1 Nov 2008
المفتي والمستفتي
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَمِنْ شَرْطِ المُفْتِي: أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالفِقْهِ؛ أَصْلاً وَفَرْعًا، خِلاَفًا وَمَذْهَبًا.
وَأَنْ
يَكُونَ كَامِلَ الآلَةِ في الاجْتِهَادِ، عَارِفًا بِمَا يُحْتَاجُ
إِلَيْهِ في اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ مِن النَّحْوِ وَاللُّغَةِ
وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ وَتَفْسِيرِ الآيَاتِ الوَارِدَةِ في الأَحْكَامِ
وَالأَخْبَارِ الوَارِدَةِ فِيهَا.
شُرُوطُ المُسْتَفْتِي وَبَحْثُ التَّقْلِيدِ:
وَمِنْ شَرْطِ المُسْتَفْتِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ؛ فَيُقَلِّدَ المُفْتِيَ في الفُتْيَا.
وَلَيْسَ لِلْعَالِمِ أَنْ يُقَلِّدَ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (1) (وَمِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي) وَهُوَ الْمُجْتَهِدُ، (أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْفِقْهِ أَصْلاً وَفَرْعًا، خِلافًا وَمَذْهَبًا)
أَيْ: بِمَسَائِلِ الْفِقْهِ وَقَوَاعِدِهِ وَفُرُوعِهِ، وَبِمَا فِيهَا
مِن الْخِلاَفِ؛ لِيَذْهَبَ إِلَى قَوْلٍ مِنْهُ وَلاَ يُخَالِفُهُ بِأَنْ
يُحْدِثَ قَوْلاً آخَرَ؛ لاسْتِلْزَامِ اتِّفَاقِ مَنْ قَبْلَهُ بِعَدَمِ
ذَهَابِهِمْ إِلَيْهِ عَلَى نَفْيِهِ.
(2) (وَأَنْ
يَكُونَ كَامِلَ الآلَةِ فِي الاجْتِهَادِ، عَارِفًا بِمَا يَحْتَاجُ
إِلَيْهِ فِي اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ مِن النَّحْوِ وَاللُّغَةِ
وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ) الرَّاوِينَ لِلأَخْبَارِ؛ لِيَأْخُذَ بِرِوَايَةِ الْمَقْبُولِ مِنْهُمْ دُونَ الْمَجْرُوحِ، (وَتَفْسِيرِ الآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الأَحْكَامِ، وَالأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا) لِيُوَافِقَ ذَلِكَ فِي اجْتِهَادِهِ وَلاَ يُخَالِفَهُ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ: عَارِفًا، إِلَى آخِرِهِ، مِنْ جُمْلَةِ آلَةِ الاجْتِهَادِ.
- وَمِنْهَا: مَعْرِفَتُهُ بِقَوَاعِدِ الأُصُولِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
(3) (وَمِنْ شَرْطِ الْمُسْتَفْتِي: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ؛ فَيُقَلِّدَ الْمُفْتِيَ فِي الْفُتْيَا)
فَإِنْ لَمْ يَكُن الشَّخْصُ مِنْ أَهْلِ التَّقْلِيدِ، بِأَنْ كَانَ مِنْ
أَهْلِ الاجْتِهَادِ؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ كَمَا قَالَ: (وَلَيْسَ لِلْعَالِمِ) أَي: الْمُجْتَهِدِ، أَنْ يُقَلِّدَ؛ لِتَمَكُّنِهِ مِن الاجْتِهَادِ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (1) (ومِنْ
شَرْطِ الْمُفْتِي أنْ يكونَ عالِمًا بالفِقْهِ أصلاً وفَرْعًا، خِلافًا
ومَذْهبًا، وأنْ يكونَ كَامِلَ الأدِلَّةِ في الاجتهادِ، عارفًا لجميعِ ما
يُحتاجُ إليهِ في الأَحكامِ، مِن النَّحْوِ واللُّغةِ ومَعرِفَةِ الرجالِ،
وتَفسيرِ الآياتِ الواردةِ في الأحكامِ والأخبارِ الواردةِ فيها).
