الدروس
course cover
- أضرب الخبر
10 Nov 2008
10 Nov 2008

16956

0

0

course cover
دروس البلاغة

القسم الأول

- أضرب الخبر
10 Nov 2008
10 Nov 2008

10 Nov 2008

16956

0

0


0

0

0

0

0

أضرب الخبر


قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (أَضْرُبُ الخبَرِ
حيثُ كانَ قصْدُ المخبِرِ بخبرِه إفادةَ المخاطَبِ يَنبغي أنْ يَقْتَصِرَ من الكلامِ على قَدْرِ الحاجةِ؛ حَذَرًا من اللَّغْوِ.
فإنْ كانَ المخاطَبُ خاليَ الذِّهْنِ من الحكْمِ أُلْقِيَ إليه الخبَرُ مُجرَّدًا عن التأكيدِ، نحوُ: (أخوكَ قادمٌ). وإنَ كانَ متردِّدًا فيه، طالبًا لمعرفتِه، حَسُنَ توكيدُه، نحوُ: (إنَّ أخاكَ قادمٌ). وإنْ كانَ منكِرًا وَجَبَ توكيدُه بمؤكِّدٍ أوْ مؤكِّدَيْنِ أوْ أكثرَ، حسَبَ درجةِ الإنكارِ، نحوُ: (إنَّ أخاكَ قادمٌ)، أوْ (إنَّهُ لَقادِمٌ)، أوْ (واللَّهِ إنَّهُ لَقادِمٌ).

فالخبَرُ بالنِّسبةِ لِخُلوِّه من التوكيدِ واشتمالِه عليهِ ثلاثةُ أضْرُبٍ كما رأيتَ. ويُسَمَّى الضَّرْبُ الأوَّلُ ابتدائيًّا، والثاني طَلَبيًّا، والثالثُ إِنْكاريًّا.

ويكونُ التوكيدُ بـ (إنَّ)، و(أنَّ)، ولامِ الابتداءِ، وأحرُفِ التنبيهِ، والقسَمِ، ونُونَي التوكيدِ، والحروفِ الزائدةِ، والتكريرِ، و(قدْ)، و(أمَّا) الشرطيَّةِ.) (دروس البلاغة).

هيئة الإشراف

#2

12 Nov 2008

الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي


قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (أَضْــرُبُ الخــبَرِ)
حيثُ كانَ قصْدُ المخْبِرِ بخبرِهِ إفادةَ المخاطَبِ يَنبغي أن يُقتَصَرَ من الكلامِ على قدْرِ الحاجةِ حذَرًا من اللغوِ، فإن كان المخاطَبُ خاليَ الذِّهْنِ من الحكْمِ أُلْقِيَ إليه الخبرُ مجرَّدًا عن التأكيدِ، نحوُ: أخوكَ قادمٌ، وإن كان مُتردِّدًا فيهِ طالِبًا لمعرفتِهِ حَسُنَ تأكيدُهُ، نحوُ: إنَّ أخاكَ قادمٌ، وإن كان منْكِرًا لهُ وَجَبَ توكيدُهُ(1) بمؤكِّدٍ أو مؤكِّدَيْنِ أو أكثرَ حسْبَ درجةِ الإنكارِ، نحوُ: إنَّ أخاكَ قادمٌ، أو: إنَّهُ لَقَادمٌ، أو: واللهِ إنَّهُ لَقادِمٌ.
فالخبرُ(2) بالنسبةِ لخلوِّهِ من التوكيدِ واشتمالِهِ عليهِ ثلاثةُ أضربٍ كما رأيتَ(3).
ويُسَمَّى الضرْبُ الأوَّلُ ابتدائيًّا، والثاني طلَبيًّا، والثالثُ إنكاريًّا. ويكونُ التوكيدُ بإِنْ(4)، وأن، ولامِ الابتداءِ، وأَحْرُفِ التنبيهِ، والقَسَمِ، ونُونَي التوكيدِ، والحروفِ الزائدةِ، والتكريرِ، وقد، وأَمَّا الشرطيَّةِ).

_____________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ( (1) قولُه: (حَسُنَ توكيدُه، وقولُه: وَجَبَ توكيدُه)، الفرْقُ بينَ التأكيدِ الواجبِ والمستَحْسَنِ، مع أنَّ المستَحْسَنَ عندَ البُلغاءِ واجبٌ، أن يُقالَ: إنَّ ترْكَ المستَحْسَنِ يُلامُ عليه لومٌ أخَفُّ من اللومِ على ترْكِ الواجبِ، كما في حاشيةِ الدُّسوقيِّ عن تقريرِ شيخِه العدويِّ، قلتُ: ومعنى كَوْنِ اللومِ أخَفَّ على ترْكِ المستحْسَنِ أَنَّه لا يُخِلُّ بالبلاغةِ، وإنما يَنْقُصُ به قدْرُ البليغِ وحيثيَّةُ كلامِه، كما صرَّحَ به الدُّسوقيُّ بعدُ فتَنَبَّهْ.
(2) قولُه: (فالخبَرُ إلخ)، أي: سواءٌ كان مُثْبَتًا أو منْفِيًّا، وإن كانت الأمثلةُ المذكورةُ هنا لأَضْرُبِ المثبَتِ، ومثالُ الابتدائيِّ في النفيِ: ما زيدٌ قائمًا، ومثالُ الطلَبِيُّ فيه: ما زيدٌ بقائمٍ، ومثالُ الإنكاريِّ فيه: أمَّا مَا زيدٌ بقائمٍ، وأمَّا واللَّهِ ما زيدٌ بقائمٍ.
(3) قولُه: (ثلاثةُ أضْرُبٍ كما رأيتَ)، قد تَتحَقَّقُ هذه الثلاثةُ في شخْصٍ واحدٍ، كأن يكونُ غيرَ مستَحْضِرٍ قيامَ زيدٍ، ومتردِّدًا في قيامِ عمرٍو، ومنكِرًا قيامَ بَكرٍ، فيكونُ الخطابُ له ابتدائيًّا وطلبيًّا وإنكاريًّا، وحينئذٍ فيَغلِبُ جانبُ الإنكارِ ويُقالُ: إن زيدًا وعمْرًا وبَكرًا قائمونَ، وذلكَ لأنَّ تأكيدَ الابتدائيِّ لا بِدَعَ فيه بخلافِ ترْكِ تأكيدِ الإنكاريِّ، فإنه لا يَجوزُ كما في عَرُوسِ الأفراحِ.
(4) قولُه: (ويكونُ التوكيدُ بأنَّ إلخ)، أي: في الإثباتِ، وأما في النفيِ فيكونُ بإن الزائدةِ نحوُ: ما إنْ زيدٌ قائمٌ، وكان نحوُ: ما كان زيدٌ قائمًا، ولامِ الجحودِ نحوُ: ما كان زيدٌ ليقومَ، والباءِ نحوُ: ما زيدٌ بقائمٍ، واليمينِ نحوُ: واللَّهِ ما زيدٌ قائمًا).

