20 Oct 2008
سورة عمَّ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)}
تفسير السعدي
تفسيرُ سورةِ عمَّ ولهذا قالَ: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} أي: سيعلمونَ إذا نزلَ بهمُ العذابُ ما كانوا بهِ يكذبونَ، حين يُدَعُّون إلى نارِ جهنمَ دعّاً، ويقالُ لهمْ: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}. ثم بيَّنَ تعالى النعمَ والأدلةَ الدالةَ على صدقِ ما أخبرتْ به الرسلُ، فقالَ: (6-16) {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} تمسكُ الأرضَ لئلا تضطربَ بكمْ وتميد. {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً} أي: ذكوراً وإناثاً من جنسٍ واحدٍ، ليسكنَ كلٌّ منهما إلى الآخرِ، فتكونَ المودةُ والرحمةُ، وتنشأَ عنهما الذريةُ، وفي ضمنِ هذا الامتنانُ بلذةِ المنكحِ. {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} أي: راحةً لكُم؛ وقطعاً لأشغالكمْ،
التي متىَ تمادتْ بكمْ أضرَّتْ بأبدَانكمْ، فجعلَ اللهُ الليلَ والنومَ
يغشى الناسَ، لتنقطعَ حركاتهُمُ الضارةُ، وتحصلَ راحتُهم النافعةُ. {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً}أي: سبعَ
سمواتٍ، في غايةِ القوةِ، والصلابةِ والشدةِ، وقد أمسكها اللهُ بقدرتهِ،
وجعلها سقفاً للأرضِ، فيها عدةُ منافعَ لهمْ، ولهذا ذكرَ من منافعها الشمس، فقالَ: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} نبَّه بالسراجِ على النعمةِ بنورِها، الذي صارَ كالضرورةِ للخلقِ وبالوهاجِ الذي فيه الحرارةُ على حرارتهِا وما فيها منَ المصالحِ. {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} أي: السحابِ{مَاءً ثَجَّاجاً} أي: كثيراً جدّاً. {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا} من بُرًّ وشعير، وذرةٍ وأرزٍ، وغيرِ ذلكَ مما يأكُلهُ الآدميونَ، {وَنَبَاتاً} يشملُ سائر النباتِ، الذي جعلَه اللهُ قوتاً لمواشيهم.
(1-5){بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ
الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
(4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} أي: عَنْ أيِّ شيءٍ يتساءلُ المكذِّبونَ بآياتِ اللهِ؟ ثمَّ بَيَّنَ ما يتساءلونَ عنهُ؛ فقالَ: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} أي: عنِ الخبرِ العظيمِ؛
الذي طالَ فيهِ نزاعُهمْ؛ وانتشرَ فيهِ خلافُهمْ على وجهِ التكذيبِ
والاستبعادِ؛ وهوَ النبأ الذي لا يقبلُ الشكَّ ولا يدخُلُهُ الريبُ؛ ولكنِ
المكذِّبونَ بلقاءِ ربهمْ لا يؤمنونَ ولو جاءتهم كل آيةٍ حتى يروا العذابَ الأليمَ.
{أَلَمْ
نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا
وَهَّاجًا (13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا (14)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} أي: أما أنعَمنَا عليكمْ بنعم جليلةٍ؛ فجعلنَا لكمُ {الأَرْضَ مِهَاداً} أي: ممهَّدة مهيَّأةً لكمْ ولمصالحكمْ، منَ الحروثِ والمساكنِ والسبلِ.
فالذي
أنعمَ عليكمْ بهذه النعم العظيمة، التي لا يقدَّرُ قدرهَا، ولا يحصى
عدُّها، كيفَ [تكفرونَ بهِ وتكذِّبونَ] ما أخبركمْ به منَ البعثِ والنشورِ؟
أمْ كيفَ تستعينونَ بنعمهِ على معاصيهِ وتجحدونَها؟
زبدة التفسير للأشقر
سُورَةُ النَّبَإِ
2- {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}
هُوَ الْخَبَرُ الهائِلُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ؛ لأَنَّهُ
يُنْبِئُ عَن التَّوْحِيدِ، وَتَصْدِيقِ الرَّسُولِ، وَوُقُوعِ الْبَعْثِ
والنُّشورِ.
3- {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ}
اخْتَلَفُوا فِي الْقُرْآنِ؛ فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ سِحْراً، وَبَعْضُهُمْ
شِعْراً، وَبَعْضُهُمْ كَهَانَةً، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: هُوَ أَسَاطِيرُ
الأَوَّلِينَ.
4- {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}:رَدْعٌ لَهُمْ وَزَجْرٌ، ثُمَّ كَرَّرَ الرَّدْعَ وَالزَّجْرَ، فَقَالَ:
5- {ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}؛
لِلْمُبَالَغَةِ فِي التأكيدِ والتشديدِ فِي الوعيدِ؛ أَيْ: لا يَنْبَغِي
أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي شأنِ الْقُرْآنِ، فَهُوَ حَقٌّ، وَلِذَا سَيَعْلَمُ
الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِهِ عَاقِبَةَ تَكْذِيبِهِمْ.
6- {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً} المِهَادُ:الوِطَاءُ وَالْفِرَاشُ، كالمَهْدِ للصَّبِيِّ، وَهُوَ مَا يُمَهَّدُ لَهُ فَيُنَوَّمُ عَلَيْهِ.
7- {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً}؛ أَيْ: جَعَلْنَاهَا كالأوتادِ للأرضِ لِتَسْكُنَ وَلا تَتَحَرَّكَ.
8- {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً}؛ أَي: الذُّكُورَ والإناثَ.
9- {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً}؛ أَيْ: رَاحَةً لأَبْدَانِكُمْ، وَالسُّبَاتُ: أَنْ يَنْقَطِعَ عَن الحَرَكةِ والرُّوحُ فِي بَدَنِهِ.