المُفْتِي: اسمُ فاعلٍ مِنْ أَفْتَى يُفْتِي، فهوَ مُفْتٍ.
- مِثلُ: أَغْنَى يُغْنِي فهوَ مُغْنٍ، وكانَ أصْلُ الكلمةِ مِنْ قولِهم: فَتًى بَيِّنُ الفُتُوَّةِ؛ أي: (الحُرِّيَّةِ والكرَم).
- فقيلَ لِمَنْ يُبَيِّنُ الصوابَ مِن الخطأِ: أَفْتَى مِنْ ذلكَ؛ أيْ: بَيَّنَ أَمْرًا كَريمًا، وهوَ الحَقُّ المطلوبُ بالسؤالِ.
وقولُهُ: (عالِمًا بالفِقْهِ أَصلاً وفَرْعًا) فيهِ تَجَوُّزٌ؛ فإنَّ الأصولَ ليستْ مِن الفِقْهِ، وإنَّما مُرادُهُ أنْ يكونَ عالِمًا بطُرُقِ الأحكامِ: الأُصولِ والفروعِ.
- فالأصولُ:
أنْ يكونَ عالِمًا بالنصوصِ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ المتعَلِّقَةِ
بالأحكامِ، ووَجْهِ دَلالتِها مِن: (النَّصِّ) و(الظاهرِ) و(المؤَوَّلِ)
و(الناسخِ) و(المنسوخِ)، و(كيفيَّةِ الاستدلالِ بها)
- مِثلُ: (تقديمِ الخاصِّ على العامِِّ).
- و (تَنزيلِ الْمُجْمَلِ على الْمبَيَّنِ).
- و (حَمْلِ المطلَقِ على الْمُقَيَّدِ).
ولا يُشْتَرَطُ أن يكونَ حافظًا للكتابِ العزيزِ، ولا لآياتِ الأحكامِ منهُ، بلْ أنْ يكونَ عارفًا بوجْهِ دَلالتِها على الأحكامِ.
- وكذلكَ: لا
يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ مُحِيطًا بجميعِ السُّنَنِ والآثارِ؛ فإنَّ ذلكَ لا
يَكادُ يَتَهَيَّأُ لأَحَدٍ، بلْ شَرْطُهُ أنْ يَعْلَمَ وُجوهَ أَدِلَّةِ
الأخبارِ الواردةِ في الأحكامِ.
- وكذلكَ: يَجِبُ
أنْ يكونَ عالِمًا بالقِياسِ وما يُقْبَلُ منهُ وما يُرَدُّ، وطُرُقِ
التعليلِ، وكيفيَّةِ الترجيحِ عندَ تَعارُضِ الأَقْيِسَةِ.
- وأمَّا الفُرُوعُ فمعناهُ: أنْ يكونَ عالِمًا بأحكامِ آحادِ المسائلِ المفروضةِ في عِلْمِ الفروعِ.
- وما
فيها مِن الخِلافِ والوِفاقِ، مُسْتَحْضِرًا لجُملةٍ غَالِبَةٍ مِنْ ذلكَ
في كلِّ بابٍ مِنْ أبوابِ الفِقْهِ، كما جَرَتْ عَادَةُ أئِمَّةِ
الْمَذاهِبِ في تَدْوِينِ ذلكَ في كُتُبِهم، والإشارةِ إلى دليلِ كلِّ
مَسألةٍ.
وقولُهُ: (خِلافًا) يعني: أنْ يكونَ عالِمًا باخْتلافِ العُلماءِ في أحكامِ الوَقائعِ الفُروعيَّةِ، مِنْ قولِ الصحابةِ والتابعينَ ومَنْ بَعْدَهم.
- ولا
يَكْفِي ما يُفْهَمُ مِنْ مُطْلَقِ اسمِ الخلافِ الآنَ، وهوَ عِلْمُ
الخِلافِ بينِ الإمامَيْنِ الشافعيِّ وأبي حَنيفةَ فقطْ؛ فإنَّ ذلكَ لا
يَكْفِي في كونِ الإنسانِ مُجْتَهِدًا، بلْ لا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ بجُملةٍ
مِنْ أقوالِ العلماءِ غيرِ الإمامَيْنِ في الأحكامِ الفرعيَّةِ.
