10 Nov 2008
2: فصاحة الكلام
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (2- وفصاحةُ الكلامِ: سلامتُه منْ تَنافُرِ الكلماتِ مجتمعةً، ومنْ ضَعْفِ التأليفِ، ومن التعقيدِ، معَ فصاحةِ كلماتِهِ.
فالتنافُرُ: وصفٌ في الكلامِ يُوجِبُ ثِقَلَه على اللسانِ، وعُسْرَ النطْقِ بهِ، نحوُ:
في رَفْعِ عرْشِ الشَّرْعِ مثلُكَ يَشْرَعُ ...... وليسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ
كريمٌ متى أمدَحْهُ أمدحْهُ والوَرَى ....... معي وإذا ما لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدِي
وضَعْفُ التأليفِ: كونُ الكلامِ غيرَ جارٍ على القانونِ النحويِّ المشهورِ، كالإضمارِ قبلَ الذكْرِ لَفْظًا ورُتْبَةً في قولِه:
جَزَى بنُوهُ أَبَا الغِيلانِ عنْ كِبَرٍ ..... وحُسْنِ فِعْلٍ كما يُجزَى سِنِمَّارُ
والتعقيدُ: أنْ يكونَ الكلامُ خَفِيَّ الدلالةِ على المعنى المرادِ.
والخفاءُ إمَّا منْ جهةِ اللفظِ، بسببِ تقديمٍ أوْ تأخيرٍ أوْ فَصْلٍ، ويُسمَّى تعقيدًا لفظِيًّا، كقولِ المتنبِّي:
جَفَخَتْ وهم لا يَجْفَخُونَ بها بهم ...... شِيَمٌ على الحسَبِ الأغَرِّ دلائلُ
فإنَّ تقديرَه: جَفَخَتْ بهم شِيَمٌ دلائلُ على الحسَبِ الأغرِّ، وهم لا يَجفخونَ بها.
وإمَّا منْ جهةِ المعنى بسببِ استعمالِ مَجازاتٍ وكِناياتٍ، لا يُفْهَمُ المرادُ بها، ويُسَمَّى تَعقيدًا معنويًّا، نحوُ قولِكَ: (نَشَرَ الْمَلِكُ أَلْسِنَتَه في المدينةِ)، مُريدًا جواسيسَه، والصوابُ: (نَشَرَ عيونَه). وقولِه:
سأطلبُ بُعدَ الدارِ عنكم لِتَقْرَبُوا ....... وتَسْكُبُ عينايَ الدموعَ لتَجْمُدا
حيث كَنَّى بالجمودِ عن السرورِ، معَ أنَّ الجمودَ يُكَنَّى بهِ عن البُخْلِ وقتَ البكاءِ).
الحواشي النقية للشيخ: محمد علي بن حسين المالكي
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (2- وفصاحةُ الكلامِ سلامتُهُ من تَنافُرِ الكلماتِ مُجْتَمِعةً، ومن ضعْفِ التأليفِ، ومِن التعقيدِ معَ فصاحةِ كلماتِهِ.
فالتَّنافُرُ وصْفٌ في الكلامِ يُوجِبُ ثِقَلَهُ على اللسانِ وعُسْرَ النطقِ بهِ، نحوُ:
في رفْعِ عرْشِ الشرْعِ مثلُكَ يَشْرَعُ ..... وليس قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ
كريمٌ متى أمْدَحْهُ أمْدَحْهُ والوَرَى ....... معي وإذا مَا لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدِي
وضَعْفُ
التأليفِ كونُ الكلامِ غيرَ جارٍ على القانونِ النحْوِيِّ المشهورِ(1)،
كالإضمارِ(2) قبلَ الذِّكْرِ لفظًا ورُتْبةً في قولِهِ:
جَزَى بَنُوهُ أبا الغَيْلانِ عَنْ كِبَرٍ ....... وحُسْنِ فِعْلٍ كما يُجزَى سِنِمَّارُ
والتعقيدُ أن يكونَ الكلامُ خَفِيَّ الدَّلالةِ على المعنى المرادِ. والخفاءُ إمَّا من جهةِ اللفظِ بسببِ تقديمٍ أو تأخيرٍ أو فصْلٍ، ويُسمَّى تعقيدًا لفظيًّا، كقولِ المتنبِّي:
جَفَخَتْ(3) وهُم لا يَجْفَخُونَ بهابِهِم ....... شِيَمٌ على الحسَبِ الأغَرِّ دَلائلُ
فإنَّ تقديرَهُ: جَفَخَتْ بهم شيمٌ دلائلُ على الحسَبِ الأغرِّ وهم لا يَجفَخُون بها.
وأمَّا من جهةِ المعنى بسببِ استعمالِ مجازاتٍ وكناياتٍ لا يُفهَمُ المرادُ بها، ويُسمَّى تعقيدًا معنويًّا، نحوُ قولِكَ: نَشَرَ الملِكُ أَلْسِنَتَهُ في المدينةِ، مُرِيدًا جواسيسَهُ، والصوابُ نَشَرَ عُيُونَهُ. وقولِهِ:
سَأطْلُبُ بُعْدَ الدارِ عنكم لِتَقْرَبُوا ...... وتَسكُبُ عينايَ الدُّموعَ لِتَجمُدَا
حيثُ كنَّى بالجمودِ عن السرورِ، مع أنَّ الجمودَ يُكَنَّى بهِ عن البُخْلِ بالدموعِ وقتَ البكاءِ). [ دروس البلاغة: ؟؟ ]
_____________________
قال الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي (ت: 1368هـ): ( (1) قولُه: (عن القانونِ النَّحْويِّ المشهورِ)، أي: فضَعْفُ التأليفِ إنما يَنشأُ من العُدُولِ عن المشهورِ إلى قولٍ له صحَّةٌ عندَ بعضِ أُولِي النظَرِ، وأما إذا خالَفَ تأليفُ الكلامِ القانونَ الْمُجمَعَ عليه، كجَرِّ الفاعلِ ورفْعِ المفعولِ وتقديمِ المسنَدِ المحصورِ فيه بإنما، ففاسِدٌ غيرُ معتَبَرٍ، والكلامُ في تركيبٍ له صحَّةٌ واعتبارٌ.(2) قولُه: (كالإضمارِ إلخ)، أَدْخَلَ بالكافِ العطْفَ على ضميرِ الرفعِ المتَّصِلِ بدونِ فاصلٍ كقولِه:
* قلتُ إذْ أقبَلَتْ وزَهْرٌ تَهَادَى * ومحَلُّ منعِ الإضمارِ قبلَ الذِّكْرِ لفظًا ورُتبةً في غيرِ المواضعِ الستَّةِ المتَّفَقِ على جوازِ ذلكَ فيها؛ لأجلِ ملاحظةِ النكتةِ فيها وهي البيانُ بعدَ الإجمالِ، فإنه أوْقَعُ في النفسِ. وتلكَ المواضعُ هي المجموعةُ في قولِ بعضِهم:
ومَرْجِعُ الضميرِ قد تَأخَّرَا ...... لفظًا ورُتبةً وهذا حُصِرَا
في بابِ نِعْمَ وتَنازُعِ العمــلْ ..... ومُضْمَرِ الشانِ ورُبَّ والبَدَلْ
ومُبتَدا مفَسَّـرٌ بالخبــرِ ...... وبابُ فاعـلٍ بخُلْفٍ فاخْـبِرِ
فالأوَّلُ نحوُ: نِعْمَ رجلاً زيدٌ، والثاني نحوُ: قاما وقَعدَ الزَّيْدانِ، والثالثُ نحوُ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، والرابعُ نحوُ: رُبَّهُ رجلاً يكونُ عَوْنًا لأخيهِ، والخامسُ نحوُ: اللَّهمَّ صلِّ عليه الرؤوفُ الرحيمُ، والسادسُ نحوُ: {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}. وأما في بابِ الفاعلِ فلا يَجوزُ ذلكَ في القولِ المشهورِ، ويَجوزُ على مُقابِلِه.
(3) قولُه: (جَفَخَتْ)، أي: تَكَبَّرَتْ وافْتَخَرَتْ كما في القاموسِ).
دروسُ البلاغةِ الصُّغْرى
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (2- وفصاحةُ الكلامِ: سلامتُه منْ تَنافُرِ الكلماتِ مجتمعةً، ومنْ ضَعْفِ التأليفِ، ومن التعقيدِ، معَ فصاحةِ كلماتِهِ.
فالتنافُرُ: وصفٌ في الكلامِ يُوجِبُ ثِقَلَه على اللسانِ وعُسْرَ النطْقِ بهِ، نحوُ:
في رَفْعِ عرْشِ الشَّرْعِ مثلُكَ ...... وليسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْر يَشْرَعُ
كريمٌ متى أمدَحْهُ أمدحْهُ والوَرَى ...... معي وإذا ما لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدِي
وضَعْفُ التأليفِ: كونُ الكلامِ غيرَ جارٍ على القانونِ النحويِّ المشهورِ، كالإضمارِ قبلَ الذكْرِ لَفْظًا ورُتْبَةً في قولِه:
جَزَى بنُوهُ أَبَا الغِيلانِ عنْ كِبَرٍ ...... وحُسْنِ فِعْلٍ كما يُجزَى سِنِمَّارُ
والتعقيدُ: أنْ يكونَ الكلامُ خَفِيَّ الدلالةِ على المعنى المرادِ.
والخفاءُ إمَّا منْ جهةِ اللفظِ، بسببِ تقديمٍ، أوْ تأخيرٍ، أوْ فَصْلٍ، ويُسمَّى تعقيدًا لفظِيًّا، كقولِ المتنبِّي:
جَفَخَتْ وهم لا يَجْفَخُونَ بها بهم ....... شِيَمٌ على الحسَبِ الأغَرِّ دلائلُ
فإنَّ تقديرَه: جَفَخَتْ بهم شِيَمٌ دلائلُ على الحسَبِ الأغرِّ، وهم لا يَجفخونَ بها.