10- {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً}؛ أَيْ: نُلْبِسُكُمْ ظُلْمَتَهُ وَنُغَشِّيكُمْ بِهَا كَمَا يُغَشِّيكُمُ اللِّبَاسُ.
11- {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً}: مُضِيئاً لِيَسْعَوْا فِيمَا يَقُومُ بِهِ مَعَاشُهُمْ وَمَا قَسَمَهُ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ.
12- {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} يُرِيدُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ قَوِيَّةِ الْخَلْقِ مُحْكَمَةِ الْبِنَاءِ.
13- {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} الْمُرَادُ بِهِ الشَّمْسُ، جَعَلَ فِيهَا نُوراً وَحَرَارَةً، والوَهَجُ يَجْمَعُ النُّورَ والحرارةَ.
14- {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} المُعْصِرَاتُ: هِيَ السَّحابُ الَّتِي تَنْعَصِرُ بالماءِ وَلَمْ تُمْطِرْ بَعْدُ، والثَّجَّاجُ: المُنْصَبُّ بِكَثْرَةٍ.
15- {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتاً}؛
أَيْ: لِنُخْرِجَ بِذَلِكَ الْمَاءِ حَبًّا يُقْتَاتُ؛ كالحِنْطَةِ
وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا، وَالنَّبَاتُ مَا تَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ مِنَ
الحَشِيشِ وَسَائِرِ النباتِ.
16- {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً}؛ أَيْ: بَسَاتِينَ مُلْتَفٌّ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ؛ لِتَشَعُّبِ أَغْصَانِهَا.
تفسير مساعد بن سليمان الطيار
المتن : سورةُ النَّبأ 2-قولُه تعالى: {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} أي: يتساءلونَ عن الخبرِ العظيمِ الذي استَطارَ أمرُهُ بينهم، وهو القرآن، ويُحتملُ أن يكونَ البعث(1). أما من قال: هو البعث، وهو قولُ قتادة وابن زيد، فلم يرد عنهم وقوع الاختلاف فيه، بل هم مُنكرون له، ولكن يشهد له موضوع السورة، إذ موضوعها في البعث، والله أعلم. وسبب الاختلاف هنا أن المعصِرات وصف لموصوف محذوف، وهو محتمِل لأحد المعنيين المذكورين، ويترجح أحدهما بدلالة ظاهر الآية.
بسم الله الرحمن الرحيم
3-قولُه تعالى: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} أي: صاروا فيه فِرَقاً في حقيقةِ هذا النبأ وصِحَّته(2).
4- 5-قولُه تعالى: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} أي: ليس الأمرُ(3) كما يزعمُ هؤلاء المختلفونَ في النبأ، وسيعلمونَ عاقبةَ اختلافِهم فيه(4)، وهذا وعيدٌ للمختلِفين في النبأ، وكرَّر الوعيدَ لتأكيدِه.
6-عدَّدَ
اللهُ في هذه الآياتِ نِعَمَهُ الكونيةَ على النَّاسِ، التي لو تَفَكَّرَ
فيها هؤلاءِ الكفَّار، لما وقعَ منهم اختلافٌ في النَّبأ العظيمِ الذي
جاءَهم من عندِ الله، فقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً} وهو
استفهامٌ على سبيل التقرير، معناه: أنَّ اللهَ جعلَ هذه الأرضَ البسيطةَ
مهيَّئةً للناسِ كالمِهَادِ الذي يَمْتَهِدُونَه ويفْتَرِشونَه.
7-قولُه تعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} أي:
وجعلنا الجبالَ الرَّاسِياتِ كالوتِد الذي تُشدُّ به أطنابُ الخيْمة،
فتُمْسِكُ الأرضَ كي لا تَميدَ بأهلها كما تُمسِكُ الأوتادُ الخيمةَ فلا
تسقط.
8-قولُه تعالى: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً} أي: أنشأناكُم وقدَّرناكُم وجعلناكُم أيها الناس من ذكرٍ وأنثى.
9-قولُه تعالى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} أي: جعلنا نومَكم راحةً ودَعَةً لكم، تهدأون به وتسكُنون(5).
10-قولُه تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} أي: جعلناه يغْشَاكم بظلامِه، فيكون لكم كاللباس الذي يَسْتُرُكم(6)، فتستريحونَ فيه بعد عَناء التَّقَلُّبِ في النهار.
11-قولُه تعالى: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} أي: جعلنا لكم النهارَ المبصرَ وقتاً للتعيُّشِ؛ أي: طلبُ المعاشِ الذي تقومُ به حياتكم.
12-قولُه تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} أي: رفعنا فوقكُم بناءً: سبعَ سماواتٍ مُحْكَمَةٍ قويةِ البُنيانِ، ليس فيها فُطورٌ ولا خَللٌ في الخَلْقِ.
13-قولُه تعالى: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} أي: جعلنا في السماء الشمسَ كالسِّراجِ المتَّقِدِ المضيء.
14-قولُه تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً} أي: أنزلنا من السَّحاب(7) مطراً غزيراً.
15-قولُه تعالى: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتاً}
أي: أنزلنا المطرَ من السَّحاب لأجلِ أن نُخرجَ الحَبَّ، وهو شاملٌ لجميع
الحبوب؛ كالقمح والشعير والأرز، وغيرِها، ونخرجَ النباتَ، وهو ما عدا
الحبوب مما ينبتُ في الأرض؛ كالنخيل والرُّمَّان والأعناب، وغيرها.
16-قولهُ تعالى: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً}(8) أي: نخرج بالمطر البساتينَ(9) التي التفَّت أغصانُ أشجارِها بعضُها على بعض(10).