وقولُهُ: (ومَذْهبًا)
يعني: إذا كانَ المجتَهِدُ مُقَيَّدًا، يَنْتَحِلُ مَذهبَ إمامٍ مِن
الأَئِمَّةِ المَشْهُورِينَ بالتَّقْلِيدِ، فيَجِبُ أنْ يكونَ عالِمًا
بقَواعدِ مَذْهَبِ ذلكَ الإمامِ.
هذا هوَ المفهومُ مِنْ
إطلاقِ لفظِ الْمَذهَبِ بعدَ حُدوثِ الْمَذاهِبِ المشهورةِ، فَعِلْمُ
الْمَذهَبِ عبارةٌ عن الإحاطةِ بقَواعدِ مَذهَبِ إمامٍ مِنْ هؤلاءِ
الأَئِمَّةِ، والعلْمِ بغالِبِ نُصوصِهِ في الوَقائعِ.
وأمَّا المجتَهِدُ المُطْلَق:
وهوَ المفهومُ مِنْ لفظِ المجتَهِدِ والمُفْتِي في إِطْلاقِ أُصولِ
الْفِقْهِ، فشَرْطُهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ عِلْمِ الكتابِ والسُّنَّةِ
واختلافِ أقوالِ العُلماءِ ووِفاقِهم.
- والْمَذْهَبُ في حقِّهِ هوَ ما يَذْهَبُ هوَ إليهِ؛ لأنَّهُ لا يُقَلِّدُ غيرَهُ.
- فذِكْرُ
الْمَذهَبِ في شرائطِ المُفْتِي في أُصولِ الفِقهِ مُطْلَقًا غَيْرُ
لائقٍ، بل الْوَاجِبُ ذِكْرُ ما يُعْتَبَرُ في المُجْتَهِدِ المُطْلَقِ.
- ثمَّ الكلامُ فيما يُعْتَبَرُ في المجتَهِدِ المُقَيَّدِ إنْ قيلَ: مِثْلُهُ يَجْتَهِدُ ويُفْتِي.
والمُجْتَهِدُ أَعَمُّ مِن الْمُفْتِي؛
فإنَّ كُلَّ مُفْتٍ مُجْتَهِدٌ، إذْ لا يَحِلُّ لِمَنْ ليسَ لهُ
أَهْلِيَّةُ الاجتهادِ أنْ يُفْتِيَ، وليسَ كلُّ مُجْتَهِدٍ مُفْتِيًا؛
لأنَّ المجتَهِدَ هوَ الكاملُ الأَدِلَّةِ في الاجتهادِ.
ومَن اجْتَمَعَ فيهِ شُروطُ الاجتهادِ وَجَبَ عليهِ الأَخْذُ بالاجتهادِ في الأحكامِ عَدْلاً كانَ أوْ غيرَ عَدْلٍ.
- وأمَّا الْمُفْتِي: فيَجِبُ أنْ يكونَ معَ ذلكَ عَدْلاً؛ لأنَّهُ يُخْبِرُ عن الأحكامِ، ومِنْ شَرْطِ قَبولِ الخبرِ عَدالةُ الْمُخْبِرِ.
وقولُهُ: (وأنْ يكونَ كاملَ الأَدِلَّةِ في الاجتهادِ) يُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ بكاملِ الأدِلَّةِ :
- كونَهُ صحيحَ الذهْنِ.
- رَصينَ العقلِ، بحيثُ لا يَتَشَوَّشُ إدراكُهُ عندَ اختلافِ الأدِلَّةِ وتَعارُضِها.
وذلكَ لا بُدَّ منهُ في المجتَهِدِ والمفتِي والحاكِمِ؛ فإنَّ مَنْ ليسَ كذلكَ لا يُوثَقُ بِخَبَرِهِ، ويُتَّهَمُ في نَظَرِهِ.
