبَ ضوؤها، والله أعلم. (2) ورد في تفسير الانكدار قولان:

الأول: تناثرت، وهو قولُ الربيع بن خثيم، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وأبي صالح من طريق إسماعيل، وقتادة من طريق سعيد، وعبارته: (تساقطت وتهافتت)، وابن زيد وعبارته: (رُمي بها من السماء إلى الأرض).

والثاني: تغيَّرت، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة.
وهذان القولان ليس بينهما تضاد، بل الثاني من لوازم الأول، والمعنى أنها إذا تساقطت؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ} [الانفطار: 2]، فإنها تتغير ويذهب ضوؤها؛ كما قال تعالى: {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ} [المرسلات: 8]، وهذان القولانِ مرجِعهما اللغة:
فالأولُ جعل اللفظَ من الانكدار، أي الانصباب؛ كما قال العجاج:


تَقَضِّيَ البازي إذا البازي كَسَرْ = أَبـْصـَرَغـِرْبـَانَ فَضَاءٍ فَانْكَدَرْ

والمعنى الثاني مأخوذ من الكُدرة، وهي التغيُّر، تقول: كدرت الماء فانكدر؛ أي: تغيَّر بما يكدر صفاءَهُ، وهذا من اختلاف التنوع الذي يرجع إلى معنيين غير متضادين، ويجوز أن يرادا في الآية، ويكون سببُ الاختلافِ الاشتراكَ اللغويَّ في لفظ: انكدرت، والله أعلم.
(3) عبَّر مجاهد عن معنى التسيير بقوله: (ذهبت) وهذا من لوازم تسيير الجبال؛ لأنها إذا سارت فقد ذهبت، والله أعلم.


وهذه الآية كقوله تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (20)} وجاء الفعلُ على صيغة المفعول للاهتمام بالحَدَثِ، وللدلالة على أن هذا الفعل يكون مبدؤه بفعلِ فاعلٍ فيها، ثم إنها تنفعلُ لهذا الحدَث فتسير؛ كما قال تعالى: {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً (10)}، ويظهر أن هذه أولُ حالٍ من الأحوال التي تمرُّ بها الجبال في ذلك اليوم، والله أعلم.
(4) كذا قال السلف: أُبيُّ بن كعب من طريق أبي العالية، والربيع بن خثيم، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح وأبي يحيى، والحسن من طريق عوف، وقتادة من طريق معمر، والضحَّاك من طريق عبيد المكتب.
(5) اختلف السلف في تفسير عبارة الحشر هنا:

1-فجعله ابن عباس من طريق عكرمة: (الموت)، وقال الربيع بن خثيم: (أتى عليها أمرُ الله).
2-وقال أُبيُّ بن كعب من طريق أبي العالية: (اختلطت).
3-وفسَّره قتادة من طريق سعيد بالجمْعِ قال: (هذه الخلائقُ موافيةٌ يومَ القيامة، فيقضي الله فيها ما يشاء).

وهذا تفسيرُ معنى، ولم ينص فيه على مدلول اللفظ مطابَقَةً، لكن يفهم من قوله أن الحشرَ الجمعُ، والله أعلم.

وقد رجَّح الإمام ابن جرير قول قتادة وأردفَه بقول ابن عباس فقال: (وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصواب، قولُ من قال: معنى حشرت: جُمعت، فأميتت؛ لأن المعروف في كلام العرب من معنى الحشر: الجمع؛ ومنه قول الله: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً} [ص: 19] يعني: مجموعة، وقوله: {فَحَشَرَ فَنَادَى} [النازعات: 23]، وإنما يُحمل تأويلُ القرآنِ على الأغلب الظاهر من تأويله، لا على الأَنْكَرِ المجهول).
ولعلَّكَ تلاحظُ أنه استشهد لمعنى الجمع، ولم يستشهد لمعنى الموتِ الذي ذكره في أولِ كلامه! وتفسيرُ ابن عباس يظهر منه أن هذه الدلالة اللغوية للحشر مختصَّة بحشر الحيواناتِ في آخر الزمانِ، حيث قال: (حَشْرُ البهائم: موتها، وحَشرُ كل شيء: الموت، غير الجنِّ والإنس، فإنهما يوقَفان يوم القيامة).
وإن لم تحمله على ذلك، فإنك ستلاحظ أنه أفادَ زيادةً على معنى الجمع؛ أي: نتيجة هذا الجمع ولازمه، وهو مآل هذه الحيوانات بعد هذا الحشر، والله أعلم.
أما تفسيرُ أبي بن كعب، فإن لم تحمله على أنه معنىً لغوي آخر للحشر، فإنه من لوازم الحشر؛ أي: أنَّ جمعَ هذه الحيوانات جعلها تختلطُ ببعضها دون خوفٍ أو غيره مما كان من حالها قبل ذلك، والله أعلم.
(6) قُرئ حرف (سُجِّرت) بتخفيف الجيم وتشديدها، وفي التشديد مبالغة في السَّجْرِ، وكِلا القراءتين جاءت على صيغة المفعول للاهتمام بالحدث.

وقد اختلف السلف في تفسير التَّسْجير في هذه الآية على أقوال:
الأول:أُشعلت وأُوقدت، وهذا قول أُبي بن كعب من طريق أبي العالية، وابن عباس من طريق شيخ من بجيلة، وابن زيد، وشمر بن عطية، وسفيان الثوري من طريق ابن مهران، ومن طريق سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنَّم؟ فقال: في البحر، فقال: ما أُراه إلا صادقاً){وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6]، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] مخفَّفة.