الحاشية :
(2)
يلاحَظُ أنَّ اللهَ سبحانه لم ينصَّ على النبأ بعينه، وإنما اكتفى بذكر
وصفه: بأنهم اختلفوا فيه، وهذا سببٌ في وقوع الخلاف، ولك أن تقول: إن سببَ
الاختلاف التواطؤ، أو ذكر وصفٍ لموصوفٍ محذوف، وهذا من اختلاف التنوُّع
الذي يرجِع إلى قولين، والله أعلم.
(3) كذا فسَّر الطبري لفظَ (كلاَّ)
وهو من أفضل التعبيرات عن معناها، وهي هنا بمعنى الردِّ، ويعبِّر عنه بعض
العلماء بالرَّدْعِ والزَّجْرِ، وهي تكون كذلك إذا وقع قبلَها باطل أو خطأ
من كلامٍ أو فعل، والله أعلم.
(4)
عبَّر بعض المفسِّرين عن ذلك أنهم سيعلمون حقيقة النبأ، وذلك القول أعمُّ؛
لأنهم إذا علِموا عاقبتهم فيه، فإنهم سيكونون قد علِموا حقيقته لزوماً،
والله أعلم.
(5)
يذكرُ بعض المتأخرين ممن يحرِص على تكثير الاحتمالات اللغوية في معاني
الآي أقوالاً خمسةً في معنى السُّبات، وهو تكثُّر لا داعي له؛ لأن أشهر
المعاني في مادة سبت: الراحة، قال ابن فارس في (مقاييس اللغة)
(3: 124): (السين والباء والتاء أصل واحد يدل على راحة وسكون).
أما تفسيره: بالموت، أو النوم، أو التمدد، أو القطع،
فإنها وإن كانت صحيحة لغة، فإنها مما تَنْبُو عنها فصاحة القرآن في هذا
الموضع، كما أن سياق الآية الوارد في مجال الامتنان يردُّها، والله أعلم.
(6) قال قتادة: {لِبَاساً}: (سَكَناً) وهذا تفسيرٌ بالمعنى، وكأنه اعتبر قوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} [الأنعام: 96]، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [يونس: 67]، وهو يؤول إلى معنى اللباس بالنظر إلى التغطية والستر فيها، والله أعلم.
(7) وردَ هذا عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، وعن أبي العالية، والضحَّاك، والربيع بن أنس، وسفيان.
وفسَّرها مجاهد وعكرمة وقتادة ومقاتل وابن زيد بأنها الرياح، وعليه فقوله: (من) يكون بمعنى الباء؛ أي: أنزلنا بالرياح.
والصواب: أنها السحاب، وعليه تبقى (من) على بابها، وهو أولى؛ لأنه إذا تعارض ظاهر الآية مع احتمال التأويل، قُدِّم الظاهر.
ويبقى أنه يستفاد من تفسير هؤلاء صحة إطلاق المُعْصِرات على الرياح من حيث اللغة، لورودِه عنهم، وإن لم تحتمله الآية.
وقد ورد عن الحسن وقتادة تفسير غريب، وهو أن المعصِرات: السماء،
وهذا إن حُمل على التفسير على المعنى، كان له وجه، ويكون تفسيرهما على
إِرادة الجهة التي تأتي منها المعصِرات، لا أنه تفسير مطابق لمعنى
المعصِرات؛ كما جاء في قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً}
[الفرقان: 48]، والله أعلم.
(8) في هذه الآيات (6-16) أدلة على البعث، انظر في تفصيلها: (تتمة أضواء البيان)لمحمد عطية سالم.
(9) سُمِّيت البساتين جنَّات؛ لأنها تَجِنُّ من بداخلها؛ أي: تستره، وهذا هو أصل معنى هذه المادة في لغة العرب.
(10) عبَّر بهذا ابن عباس من طريق العوفي، ومجاهد، وقتادة من طريق سعيد بن أبي عروبة ومعمر بن راشد، وابن زيد، وسفيان.
وجاء عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة: مجتمعة، وهو تفسير بالمعنى؛ لأن من لازِمِ التفافها أن تكون مجتمعة.
تفسير عبد العزيز السعيد (مفرغ)
القارئ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {عَمَّ
يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ
مُخْتَلِفُونَ (3) كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ
(5) أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً (7)
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا
وَهَّاجًا (13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا (14)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا الشيخ: ولهذا قال الله -جل وعلا-: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ
الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ
قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} فبين -جل وعلا-
أن الكفر باليوم الآخر يكون صاحبه من أهل الضلال البعيد، وقرنه بالكفر به
-جل وعلا- وبالكفر بملائكته ورسله واليوم الآخر، فالإيمان بالبعث والنشور
لايتحقق لعبد إيمان إلا به، كما قال الله تعالى: {لَيْسَ
الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى
حُبِّهِ} إلى قوله -جل وعلا-: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}. - وقال -جل وعلا-: {وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} يعني: جعلها مفروشةً. - وقال -جل وعلا- في سورة القيامة:{أَلَمْ
يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ
فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} فالله
-جل وعلا- خلق من ماء واحد ذكراً وأنثى، وذلك بقدرته -جل وعلا-، وإلا
فالماء واحد يخرج من الرجل ويقع في رحم المرأة، ماء واحد، ولكن الله -جل
وعلا- هو الذي يشاء أن يكون ذكراً أو أنثى، وهذا فيه دلالة عظيمة على قدرة
الله -جل وعلا-، وتفرده بالوحدانية، وقدرته على بعث الخلائق، ولهذا قال
الله -جل وعلا-: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}. والبدن إذا انقطع عن الحركة فإنه تحصل له الراحة، ولهذا يفسر بعض المفسرين قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} أي: جعلناه راحةً؛ لأن الانقطاع عن الحركة - مع بقاء الروح - يورث الراحة للبدن، أما إذا انقطعت الروح فإنه يكون الموت.
