7 Feb 2015
الباب الخامس: في صلاة التطوع
وفيه مسائل:
والمراد بالتطوع: كل طاعة ليست بواجبة.
المسألة الأولى: فضلها، والحكمة من مشروعيتها
1 - فضلها:
التطوع بالصلاة من أفضل القربات بعد الجهاد في سبيل الله وطلب العلم؛
لمداومة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم على التقرب إلى ربه بنوافل الصلوات،
ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم:
(إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرّب إليّ
عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى
أحبه ... ) الحديث.
2 - الحكمة من مشروعيتها:
وقد شرع سبحانه التطوع رحمة بعباده، فجعل لكل فرض تطوعاً من جنسه؛ ليزداد
المؤمن إيماناً ورفعة في الدرجات بفعل هذا التطوع، ولتكمل الفرائض، وتجبر
يوم القيامة بهذا التطوع؛ فإن الفرائض يعتريها النقص، كما في حديث أبي
هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
(إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة، فإن أتمها، وإلا
قيل: انظروا هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع أكملت الفريضة من تطوّعه، ثم
يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك).
المسألة الثانية: في أقسامها
صلاة التطوع على نوعين:
النوع الأول: صلوات
مؤقتة بأوقات معينة، وتسمى بالنوافل المقيدة، وهذه منها ما هو تابع
للفرائض، كالسنن الرواتب، ومنها ما ليس بتابع كصلاة الوتر، والضحى والكسوف.
النوع الثاني: صلوات غير مؤقتة بأوقات معينة، وتسمى بالنوافل المطلقة.
والنوع الأول
أنواع متعددة بعضها آكد من بعض، وآكد أنواعه الكسوف، ثم الوتر، ثم صلاة
الاستسقاء، ثم صلاة التراويح، وأما النوع الثاني فيشرع في الليل كله، وفي
النهار -ما عدا أوقات النهي- وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار.
المسألة الثالثة: ما تسنّ له الجماعة من صلاة التطوع
تسن صلاة الجماعة: للتراويح، والاستسقاء، والكسوف.
المسألة الرابعة: في عدد الرواتب
والرواتب: جمع راتبة، وهي الدائمة المستمرة، وهي التابعة للفرائض.
وفائدة هذه الرواتب أنها تجبر الخلل والنقص الذي يقع في الفرائض، كما مضى بيانه.
وعدد الرواتب عشر ركعات، وهي المذكورة في حديث ابن عمر:
(حفظت عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد
الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة، كانت
ساعة لا أدخل على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيها، فحدثتني حفصة أنه كان
إذا طلع الفجر، وأذّن المؤذن، صلّى ركعتين).
ويتأكد للمسلم أن يحافظ على ثنتي عشرة ركعة؛ لقول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: (ما من عبد مسلم يصلي لله تعالى في كل يوم ثنتي عشرة ركعة، إلا بنى الله له بيتاً -أو: (إلا بني له بيت- في الجنة).
وهي العشر المذكورة سابقاً، إلا أنه يكون قبل الظهر أربع ركعات، فقد زاد الترمذي في رواية حديث أم حبيبة الماضي: (أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر) ، ولما ثبت في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:(كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لا يدع أربعاً قبل الظهر).
وآكد هذه الرواتب: ركعتا الفجر وهما سنة الفجر القبليةلقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها). ولقول عائشة رضي الله عنهاعن هاتين الركعتين: (ولم يكن يدعهما أبداً).
المسألة الخامسة: حكم الوتر وفضله ووقته
حكمه: سنة مؤكدة، حثّ عليه الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم ورغّب فيه، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم : (إن الله وتر يحب الوتر). وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: (يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر).
ووقته: ما بين صلاة العشاء وصلاة الفجر بإجماع العلماء؛ لفعله صلّى اللّه عليه وسلّم ، ولقوله: (إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم: صلاة الوتر، ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر).
فإذا طلع الفجر فلا وتر، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى). فهذا دليل على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر.
قال الحافظ ابن حجر: (وأصرح منه -يعني في الدلالة- ما رواه أبو داود والنسائي، وصححه أبو عوانة وغيره ... أن ابن عمر كان يقول:
من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً؛ فإن رسول الله - صلّى اللّه عليه
وسلّم - كان يأمر بذلك، فإذا كان الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر).