الثاني: فاضت، وهو قول الربيع بن خثيم، وقال الكلبي: مُلئت، وجعلها نظير قوله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6].
الثالث: فجِّرت، وهو قول الضحَّاك من طريق عبيد، وكأنه جعلها نظير قوله تعالى: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3].
الرابع: ذهبَ ماؤها، وهو قول قتادة من طريق معمر وسعيد، وقال الحسن من طريق أبي رجاء وسليمان بن المعتمر: يبسَت.
قال أبو جعفر الطبري: (وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: مُلئت حتى فاضت، فانفجرت وسالت، كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال:{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار: 3]، والعرب تقول للركِيِّ المملوء: ماء مسجور، ومنه قول لبيد:

فتوسّطا عرض السري وصدعا = مــسـجـورةًمــتـجــاوراً قلاّمــها

ويعني بالمسجورة: المملوءة ماء).

والسَّجْرُ في لغة العرب يطلق على معان ثلاثة مما ذكر في التفسير، وهي:

- الامتلاء.

- والإيقاد.
- واليُبس.
ومن ثمَّ فإن الآية تحتمل هذه المعاني الثلاثة التي ذكرها السلف، ويمكن الجمع بينها على أن هذه من المراحل التي تمرُّ بها البحار في ذلك الزمان، فعبَّر بلفظٍ يدلُّ على هذه المراحل جميعها، والله أعلم.
وإذا صحَّ ذلك، فإن الأمرَ يكون بأن تتفجَّر البحارُ ويفيضَ بعضها على بعض، حتى تصير بحراً واحداً ممتلئاً، ثم تُوقدَ بالنار - التي ورد في بعض الآثار أنها تحت البحر - ثم تَيْبَسَ ويذهبَ ماؤها، والله أعلم.
ويظهرُ أن سببَ الاختلاف هنا: الاشتراك اللغوي في لفظ (سُجِّرت) وهو من قبيل اختلاف التنوع الذي يرجع إلى أكثر من قولٍ، كما يُلاحَظُ أن بين قولي الامتلاء واليُبس تضاداً، ولكن جاز حمل الآية عليهما لاختلاف الحال والوقت الذي يكون فيه هذان المعنيان، والله أعلم.
(7) هذه الآية وما بعدها تكون بعدَ البعثِ كما ذكر أبي بن كعب، وهذا ظاهر من أمر هذه الآياتِ الستِّ القادمة، والله أعلم.
(8) اختلف السَّلف في تفسير الآية على قولين:
الأول: أُلحِقَ كلُّ إنسانٍ بشكله، وقُرِنَ بين الضُّرَباء والأمثال، وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (هما الرجُلان يعملان العمل، فيدخلان به الجنة، وقال: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] قال: ضُرَباءهم).

وقال ابن عباس من طريق العوفي: (ذلك حين يكون الناس أزواجاً ثلاثة) وهو قول الحسن من طريق عوف، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد، والربيع بن خثيم.

الثاني: رُدَّتِ الأرواحُ إلى الأجسادِ، فجُعلت لها زوجاً، وهو قول عكرمة من طريق أبي عمرو، والشعبي من طريق داود.
والقول الأول هو الراجح، قال الطبري: (وأَوْلى التأويلين في ذلك بالصحَّة، الذي تأوَّلَه عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلَّة التي اعتلَّ بها، وذلك قوله تعالى ذكره: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} [الواقعة: 7]، وقوله: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22]، وذلك - ولا شك - الأمثال والأشكال في الخير والشر، وكذلك قوله: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] بالقُرناء والأمثال في الخير والشر).
(9) لا يخفى عليك أيها القارئُ ما تَقومُ به الحضارة المعاصِرة من الوَأْد، وذلك ما يسمَّى بالإجهاض.

(10) قال مجاهد من طريق ابن أبي نجيح: (جُذِبَت) وهذا من لوازم الكَشْطِ؛ لأنه لا يكون كَشْطٌ إلا بِجَذْبٍ، والله أعلم.

وهذه أحدُ الأحوالِ التي تمرُّ بها السماء في يوم القيامة، ومن أحوالها ما ذكرَهُ الله في قوله: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104]، وقوله: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن: 37]، وقوله: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، وغيرها.
(11) قال الربيع بن خثيم في قوله تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ}: (إلى هذين ما جرى الحديث: فريق إلى الجنة، وفريق إلى النار).
وشرح الطبري قوله هذا فقال: (يعني الربيع بقوله: (إلى هذين ما جرى الحديث) أن ابتداء الخبر{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} إلى قوله: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} إنما عدِّدت الأمور الكائنة التي نهايتُها أحد هذين الأمرين، وذلك المصير إما إلى الجنة، وإما إلى النار).
(12) روي عن عمر بن الخطاب قوله: (إلى هذا جرى الحديث).
وجملة {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} جواب (إذا) في المواطن السابقة كلِّها، والتقدير: إذا الشمسُ كوِّرت، علِمت نفسٌ ما أحضرت، وإذا النجوم انكدرت، علِمت نفسٌ ما أحضرت، وهكذا.
ولا شك أن العلمَ بما عمِلت يتفاوتُ في هذه الأزمان التي تقع فيها هذه الأحداث، غير أنها لما كانت مترابطةً إذا حدثَ الحدثُ الأول تبعته الأحداثُ الأخرى كما تنفرِطُ خرزات السُّبْحة من خيْطِها، جاز الجوابُ عنها بهذا الجوابِ الشاملِ، وإن كان وقوعُ ذلك الجواب وقوعاً عينياً يكون بعد كشفِ الصحفِ وقراءتها، والله أعلم. (انظر: التحرير والتنوير).