(16)}
قال الله -جل وعلا-: {عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} أي: عن أي شي يتساءلون؟
والمتسائلون هم:
المشركون، وتساؤلهم عن النبأ العظيم الذي هو يوم البعث والنشور.
ووصفه الله -جل وعلا- هنا بأنه يوم عظيم؛ لشدة هوله ومطلعه ولعظم ما يقع فيه من الأحداث التي هي من أمور الغيب، والتي ذكر الله -جل وعلا- أنه يشيب منها الولدان، وقد جاء وصف هذا اليوم بأنه يوم عظيم في قول الله -جل وعلا-: {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ
عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ
سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.
والمشركون كانوا يتساءلون عن هذا اليوم،ليسوا يتساءلون ليستعدوا له، وإنما كانوا يتساءلون تساؤل المنكر له المستبعد لوقوعه، وقد بين الله -جل وعلا- تساؤلهم هذا في آيات كثيرة:
-كما قال الله -جل وعلا- في الإسراء:{وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً}.
- وفي سورة النمل: {وَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا
لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ
إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}.
-وفي سورة السجدة:{وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، يعني إذا تمزقنا وذهبنا أشلاءً وبليت الأجساد واختلطت بالتراب (أإنا) يعني ينكرون إعادة الله -جل وعلا- لهم ويستبعدون ذلك.
- وفي أوائل سورة ق: {بَلْ
عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا
شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ
بَعِيدٌ}.
فدلت هذه الآيات على أنهم كانوا يتساءلون عن يوم البعث والنشور استبعاداً له واستهزاءً وسخرية؛ لأنهم قالوا: {إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} يعني: حكايات وقصص تقال لاحقيقة لها.
ثم قال -جل وعلا-: {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} يعني: أن الكفار مختلفون في يوم القيامة:
-فمن الكفار من يجزم جزماً قاطعاً أنه لا بعث ولا نشور.
-ومنهم من يشكك في البعث لكنه لا يجزم بشيءٍ، وهذا هو الأظهر في معنى هذه الآية، وقد دل على هذا قول الله جل وعلا:
-في سورة النحل:{وَأَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ}.
-وفي سورة المؤمنون:{أَيَعِدُكُمْ
أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم
مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ
إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ
بِمَبْعُوثِينَ}.
- وفي سورة الجاثية:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ}فهذا جزم منهم بأنهم لا يبعثون.
- وفي سورة الجاثية في قوله تعالى:{وَإِذَا
قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ
مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ
بِمُسْتَيْقِنِينَ} وهذا هو القسم الثاني منهم، والقسم الأول هو الأكثر الذين يجزمون بإنكار البعث والنشور، والقسم الثاني يشككون ولكن لا يجزمون.
ثم قال -جل وعلا-: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثم كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} هذه كلمة {كَلاَّ} تقال للردع والزجر، يعني: ليس الأمر كما يقولون.
وهذا التكرار في قوله: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثم كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ} هذا مبالغة في الزجر عن هذا الفعل، ومبالغة في تأكيد وقوع العاقبة الوخيمة عليهم جزاء تكذيبهم؛ لأن قوله: {سَيَعْلَمُونَ} يعني: سيعلمون عاقبة التكذيب، وعاقبة تكذيبهم هذا الذي توعدهم الله -عز وجل- به في هذه الآية لم يصرح به في هذه الآية، لكن جاء بيانه في آيات كثيرة:
-كما في سورة يونس:{إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} وهم الكافرون بالبعث {إِنَّ
الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)
أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
-وفي سورة الإسراء:{وَمَنْ
يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا
مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً}يعني: يحشرون صماً لا يسمعون، وعمياً لا يبصرون، وبكماً لا ينطقون، ثم قال -جل وعلا-: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}.
-ثم ذكر الله -جل وعلا- في سورة الأنبياء أيضاً عاقبة هذا التكذيب:{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وهذا هو إنكار البعث، قال الله -جل وعلا-: {لَوْ
يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ
النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ
تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا
هُمْ يُنْظَرُونَ}.
- وفي سورة المرسلات بين الله -جل وعلا- أيضاً عاقبة هذا التكذيب {انْطَلِقُوا
إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي
ثَلاثِ شُعَبٍ (30) لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} يعني: أن الظل الذي يستظل به الكافرون هو ظل من دخان لا يقيهم الحر، ويأتيهم من هذا الدخان كما في آية الواقعة: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ}، {لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} يعني: أن شرارة النار في حجمها وكبرها مثل القصر العظيم.
{كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} يعني: كأنه جمل أصفر في اللون، والجمل الأصفر المراد به الجمل الأسود، والجمال السود يكون السواد هذا غالباً مشرب بصفرة، وهذا هو جزاء التكذيب بيوم الدين.
ولهذا قال تعالى: {هَذَا
يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ (35) وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ
جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ
(39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} فقوله -جل وعلا- في هذه الآية {سَيَعْلَمُونَ}هذا
هو الذي فصله الله -جل وعلا- في آيات أخرى وبينه، وهي أن مردهم إلى النار،
وأنهم يعذبون فيها جزاءً على تكذيبهم بالبعث بعد الموت.
ومن
هذه الآية يستدل: على أن العبد المؤمن لا يكون مؤمناً إلا إذا أيقن يقيناً
جازماً لا شك فيه أن الله -جل وعلا- يبعث الخلق ويجازيهم، وهذا من أركان الإيمان كما في حديث جبريل -عليه السلام- لما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان قال: ((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليومالآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره)) وفي رواية ((وأن تؤمن بالبعث بعدالموت)) وفي رواية ((وأن تؤمن بلقاء الله))
والله -جل وعلا- جعل الإيمان بالبعث من صفات المؤمنين المفلحين في أوائل سورة البقرة: {ذَلِكَ
الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا
أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى
هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فمن لم يؤمن بالآخرة فليس بمؤمن، وليس على هدى بل هو في ضلال، وليس من المفلحين، بل هو من الأشقياء الخاسرين.