وإمَّا منْ جهةِ المعنى بسببِ استعمالِ مَجازاتٍ وكِناياتٍ لا يُفْهَمُ المرادُ بها، ويُسَمَّى تَعقيدًا معنويًّا، نحوُ قولِكَ: (نَشَرَ الْمَلِكُ أَلْسِنَتَه في المدينةِ)، مُريدًا جواسيسَه، والصوابُ: (نَشَرَ عيونَه). وقولُه:
سأطلبُ بُعدَ الدارِ عنكم لِتَقْرَبُوا ....... وتَسْكُبُ عينايَ الدموعَ لتَجْمُدا
حيث كَنَّى بالجمودِ عن السرورِ، معَ أنَّ الجمودَ يُكَنَّى بهِ عن البُخْلِ وقتَ البكاءِ.
- وفصاحةُ المتكلِّمِ: مَلَكةٌ يُقتَدَرُ بها على التعبيرِ عن المقصودِ بكلامٍ فصيحٍ، في أيْ غرَضٍ كانَ).
حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (1. وفصاحةُ الكلامِ سلامتُهُ مِن(1) تنافُرِ الكلماتِ مُجْتَمِعَةً(2)
ومِن ضعفِ التأليفِ(3)، ومِن التعقيدِ(4)، مع فصاحةِ كلماتِهِ(5).
فالتنافُرُ(6) وَصْفٌ في الكلامِ يُوجِبُ ثقلَهُ على اللسانِ وعُسْرَ النطقِ بهِ(7) نحوُ(8):
* في رَفْعِ عَرْشِ الشَّرْعِ مِثْلُكَ يَشْرَعُ(9) *
* وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ(10) *
كريمٌ(11) مَتَى أَمْدَحْهُ أَمْدَحْهُ(12) وَالْوَرَى(13) مَعِي(14) وإِذَا مَا لُمْتُهُ(15) لُمْتُهُ وَحْدِي(16)
وضعفُ التأليفِ كَوْنُ
الكلامِ غيرَ جارٍ(17) على القانونِ النَّحْوِيِّ المشهورِ(18)
كالإضمارِ(19) قبلَ الذِّكْرِ(20) لفظاًورُتْبَةً(21) في قولِهِ(22):
جَزَى بَنُوهُ أَبَا الْغِيلاَنِ(23) عَنْ(24) كِبَرٍ(25)و حُسْنِ فِعْلٍ(26) كَمَا يُجْزَى سِنِمَّارُ(27)
والتعقيدُ(28): أنْ
يكونَ الكلامُ خَفِيَّ الدلالةِ على المعنى المرادِ(29)، والخفاءُ(30)
إمَّا(31) مِن جهةِ اللفْظِ(32) بسببِ تقديمٍ(33) أو تأخيرٍ(34) أو
فَصْلٍ(35) وَيُسَمَّى(36) تعقيداً لفظيّاً كقولِ المُتَنَبِّي(37):
جَفَخَتْ(38) وهم لا يَجْفَخُونَ بِهَا(39) بِهُمْ شِيَمٌ(40) على الحَسَبِ(41) الأَغَرِّ دَلاَئِلُ(42)
فإنَّ تقديرَهُ(43) جَفَخَتْ بهمْ شِيَمٌ دلائلُ على الحَسَبِ الأَغَرِّ وهمْ لا يَجْفِخُونَ بها(44).
وإمَّا(45) مِن جهةِ
المعنى(46) بسببِ استعمالِ مجازاتٍ وكناياتٍ(47) لا يُفْهَمُ المرادُ
بها(48)، ويُسَمَّى(49) تعقيداًمعنويّاً(50) نحوُ قولِكَ: نَشَرَ الملكُ
أَلْسِنَتَهُ في المدينةِ(51)
مُرِيداً(52) جَوَاسِيسَهُ، والصوابُ نَشَرَ عُيُونَهُ(53)، وقولُهُ(54):
سَأَطْلُبُ(55) بُعْدَ الدارِ(56) عَنْكُمْ(57) لِتَقْرُبُوا(58) وتَسْكُبُ(59) عَيْنَايَ(60) الدُّمُوعَ لِتَجْمُدَا(61)
حيثُ كَنَى بالجمودِ(62) عن(63) السرورِ(64) مع أنَّ الجمودَ(65) يُكْنَى بهِ عن البُخْلِ بالدموعِ وَقْتَ البكاءِ(66) ).
_______________________
قال الشيخ علم الدين محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي (ت: 1410هـ): ( ( 1 ) ( وفصاحةُ الكلامِ سلامتُهُ مِن ) كلِّ واحدٍ من العيوبِ الثلاثةِ
( 2 ) ( تنافرُ الكلماتِ مجتمعةً ) أي: مُنَافَرَةُ كلِّ واحدةٍ للأُخْرَى بأنْ يَثْقُلَ فِي اللسانِ اجتماعُ كلماتِهِ.
( 3 ) ( ومِن ضعفِ التأليفِ ) أي: جَرَيَانِهِ على خلافِ القانونِ المشهورِ بينَ النُّحَاةِ.
(4) ( ومِن التعقيدِ ) أي: ضَعْفِ فَهْمِ المعنى منهُ بوجهٍ راجعٍ إلى اللفظِ أو المعنى.
( 5 ) ( مع فصاحةِ كلماتِهِ
) حالٌ من ضميرِ سلامتِهِ مُبَيِّنٌ لهيئةِ صاحبِهِ, وقَيْدٌ لنفسِ
السلامةِ, أي: حالةِ كَوْنِ فصاحةِ كلماتِهِ مُقَارَنَةَ ذلكَ السلامةِ مِن
العيوبِ الثلاثةِ، وأمَّا إذا سَلِمَ الكلامُ من هذه الثلاثةِ - لكنْ مع
عَدَمِ فصاحةِ بعضِ كلماتِهِ - لمْ يَكُنْ فصيحاً كقولِنَا: رأيتُ ماءً
نُقَاخاًيَنْبُعُ من سَفْحِ جبلٍ شامِخٍ، وقولِكَ: إِخَالُ أَنَّكَ
مَصْوُونٌ، وقولِكَ: البُعَاقُ مَلاَ الجَرْدَحَلَّ، فَإِنَّ الأوَّلَ فيهِ
كلمةٌ غيرُ فصيحةٍ وهِيَ نُقَاخُ؛ لأَنَّ حروفَهَا متنافرةٌ، والثاني فيهِ
كلمةٌ غيرُ فصيحةٍ وهِيَ مَصْوُونٌ لِمُخَالَفَتِهَا للقياسِ الصرفِيِّ،
والثالثُ فيهِ كلمتانِ لَيْسَتَا فصيحتَيْنِ هما: البُعَاقُ والجَرْدَحَلُّ
لغرابَتِهِمَا، ومعنى الأُولَى مَطَرُ السحابِ، ومعنى الثانيةِ الوَادِي.
( 6 ) ( فالتنافُرُ ) أي: تَنَافُرُ الكلماتِ مُجْتَمِعَةً أو الكلمتَيْنِ مُجْتَمِعَتَيْنِ.
( 7 ) ( وَصْفٌ فِي الكلامِ يُوجِبُ ثِقَلَهُ على اللسانِ وعُسْرَ النطقِ بهِ
) عَطْفُ تفسيرٍ أو عَطْفُ مُسَبِّبٍ أي: وإنْ كانَ كلٌّ مِن كلماتِهِ
فصيحاًفإنَّهُ مُخِلٌّ لفصاحةِ الكلامِ. وهذا التنافُرُ نوعانِ:-
الأوَّلُ: شديدٌ أو أَعْلَى.
( 8 ) ( نحوُ ) قولِ الشاعرِ
( 9 ) ( في رَفْعِ عَرْشِ الشَّرْعِ مثلُكُ يَشْرَعُ
) بفتحِ التحتيَّةِ أي: يَأْخُذُ، فهذا الكلامُ غيرُ فصيحٍ لتنافُرِ
كلماتِهِ مُجْتَمِعَةً بتكرارِ ثلاثةِ أَحْرُفٍ هِيَ: (الراءُ والعينُ
والشينُ) الأولى والثانيةُ فِي أَرْبَعِ كلماتٍ والثالثةُ فِي ثلاثِ
كلماتٍ. ونحوُ البيتِ الذي أَنْشَدَهُ الجاحِظُ:
( 10 ) وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَانٍ قَفْرٍ ( وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ )
ذُكِـرَ أنَّ حربَ بنَ
أُمَيَّةَ دَاسَ برجلِهِ على واحدٍ من نوعٍ من الجِنِّ يُقَالُ لهُ:
الهاتِفُ. فِي صورةِ حَيَّةٍ، فصاحَ عليهِ ذلكَ الجِنِّيُّ فماتَ فِي
فَلاَةٍ، وقالَ هذا البيتَ، وظاهِرُهُ الإخبارُ، والمرادُ منهُ التَأَسُّفُ
والتَّحَزُّنُ على كَوْنِ قبرِهِ كذلك، فَعَجُزُ هذا البيتِ غيرُ فصيحٍ
لِتَنَافُرِهِ وَتَنَاهِيهِ فِي الثِّقَلِ بتقارُبِ الحروفِ
المُتَمَاثِلَةِ وَتَكَرُّرِهَا.
والنوعُ الثاني: خفيفٌ أو أَدْنَى نحوُ قولِ أبي تَمَّامٍ حبيبِ بنِ أَوْسٍ الطَّائِيِّ
( 11 ) ( كريمٌ ) أي: هو الممدوحُ، أَعْنِي: أبا الغَيْثِ موسى بنَ إبراهيمَ الرَّافِعِيَّ.