هيئة الإشراف

#5

22 Oct 2008

القارئ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (14)}
الشيخ:بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
هذه سورة التكوير يبين الله -جل وعلا- فيها حال الخلق حين تقوم الساعة، وقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي العين فليقرأ: إذ الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت)) وهذا الحديث حسنه بعضهم، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَدِيثٌ لا يَثْبُتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن راويه عن عبد الله بن عمرو وهو عبد الرحمن بن يزيد السمعاني؛ لم يتأهل لمثل رواية هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو.
والصواب: أنه حديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه السورة قرئت عند أبي الوفاء بن عقيل فسأله سائل فقال له: (هب أن الله -جل وعلا- بعث الخلق وجازاهم؛ فلماذا يكور الشمس، ويذهب النجوم، ويسير الجبال؛ إلى غيرها ؟)
فأجاب عنه ابن عقيل: بأن الله -جل وعلا- خلق هذه الدار وخلق لها سكاناً، فلما ذهب أهلها خربت.
وكذلك الله -جل وعلا- خلق هذا الكون ليستدل به العباد على الله جل وعلا، فإذا كان يوم القيامة فإن هذا الكون يخرب وما فيه؛ ليظهر الله -جل وعلا- للملحدين والكافرين أن هذه النجوم التي كانوا يعبدوها؛ أوالشمس التي كانوا يعبدونها؛ أو الحجارة التي كانوا يعبدونها من دون الله جل وعلا؛ أنها ذهبت وتلاشت ولم يبق إلا الله جل وعلا، ليستدل به على أن الله -جل وعلا- هو مدبر هذا الكون وما فيه.


قال الله جل وعلا: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} يعني: أن الشمس يوم القيامة تكور وتلف كما تلف العمامة، فيذهب ضوؤها، ثم بعد ذلك تلقى في النار، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في(صحيح البخاري) أنه قال: ((الشمس والقمر يكوران يوم القيامة)) وجاء من طريقين آخرين في غير (صحيح البخاري) من حديث أبي هريرة، وأسانيدها ظاهرها الصحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة)) معناه: أنهما يكونان كالثورين المجروحين إذا ألقي بهما في النار يوم القيامة.


والله -جل وعلا- قد بين معنى هذه الآية: وأن الشمس يذهب ضوؤها في قوله جل وعلا: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} فهما يجمعان ويلقيان في النار، وقد جاء ذلك عن غير واحد من السلف.

ثم قال جل وعلا: {وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ} معناه: أن النجوم تتساقط وتنتثر، كما أخبر الله -جل وعلا- في قوله: {وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ}.
ثم قال جل وعلا: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} وقد تقدمت هذه الآية.
{وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} يعني بالعشار: الإبل التي تكون الواحدة منها قد بلغت عشرة أشهر في حملها، فإن العشار جمع عُشَرَاء والعشراء هي: الناقة الحامل إذا بلغت عشرة أشهر تسمى عشراء حتى تضع ما في بطنها بتمام العام.

قال الله -جل وعلا- في هذه الآية:{وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} يعني: أن أهل هذه الإبل يعطلونها ولا ينتفعون بها؛ لأنهم قد جاءهم ما يشغلهم من الأمور العظام، ونبه الله -جل وعلا- بالعشار؛ لأنها كانت أموالاً نفيسة عند العرب، ويحتمل كما دل عليه ظاهر هذه الآية أن الناس يعتنون بها في آخر الدنيا؛ حتى يتحقق ما قاله الله -جل وعلا- في هذه الآية.
ثم قال جل وعلا: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} أي: أن الوحوش التي في الصحاري تنفر من الناس لا يستطيعون إمساكها إلا بشق الأنفس يجمعها الله -جل وعلا- إذا قامت الساعة؛ لأن الله -جل وعلا- يجمع الخلائق كلهم كما قال الله جل وعلا: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}.

ثم قال جل وعلا: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} يعني: أن البحار يوم القيامة تسجر، ويوقد عليها حتى تكون ناراً؛ وهذا كما قال الله -جل وعلا- في سورة الطور: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} لأن هذه البحار يوم القيامة ينفجر بعضها على بعض وتكون شيئاً واحداً ويزول الحاجز الذي جعله الله -جل وعلا- بينها، كما في قوله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ} فإذا انفجر بعضها على بعض أججها الله -جل وعلا- ناراً، وتفجير بعضها على بعض سيأتي في سورة الانفطار إن شاء الله.
ثم قال الله جل وعلا: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} أي: أن كل نفس تجمع إلى نفسها التي تشاركها في الصفة، فيجمع أصحاب اليمين إلى أصحاب اليمين، وأصحاب الشمال إلى أصحاب الشمال، والمقربون يجمعون بعضهم إلى بعض، كما قال الله جل وعلا: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً (7) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} وقال جل وعلا:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فكل رجل وكل امرأة يجمع إلى من يشاركه في الأوصاف، فالمؤمنون يجمعون إلى المؤمنين، والمنافقون يجمعون إلى المنافقين، والكفار يجمعون إلى الكفار، يقرن بين كل نفس وأخرى، وقد جاء في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}((الظرباء يعني: الأصناف كل رجل يجمع إلى كل قوم يعملون عمله)) وهذا الحديث أورده الحافظ ابن كثير وسكت عليه، وهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، في سنده الوليد بن عبد الله بن أبي ثور وهو رجل ضعيف، ولكن من السلف وكثير من السلف على تفسير هذه الآية بما تقدم.