وثبت في (الصحيح) أن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم- في شأن عبدالله بن جدعان كان في الجاهلية: إنه كان يقري الضيف، ويحمل الكل، ويكسب المعدوم، أذلك نافعهُ؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)) قال العلماء معناه: أنه كان كافراً بالبعث والنشور، فلم ينفعه إحسانه إلى الخلق، ولا اتصافه بمكارم الأخلاق، لأنه لم يكن مؤمناً بالبعث، فمن لم يؤمن بالبعث والنشور، فأعماله باطلة وهباء منثور.
ولهذا كان الأنبياء والمرسلون مهتمين بشأن هذا اليوم وتقريره للخلق ونطقهم به، نوح عليه السلام قال لقومه: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً}.
وإبراهيم عليه السلام وهو يخاطب قومه، ويصف رب العالمين في قوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} إلى أن قال: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}وهذا متضمن للإيمان بالبعث، وقال: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} يوم يرد إليه العباد.
ونبي الله يوسف عليه السلام يقول: {رَبِّ
قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ
الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ}.
والله -جل وعلا- أوحى إلى نبيه موسى -عليه السلام- فيما أوحى إليه كما في أوائل سورة طه: {إِنَّنِي
أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}.
وعيسى عليه السلام يقول: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}فالأنبياء قبل نبينا -صلى الله عليه وسلم- كانوا مؤمنين باليوم الآخر، يدعون أقوامهم إليه.
ولهذا أخبر الله -جل وعلا- عن بعض الأمم أنهم كذبوا بهذا اليوم كما في أوائل الحاقة: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ...} إلى آخر الآيات، فثمود وعاد كذبوا بالقارعة -وهو اسم من أسماء يوم القيامة- وثمود وعاد كذبوا بوقوع القيامة، وسمي قارعة: لأنه يقرع القلوب لشدة فزعه وهوله.
فالمؤمن
لا يكون مؤمناً إلا بالإيمان بالبعث والنشور بلا تردد، فمن تردد -شك- هل
هناك بعث؟ أو ليس هناك بعث فهو كافر، فضلاً عمن أنكر البعث والنشور.
وكما
دل على البعث الشرع الحكيم، دلت عليه حتى الأدلة العقلية؛ ولهذا سيأتي بعد
هذه الآيات تقرير الله -جل وعلا- للكفار بشأن البعث وما نصبه -جل وعلا- من
الآيات الدالة على قدرته على إعادة الخلق كما بدأهم.
قال الله -جل وعلا-: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً} أي:
ألم نجعل الأرض ممهدةً مستقرةً موطأةً مذللةً؛ لأن الأرض لا يمكن الانتفاع
بها على الوجه الأكمل إلا إذا كانت مهيأةً وموطأةً للإنسان.
وهذه الآية قد ذكر الله -جل وعلا- بيانها في آيات كثيرة من كتابه:
-كما قال الله -جل وعلا- في سورة غافر:
-وقال -جل وعلا-: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطاً} يعني: منبسطةً.
- وقال -جل وعلا-: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ} يعني: جعلها ممتدة في طولها وفي عرضها.
- وقال -جل وعلا-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً} يعني: مذللةً.
فهذه الآيات كلها تشرح هذه الآية وتبينها.
ثم قال -جل وعلا-: {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} يعني:
أن الله -جل وعلا- جعل الجبال بالنسبة للأرض كالعُمُد للخيام، فالخيمة
تحتاج إلى أوتاد لتحفظها من الاضطراب والحركة والميل، والله -جل وعلا- جعل
الجبال لهذه الأرض بمنزلة الأوتاد للخيمة تحفظ هذه الأرض من التحرك
والاضطراب؛ لأن الأرض لو كانت مضطربة ما انتفع بها الإنسان، وما انتفع بها
الحيوان، ولما صلحت عليها النباتات تمام
الصلاحية، ولهذا إذا وقعت حركة واضطراب في الأرض فإن الناس يفزعون وتضطرب
عليهم معايشهم؛ لأن الله -جل وعلا- جعل لهم هذه الأرض ساكنةً، ولا يستطيعون
أن يعيشوا عليها وهي مضطربة، فلذلك إذا حصل فيها أدنى اضطراب فزع الخلق
واضطربت عليهم أمورهم.
وقد بين الله -جل وعلا- في آياتٍ أخرى أنه جعل هذه الجبال رواسي لهذه الأرض ترسيها كما قال -جل وعلا-: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً} يعني: لئلا تضطرب بكم، وقال -جل وعلا-: {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ} يعني:
جبالاً كباراً لتحفظها من الاضطراب، وهذه هي إحدى فوائد هذه الجبال، وفيها
فوائد عظيمة قد تظهر للعباد، وقد يخفى بعضها على العباد، ولله -جل وعلا-
في ذلك الحكمة البالغة، ولهذا الله -جل وعلا- أمرنا بتدبرها وتأملها والنظر فيها: {أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ}.
ولهذا كانت هذه الجبال لافتةً حتى لانتباه الكفار،فضمام بن ثعلبة- رضي الله عنه - لما وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- وسأل النبي عليه الصلاة والسلام قال له: (وبالذي نصب الجبال آلله أرسلك) وهذا يدل على أن هذه الجبال علامة شاهدة على وحدانية الله -جل وعلا- وربوبيته.
ثم قال -جل وعلا-: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً} يعني: خلقناكم ذكراً وأنثى، وهذا الخلق من الله -جل وعلا- بين في آيات أخرى أن الذكر والأنثى خرجا من أصل واحد ونفس واحدة.