- ويُحْتَمَلُ أنْ يُريدَ بذلكَ ما ذَكَرَهُ مِنْ قولِهِ: (عارِفًا بجميعِ ما يُحتاجُ إليهِ... إلى آخِرِهِ)، تفسيرًا لقولِهِ: كاملَ الأَدِلَّةِ.
- والقدْرُ
الذي يَحتاجُ إليهِ المجتَهِدُ مِن النحوِ هوَ ما يَعْرِفُ بهِ إعرابَ
الكلامِ، ووجْهَ دَلالتِهِ على الأحكامِ، لا أنْ يكونَ مُتَبَحِّرًا فيهِ
بحيثُ يَعْرِفُ غَرائبَ التصريفِ وشوارِدَهُ.
- وأمَّا اللغةُ:
فالقدْرُ المحتاجُ إليهِ منها معرِفَةُ معاني الألفاظِ المفرَدَةِ
الواقعةِ في آياتِ الأحكامِ مِن الكتابِ العزيزِ، والأخبارِ الواردةِ في
الأحكامِ مِن السُّنَّةِ، دُونَ ما جاءَ مِن اللغةِ مِن الغريبِ وما لا
تَدْعُو الحاجةُ إليهِ غالبًا.
- وأمَّا مَعْرِفَةُ الرجال:
فَيَعْنِي: رِجالَ الأخبارِ الْمَرْوِيَّةِ في الأحكامِ، يُريدُ أنْ
يَعْرِفَ (طَرَفًا مِن الجَرْحِ والتعديلِ)، فيَعْرِفَ المشهورينَ
بالعدالةِ والمشهورينَ بالْجَرْحِ؛ ليَتَجَنَّبَ روايَةَ المجروحِ ويَأخُذَ
بروايَةِ العَدْلِ.
- وإذا
أَخَذَ الأخبارَ مِن (البخاريِّ ومُسلِمٍ) لمْ يَحْتَجْ إلى مَعرِفَةِ
رجالِهما؛ لأنَّ ما في هذَيْنِ الكتابيْنِ مَرسومٌ بالصحيحِ، وتَلَقَّتْهُ
الأمَّةُ بالقَبُولِ.
- وأمَّا تفسيرُ
الآياتِ الواردةِ في الأحكامِ: فالمرادُ مِنْ مَعرِفَةِ ذلكَ ما
يَتَعَلَّقُ بفِقْهِ تلكَ الآياتِ وفِقْهِ تلكَ الأخبارِ فقطْ دونَ
القَصَصِ.
وقولُهُ: (والأخبارِ الواردةِ فيها)
يعني: في الأحكامِ، ليسَ على ظاهِرِهِ؛ فإنَّ المجتَهِدَ لا يُشْتَرَطُ
فيهِ أنْ يكونَ عارِفًا بجميعِ الأخبارِ الواردةِ في الأحكامِ، فَضْلاً عنْ
أنْ يكونَ عارفًا بتفسيرِها؛ فإنَّ ذلكَ لا يَكادُ يَتَّفِقُ لأحَدٍ.
- وقدْ قالَ الشافعيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: (ولا تَجتمِعُ السُّنَنُ كلُّها عندَ واحد).
- فالمرادُ
إذًا أنْ يكونَ عالِمًا بتفسيرِ جُملةٍ غالبةٍ مِن الأخبارِ الواردةِ في
الأحكامِ، وذلكَ مِن الأخبارِ المشهورةِ عندَ أهلِ العلْمِ.
- فأمَّا
الأحاديثُ الغريبةُ، وغريبُ الحديثِ، فلا يُشْتَرَطُ ذلكَ في المجتَهِدِ،
وإنْ كانَ عِلْمُهُ بهِ يَزيدُهُ تَمَكُّنًا في الاجتهادِ.
- ولْيُعْلَمْ
أنَّ هذا المجموعَ الذي شَرَطُوهُ في المجتَهِدِ يكادُ يكونُ مَعدومًا،
مُتَعَذِّرَ الوجودِ، أوْ عَسيرَ الوُجودِ؛ فإنَّ حاصلَهُ أنْ يكونَ عندَ
المجتَهِدِ مِن العلومِ ما يُفيدُهُ قُوَّةً يَقْتَصُّ بها للأحكامِ في
الوقائعِ الحادثةِ في جميعِ أبوابِ العلْمِ.
