10 Nov 2008
خاتمة: 1: سرقة الكلام
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): (خــاتِمـــةٌ
سَرِقَةُ الكلامِ أنواعٌ:
(منها): أنْ يَأْخُذَ الناثرُ أو الشاعرُ معنًى
لغيرِه بدونِ تغييرٍ لنَظْمِه، كما أَخَذَ عبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيْرِ
بَيْتَيْ مَعْنٍ وادَّعَاهما لنفسِه، وهما:
إذْ أنْتَ لم تُنْصِفْ أخاكَ وجَدْتَهُ ..... على طَرَفِ الْهِجْرانِ إنْ كانَ يَعْقِلُ
ويَركَبُ حَدَّ السيفِ مَنْ تَضِيمُهُ ..... إذا لمْ يكُنْ عنْ شَفْرَةِ السيفِ مَزْحَلُ
دَعِ الْمَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها ..... واقْعُدْ فإنَّكَ أنْتَ الطاعمُ الكاسِي بِيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم ..... شُمُّ الأُنوفِ من الطرازِ الأوَّلِ هَيْهَاتَ لا يأتي الزمانُ بمثلِهِ ..... إنَّ الزمانَ بمثْلِه لَبَخِيلُ والصبرُ يُحْمَدُ في المواطنِ كلِّها ..... إلاَّ عليكَ فإنَّهُ لا يُحْمَــدُ
ومِثلُ هذا يُسَمَّى نَسْخًا وانتحالًا.
ومِن قَبِيلِهِ أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ بما يُرَادِفُها، كأنْ يُقالَ في قولِ الْحُطَيْئَةِ:
ذَرِ المآثِرَ لا تَذهَبْ لِمَطلَبِها ..... واجْلِسْ فإنَّكَ أنْتَ الآكِلُ اللابِسُ
وقريبٌ منهُ:
أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ بما يُضَادُّها في المعنى معَ رعايةِ النظْمِ والترتيبِ، كما لوْ قيلَ في قولِ حسَّانَ:
سُودُ الوجوهِ لئيمةٌ أحسابُهم ..... فُطُسُ الأنوفِ من الطِّرازِ الآخِرِ
ومنها: أنْ يَأخُذَ المعنى ويُغَيِّرَ اللفظَ،
ويكونَ الكلامُ الثاني دونَ الأوَّلِ أوْ مساويًا لهُ، كما قال أبو
الطَّيِّبِ في قولِ أبي تَمَّامٍ:
أعدى الزمانَ سخاؤُه فَسَخَا بهِ ..... ولقدْ يكُونُ بهِ الزمانُ بَخيلاَ
فالْمِصراعُ الثاني مأخوذٌ من الْمِصراعِ الثاني لأبي تَمَّامٍ، والأوَّلُ أجْوَدُ سَبْكًا. ومِثْلُ هذا يُسَمَّى إغارةً ومَسْخًا.
ومنها: أنْ يَأْخُذَ المعنى وحْدَهُ، ويكونَ الثاني دونَ الأوَّلِ، أوْ مُساوِيًا لهُ، كما قالَ أبو تَمَّامٍ في قولِ مَنْ رَثَى ابنَهُ:
وقدْ كانَ يُدْعَى لابسُ الصبرِ حازمًا ..... فأصبَحَ يُدْعَى حازمًا حِينَ يَجْزَعُ
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (خاتمةٌ في سَرِقَةِ الكلامِ وما يَتَّصِلُ بها من الاقتباسِ والتضمينِ ونحوِهما مِمَّا فيهِ إدخالُ معنى كلامٍ سابقٍ في لاحِقٍ
1- سرِقَةُ الكلامِ أنواعٌ عديدةٌ، ذَكَرَ المصنِّفُ منها ما هوَ سَرِقَةٌ ظاهِرَةٌ مذمومةٌ، فقالَ:
منها أنْ يَأْخُذَ الناثِرُ أو الشاعِرُ، فإنَّ
السرِقَةَ كما تكونُ في الشعْرِ تكونُ في غيرِ الشِّعْرِ أيضًا، معنًى
لغيرِه بدونِ تغييرٍ لنَظْمِه، أيْ لكيفيَّةِ الترتيبِ والتأليفِ الواقعِ
بينَ المفرداتِ منهُ، كما أَخَذَ عبدُ اللَّهِ بنُ الزَّبِيرِ، بفَتْحِ
الزايِ وكَسْرِ الباءِ الْمُوَحَّدَةِ، شاعرٌ مشهورٌ، وهوَ غيرُ عبدِ
اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ الصحابيِّ رَضِي اللَّهُ تعَالى عَنْهُ، فإنَّهُ
بِضَمِّ الزايِ وفتْحِ الباءِ؛ ولذا قالَ في الحاشيةِ: الزَّبِيرُ بفتْحٍ
فكَسْرٍ إلخ، بَيْتَيْ مُعَنٍ، بِضَمِّ المِيمِ وَفتْحِ العيْنِ، وهوَ ابنُ