كما قال -جل وعلا- في أوائل الزمر:
ثم قال -جل وعلا-:
تابع: تفسير عبد العزيز السعيد (مفرغ)
ولهذا كان النوم يسمى: الوفاة الصغرى، والموت: الوفاة الكبرى.
إذا انقطعت حركة الإنسان مع روحه كانت الوفاة الكبرى.
وإذا انقطعت حركة البدن دون الروح فهو الوفاة الصغرى، وهو النوم.
كما قال الله -جل وعلا-: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} فالتي لم تمت يتوفاها الله عز وجل بالنوم، {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}
فالذي قدر الله -جل وعلا- له أن يموت يمسك روحه، والذي قدر الله له الحياة
إذا نام، فإن الله -جل وعلا- يرسل روحه؛ فيعود منتشراً في الأرض.
وقال الله -جل وعلا- في شأن الوفاة الصغرى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} يعني:
يجعلكم تنامون بالليل {وَهُوَ
الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ
بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} يعني: يبعثكم في النهار، فهذا بعث مقابل للنوم، وهناك بعث مقابل للموت.
إذا نفخ في الصور النفخة الثانية.
والبعث المقابل للنوم:
إذا استيقظ الإنسان من نومه، وقد أرسل الله -جل وعلا- روحه ولم يمسكها ويقبضها إليه.
وهذا النوم من أعظم الآيات الدالة على إحياء الموتى،فصفة البعث يوم القيامة هكذا، هم ميتون ثم يستيقظون، يُنْزِّل الله -جل وعلا-
عليهم ماء من السماء فينبتون، ويقومون لله رب العالمين، فهناك مشابهة بين
البعث بعد الموت، وبين الاستيقاظ بعد النوم.
ثم قال -جل وعلا-: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} يعني: جعل الله -عز وجل- الليل لباساً؛ لأن هذا الليل إذا غشي الناس بظلمته عليهم يكون ساتراً لهم كاللباس، ولهذا الناس يختفون فيه، فالإنسان يستر بدنه باللباس، وكذلك هذا الليل يستر الناس بظلامه.
ثم قال -جل وعلا-: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} أي: وقتاً للمعاش ينتشر فيه الناس يقضون فيه مصالحهم، ويسعون فيه لأرزاقهم، ويرعون فيه مواشيهم، ويطلبون فيه رزق الله -جل وعلا- وفضله.
وهذه الآيات الثلاث ذكرها الله -جل وعلا- مجتمعة في سورة الفرقان فقال:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً} فقوله: {وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً} يعني:
ينتشر الخلق فيه لقضاء معائشهم.
وبين -جل وعلا- في آيات أخرى أنه صنع ذلك رحمة بخلقه، وبين لهم وظيفتي
الليل والنهار فقال -جل وعلا- في سورة القصص: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}:
فقوله: {لِتَسْكُنُوا فِيهِ} أي: في الليل.
وقوله:{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} يعني: في النهار.
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} تشكرون الله -جل وعلا- على هذا السكن، وتشكرون الله -جل وعلا- على أن جعل لكم هذا النهار الذي تبتغون فيه من فضله.
وقال -جل وعلا-: {وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ
وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}.
ثم قال -جل وعلا-: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} يعني: بنينا فوقكم سبع سموات محكمةً في البناء والقوة، والذي بناها هو الله جل وعلا.
وهذا وارد في القرآن العظيم أن عدد السموات سبع:
- كما في أول سورة المؤمنون: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ}.
-وفي آخر سورة الطلاق:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}.
-وفي أوائل سورة تبارك: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً}.
- وفي سورة نوح: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً}.
فهي سبع سموات بكتاب الله -جل وعلا-.
وبين -جل وعلا- في هذه الآية أنها محكمة في غاية القوة والإتقان، وقد
بين -جل وعلا- هذا الإحكام والإتقان في قوله سبحانه وتعالى:
- في أوائل سورة ق: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ}.
- وفي سورة تبارك: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ}.
ثم قال -جل وعلا-: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً}والمراد بذلك: الشمس.
والوهج يجمع بين الحرارة والتلألؤ أو التوقد، ولهذا (وهج النار) يجمع بين الحر
والإضاءة، والشمس تجمع بينهما.
ثم قال -جل وعلا-: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً}والمعصرات: المراد بها السحاب المنعصر بالمطر لكن لم ينزل المطر بعد، قد تشبع بالمطر لكن المطر
لم ينزل، كما يقال: امرأة معصر، يعني: إذا قاربت أن تحيض.
وهذا هو الأظهر في معنى هذه الآية: أن المراد بالمعصرات هو السحاب؛ لأن الماء ينزل من السحاب كما ذكر الله -جل وعلا- ذلك في مواضع كثيرة: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ...} يعني: ترى المطر.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ...} فالماء ينزل من السحاب.
-وكما قال الله -جل وعلا- في سورة الأعراف:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً...} يعني: حتى إذا حملت هذه الرياح سحاباً ثقالاً ممتلئة بالماء {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
- وقال -جل وعلا- في سورة الواقعة:{أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ
الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} يعني بالمزن: السحاب.
فدلت هذه الآيات على أن المراد بالمعصرات في هذه الآية هي السحاب.
وأما من فسر المعصرات بأنها الرياح التي تحمل السحاب: فهذا القول يخالف أكثر آيات القرآن؛ لأن الله -جل وعلا- أثبت أن نزول الماء إنما يكون من السحاب، وقول الله -جل وعلا- في سورة الحجر: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}قال: هذه الآية لا تدل على أن المطر ينزل من الرياح وإنما تدل على أن هذه الرياح تلقِّح السحاب فينزل بإذن الله -جل وعلا- المطر لأن الله جل وعلا قال: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ} وما قال -جل وعلا-: فأنزلنا من الرياح، قال: {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ} والمراد بالسماء: العلو وتفسره الآيات الأخرى وهو السحاب الذي جعله الله -جل وعلا- في العلو.