ثم قال جل وعلا: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9)}، العرب كانوا في الجاهلية يئدون البنات بمعنى: أنهم كانوا يدفنونهن وهن أحياء فحرم الله -جل وعلا- ذلك عليهم؛ لأنه لا يحل أن تقتل نفس إلا بحق، وهذه نفس قتلت بغير حق، ولبشاعة هذه الجريمة سواءً في تنفيذها أو في الباعث عليها؛ فإن الله -جل وعلا- يسأل أصحابها يوم القيامة سؤال تبكيت وتقريع لهم على رؤوس الأشهاد؛ لأنهم لا جواب عندهم، والله -جل وعلا- لا يسألهم سؤال المستعلم؛ لأنه يعلم ذلك، وإنما يسألهم -جل وعلا- ليقرعهم ويوبخهم في ذلك اليوم العظيم.

كما قال الله -جل وعلا- في سورة المائدة: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} فالله -جل وعلا- لا يسأل عيسى بن مريم يوم القيامة سؤال استعلام واستخبار، وإنما يسأله -جل وعلا- ليقيم الحجة، ويقرع ويوبخ أولئك الذين عبدوا عيسى عليه السلام.
بين الله -جل وعلا- سبب وأدهم للبنات في سورة النحل في قوله جل وعلا: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)} فهم كانوا يرون البنت عاراً على أهلها فيئدونها من أجل ذلك.


وذكر بعض العلماء أيضاً أنهم كانوا يئدون البنات وربما الذكور معهم لأمر آخر وهو خشية الفقر:

- كما قال الله -جل وعلا- في سورة الأنعام: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}.

- وقال جل وعلا في سورة الإسراء: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً}.
ثم قال جل وعلا: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} يعني: أن الصحف يوم القيامة صحف العباد تنشر ليراها كل عبد ويقرأ ما فيها لتقام عليه الحجة، والحجة قائمة لبعث الأنبياء والمرسلين، ولكن هذا من عدل الله جل وعلا، وهذه الآية كما قال الله جل وعلا: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً}.
ثم قال جل وعلا: {وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ} يعني: أن السماء يوم القيامة تكشط وتنزع؛ كما ينزع الجلد من الشاة وقد تقدم بيان ذلك في سورة النبأ.
ثم قال جل وعلا:{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} يعني: أن النار يوم القيامة يوقد عليها إيقاداً بليغاً شديداً.
قال بعض العلماء: إنها يوقد عليها إيقاداً شديداً لغضب الرب -جل وعلا- في ذلك اليوم غضباً عظيماً؛ لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، ولهذا قال بعض العلماء: إن سبب تسجيرها وتأجيجها في ذلك اليوم هو غضب الرب جل وعلا، ولهذا رب العالمين سمى هذه النار سعيراً في مواضع من كتابه.
ثم قال جل وعلا:{وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} يعني: أن الجنة تقرب لعباد الله المؤمنين فيرونها قبل أن يدخلوها، وهذا زيادة في نعيمهم كما قال الله -جل وعلا- في سورة الشعراء: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} وقال -جل وعلا- في سورة ق: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ}.
ثم قال جل وعلا:{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}وهذا هو جواب الشرط في أول السورة، فقد ذكر الله -جل وعلا- لهذا اليوم أو ذكر أنه يجري في ذلك اليوم اثنا عشر أمراً، ستة منها وقت قيام الساعة، وستة منها بعد قيامها.
وقوله: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} أي: أن كل نفس يوم القيامة تعلم علماً يقينياً لاشك فيه ما عملته طيلة حياتها، سواء ما عملته في أول عمرها أو في آخره، أو ما سنَّته فعمل به بعد وفاتها، كل ذلك من خير أو شر فإنه يحضر يوم القيامة، ويعلمه العباد ويرونه رأي العين:
- كما قال الله جل وعلا:{وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}.
- وقال جل وعلا: {يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}.
- وقال جل وعلا: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ}.
- وقال جل وعلا: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً}.

هيئة الإشراف

#6

22 Oct 2008

تفسير سورة التكوير

تنبيه على بيان ضعف حديث: (من سره أن ينظر إلى يوم القيامة ...)
ما قيل في الحكمة من تكوير الشمس وانكدار النجوم يوم القيامة
تفسير قول الله تعالى: ( إذا الشمس كورت )

أقوال السلف في المراد بالتكوير
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا النجوم انكدرت )
أقوال السلف في المراد بالانكدار
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا الجبال سيرت )
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا العشار عطلت )
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا الوحوش حشرت )
أقوال السلف في المراد بعبارة الحشر
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا البحار سجرت )
القراءات في " سجِّرت "
أقوال السلف في المراد بالتَّسجير
إطلاقات السَّجر في اللغة ومناسبتها لأقوال المفسرين
سبب الاختلاف في معنى (سجِّرت)
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا النفوس زوجت )
أقوال السلف في تفسير قوله تعالى : ( وإذا النفوس زوجت )
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا الموؤودة سئلت ، بأي ذنب قتلت )
التسمية العصرية (للوَأد )
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا الصحف نشرت )
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا السماء كشطت )
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا الجحيم سعرت )
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا الجنة أزلفت )
تفسير قول الله تعالى: ( علمت نفس ما أحضرت )
ما تضمنته هذه السورة العظيمة من التخويف من أهوال يوم القيامة

هيئة الإشراف

#7

25 Jan 2009

الأسئلة

س1: اذكر أقوال المفسرين رحمهم الله تعالى في معنى التكوير.
س2: ورد في هذه الآيات اثنا عشر أمراً من أهوال اليوم الآخر، ستة منها تقع في الدنيا والناس ينظرون، والستة الأخرى تقع يوم القيامة، عدد هذه الأهوال على ضوء هذا التقسيم.
س3: بين معاني المفردات التالية: انكدرت، العِشَار، عُطِّلت، سُجرت، زُوِّجت، الموءودة، نُشرت، كُشطت، سُعرت، أُزلفت، أُحضرت.
س4: بين الحكمة من سؤال الموءودة.
س5: اذكر تفسيراً إجمالياً مختصراً لهذه الآيات.
س6: اذكر أقوال المفسرين في معنى الانكدار.
س7: بين الحكمة من ذكر تعطيل العشار دون سائر الأموال.
س8: اذكر أقوال المفسرين في المراد بتزويج النفوس يوم القيامة.
س9: بين لم سميت الجحيم بهذا الاسم.
س10: تحدث باختصار عن الأسلوب البلاغي الحكيم في التخويف من أهوال يوم القيامة في هذه السورة.

