1 Nov 2008
ق7: الضرورات تقدر بقدرها
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): (وَكـُلـُّ مـَحْظُوْرٍ مـَعَ الـضَّرُوْرَهْ = بـِقـَدْرِ مـَا تـَحتَاجُهُ الضَّرُوْرَهْ).
شرح الشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( (وَكُلُّ مَحْظُورٍ مَعَ الضَّرُورَهْ بِقَدْرِ مَا تَحْتَاجُهُ الضَّرُورَهْ)
(17)
أَيْ فلاَ يزيدُ على مَا تحتاجُ إليهِ الضَّرورةُ، بلْ إذَا زالتِ
الضَّرورةُ وجبَ الكفُّ عنِ الباقي، فيأْكلُ منَ الميْتَةِ ونحوِهَا بقدرِ
مَا يُزيلُ الضَّرورةَ).
روضة الفوائد ، لفضيلة الشيخ : مصطفى مخدوم
قال الشيخ مصطفى بن كرامة الله مخدوم: ( (17) المحظورُ: المحرَّمُ والممنوعُ.
والمعنى أن المضطرَّ إلى المحرَّمِ يَجِبُ عليه أن يقتصرَ على المقدارِ الذي تَنْدفعُ به الضَّرورةُ. وهذا معنى قولِ الفقهاءِ: والعدوانُ:هو تجاوُزُ مقدارِ الضَّرورةِ).
(الضَّرورةُ تُقَدَّرُ بقدرِها)، وهي قيدٌ لقاعدةِ: (الضَّروراتُ تُبيحُ المحظوراتِ).
فالمضطرُّ إلى أكلِ الميتةِ يأْكلُ منها بقدرِ ما يدفَعُ به الهلاكَ عن نفسِه.
والمرأةُ المضطرَّةُ إلى الكشفِ عندَ طبيبٍ أجنبيٍّ تكشِفُ بمقدارِ ما يحتاجُ إليه العلاجُ دونَ زيادةٍ.
والأصلُ في هذه القاعدةِ قولُه تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة:173] ، فقيَّد نفيَ الإثمِ عن المضطرِّ بعدمِ البغيِ والعُدْوانِ.
شرح الشيخ: سعد بن ناصر الشثري (مفرغ)
القارئ: (وكل محظور مـع الضرورةُ بقدر ما تحتاجه الضرورةُ)
قال الشيخ سعد بن ناصر الشثري: (في هذا البيت شرط من شروط
القاعدة السابقة، وهو أنه لا يُتناول من المحظور إلا بالمقدار الذي تندفعُ
به الضرورة، ودليلُ هذا قول الله عز وجل: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ}، اشترط عدمَ البغي وعدمَ العُدوان،والعدوان: الزيادة في مقدار الواجب، في المقدار، فمن زاد؛ فإنه يلحقه الإثم.
وقوله: (غَيْرَ بَاغٍٍ) استدل العلماء بهذا اللفظ على أن الرخص لا تُناطُ بالمعاصي، وأن من سافر سفر معصية لم يجز له أن يترخص برخص السفر من الفطِر، أو جمع الصلاتين، أو القصر، وكذلك جميع الرخص، إلا إذا كان مضطرّاً إليها.
وهنا مسألة متعلقة بقواعد الضرورة، وهي هل الضرورة تبطل حق الغير؟ إذا اضطررت إلى مالِ غيري وتناولته هل يحق للغير أن يطالب بضمان هذا المال أولا يحق؟ هذا فيه تفصيل، نقول: ننظر
هل الضرورة نشأتْ من حق الغير؟
1-فإن كانت الضرورة نشأت من حق الغير؛ فإنه حينئذ لاحقَّ لذلك الغير.
مثاله: إنسان هاج عليه جمل، فاضطر إلى قتله دفاعاً عن نفسه، هنا مضطر، هل يحق لصاحب الجمل أن يقول: أعطني قيمة الجمل؟ نقول: لا يحق له لأن الاضطراَر هنا ناشئ من ملك الغير، من ذاتِ المملوك، فحينئذ لا يجب الضمانُ،
2- أَمَّا إذا كان الاضطرار ليس ناشئاً عنه، مثال: ذلك مضطر جائع لم يجد إلا جملاً مملوكاً لغيره فذبحه وأكَله، فحينئذ الاضطرار ليس ناشئاً من ملك الغير ومن ثم فإنه يضمنُ ذلك المِلك، وعبروا عنه بقولهم: الاضطراُر لا يبطلُ حَقَّ الغيرِ، ومرادُهم: إذا لم يكن ناشئاً عنه.
مثال آخر يتضح به هذا التقسيم: إنسان في السفينة ألقى بعض المتاع في البحر؛ لأنه مضطر إلى إلقائه، فهنا هل يجب الضمان أو لا يجب؟ نقول: ننظر لماذا ألقى ذلك المتاع؟ فإن كان قد ألقاه لضرر ناشئ من المتاع، كأن يكون الرجل في جانب السفينة، فسقط عليه بعضُ المتاع فخشي على نفسه الهلاك، فألقى بالمتاع في البحر، فهنا الاضطرار ناشئ من ملك الغير، فلا يجب عليه الضمان، لكنْ لو كان الاضطرارُ ليس ناشئاً من ذلك المتاع، بأن تكون السفينة حمولتها كثيرة ويُخشى عليها من الغرق فقال القائمون على السفينة: لابد من إلقاء بعض المتاع فأخذ بعض المتاع فألقي، فحينئذ هل يضمن ؟ نعم يضمن؛ لأن هذا الاضطرار ليس ناشئاً من ذات المتاع، وإنما هو ناشئ من جميع من في السفينة، فحينئذ يقال لجميع من في السفينة: اضمنوا هذا المتاع ويُضرب عليهم قيمته أو مثله بحسب أعدادهم.