هيئة الإشراف

#3

14 Nov 2008

دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى


قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (أَضْرُبُ الخبَرِ
حيثُ كانَ قصْدُ المخبِرِ بخبرِه إفادةَ المخاطَبِ يَنبغي أنْ يَقْتَصِرَ من الكلامِ على قَدْرِ الحاجةِ؛ حَذَرًا من اللَّغْوِ.
فإنْ كانَ المخاطَبُ خاليَ الذِّهْنِ من الحكْمِ أُلْقِيَ إليه الخبَرُ مُجرَّدًا عن التأكيدِ، نحوُ: (أخوكَ قادمٌ). وإنَ كانَ متردِّدًا فيه، طالبًا لمعرفتِه، حَسُنَ توكيدُه، نحوُ: (إنَّ أخاكَ قادمٌ). وإنْ كانَ منكِرًا وَجَبَ توكيدُه بمؤكِّدٍ أوْ مؤكِّدَيْنِ أوْ أكثرَ، حسَبَ درجةِ الإنكارِ، نحوُ: (إنَّ أخاكَ قادمٌ)، أوْ (إنَّهُ لَقادِمٌ)، أوْ (واللهِ إنَّهُ لَقادِمٌ).
فالخبَرُ بالنِّسبةِ لِخُلوِّه من التوكيدِ واشتمالِه عليهِ ثلاثةُ أضْرُبٍ كما رأيتَ. ويُسَمَّى الضَّرْبُ الأوَّلُ ابتدائيًّا، والثاني طَلَبيًّا، والثالثُ إِنْكاريًّا.
ويكونُ التوكيدُ بـ (إنَّ)، و(أنَّ)، ولامِ الابتداءِ، وأحرُفِ التنبيهِ، والقسَمِ، ونُونَي التوكيدِ، والحروفِ الزائدةِ، والتكريرِ، و(قدْ)، و(أمَّا) الشرطيَّةِ.)(دروس البلاغة الصغرى)

هيئة الإشراف

#4

21 Nov 2008

حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني


قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (أَضْرُبُ الخَبَرِ (1)
حيثُ كانَ قَصْدُ المُخْبِرِ بِخَبَرِهِ إفادةَ المخاطَبِ (2) يَنْبَغِي(3) أنْ(4) يَقْتَصِرَ مِن الكلامِ على قَدْرِ الحاجَةِ(5) حَذَراً مِن اللَّغْوِ(6)، فإنْ كانَ المخاطَبُ(7) خَالِيَ الذِّهْنِ مِن الحُكْمِ(8) أَلْقَى إليهِ الخَبَرَ(9) مُجَرَّداًعن التأكيدِ(10)، نحوُ: أَخُوكَ قَادِمٌ(11)، وإنْ كانُ(12) مُتَرَدِّداً فيهِ(13) طَالِباً(14) لِمَعْرِفَتهِ(15) حَسُنَ(16) تَوْكِيدُهُ(17)
نحوُ: إنَّ أخاكَ قادِمٌ(18)، وإنْ كانَ(19) مُنْكِراً لَهُ(20) وَجَبَ تَوْكِيدُهُ(21) بِمُؤَكِّدٍ(22) أو مُؤَكِّدَيْنِ أو أَكْثَرَ(23) حَسَبَ درجةِ الإنِكْارِ(24)، نحوُ: إنَّ أخاكَ قادِمٌ(25)، أو: إِنَّهُ لَقادمٌ(26)، أو وَاللهِ إِنَّهُ لَقَادِمٌ(27).
فالخبرُ بالنسبةِ لِخُلُوِّهِ(28) مِن التوكيدِ واشْتِمَالِهِ عليهِ(29) ثلاثةُ أَضْرُبٍ(30) كَمَا رَأَيْتَ(31)، ويُسَمَّى الضَّربُ الأوَّلُ(32) ابْتِدَائِيّاً(33)، والثاني(34) طَلَبِيّاً(35)، والثالثُ(36) إِنْكَارِيّاً(37).
ويكونُ(38) التوكيدُ(39) بإنَّ(40)، وأَنَّ(41)، ولامِ الابتداءِ(42)، وأَحْرُفِ التَّنْبِيهِ(43)، والقَسَمِ(44)، وَنُونَيِ التوكيدِ(45)، والحروفِ الزائدةِ(46)، والتَّكْرِيرِ(47)، وقدْ(48)، وأمَّا الشرطِيَّةِ(49) ).

