1 Nov 2008
ق35: الوازع الطبعي كالوازع الشرعي
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): (وَالوَازِعُ الطَّبْعِيْ عَنِ العِصْيَانِ = كـَالـوَازِعِ الشَّرْعِيْ بِلاَ نُكـْرَانِ).
شرح الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (47) الوازعُ عنِ الشَّيءِ هوَ الموجبُ لتركِهِ، ومعنَى هذَا أَنَّ اللهَ حرَّمَ على عبادِهِ المحرَّماتِ صيانةً لهمْ، ونصبَ لهمْ على تركِهَا وازعاتٍ طبيعيَّةً ووازعاتٍ شَرْعيَّةً، فالَّذي تميلُ إليْهِ النُّفُوسُ وتشتَهيهِ جعلَ لهُ عقوباتٍ مناسبةً لتلكَ الجنايةِ، خفَّةً وثقلاً ومحلاًّ.
وأَمَّا المحرَّماتُ الَّتي تنفرُ منْهَا النُّفُوسُ، فلمْ يرتِّبْ عليْهَا حدّاً، اكتفاءً بوازعِ الطَّبْعِ، ونفرتِهِ عنْهَا، وذلكَ كأَكلِ النَّجاساتِ والسُّمومِ وشربهَا، فإِنَّهُ لمْ يرتِّبْ عليهَا عقوبةً، بلْ يعزّرُ عليْهَا كسائرِ المعاصي الَّتي لمْ يرتِّبْ عليْهَا عقوبةً).
روضة الفوائد ، لفضيلة الشيخ : مصطفى مخدوم
قال الشيخ مصطفى بن كرامة الله مخدوم: ( (47) (الوازعُ): هو المانعُ وزنًا ومعنًى، تقولُ: وزَعْتُه عن الأمرِ، أي: منَعْتُه وكفَفْتُه عنه، ومنه قولُه تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[النمل، 17]،
أي: يُمْنَعون ويُحْبَسُ أوَّلُهم على آخرِهم، ويقالُ في الأمثالِ:
(لابدَّ للسُّلطانِ مِن وَزَعةٍ). أي: رجالٍ يَمْنَعون شرَّ النَّاسِ عنه.
(الطَّبْعي): المنسوبُ إلى الطَّبعِ، وهو الجِبِلَّةُ الَّتي خُلِق الإنسانُ عليهاُ، ويقال لها: الطَّبيعةُ والغَريزةُ والفِطْرةُ.
(العصيانِ):
الخروجُ عن الطَّاعةِ، وأصلُه أن يَتَمَنَّعَ بعَصاه، كما قال الرَّاغبُ.
والمعنى:
أن الشَّارعَ الحكيمَ يَجْعَلُ الوازعَ الطَّبْعيَّ عن المنهيَّاتِ كالوازعِ الشَّرعيِّ، فيَكْتفي بالأوَّلِ عن الثَّاني، وإذا شرَع فيها عقوبةً جعَلها مناسِبةً لذلك الفعلِ.
مثالُ ذلك: أكلُ النَّجاساتِ والقاذوراتِ، لم يُحَدِّدِ الشَّارعُ فيه عقوباتٍ كالحدودِ؛ اكتفاءً بالوازعِ الطَّبْعيِّ، وإنما فيه التَّعزيرُ. وكذلك العدالةُ شرطٌ في كلِّ وَلايةٍ؛ لتكونَ العدالةُ وازعةً عن التَّقصيرِ في جلبِ المصالحِ ودفعِ المفاسدِ.
ولا تشترطُ في وَلايةِ النِّكاحِ على الأصحِّ؛
لأن الوازعَ الطَّبْعيَّ يَزَعُ عن ذلك.
وكذلك
لا تشترطُ العدالةُ في قبولِ الإقرارِ؛ لأن الطَّبعَ يَزَعُ عن الكذبِ فيما يَضُرُّ بنفسِه أو مالِه.
أمَّا إذا انعدم الوازعُ الطَّبْعيُّ،
أو كان ضعيفاً غيرَ كافٍ للمنعِ، فيُؤْتَي بالوازعِ الشَّرعيِّ، كما في الزِّنا والسَّرقةِ، ولهذا جاء الشَّرعُ فيهما بتشديدِ الخطابِ وتحديدِ العقابِ.
وكذلك الشَّأنُ في المأموراتِ والمباحاتِ،
فإنَّ الشَّارعَ الحكيمَ يَكْتَفِي بالدَّافعِ الطَّبْعيِّ عن الدَّافعِ الشَّرعيِّ.
مثالُ ذلك:
النَّومُ والأكلُ والشُّربُ والنِّكاحُ وكسبُ المالِ، لم يُشَدِّدِ الشَّرْعُ الخطابَ فيه، ولم يتوعَّدِ التَّاركَ لها، اكتفاءً بالدَّافعِ الطَّبْعيِّ، فالنَّاسُ يَميلون إليها بالطَّبعِ والغَريزةِ، فلا حاجةَ إلى الدَّافعِ الشَّرعيِّ.
