النكرة
قال المؤلفون؛ حفني بن إسماعيل بن خليل ناصفٍ (ت: 1338هـ)، ومحمَّدُ ديابٍ بن إسماعيل بن درويش (ت: 1340هـ)، وسلطانُ محمَّدٍ (ت: بعد 1329هـ)، ومصطفى طَمُومٍ (ت: 1354هـ): ( (وأمَّا
النكِرةُ)، فَيُؤْتَى بها إذا لمْ يُعْلَمْ للمَحْكيِّ عنهُ جهةُ تعريفٍ،
كقولِكَ: جاءَ ههنا رجلٌ، إذا لم يُعْرَفْ ما يُعيِّنُهُ منْ عِلْمٍ أوْ
صِلَةٍ أوْ نحوِهما. وقدْ يُؤتَى بها لأغراضٍ أُخْرَى:
1- كالتكثيرِ والتقليلِ، نحوُ: لفلانٍ مالٌ ورِضوانٌ من اللَّهِ أكبرُ، أيْ: مالٌ كثيرٌ ورِضوانٌ قليلٌ.
2- والتعظيمِ والتحقيرِ، نحوُ:
لهُ حاجبٌ عنْ كلِّ أمْرٍ يَشينُهُ * وليسَ لهُ عنْ طالِبِ العُرْفِ حاجبُ
3- والعمومِ بعدَ النفْيِ، نحوَ: {مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ}؛ فإنَّ النكِرةَ في سياقِ النفيِ تَعُمُّ.
4- وقَصْدِ فرْدٍ مُعَيَّنٍ أوْ نوعٍ كذلكَ، نحوَ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ}.
5- وإخفاءِ الأمْرِ، نحوُ: قالَ رجلٌ: إنَّكَ انْحَرَفْتَ عن الصوابِ. تُخْفي اسمَهُ حتَّى لا يَلْحَقَهُ أَذًى).(دروس البلاغة)
شموس البراعة للشيخ: أبي الأفضال محمد فضل حق الرامفوري
قال الشيخ أبو الأفضال محمد فضل
حق الرامفوري (ت: 1359هـ): (وأمَّا
النكِرَةُ فيُؤْتَى بها إذا لمْ يُعْلَمْ للمَحْكِيِّ عنهُ جهةُ تعريفٍ،
إمَّا حقيقةً، كقولِكَ: جاءَ ههنا رجلٌ، إذا لمْ تَعْرِفْ ما يُعَيِّنُهُ
منْ علَمٍ أوْ صِلَةٍ ونحوِهما، فيكونُ التنكيرُ ههنا لعَدَمِ القدرَةِ على
أَزْيَدَ منْ ذلكَ .
أو ادِّعاءً، وذلكَ بأنْ تَتَجَاهَلَ وتُريدَ تَخييلَ أنَّكَ لا تَعْرِفُ منهُ إلَّا جنسَهُ، نحوَ قولِه تعالى: { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ }
الآيةَ، فنَكَّرُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ معَ أنَّهُ عليهِ
السلامُ كانَ أَشْهَرَ عندَهم من الشمسِ تَجَاهُلًا، كأنَّهُم لمْ يكونوا
يَعْرِفونَ منهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إلَّا أنَّهُ رَجُلٌ ما .
وقدْ يُؤْتَى بها لأغراضٍ أُخْرى:
كالتكثيرِ والتقليلِ، أيْ كإفادةِ تكثيرِ معناهُ وتقليلِه لمناسَبَةِ
المقامِ ذلكَ التكثيرَ أو التقليلَ، نحوَ: لفلانٍ مالٌ، ورضوانٌ من اللَّهِ
أكبرُ. فالتنكيرُ في الأوَّلِ للتكثيرِ، وفي الثاني للتقليلِ على ما
يَقتضِيهِ المقامُ، أيْ: مالٌ كثيرٌ، ورضوانٌ قليلٌ .