أوْسٍ، وأمَّا مَعْنُ بنُ الزَّائدَةِ فهوَ بفتحِ الميمِ وسكونِ العينِ
كما قالَ في الحاشيَةِ: مُعَنٍ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ إلخ، وادَّعَاهُما لنفسِه،
وهُما:
(إذا أنْتَ لمْ تُنْصِفْ أخاكَ) ، أيْ: لمْ تُعْطِهِ النَّصَفَةَ والعدْلَ، ولمْ تَعْرِفْ حقوقَهُ، (وَجَدْتَهُ على طَرَفِ الْهِجْرَانِ)، بكسْرِ الهاءِ، وإضافةُ الطرَفِ إليهِ بيانيَّةٌ، أيْ على الطرَفِ الذي هوَ الْهِجْرانُ ،(إن كانَ يَعْقِلُ) أيْ: وَجَدْتَهُ هاجِرًا لكَ، ورافضًا صُحْبَتَكَ، إنْ كانَ لهُ عَقْلٌ، (ويَرْكَبُ ) ذلكَ الأخُ الذي لم تُنْصِفْهُ، (حَدَّ السيْفِ)، أيْ: طرَفَهُ القاطِعَ، يعني يَتَحَمَّلُ شدائدَ تُؤَثِّرُ فيهِ تأثيرَ السيوفِ، وتُقَطِّعُهُ تقطيعًا، (منْ أنْ تُضِيمَهُ)، أيْ: بَدَلًا منْ أنْ تَظْلِمَهُ وتُذِلَّهُ ،(إذا لمْ يكُنْ عنْ شَفْرَةِ السيفِ)، أيْ: عنْ ركوبِ حدِّ السيفِ وتَحَمُّلِ الشدائدِ، (مَزْحَلُ) بفتحِ الميمِ والحاءِ المهمَلَةِ، وبينَهما زايٌ مُعْجَمَةٌ، أيْ: بُعْدٌ، بمعنى البُعْدِ والانفصالِ .
فهذانِ بيتانِ منْ قَصيدةِ مُعَنِ بْنِ أَوْسٍ المذكورِ، قدْ سَرَقَها عبدُ
اللَّهِ بنُ الزَّبِيرِ، كما حَكَى أنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ الزَّبِيرِ
دخَلَ على معاويةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالَى عَنْهُ فأَنْشَدَهُ هذينِ
البيتينِ، فقالَ لهُ المعاويةُ: لقدْ شَعُرْتَ (بضَمِّ العينِ)، أيْ صِرْتَ شاعرًا بَعْدِي، (أيْ بعدَ مُلاقاتي الأُولَى) يا أبا بكرٍ ( كُنْيَةٌ لهُ ).
ثمَّ إنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ الزَّبيرِ المذكورَ لم يُفارِق المجلِسَ حتَّى
دَخَلَ مُعَنُ بنُ أَوْسٍ على معاويةَ فأَنْشَدَ بينَ يَدَيْهِ قصيدتَهُ
التي فيها هذانِ البيتانِ، فأَقْبَلَ معاويةُ على عبدِ اللَّهِ بنِ
الزَّبيرِ وقالَ لهُ: أَلَمْ تُجِزْنِي أنَّهُما لكَ ؟ فقالَ: اللفظُ لهُ
والمعنى لِي، وبعدَ هذا فهوَ أخي من الرَّضَاعَةِ، وأنا أَحَقُّ بشِعْرِه .
ومثلُ هذا الأخْذِ والسرِقَةِ يُسَمَّى نَسْخًا وانْتِحَالًا ؛ لأنَّهُ
نَقَلَ كلامَ الغيرِ وادَّعَاهُ لنفسِه. والنَّسْخُ: النقْلُ، يُقالُ:
نَسَخْتُ الكتابَ، أيْ: نَقَلْتُ ما فيهِ إلى كِتابٍ آخَرَ. والانتحالُ:
أنْ تَدَّعِيَ أنَّ ما لغيرِكَ لكَ، يُقالُ: انْتَحَلَ فلانٌ شِعْرَ غيرِه،
إذا ادَّعَاهُ لنفسِه. وهذا النوعُ من السَّرِقَةِ سَرِقَةٌ ظاهِرَةٌ
مذمومةٌ جِدًّا.
ومنْ قَبِيلِه في كونِه سَرِقَةً ظاهرةً مذمومةً أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ
بما يُرَادِفُها، وذلكَ لأنَّ المرادِفَ يُنَزَّلُ منزِلَةَ رَدِيفِه،
فلازِمُ أحدِهما من الْقُبْحِ لازِمٌ للآخَرِ، كأنْ يُقالَ في قولِ
الْحُطَيْئَةِ:
(دَعِ الْمَكَارِمَ)، أيْ: دَعْ طَلَبَها، (لا تَرْحَلْ لبُغْيَتِها)، البُغْيَةُ بكسْرِ الباءِ وضَمِّها بمعنى الحاجةِ والطلَبِ، (واقْعُدْ فإنَّكَ أنتَ الطاعِمُ الكَاسِي)،
أي: الآكِلُ اللابسُ. والمعنى: لسْتَ أَهْلًا للمكارِمِ والمعافي
فَدَعْهَا لغيرِكَ، واقنَعْ بالمعيشةِ، أيْ مُطْلَقِ الأكْلِ والتستُّرِ
باللباسِ.