( 12 ) ( مَتَى أَمْدَحْهُ أَمْدَحْهُ و ) الحالُ.
( 13 ) ( الوَرَى ) أي: الخلائِقُ.
( 14 ) ( مَعِي
) فِي المدحِ، يعني: إذا مَدَحْتُهُ وَافَقَنِي الناسُ على مَدْحِهِ،
وَيَمْدَحُونَهُ مَعِي لاسْدَاءِ إِحْسَانِهِ إليهمْ كَإِسْدَائِهِ
إِلَيَّ.
( 15 ) ( وإذا مَا لُمْتُهُ ) أي: عَاتَبْتُهُ على تفضيلِ الغيرِ عليَّ
( 16 ) ( لُمْتُهُ وَحْدِي
) أي: لمْ يُوَافِقْنِي أَحَدٌ عَلَى لَوْمِهِ لعدمِ وجودِ المُقْتَضِي
لِلَّوْمِ، فجملةُ ( مَتَى أَمْدَحْهُ أَمْدَحْهُ ) غيرُ فصيحةٍ
لِتَنَافُرِهَا وثِقَلِهَا بِتَكْرِيرِ حَرْفَيْنِ هما الحاءُ المُهْمَلَةُ
والهاءُ.
( 17 ) ( وضَعْفُ التأليفِ كَوْنُ الكلامِ غيرَ جارٍ ) أي: فِي تركيبِهِ.
( 18 ) ( على القانونِ النَّحْوِيِّ المشهورِ
) اعتبارُهُ بينَ جمهورِ النَّحْوِيِّينَ بِأَنْ كانَ جَارِياً على قولٍ
مُقَابِلٍ المشهورَ، لهُ صِحَّةٌ عندَ أُولِي النظَرِ، وأمَّا إذا خَالَفَ
المُجْمَعَ عَلَيْهِ كَجَرِّ الفاعِلِ وَرَفْعِ المَفْعُولِ فَفَاسِدٌ
غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
( 19 ) ( كالإضمارِ ) أي: الإِتْيَانِ بضميرٍ.
( 20 ) ( قبلَ الذِّكْرِ ) أي: ذِكْرِ مَرْجِعِهِ.
( 21 ) ( لَفْظاً وَرُتْبَةً
) أي: مَعْنًى وكذا حُكْماً، يعني كتقديمِ الضميرِ على مَرْجِعِهِ لَفْظاً
ومَعْنًى وحُكْماً، فإنَّهُ لا يجوزُ عندَ جمهورِ النُّحَاةِ، فإذا جاءَ
الكلامُ كذلكَ كان ضعيفَ التأليفِ غيرَ فصيحٍ، وإنْ كانَ بعضُهُم جَوَّزَهُ
كابنِ جِنِّيٍّ وَالأَخْفَشِ؛ لأَنَّ قولَهْم مُقَابِلُ المشهورِ.
( 22 ) ( في قولِهِ ) أي: قولِ الشاعِرِ.
( 23 ) ( جَزَى بَنُوهُ أبا الغِيلاَنَ ) بكسرِ الغينِ المُعْجَمَةِ, كُنْيَةُ رَجُلٍ.
( 24 ) ( عن ) أي: فِي
( 25 ) ( كبرٍ و ) عن
( 26 ) ( حُسْنِ فِعْلٍ ) إليهِ جَزَاءً
( 27 ) ( كما يُجْزَى سِنِمَّارُ
) أي: كَجَزَاءِ سِنِمَّارٍ, بِكَسْرِ السينِ المُهْمَلَةِ والنونِ
وتشديدِ الميمِ: اسمُ صانِعٍ رُومِيٍّ بَنَى الخَوَرْنَقَ الذي بِظَهْرِ
الكُوفَةِ للنعمانِ مَلِكِ الحِيرَةِ، وهو قَصْرٌ عظيمٌ لمْ تَرَ العربُ
مثلَهُ، وكانَ بناؤُهُ فِي عشرينَ سَنَةً، فلما فَرَغَ أَلْقَاهُ مِن
أَعْلاَهُ، فَخَرَّ مَيِّتاً لِئَلاَّ يَبْنِيَ لِغَيْرِهِ مِثْلَهُ،
فَضَرَبَتْ بهِ العربُ مَثَلاً فِي سُوءِ المُكَافَأَةِ.
فإنَّ العيبَ فِي هذا البيتِ من جِهَةِ أنَّ ضميرَ ( بَنُوهُ ) عَائِدٌ على (أبا الغِيلاَنِ)،
وهو مُتَأَخِّرٌ لَفْظاً وَرُتْبَةً وَحُكْماً؛ لأَنَّهُ مفعولٌ،
وَرُتْبَتُهُ التَّأَخُّرُ عن الفاعلِ، وَتَأَخُّرُهُ ليسَ لِنُكْتَةٍ،
فَلَوْ تَقَدَّمَ المَرْجِعُ على الضميرِ لَفْظاً وَرُتْبَةً نحوُ: ضَرَبَ
زَيدٌ غُلاَمَهُ، أو لَفْظاً فقطْ نحوَ: ضَرَبَ زيداً غُلاَمُهُ، أو
تَقَدَّمَ مَعْنًى فقطْ لِتَقَدُّمِ ما يَدُلُّ عليهِ كالفعلِ
المُتَقَدِّمِ الدالِّ على المَرْجِعِ تَضَمُّناً فِي نحوِ: ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
) أو تَقَدَّمَ حُكْماً بِأَنْ تَأَخَّرَ عنه لفظٌ ولمْ يَمْنَعْ مِن
التقدمِ إلا وُجُودُ النُّكْتَةِ فِي التأخُّرِ، وهِيَ الإجمالُ ثم
التفصيلُ، وذلكَ فِي مواضعَ سِتَّةٍ مَجْمُوعَةٍ فِي قولِ بَعْضِهِمْ:
وَمَرْجِعُ الضميرِ قدْ تَأَخَّرَا لَفْظاً وَرُتْبَةً وَهَذَا حُصِرَا
في بابِ نِعْمَ وَتَنَازُعِ العَمَلِ وَمُضْمَرِ الشَّأْنِ وَرُبَّ وَالْبَدَلِ
وَمُبْتَدَا مُفَسَّرٍ بالخَبَرِ وَبَابِ فَاعِلٍ بِخُلْفٍ فَاخْبِرِ
فلا يكونُ الكلامُ ضعيفَ
التأليفِ فِي كلِّ ذلِكَ، وظهَرَ لكَ مِن هذا أنَّ الفرقَ بينَ الإضمارِ
قبلَ الذِّكْرِ المُوجِبِ للضعْفِ والإضمارِ قبلَ الذِّكْرِ الذي جُعِلَ
مِن قَبِيلِ تَقَدُّمِ المَرْجِعِ حُكْماً وجودُ النُّكْتَةِ وَعَدَمُهَا.
( 28 ) ( والتعقيدُ ) بمعنى التَّعَقُّدِ أي: كَوْنُ الكلامِ مُعَقَّداً.
( 29 ) ( أنْ يكونَ الكلامُ خَفِيَّ الدلالةِ على المعنى المُرَادِ
) أي: للمُتَكَلِّمِ، وبهذا القَيْدِ يَتَمَيَّزُ التعقيدُ عن الغرابةِ؛
لأَنَّهَا كَوْنُ اللفظِ غيرَ ظاهرِ الدلالةِ على المعنى الموضوعِ لَهُ.
( 30 ) ( والخفاءُ ) الذي بهِ تَعَقَّدَ الكلامُ.
( 31 ) ( إمَّا ) لِخَلَلٍ
( 32 ) ( مِن جِهَةِ اللفظِ ) أي: نَظْمِ الكلامِ وتركيبِهِ، فلا يَدْرِي السامِعُ كيفَ يَتَوَصَّلُ منهُ إلى معناهُ.
( 33 ) ( بِسَبَبِ تقديمٍ ) أي: لِلَّفْظِ عن مَحَلِّهِ الأصلِيِّ الذي يَقْتَضِيهِ ترتيبُ المعانِي.
( 34 ) ( أو تأخيرٍ ) أي: للفظٍ عن ذلكَ المَحَلِّ فَهُمَا لا يجتمعانِ قَطْعاً
( 35 ) ( أو فصلٍ
) أي: بينَ شيئَيْنِ متلازمَيْنِ بِأَجْنَبِيٍّ، كالفصلِ بهِ بينَ
المبتدأِ والخبرِ، وبينَ الصفةِ والموصوفِ وبينَ البدلِ والمُبْدَلِ منهُ،
وكذا بِسَبَبِ حَذْفٍ بِلاَ قرينةٍ واضحةٍ، فإنْ وُجِدَت القرينةُ على
المحذوفِ فلا تَعْقِيدَ، نحوُ: دَنِفٌ فِي جوابِ كيفَ زَيْدٌ؟
( 36 ) ( وَيُسَمَّى ) أي: التعقيدُ الذي أَوْجَبَهُ خَلَلُ نَظْمِ الكلامِ وتركيبِهِ.
( 37 ) ( تَعْقِيداً لَفْظِيّاً كقولِ المُتَنَبِّي ).
( 38 ) ( جَفَخَتْ
) أي: افْتَخَرَتْ وَفَاخَرَتْ، وهذه الكلمةُ مُرَّةُ الطعمِ، وإذا
مَرَّتْ على السمعِ اقْشَعَرَّ منها، ولو اسْتَعْمَلَ المُتَنَبِّي
بَدَلَهَا ( فَخَرَتْ ) لاَسْتَقَامَ البَيْنُ، وحَظِيَ فِي استعمالِهِ بالأحسنِ.