- وقدْ
أُخِذَت الأحكامُ عنْ جماعةٍ مِن الصَّدْرِ الأَوَّلِ لمْ يكُونوا كذلكَ،
بلْ رُبَّما كانَ الواحدُ منهم خَبِيرًا ببابٍ مِنْ أبوابِ العلْمِ، ليسَ
خبيرًا بغَيْرِهِ، وهوَ معَ ذلكَ مُفْتٍ في ذلكَ البابِ الذي هوَ عالِمٌ
بهِ، مِنْ غيرِ إنكارٍ عليهِ في ذلكَ.
- وكانَ
الْحُفَّاظُ مِنْ أَئِمَّةِ الحديثِ الذينَ لا حَظَّ لهم في القِياسِ،
يُفْتُونَ بما عندَهم مِن الأحاديثِ، ولا يُنْكَرُ عليهم ذلكَ.
(2) (ومِنْ
شَرْطِ المُسْتَفْتِي أنْ يكونَ مِنْ أهلِ التقليدِ، فيُقَلِّدَ المفتِيَ
في الفَتْوَى، وليسَ للعالِمِ أنْ يُقَلِّدَ، وقيلَ: يُقَلِّدُ).
يُقَالُ: ما فائدةُ (مِنْ) الْمُبَعِّضَةِ في قولِهِ: (ومِنْ شَرْطِ الْمُفْتِي) وقولِهِ: (ومِنْ شَرْطِ المُسْتَفْتِي)؟
والجوابُ: أنَّ هذهِ
الشروطَ مُعْتَبَرَةُ الحكْمِ بجوازِ الاجتهادِ للمُجتَهِدِ، وجوازِ
التقليدِ للمُقَلِّدِ، وذلكَ أمْرٌ حُكْمِيٌّ مُتَوَهَّمٌ، إنَّما يَصيرُ
واقعًا مُحَقَّقًا عندَ حُدوثِ الحادثةِ، وسؤالِ المقلِّدِ المجتَهِدَ
عنها، فحينئذٍ يَتَحَقَّقُ الاجتهادُ بالفعْلِ، والتقليدُ كذلكَ، فوُجودُ
الواقعةِ حينئذٍ مِنْ شَرْطِ كونِ الْمُجْتَهِدِ مُجْتَهِدًا.
- والجاهِلِ مُقَلِّدًا، فصَحَّ دُخولُ (مِنْ) التَّبْعِيضِيَّةِ فيما ذَكَرَ.
وليسَ في قولِهِ: (أنْ يكونَ مِنْ أهلِ التقليدِ)
ما يُفيدُ مَعرِفَةَ الْمُقَلِّدِ ما هُوَ؛ فإنَّ مَنْ كانَ أَهْلاً
للتقليدِ هوَ الذي يَجوزُ لهُ أنْ يَسْتَفْتِيَ العالِمَ، فلوْ صَحَّ
تفسيرُ المُسْتَفْتِي بأنَّهُ مَنْ لهُ أَهْلِيَّةُ التقليدِ لصَحَّ أنْ
يُعْكَسَ ويُقالَ: الذي لهُ أَهْلِيَّةُ التقليدِ هوَ المستفتِي، فعُلِمَ
أنَّ هذا تَعريفٌ دَائِرٌ.
- والأجوَدُ قولُ مَنْ قالَ: المُسْتَفْتِي: هوَ الذي لا يكونُ مُسْتَجْمِعًا لِمَا ذُكِرَ مِنْ شَرَائِطِ الاجتهادِ.
وقولُهُ: (فَيُقَلِّدَ المفتِيَ في الفَتْوى) فيهِ إشارةٌ إلى مسألتَيْنِ:
إحدَاهُما:
أنَّ الجاهلَ لا يَجوزُ لهُ تَقليدُ كُلِّ أَحَدٍ، إنَّما يَجوزُ لهُ تَقليدُ المفتِي، وهوَ المستجْمِعُ لِمَا تَقَدَّمَ.