والتعظيمِ والتحقيرِ، والفرْقُ بينَ التعظيمِ والتكثيرِ أنَّ التعظيمَ
راجعٌ إلى رِفْعَةِ الشأنِ وعِزَّةِ القَدْرِ، والتكثيرَ راجعٌ إلى
الْكَمِّيَّاتِ في المقاديرِ والأعدادِ. وكذا الفرْقُ بينَ
مُقَابِلَيْهِمَا، وهما التحقيرُ والتقليلُ، أنَّ الأَوَّلَ يرْجِعُ إلى
الامتهانِ ودَناءةِ القدْرِ، والثاني إلى قلَّةِ الأفرادِ والأجزاءِ،
إمَّا حقيقةً أوْ تَقْدِيرًا كما في الرضوانِ، نحوَ:
لهُ حاجِبٌ عنْ كلِّ أمْرٍ يَشِينُهُ ....... وليسَ لهُ عنْ طالِبِ العُرْفِ حاجبُ
فإنَّ التنكيرَ في الحاجبِ الأوَّلِ للتعظيمِ، وفي الثاني للتحقيرِ؛ لأنَّ مقامَ المدحِ يَقْتَضِي أنَّ الحاجبَ، أي المانعَ، عنْ كلِّ ما يَشِينُ، أيْ يَعيبُ، الممدوحَ عظيمٌ، والحاجبُ عن المعروفِ والإحسانِ يَنْسَلِبُ حقيرُه، فكيفَ عظيمُهُ ؟!شرح دروس البلاغة الكبرى للدكتور محمد بن علي الصامل (مفرغ)
القارئ: (وأما النكرة فيؤتى بها إذا لم يعلم للمحكيّ عنه جهة تعريف، كقولك: (جاء هاهنا رجل) إذا لم يعرف ما يعينه من علم أو صلة أو نحوهما/ وقد يؤتى بها لأغراض أخرى كالتكثير).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (النكرة هي الاسم المقابل للمعرفة، فالأسماء إما أن تكون معارف وهي داخلة
في الأنواع التي أشير إليها آنفاً، أو تكون نكرات تدل على تحديد عام لكن لا
تدل على ذاتٍ معينة، تحديد عام لكن لا تدل على ذات محددة، ولهذا كلمة رجل
هي في مقابل المرأة تحدد جنس الرجال، لكنها لا تحدد ذاتاً بعينها وكلمة
(امرأة) امرأة تقابل الرجل لكنها لا تقابل بل لا تحدد ذاتاً معينة، ويمكن
أن يفهم منها من حيث العددي يعني رجل واحد مقابل لاثنين، فيكون تخصيصاً
للعدد مع أنها نكرة لكن السياق هو الذي يدل على الاستخدام، فإذاً كلمة نكرة
تدل على أن الكلمة تدل على صفة مشتركة بين مجموعة من الأفراد لا يمكن أن
يميز بعضهم وربما اتسع الفهم في دلالة هذه المفردة عن غيرها من [ غير واضح
]، معرفة تحدد الذات، النكرة لا تحدد، ولذلك الباب في فهم النكرة مطلقٌ
واسع).
القارئ: (وقد يؤتى بها لأغراض أخرى كالتكثير والتقليل، نحو: (لفلان مال) (ورضوان من الله أكبر)، أي: مال كثير ورضوان قليل).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (نظراً لأن لفظ النكرة يحتمل لأنه غير مقصود فيحتمل الزيادة ويحتمل النقص،
فالذي يعين على ذلك هو السياق، فاحتمال أن تدل النكرة على التقليل لأنها
غير محدد أو على التكثير أيضاً لأنها كذلك غير محددة، (لفلان مالٌ) لو
تقول: (لفلان مالٌ)، المال هذا ما ذكر أن لفلان مالٌ إلا لأن المراد به
وصفه بالغنى، والوصف بالغنى يدل على أن المال عنده كثير، وحينما يقال:
(ورضوان من الله أكبر)، رضوان قليل من الله أكبر من كل النعم الذي ورد في
الآية الكريمة من المساكن والجنات، ما سبق كلمة (رضوان من الله أكبر)، يقول
البلاغيون: هنا الغرض هو ذكر قليلٍ من رضوان الله عز وجل يكون أكبر مما
ذكر [ غير واضح ]، وهنا ورد عن السكاك وغيره من الذين عرضوا لهذه الآية:
يقولون: (أكبر من كل نعيم)، في تفسيرهم {ورضوان من الله أكبر}،
يقولون: (أكبر من كل نعيم)، حتى يدخلوا مسألة الرؤية في هذه القضية، ولكن
من العدل أن تربط أكبر بما قبلها أكبر مما ذكر في هذه الآية).
القارئ: (والتعظيم والتحقير، نحـو:
لـه حـاجـبٌ عـن كل أمر يشـيـنه وليس له عن طالب العرف حاجب).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (التعظيم والتحقير يقول استشهدوا له بقول الشاعر:
لـه حـاجـبٌ عـن كل أمر يشـيـنه وليس له عن طالب العرف حاجب
طالب العرف: طالب العطاء. وردت كلمة (حاجب) مرتين : المرة
الأولى: (له حاجب عن كل أمرٍ يشينه) ثم (وليس له عن طالب العرف حاجب)، نلحظ
أن (حاجب) ما تغيرت لكن اختلفت الدلالة لأننا لو نظرنا إلى هذا البيت فهو
وصف للفتى الذي: لا يـبـالي المـدلـجــون بســيـره على ضوءه ألا تضيء الكواكب
(فتىً له حاجب عن
كل أمرٍ يشيـنــه)، حينما يكون الأمر حينما يكون الحاجب عن الأمور التي
تشين هذا الممدوح فإن الحاجب يكون ضخماً قوياً عظيماً، فهذا مما يتلاءم مع
المدح، (وليس له عن طالب العرف حاجب)، طالب العرف: طالب الصدقة طالب
الأعطية، حاجب: يعني ليس له أدنى حاجب بينه وبين الذين يأتون لاستجدائه
وأخذ أعطياته، إذاً كلمة (حاجب) هنا وردت مرتين: مرة يراد بها التعظيم؛ لأن
هذا الرجل الممدوح يتلاءم مع قولنا: (له حاجب) حاجب عظيم ضخم يفصله عن كل
أمر يمكن أن يشينه، أما حينما يكون الأمر يفصل بينه وبين من يأتي إليه يطلب
عرفه يطلب معروفه فليس له أدنى حاجب).