( 39 ) ( وهم لا يَجْفَخُونَ بها ) أي: بِالشِّيَمِ.
( 40 ) ( بِهِمْ شِيَمٌ ) بكسرِ الشينِ المُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التحتيَّةِ جَمْعُ شِيمَةِ الخُلُقِ والطبيعةِ والعادَةِ
( 41 ) ( على الحَسَبِ ) شَرَفِ الأَصْلِ أو ما تَعُدُّهُ مِن مفاخرِ آبائِكَ.
( 42 ) ( الأَغَرِّ دَلاَئِلُ ) جمعُ دَلاَلَةٍ بفتحِ الدالِ: ما يقومُ بهِ الإرشادُ أو المُرْشِدُ.
( 43 ) ( فإنَّ تَقْدِيرَهُ ) أي: أَصْلَهُ.
( 44 ) ( جَفَخَتْ بهم شِيَمٌ دلائلُ على الحَسَبِ الأَغَرِّ وَهُمْ لاَ يَجْفَخُونَ بها )
ففيهِ فصلٌ بينَ الفعلِ ومُتَعَلَّقِهِ، أي: جَفَخَتْ بِهِمْ، بِجُمْلَةٍ
تَامَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، وهِيَ: وَهُمْ لاَ يَجْفَخُونَ بها، وتَأْخِيرُ ( دَلاَئِلُ ) عن ( مُتَعَلَّقِهِ ) وهو ( الحَسَبِ الأَغَرِّ ) وفَصَلَ بينَ الموصوفِ وَصِفَتِهِ أَعْنِي ( شِيَمٌ دَلاَئِلُ ) بِمُتَعَلِّقِ الصفةِ مع أنَّ حَقَّهُ التَّأَخُّرُ عنها.
( 45 ) ( وإمَّا ) لِخَلَلٍ.
( 46 ) ( مِن جهةِ المعنى
) أي: فِي انتقالِ ذِهْنِ السامعِ من المعنى الأوَّلِ إلى معنًى آخَرَ
مُرَادٍ للمُتَكَلِّمِ مُلاَبِسٍ للمعنى الأَوَّلِ، والمرادُ بالخَلَلِ فِي
هذا الانتقالِ بُطْؤُهُ. وحُصُولُهُ.
( 47 ) ( بسببِ استعمالِ مجازاتٍ وكناياتٍ )
أي: بسببِ اختلالِ ذِهْنِ المُتَكَلِّمِ وإيرادِهِ كلماتٍ مُرِيداًبها
اللوازمَ البعيدةَ على وجْهِ المجازِ إنْ كانتَ قرينةً مانعةً عن إرادةِ
المعنى الحقيقيِّ أو على وجْهِ الكنايةِ إنْ لمْ تَكُنْ.
( 48 ) ( لاَ يُفْهَمُ المرادُ بها ) أي: لا يَفْهَمُ السامعُ المعنى المقصودَ للمُتَكَلِّمِ منها لخفاءِ القرائنِ الدالَّةِ عليهِ.
وحاصلُ ما فِي المقامِ
أنَّ الكلامَ المَجَازِيَّ أو الكِنَائِيَّ يُشْتَرَطُ فِي فصاحتِهِ أنْ
يكونَ الفَهْمُ سريعاً لِكَوْنِ المعنى الثاني المُرَادِ مَجَازاً أو
كنايةً قريباًفَهْمُهُ مِن المعنى الأوَّلِ فِي تركيبِ الاستعمالِ
العُرْفِيِّ.
فإنْ لمْ يَكُنْ كذلكَ
بأنْ كانَ المَعْنَى الثاني المُلاَبِسُ بعيداًفَهْمُهُ مِن المعنى
الأوَّلِ عُرْفاً بحيثُ يُفْتَقَرُ فِي فَهْمِهِ إلى وَسَائِطَ
وتَفَكُّرَاتٍ كثيرةٍ مع خفاءِ القرينةِ؛ لمْ يَكُنْ ذلكَ الكلامُ فَصِيحاً
لحصولِ التعقيدِ.
( 49 ) ( ويُسَمَّى ) التعقيدُ الذي أَوْجَبَهُ بُطْءُ انتقالِ نَفْسِ السامعِ للمعنى المرادِ مع خفاءِ القرينةِ عليهِ.
( 50 ) ( تَعْقِيداً مَعْنَوِيّاً ) لِرُجُوعِهِ إلى خَلَلٍ مَعْنَوِيٍّ، كما أنَّ ما تَقَدَّمَ سُمِّيَ لَفْظِيّاً لِرُجُوعِهِ إلى خَلَلٍ لَفْظِيٍّ.
( 51 ) ( نحوُ قولِكَ: نَشَرَ المَلِكُ أَلْسِنَتَهُ فِي المدينَةِ ) حالَ كَوْنِكَ.
( 52 ) ( مُرِيداً) بقولِكَ ( أَلْسِنَتَهُ ).
( 53 ) ( جَوَاسِيسَهُ، والصوابُ نَشَرَ عُيُونَهُ ) لأَنَّ الذي يُتَوَصَّلُ بهِ إلى الأخبارِ عادَةً إنَّمَا هو العيونُ, لا الأَلْسِنَةُ.
( 54 ) ( وقولُهُ ) أي: عَبَاسِ بنِ الأَحْنَفِ مِن نُدَمَاءِ هارونَ الرشيدِ.
( 55 ) ( سَأَطْلُبُ ) السينُ زائدةٌ للتوكيدِ.
( 56 ) ( بُعْدَ الدارِ ) أي: بُعْدَ دَارِي.
( 57 ) ( عَنْكُمْ ) وفيهِ إشارةٌ إلى أنَّهُ لا يَرْضَى بنسبةِ طَلَبِ البُعْدِ إلى دارِ المحبوبِ فَضْلاً عن نفسِهِ.
( 58 ) ( لِتَقْرُبُوا )
المرادُ بالطَّلَبِ ارْتِكَابُ فِعْلِ الطالَبِ بإظهارِ عَدَمِ الضَّجَرِ
الحاصلِ بالصبرِ، وتَوْطِينِ النفْسِ على بُعْدِ الأَحِبَّةِ لِيَحْصُلَ عن
ذلكَ قُرْبُهُمْ، ومعنى هذا الشَّطْرِ أَنِّي اليومَ أَطِيبُ نَفْساً
بالبُعْدِ وَالفُرَاقِ لاتَسَبَّبَ بذلكَ إلى القُرْبِ المُقْتَضِي للفرحِ
والسرورِ.
( 59 ) ( وَتَسْكُبُ ) بالرفعِ, كما هو الصحيحُ
( 60 ) ( عَيْنَايَ ) بفتحِ ياءِ التَّكَلُّمِ.
( 61 ) ( الدموعَ لِتَجْمُدَا
) ليسَ المرادُ الإخبارَ بِسَكْبِ عينَيْهِ للدموعِ؛ بل الإخبارُ بلازمِهِ
وهو الحزْنُ والكآبَةُ فَكَأَنَّهُ قالَ: وَأُوَطِّنُ نَفْسِي على
مُقَاسَاةِ الأحْزَانِ والكَآبَةِ لاتَسَبَّبَ بذلكَ إلى المَسَرَّةِ
الدائِمَةِ.
فَجَعَلَ الشاعرُ سَكْبَ
الدموعِ كنايةً عَمَّا يَلْزَمُهُ مِن الكآبةِ والحزنِ، وأصابَ فِي ذلكَ
الجَعْلَ لسرعةِ فَهْمِ الحزنِ من سَكْبِ الدموعِ عُرْفاً، ولهذا يُقَالُ:
أَبْكَاهُ الدَّهْرُ كنايةً عن كونِهِ أَحْزَنَهُ ولكنَّهُ أَخْطَأَ
( 62 ) ( حيثُ كَنَّى بالجمودِ ) أي: جُمُودِ العينِ.
( 63 ) ( عن ) ما يُوجِبُهُ التلاقِي مِن الفرحِ و
( 64 ) ( السرورِ
) بِقُرْبِ أَحِبَّتِهِ؛ لأَنَّهُ مخالفٌ لموارِدِ استعمالِ البُلَغَاءِ،
وذلك لأَنَّ الْجَارِيَ على اسْتِعْمَالِهِمْ إِنَّمَا هو الانتقالُ مِن
جمودِ العينِ إلى بُخْلِهَا بالدموعِ وَقْتَ طَلَبِهِ منها كما اسْتُفِيدَ
مِن قولِهِ.
( 65 ) ( مع أنَّ الجمودَ ) أي: جمودَ العينِ ويُبْسَهَا.
( 66 ) ( يُكَنَّى بهِ عن البُخْلِ بالدموعِ وقتَ البكاءِ )
وهو وقتُ الحزنِ على مُفَارَقَةِ الأَحِبَّةِ، فهوَ الذي يُفْهَمُ مِن
جمودِهَا بِسُرْعَةٍ لا دَوَامُ الفَرَحِ والسرورِ, كَمَا قَصَدَ الشاعرُ
فإنَّهُ خَفِيٌّ بعيدٌ لا يُفْهَمُ من العبارةِ بسرعةٍ, بلْ يَحْتاجُ إلى
وسائطَ بأنْ يُنْتَقَلَ من جمودِ العينِ بمعنَى جَفَافِهَا من الدموعِ عندَ
إرادَتِهَا منها إلى انتفاءِ الدَّمْعِ منها حالَ إرادةِ البكاءِ، ومنهُ
إلى انتفاءِ الدمعِ مُطْلَقاً، ومنهُ إلى انتفاءِ الحزنِ ونحوِهِ، ومنهُ
إلى السرورِ، وبذلكَ يكونُ الكلامُ مُعَقَّداًغيرَ فصيحٍ).