والثانيَةُ:
أنَّهُ إنَّما يَجوزُ
التقليدُ في الفَتْوَى فَقَطْ، ولا يَجوزُ في الأفعالِ، فإذا رأى الجاهِلُ
العالِمَ يَفعلُ شيئًا لمْ يَجُزْ لهُ تقليدُهُ في فِعْلِهِ بِمُجَرَّدِ
كونِهِ فاعلاً.
- وأمَّا العالِمُ:
وهوَ القادرُ على الاجتهادِ كما سَبَقَ، فلايَجوزُ لهُ التقليدُ على
القولِ المشهورِ في الأصولِ، سَوَاءٌ قَلَّدَ مَنْ هوَ أَعْلَمُ منهُ أوْ
مَنْ هوَ دُونَهُ أوْ مَنْ هوَ مِثلُهُ، واحْتَجُّوا على ذلكَ: بأنَّهُ
قادرٌ على تحصيلِ الحُكْمِ المطلوبِ بنفسِهِ، فلا يَجوزُ لهُ تقليدُ غيرِهِ
فيهِ، ورُبَّما قاسُوا ذلكَ على البصيرِ في القِبْلَةِ؛ فإنَّهُ لا
يُقَلِّدُ غيرَهُ في أَدِلَّتِها إذا كانَ عالِمًا بالأَدِلَّةِ، وهذا
إِثْبَاتٌ لمسألةٍ أُصولِيَّةٍ بالقياسِ على مسألةٍ فَرعيَّةٍ.
- وعنْ أحمدَ بنِ حَنبلٍ وإسحاقَ بنِ رَاهَوَيْهِ وسفيانَ الثوريِّ تَجويزُ تَقليدِ العالِمِ مُطْلَقًا.
وعنْ مُحَمَّدِ
بنِ الحسَنِ: يَجوزُ للعالِمِ تَقليدُ مَنْ هوَ أَعْلَمُ منهُ، ولا يَجوزُ
لهُ تقليدُ مَنْ هوَ دونَهُ ولا مَنْ هوَ مِثْلُهُ.
- وقيلَ: يَجوزُ للعالِمِ التقليدُ فيما يَقَعُ لهُ مِن الحوادثِ، لِيَعْمَلَ بقولِ مُقَلِّدِهِ.
فأمَّا إذا كانت الحادثةُ لغيرِهِ، فلا يَجوزُ لهُ أنْ يُقَلِّدَ غيرَهُ ليُفْتِيَ أوْ يَحْكُمَ بقولِهِ).
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (1) أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ بيانِ الأدلَّةِ: شَرَعَ في بيانِ شروطِ المُفْتي، وَهُوَ البابُ السَّادسَ عَشَرَ،
فقالَ: (منْ شروطِ المفتي: أنْ يكونَ عالمًا بالفقهِ أصْلاً وفرْعًا).
أمَّا المفتي: فهوَ اسْمُ فاعلٍ في أَفْتى يُفْتي: إِذَا بَيَّنَ الحقَّ عِنْدَ السُّؤالِ.
وقولُهُ: (أنْ يكونَ عالمًا بالفقهِ)
فيهِ نظرٌ؛ لأنَّ الفقهَ نتيجةُ الاجْتِهادِ، فلوْ كانَ الفقهُ شَرْطًا
للمجتهدِ لَزِمَ الدَّوْرُ، لكنْ يجبُ أنْ يكونَ عالمًا بالأُصُولِ، وَهِيَ
النُّصوصُ مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ المتعلِّقةُ بالأحكامِ دونَ
المواعِظِ، والقصصِ، وأمورِ الآخرةِ؛ فإنَّ المفتيَ لا يفتقرُ إلى
معرفَتِهَا؛ بلْ يفتقرُ إلى معرفةِ النُّصوصِ؛ ليُمَيِّزَ بيْنَ الظَّاهِرِ
والمُؤَوَّلِ، والنَاسخِ والمَنْسُوخِ، وغيرِ ذلكَ.