ذَرِ الْمَآثِرَ لا تَذْهَبْ لِمَطْلَبِها ..... واجْلِسْ فإنَّكَ أنتَ الآكِلُ اللابِسُ
هذا مَقولٌ لأنْ يُقالَ، فقدْ بَدَّلَ كلَّ لفظٍ من البيتِ الأوَّلِ بمرادِفِه؛ فإنَّ ذَرْ مرادفٌ لِدَعْ، والمآثِرَ مرادِفٌ للمكارِمِ، ولا تَذْهَبْ مرادِفٌ لقولِه: لا تَرْحَلْ، ولِمَطْلَبِها مُرادِفٌ لبُغْيَتِها، واجلِسْ مرادِفٌ لاقْعُدْ، والآكِلُ مرادِفٌ للطاعِمِ، واللابسُ مرادِفٌ للكاسِي.
وقريبٌ منهُ، أيْ: وقريبٌ منْ تَبديلِ الألفاظِ بما يُرادِفُها في القبْحِ، أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ بما يُضَادُّها في المعنى معَ رعايةِ النَّظْمِ والترتيبِ لقُرْبِ تناوُلِ ذلكَ التبديلِ، فكانَ في حُكْمِ تبديلِ الألفاظِ بما يُرادِفُها في كونِه سَرِقَةً مذمومةً، كما لوْ قيلَ في قولِ حَسَّانَ بنِ ثابتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالَى عَنْهُ:
(بِيضُ الوُجوهِ كرِيمةٌ أحسابُهم = شُمُّ الْأُنُوفِ)، بضَمِّ الشينِ جَمْعُ أَشَمَّ من الشَّمَمِ، وهوَ ارتفاعُ قَصَبَةِ الأنْفِ معَ استواءٍ في أَعْلَاهُ، وهوَ صفةُ مَدْحٍ عندَ العرَبِ، (من الطِّرازِ الأوَّلِ)، الطِّرازُ: العَلَمُ، والمرادُ ههنا الْمَجْدُ، أيْ: إنَّهُم من النَّمَطِ الأوَّلِ في الْمَجْدِ والشَّرَفِ .
هذا شِعْرُ سيِّدِنا حسَّانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالَى عَنْهُ ، فلوْ قيلَ فيهِ هذا الشعْرُ:
سُودُ الوجوهِ لئيمةٌ أحْسَابُهُم ..... فُطُسُ الْأُنوفِ من الطِّرَازِ الآخِرِ
لكانَ تَبْدِيلًا بالضِّدِّ كما هوَ الظاهِرُ .
ومنها ، أنْ يَأْخُذَ القائلُ الثاني المعنى ويُغَيِّرَ اللفظَ، بحيثُ يَدُلُّ على ذلكَ المعنى بوجْهٍ آخَرَ؛ حتَّى يُقالَ: هذا تركيبٌ آخَرُ، ويكونُ الكلامُ الثاني دونَ الأوَّلِ لفواتِ فضيلةٍ وُجِدَتْ في الأوَّلِ، أوْ مُساويًا لهُ في الْحُسْنِ والفضيلةِ، كما قالَ أبو الطَّيِّبِ في قولِ أبي تَمَّامٍ الواقعِ في مَرْثِيَّةِ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ حينَ استُشْهِدَ في بعضِ غَزَوَاتِه: (هَيهاتَ)، اسمُ فعْلٍ ماضٍ بمعنى بَعُدَ، وفاعِلُه محذوفٌ، أيْ: بَعُدَ إتيانُ الزمانِ بِمِثْلِ الْمَرْثِيِّ الممدوحِ، بقرينةِ قولِه: (لَا يَأْتِي الزمانُ بِمِثْلِه)، أيْ: بمثْلِ ذلكَ الْمَرْثِيِّ، (إنَّ الزمانَ بِمِثْلِهِ لبَخيلُ)، فهذا قولُ أبي تَمَّامٍ قدْ أَخَذَ منهُ أبو الطَّيِّبَ وقالَ:
(أَعْدَى الزمانَ سَخَاؤُهُ)، الإعداءُ أنْ يَتَجَاوَزَ الشيءُ منْ صاحبِه إلى غيرِه، فالمعنى: سَرَى سخاؤُهُ الزمانَ، (فَسَخَا به)، أيْ: فَجَادَ الزمانُ بالممدوحِ، وأَخْرَجَهُ من العَدَمِ إلى الوجودِ، (ولقدْ يكونُ بهِ الزمانُ بخيلًا)، على الثاني بإيجادِه .
