7 Feb 2015
الباب الثاني: في الصداق وحقوق الزواج وواجباته، ووليمة العرس
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الصداق، ومشروعيته، وحكمه:
أ- تعريف الصداق:
لغة: مأخوذ من الصدق خلاف الكذب.
وشرعاً: هو المال الذي وجب على الزوج دفعه لزوجته؛ بسبب عقد النكاح.
وسمي الصداق صداقاً لإشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح، ويسمى أيضاً: المهر، والنّحلة، والعقر.
ب- مشروعيته:
الأصل في مشروعية الصداق الكتاب والسنة والإجماع، كما سيأتي بيانه في الكلام على حكم الصداق.
ج- حكم الصداق:
يجب على الزوج دفع المال بمجرد تمام العقد، ولا يجوز إسقاطه. ودل على هذا قوله تعالى: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} [النساء: 4]، وقوله تعالى: {فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضةً} [النساء: 24]. وقوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً} [البقرة: 236].
وحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: أتت امرأة النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقالت: إني وهبت نفسي لله ولرسوله، فقال: (مالي في النساء من حاجة)، فقال رجل: زوجنيها، قال: (أعطها ثوباً ... الحديث)
، وحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلّى اللّه عليه
وسلّم - رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر زعفران، فقال النبي - صلّى اللّه
عليه وسلّم -: (مهيم؟)، - يعني: ما شأنك وما أمرك؟ - فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة، فقال: (ما أصدقتها؟) قال: وزن نواة من ذهب، فقال: (بارك الله لك، أولم ولو بشاة). وأجمع المسلمون على مشروعية الصداق في النكاح.
المسألة الثانية: حدّه، وحكمته، وتسميته:
أ- حد الصداق:
لا حد لأقل الصداق ولا أكثره، فكل ما صح أن يكون ثمناً أو أجرة صح أن يكون صداقاً؛ لقوله تعالى: {وأحلّ لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم}[النساء: 24]، فأطلق المال، ولم يقدره بحد معين. ولحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - وفيه أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال في المرأة الواهبة نفسها: (أعطها، ولو خاتماً من حديد). فدل هذا على جواز أقل ما يطلق عليه مال.
وأما الدليل على أنه يجوز ولو كان كثيراً، فقوله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا} [النساء: 20]، والقنطار المال الكثير.
ب- الحكمة من مشروعية الصداق:
الحكمة من تشريع الصداق: هي إظهار صدق رغبة الزوج في معاشرة زوجته معاشرة شريفة، وبناء حياة زوجية كريمة. كما أن فيه إعزازاً للمرأة، وإكراماً لها، وتمكيناً لها من أن تتهيأ للزواج بما تحتاج إليه من لباس ونفقات.
ج- الحكمة في جعل الصداق بيد الرجل:
جعل الإسلام الصداق على الزوج؛ رغبة منه في صيانة المرأة من أن تمتهن كرامتها في سبيل جمع المال الذي تقدمه مهراً للرجل، وهذا يتفق مع المبدأ التشريعي: في أن الرجل هو المكلف بواجبات النفقة، دون المرأة.
د- ملكية الصداق:
الصداق ملك للزوجة وحدها، ولا حق لأحد فيه من أوليائها، وإن كان لهم حق قبضه، إلا أنهم يقبضونه لحسابها وملكها؛ لقوله تعالى: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسًا فكلوه هنيئًا مريئًا} [النساء: 4]، وقوله تعالى: {فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا} [النساء: 20].
هـ- تسمية الصداق في العقد:
يسن تسمية الصداق في عقد الزواج وتحديده؛ لأن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - لم يخل نكاحاً من تسمية المهر فيه، ولأن في تسميته دفعاً للخصومة والنزاع بين الزوجين.
وشروط المهر وما يكون مهراً ومالا يكون:
1 - أن يكون مالاً متقوّماً، مباحاً، مما يجوز تملكه وبيعه والانتفاع به، فلا يجوز بخمر وخنزير ومال مغصوب يعلمانه.
2 - أن يكون سالماً من الغرر، بأن يكون معلوماً معيناً، فلا يصح بالمجهول كدار غير معينة، أو دابة مطلقة، أو ما يثمر شجره مطلقاً، أو هذا العام ونحو ذلك.
وعلى هذا، يصح المهر بكل ما يصلح أن يكون ثمناً، أو أجرة، من عين أو دين أو منفعة معلومة.
ز- تعجيل المهر وتأجيله:
يجوز تعجيل المهر وتأجيله، كله أو بعضه، حسب عرف الناس وعاداتهم، بشرط ألا يكون الأجل مجهولاً جهالة فاحشة، وألا تكون المدة بعيدة جداً؛ لأن ذلك مظنة سقوط الصداق.
المسألة الثالثة: حكم المغالاة في الصداق:
يستحب عدم المغالاة في المهر لما يلي:
1 - حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - أنه قال: (من يمن المرأة تسهيل أمرها، وقلة صداقها). واليمن: البركة.
2 - عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: (ألا لا تغالوا في صدق النساء، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، كان أولاكم بها رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -، ما أصدق رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه، وحتى يقول كلفت فيك علق القربة).
3 - وعن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صداق رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقالت: اثنتي عشرة أوقية ونشّاً. قالت: أتدري ما النشّ؟ قلت: لا أدري. قالت: نصف أوقية.