ولاَ يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ
حافظًا لكتابِ اللهِ - تعالى - وَلاَ لمسائلِ الأحكامِ منْهُ، بلْ يكفي
العلمُ بهَا ليطلبَهَا عندَ مواقِعِهَا.
ولاَ بُدّ لهُ منْ معرفةِ القياسِ وأنواعِهِ؛ ليميِّزَ ما يَجوزُ، وَمَا لاَ يَجُوزُ.
ولا بُدَّ أنْ يكونَ
عالمًا بالفروعِ: وهي مسائلُ آحادٍ تتعلَّقُ بهَا الأحكامُ؛ إذْ لاَ
يُشْتَرَطُ أنْ تكونَ الأحكامُ -كلُّها- بالتَّواتُرِ، بلْ قدْ يُحْكَمُ
بالآحادِ في بعضِ الصُّوَرِ؛ فإنَّ عليًّا - رضي اللهُ عنهُ - أخذَ بقولِ
المِقْدَادِ - فقطْ - في نجاسةِ المَذْيِ، وعدمِ وجوبِ الغُسْلِ.
وأنْ يكونَ عالمًا بخلافِ العلماءِ منَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، ومَنْ بعدَهُمْ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ معرفةُ
الخلافِ بيْنَ الأئمَّةِ الأرْبَعَةِ، بلْ أنْ يكونَ عالمًا بمذهبٍ منَ
الأرْبعةِ ليُفتيَ عليْهِ ويُقلِّدَهُ.
بخلافِ المجتهدِ المطلقِ فذلكَ لا يجُوزُ لهُ تقليدُ غَيْرِهِ، بخلافِ المُفْتي.
(2) (وأنْ يكونَ كاملَ الأدلَّةِ)
أيْ: صحيحَ الذِّهْنِ بصيرَ العقلِ بحيثُ لا يَتَشَوَّشُ إدراكُهُ عندَ
اختلافِ الأدلَّةِ وتعارُضِهَا؛ لِيُوثَقَ بِقَوْلِهِ، وَلاَ يُتَّهَمَ.
ويحتملُ أنَّهُ أرادَ بكامِلِ الأدلَّةِ ما يذكرُهُ -
بعدُ - بمَّا يُحْتَاجُ إليْهِ في اسْتِنْبَاط الأحكامِ منَ النَّحوِ،
واللُّغةِ، إلى آخرِهِ ؛ فَيَعْلَمُ مِنَ النَّحْوِ والتَّصْريفِ مَا
يَحْتَاجُ - فقطْ - لاَ غوامضَهُ وشواهدَهُ، ومنَ اللُّغَةِ مَا تَدْعُو
الحاجةُ إليْهِ منْ آياتِ الأحْكَامِ الّتي في الكتابِ والسُّنَّةِ.
ولا بُدَّ منْ معرفةِ الرِّجالِ ليأخذَ
بروايةِ العَدْلِ، دونَ المجروحِ، لكنْ لوْ أخذَ منَ الصَّحِيحَيْنِ جازَ
الاقْتِصَارُ عليهِمَا منْ غَيْرِ معرفةِ رجالِهِمَا.
ولا بُدَّ أنْ يكونَ عالمًا بتفسيرِ الآياتِ والأخبارِ الواردةِ في الأحكامِ: ليتمكَّنَ بالإفتاءِ منْهَا، واللهُ أعلمُ.
(3) أقولُ: لمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ المُفْتي: شَرَعَ في بَيَانِ المُسْتَفْتي، وَهُوَ البَابُ السَّابِعَ عَشَرَ.
فقولُهُ: (مِنْ شَرْطِ المُسْتَفْتي: أَنْ يكُونَ منْ أَهْلِ التَّقْليدِ) احترازٌ عَمَّنِ اجْتَمَعَتْ فيهِ شرائِطُ الاجْتِهَادِ، فَلاَ يجوزُ لهُ أنْ يُقَلِّدَ.
بخلافِ العامِّيِّ فيجوزُ
لهُ أنْ يأخذَ دِينَهُ منْ غيْرِهِ؛ إِذْ لَوْ كُلِّفَ النَّاسُ -
كُلُّهُمْ - (الاجتهادَ) لبَطلَتْ معايشُهُمْ بسببِ اشتغالِهِمْ بأدواتِ
الاجْتِهَادِ.