فالْمِصْرَاعُ الثاني منْ بيتِ أبي الطَّيِّبِ مأخوذٌ من الْمِصراعِ الثاني لأبي تَمَّامٍ، ولا يَضُرُّ في كونِه مأخوذًا منهُ كونُ البخيلِ في قولِ أبي تَمَّامٍ مُتَعَلِّقًا بالْمِثْلِ، وفي قولِ أبي الطَّيِّبِ متَعَلِّقًا بنفْسِ الممدوحِ؛ لأنَّ الْمِصراعينِ اشْتَرَكَا في الحاصِلِ معَ أنَّ بُخْلَ الزمانِ بِمِثْلِه في قولِ أبي تَمَّامٍ كنايةٌ عنْ بُخْلِه بنفسِه. والأوَّلُ، أيْ قولُ أبي تَمَّامٍ، أجودُ سَبْكًا وخُلُوًّا من التعقيدِ اللفظيِّ والمعنويِّ؛ وذلكَ لأنَّ أبا الطَّيِّبِ عَبَّرَ بصيغةِ المضارِعِ، والمناسِبُ صيغةُ الماضي، بأنْ يُقالَ: ولقدْ كانَ بهِ الزمانُ بخيلًا؛ إذْ لا معنى لكونِه جادَ بهِ الزمانُ وهوَ يَبْخَلُ بهِ في المستقبَلِ، فيَحتاجُ فيهِ إلى أنْ وَضَعَ يكونُ مَوْضِعَ كانَ، فقولُ أبي الطَّيِّبِ معَ كونِه مأخوذًا منْ قولِ أبي تَمَّامٍ مفضولٌ أيضًا .
ومِثْلُ هذا، أيْ أَخْذُ المعنى معَ تغييرِ اللفظِ، وإنْ كانَ الثاني أفْضَلَ من الأوَّلِ يُسَمَّى إغارةً؛ لأنَّهُ أَغَارَ على ما هوَ للغَيْرِ فغَيَّرَهُ عنْ وجْهِه. ومَسْخًا؛ لأنَّهُ بَدَّلَ صورةَ ما لِلْغَيْرِ بصورةٍ أخرى، والغالِبُ كونُها أَقْبَحَ .
والْمَسْخُ في الأصْلِ تبديلُ صورةٍ بما هوَ أَقْبَحُ منها، إلَّا أنَّ الْمُصَنِّفَ لم يَذْكُرْ في هذا النوعِ ما يكونُ الثاني أفْضَلَ من الأوَّلِ معَ كونِه أيضًا منْ أقسامِه ؛ لأنَّهُ بَصَدَدِ بيانِ ما هوَ غيرُ خالٍ عن القُبْحِ والذَّمِّ.
وهذا القِسْمُ من الإغارةِ والْمَسْخِ ممدوحٌ ومقبولٌ؛ لكونِه مُشْتَمِلًا على فضيلةٍ أخْرَجَتْهُ إلى نوعٍ من الإبداعِ .
ومنها، أنْ يَأْخُذَ المعنى وَحْدَه بدونِ شيءٍ من اللفظِ، ويكونُ الثاني دونَ الأوَّلِ أوْ مساويًا لهُ. لم يَذْكُرْ ههنا أيضًا كونَ الثاني أفْضَلَ من الأوَّلِ للوجهِ الذي عَرَفْتَهُ، كما قالَ أبو تَمَّامٍ في قَوْلِ مَنْ رَثَى ابنَهُ:
والصبْرُ يُحْمَدُ في المواطِنِ كُلِّها ..... إلَّا عليكَ فإنَّهُ لا يُحْمَدُ
وقدْ كانَ يُدْعَى لابِسُ الصبْرِ حازِمًا ..... فأَصْبَحَ يُدْعَى حازمًا حينَ يَجْزَعُ
فهذا البيتُ منْ أبي تَمَّامٍ، وإنْ كانَ لفظُهُ غيرَ لفظِ الأوَّلِ، لكنَّ معناهُ معنى الأوَّلِ؛ فإنَّ كُلًّا من البيتينِ أَفادَ أنَّ الصبْرَ معَ كونِه ممدوحًا في نفسِه ليسَ بممدوحٍ بالنِّسبةِ إلى الْمَرْثِيِّ، لكنَّ الأوَّلَ أوْضَحُ دَلالةً على هذا المعنى، وأَخْصَرُ لَفْظًا كما لا يَخْفَى، فهوَ أَجْوَدُ من الثاني.
وهذا يُسَمَّى إلمامًا، منْ أَلَمَّ بالمنزِلِ إذا نَزَلَ به، ويُعَبَّرُ بهِ عن القَصْدِ كما ههنا؛ فإنَّ القائِلَ الثانيَ قدْ قَصَدَ أَخْذَ المعنى منْ لفْظِ غيرِه .
وسَلْخًا، وهوَ في اللغةِ كَشْطُ الْجِلْدِ عن الشاةِ، فكأنَّهُ كَشَطَ عن المعنى جِلْدًا وأَلْبَسَهُ جِلْدًا آخَرَ؛ فإنَّ اللفظَ للمعنى بمنزِلَةِ الْجِلْدِ واللِّبَاسِ).
شرح دروس البلاغة للشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
قال الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي: (فالسرقة نوع آخر من أنواع البديع، وهي السرقات، أن يؤخذ الكلام السابق فيفرغ من ألفاظه وتدرج معانيه بألفاظ أخرى فيُسرق دون أن يذكر ما يدل على أنه للسابق، فالسرقات كثيرة، فمثلاً وصف النابغة الطير فوق الجيش في قوله:
إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم ..... عصائب طير تهتدي بعصائب
يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم ..... من الضاريات في الدماء الدواربي
لهن عليهم عادة قد عرفنها ..... إذا عرضوا الخطية فوق الكواكب
فسرق هذا المعنى المتنبي حين قال:
ولي لجب (غير مسموع) أمامه بناجٍ ..... ولا الوحش المزار بسالم.........