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (وفصاحةُ
الكلامُ، سلامتُه منْ تَنَافُرِ الكلماتِ مُجتَمِعَةً: بأنْ لا يكونَ في
اجتماعِ كلماتِه تَنَافُرٌ، وإنَّما قال هذا؛ لأنَّ الْمُعْتَبَرَ في
فصاحةِ الكلامِ هوَ سلامتُه منْ تنافُرِ كلِّ واحدةٍ منْ كلماتِه للأخرى،
لا السلامةُ منْ تَنَافُرِ أجزاءِ كلمةٍ واحدةٍ؛ فإنَّ ذلكَ منْ فصاحةِ
الكلمةِ.
ومنْ ضعْفِ التأليفِ ومن التعقيدِ: والمرادُ ههُنا أيضًا هوَ سلامتُه منْ
كلِّ واحدٍ منْ هذه الثلاثةِ، لا من المجموعِ منْ حيثُ المجموعُ. ودَلالةُ
هذا الكلام عليهِ أظهَرُ مِمَّا قالَ في فصاحةِ الكلمةِ؛ لأنَّهُ أتى ههنا
كلمةُ مِنْ في كلِّ واحدٍ من الثلاثةِ، ومن الظاهرِ أنَّ تَكرارَ حرفِ
الجَرِّ في مِثلِ هذا الْمَقامِ يُؤْذِنُ بذلكَ. وَمِثْلُ ما ذكَرْنا في
فصاحةِ الكلمةِ منْ وجهِ الْحَصْرِ يَجْرِي في فصاحةِ الكلامِ أيضًا،
فعَيْبُه في مادَّتِه تنافُرُ الكلماتِ. وفي صُورتِه، أي التأليفِ العارِضِ
على الكلماتِ، ضَعْفُ التأليفِ. وفي دَلالتِها على معناهُ التعقيدُ.
معَ فصاحةِ كلماتِه: حالٌ من الضميرِ في سلامتِه، وَاحْتَرَزَ بهِ عنْ
مِثْلِ قولِنا: شِعْرُهُ مُسْتَشْزَرٌ ؛ فإنَّهُ وإنْ كانَ كلامًا خاليًا
عنْ تَنَافُرِ الكلماتِ، وعنْ ضَعْفِ التأليفِ، وعن التعقيدِ، إلَّا أنَّ
فيهِ كلمةً غيرَ فصيحةٍ، وهيَ مُسْتَشْزَرٌ ؛ لأنَّ حروفَها مُتنافِرَةٌ،
فلا يكونُ كلامًا فصيحًا .
فالتنافُرُ وصْفٌ في الكلامِ يُوجِبُ ثِقَلَه على اللسانِ، وعُسْرَ النطْقِ
بهِ: سواءٌ كان مَنْشَأُ الثِّقَلِ وعُسْرِ النطْقِ اجتماعَ مجموعِ كلمةٍ
معَ أُخرى، أو اجتماعِ بعضِ حروفِ كلمةٍ معَ بعضِ حروفٍ من الأخرى، فقولُه:
نحوَ:
في رَفْعِ عَرْشِ الشرْعِ مثلُك يَشْرَعُ ...، وكذا قولُه: وليسَ قُرْبَ
قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ، من الأوَّلِ؛ إذْ لا شكَّ أنَّ مَنْشَأَ الثِّقَلِ
فيهما الْتِقَاءُ مجموعِ كلِّ كلمةٍ معَ مجموعِ الأخرى.
وقولُه:
كريمٌ متى أَمْدَحْهُ أَمْدَحْهُ والْوَرَى...... مَعِي وإذا ما لُمْتُه لُمْتُه وَحْدِي
من
الثاني؛ لأنَّ مُوجِبَ الثِّقَلِ فيهِ اجتماعُ الحاءِ والهاءِ في كلمةِ
معهما في كلمةٍ أخرى، وإنْ كان مُجَرَّدُ الجمْعِ بينَ الحاءِ والهاءِ
بدونِ التكريرِ لا يُخِلُّ بالفصاحةِ.
وضعْفُ التأليفِ كونُ الكلامِ غيرَ جارٍ على القانونِ: وخَفَاءُ المرادِ
لِخَلَلٍ منْ جهةِ اللفظِ بسببِ التقديمِ والتأخيرِ والفَصْلِ .
وإمَّا منْ جهةِ المعنى: عطْفٌ على قولِه: إمَّا منْ جهةِ اللفظِ، أيْ:
يكونُ الخفاءُ لِخَلَلٍ واقعٍ إمَّا منْ جهةِ اللفظِ، وإمَّا منْ جهةِ
المعنى .
بسببِ استعمالِ مَجازَاتٍ وكناياتٍ لا يُفْهَمُ المرادُ بها: لِخَفَاءِ القرائنِ الدالَّةِ على المرادِ بها .
ويُسَمَّى هذا التعقيدُ تعقيدًا معنَوِيًّا، نحوَ قولِكَ: (نَشَرَ الْمَلِكُ أَلْسِنَتَهُ في المدينةِ)،
مُرِيدًا بألسنتِه جواسيسَهُ، والصوابُ نَشَرَ عيونَهُ؛ فإنَّ العيْنَ،
لكونِها اسمًا للجزءِ الذي لهُ مَزِيدُ اختصاصٍ بالشخصِ الجاسوسِ بحيثُ
يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُه بوصْفِ كونِه جاسوسًا عليهِ إذْ لولاهُ انْتَفَتْ
عنهُ الجاسوسيَّةُ، تُستَعْمَلُ مَجَازًا في الجاسوسِ، بخلافِ اللسانِ؛
فإنَّهُ وإنْ كان جُزْءًا منهُ لكنْ ليسَ لهُ مَزيدُ اختصاصٍ بكونِه
جاسوسًا، فلا يَصِحُّ إطلاقُه عليهِ؛ لأنَّهُ لا يَصِحُّ إطلاقُ اسمِ كلِّ
جزءٍ على الكُلِّ مَجَازًا، وإنَّما يُطْلَقُ اسمُ الجزءِ الذي لهُ مَزيدُ
اختصاصٍ بتَحَقُّقِ ما صارَ بهِ الكلُّ حاصلًا بوصفِه الخاصِّ .
وقولُه:
سأَطْلُبُ بُعْدَ الدارِ عنكم لِتَقْرَبُوا ....... وتَسْكُبُ عَيْنَايَ الدموعَ لِتَجْمُدَا
فكَنَّى بسَكْبِ الدموعِ عنْ وجودِ الْحُزْنِ الذي يَحْصُل كثيرًا عنْ
فِراقِ الأَحِبَّةِ. وأصابَ في هذه الكنايةِ لسرعةِ فَهْمِ الْحُزْنِ منْ
سَكْبِ الدموعِ عُرْفًا، ولكنَّهُ أَخطأَ حيثُ كَنَّى بالجمودِ عن السرورِ
بدوامِ لقاءِ الْأَحِبَّةِ، معَ أنَّ الجمودَ يُكَنَّى بهِ عن البُخْلِ
بالدموعِ وقْتَ البكاءِ، وهوَ وقتُ الْحُزْنِ على مُفارَقَةِ الأحبابِ؛
لأنَّهُ الذي يُفْهَمُ منْ جمودِها بسرعةٍ لا دوامُ السرورِ والفرَحِ الذي
قَصَدَه. وفي معنى هذا البيتِ وجهانِ: أحدُهما أنَّ عادَةَ الزمانِ
والإخوانِ المعامَلَةُ بنقيضِ المطلوبِ وعكسِ المقصودِ، فاطْلُبْ خلافَ
المرادِ لا غالطِ الزمانَ والإخوانَ فَيَأْتُونَ بالمرادِ، وهذا على وجهِ
الظرافةِ والتخْيِيلِ الشعريِّ. والثاني أنَّ المرادَ بطلَبِ الفِراقِ
طِيبُ النفْسِ به، وتوطينُها على المكروهِ المؤَدِّي إلى إفاضةِ الدموعِ
لِيَحْصُلَ عنْ ذلكَ دوامُ السرورِ بدوامِ التلاقي؛ فإنَّ الصبْرَ مِفتاحُ
الفَرَجِ).
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (القسم الثاني هو فصاحة الكلام
أي الأسلوب، وهي سلامته من تنافر كلامات مجتمعة، ومن ضعف التأليف ومن التعقيب مع اشتراط فصاحة الكلمات.
إذن هذه أربعة شروط اتفاقية لفصاحة الكلام، ويضاف إليها شرطان آخران خلافيان:
الشرط الأول: أن يكون الكلام خاليا من تنافر الكلمات
نحن
ذكرنا في الكلمة الواحدة تنافر الحروف، هنا في الكلام تنافر الكلمات واضح،
ففي الفصاحة فصاحة الكلمة الواحدة اشترطنا ألا تكون حروفها متنافرة، مثل
هعخع , استشزر، وأما في الكلام فقد تكون الكلمة الواحدة منسجمة لا تنافر
بينها , لكن إذا أضيفت إلى كلمة أخرى حصل التنافر ومنه:
(قبر
حرب بمكان .......، وليس قرب قبر حرب تبر) فهذه الكلمات كل واحدة منها
منسجمة ليس فيها تنافر في حروفها , لكن بجمع الكلمات حصل التنافر ـ واضح؟ ـ
إذن هذا الشرط الأول، هو سلامة الكلام من تنافر الكلمات مجتمعات، معناه لا
تنافر الحروف، تنافر الحروف ليس (غير مسموع) الفصاحة.