القارئ: ( (تشويش) والعموم بعد النفي، نحو: {ما جاءنا من بشير}، فإن النكرة في سياق النفي تعم).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: ( (تشويش)
{ما جاءنا من بشير}، (بشير): نكرة، و من أقوال العلماء: أن النكرة في سياق
النفي تعم، فيعني لم يأتنا أي إنسان يمكن أن يتصف بصفة البشرى، فكأن هذا
نوع من التعميم وايستفاد من مجيء النكرة في حيز النفي).
القارئ: (وقصد فردٍ معين أو نوعٍ كذلك، نحو: {والله خلق كل دابةٍ من ماء} ).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: ( (تشويش) الله سبحانه وتعالى خلق كل شيء ولكن هنا (الدابة) تحديد لنوع هذا
المخلوق، (الدابة): ما دب على الأرض، فالغرض هو الحديث عن هذا النوع من
مخلوقات الله جل وعلا ولذلك تم تحديده بالدابة).
القارئ: ( (تشويش) وإخفاء الأمر، نحو: (قال رجل: إنك انحرفت عن الصواب)، تخفي اسمه حتى لا يلحقه أذى).
قال الدكتور محمد بن علي الصامل: (من
الأمور التي تستخدم النكرة لها: (قال رجل) الذي قال من جنس الرجال لكنه غير
محدد حتى لا يقع عليه ضرر أو يتهم بأمر، ولذلك المقصود هو إخفاء الأمر عن
المخاطب.
وقبل أن أختم الحديث عن النكرة عن التنكير أغراض التنكير، أريد أن أشير إلى مسألة وهو ما أثر في تفسير قول الله جل وعلا: {فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً}، حينما قيل: لن يغلب عسر يسرين.
لو تأملنا هذه الآية الكريمة
سنجد أن كلمة عسر وردت مرتين، وكلمة يسر وردت مرتين كذلك، فلماذا قيل: لن
يغلب عسرٌ يسرين؟ لماذا تحولت كلمات العسر إلى كلمة واحدة؟ ولماذا بقيت
كلمة اليسر دالة على نوعين؟
الحقيقة هذا ينصرف إلى تعريف العسر، { فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر}،
العسر الثاني هو نفسه العسر الأول، لماذا؟ لأنه معرفة والمعرفة واحدة إذا
قيلت في الثانية يعني أنها هي الأولى، أما (يسر) فلكون الأولى غير معروفة
والثانية غير معروفة، صار هذا يسر وذاك يسر ولهذا من التنكير بقي اليسر أعم
وأكثر من العسر وهذا من فضل الله جل وعلا.. (يوجد تشويش أثناء الكلام).
القارئ: (بارك الله فيكم ونفع الله بعلمكم).
الكشاف التحليلي
- الكلام عن النكرة تفصيلاً
- فَيُؤْتَى بالنكرة
إذا لمْ يُعْلَمْ للمَحْكيِّ عنهُ جهةُ تعريفٍ، كقولِكَ: جاءَ ههنا رجلٌ،
إذا لم يُعْرَفْ ما يُعيِّنُهُ منْ عِلْمٍ أوْ صِلَةٍ أوْ نحوِهما
- قد يؤتى بالنكرة لأغراض أخرى:
- لغرض التكثير والتقليل، ومثاله:لفلان مال ورضوان من الله أكبر، أي مال كثير ورضوان قليل
- لغرض التعظيم والتحقير، ومثاله:لهُ حاجبٌ عنْ كلِّ أمْرٍ يَشينُهُ * وليسَ لهُ عنْ طالِبِ العُرْفِ حاجبُ
- لغرض العموم بعد النفي، ومثاله:{ما جاءنا من بشير}
- لغرض قصد فرد معين أو نوع كذلك، ومثاله:{والله خلق كل دابة من ماء}
- لغرض إخفاء الأمر، ومثاله:قالَ رجلٌ: إنَّكَ انْحَرَفْتَ عن الصوابِ. تُخْفي اسمَهُ حتَّى لا يَلْحَقَهُ أَذًى.