هيئة الإشراف

#8

9 Apr 2014

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة التّكوير وهي مكّيّةٌ.
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا عبد اللّه بن بحيرٍ القاصّ: أنّ عبد الرّحمن بن يزيد الصّنعانيّ أخبره أنّه سمع ابن عمر يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنّه رأي عينٍ فليقرأ:{إذا الشّمس كوّرت} و{إذا السّماء انفطرت} و{إذا السّماء انشقّت})).
وهكذا رواه التّرمذيّ عن العبّاس بن عبد العظيم العنبريّ، عن عبد الرّزّاق به.
قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {إذا الشّمس كوّرت}. يعني: أظلمت.
وقال العوفيّ عنه: ذهبت.
وقال مجاهدٌ: اضمحلّت وذهبت. وكذا قال الضّحّاك.
وقال قتادة: ذهب ضوؤها.
وقال سعيد بن جبيرٍ: {كوّرت}: غوّرت.
وقال الرّبيع بن خثيمٍ: {كوّرت}. يعني: رمي بها.
وقال أبو صالحٍ: {كوّرت}: ألقيت. وعنه أيضاً: نكّست.
وقال زيد بن أسلم: تقع في الأرض.
قال ابن جريرٍ: والصّواب من القول عندنا في ذلك أنّ التّكوير: جمع الشّيء بعضه على بعضٍ، ومنه تكوير العمامة وهو لفّها على الرّأس، وكتكوير الكارة، وهي: جمع الثّياب بعضها إلى بعضٍ، فمعنى قوله: {كوّرت}: جمع بعضها إلى بعضٍ ثمّ لفّت فرمي بها، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ وعمرو بن عبد اللّه الأوديّ، حدّثنا أبو أسامة، عن مجالدٍ، عن شيخٍ من بجيلة، عن ابن عبّاسٍ: {إذا الشّمس كوّرت}. قال: يكوّر اللّه الشّمس والقمر والنّجوم يوم القيامة في البحر، ويبعث اللّه ريحاً دبوراً فتضرمها ناراً. وكذا قال عامرٌ الشّعبيّ.
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن ابن يزيد بن أبي مريم، عن أبيه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال في قول اللّه: {إذا الشّمس كوّرت}. قال: ((كوّرت في جهنّم)).
وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدّثنا موسى بن محمّد بن حيّان، حدّثنا درست بن زيادٍ، حدّثنا يزيد الرّقاشيّ، حدّثنا أنسٌ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((الشّمس والقمر ثوران عقيران في النّار)). هذا حديثٌ ضعيفٌ؛ لأنّ يزيد الرّقاشيّ ضعيفٌ، والذي رواه البخاريّ في الصّحيح بدون هذه الزّيادة، ثمّ قال البخاريّ: حدّثنا مسدّدٌ، حدّثنا عبد العزيز بن المختار، حدّثنا عبد اللّه الدّاناج، حدّثني أبو سلمة بن عبد الرّحمن، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((الشّمس والقمر يكوّران يوم القيامة)). انفرد به البخاريّ، وهذا لفظه، وإنّما أخرجه في كتاب (بدء الخلق)، وكان جديراً أن يذكره ههنا أو يكرّره كما هي عادته في أمثاله، وقد رواه البزّار فجوّد إيراده فقال:
حدّثنا إبراهيم بن زيادٍ البغداديّ، حدّثنا يونس بن محمّدٍ، حدّثنا عبد العزيز بن المختار، عن عبد اللّه الدّاناج قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرّحمن بن خالد بن عبد اللّه القسريّ في هذا المسجد مسجد الكوفة، وجاء الحسن فجلس إليه فحدّث قال: حدّثنا أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((إنّ الشّمس والقمر نوران في النّار يوم القيامة)): فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال: أحدّثك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتقول - أحسبه قال-: وما ذنبهما؟! ثمّ قال: لا يروى عن أبي هريرة إلاّ من هذا الوجه، ولم يرو عبد اللّه الدّاناج عن أبي سلمة سوى هذا الحديث.
وقوله: {وإذا النّجوم انكدرت}. أي: انتثرت.
كما قال تعالى: {وإذا الكواكب انتثرت}.
وأصل الانكدار الانصباب، قال الرّبيع بن أنسٍ: عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ قال: ستّ آياتٍ قبل يوم القيامة بينا النّاس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشّمس، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النّجوم، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحرّكت واضطربت واختلطت ففزعت الجنّ إلى الإنس والإنس إلى الجنّ واختلطت الدّوابّ والطّير والوحوش فماجوا بعضهم في بعضٍ.
{وإذا الوحوش حشرت}. قال: اختلطت.
{وإذا العشار عطّلت}. قال: أهملها أهلها.
{وإذا البحار سجّرت}. قال: قالت الجنّ: نحن نأتيكم بالخبر قال: فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نارٌ تأجّج. قال: فبينما هم كذلك إذ تصدّعت الأرض صدعةً واحدةً إلى الأرض السّابعة السّفلى وإلى السّماء السّابعة العليا. قال: فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الرّيح فأماتتهم.