والثاني: سلامة الكلام من ضعف التأليف
وضعف
التأليف أي ضعف التركيب؛ فإن كان الكلام ضعيف التركيب فهو غير فصيح، وذلك
بأن كان فيه من الإضلال أو التقديم أو التأخير ما يجعله صعب الفهم , مخالفا
للقانون المشهور في لغة العرب مثل قول الشاعر:
جفوني ولم أجف الأخلاء إنني ...... لغير جميل من خليلي مهمل
جفوني
هنا الضمير يعود على متأخر لفظا ورتبة , وهو الأخلاء , فعود الضمير على
متأخر لفظاً ورتبة مخالف للغة العرب لقاعدة النحو، فهذا ضعف في اللغة.
واضح؟
جفوني ولم أجف الأخلاء إنني ........ لغير جميل من خليلي مهمل
جفوني , من هم (اللي) جفوك؟ الأخلاء. فتأخر
مفسر الضمير، فعاد الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وهذا مخالف ...... اللغة
وقاعدة النحو، فقاعدة النحو أن الضمير لا يعود إلا على مذكور، معروف، فإذا
رجع الضمير على شيء لم يسبق له ذكره كان هذا ضعفا في النحو. الشرط الثالث: خلو الكلام من التعقيد سلامته من التعقيد , والتعقيد: ما يقتضي صعوبة الفهم بالتقديم والتأخير ونحو ذلك، كقول الفرزدقٍ وما مثله في الناس إلا مملكاً ....... أبو أمه حي أبوه يقاربه إذا كتبت هذا البيت لم تجد فيه كلمة غريبة، كله كلمات مفهومة لديك بل لدى الصبيان: وما مثله في الناس إلا مملكاً ....... أبو أمه حي أبوه يقاربه لكن
إذا أردت تركيبه لم تفهم معناه، كل كلمة منه وحدها مفهومة، لكن بالتركيب لا
يفهم؛ لأن فيه تقديما وتأخيراً، فأصل الكلام: وما مثله في الناس حي يقاربه
إلا مملكا أبو أمه أبوه. فهو
هنا يمدح رجلا من بني مخزوم كان خالا لهشام بن عبد الملك , خال هشام بن عبد
الملك الخليفة، فيقول: إن هذا الرجل المخزومي ما مثله في الناس أحد حي
يقاربه إلا مملكاً أي إلا هذا الملك الذي هو خاله، إلا مملكاً أبو أمه
أبوه، أي أنه خاله، فهذا التعقيد غير فصيح. الشرط الرابع: سلامته من عدم فصاحة الكلمات فلابد
في الكلام أن تكون كلماته فصيحة حتى يكون فصيحا، إذا كان الكلام فيه كلمة
غير فصيحة فهو غير فصيح، وأن الكلمة هي مفردة الكلام , فإذا كان فيه فرد
واحد غير فصيح لم يكن هو فصيحا. إذن هذه الأربعة هي الشروط الاتفاقية، وأهمل هو شرطين خلافيين: الشرط الأول: ألا يكثر التكرر ألا يكثر التكرر فيه , إذا كان الكلام ذا تكرر فهذا غير فصيح:(جاء
زيد، فقام زيد، جلس زيد) تكرار كلمة زيد هنا غير فصيح، فهذا الكلام بسبب
التكرار فيه غير فصيح، لكن يستثنى من ذلك ما إذا كان التكرار لنكتة بلاغية
لابد منها، كقول الله تعالى:{وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} وكذا قال بعد هذا: {قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم} في هذه الآيات قال: {فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه} فهذا فيه تكرار، لكن هذا التكرار لا يخرجه عن الفصاحة؛ لأن التكرار بسبب نكتة لابد منها، فلو قال: فبدأ
بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها منه، أوهم هذا أنه استخرج الصواع من
أخيه، وهذا غير أدب، وإذا قيل: ثم استخرجها من وعائه، أوهم ذلك أنه
استخرجها من وعاء يوسف نفسه , فيكون هذا خداعاً وهو غير صحيح، فكان لابد من
التكرار، فالتكرار إذن لنكتة لابد منها، فهذا النوع فصيح قطعاً. الشرط الخامس.. أقصد السادس: خلوه
من الإضافات من كثرة الإضافات والضمائر، فالكلام الذي تكثر فيه الإضافات،
في الغالب يكون غير فصيح، ولذلك يقال: إن أحد النقاد لقي صديقا له فسأله:
من هذا الذي معك؟ قال: غلام امرأة خازن بيت المال , غلام امراة خازن بيت المال. فقال له أف: لمن لا يعرف إلا بهذا الكلام الطويل، لا يعرف إلا بهذا الكلام الطويل. فالأصل
أن الإضافة يتعرف بها صاحبها، فلو قلت: غلام فلان , عرف، لكن أنت قلت غلام
امرأة , فلم يعرفه ذلك، فقلت امرأة خازن , فلم يعرف الخازن أيضا فقلت:
خازن بيت , فلم يعرف البيت، فقلت المال؛ حتى عرف، فهذا النوع من كثرة
الإضافات يمنع الفصاحة في الغالب، وقد يرد بعض الإضافات قليلا , لكن قد
يتخلص منه أيضا في بعض الأساليب في قول الله تعالى: {فأخذت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي}
قبضة من أثر الرسول، أصل الكلام من أثر حافر فرس الرسول؛ لأن الأثر ليس
للرسول نفسه بل هو لفرسه، والفرس أيضا ليس لكلها، بل لحافرها فقط فهمت ,
فحذف بعض المتضائفات تخلصاً من هذا المعنى معنى الفصاحة فإنه لو قال: فأخذت
قبضة من أثر حافر فرس الرسول لكان هذا كثير الإضافات، فحذف بعض المتضائفات
التي لا تفيد فقال: {فأخذت قبضة من أثر الرسول فنبذتها}. كذلك كثرة الضمائر؛ لأنها تقتضي خفاء كقول أبي الطيب المتنبي: وتسعدني في غمرة بعد غمرة ....... سبوح لها منها عليها شواهد سبوح لها أي: لهذه الفرس لها شواهد، عليها أي: على تفوقها، منها , أي من خلقتها وعملها، فكثرت الضمائر فكان هذا غير فصيح. قال:
فالتنافر وصف في الكلام يوجب ثقله على اللسان وعسر النطق به , نحو (في رفع
عرش الشرع مثلك يشرع) هذه الكلمات في حد ذاتها كل واحدة منها فصيحة ليس بها
تنافر ولا غرابة , وليست الكلمات في حد ذاتها فيها أي مشكلة مخالفة للغة،
لكن بترتيبها هكذا صعبت على اللسان. في
رفع عرش الشرع مثلك يشرع، فصعب النطق بها هكذا , وكذلك: وقبر حرب بمكانٍ
قفر وليس قرب قبر حرب قبر. فيصعب أن ينطق به اللسان بسرعة إلا اختل عليه
بعض تركيبه، ليس ذلك راجعا إلى عدم فصاحة في الكلمات، لكنه راجع إلى
التنافر فيها , الكلمات في ذاتها متنافرة فيما بينها، وكذلك قول أبي تمام: الكريم متى أمدحه أمدحه والورى ...... معي وإذا ما لمته لمته وحدي تكرار
كلمة أمدحه أمدحه صعب على اللسان؛ لأن فيها حرفا حلق في كل واحدة منهما،
الحاء والهاء، فلو قلت: متى أمدحه مرة واحدة لم يكن في هذا مخالفة للبلاغة
والفصاحة، لكن لما تكررت أمدحه أمدحه صعب ذلك , فكان تنافراً. وضعف التأليف
كون الكلام غير جارٍ على القانون النحوي المشهور كالإضمار قبل مثل أي عود
الضمير على متأخر لفظاً ورتبة قبل ذكر لفظاً ورتبة، في قول الشاعر: جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ...... وحسن فعل كما يجزى سنمار جزى
بنوه: الضمير هنا على ما يعود أبا الغيلان , فالضمير هنا يعود على الأب
الذي لم يأت بعد، فكان في هذا عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة وهو ضعيف
في اللغة. جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر ........ وحسن فعل كما يجزى سنمار والتعقيد أن يكون الكلام خفي الدلالة على المعنى المراد، وقد ذكرنا مثاله في قول الفرزدق: وما مثله في الناس إلا مملكا...... أبو أمه حي أبوه يقاربه والخفاء
إما أن يكون من جهة اللفظ , الخفاء إما أن يكون من جهة اللفظ بسبب تقديم
أو تأخير أو فصل، ويسمى هذا تعقيدا لفظياً , كقول أبي الطيب المتنبي: (سبقت (كلام غير مسموع) شيم على الحسب الأغر دلائل) فأصل
الكلام سبقت بهم وهم لا (كلام غير مسموع) بها أي: ارتفعت بهم وهم لا
يرتفعون بها، شيم على الحسب الأغر دلائل , فهذا التقديم والتأخير أدى إلى
الخفاء؛ فإن تقديره (كلام غير مسموع) بهم شيم دلائل على الحسب الأغر وهم لا
يسبقون بها، وإما من جهة المعنى بسبب استعمال مجازات وكنايات لا يفهم
المراد بها، ويسمى هذا تعقيدا معنوياً كقولك: نشر
الملك ألسنته في المدينة. هو الكلام المعهود أن يقال: نشر عيونه في
المدينة، والمقصود بهم جواسيسه، فإذا قلت: نشر ألسنته في المدينة كان هذا
غريباً معقداً؛ لأنه ليس جارياً على المألوف في الكلام، فهو مجاز مريدا
جواسيسه، والصواب نشر عيونه، ومثله قول الشاعر: سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ...... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا هو
يقول: إنه سيتسلى عنهم ببعد الدار حتى تقرب قلوبهم لعلهم يرقون له إذا بعد
عنهم، (وتسكب عيناي الدموع) أي: أبكي , أصبر على بعدكم فأبكي فيه لتجمدا،
أي: ليزول البكاء عندما تقتربون إليّ، لكنه عبر عن عدم البكاء هنا بقوله:
لتجمدا , مع أن الجمود في الأصل هو طلب الإنسان البكاء فلا تسعفه عينه. ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ...... عليك بجاري دمعها لجمود عشية قام النائحات وشققت ....... جيوب بأيدي مأثم وخدود
فهنا قال:
ألا إن عينا لم تجد يوم واسط ....... عليك بجاري دمعها لجمود
يعني: هذا سبب للبكاء , لكن في هذا البيت لتجمد، ليس المقصود أنه يطلب البكاء فلا يبكي، وجمود العين أن تطلب البكاء فلا تبكي، فهذا غير مقصود هنا إنما يقصد لئلا تبكي، وتبكي عيني الآن صبرا على البكاء؛ لئلا تبكي في المستقبل عندما يقع الوصل، واضح؟
هو في هذا البيت يقول لأحبابه: إنه سيتصبر عنهم , فيبتعد عنهم لتقترب قلوبهم منه ويرحموه، ويصبر في بعده على البكاء حتى يصل إلى القرب فيزول البكاء، فالصبر على البكاء سبب لإزالة البكاء عندما يحصل القرب، والصبر على البعد سبب للقرب والمودة ـ صحيح؟ ـ لكنه عبر عن عدم البكاء عند الوصل والالتقاء بالجمود، وهذا التعبير غير معهود، فالجمود إنما يعبر به عن طلب البكاء فلا تساعده عينه ـ واضح؟ ـ هذا المعنى هو نظير قول أبي الطيب المتنبي:
كأن سهاد العين يعشق مقلتي ....... فبينهما في كل هجر لنا وصل
كأن سهاد العين: وهو السهر , يعشق مقلتي أي: عيني , فبينهما أي: السهاد والعين , في كل هجر لنا وصل: إذا لم نلتق نحن التقيا.. التقيت العين وسهادها , وإذا اجتمعنا نحن افترقت العين وسهادها. واضح؟
كأن سهاد العين يعشق مقلتي ....... فبينهما في كل هجر لنا وصل
فكذلك هنا يقول:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ...... وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
حيث كنى بالجمود عن السرور , مع أن الجمود يكنى به عن البخل بالدموع وقت البكاء).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (وفصاحة الكلام سلامته من تنافر الكلمات مجتمعة ومن ضعف التأليف ومن التعقيد مع فصاحة كلمات).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذه
الشروط الثلاثة هي نفسها تقريباً الشروط السابقة لكنها بصورة مكبرة، تلك
كانت تخص الكلمة الواحدة وهذه تخص الكلام، لو نظرنا إلى التنافر هو نفسه،
والتنافر سواء على مستوى الحروف في الكلمة وهنا يأتي على مستوى الكلمات في
النص.