تدور عليه الشمس وهي كليلة ..... تنازعه من بين ريش القشاعم
إذا ضوءها لاقى من الطير فرجة ..... تدوَّر بين البيض مثل الدراهم
وسرقة أبو تمام بقوله:
أقامت مع الرايات حتى كأنها ..... من الجيش إلا أنها لم تقاتل
وقد ضللت عقبان أعلامه ضحى ..... بعقبان طير بالدماء نواهل
أقامت مع الرايات حتى كأنها ..... من الجيش إلا أنها لم تقاتل
لكن كانت السرقات هنا حسنة جداً، فالمتنبي أضاف إلى سرقته حسناً وهو وصف ضوء الشمس على الأرض من بين الطير والجيش كما ذكرنا بالأمس في التشبيه، والمتنبي أضاف.. أقصد أبو تمام أضاف معنى جديدا، وهو أن الطير كأنها من الجيش، لأنها تمشي معهم،
أقامت مع الرايات حتى كأنها ..... من الجيش إلا أنها لم تقاتل).
شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (الدرس الخامس والعشرون
بسم الله الرحمن
الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله
وصحبه أجمعين، أما بعد؛ الدرس الخامس والعشرون والأخير.
قال المؤلفون –رحمهم الله تعالى-:
خــاتِمـــةٌ
1- سَرِقَةُ الكلامِ أنواعٌ:
(منها): أنْ يَأْخُذَ الناثرُ أو الشاعرُ
معنًى لغيرِه بدونِ تغييرٍ لنَظْمِه، كما أَخَذَ عبدُ اللَّهِ بنُ
الزَّبِيرِ بَيْتَيْ مُعَنٍ وادَّعَاهُما لنفسِه، وهُما:
إذْ أنْتَ لم تُنْصِفْ أخاكَ وجَدْتَهُ على طَرَفِ الْهِجْرانِ إنْ كانَ يَعْقِلُ
ويَركَبُ حَدَّ السيفِ مَنْ أَنْ تُضِيمَهُ إذا لمْ يكُنْ عنْ شَفْرَةِ السيفِ مَزْحَلُ
ومِثلُ هذا يُسَمَّى نَسْخًا وانتحالًا).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله،
وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن
اهتدى بهداه إلى يوم الدين، وبعد؛
فقد جرت عادة البلاغيين أن يختموا حديثهم في البلاغة، بعرض بعض القضايا
التي لا تدخل في قضايا علم المعاني، ولا علم البيان، ولا علم البديع، مما
له صلةُ بقضية الكلام، ومن أبرز هذه القضايا ما يسمى بالسرقات الأدبية.
السرقات الأدبية هي ما يأخذهُ شاعرٌ عن شاعر، أو ناثرٌ عن شاعر، يأخذ
الكلام بنصه ومعناه، أو يأخذ الكلام بنصهِ دون معناه؛ كأن يوظفه في معنًا
آخر، أو يأخذ المعنى يأخذ بعض اللفظ، وكل المعنى، أو يأخذ بعض اللفظ وبعض
المعنى، وغير ذلك من الألوان التي قسمها البلاغيون، كما سيأتي بعد قليل.
ذكر المؤلفون هنا أن من هذه الخاتمة التي يذكرونها، ما يتصل بشرفة
الكلام، وأن ذلك أنواع من ما يدخل في نطاق السرقة الأدبية عندهم، كما يذكر
أن يأخذ الناثر أو الشاعر، يعني الآخذ إما أن يكون ناثرًا، أو شاعرًا معنًا
لغيره، دون تغييرٍ لنظم، يعني خذه بالنص والمعنى.
كما أخذ عبد الله بن الزّبير، وهو شاعر غير الصحابي المشهور عبد الله بن
الزبير –رضي الله عنه- أخذ بيت معنى ابن أوس وادعاهما لنفسه، وهما:
إذْ أنْتَ لم تُنْصِفْ أخاكَ وجَدْتَهُ ..... على طَرَفِ الْهِجْرانِ إنْ كانَ يَعْقِلُ
ويَركَبُ حَدَّ السيفِ مَنْ أَنْ تُضِيمَهُ ..... إذا لمْ يكُنْ عنْ شَفْرَةِ السيفِ مَزْحَلُ
هنا عبد الله بن الزَبير أخذ هذين البيتين، طبعًا المؤلفون يقولون
أدعهما لنفسه، أو ربما إذا أراد الإنسان أن يحسن الظن، يقول: أنه تمثل
بهما، التمثل غير الإدعاء، التمثل أن يقول الإنسان مما يحفظ من ككلام الناس
الآخرين، دون أن يسمي قائله، وليس شرطًا أن يدعي ذلك لنفسه.