رواه ابن جريرٍ وهذا لفظه، وابن أبي حاتمٍ ببعضه، وهكذا قال مجاهدٌ والرّبيع بن خثيمٍ، والحسن البصريّ وأبو صالحٍ، وحمّاد بن أبي سليمان والضّحّاك في قوله: {وإذا النّجوم انكدرت} أي: تناثرت.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {وإذا النّجوم انكدرت}. أي: تغيّرت.
وقال يزيد بن أبي مريم: عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {وإذا النّجوم انكدرت}. قال: ((انكدرت في جهنّم وكلّ من عبد من دون اللّه فهو في جهنّم إلاّ ما كان من عيسى وأمّه، ولو رضيا أن يعبدا لدخلاها)). رواه ابن أبي حاتمٍ بالإسناد المتقدّم.
وقوله: {وإذا الجبال سيّرت} أي: زالت عن أماكنها ونسفت فتركت الأرض قاعاً صفصفاً.
وقوله: {وإذا العشار عطّلت}. قال عكرمة ومجاهدٌ: عشار الإبل.
قال مجاهدٌ: {عطّلت}: تركت وسيّبت. وقال أبيّ بن كعبٍ والضّحّاك: أهملها أهلها.
وقال الرّبيع بن خثيمٍ: لم تحلب ولم تصرّ، تخلّى منها أربابها.
وقال الضّحّاك: تركت لا راعي لها.
والمعنى في هذا كلّه متقاربٌ والمقصود أنّ العشار من الإبل وهي خيارها، والحوامل منها التي قد وصلت في حملها إلى الشّهر العاشر، واحدها عشراء، ولا يزال ذلك اسمها حتّى تضع - قد اشتغل النّاس عنها وعن كفالتها والانتفاع بها، بعدما كانوا أرغب شيءٍ فيها، بما دهمهم من الأمر العظيم المفظع الهائل، وهو أمر القيامة، وانعقاد أسبابها ووقوع مقدّماتها.
وقيل: بل يكون ذلك يوم القيامة يراها أصحابها كذلك ولا سبيل لهم إليها.
وقد قيل في العشار: إنّها السّحاب تعطّل عن المسير بين السّماء والأرض لخراب الدّنيا. وقيل: إنّها الأرض التي تعشّر، وقيل: إنّها الدّيار التي كانت تسكن تعطّلت لذهاب أهلها. حكى هذه الأقوال كلّها الإمام أبو عبد اللّه القرطبيّ في كتابه (التّذكرة)، ورجّح أنّها الإبل، وعزاه إلى أكثر النّاس.
قلت: بل لا يعرف عن السّلف والأئمّة سواه، واللّه أعلم.
وقوله: {وإذا الوحوش حشرت}. أي: جمعت كما قال تعالى: {وما من دابّةٍ في الأرض ولا طائرٍ يطير بجناحيه إلاّ أممٌ أمثالكم ما فرّطنا في الكتاب من شيءٍ ثمّ إلى ربّهم يحشرون}.
قال ابن عبّاسٍ: يحشر كلّ شيءٍ حتّى الذّباب، رواه ابن أبي حاتمٍ وكذا قال الرّبيع بن خثيمٍ والسّدّيّ وغير واحدٍ، وكذا قال قتادة في تفسير هذه الآية: إنّ هذه الخلائق موافيةٌ فيقضي اللّه فيها ما يشاء.
وقال عكرمة: حشرها: موتها.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني عليّ بن مسلمٍ الطّوسيّ، حدّثنا عبّاد بن العوّام، أخبرنا حصينٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذا الوحوش حشرت}. قال: حشر البهائم موتها، وحشر كلّ شيءٍ الموت، غير الجنّ والإنس فإنّهما يوقفان يوم القيامة.
حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الرّبيع بن خثيمٍ: {وإذا الوحوش حشرت}. قال: أتى عليها أمر اللّه. قال سفيان: قال أبي: فذكرته لعكرمة فقال: قال ابن عبّاسٍ: حشرها: موتها.
وقد تقدّم عن أبيّ بن كعبٍ أنّه قال: {وإذا الوحوش حشرت}: اختلطت. قال ابن جريرٍ: والأولى قول من قال: حشرت وجمعت، قال اللّه تعالى: {والطّير محشورةً}. أي: مجموعةً.
وقوله تعالى: {وإذا البحار سجّرت}. قال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، عن داود، عن سعيد بن المسيّب قال: قال عليٌّ رضي اللّه عنه لرجلٍ من اليهود: أين جهنّم؟ قال: البحر. فقال: ما أراه إلاّ صادقاً. {والبحر المسجور}، (وإذا البحار سجرت) مخفّفةً، وقال ابن عبّاسٍ وغير واحدٍ: يرسل اللّه عليها الرّيح الدّبور فتسعّرها، فتصير ناراً تأجّج. وقد تقدّم الكلام على ذلك عند قوله: {والبحر المسجور}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد، حدّثنا أبو طاهرٍ، حدّثني عبد الجبّار بن سليمان أبو سليمان النّفّاط شيخٌ صالحٌ، يشبه مالك بن أنسٍ، عن معاوية بن سعيدٍ قال: إنّ هذا البحر بركةٌ - يعني بحر الرّوم - وسط الأرض، والأنهار كلّها تصبّ فيه، والبحر الكبير يصبّ فيه، وأسفله آبارٌ مطبقةٌ بالنّحاس، فإذا كان يوم القيامة أسجر.
وهذا أثرٌ غريبٌ عجيبٌ.
وفي سنن أبي داود: ((لا يركب البحر إلاّ حاجٌّ أو معتمرٌ أو غازٍ؛ فإنّ تحت البحر ناراً، وتحت النّار بحراً)). الحديث. وقد تقدّم الكلام عليه في سورة (فاطرٍ).
وقال مجاهدٌ والحسن بن مسلمٍ: {سجّرت}: أوقدت.
وقال الحسن: يبست.
وقال الضّحّاك وقتادة: غاض ماؤها فذهب فلم يبق فيها قطرةٌ.