أما الثاني: فهناك سمي مخالفة القياس، وهنا سمي ضعف التأليف لأن القياس يكون للفظة والتأليف يكون للكلمات مجتمعة.
إذاً: هو نفسه، الشرط الذي قيل هناك بعنوان مخالفة القياس هو قيل هنا ولكن من ضعف التأليف. والثالث:
هناك طبعاً في اللفظة المفردة والغرابة، وفي الكلام هو التعقيد والحقيقة
أن التعقيد يؤدي إلى عدم فهم المعنى مثل أن الغرابة تؤدي إلى عدم فهم
المعنى، لكن التعقيد هنا له جانبان جانب لفظي وجانب معنوي كما سنعرف إن شاء
الله).
القارئ: (فالتنافر وصف في الكلام يوجب ثقله على اللسان وعسر النطق به نحو: في رفع عرش الشرع مثلك يشرع، وليس قرب قبر حرب قبر، كريم متى أمدحه أمدحه والورى معي وإذا ما لمته لمته وحدي).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا تحديد لمفهوم التنافر وهو مطابقة أيضاً لما قيل على مستوى اللفظة
الواحدة قبل قليل، وصف في الكلام هناك وصف في الكلمة يوجب ثقله على اللسان،
وهناك يوجب ثقلها على اللسان، وعسر النطق به وهناك بها. إذاً:
التعريف متفق وهو المعيار صعوبة النطق، صعوبة نطق الكلمة، وهنا صعوبة نطق
الكلام، لكن الفرق هنا أن الكلمات مفردة لا يشترط أن تكون متنافرة الحروف
قد تكون الكلمات خالية من التنافر بذاتها لكن إذا جمعت إلى بعضها يحصل
التنافر، والدليل على ذلك الكلمات في المثال الأول: في رفع، كلمة رفع لا
إشكال فيها وكلمة عرش لا إشكال فيها ولا تنافر وكلمة شرع كذلك مثلها ومثلك
ويشرع في ذاتها ليس فيها تنافر لكن حينما جمعت هذه الكلمات مع بعض حصل
الإشكال، وهو عسر النطق أو صعوبته على المتكلم، وهنا ملحظ أن الكلمات إذا
كانت تتكون من أصوات أو حروف متطابقة أو متشابهة فإنه يمكن أن يحصل
التنافر. وهذا ينطبق على كل الأمثلة
التي سترد بعد قليل ما عدا الأخير الذي سيتم التنبيه عليه، ولهذا يقولون:
السبب في التنافر هنا مثل مشي المقيد كأنك قيدت رجلي شخص وطلبت منه أن يمشي
فأنت الآن جعلت النص في أصوات محددة لا يتجاوزها جهازه الصوتي منحصر في
نطق كلمات مرة يذهب هنا لكن لابد أن يرجع مرة ثانية إلى ذاك. فإذاً: هو أشبه ما يكون
بمشي المقيد، مشي المقيد يصعب ونطق الكلمات التي من أصل واحد، أو من أصل
متشابه لكن حصل فيها تقديم وتأخير هو السبب في هذا التنافر الذي حصل.
وأيضاً وليس قرب قبر حرب قبر هذا أيضاً مثال على التنافر لكنه في ذاته: قبر
ليست متنافرة، وقرب ليست متنافرة وحرب غير متنافرة، وقبر أيضاً ليست
متنافرة ولكن لأنها جمعت مع بعض بدليل أن الراء والباء والقاف أحرف تكررت
كثيراً في هذا النص ولذلك صعب نطقه مجتمعاً، هذا المثال والمثال الذي قبله
يمكن أن يصنف في تنافر الكلام الثقيل، التنافر درجات فيه ثقيل وفيه خفيف،
أما اللون الثاني وهو الأخف فمثل قول الشاعر: كـريـم متى أمـدحــه أمـدحــه والورى معي وإذا ما لمتـه لمـتــه وحـــدي هنا الموضع الخاص بالشاهد
(أمدحه أمدحه) هو طبعاً يقولون اجتماع الحاء والهاء يسبب صعوبة في النطق
لكن اجتماعهما مفردتين لا يسبب لأنه ورد في القرآن الكريم كلمات كثيرة جاءت
فيها الحاء والهاء (فسبحه) مثلاً ليست متنافرة لكن هنا السبب أن الكلمة
تكررت اجتمع صوتان الحاء والهاء وهما متقاربان في المخرج. ثم تكررت الكلمة
فيهما فصار ذلك سبباً في تنافر الكلمات ولو أنه تنافر أخف من التنافر الذي
قبله). القارئ: (وضعف التأليف كون الكلام غير جارٍ على القانون النحوي المشهور كالإضمار قبل الذكر لفظاً ورتبة في قوله): جـزى بــنـوه أبـا الغـيـلان عـن كــبـر وحسن فعل كما يجزى سنمَّار). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (ضعف التأليف هو طبعاً المخالفة للقواعد النحوية المشهورة طبعاً هنا قيد
المشهورة لأنه هناك خروج عن هذه القواعد لبعض العلماء يرون أنه لا يعني
ليست خطأً ولهذا قيدت بأنها المشهورة فمثلاً الضمير إذا استخدم وكان مرجعه
متأخراً لفظاً ورتبة فهو طبعاً خطأ عند جمهرة النحويين وقد خالفهم طبعاً
عدد قليل مثل الأخفش وابن جني كما يروى عنهما أنهما خالفا هذا وأجازا هذه
القضية كما سنعرف التي اتكأ عليها المعاصرون لأن المعاصرين في أساليبهم
الآن صاروا يستخدمون هذا الأسلوب الذي يكون مرجع الضمير فيه متأخراً في
اللفظ والرتبة كما سأذكر بعد قليل لكني أريد أن أنبه إلى مسألة: كـيف كان
مرجع الضمير على المتأخر في اللفظ والرتبة سبباًً في عدم الفصاحة؟ الضمير
في اللغة هو عبارة عن رمز يمكن أن يختلف مدلول هذا الرمز باختلاف المرجع،
الضمير الصيغة فيه لا تختلف (هو) مثلاً (هو) قد يكون لرجل وقد يكون لكتاب
وقد يكون لشبح من الأشباح لا يعرف كنهه. قد يكون يعني المال قد يكون لأشياء
كثيرة جداً فالذي يفسر هذا الضمير هو المرجع. إذاً: أنت حتى تستطيع أن
تستوعب دلالة الضمير لابد أن يكون مرجعه سابقاً على نطق الضمير حتى تستطيع
أن تفسر، فإذا كان المرجع المفسر لهذا الضمير جاء متأخراً ستبقى برهة وهي
البرهة التي تفـصلك عن الوصول إلى نطق المرجع. ما تزال الدلالة في الضمير
مجهولة في هذه الحالة إذا كانت ما تزال مجهولة فهذا سيسهم في تعثر المواصلة
في فهم النص على الوجه المرضي، لكن إن كان متأخراً مثلاً في اللفظ دون
الرتبة أوفي الرتبة دون اللفظ فأنت تعرف أنه ما يزال الكلام ناقصاً لم يتم،
فلا تتوقع أنه انتهى وتدرك معنى الضمير، ولكن إذا كان المرجع متأخراً في
اللفظ والرتبة فأنت حينما تنطق الضمير كأنك انتهيت من مرحلة وستنتقل إلى
مرحلة أخرى. وانتهيت من مرحلة ليس فيها تفسير لهذا الضمير لأن الذي جاء
بعده متأخر في اللفظ والرتبة، وهذا طبعاً من الأشياء التي يحتاج الأمر فيها
إلى جهد. طبعاً النحويون ذكروا
مواضع من المواضع التي يجوز فيها تأخير مرجع الضمير وطبعاً ليس هذا موضع
ذكرها ولكن هنا أشير فقط إلى أن هذا.... (هنا انقطع الشريط) وأرغب في
الإشارة إلى أن عود الضمير على متأخر في اللفظ والرتبة شاع حتى في استخدام
الكتبة من كتّاب هذا العصر وخاصة الذين يكتبون في الصحف فتلحظ مثلاً أنهم
يقولون مثلاً قرروا في اجتماعهم الأول، عندنا كلمة قرروا الواو، واو
الجماعة هنا، في اجتماعهم الأول هم في كلمة اجتماعهم من هؤلاء؟ ثم تجد أنه يأتي بعد ذلك