س:كيف نجمع بقولكم: إن ضرورة النفس مقدمة على المال، وحديث من قاتل دون ماله فهو شهيد ؟ وجزاكم الله خيراً.
ج: ورد في عددٍ من الأحاديث أن: ((من قتل دون ماله فهو شهيد))، بل ورد في الحديث الآخر أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سئل، قيل له: الرجل يأتي ليأخذ مالي؟ قال: ((لا تعطه))، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: ((قاتله))، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: ((هو في النار))، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: ((أنتَ شهيدٌ))، فهنا لم يتعارض أصل مصلحة النفس بأصل مصلحة المال، وإنما تعارض ظن مصلحة النفس مع فوات مصلحة المال المتيقنة، فقدمت لوجود اليقين ولوجود الظن، فالتفاوت هنا من أجل اليقين والظن، هذا من جهة.
ومن الجهة الثانية:من دافع دون ماله هو لا يعلم هل ستفوت نفسه أولا تفوت؟ لكن قرر العلماء بالإجماع أن من دفع ماله جاز له ذلك إذا كان فيه افتداء لنفسه، وأن حديث: لا تعطه، وإن كان نهياً، حملوه على غير محمل التحريم، واستدلوا على ذلك بالنصوص الواردة بحفظ النفوس، قالوا: والنهي هنا جاء بعد أمر، والنهي بعد الأمر لا يُستفاد منه التحريم عند كثير من أهل العلم.
س: هل يرى شيخ الإسلام أن جلب المصالح أولى من درء المفاسد ؟
ج:عبارة شيخ الإسلام رحمه الله أن اعتناء الشارع بالمأمورات أعظم من عنايته بالمنهيات، ويفهم من هذه العبارة هذا المعنى الذي ذكر السائل وإن لم يصرح به صراحة، وقد أطال شيخ الإسلام في الاستدلال لهذه القاعدة، وذكر لها ستة وعشرين دليلاً مما يطول الحديث عنه.
س: نريد توضيح المصالح المرسلة وماضابطها ؟.
ج: المصالح المرسلة: هي التي لم يأت في الشارع اعتبارٌ لها ولا إلغاءٌ لها، وقد اختلف الفقهاء في حجيتها،هل هي حجة بحيث يُعمل بها إذا لم يوجد نص ولا قياس؟ وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رأوا أنه لا يمكن أن توجد مصلحة مرسلة، وجميع المصالح منصوص عليها، ومن ظن أن هناك مصلحة، فلا يخلو حاله من أحد أمرين:
-إما أن تكون المصلحة غير حقيقية وأن يكون متوهما.
-وإما أن يكون قد ورد نص من الشارع يدل على كون هذا الفعل معتبراً، فتكون مصلحة معتبرة.
ويستغنى عن تقرير هذا الأصل بتقرير عدد من القواعد.
منها الاستدلال بدليل القياس، فإن من مسالك التعليل المستنبطة أن يكون الوصف مناسباً، يستغني بذلك عن المصالح المرسلة؛ لأن المصالح المرسلة يحكم بإثباتها ولو لم يوجد لها شاهد، بخلاف القياس المبني على الوصف المناسب، فلا بد أن يكون له شاهد معين، ويستغنى عن هذه القاعدة بقاعدة تَصَرُّف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة الذي جاء بإثباته عددٌ من النصوص الشرعية.
س:أشكل عليَّ فهم هذه الآية: { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم}هل هذا يعني العمل ببعض الشرع وترك البعض الآخر؟
ج: المراد بذلك أنه إذا تعارض في نظر المجتهد دليلان عمل بالأرجح منهما، وإضافة الأحسن لما أنزل دليل على أن الجميع قد أنزل من عند الله عز وجل، ومن المعلوم أن أدلة الشريعة لا تتعارض في نفسها لقوله عز وجل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} ولكن التعارض في نظر المجتهد، فإذا تعارضت في نظر المجتهد وجب عليه الترجيح بدلالة هذه الآيات.
س: هل الضرورات الخمس متفاوتة فيما بينها في قوة الضرورة أم لا ؟.
ج: سبق أن الضرورات الخمس متفاوتة، فضرورة الدين أعلى من غيرها باتفاق، والضرورات الأربع الباقية وقع [فيها] الخلاف بين الفقهاء، فمنهم من يجعلها في مرتبة واحدة، ومنهم من يجعل مرتبة المال في مرتبة أقل، ومنهم من يجعل المال والعرض في مرتبة واحدة، وجمهور الأصوليين على أن مرتبة الدين مقدمة، ثم مرتبة النفس، ثم مرتبة العقل، ثم مرتبة النسل، ثم مرتبة المال، هذا جمهور الأصوليين على هذا الترتيب، وفيه من الخلاف ما حكيته سابقاً).
العناصر
شرح قول الناظم:
وليس واجب بلا اقتـدار ولا محرم مع اضطـرار
وكل محظور مع الضرورة بقدر ما تحتاجه الضرورة
معنى (المحظور)
تضمن البيت قاعدة:
القاعدة : قاعدة (الضرورات تقدر بقدرها)
دليل قاعدة: (الضرورات تقدر بقدرها)
قوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد...)
العدوان: هو مجاوزة القدر المباح بالضرورة
معنى قاعدة: (الضرورات تقدر بقدرها)
الأسئلة
س1: اشرح قاعدة (الضرورات تقدر بقدرها) مع ذكر أدلتها.
س2: بين أهمية قاعدة (الضرورات تقدر بقدرها).