فقوله: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً} المراد به السحاب.
وقوله جل وعلا: {ثَجَّاجاً} يعني: منصباً بكثرة، الشيء إذا كان منصباً بكثرة يقال له: ثجاج، وهذا من كمال قدرته -جل وعلا-.ثم قال -جل وعلا-: {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتاً} أي: لنخرج بهذا المطر الذي أنزله الله -جل
وعلا- من السماء حبا، والمراد بـ (الحب): هو ماينبت من النبات وييبس ويدخر، مثل: الحنطة والشعير والأرز والذرة والفول والعدس وغيرها من هذه الأشياء التي تيبس ولا يضرها يبسها بل تبقى، فهذا هو الحب، سواء كان يأكله الأنعام أو الأناسي.
وقوله:{نَبَاتاً} النبات: هو الشي الأخضر الرطب، سواء مما يأكله بنو آدم أو تأكله الأنعام؛ فهو في حال رطوبته يسمى نباتا.
- كما في سورة فاطر: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا}.
- وقال الله -جل وعلا- في سورة النمل: {أَمَّنْ
خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ
تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ}.
- وقال -جل وعلا- في سورة السجدة: {أَوَلَمْ
يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ
بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا
يُبْصِرُونَ}.
فهذه الآيات كلها دالةٌ على وحدانية الله -جل وعلا- وكمال قدرته، ودالة على قدرته على إحياء الموتى بعد موتهم.ودلائل إحياء الموتى بعد موتهم كثيرة جداً في كتاب الله -جل وعلا- وهذه الدلائل منها:
أن الله -جل وعلا- استدل بالخلق الأول أو بالنشأة الأولى على النشأة الأخرى، فالذي خلق الإنسان من عدم قادر على أن ينشئه -جل وعلا- ويعيد خلقه مرة أخرى؛ كما قال -جل وعلا-: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} وقال -جل وعلا-: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}.
وأيضاً نبه الله -جل وعلا- بإحياء الأرض بعد موتها - إحياؤها بالمطر - على إحياء الموتى:
- كما في أوائل سورة الحج: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ
وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ
الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ
يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ}.
- وفي سورة فصلت: {وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا
الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي
الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
- وذكر الله -جل وعلا- في كتابه دلائل على البعث، منها قصة إبراهيم مع الطير:
{وَإِذْ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ
أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ
فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ
عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ
سَعْياً}
وفرق الطير إلى أربعة أجزاء فيكون ميتاً، ثم يدعى فيعود مرة أخرى.
- وفي قصة إحياء قتيل بني إسرائيل: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} ببعض البقرة {كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
ومن أعظمها هذا النوم الذي ننامه بالليل والنهار، ولهذا قال الله -جل وعلا-: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}
فهذه الآيات كلها شاهدة على وحدانية الله، شاهدة على قدرته، شاهدة على بعثه الموتى بعد موتهم.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
تفسير ابن عثيمين (صوتي)
تفسير ابن كثير
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (تفسير سورة النّبأ وهي مكّيّةٌ يقول تعالى منكراً على المشركين في تساؤلهم عن يوم القيامة إنكاراً لوقوعها: {عمّ يتساءلون عن النّبإ العظيم}. أي: عن أيّ شيءٍ يتساءلون؟ عن أمر القيامة، وهو النّبأ العظيم. يعني: الخبر الهائل المفظع الباهر. فلمّا لبسن اللّيل أو حين نصّبت ....... له من خذا آذانها وهو جانح
قال قتادة وابن زيدٍ: النّبأ العظيم: البعث بعد الموت. وقال مجاهدٌ: هو القرآن. والأظهر الأوّل؛ لقوله: {الّذي هم فيه مختلفون}. يعني: النّاس فيه على قولين؛ مؤمنٌ به وكافرٌ.
ثمّ قال تعالى متوعّداً لمنكري القيامة: {كلاّ سيعلمون ثمّ كلاّ سيعلمون}. وهذا تهديدٌ شديدٌ ووعيدٌ أكيدٌ.
ثمّ شرع
تعالى يبيّن قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة والأمور العجيبة
الدّالّة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد وغيره فقال: {ألم نجعل الأرض مهاداً}. أي: ممهّدةً للخلائق ذلولاً لهم قارّةً ساكنةً ثابتةً.
{والجبال أوتاداً}. أي: جعلها أوتاداً أرساها بها وثبّتها وقرّرها؛ حتّى سكنت ولم تضطرب بمن عليها.
ثمّ قال: {وخلقناكم أزواجاً}. يعني: ذكراً وأنثى، يستمتع كلٌّ منهما بالآخر، ويحصل التّناسل بذلك، كقوله: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّةً ورحمةً} [الروم: 21] .
وقوله: {وجعلنا نومكم سباتاً}. أي: قطعاً للحركة؛ لتحصل الرّاحة من كثرة التّرداد والسّعي في المعاش في عرض النّهار، وقد تقدّم مثل هذه الآية في سورة الفرقان.
{وجعلنا اللّيل لباساً}. أي: يغشى النّاس ظلامه وسواده كما قال: {واللّيل إذا يغشاها}. وقال الشّاعر:
وقوله: {وجعلنا النّهار معاشاً}. أي: جعلناه مشرقاً منيراً مضيئاً؛ ليتمكّن النّاس من التّصرّف فيه والذّهاب والمجيء للمعاش والتّكسّب والتّجارات وغير ذلك.
وقوله: {وبنينا فوقكم سبعاً شداداً}. يعني: السّماوات السّبع في اتّساعها وارتفاعها وإحكامها وإتقانها وتزيينها بالكواكب الثّوابت والسّيّارات.