________________
قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ( ( 1) أَضْرُبُ الخبرِ
أى أَقْسَامُهُ من حيثُ حالةُ المُخَاطَبِ الذي يُلْقَى إليهِ الخبرُ، وَكَيْفِيَّةُ إلقاءِ المُتَكَلِّمِ الخبرَ لهُ.
( 2) ( حيثُ كانَ قَصْدُ المُخْبِرِ بِخَبَرِهِ إفادةَ المُخَاطَبِ ) أي: إِفَادَتَه أَحَدَ الغرضَيْنِ الأصليَّيْنِ، والإِفْصَاحَ والإظهارَ عنهُ.
( 3) ( يَنْبَغِي ) أي: يَجِبُ عليهِ.
( 4) ( أنْ ) يَكُونَ مع المخاطَبِ كالطبيبِ مع المريضِ، فَيُشَخِّصُ حالتَهُ، وَيُعْطِيهِ ما يُنَاسِبُهَا بأنْ.
( 5) ( يَقْتَصِرَ من الكلامِ على قَدْرِ الحاجةِ ) أي: قَدْرِ ما تَحْصُلُ بهِ إِفَادَتُهُ لا زَائِداً عنها, ولا نَاقِصاً عنها.
( 6) ( حَذَراً من اللَّغْوِ ) فَإِنَّهُ إذا كانَ غيرَ مُفِيدٍ أصلاً كان لَغْواً مَحْضاً، وإذا كانَ زائداًعنها كانَ مُشْتَمِلاً على اللَّغْوِ، وهو عَبَثٌ، وإذا كان نَاقِصاً عنها كان مُخِلاّ بالغَرَضِ الذي هو الإفصاحُ والبيانُ، وذلكَ فِي حُكْمِ اللَّغْوِ.
( 7) ( فـ ) حينَ وَجَبَ الاقْتِصَارُ على القَدْرِ المُحْتَاجِ ( إنْ كانَ المُخَاطَبُ ) المُلْقَى إليهِ الكلامُ.
( 8) ( خَالِيَ الذِّهْنِ من الحُكْمِ ) بأحدِ طَرَفَيِ الخَبَرِ على الآخرِ، والمرادُ بالحكمِ وقوعُ النسبةِ, أَوْ لا وُقُوعُهَا. ومعنى خُلُوِّ الذهنِ عنهُ أنْ لا يكونَ حاصلاً فيهِ، وحُصُولُهُ فيهِ هو إدراكُ أنَّ تلكَ النسبةَ وَاقِعَةٌ أو ليستْ بِوَاقِعَةٍ، وهو المُسَمَّى بالعلمِ وبالتصديقِ وبالإيقاعِ والانتزاعِ وبالإذعانِ، فيكونُ معنى العبارةِ خالياًعن العلمِ والإذعانِ بالحكمِ، بأنْ لا يكونَ عَالِماً بهِ.
( 9) ( أَلْقَى إليهِ الخَبَرَ ) أي: أَلْقَى المُتَكَلِّمُ إليهِ الخبرَ.
( 10) ( مُجَرَّداً عن التأكيدِ ) أي: عن مُؤَكِّدَاتِ الحكمِ؛ لأَنَّ الذِّهْنَ الخَالِيَ يَتَمَكَّنُ منهُ الحكمُ بِلاَ مُؤَكِّدٍ، فلا حَاجَةَ إلى التَّأْكِيدِ.
( 11) ( نحوُ: أَخُوكَ قَادِمٌ ) فَإِنَّهُ يُقَالُ: إذا كانَ المُخَاطَبُ خَالِيَ الذهنِ من قُدُومِ أخيهِ, سواءٌ كانَ مُسْتَحْضِراًلِقُدُومِ غيرِهِ أم لا.
وَفَسَّرْتُ التأكيدَ بمؤكداتِ الحُكْمِ احترازاً عن مؤكداتِ الطرفَيْنِ، كالتأكيدِ اللفظيِّ والمعنَوِيِّ، فَإِنَّهَا جائزةٌ مع الخُلُوِّ، نحوُ: خالدٌ خالدٌ قائمٌ، وَبَكْرٌ نَفْسُهُ جَالِسٌ، وجاءَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، فَتَدَبَّرْ.
( 12) ( وَإِنْ كانَ ) أي: المُخَاطَبُ.
( 13) ( مُتَرَدِّداً فيهِ ) أي: فِي الحكمِ، بمعنى أنَّهُ تَرَدَّدَ فِي النسبةِ بينَ الطرفَيْنِ - الموضوعِ والمحمولِ - بَعْدَ تَصَوُّرِهِمَا وَحُضُورِهِمَا فِي ذِهْنِهِ، هلْ تِلْكَ النسبةُ تَحَقَّقَتْ فِي الواقعِ أم لا؟
( 14) ( طَالِباً ) أي: بِلِسَانِ الحالِ أو المَقَالِ.
( 15) ( لِمَعْرِفَتِهِ ) أي: الحُكْمَ بِمَعْنَى العلمِ والتصديقِ بِوُقُوعِ النِّسْبَةِ أو لا وُقُوعِهَا.
( 16) ( حَسُنَ ) فِي بابِ البلاغةِ.
( 17) ( تَوْكِيدُهُ ) أي: إِلْقَاءُ الخبرِ مُقْتَرِناً بأداةٍ واحدةٍ من أدواتِ التوكيدِ تَقْوِيَةً للحكمِ؛ لِيَتَمَكَّنَ من ذهنِ المخاطَبِ, وَيَطْرَحَ وراءَ ظَهْرِهِ خلافَ ذلكَ الحُكْمِ.
( 18) ( نحوُ: إنَّ أخاكَ قَادِمٌ ) فَإِنَّهُ يُقَالُ: إذا كانَ المخاطَبُ مُتَرَدِّداً فِي نسبةِ القدومِ إلى أخيهِ، هل هِيَ واقعةٌ أو ليستْ بِوَاقِعَةٍ؟ وَإِنَّمَا قَالَ: ( حَسُنَ ) لأَنَّ مَنْ لم يُؤَكِّدْ - والحالةُ هذهِ - لا يَكُونُ فِي دَرَجَةِ التَّنَزُّلِ عن البلاغةِ، كحالِ مَن لم يُؤَكِّدْ فِي الإنكارِ، بل حَالُ مَن لم يؤكدْ فِي الإِنكارِ أنزلُ, وإنْ كانَ كلٌّ مِنْهُمَا قد فَاتَهُ ما يُرَاعَى فِي بابِ البلاغةِ.
( 19) ( وإنْ كانَ ) المخاطبُ.
( 20) ( مُنْكِراًلهُ ) أي: للحُكْمِ الذي يُرَادُ إلقاؤُهُ من وقوعِ النسبةِ مُعْتَقِداً خلافَهُ.
( 21) ( وَجَبَ تَوْكِيدُهُ ) أي: تَوْكِيدُ الخبرِ المُلْقَى لهُ.
( 22) ( بِمُؤَكِّدٍ ) واحدٍ.
( 23) ( أو ) بـ ( مُؤَكِّدَيْنِ أو أَكْثَرَ ) مِن ذلكَ.
( 24)( حَسَبَ ) أي: قَدْرَ ( دَرَجَةِ الإنكارِ ) أي: تَفَاوُتِهِ قُوَّةً وَضَعْفاً, لا عَدَداً، فقد يُطْلَبُ للإنكارِ الواحدِ تأكيدانِ مثلاً لِقُوَّتِهِ، وَلِلأَنْكَارَيْنِ ثلاثةٌ مثلاً لِقُوَّتِهِمَا، وللثلاثِ أَرْبَعَةٌ لِقُوَّتِهَا أي: الثلاثِ.
( 25) ( نحوُ: إِنَّ أَخَاكَ قَادِمٌ ) فهذا الخَبَرُ مُشْتَمِلٌ على تَأْكِيدٍ وَاحِدٍ، وهو إِنَّ.
( 26) ( أو إِنَّهُ لَقَادِمٌ ) وهذا مُشْتَمِلٌ على تأكيدَيْنِ، هما إنَّ وَاللاَّمُ.
( 27) ( أو وَاللهِ إِنَّهُ لَقَادِمٌ ) وهذا مُشْتَمِلٌ على ثلاثةِ تَأْكِيدَاتٍ، وهِيَ القَسَمُ وإنَّ واللامُ.
وَمِمَّا اشْتَمَلَ على أَرْبَعَةِ تَأْكِيدَاتٍ لِثَلاَثِ إِنْكَارَاتٍ لِقُوَّتِهَا قَولُهُ تعالى حِكَايَةً عن رُسُلِ عِيسَى عليهِ السلامُ إِذْ كَذَّبُوا فِي المَرَّةِ الثانيةِ: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ}، فإنَّهُ مُشْتَمِلٌ على أربعةِ تَأْكِيدَاتٍ:
الأَوَّلُ القَسَمُ وَهُوَ (رَبُّنَا يَعْلَمُ)، فَإِنَّهُ جَارٍ مَجْرَى القَسَمِ، كَشَهِدَ اللَّهُ، وَلأَنَّهُ فِي قُوَّةِ نُقْسِمُ بِعِلْمِ رَبِّنَا أو بِرَبِّنَا العَلِيمِ،
والثَّلاَثَةُ الباقِيَةُ هِيَ: إنَّ واللامُ والجملةُ الاسميَّةُ لِمُبَالَغَةِ المُخَاطَبِينَ فِي الإنكارِ، حيثُ قَالُوا: {مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ}.
( 28) ( فَالخَبَرُ بالنسبةِ لِخُلُوِّهِ ) أي: تَجَرُّدِهِ
( 29) ( من التَّوْكِيدِ وَاشْتِمَالِهِ عليهِ ) أي: على التوكيدِ
( 30) ( ثلاثةُ أَضْرُبٍ ) أي: أَصْنَافٍ وَأَقْسَامٍ
( 31) ( كما رَأَيْتَ ) فيما تَقَدَّمَ.
( 32) ( وَيُسَمَّى الضَّرْبُ الأوَّلُ ) وَهُوَ خُلُوُّ الخبرِ عن مُؤَكِّدٍ عندَ خُلُوِّ الذهنِ عن الحكمِ.
( 33) ( ابْتِدَائِيّاً ) أي: ضَرْباً ابْتِدَائِيّاً لكونِ المخاطَبِ بهِ هو الواقعَ فِي الابتداءِ، أو لكونِ الخبرِ غيرَ مَسْبُوقٍ بِطَلَبٍ ولا إِنْكَارٍ.
( 34) ( و ) يُسَمَّى الضربُ ( الثاني ) وهو اقترانُ الخبرِ بِمُؤَكِّدٍ وَاحِدٍ اسْتِحْسَاناً عندَ التَّرَدُّدِ والطَّلَبِ لِلحُكْمِ.
( 35) ( طَلَبِيّاً ) أي: ضَرْباً طَلَبِيّاً لكونِ المخاطبِ بهِ طَالِباً لهُ أو لكونِ الخبرِ مَسْبُوقاً بالطلبِ.
( 36) ( و ) يُسَمَّى الضربُ ( الثالثُ )، وهو اقترانُ الخبرِ بِمُؤَكِّدٍ فَأَكْثَرَ وُجُوباً عندَ الإنكارِ.
( 37) ( إِنْكَارِيّاً ) أي: ضَرْباً إِنْكَارِيّاً لكونِ المخاطبِ بهِ مُنْكِراً أو لكونِ هذا الخبرِ مَسْبُوقاً بالإنكارِ, فالتسميةُ فِي الأَضْرُبِ الثلاثةِ بالنظرِ لحالِ المخاطَبِ أو لحالِ الخبرِ.
( 38) ( ويكونُ ) أي: يَحْصُلُ.
( 39) ( التوكيدُ ) أي: للحكمِ.
( 40) ( بـ ) أدواتٍ كثيرةٍ ( إِنَّ ) بِكَسْرِ الهمزةِ.
( 41) ( وَأَنَّ ) بِفَتْحِ الهمزةِ على ما ذَهَبَ إليهِ ابنُ هِشَامٍ، وقالَ الأكثرونَ: إنَّهَا ليستْ من المُؤَكِّدَاتِ؛ لأَنَّ ما بَعْدَهَا فِي حُكْمِ المُفْرَدِ.
مِثَالُهَا قَوْلُ الشاعرِ:

أَمَّا الفِرَاقُ فَإِنَّهُ مَا أَعْهَدُ ........ هُوَ تَوْأَمِي لَوْ أَنَّ بَيْناً يُولَدُ.