المسألة الرابعة: الحقوق الزوجية:
إذا وقع عقد النكاح صحيحاً ترتب عليه كثير من الحقوق بين الزوجين، وهي:
أولاً: حقوق الزوجة:
للزوجة على زوجها حقوق مالية كالصداق والنفقة، وحقوق معنوية غير مالية، كالعدل، وإحسان العشرة، وطيب المعاملة. وتفصيل ذلك على النحو التالي:
1 - المهر: وهو حق للزوجة على زوجها؛ لقوله تعالى: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} [النساء: 4]، وغير ذلك من الأدلة التي سبق ذكرها.
2 - النفقة والكسوة والسكنى: فيجب على الزوج تحصيلها للمرأة؛ لقوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} [البقرة: 233]. ولقوله تعالى: {الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34].
ولحديث حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله ما حق الزوجة؟ فقال: (أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت).
ولحديث جابر رضي الله عنه في خطبة رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - وفيه: (ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف).
3 - إعفاف الزوجة بالجماع؛ مراعاة لحقها ومصلحتها في النكاح، ودفعاً للفتنة عنها، لعموم قوله تعالى: {فإذا تطهّرن فأتوهنّ من حيث أمركم اللّه} [البقرة: 222].
وقوله تعالى: {نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم} [البقرة: 223] ولقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (وفي بضع أحدكم صدقة) يعني: الجماع.
4 - حسن معاشرتها، ومعاملتها بالمعروف؛ لقوله تعالى: {وعاشروهنّ بالمعروف} [النساء: 19] فيكون حسن الخلق مع زوجته رفيقاً بها، صابراً على ما يصدر منها، محسناً للظن بها. قال - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (خيركم خيركم لأهله).
5 - العدل بين نسائه في المبيت والنفقة، لمن كانت له أكثر من زوجة؛ لقوله تعالى: {فإن خفتم ألّا تعدلوا فواحدةً…} [النساء: 3]. وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان للنبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلا في تسع ... ).
ثانياً: حق الزوج:
وحق الزوج على زوجته أعظم من حقها عليه؛ لقوله سبحانه {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} [البقرة: 228]، ولقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله، حتى تؤدي حق زوجها عليها كله).
ومن حقوق الزوج على زوجته:
1 - حفظ سره وعدم إفشائه لأحد؛ لقوله تعالى: {فالصّالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ اللّه} [النساء: 34].
2 - وجوب طاعته في المعروف؛ لقوله تعالى: {الرّجال قوّامون على النّساء} [النساء: 34].
3 - تمكينه من نفسها إذا دعاها إلى فراشه، ما لم يكن هناك مانع شرعي؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح).
4 - المحافظة على بيته وماله وأولاده وحسن تربيتهم، لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها). وقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه).
5 - المعاشرة بالمعروف، وحسن الخلق، وكف الأذى عنه؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو دخيل يوشك أن يفارقك إلينا). والدخيل: الضيف والنزيل.
ثالثاً: الحقوق المشتركة بين الزوجين:
أغلب الحقوق الماضي ذكرها حقوق مشتركة بين الزوجين، وبخاصة حق الاستمتاع، وما يتبعه من حقوق، وكذا تحسين كل من الزوجين خلقه لصاحبه، وتحمل أذاه ومعاشرته بالمعروف، فلا يماطله بحقه ولا يتكرّه لبذله، ولا يتبعه أذىً ومنةً؛ لقوله تعالى: {وعاشروهنّ بالمعروف} [النساء: 19]، وقوله سبحانه وتعالى: {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} [البقرة: 228]، وقول النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (خيركم خيركم لأهله).
كما يسن للزوج إمساك زوجته حتى مع كراهته لها؛ لقوله تعالى: {وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل اللّه فيه خيراً كثيراً} [النساء: 19].
المسألة الخامسة: إعلان النكاح:
يسن إعلان النكاح، وإظهاره، وإشاعته، والضرب عليه بالدف؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (فصل ما بين الحرام والحلال الصوت، والدف في النكاح) ، ويكون الضرب بالدف للنساء دون الرجال، شرط ألا يصحب ذلك فحش في القول، أو ما يخالف الشرع.
المسألة السادسة: الوليمة في النكاح:
الوليمة: طعام العرس يدعى إليه الناس ويجمعون.
ويسنّ عمل وليمة للنكاح؛ لحديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أنه تزوج امرأة فقال له النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (أولم ولو بشاة) ، (وأولم النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - على زينب رضي الله عنها بخبز ولحم) ، و (أولم النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - على بعض نسائه بمدين من شعير).
المسألة السابعة: حكم إجابة دعوة وليمة العرس:
يجب على من دعي لوليمة عرس أن يجيب؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها) ، وحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله).
شروط إجابة دعوة وليمة العرس:
1 - أن تكون هي الوليمة الأولى، فإن أولم في أكثر من يوم استحب في الثاني، وكره في الثالث؛ لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة. ومن سمّع سمع الله به).
2 - أن يكون الداعي مسلماً؛ فلا تجب إجابة دعوة الكافر.
3 - أن يكون الداعي من غير العصاة المجاهرين بالمعصية، وألا يكون ظالماً أو صاحب مال حرام.
4 - أن تكون الدعوة معينة؛ فإن دعاه في جمع فلا تجب الإجابة.
5 - أن يكون القصد من الدعوة التودد والتقرب، فإن دعاه لخوف منه، أو طمع في جاه، فلا تجب الإجابة.
6 - ألا يكون في الوليمة منكر، كخمر وغناء ومعازف واختلاط رجال بنساء، فإن وجد شيء من ذلك فلا تجب الدعوة؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها الخمر). فإن كان المدعو يستطيع إزالة المنكر بحضوره وجب عليه الحضور، وإجابة الدعوة، وإزالة المنكر؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) ). [الفقه الميسر: 301-309]