ولهذا قال: {وجعلنا سراجاً وهّاجاً}. يعني: الشّمس المنيرة على جميع العالم، التي يتوهّج ضوؤها لأهل الأرض كلّهم.
وقوله: {وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجّاجاً}. قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: المعصرات: الرّيح.
وقال ابن
أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا أبو داود الحفريّ، عن سفيان، عن
الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وأنزلنا من المعصرات}. قال: الرّياح.
وكذا قال عكرمة ومجاهدٌ وقتادة ومقاتلٌ والكلبيّ وزيد بن أسلم وابنه عبد الرّحمن: إنّها الرّياح. ومعنى هذا القول: أنّها تستدرّ المطر من السّحاب.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {من المعصرات}. أي: من السّحاب. وكذا قال عكرمة أيضاً وأبو العالية والضّحّاك والحسن والرّبيع بن أنسٍ والثّوريّ، واختاره ابن جريرٍ.
وقال الفرّاء: هي السّحاب التي تتحلّب بالمطر ولم تمطر بعد، كما يقال: مرأةٌ معصرٌ إذا دنا حيضها ولم تحض، وعن الحسن وقتادة: {من المعصرات}. يعني: السّماوات، وهذا قولٌ غريبٌ.
والأظهر أنّ المراد بالمعصرات السّحاب كما قال تعالى: {اللّه الّذي يرسل الرّياح فتثير سحاباً فيبسطه في السّماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله}. أي: من بينه.
وقوله: {ماءً ثجّاجاً}. قال مجاهدٌ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ: {ثجّاجاً}: منصبًّا.
وقال الثّوريّ: متتابعاً. وقال ابن زيدٍ: كثيراً.
قال ابن
جريرٍ: ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثّجّ، وإنّما الثّجّ:
الصّبّ المتتابع، ومنه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: (أفضل الحجّ العجّ والثّجّ). يعني: صبّ دماء البدن. هكذا قال.
قلت: وفي حديث المستحاضة حين قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (أنعت لك الكرسف).
يعني: أن تحتشي بالقطن؛ فقالت: يا رسول اللّه هو أكثر من ذلك، إنّما أثجّ
ثجًّا. وهذا فيه دلالةٌ على استعمال الثّجّ في الصّبّ المتتابع الكثير،
واللّه أعلم.
وقوله: {لنخرج به حبًّا ونباتاً وجنّاتٍ ألفافاً}. أي: لنخرج بهذا الماء الكثير الطّيّب النّافع المبارك {حبًّا} يدّخر للأناسيّ والأنعام، {ونباتاً}. أي: خضراً يؤكل رطباً.
{وجنّاتٍ}.
أي: بساتين وحدائق من ثمراتٍ متنوّعةٍ وألوانٍ مختلفةٍ وطعومٍ وروائح
متفاوتةٍ، وإن كان ذلك في بقعةٍ واحدةٍ من الأرض مجتمعاً، ولهذا قال: {وجنّاتٍ ألفافاً}.
قال ابن عبّاسٍ وغيره: {ألفافاً}: مجتمعةً، وهذه كقوله تعالى: {وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجنّاتٌ من أعنابٍ وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغيرُ صنوانٍ يسقى بماءٍ واحدٍ ونفضّل بعضها على بعضٍ في الأكل} الآية). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 302-304]
تفسير سورة النبأ
تفسير قول الله تعالى: ( عم يتساءلون ) تفسير قول الله تعالى: ( وجنات ألفافاً )
تفسير قول الله تعالى: ( كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون)
معنى قوله تعالى : (كلا)
معنى قوله : ( سيعلمون )
فائدة التكرار في قوله تعالى : ( كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون )
أهمية الإيمان بالبعث
دعوة الأنبياء إلى الإيمان بالبعث
الدلائل الدالة على وحدانية الله، وقدرته على إحياء الموتى
دلالة العقل على البعث
التكذيب بالبعث دأب أعداء الرسل
بيان كفر من كذب بالبعث
وعيد من كذب بالبعث
تفسير قول الله تعالى: ( ألم نجعل الأرض مهاداً )
تفسير قول الله تعالى: ( والجبال أوتاداً)
تفسير قول الله تعالى: ( وخلقناكم أزواجاً)
تفسير قول الله تعالى: ( وجعلنا نومكم سباتاً)
تفسير قول الله تعالى: ( وجعلنا الليل لباساً )
تفسير قول الله تعالى: ( وجعلنا النهار معاشاً )
تفسير قول الله تعالى: ( وبنينا فوقكم سبعاً شداداً)
تفسير قول الله تعالى: ( وجعلنا سراجاً وهاجاً )
تفسير قول الله تعالى: ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً )
أقوال السلف في معنى (المعصرات)
تفسير قول الله تعالى: ( لنخرج به حباً ونباتاً )
الأسئلة
س1: ما هو النبأ العظيم؟
س2: بين ما يفيده التكرار في قوله تعالى: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}
س3: ما تقدير المعمول المحذوف في قوله تعالى: {كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ}؟
س4: ما نوع الاستفهام في قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً}؟
س5: بين معاني المفردات التالية: عمَّ، مهاداً، أوتاداً، أزواجاً، سباتاً، لباساً، وهاجاً، المعصرات، ثجاجاً، ألفافاًً.
س6: لتعداد نعم الله تعالى على عباده أثر عظيم في النفوس المؤمنة، تحدث بإيجاز عن فوائد هذا التعداد.
س7:
الآيات الكونية من دلائل البعث العظيمة التي كرر الاستدلال بها عليه كثيراً
في القرآن الكريم، تحدث باختصار عن دلالة الآيات الكونية على البعث
والجزاء.