العلماء في الشريعة فيعني تلحظ أن الضمير تقدم ومفسر الضمير تأخر، قد
يحتجون بما رآه بعض اللغويون السابقين كالأخفش وابن جني كما أسلفت وقد
يجعلونها من باب التشويق يعني تأخير الأمر لتشويقه وهذا يكثر في العنونات
؟؟ التي يضعها الصحفيون في مقدمة كتاباتهم). القارئ: (والتعقيد
أن يكون الكلام خفي الدلالة على المعنى المراد، والخفاء إما من جهة اللفظ
بسبب تقديم أو تأخير أو فصل ويسمى تعقيداً لفظياً كقول المتنبي: جـفـخــت وهـم لا يجـفخون بـها بـهم شيم على الحسب الأغـر دلائـل فإن تقديره جفخت بهم شيم دلائل على الحسب الأغر وهم لا يجفخون بها. وإما من جهة المعنى بسبب استعمال مجازات وكنايات لا يفهم المراد بها ويسمى تعقيداً معنوياً نحو قولك: نشر الملك ألسنته في المدينة، مريداً جواسيسه، والصواب نشر عيونه وقوله: سأطلب بــعد الـدار عنكم لتـقـــربـوا وتسـكب عيـنـاي الدموع لتجمدا حيث كنّى بالجمود عن السرور عن السرور مع أن الجمود يكنى به عن البخل وقت البكاء). قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (التعقيد يعني تبين مفهومه من خلال العبارة التي ذكرها المؤلفون أن يكون
الكلام خفي الدلالة على المعنى المراد. هذا هو الغرابة والمعنى هو الغرابة
التي وردت على مستوى اللفظة الواحدة وهو خفاء معنى الكلمة، لكن على مستوى
الكلام يكون الخفاء لأحد سببين: إما من جهة اللفظ: جهة
اللفظ وهو جهة التركيب، الكلام حصل فيه تقديم وتأخير جائز في اللغة لكنه
أشكل في فهم القارئ أو المتلقي أو السامع طبعاً فهمه لهذا النص، فإذا قرأنا
قول أبي الطيب: جـفـخــت وهـم لا يجـفخون بـها بـهم شيم على الحسب الأغـر دلائـل هنا نلحظ أن السبب هو حصول
تقديم وتأخير في بعض المتعلقات يعني في النص. حينما ننظر إلى تقدير
المؤلفين لصياغة هذه العبارة نقول إن تقديره (جفخت بهم شيم دلائل على الحسب
الأغر وهم لا يجفخون بها) إذا أضفت إلى هذا التعقيد اللفظي الذي تسبب في
خفاء المعنى عيباً ثانياً وهو غرابة معنى لفظه.. ( الصوت غير واضح ). إذاً: اجتمع عيبان، عيب في
غرابة لفظة يسهم هذا العيب في عدم وضوح معناها وهي (جفخت) ما معنى جفخت
صحيح النطق لا إشكال فيه وإن كان ثقيلاً لكن ليس كل ثقيل ممنوع. لأنه قد
يكون المعنى الذي يحمله ثقيل ولابد أن يكون فيه تلاءم بين اللفظ والمعنى،
فإذا أضفنا إلى ذلك حصول تقديم وتأخير في الصياغة كان هذا سبباً في زيادة
خفاء المعنى، المعنى خفي لا يدرك. لو أنك تأملت المعنى الذي
يراه كما ورد في شارح (ديوان أبي الطيب) يقول إن المعنى: (إن لهؤلاء شيماً
كريمة تدل على ما لهم من الحسب الشريف، وهذه الشيم تفخر بهم، وهم لا يفخرون
بها لبعدهم عن الزهو والخيلاء، فتلحظ أن كلمة (جفخت) بمعنى فخرت وتكبرت،
هذا طبعاً أحد الأسباب التي تدعو إلى أن المعنى كان خافياً فلما أُعيد
ترتيب الكلمات في البيت ترتيباً صحيحاً فهم ولما وضح معنى الكلمة الغريبة
زاد الفهم وضوحاً. فإذاً: هذا يدل على أن التعقيد اللفظي وإذا أضيف إليه غرابة الكلمة أسهم في خفاء المعنى. أما الجهة الثانية: وهي
جهة المعنى - يعني - الكلام كانت صياغته مرتبة كما هو في سنن العرب
المألوفة لكن حصل الخفاء من المعنى الذي أراده المتكلم فالمثال الذي أشار
إليه المؤلفون يقولون مثل: نشر الملك ألسنته في المدينة، هذا الكلام نشر
والملك وألسنه وفي المدينة هذا كلام واضح مفهوم ولا خفاء فيه، لكن ما الذي
يريده المتكلم من وراء ذلك، طبعاً يقولون: حينما تكلم المتكلم بهذا أراد
(نشر جواسيسه) فاستخدم كلمة ألسنة كناية عن الجواسيس وهذا ليس صحيحاً؛ لأن
الذي يكنى به عند العرب عن الجواسيس هي الآذان ولذلك يقولون: نشر عيونه،
عيون هي الجواسيس التي تنظر لتنقل الخبر، أو طبعاً الأذن لتستمع ثم تنقل،
لكن حينما ننظر إلى نشر الملك ألسنته في المدينة، إذا كان المراد نشر
الجواسيس فهذا طبعاً لا يدل المعنى عليه لماذا؟ لأن الألسنة ليست كناية عن
الجاسوس عند العرب، لكن هل هذه العبارة صحيحة؟ نعم،هي صحيحة وفصيحة إذا
أريد بها التعبير عن نشر الملك لأناس مثلاً يتحدثون بلسانه ينقلون أخباره
للناس يكون ألسنتهم. يعني حينما تقول نشر الملك ألسنته في المدينة يعني نشر
الناس الذين يتحدثون بمآثره أو بأخباره أو بما يريد إبلاغه للناس هذا يكون
كلاماً صحيحاً خالياً من العيب الذي يخل بفصاحة الكلام، لكن إن أراد
الجواسيس. إذاً: كلمة إن أراد تدل على أن القضية تتصل بالمعنى، وذكر طبعاً المؤلفون قول العباس بن الأحنف: ســأطـلب بـعد الـدار عـنكم لتـقـربـوا وتسـكب عيـنـاي الدموع لتجمدا قالوا إن السبب هو أن
العباس كنّى بالجمود عن السرور مع أن الجمود يكنى به عن البخل وقت البكاء؛
لأن الخنساء حينما أرادت أن تعبر عن ذلك قالت: أعيني جودا ولا تجمدا. يعني فالجمود جمود العيون
هو بخل العين عن إنزال الدموع وهذا هو المعروف عند العرب طبعاً الشاعر كيف
يقول: سأطلب بعد الدار لتقربوا، كيف يتمنى البعد ليحصل له القرب، وكيف
يتمنى سكب العين للدموع ليحصل منها البخل أو السرور كما عبر خطأً. يقولون هذا الشاعر ابتلى
كما يزعم طبعاً هو أنه يعني ليس له حظ إذا تمنى شيئاً حصل له خلاف ما
يتمنى، ولذلك قال سأطلب شيئاً خلاف ما أريد حتى يحصل لي ما أريد، فقال:
سأطلب بعد الدار، أنا حتى أتمنى أني أطلب بعد الدار حتى يتحقق لي القرب،
وأطلب من عيني أن تسكب الدموع حتى يحصل لها السرور).
الكشاف التحليلي
معنى الفصاحة وصفًا للكلام
العيب الأول المانع من فصاحة الكلام : التنافر
أنواع التنافر:
النوع الاول : التنافر الشديد
أمثلة النوع الأول
النوع الثاني: التنافر الخفيف
أمثلة النوع الثاني
العيب الثاني المانع من فصاحة الكلام: ضعف التأليف
من أمثلة ضعف التأليف: الإضمار قبل الذكر
مثال الإضمار قبل الذكر
المواضع التي لا يكون الإضمار قبل الذكر فيها ضعفًا في التأليف
ضابط المواضع التي لا يكون الإضمار قبل الذكر فيها ضعف تأليف
العيب الثالث المانع من فصاحة الكلام: التعقيد
أقسام التعقيد:
القسم الأول: التعقيد اللفظي
- أسباب التعقيد اللفظي
- مثال التعقيد اللفظي
القسم الثاني: التعقيد المعنوي
- أسباب التعقيد المعنوي
- أمثلة التعقيد المعنوي