وصلاة الوتر آخر
الليل أفضل منه في أوله، لكن يستحب تعجيله أول الليل لمن ظن أنه لا يقوم
آخر الليل، وتأخيره لمن ظن أنه يقوم آخر الليل؛ لما رواه جابر رضي الله عنه
أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل).
المسألة السادسة: صفة الوتر وعدد ركعاته:
الوتر أقله ركعة واحدة، لحديث ابن عمر وابن عباس مرفوعاً: (الوتر ركعة من آخر الليل). ولحديث ابن عمر الماضي قريباً: (صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى).
ويجوز الوتر بثلاث ركعات؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان (يصلّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلّي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلّي ثلاثاً).
وتجوز هذه الثلاث بسلامين؛ لأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كان يسلّم من ركعتين حتى يأمر ببعض حاجته). وتجوز سرداً بتشهد واحد وسلام واحد؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن). ولا تصلّى بتشهدين وسلام واحد؛ حتى لا تشبه صلاة المغرب، وقد نهى - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن ذلك.
ويجوز الوتر بسبع ركعات وبخمس، لا يجلس إلا في آخرها؛ لحديث عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شىء إلا في آخرها) ، ولحديث أم سلمة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يوتر بسبع أو بخمس، لا يفصل بينهن بتسليم ولا كلام).
المسألة السابعة: الأوقات المنهي عن النافلة فيها.
هناك أوقات نهي عن صلاة التطوع فيها إلا ما استثني، وهي أوقات خمسة:
الأول: من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس. لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (لا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس).
الثاني:
من طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح في رأي العين، وهو قدر متر تقريباً،
ويقدر بالوقت بحوالي ربع الساعة أو ثلثها. فإذا ارتفعت الشمس بعد طلوعها
قدر رمح فقد انتهى وقت النهي؛ لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم لعمرو بن عبسة: (صلّ صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع ... ) ، ولحديث عقبة بن عامر الآتي.
والثالث: عند قيام الشمس حتى تزول إلى جهة الغرب ويدخل وقت الظهر، لحديث عقبة بن عامر: (ثلاث
ساعات كان النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر
فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى
تزول، وحين تتضيّف للغروب حتى تغرب). ومعنى تتضيف للغروب: تميل للغروب.
والرابع: من صلاة العصر إلى غروب الشمس لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس).
والوقت الخامس:
إذا شرعت في الغروب حتى تغيب كما تقدم في الحديث؛ فتكون هذه الأوقات
الخمسة محصورة في ثلاثة أوقات وهي: من بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس قدر
رمح، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، ومن بعد صلاة العصر حتى يتم
غروب الشمس.
أما حكمة النهي عن الصلاة في هذه الأوقات:
فقد بيّن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن الكفار يعبدون الشمس عند طلوعها
وعند غروبها، فتكون صلاة المسلم في تلك الأوقات فيها مشابهة لهم، ففي حديث
عمرو بن عبسة: (فإنها -أي الشمس- تطلع حين تطلع بين
قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار ... فإنها تغرب حين تغرب بين قرني
شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار).
هذا عن وقت طلوع
الشمس ووقت غروبها، وأما عن وقت ارتفاعها وقيام قائم الظهيرة، فقد بيّن
صلّى اللّه عليه وسلّم علة النهي في الحديث السابق نفسه فقال: (فإن حينئذٍ تسجر جهنم).
فلا تجوز صلاة التطوع في هذه الأوقات إلا ما ورد الدليل باستثنائه؛ كركعتي الطواف، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلّى فيه، أية ساعة شاء، من ليل أو نهار).
وكذا قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر، وقضاء سنة الظهر بعد العصر، ولا سيما
إذا جمع الظهر مع العصر، وكذلك فعل ذوات الأسباب من الصلوات؛ كصلاة
الجنازة، وتحية المسجد، وصلاة الكسوف، وكذلك قضاء الفرائض الفائتة في هذه
الأوقات؛ لعموم قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) ، ولأن الفرائض دينٌ واجب الأداء، فتؤدّى متى ذكرها الإنسان). [الفقه الميسر: 62-68]