الدروس
course cover
الباب الثالث: في العتق، والكتابة، والتدبير
7 Feb 2015
7 Feb 2015

5263

0

0

course cover
فقه المعاملات من الفقه الميسّر

كتاب المواريث والوصايا

الباب الثالث: في العتق، والكتابة، والتدبير
7 Feb 2015
7 Feb 2015

7 Feb 2015

5263

0

0


0

0

0

0

0

الباب الثالث: في العتق، والكتابة، والتدبير

وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف العتق، ومشروعيته، وفضله، وحكمة مشروعيته:
1 - تعريف العتق:
العتق لغة: بكسر العين وسكون التاء: الحرية والخلوص، مشتق من قولهم: عتق الفرس، إذا سبق، وعتق الفرخ: طار واستقل وخلص.
وشرعاً: هو تحرير الرقبة وتخليصها من الرق، وإزالة الملك عنها، وتثبيت الحرية لها.
2 - أدلة مشروعيته:
الأصل في مشروعية العتق: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب، فقوله تعالى: {فتحرير رقبةٍ} [النساء: 92]، وقوله تعالى: {فتحرير رقبةٍ من قبل أن يتماسّا} [المجادلة: 3].
وأما السنة: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (من أعتق رقبة، أعتق الله بكل عضو منها عضواً من أعضائه من النار، حتى فرجه بفرجه).
وأجمعت الأمة على صحة العتق، وحصول القربة به إلى الله تعالى.
3 - فضله:
العتق من أفضل القربات وأجل الطاعات، لما جاء في فضل العتق من قوله تعالى: {فكّ رقبةٍ} [البلد: 13] يعني: تخليص الشخص من الرقّ، وقد ورد ذلك في معرض بيان الطريق التي فيها النجاة والخير لمن سلكها؛ ألا وهي: عتق الرقاب. وتقدم معنا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قبل قليل في فضل العتق، وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - أيضاً عن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلماً كان فكاكه من النار ... ) الحديث. والنصوص في فضل العتق كثيرة جداً.
وعتق الرجل أفضل من عتق المرأة، والرقبة الأغلى ثمناً والأنفس عند أهلها أفضل من غيرها.
4 - الحكمة من مشروعيته:
شرع العتق في الإسلام لغايات نبيلة، وحكم بليغة. فمن ذلك: أنه تخليص الآدمي المعصوم من ضرر الرق، وملك نفسه، وتمكينه من التصرف في نفسه ومنافعه حسب إرادته واختياره.
ومنها: أن الله عز وجل جعله كفارة للقتل، والوطء في رمضان، والأيمان.

المسألة الثانية: أركان العتق، وشروطه، وصيغته وألفاظه:
1 - أركان العتق: أركانه ثلاثة:
أ- المعتق: وهو الشخص الذي وقع منه العتق لغيره.
ب- المعتق: وهو الشخص الذي عتق، أو وقع عليه العتق.
ج- الصيغة: وهي الألفاظ التي يقع بها العتق.
2 - شروطه: يشترط لصحة العتق ووقوعه ما يلي:
- أن يكون المعتق ممن يجوز تصرفه، وهو: البالغ العاقل الرشيد المختار، فلا يصح العتق من الصبي، ولا المجنون ولا المعتوه، ولا المكره؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ). ولا يصح عتق المكره، كما لا تصح سائر تصرفاته.
- أن يكون مالكاً لمن يعتقه، فلا يصح العتق من غير المالك.
- ألا يتعلق بالمعتق حق لازم يمنع عتقه، كدين أو جناية، فلا يصح عتقه حتى يؤدي الدّين، أو تدفع دية جنايته.
- لابد أن يكون العتق بلفظ صريح، أو ما يقوم مقامه من الكنايات، ولا يكفي في ذلك مجرد النية؛ لأنه إزالة ملك فلا يحصل بالنية المجردة.
3 - صيغته وألفاظه:
- ألفاظه إما صريحة، وهي ما كان بلفظ العتق، والتحرير، وما تصرّف منهما، مثل: أنت حر، أو محرر، أو: عتيق، أو: معتق، أو: أعتقتك.
- وإما كنائية، كقوله: اذهب حيث شئت، أو: لا سبيل لي عليك، أو: لا سلطان لي عليك، أو: اغرب، أو ابعد عني، أو: خليتك، ونحو ذلك. وهذه الكنايات لا يحصل العتق بها، إلا إذا نوى قائلها العتق.