إذا كان مدعيًا لذلك، وأنه يقول إنني صاحب هذين البيتين، فهذا يسمى نسخًا
وانتحالًا عند البلاغيين، ولكن أقول: ورد عند ابن رشيق القيرواني في كتاب
العمدة في صناعة الشعر وآدابه ونقده، قضية أثارها في مثل هذه المسألة، فعرض
إلى مسألة توافق بعض الشعراء في بعض الأبيات، فهل هذا يسمى انتحال، أو نسخ
كما سماه المؤلفون؟
حقيقةً هذا يرجع إلى: كيف نتعامل مع الذي نطق هذه الأبيات، أهو مدعٍ لها
أو أنه نظمها فعلًا؟ لأنه يوجد في بعض النصوص الأدبية القديمة، ما كان
الاتفاق فيه كبيرًا، وما كان الاتفاق فيه تامًا، وهذا يسمى وقع الحافر على
الحافر.
ولذلك يقولون: "تلاقت عقول الرجال"، معانٍ عامة نظم فيها أناس ينتمون إلى
بيئة واحدة، سيتفقون في نسبة كبيرة منها، ويبقى المجال مجال اجتهادٍ
للناقد في الحكم على صاحب النص، إن كان مدعيًا، أو ناسخًا، أو منتحلًا، كما
أسلف، لكن الحكم على هذا يحتاج إلى شيء من الحيطة والحذر؛ حتى لا يتهم
أناس ربما كانوا اتفقوا مع غيرهم دون أن يقصدوا ذلك.
وفيه أبيات لمريء القيس وطرفه تكاد تتفق؛ إلا في كلمة القافية، يمكن
يقولون: لا تهلك أسًا، وتجد عند أمريء القيس وتجمل في الشعر العربي في
الجاهلية؛ مع أن الشاعرين ربما كانا متعاصرين مما يصعب معه مسألة الأخذ
المباشر، أو التأثير المباشر.
الشاهد هنا: أن الحكم في مثل هذه القضايا يحتاج إلى شيءٍ من والحذر، وعدم المجازفة في اتهام؛ إلا مع وجود دليل).
القارئ: (ومِن قَبِيلِهِ أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ بما يُرَادِفُها، كأنْ يُقالَ في قولِ الْحُطَيْئَةِ:
دَعِ الْمَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها ..... واقْعُدْ فإنَّكَ أنْتَ الطاعمُ الكاسِي
ذَرِ المآثِرَ لا تَذهَبْ لِمَطلَبِها ..... واجْلِسْ فإنَّكَ أنْتَ الآكِلُ اللابِسُ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا افتراضٌ من المؤلفين؛ لأن يجعلوا من ضِمن ما يسمى وما يدخل في النسخ والانتحال اللجوء إلى أبياتٍ مشهورة، وتعديل بعض ألفاظها وقولها؛ لتكون مؤديةً للمعنى نفسه، كما قال الْحُطَيْئَةِ عفا الله عنه وعنه: (دَعِ الْمَكارِمَ)؛ يقصد الزبرقان بن بدر رضي الله عنه-:
دَعِ الْمَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها واقْعُدْ فإنَّكَ أنْتَ الطاعمُ الكاسِي
يقول المؤلف هنا: لو أن قائلًا قال:
ذَرِ المآثِرَ لا تَذهَبْ لِمَطلَبِها ......واجْلِسْ فإنَّكَ أنْتَ الآكِلُ اللابِسُ
هذه معني البيت الثاني هو نفسه معنى البيت الأول، ولكن غُيرت بعض الألفاظ، ولذلك يصنفونه إلى الانتحال أو النسخ). القارئ: (وقريبٌ منهُ: أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ بما يُضَادُّها في المعنى معَ رعايةِ النظْمِ والترتيبِ، كما لوْ قيلَ في قولِ حسَّانَ: بِيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم ..... شُمُّ الأُنوفِ من الطرازِ الأوَّلِ سُودُ الوجوهِ لئيمةٌ أحسابُهم ......فُطُسُ الأنوفِ من الطِّرازِ الآخِرِ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (وهذا اللون آكد من الأشياء المفترضة التي يفترض المؤلفون –رحمهم الله- أنها ربما حدثت، وهي تبديل الألفاظ بما يضادها في المعنى؛ مع رعاية النظم والترتيب، كما لو ناظر إلى قول حسان –رضي الله عنه-:
بِيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم ..... شُمُّ الأُنوفِ من الطرازِ الأوَّلِ
يقول ذلك القائل:
سُودُ الوجوهِ لئيمةٌ أحسابُهم ...... فُطُسُ الأنوفِ من الطِّرازِ الآخِرِ
هذا افتراض أن قائلًا لجأ إلى هذا، هذا مما يدخل في اللون الذي يسمى نسخًا، أو انتحالًا).
القارئ: (ومنها: أنْ يَأخُذَ المعنى ويُغَيِّرَ اللفظَ، ويكونَ الكلامُ الثاني
دونَ الأوَّلِ أوْ مساويًا لهُ، كما قال أبو الطَّيِّبِ في قولِ أبي تَمَّامٍ:
هَيْهَاتَ لا يأتي الزمانُ بمثلِهِ .....إنَّ الزمانَ بمثْلِه لَبَخِيلُ
أعدى الزمانَ سخاؤُه فَسَخَا بهِ..... ولقدْ يكُونُ بهِ الزمانُ بَخيلَا
فالْمِصراعُ الثاني مأخوذٌ من الْمِصراعِ الثاني لأبي تَمَّامٍ، والأوَّلُ أجْوَدُ سَبْكًا. ومِثْلُ هذا يُسَمَّى إغارةً ومَسْخًا).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (هذا صنفٌ من السرقات الأدبية يسمى: الإغارة والمسخ، والإغارة أني يغير على معنًا كان موجودًا، ويمسخه لا يذكره بمثل ما كان عليه في أصله، بل يكون أقل مما ورد في الأصل، وأما مسألة المساوي فقد لا تتلاءم مع كلمة مسخ، لكنها صُنفت في قول المؤلفين مع الإغارة.