( 42) ( وَلاَمِ الابْتِدَاءِ ) وَتَقْتَرِنُ بالجملةِ الاسميَّةِ، وإنَّ المكسورةُ كما فِي المثالِ السابقِ.
( 43) ( وَأَحْرُفِ التَّنْبِيهِ ) نحوُ: أَمَا وَأَلاَ بِفَتْحِ الهمزةِ، فيهِمَا كَقَوْلِ الشاعرِ:

أَلاَ فِي سَبِيلِ المَجْدِ مَا أَنَا فَاعِلُ ....... عَفَافٌ وَإِقْدَامٌ وَحَزْمٌ وَنَائِلُ.

( 44) ( وَالقَسَمِ ) كَالمثالِ السابقِ، وكقولِكَ: لَعَمْرِي إِنَّ الحَقَّ لَيْسَ بِخَافٍ.
( 45) ( وَنُونَيِ التوكيدِ ) الثَّقِيلَةِ والخفيفَةِ، نحوُ قولِهِ تَعَالَى: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}
( 46) ( وَالحُرُوفِ الزَّائِدَةِ ) كالباءِ الزائدةِ فِي قولِ الشاعرِ:

فَمَا الحَدَاثَةُ عَنْ حِلْمٍ بِمَانِعَةٍ ......... قَدْ يُوْجَدُ الحِلْمُ فِي الشُّبَّانِ وَالشِّيبِ.

( 47) ( وَالتكريرِ ) نحوُ قولِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساًوَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً}، وقولِ الشاعرِ:

فَيَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ عَلَيْنَا ....... وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ

( 48) ( وَقَدْ ) نحوُ قَوْلِكَ: قَدْ يُدْرِكُ الشرفَ الفَتَى، وَرِدَاؤُهُ خَلَقٌ.
( 49) ( وَأَمَّا الشَّرْطِيَّةِ ) كَقَوْلِ الشاعِرِ سَابِقاً: أَمَّا الفِرَاقُ... إِلخْ، هَذَا ومِنْ أَدَوَاتِ التَّوْكِيدِ اسْمِيَّةُ الجملةِ، فهِيَ آكَدُ من الخِطَابِ بالجُمْلَةِ الفِعْلِيَّةِ، ومنها تَقْدِيمُ الفاعلِ المعنويِّ نحوُ: الأَمِيرُ حَضَرَ.
وَمنها ( إِنَّمَا )، نحوُ: إِنَّمَا خَالِدٌ قَائِمٌ.
وَمِنْهَا ضميرُ الفصلِ، نحوُ: زَيْدٌ هُوَ القَائِمُ).

هيئة الإشراف

#5

4 Dec 2008

شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري


قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل حق الرامفوري (ت: 1359هـ): ( ( أَضْرُبُ الْخَبَرِ )
حيثُ كانَ قَصْدُ الْمُخْبِرِ بخبرِه إفادةَ المخاطَبِ إحدى الفائدتينِ يَنْبَغِي أنْ يَقْتَصِرَ من الكلامِ على قَدْرِ الحاجةِ: أيْ على مِقدارِ حاجةِ الْمُخْبِرِ في إفادةِ أحَدِ الأمرينِ، أوْ حاجةِ المخاطَبِ في اسْتِفَادَتِهما، فلا يَزيدُ ولا يَنْقُصُ عنْ مِقْدارِها .
حَذَرًا من اللغوِ: فإنَّهُ مُخِلٌّ بالبلاغةِ. أَمَّا على تقديرِ الزيادةِ فلزومُ اللغوِ في الكلامِ ظاهرٌ، وأمَّا على تقديرِ النُّقْصانِ فلأنَّهُ لم يَحْصُل الغَرَضُ حينئذٍ وأَخَلَّ بالمقصودِ، فيكونُ الكلامُ لَغْوًا غيرَ مُفيدٍ .
فإنْ كانَ المخاطَبُ خاليَ الذهْنِ من الْحُكْمِ أُلْقِيَ إليه الخبَرُ مُجَرَّدًا عن التأكيدِ، أيْ تأكيدِ الحكْمِ، وإنْ كانَ يَجُوزُ ههنا التأكيدُ اللفظيُّ والمعنويُّ في أحَدِ الطَّرَفَيْنِ نحوَ: أخوكَ قادمٌ، إذا أَلْقَيْتَهُ إلى مَنْ لا يَعْلَمُ الحُكْمَ، فإنَّهُ لوْ أَوْرَدَ تأكيدَ الحكْمِ ههنا وقيلَ: إنَّ أخاكَ قادمٌ، لكانَ لَغْوًا لحصولِ الغرَضِ، وهوَ قَبولُ معنى الخبرِ بلا مؤَكِّدٍ؛ لأنَّ الْمَحَلَّ الخاليَ يَتَمَكَّنُ فيهِ كلُّ نَقْشٍ يَرِدُ عليهِ، وإنْ كانَ يَصِحُّ أنْ يُقالَ في ذلكَ الْمِثالِ: أخوكَ أخوكَ قادمٌ، أوْ أخوكَ نفسُه قادمٌ.
وإنْ كانَ مُتَرَدِّدًا فيهِ طالبًا لمعرفتِه: وهذا ليسَ احْتِرَازًا عنْ شيءٍ، بلْ هوَ لازمٌ لِلتَّرَدُّدِ بحسَبِ الطبْعِ والعادةِ؛ فإنَّ الجاريَ طبعًا أنَّ الإنسانَ إذا تَرَدَّدَ في شيءٍ صارَ مُتَشَوِّقًا إليه، وطالبًا للاطِّلاعِ على شأنِه، وإلَّا كان مَنْسِيًّا غيرَ مُتَرَدَّدٍ فيهِ .
حَسُنَ توكيدُه: أيْ حَسُنَ في بابِ البلاغةِ تَقْوِيَتُه بِمُؤَكِّدٍ واحدٍ؛ لِيُزِيلَ ذلكَ الْمُؤَكِّدُ التَّرَدُّدَ، وَيَتَمَكَّنَ الْحُكْمُ. فلوْ زادَ على مؤكِّدٍ واحدٍ أوْ لمْ يُؤَكِّدْ أصلًا لم يُسْتَحْسَنْ، نحوَ: إنَّ أخاكَ قادمٌ، بالتأكيدِ بـ إنَّ إذا أَلْقَيْتَهُ إلى مَنْ يَتَرَدَّدُ فيهِ .
وإنْ كانَ مُنْكِرًا وَجَبَ توكيدُه بِمُؤَكَّدٍ أوْ مُؤَكَّدَيْنِ أوْ أكثرَ حَسَبَ درجةِ الإنكارِ: أيْ قوَّةً وَضَعْفًا، فإنْ كانَ الإنكارُ في الجملةِ كَفَى فيهِ التأكيدُ بِمُؤَكِّدٍ واحدٍ، وإنْْ بُولِغَ في الإنكارِ بُولِغَ في التأكيدِ بِمُؤَكِّدَيْنِ أوْ أكْثَرَ بحيثُ يُقَاوِمُه في إزالتِه، هذا على طِبْقِ ما قالَ الْمُصَنِّفُ. وعلى هذا فالفَرْقُ بينَ الْمُؤَكِّدِ الواحدِ في صورةِ الإنكارِ وبينَهُ في صورةِ التَّرَدُّدِ بالوجوبِ والاستحسانِ. وقيلَ: إنَّهُ يُزَادُ توكيدُ الخبَرِ الذي خُوطِبَ بهِ الْمُنْكِرُ على توكيدِ الطَّلَبِيِّ بحسَبِ قُوَّةِ إنكارِه وضَعْفِه. فعلى هذا لا يَجُوزُ الاكتفاءُ في صورةِ الإنكارِ بِمُؤَكِّدٍ واحدٍ، نحوَ: إنَّ أخاكَ قَادِمٌ، مؤَكِّدًا بـ إنَّ، أوْ: إنَّهُ لقادِمٌ، بزيادةِ اللامِ، أوْ: واللَّهِ إنَّهُ لَقَادِمٌ، بزيادةِ اللامِ والْقَسَمِ .
فالخبَرُ بالنسبةِ لِخُلُوِّه من التوكيدِ واشتمالِه عليهِ ثلاثةُ أَضْرُبٍ كما رأَيْتَ. وَيُسَمَّى الضَّرْبُ الأَوَّلُ وهوَ الْخُلُوُّ عن التأكيدِ ابْتِدَائيًّا، أيْ ضَرْبًا ابْتِدَائيًّا ؛ لكونِه غيرَ مَسبوقٍ بطَلَبٍ وإنكارٍ .
والثاني وهوَ التأكيدُ استحسانًا طَلَبِيًّا، أيْ ضَرْبًا طَلَبِيًّا؛ لأنَّهُ مسبوقٌ بالطلَبِ أوْ لكونِه للطالِبِ .
والثالثُ وهوَ كونُ الكلامِ مُؤَكَّدًا وجوبًا، إِنْكَاريًّا، أيْ ضَرْبًا إِنْكَارِيًّا؛ لكونِه مسبوقًا بالإنكارِ، أوْ لكونِ الْمُخَاطَبِ بهِ مُنْكِرًا .
ويكونُ التوكيدُ بـ إنَّ بكسْرِ الهمزةِ، وأنَّ بفَتْحِها على ما هوَ مَذْهَبُ بعضِهم، وأكثرُهم لم يَعُدُّوهَا منْ مؤَكِّدَاتِ النِّسْبَةِ؛ لكونِ ما بعدَها في حُكْمِ الْمُفْرَدِ، ولامِ الابتداءِ، وأَحْرُفِ التنبيهِ، وهيَ ألا، وأمَا، وها، وأحرفِ القَسَمِ كـ: واوِ الْقَسَمِ وتائِه، ونونَي التوكيدِ الثقيلةِ والخفيفةِ، والحروفِ الزائدةِ، وهيَ سبعةُ أحْرُفٍ: إنْ، وأنْ مُخَفَّفَتَيْنِ، وما، ولا، ومِن، والباءِ، واللامِ، والتكريرِ، أيْ تكريرِ الجملةِ، وقد التي للتَّحْقيقِ، وأمَّا الشرطيَّةُ. هذا آخِرُ الكلامِ على الخبَرِ).