أما إذا انعدم الدَّافعُ الطَّبْعيُّ،
أو ضعُف تأثيرُه، فإن الشَّرعَ الحكيمَ يأتي بالدَّافعِ الشرعيِّ،
فيُشَدِّدُ الخطابَ، ويتَوَعَّدُ بالعقابِ؛ حملاً للنَّاسِ على الفعلِ،
وذلك كالشَّأنِ في الصَّلاةِ والجِهادِ والزَّكاةِ.
وهذا الأمرُ ملحوظٌ في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ، وهو دليلٌ على حكمةِ الشَّارعِ، وعلمِه بطبائعِ النُّفوسِ، وأسرارِ الخلقِ، {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:14]).
شرح الشيخ: سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)
القارئ: (والوازع الطبعي عن العصيان كالوازع الشرعي بلا نكران)
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (الوازع الطبعي، يعني يراد به: ما خلق الله في جبلة الإنسان من النفرة عن بعض الأفعال.
مثل:
النفرة عن النجاسات، وعن مخالطتها، فهذا نوع من أنواع الوازع الشرعي، وغالب أحكام الشريعة أنها لا ترتب عقوبة على فعل ما يقع الوازع الطبعي بضده. والنوع الثاني: الوازع الشرعي، وذلك بإيقاع العقوبة على الفاعل. فما كان من الأفعال تقتضي
جبلة الإنسان وخلقته النفرة منه، فأحكام الشريعة عادة لا ترتّب عليها
عقوبة، وإنما يكتفى بذلك الوازع، وما لم يكن كذلك، فغالب أحكام الشريعة،
أنها ترتب عليه عقوبة. ويستفاد من هذه القاعدة في شيئين: الشيء الأول:
في الترجيح بين الأقوال إذا وقع الخلاف في فعل هل ترتب عليه العقوبة أو لا ترتب ؟
ننظر هل في جبلة الإنسان ما يزعه عن هذا الفعل أو لا، فإن كان في جبلة الإنسان ما يزعه عن ذلك الفعل فإننا نقول: لعل الأرجح -إذا لم نجد مرجحاً آخر- عدم إيقاع العقوبة عليه.
[الشيء الثاني]:
ويفيدنا أيضاً في مسائل القياس:إذا
جاءنا فعل من الأفعال فيه وازع جبلِّي، وليس فيه وازع شرعي؛ فإننا لا نثبت
العقوبة قياساً على بقية مسائل الشرع، وما فعل فيه المكلَّف فعلاً لا يوجد
وازع جبلي عنه، فإننا نوقع فيه العقوبة التعزيرية، إلحاقاً لهذه المسألة
ببقية مسائل الشرع.
ومثال ذلك مثلاً:
لو
جاءنا إنسان، وجنى جناية في الشبكة الآلية، بأن يكون قد تكلم بالغيبة في
غيره، أو قدح في غيره في الشبكة الآلية، أو تسبب في تعطيل أجهزة غيره، فمثل
هذا الفعل أذية، ولا يوجد في الشارع نص على عقوبة فاعل هذا الفعل، وهل
هناك في الجبلة ما يمنع من هذا الفعل؟ نقول: ليس هناك وازع جبلي يمنع منه
ويردع عنه، فنلحق العقوبة التعزيرية بفاعل هذا الفعل، بما يردعه وأمثاله عن
مثل هذا الفعل، ويختلف باختلاف الأحوال، بنوع الفعل، وبنوع الأذية الحاصلة
منه، فلكل تعزير يناسبه).
العناصر
شرح قول الناظم:
والوازع الطبعي عن العصيان كالوازع الشرعي بلا نكران
شرح مفردات البيت
معنى قوله: (الوازع)
الوازع لغةً: المانع
معنى قوله: (الطبعي)
معنى قوله: (بلا نكران)
قاعدة (الوازع الطبعي كالوازع الشرعي)
شرح قاعدة (الوازع الطبعي كالوازع الشرعي)
المراد بالوازع الطبعي: ما جعله الله في طبائع الناس من روادع تردعهم عن بعض المحرمات
مثال الوازع الطبعي: أكل ذوات السموم والنجاسات
المراد بالوازع الشرعي: مطلق العقوبات الشرعية
مثال الوازع الشرعي: الكفارات والحدود
بيان ما يستفاد من هذه القاعدة:
1- في الترجيح بين الأقوال عند الخلاف في ترتيب عقوبة على فعل ما
2- في إثبات العقوبة على فعل ما بالقياس على هذه القاعدة الشرعية
الأسئلة
س1: ما المراد بـ (الوازع الطبعي) ومثل له.
س2: ما هو الوازع الشرعي مع التمثيل له؟