ومثلوا لذلك بقول أبي تمام:
هَيْهَاتَ لا يأتي الزمانُ بمثلِهِ .....إنَّ الزمانَ بمثْلِه لَبَخِيلُ
يقولون إن أبا الطيب حينما قال:
أعدى الزمانَ سخاؤُه فَسَخَا بهِ ..... ولقدْ يكُونُ بهِ الزمانُ بَخيلَا
يقول المصراع الثاني قوله: (ولقدْ يكُونُ بهِ الزمانُ بَخيلَا)؛ أقل جودةً من قول أبي تمام: (إنَّ الزمانَ بمثْلِه لَبَخِيلُ)؛ قول أبي تما أجود، فمعنى ذلك أن أبا الطيب لم يكن حينما أغار على قول أبي تمام لم يكن متجاوزًا معنى أبي تمام، ولذلك كان دونه وقد أخذه مسخه ولم يصل إلى درجته في الجودة.
فالقاعدة أيضًا عند البلاغيين: أن الإنسان إذا غار على معنًا كان موجودًا قبله، وأظهره بمظهرٍ أقل من السابق، وهذا يعد مسخًا).
القارئ: (ومنها: أنْ يَأْخُذَ المعنى وحْدَهُ، ويكونَ الثاني دونَ الأوَّلِ أوْ مُساوِيًا لهُ، كما قالَ أبو تَمَّامٍ في قولِ مَنْ رَثَى ابنَهُ:
والصبرُ يُحْمَدُ في المواطنِ كلِّها إلَّا عليكَ فإنَّهُ لا يُحْمَــدُ
وقدْ كانَ يُدْعَى لابسُ الصبرِ حازمًا فأصبَحَ يُدْعَى حازمًا حِينَ يَجْزَعُ
وهذا يُسَمَّى إلْمَامًا وسَلْخًا).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (وهذا لونٌ آخر من السرقات الأدبية يسميه البلاغيون "الإلمام والسلخ"ن وهو أن يأتي إلى المعنى بدون اللفظ فلا يستعين بالألفاظ، وإنما يأخذ المعنى، ولكنه أيضًا لا يعرضه بعرضًا مساويًا للمصدر الذي أخذ عنه، وإنما يكون مثله أو دونه، وهذا يسمى الإلمام والسلخ؛كأنه ألم بما ورد عند غيره وسلخه دون أن يضيف عليه ما يضيف، ومن ذلك قول الراثي ابنه:
والصبرُ يُحْمَدُ في المواطنِ كلِّها إلَّا عليكَ فإنَّهُ لا يُحْمَــدُ
وهذا طبعًا لا يوافق الصبر محمود، كما هو معروف ولا يوافق الشاعر، ولكن هذا من لون المبالغة التي يريد أن يظهر فيها شدة حزنه وتأثره بفقد ابنه، يقول أبو تمام بعد أن ألمَّ بمعنى السابق:
وقدْ كانَ يُدْعَى لابسُ الصبرِ حازمًا فأصبَحَ يُدْعَى حازمًا حِينَ يَجْزَعُ
وهنا أبو تمام أخذ من البيت السابق، لكنه لم يتجاوزه كما يرى ذلك البلاغيون والنقاد، ولهذا يسمى هذا اللون الإلمام والسلخ.
إذًا هي ثلاث سرقات:
النسخ والانتحال: وهو أخذ المعنى واللفظ.
والإغارة والمسخ: وهي اخذ بعض ألفاظ، وأن يكون النظم دون النظم الأول.
الإلمام والسلخ: أن يكون المأخوذ هو المعنى، ولكن أيضًا لا يصل الآخذ إلى درجة المأخوذ عنه).
الكشاف التحليلي
عناصر الدرس الحادي والعشرون :
خاتمةٌ في سَرِقَةِ الكلامِ وما يَتَّصِلُ بها من الاقتباسِ والتضمينِ ونحوِهما مِمَّا فيهِ إدخالُ معنى كلامٍ سابقٍ في لاحِقٍ
· هذه الخاتمة يذكر فيها أهل البلاغة التأنق؛ أي طلب الحسن في الكلام في مواطن محددة إذْ أنْتَ لم تُنْصِفْ أخاكَ وجَدْتَهُ ..... على طَرَفِ الْهِجْرانِ إنْ كانَ يَعْقِلُ - دَعِ الْمَكارِمَ لا تَرْحَلْ لِبُغْيَتِها ..... واقْعُدْ فإنَّكَ أنْتَ الطاعمُ الكاسِي - بِيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم ..... شُمُّ الأُنوفِ من الطرازِ الأوَّلِ هَيْهَاتَ لا يأتي الزمانُ بمثلِهِ ..... إنَّ الزمانَ بمثْلِه لَبَخِيلُ والصبرُ يُحْمَدُ في المواطنِ كلِّها ..... إلاَّ عليكَ فإنَّهُ لا يُحْمَــدُ
· مواطن التأنق: الابتاء والتخلص والانتهاء، ونظمها السيوطي
· سرقة الكلام
§ سرِقَةُ الكلامِ أنواعٌ عديدةٌ
§ السرقة كما تكون في الشعر تكون في النثر
§ النوع الأول:أنْ يَأْخُذَ الناثرُ أو الشاعرُ معنًى لغيرِه بدونِ تغييرٍ لنَظْمِه
° ومِثلُ هذا يُسَمَّى نَسْخًا وانتحالاً.