هيئة الإشراف

#6

26 Dec 2008

شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)


قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (ثم بدأ في أضرب الخبر ، فهي ثلاثة؛ لأن المخبر إما أن يكون جاهلا بالأمر خالي الذهن , ليس لديه إنكار ولا مكابرة ولا تردد , فهذا يسمى المقام الابتدائي.
القسم الثاني: أن يكون المخبر مترددا في الأمر , هل حصل أو لم يحصل؟ فيحتاج إلى تأكيد يزيل عنه التردد , وهذا الذي يسمى بمقام التردد.
المقام الثالث: هو أن يكون المخاطب منكرا للأمر أصلا , وهذا يسمى مقام الإنكار.
فالمقامان الأخيران يحصل فيهما التأكيد ، ويتفاوتان في ذلك؛ فمقام التردد يحصل فيه التوكيد فقط , ومقام الإنكار لا بد فيه من التأكيد , وربما احتيج إلى زيادة توكيد , فالمقام الأول ما إذا خاطبت إنسانا خالي الذهن فقلت له: مات زيد رحمه الله , أو جاء فلان , فلا تحتاج إلى أن تقول: والله لقد جاء فلان , أو إن فلانا قادم؛ لأنه لا يتردد ولا ينكر وهو خالي الذهن , لكن إذا كان مترددا تقول له: إن فلانا قد وصل , وإذا كان منكرا تقول: والله لقد وصل فلان.
فلهذا قال: " حيث كان قصد المـُخبِر بخبره إفادة الخاطب " وهذا هو القسم الأول كما ذكرنا فائدة الإخبار , ينبغي أن يقتصر في الكلام على قدر الحاجة؛ حذرا من اللغو , لا يأتي الإنسان إلا بما هو مفيد؛ لأن اللغو منهي عنه أصلا , وأفعال العقلاء مصونة عن العبث , فينبغي للإنسان أن يقتصر على ما يفيد من الكلام , فإن كان المخاطب خالي الذهن من الحكم , معناه ليس لديه إثبات ولا نفي , أول مرة يسمع هذا الأمر , فإن كان المخاطب خالي الذهن من الخبر ألقي إليه خبرا مجردا عن التوكيد , نحو: أخوك قادم , زيد أتى , وإن كان مترددا فيه طالب لمعرفته حسن تأكيده , كقولك: إن أخاك قادم , وإن كان منكرا له وجب توكيده بمؤكد أو مؤكدين بحسب الإنكار , أو أكثر , على حسب درجة الإنكار , نحو:
إن أخاك قادم , أو إنه لقادم , أو تالله إنه لقادم.
إن أخاك قادم: هذا مؤكد واحد , وهو إن.
إنه لقادم: مؤكدان: إن ، ولام الابتداء.
والله إنه لقادم: ثلاثة مؤكدات: القسم ، وإن ، ولام الابتداء.
فهذه من وسائل التوكيد , ومن ذلك قول الله تعالى: {فاضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون} بين الله في كتابه المقام الأول , فأول ما جاؤوا ماذا قالوا؟ قالوا: أرسلنا إليكم , دون حاجة إلى تأكيد , فحينئذ أنكر القوم أو آمنوا وسلموا وأقروا؟ أنكروا؛ {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث} , هذا إذن مقام الإنكار , لكنه في بداية الإنكار , ماذا قالوا؟ {قالوا إنا إليكم مرسلون} هل أقروا أو زادوا في الإنكار؟ زادوا في الإنكار؛ {قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون} , فاحتاج الرسل إلى زيادة تأكيد {قالوا ربنا يعلم} , هذا القسم {إنا} هذه إنّ , {إليكم} تقدم المعمول , {لمرسلون} لام الابتداء , فأكدوا بكل المؤكدات , ثم أتوا بالجملة الاعتراضية التي تفيد تأكيدا زائدا , ومع {وما علينا إلا البلاغ المبين} , فهذا جاءت فيه المقامات الثلاثة كلها.
فالخبر بالنسبة لخلوه من التأكيد واشتماله عليه ثلاثة أضرب , كما رأيت في هذا الكلام وفي آية سورة ياسين التي قلنا , فيسمى الضرب الأول: ابتدائيا.
والضرب الثاني: طلبيا أو ترددياً.
والضرب الثالث: إنكارياً.
ويكون التوكيد بإن , أو بأن , أو بلام الابتداء , أو بأحرف التنبيه , أو بالقسم , أو بنوني التوكيد , فلا تتصلان حينئذ إلا بالفعل ، أو بالحروف الزائدة , الحروف الزائدة مثل (من) مع النفي , {ما جاءنا من بشير ولا نذير} هذه (من) هنا أداة توكيد , تسمى حرفاً زائداً , لكن معنى الزيادة فيها أنها ليست لمعنى من معانيها المعروفة إذا هي لمجرد التوكيد , فإذا قلنا: هذا الحرف زائدا في القرآن أو في السنة , فليس معناه أنه لا معنى له , وكذلك من كلام العرب ليس معنى ذلك أنه لا معنى له بل له معنى , لكن ذلك المعنى ليس من معانيه المعهودة في اللغة؛ إذ يقصد به التوكيد والمبالغة .
وكذلك التكرير , تكرير اللفظ أيضا هو من توكيده , وهو التوكيد اللفظي , وكذلك (قد) التحقيقية , وأنها تدل على التحقيق وهو تأكيد , وكذلك (أما) الشرطية , أما إن فعلت كذا فاعلم أنه كذا , فتدل على التأكيد أيضاً. إذاً هذه هي مسائل التأكيد).