المسألة الثالثة: من أحكام العتق:
1 - يجوز الاشتراك في العبد والأمة في الملك، بأن يملكه أكثر من شخص.
2 - إذا أعتق شخص نصيبه في عبد مشترك فقد عتق نصيبه من هذا العبد.
وأما نصيب شريكه: فإن كان المعتق موسراً عتق نصيب شريكه من العبد، وقوّمت عليه حصة شريكه ودفع له القيمة. أما إذا كان الشريك المعتق معسراً غير موسر، فلا يعتق نصيب شريكه، ويسعى العبد في تحصيل قيمة نصيب هذا الشريك، فيعتق بعد تسليم ما عليه، ويكون في ذلك كالمكاتب.
ودليل ذلك: قوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (من أعتق شركاً له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوّم عليه العبد قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق) ، ولقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (من أعتق نصيباً -أو شقيصاً - في مملوك، فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، وإلا قوّم عليه، فاستسعى به غير مشقوق عليه). والظاهر أن ذلك يكون باختيار العبد.
3 - يرث المعتق جميع مال من أعتقه دون العكس، لأن المعتق ولاؤه لمن أعتقه، كما قال - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (الولاء لمن أعتق). وقد جعل النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - الولاء كالنسب، فقال: (الولاء لحمة كلحمة النسب).
4 - من ضرب عبده ظلماً، أو ضرباً مبرحاً، أو مثّل به، أو أفسده، أو قطع له عضواً أو نحو ذلك، فإنه يعتق عليه، لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (من ضرب غلاماً له حداً لم يأته، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه). أما ما كان من ذلك ضرباً خفيفاً على سبيل التأديب فلا شيء فيه.

المسألة الرابعة: التدبير:
1 - تعريفه:
التدبير هو تعليق عتق الرقيق بموت سيده.

يقال: دبّر الرجل عبده تدبيراً: إذا أعتقه بعد موته، وكذا: أعتقه عن دبرٍ.
والمدبّر: هو العبد الذي حصل له التدبير، سمّى بذلك؛ لأن عتقه جعل دبر حياة سيّده، فالموت يكون دبر الحياة.
2 - حكمه، ودليل ذلك:
التدبير جائز، وهو صحيح باتفاق العلماء، والأصل فيه حديث جابر - رضي الله عنه -: أن رجلاً من الأنصار أعتق غلاماً له عن دبرٍ، لم يكن له مال غيره، فبلغ ذلك النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم -، فقال: (من يشتريه مني)؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمانمائة درهم، فدفعها إليه.
3 - من أحكام المدبر:
- يجوز بيع المدبر مطلقاً للحاجة، وأجاز بعض أهل العلم بيعه مطلقاً للحاجة وغيرها؛ لما تقدم في حديث جابر.
- المدبر يعتق من الثلث، لا من رأس المال؛ لأن حكمه حكم الوصية، فكلاهما لا ينفذ إلا بعد الموت.
- ويجوز لسيده هبته، لأن الهبة مثل البيع.
- يجوز للسيد وطء أمته المدبرة؛ لأنها مملوكته، وقد قال تعالى: {إلّا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم غير ملومين} [المؤمنون: 6].

المسألة الخامسة: المكاتب:
1 - تعريفه:
الكتابة والمكاتبة لغةً: مأخوذة من كتب بمعنى أوجب، وألزم.
وشرعاً: هي إعتاق العبد نفسه من سيده بمال يكون في ذمته يؤدّى مؤجلاً.
فالمكاتب -بفتح التاء-: هو العبد الذي علّق عتقه بمال يدفعه لسيده، وبكسرها: من تقع منه. وسميت كتابة، لأن السيد يكتب بينه وبين عبده كتاباً بما اتفقا عليه.
2 - حكم المكاتبة، ودليل ذلك:
الكتابة جائزة مستحبة إذا طلبها العبد الصدوق المكتسب القادر على أداء المال الذي اشترطه عليه سيده، لقوله تعالى: {والّذين يبتغون الكتاب ممّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} [النور: 33].
3 - من أحكام المكاتبة:
- يعتق العبد أو الأمة ويصيرا حرين متى أديا ما اتفقا عليه مع سيدهما، لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (المكاتب عبدٌ ما بقي عليه من مكاتبته درهم). فمفهومه: أنه متى أدى ما عليه لم يعد عبداً، ويصير حراً بالأداء.
- لا يعتق العبد إلا إذا أدى جميع كتابته، للحديث الماضي.
- ولاء المكاتب يكون لسيده إذا أدى ما عليه، لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (الولاء لمن أعتق).
- على السيد أن يضع عن المكاتب شيئاً من المال الذي كاتبه عليه، لقوله تعالى: {وآتوهم من مال اللّه الّذي آتاكم} [النور: 33]. قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: ضعوا عنهم من مكاتبتهم. ويخير السيد بين وضعه عنه وأخذه منه، ودفعه إليه.
- يجعل المال على المكاتب منجّماً ، نجمين فصاعداً، على أن تكون النجوم معلومة، ويعلم في كل نجم قدر المال المؤدى.
- ليس للمكاتب أن يتزوج إلا بإذن سيده، لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر). ولا يتسرى كذلك إلا بإذنه.
- يجوز بيع المكاتب، وتبقى الكتابة عليه في يد مشتريه، فإن أدى ما عليه عتق، ويكون ولاؤه لمشتريه، لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - لعائشة في قصة بريرة: (اشتريها وأعتقيها ... فإن الولاء لمن أعتق) ). [الفقه الميسر: 275-280]