- والنَّسْخُ: النقْلُ، يُقالُ: نَسَخْتُ الكتابَ، أيْ: نَقَلْتُ ما فيهِ إلى كِتابٍ آخَرَ.
- والانتحالُ: أنْ تَدَّعِيَ أنَّ ما لغيرِكَ لكَ، يُقالُ: انْتَحَلَ فلانٌ شِعْرَ غيرِه، إذا ادَّعَاهُ لنفسِه.
° وهذا النوعُ من السَّرِقَةِ سَرِقَةٌ ظاهِرَةٌ مذمومةٌ جِدًّا.
° ما أَخَذَ عبدُ اللهِ بنُ الزَّبَيْرِ بَيْتَيْ مَعْنٍ وادَّعَاهما لنفسِه، وهما:
ويَركَبُ حَدَّ السيفِ مَنْ تَضِيمُهُ ..... إذا لمْ يكُنْ عنْ شَفْرَةِ السيفِ مَزْحَلُ
- مُعن بن أوس بضم الميم وفتح العين شاعر، وليس هو مَعْن بن زائدة
- قصة هذين البيتين
° يدخل في هذا:أنْ تُبَدَّلَ الألفاظُ بما يُرَادِفُها، كأنْ يُقالَ في قولِ الْحُطَيْئَةِ:
- ذَرِ المآثِرَ لا تَذهَبْ لِمَطلَبِها ..... واجْلِسْ فإنَّكَ أنْتَ الآكِلُ اللابِسُ
- سُودُ الوجوهِ لئيمةٌ أحسابُهم ..... فُطُسُ الأنوفِ من الطِّرازِ الآخِرِ
° ومِثْلُ هذا يُسَمَّى إغارةً ومَسْخًا.
- يُسَمَّى إغارةً؛ لأنَّهُ أَغَارَ على ما هوَ للغَيْرِ فغَيَّرَهُ عنْ وجْهِه
- ومَسْخًا؛ لأنَّهُ بَدَّلَ صورةَ ما لِلْغَيْرِ بصورةٍ أخرى، والغالِبُ كونُها أَقْبَحَ.
- والْمَسْخُ في الأصْلِ تبديلُ صورةٍ بما هوَ أَقْبَحُ منها،
° كما قال أبو الطَّيِّبِ في قولِ أبي تَمَّامٍ:
أعدى الزمانَ سخاؤُه فَسَخَا بهِ ..... ولقدْ يكُونُ بهِ الزمانُ بَخيلا
° إلاَّ أنَّ الْمُصَنِّفَ لم يَذْكُرْ في هذا النوعِ ما يكونُ
الثاني أفْضَلَ من الأوَّلِ معَ كونِه أيضًا منْ أقسامِه؛ لأنَّهُ
بَصَدَدِ بيانِ ما هوَ غيرُ خالٍ عن القُبْحِ والذَّمِّ.
- وهذا القِسْمُ من الإغارةِ والْمَسْخِ ممدوحٌ ومقبولٌ؛ لكونِه مُشْتَمِلاً على فضيلةٍ أخْرَجَتْهُ إلى نوعٍ من الإبداعِ.
§ النوع الثالث: أن ياخذ المعنى وحده ويكونَ الثاني دونَ الأوَّلِ، أوْ مُساوِيًا لهُ
° وهذا يُسَمَّى إلْمَامًا وسَلْخًا.
- إلمامًا، منْ أَلَمَّ بالمنزِلِ إذا نَزَلَ به، ويُعَبَّرُ بهِ عن
القَصْدِ كما ههنا؛ فإنَّ القائِلَ الثانيَ قدْ قَصَدَ أَخْذَ المعنى منْ
لفْظِ غيرِه.
- وسَلْخًا، وهوَ في اللغةِ كَشْطُ الْجِلْدِ عن الشاةِ، فكأنَّهُ
كَشَطَ عن المعنى جِلْدًا وأَلْبَسَهُ جِلْدًا آخَرَ؛ فإنَّ اللفظَ للمعنى
بمنزِلَةِ الْجِلْدِ واللِّبَاسِ.
° مثاله: ما قالَ أبو تَمَّامٍ في قولِ مَنْ رَثَى ابنَهُ:
وقدْ كانَ يُدْعَى لابسُ الصبرِ حازمًا ..... فأصبَحَ يُدْعَى حازمًا حِينَ يَجْزَعُ