هيئة الإشراف

#7

24 Mar 2010

شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)


القارئ: (أضرُب الخبر : حيث كان قصد المخبر بخبره إفادة المخاطب ينبغي أن يقتصر من الكلام على قدر الحاجة حذراً من اللغو فإن كان المخاطب خالي الذهن من الحكم ألقى إليه الخبر مجرداً من التأكيد نحو : ( أخوك قادم ) وإن كان متردداً فيه طالباً لمفرفته حسن توكيده ونحو : ( إن أخاك قادم ) وإن كان منكراً وجب توكيده بمؤكذ أو مؤكدين أو أكثر حسب درجة الإنكار نحو : ( إن أخاك قادم ) ، أو ( أنه لقادم ) أو ( والله إنه لقادم ) .

قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (أضرب الخبر المقصود بها أنواع الخبر من حيث اشتماله على ما يحتاج إليه المخاطب ، يقول العلماء : حصلت قصة للفيلسوف الكندي مع أبي العباس ، وأبو العباس هذا طبعاً يمكن أن يكون المبرد ويمكن أن يكون الإمام ثعلباً فكلاهما من علماء اللغة وهما متعصران ولم تحسم القضية وإن كان بعض المعاصرين يرجح أنها لثعلب وهو الشيخ محمود شاكر رحمه الله ولكن هذه تحتاج إلى مزيد من التمحيص ، يقال : إنه جاء وقال إني لأرى في كلام العرب حشواً ، طيب كيف ذاك ؟ قال إنهم يقولون : ( عبد الله قائم ) ويقولون : ( إن عبد الله قائم ) ، ويقولون : ( إن عبد الله لقائم ) وهذه ثلاث ، يعني ثلاثة أساليب الآن : ( عبد الله قائم ، إن عبد الله قائم ، إن عبد الله لقائم ) . والفيلسوف يقول وهو كلام واحد اختلفت الصياغة في هذه الجمل الثلاث والمعنى واحد فرد عليه طبعاً أبو العباس (ثعلب أو المبرد على خلاف) : إن كلمة ( عبد الله قائم ) تقال لمن لا يعرف شيئاً عن عبد الله فأنت أخبرته بهذا القيام .
إذاً : الأمر لا يحتاج إلا مجرد أن نخبر بالقيام ليس في أي زيادة ، أما للذي قيل له : ( إن عبد الله قائم ) فهذا شخص آخر مقامه يختلف عن مقام الشخص الأول ، مقامه متردد كأنه يشك يعرف لكنه ليس متأكداً من قيام عبد الله فيقال له إن عبد الله قائم لإزالة هذا التردد الذي قد يساوره الشك في حصوله .
أما الثالث إن عبد الله لقائم فهذا لون يقال لشخص ينكر قيام عبد الله ، ولذلك جاء التأكيد فيه بأن في أول الكلام واللام الداخلة على خبر إن ، فهذا طبعاً مقامه يختلف عن ذاك .
إذاً المسألة مرتبطة بالمقام المعنى واحد ، نعم هو تعبير عن قيام عبد الله ، لكن من الذي يخاطب بهذا ، المرة الأولى يخاطب به شخص لا يعرف شيئاً عن الله فأخبره بالقيام دون أي إضافات.
في الموضع الثاني : أخبر عن قيام عبد الله ولكن بإضافة (إن) لتزيل التردد أو الشك الذي يساوره.
أما الثالث : الموضع الثالث فهو للمنكر الذي ينكر حصول هذا القيام من عبد الله ؛ ولذلك لا يتفق العلماء مع قوله : ( إنها عبارات تؤدي معنى واحد ) بل هي ثلاث عبارات تقال في ثلاثة مقامات .
وهنا أنبه إلى أن المتكلم مع المخاطب ينبغي أن يكون مثل الطبيب مع المريض ، الطبيب حين ينظر إلى المريض قد ينصحه بتناول نوع من الأغذية ولا يحتاج إلى أي علاج . وأحياناً يصرف له علاجاً يسيراً يتلاءم مع حاجته ، أحياناً مرضه يحتاج إلى أن تصرف له أعداد من الأدوية .
إذاً : المتكلم في اختياره لصيغ الكلام التي يوجهها للمخاطب ينبغي أن يكون حذراً لا يقول كلاماً لا له غاية وله هدف فإذا كان المخاطب لا يدري شيئاً عن الموضوع فيذكر له الكلام خالياً من أي إضافة ، إن كان يحس أن المخاطب يتردد أو يشك في هذا فيؤكد له بمقدار ما يزيل هذا التردد والشك . وإن كان ينكر فالمسألة تحتاج إلى تحديد درجة الإنكار ، إن كان عظيماً فينبغي أنيزيد وهذا كما سنعرف بعد قليل في الأدوات التي تستخدم للتأكيد ، فيحتاج إلى أدوات تؤكد له مضمون الكلام ليتفق مع درجة إنكاره).

القارئ : ( فالخبر بالنسبة لخلوه من التوكيد واشتماله عليه ثلاثة أضرب كما رأيت ويسمى الطلب الأول ابتداءً والثاني طلبياً والثالث إنكارياً).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا تصنيف علمي لحالات الخبر في مسألة اتصاله بالتوكيد وعدم اتصاله بالتوكيد فهو على ثلاثة أضرب كما أشير إليه آنفاً :
الضرب الأول : هو الابتدائي ، الخبر الابتدائي الذي يلقى لشخص ابتدأ الخبر في سماعه إياه ابتداءً ، ولذلك لا يحتاج على مؤكدات .
الثانـي : الخبر الطلبي : يعني حينما يشك الإنسان كأنه يطلب أن تؤكد له هذا ... حينما يتردد تردده يطلب منك أن تزيل هذا التردد ، إذاً : إطلاق كلمة أو مصطلح طلبي فكأنما المخاطب يطلب ما يزيل الشك أو التردد عنده ، طبعاً الطلبي يؤكد بمؤكد واحد أو مؤكدين ليزيل ذلك .
الثالث : الإنكاري : هو الذي يكون يعني منكراً لمضمون الخبر ولذلك يحتاج هذا الإنكار على أن تزيله ، ازالتك لهذا الإنكار بوسائل من وسائل التوكيد المتعددة التي سيشير إليها المؤلفون الآن).

القارئ : ( ويكون التوكيد بإن وأن ولام الابتداء وأحرف التنبيه والقسم ونون التوكيد والحروف الزائدة والتكرير وأمَّا الشرطية ) .
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (كل هذا الذي أشار إليه المؤلفون هو من المؤكدات التي تسهم في إزالة الإنكار أو إزالة التردد والشك ، لكن أريد أن أنبه هنا إلى مسألة وهي قضية القسم لأن القسم أيضاً لون من ألوان التأكيد ، ولكن القسم بحد ذاته هو إنشاء غير طلبي كما ستعرف في الدرس القادم إن شاء الله ولذلك المقصود بأن مجئ القسم ليدخل على الجملة الخبرية ليؤكد مضمونه ، فإذا نظر إلى الجملة المشتملة على قسم فكما فعلت قبل قليل في النظر إلى الجمل في الآيات الكريمة التي صدرت بـ ( رب )
{ رب إني لما أنزلت إلى من خير فقـير } .
{ رب إني وهن العظم مني } .
{ رب إني وضعتها أنثى } كما قالت امرأة عمران .
البداية إنشاء ولكن المقصود الجملة التي دخل عليها هذا الجزء من الإنشاء .
وبقدر ما يكون الإنكار تكون درجات اللجوء إلى وسائل التأكيد سواء كان عن طريق أدوات مؤكدة أو عن طريق وسائل تأكيد ولعل المناسبة تأتي في التفريق بين الأدوات والوسائل إن شاء الله تعالى).