وقال الضّحّاك أيضاً: {سجّرت}: فجّرت. وقال السّدّيّ: فتحت وسيّرت. وقال الرّبيع بن خثيمٍ: {سجّرت}: فاضت.
وقوله: {وإذا النّفوس زوّجت}. أي: جمع كلّ شكلٍ إلى نظيره، كقوله: {احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم}. وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن الصّباح البزّار، حدّثنا الوليد بن أبي ثورٍ، عن سماكٍ، عن النّعمان، بن بشيرٍ أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وإذا النّفوس زوّجت}. قال: ((الضّرباء كلّ رجلٍ مع كلّ قومٍ كانوا يعملون عمله وذلك بأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: {وكنتم أزواجاً ثلاثةً فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسّابقون السّابقون})). قال: ((هم الضّرباء)).
ثمّ رواه ابن أبي حاتمٍ من طرقٍ أخر عن سماك بن حربٍ، عن النّعمان بن بشيرٍ: أنّ عمر بن الخطّاب خطب النّاس فقرأ: {وإذا النّفوس زوّجت}. فقال: تزوّجها أن تؤلّف كلّ شيعةٍ إلى شيعتهم.
وفي روايةٍ: هما الرّجلان يعملان العمل فيدخلان به الجنّة أو النّار. وفي روايةٍ عن النّعمان قال: سئل عمر عن قوله تعالى: {وإذا النّفوس زوّجت}. فقال: يقرن بين الرّجل الصّالح مع الرّجل الصّالح، ويقرن بين الرّجل السّوء مع الرّجل السّوء في النّار، فذلك تزويج الأنفس.
وفي روايةٍ عن النّعمان أنّ عمر قال للنّاس: ما تقولون في تفسير هذه الآية: {وإذا النّفوس زوّجت}؟ فسكتوا. قال: ولكن أعلمه، هو الرّجل يزوّج نظيره من أهل الجنّة والرّجل يزوّج نظيره من أهل النّار. ثمّ قرأ:{احشروا الّذين ظلموا وأزواجهم}.
وقال العوفيّ: عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذا النّفوس زوّجت}. قال: ذلك حين يكون النّاس أزواجاً ثلاثةً.
وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإذا النّفوس زوّجت}. قال: الأمثال من النّاس جمع بينهم. وكذا قال الرّبيع بن خثيمٍ والحسن وقتادة واختاره ابن جريرٍ وهو الصّحيح.
قولٌ آخر في قوله تعالى: {وإذا النّفوس زوّجت}. قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن، حدّثني أبي، عن أبيه، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: يسيل وادٍ من أصل العرش من ماءٍ فيما بين الصّيحتين، ومقدار ما بينهما أربعون عاماً، فينبت منه كلّ خلقٍ بلي من الإنسان أو طيرٍ أو دابّةٍ ولو مرّ عليهم مارٌّ قد عرفهم قبل ذلك لعرفهم على وجه الأرض قد نبتوا ثمّ ترسل الأرواح فتزوّج الأجساد، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {وإذا النّفوس زوّجت}.
وكذا قال أبو العالية وعكرمة وسعيد بن جبيرٍ والشّعبيّ والحسن البصريّ أيضاً في قوله: {وإذا النّفوس زوّجت}. أي: زوّجت بالأبدان، وقيل: زوّج المؤمنون بالحور العين، وزوّج الكافرون بالشّياطين. حكاه القرطبيّ في (التّذكرة) .
وقوله: {وإذا الموءودة سئلت بأيّ ذنبٍ قتلت}. هكذا قراءة الجمهور، {سئلت}، و{الموءودة}: هي التي كان أهل الجاهليّة يدسّونها في التّراب كراهيةً للبنات، فيوم القيامة تسأل الموءودة على أيّ ذنبٍ قتلت؛ ليكون ذلك تهديداً لقاتلها؛ فإنّه إذا سئل المظلوم فما ظنّ الظّالم إذاً؟.
وقال عليّ بن أبي طلحة: عن ابن عبّاسٍ: (وإذا الموءودة سألت). وكذا قال أبو الضّحى: (سألت). أي: طالبت بدمها، وعن السّدّيّ وقتادة مثله.
وقد وردت أحاديث تتعلّق بالموءودة، فقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد، حدّثنا سعيد بن أبي أيّوب، حدّثني أبو الأسود وهو محمّد بن عبد الرّحمن بن نوفلٍ، عن عروة، عن عائشة، عن جذّامة بنت وهبٍ أخت عكّاشة قالت: حضرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ناسٍ وهو يقول: ((لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الرّوم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم ولا يضرّ أولادهم ذلك شيئاً)). ثمّ سألوه عن العزل فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ذلك الوأد الخفيّ، وهو: {الموءودة سئلت})).
ورواه مسلمٌ من حديث أبي عبد الرّحمن المقرئ وهو عبد اللّه بن يزيد، عن سعيد بن أبي أيّوب. ورواه أيضاً ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن إسحاق السّيلحينيّ، عن يحيى بن أيّوب.