القارئ: (بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هناك بعض الأسئلة لعلكم تأذنون أن نمر بها سريعاً : في قولهم اللفظ العربي هل هذا قيد لإخراج اللفظ المستعرب أو اللفظ الأعجمي عند إيراده للحاجة أو لإفادة أن علم المعاني خاص باللغة العربية).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (لا ، ليس القضية قضية الأعجمي لأن مسألة الأعجمي هذه حلت من خلال الحديث عن الفصاحة ، لأننا الآن نحن لا يدخل عندنا في خبر البلاغة إلا من استوفى شروط البلاغة والفصاحة التي أشير إليها في المقدمة ولكن هنا أحوال اللفظ العربي يقصد الأحوال التي يكون عليها اللفظ في العربية).

القارئ : (ما سر التعبير في الآية الكريمة في قوله تعالى : { ربهم } بالإضافة ، وذكر اسم الرب ولم يقل ( الله ) { أم أراد بهم ربهم }).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الذي يظهر والله أعلم أن الحديث كان من الجن ، ولذلك يمكن أن نربطه بحالة العرب في ذلك الوقت ومسألة الإقرار بتوحيد الربوبية، توحيد الربوبية من الأشياء التي يقر بها المشركون في ذلك الوقت، أما الألوهية فكانت موضع خصومة يعني حينما ورد التعبير بلفظ الرب ، لأنه يتحد عن أمر متعارف عليه، ولو كان الأمر بالإله أو كذا لكان في أمر مختلف عليه وهذا ما لا يراد ، والله أعـلم).

القارئ : ( بارك الله فيكم ، المؤلفون تكلموا في النوع الأول من اختلاف المقابلة ظاهراً بقولهم أُريد وأراد فما توجيهكم الكريم لاختلاف المقابلة ظاهراً بين الشر والرشد مع أن ضد الشر الخير وضد الرشد الغي؟).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الشر والخير والرشد والغي ، طبعاً ذكر اللفظ وذكر مقابل آخر جعله البلاغيون من باب لطيف لعله يرد في درس قادم يسمونه الاحتباك حيث يشمل إذا قيل الشر فساد في ذهن المتلقي كلمة الخير، وغذا قيل الرشد يتبادر على ذهن المتلقي كلمة الغي فمتى تكون هذه المعاني مدركة يقال ما يقابل كل لفظ فكأنه لون من الإيجاز ألمحت إليه الآية الكريمة الماحاً بليغاً).

القارئ : (بارك الله فيكم ، فضيلة الشيخ تلحظون في تعريف المؤلفين للخبر أنهم عرفوه بالحد الرسمي ولم يعرفوه بالحد الحقيقي ... من الناحية التعليمية هل يعرف المصطلح بالحد الحقيقي أو بالحد الرسمي؟).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (حتى أكون صادقا أريد أن نبين الحد الحقيقي والحد الرسمي والمقصود بهما حتى أستطيع أن أجيب).

القارئ: (فضيلة الشيخ هل شبه الجملة يعتبر مسندا أو مسندا إليه وكذلك النواسخ الحرفية والفعلية؟).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (المسند إليه هو الجزء المحكوم عليه في الجملة شبه الجملة لا يمكن أن يكون محكوما عليه والنواسخ كلها من المتعلقات والقيود ما عدا المحكوم عليه في الجملة والمحكوم به فالبقية كلها من المتعلقات، شبه الجملة لا يمكن أن يكون مسندا إليه لأنه لا يمكن أن يكون شبه الجملة محكوما عليه قد يكون مسندا نعم لكن الأقرب أن يكون قيده هذا مثلا لا أستطيع أن أقول مثلا زيد هل يكون محكوما عليه أو محكوما به لا بد أن أنظر إلى الجملة ... لا أستطيع أن أجعل وصفا ثابتا للون من ألوان الكلام وأقول هذا مسند إليه وهذا مسند لأنه يختلف باختلاف موقعه من الجملة ولكن الظاهر أن النواسخ وحروف الجر والمتعلقات هذه تكون قيود ولا تكون مسندا أو مسندا إليه إلا إذا كان مسند هي متعلقة بالمسند إليه أو بالمسند المحذوف هذا يتوقف على موقعها في الجملة ولا يمكن أن يوصف الوصف ويكون ثابتا لها لازما).

القارئ: (بارك الله فيكم ، فضيلة الشيخ ما القول الفصل في إعراب نحو ومثل وسواء؟).
.................

القارئ : (فضيلة الشيخ : على أي الأغراض يمكن أن يحمل غرض الخبر في قوله تعالى : {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً}).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (قاعدة يمكن أن يدركها المتلقي: وهي كيف يمكن أن يستنبط الغرض من الخبر وبالرجوع إلى السياق العام للآية فالآية طبعاً هنا تظهر كيف منّ الله عز وجل على فرعون وآتاه هذه النعم الكثيرة ومع ذلك حصل منه ما حصل من استكبار وتكبر وادعاء الألوهية والربوبية وهذا كله كأنه نوع من إقامة الحجة على فرعون الذي وهبه الله هذه النعم ومع ذلك بين كيف يمكن أن يشكر فرعون لمثل هذه النعم.
وأيضاً قاعدة ثانية أنه ممكن أن يجتمع أكثر من غرض في آية واحدة، ولا ضير في ذلك؛ ولهذا نقول أنه لا يصح أن نحصر الأغراض، وإنما تنـزل مفتوحة لمعنى تحدد من خلال المعنى الصحيح المقصود من النص سواء كان آية أو حديثاً أو شعراً أو نثراً).


القارئ: (بارك الله فيكم، فضيلة الشيخ ما محمل التوكيد في قوله تعالى: { ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة } إلى آخر الآيات مع أنها موجهة لغير المنكرين).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (في البلاغة أحياناً ينزل غير المنكر منـزلة المنـكر إذا ظهرت عليه بوادر يمكن أن تبين هذه البوادر أنه غفل أو سها أو لها عما كان مطلوباً منه؛ فمثلاً لو رأيت رجلاً موحداً يصلي وتقول له والله إن الصلاة واجبة، هو طبعاً سيقول لك أنا ما أنكر أن الصلاة واجبة، والغرض من التأكيد هنا أنك لحظت عليه من تصرفاته أنه ربما غفل عن إقامة الصلاة كما هو مطلوب منه ولذلك أنت عاملته معاملة المنكر ولم يكن منكراً، ولذلك هناك باب لم يذكره المؤلفون لأنهم يتكلمون بمؤلف مختصر عن تنزيل المنكِرِ منـزلة غير المنكر وتنـزيل غير المنكر منـزلة المنكر وهذا باب طويل الحديث فيه يطول).

القارئ: (أثابكم الله ونفع الله بعلمكم، فضيلة الشيخ لاحظتم أن تعريف المؤلفين للخبر كان تعريفاً بالحد الرسمي والأولى من الناحية التعليمية أن يعرف بالحد الحقيقي فما تعليقكم؟).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الحق أن تعريف الخبر يحتاج إلى حيطة لماذا؟
لسعة الخبـر وعدم القدرة على الإحاطة بكل ألوانه ولذلك أتصور أن المسألة ترتبط بقضيتين:
سماع نطق العبارة.
وحصول مضمون الجملة.
إن كان حصول مضمون الجملة لا يتوقف على نطق العبارة فهذا خبر سواء حصل الخبر قبل التلفظ أو يتوقع أن يحصل بعد التلفظ فإذا قلت (نجح زيد) فنجاحه لم يتوقف على نطق العبارة، أو قلت مثلاً ستفتتح المكتبة العامة يوم غداً.
طبعاً المكتبة لم تفتتح ولكن يتوقع أن يحصل هذا الافتتاح وهذا إذا كان في الزمن القادم، أما الإنشاء فلا، الإنشاء هو الكلام الذي يتوقف تحقق مضمون الجملة فيه على التلفظ بصياغته وهذه من الفوائد التي أرجو من الله عز وجل التوفيق لها ولأمثالها).