ورواه مسلمٌ أيضاً وأبو داود والتّرمذيّ والنّسائيّ من حديث مالك بن أنسٍ، ثلاثتهم عن أبي الأسود به، وقال الإمام أحمد: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود بن أبي هندٍ عن الشّعبيّ، عن علقمة، عن سلمة بن يزيد الجعفيّ قال: انطلقت أنا وأخي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلنا: يا رسول اللّه، إنّ أمّنا مليكة كانت تصل الرّحم وتقري الضّيف وتفعل وتفعل، هلكت في الجاهليّة فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: ((لا)). قلنا: فإنّها كانت وأدت أختاً لنا في الجاهليّة فهل ذلك نافعها شيئاً؟ قال: ((الوائدة والموءودة في النّار إلاّ أن يدرك الوائدة الإسلام فيعفو اللّه عنها)).
ورواه النّسائيّ من حديث داود بن أبي هندٍ به، وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنانٍ الواسطيّ، حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، حدّثنا إسرائيل عن أبي إسحاق، عن علقمة وأبي الأحوص، عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((الوائدة والموءودة في النّار)).
وقال أحمد أيضاً: حدّثنا إسحاق الأزرق، أخبرنا عوفٌ، حدّثتني خنساء ابنة معاوية الصّريميّة، عن عمّها قال: قلت: يا رسول اللّه من في الجنّة؟ قال: ((النّبيّ في الجنّة، والشّهيد في الجنّة، والمولود في الجنّة، والموءودة في الجنّة)).
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا مسلم بن إبراهيم، حدّثنا قرّة قال: سمعت الحسن يقول: قيل: يا رسول اللّه، من في الجنّة؟ قال: ((الموءودة في الجنّة)).
هذا حديثٌ مرسلٌ من مراسيل الحسن، ومنهم من قبله.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثني أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، حدّثنا حفص بن عمر العدنيّ، حدّثنا الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة قال: قال ابن عبّاسٍ: أطفال المشركين في الجنّة، فمن زعم أنّهم في النّار فقد كذب، يقول اللّه عزّ وجلّ: {وإذا الموءودة سئلت بأيّ ذنبٍ قتلت}. قال ابن عبّاسٍ: هي المدفونة.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا إسرائيل، عن سماك بن حربٍ، عن النّعمان بن بشيرٍ، عن عمر بن الخطّاب في قوله: {وإذا الموءودة سئلت}. قال: جاء قيس بن عاصمٍ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنّي وأدت بناتٍ لي في الجاهليّة. قال: ((أعتق عن كلّ واحدةٍ منهنّ رقبةً)). قال: يا رسول اللّه إنّي صاحب إبلٍ. قال: ((فانحر عن كلّ واحدةٍ منهنّ بدنةً)).
قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: خولف فيه عبد الرّزّاق، ولم يكتبه إلاّ عن الحسين بن مهديٍّ عنه.
وقد رواه ابن أبي حاتمٍ فقال: أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ قال: حدّثنا عبد الرّزّاق. فذكره بإسناده مثله إلاّ أنّه قال: وأدت ثمان بناتٍ لي في الجاهليّة. وقال في آخره: ((فأهد إن شئت عن كلّ واحدةٍ بدنةً)).
ثم قال: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، حدّثنا قيس بن الرّبيع، عن الأغرّ بن الصّباح، عن خليفة بن حصينٍ قال: قدم قيس بن عاصمٍ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنّي وأدت اثنتي عشرة ابنةً لي في الجاهليّة أو ثلاث عشرة. قال: ((أعتق عددهنّ نسماً)). قال: فأعتق عددهنّ نسماً، فلمّا كان في العام المقبل جاء بمائة ناقةٍ فقال: يا رسول اللّه هذه صدقة قومي على أثر ما صنعت بالمسلمين. قال عليّ بن أبي طالبٍ: فكنّا نريحها ونسمّيها القيسيّة.
وقوله: {وإذا الصّحف نشرت}. قال الضّحّاك: أعطي كلّ إنسانٍ صحيفته بيمينه أو بشماله.
وقال قتادة: يابن آدم تملي فيها، ثمّ تطوى، ثمّ تنشر عليك يوم القيامة، فنظر رجلٌ ماذا يملي في صحيفته.
وقوله: {وإذا السّماء كشطت}. قال مجاهدٌ: اجتذبت.
وقال السّدّيّ: كشفت.
وقال الضّحّاك: تنكشط فتذهب.
وقوله: {وإذا الجحيم سعّرت}. قال السّدّيّ: أحميت.
وقال قتادة: أوقدت. قال: وإنّما يسعّرها غضب اللّه وخطايا بني آدم.
وقوله: {وإذا الجنّة أزلفت}. قال الضّحّاك وأبو مالكٍ والرّبيع بن خثيمٍ أي: قرّبت إلى أهلها.
وقوله: {علمت نفسٌ ما أحضرت}. هذا هو الجواب، أي: إذا وقعت هذه الأمور حينئذٍ تعلم كلّ نفسٍ ما عملت وأحضر ذلك لها، كما قال تعالى: {يوم تجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً}. وقال تعالى: {ينبّأ الإنسان يومئذٍ بما قدّم وأخّر}.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبدة، حدّثنا ابن المبارك، أخبرنا محمّد بن مطرّفٍ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: لمّا نزلت: {إذا الشّمس كوّرت}. قال عمر لمّا بلغ: {علمت نفسٌ ما أحضرت}. قال: لهذا أجري الحديث). [تفسير القرآن العظيم: 8/328-335]