القارئ: (سؤال أخير فضيلة الشيخ حول هذا الدرس. ذكر المؤلفون أن الأصل في الخبر إفادة السامع فهل هذا الأصل مطرد مع أن هناك أغراض كثيرة ممكن أن تدرج ضمن هذا الأصل كالتذكير، والتعيير، والشكوى وغيرها؟).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (الحقيقة ليس مطرداً، هذا اجتهاد؛ لأنهم نظروا إلى مسألة الخبر، يعني الخبر الأصل فيه أن يلقى لشخص أيضاً‌لم يكن يعرفه وإلا الذي عرفه لماذا يلقى له الخبر؟
فهم طبعاً صنفوا حسب الدلالة الأصلية للخبر التي لاتحتاج إلى سياقات أو تقيدات قالوا: أما أن يلقى الخبر لمن لايعرفه فيكون للفائدة أو يلقى لمن يعرف الخبر فيكون لازم الفائدة، لكن الذي يهم في الواقع الذي يمكن أن يدل على الثراء الدلالة في الأساليب العربية هو الأغراض البلاغية التي يمكن أن تتحقق من وراء ذلك مما أشرت إليه وأمثاله).

القارئ: (بارك الله فيكم ونفع الله بعلمكم ، فضيلة الشيخ: بم توجهون طالب العلم عند دراسة هذا الباب للانتباه مما انحرف فيه بعض الفرق والطوائف في هذا الباب؟).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (حقاً هنا مكمن الخطورة في مسألة الحكم على الخبر بالصدق أو الكذب طبعاً عند الذين قالوا إن الخبر محتمل الصدق والكذب، تساءلوا أيضاً متى يحكم على الخبر بأنه صادق ومتى يحكم عليه بأنه كاذب، وأطال البلاغيون حقيقة في توضيح هذه المسألة ولكنهم لم يخرجوا عن معيارين إن صح التعبير في الحكم على الخبر بأنه صادق او كاذب قالوا ينظر إلى الواقع وينظر إلى اعتقاد المتكلم. وهناك طبعاً متى يكون الخبر صادقاً بناء على هذين الأمرين هل هو إذا وافق الاعتقاد أو إذا وافق الواقع؟
لو نظرنا إلى هذه المسألة سنجد أن الحكم الظاهر البين للناس الذي يمكن الرجوع إليه عند الاختلاف هو الواقع؛ لأنه إذا اختلف اثنان ألام يرجعان؟ يرجعان إلى الواقع والواقع شاهد مدرك محسوس عند الناس فيستطيع الاثنان أن يتحاكما إلى الواقع فيبت مع منهما يكون الواقع.
أما الاعتقاد: فهي مسالة غيبية غير منظورة ولذلك أن تكون معياراً ما يحكم في الصدق والكذب فهذه مسألة ستكون مضللة لمن قد يخفي اعتقاده قد يقول أنني اعتقد شيئاً وهو يعتقد خلافه فكيف نحسم القضية؟
ولذلك يرى الجمهور أن الخبر الصادق هو ما وافق الواقع لو أن إنساناً قال: السماء تحتنا وهو يعيش على الأرض وهو يعتقد صدق ما يقول هل نقول: إنه صادق؟
ليس صحيحاً؛ لأنه خالف الواقع السماء فوقنا ولذلك هنا مغمزاً أو دسيسة اعتزالية وردت عند تحدث أو حديث الجاحظ عفا الله عنه في هذه المسألة حينما تناول قضية الخبر الصادق، قال إما أن يكون الخبر موافقاً للواقع والاعتقاد فيكون صادقاً‌وهذا يتفق معه الجمهور فيه وإما أن يكون الخبر مخالفاً للواقع والاعتقاد فهذا كاذب عند الجاحظ وأيضاً يكون كاذباً عند جمهور البلاغيون، لكن المسألة الثانية تبقى إذا كان الخبر موافقاً للواقع ومخالفاً للاعتقاد، أو موافقاً للاعتقاد مخالفاً للواقع. لاحظ الجاحظ ماذا قال عن هذا؟
قال ليس بصادق ولا كاذب فالخبر هنا ليس بصادق ولا كاذب، وهذا يجعلنا نتذكر العقيدة الاعتزالية التي تجعل فيه مؤمن وفيه كافر وفيه منـزلة بين المنـزلتين؛ فالمؤمن يمثل عندنا الآن بصدق الحكم الحكم على الخبر بالصدق والكافر يمثل الخبر يعني وصفه بالكذب والمنزلة بين المنـزلتين الخبر لا صادق ولا كاذب، قد يكون المتكلم لا يتعمد الكذب حينما يعتقد أمراً ويبلغ عنه يعني مثلاً أصف فلاناً وأقول قدم فلان من السفر وإنما اعتقد فعلاً أن قدم أنا هنا لم أكذب فعلاً لم أكذب، ولكن الواقع أن الكلام كذب، الذي قلته ليس صحيحاً ولذلك هنا يقول وهم ولذلك عائشة قالت بل (وَهِـم) حينما قالت عن الذي يعذب ببكاء أهله فالشاهد، أو قول الرسول صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلَم: ((صدقك وهو كذوب)) عن وصف إبليس مع الصحابي حينما جاء وأخبره: (صدقك وهو كذوب) الواقع يطابق أن هذه الآية هي صحيحة وأعظم ما في القرآن آية الكرسي.. إلخ لكن لو أننا نظرنا بمعيار الاعتقاد سننظر ما الذي يعتقده إبليس في هذا، هذه قضايا في الحقيقة تحتاج إلى تحرير، وهي مكمن خطر لمثل جوانب الاعتقاد، ولذلك أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من المتمسكين بما عليه سلفنا الصالح.
وأنصح طالب العلم الحقيقة بالحذر في قبول بعض الأشياء التي تخالف معتقد أهل السنة والجماعة لأن الفرق الأخرى أحياناً تدلس ببعض الجوانب وتظهر منها أنها صحيحة لكن حينما يتأمل الإنسان يجد أنها مخالفة ولعل الدروس القادمة إن شاء الله تبين لنا عدداً من النماذج التي تتفق لغة وشرعاً مع منهج أهل السنة والجماعة ولكنها في الواقع وظفت توظيفاً سيئاً يخدم معتقدات أهل الفرق الأخرى عفا الله عنهم).

القارئ: (بارك الله فيكم ونفع الله بكم وبعلمكم).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

29 Oct 2018

الكشاف التحليلي

أقسام الخبر باعتبار حال المخاطب
أهمية مراعاة حال المخاطب في الخطاب
الضرب الأول: خطاب خالي الذهن من الحكم
- معنى خلو الذهن من الحكم
- كيفية خطاب خالي الذهن من الحكم
- مثال لخطاب خالي الذهن من الحكم
- التفريق بين مؤكدات الحكم ومؤكدات الطرفين
الضرب الثاني: خطاب المتردد طالب المعرفة
- كيفية الخطاب في الضرب الثاني
- مثال الخطاب في الضرب الثاني
- بيان أن هذه الكيفيّة في خطاب المتردد غير لازمة
الضرب الثالث: خطاب المنكر
- كيفية خطاب المنكر
- أمثلة لخطاب المنكر
- إعادة التقسيم السابق للخبر باعتبار كيفية الخطاب
تسمية الضروب الثلاثة السابقة
أدوات التوكيد وأمثلتها