وقولُهُ: (فَيُقَلِّدَ المُفْتِيَ) يُشيرُ إلى مسألتيْنِ:
إحداهُمَا:
أنَّهُ لاَ يجوزُ
للعامِّيِّ أنْ يُقَلِّدَ كلَّ أحدٍ، بلْ لمنْ يكونُ أهلاً للتَّقليدِ؛
ليَخْرُجَ عَنِ العُهْدَةِ، ويتحمَّلَهَا المُفْتي.
والثَّانيَةُ:
أنَّهُ لاَ يجوزُ أنْ
يقلِّدَ العالمَ بمجرَّدِ فعْلِهِ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ ترخَّصَ فيه، وذلكَ
بأنْ يرى العامِّيُّ العالمَ يفعلُ شيئًا، فلاَ يُقَلِّدُهُ فيهِ، بلْ
يسألُ عنْهُ؛ إنْ أفتاهُ بهِ جازَ، وإلاَّ فلاَ.
وقولُهُ: (وقيلَ: يُقَلِّدُ) يُشيرُ إلى أنَّ العالمَ يجوزُ لهُ التَّقْليدُ فيمَا أَشْكَلَ عليْهِ.
وبهِ قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ، وإسحاقُ بنُ راهويْهِ، وسفيانُ الثَّوْريُّ.
والأوَّلُ: أظهرُ؛ لأنَّهُ مكلَّفٌ بالنَّظَرِ والاسْتِدْلاَلِ. واللهُ أعلمُ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (1) ولمَّا فرغَ منَ الكلامِ علَى الأدلَّةِ؛ شرعَ يتكلَّمُ علَى الاجتِهادِ، فذكرَ شروطَ المجتهدِ، فقالَ: (ومِنْ شَرطِ المُفتِي) وهوَ المُجتَهِدُ: أنْ يكونَ عالِمًا بالفقْهِ؛ أصلاً وفرْعًا، خلافًا ومذْهبًا.
مرادُهُ بالأصْلِ:
دلائلُ الفقهِ المذكورةُ في علمِ أصُولِ الفقهِ، وفي إدخالِهَا في الفقْهِ
كَمَا تقتضيهِ عبارتُهُ مسامَحَةٌ، ويحتملُ أنَّهُ يريدُ بالأصلِ
أمَّهَاتِ المسائلِ الَّتي هي كالقواعدِ، ويتفرَّعُ عليهَا غيرُهَا، لكنْ؛
يفوتُهُ التَّنبيهُ علَى معرفةِ أصولِ الفقهِ؛ إلا أنْ يُدخلَ ذلكَ في
قولِهِ: (كاملَ الآلةِ).
- ومرادُهُ بالفرعِ: المسائلُ المدَّونةُ في كتبِ الفقهِ.
- ومرادُهُ بالخلافِ: المسائلُ المُختلَفُ فيهَا بينَ العلماءِ.
- وبالمذهبِ:
ما يستقرُّ عليهِ رأيُهُ، هذا إنْ حُمِلَ علَى المُجْتَهِدِ المطْلَقِ،
وإنْ حُمِلَ علَى المجتهدِ المقيَّدِ؛ فمرادُهُ بالمذهبِ مَا يستقرُّ عليهِ
رأيُ إمامِهِ.
-
وفائدةُ معرفةِ الخلافِ: ليُذْهَبَ إلَى قولٍ منهُ، ولا يُخْرَجَ منهُ
بإحداثِ قولٍ آخرَ؛ لأنَّ فيهِ خرقًا لإِجماعِ مَنْ قبلَهُ؛ حيثُ لم
يذهبوُا إلَى ذلكَ القولِ.
(2) (و) منْ شرطِ المُفتي أيضًا: (أنْ يكُونَ كامِلَ الآلةِ في الاجتِهَادِ) ويحتملُ أنْ يريدَ بكمالِ الآلةِ صحَّةَ الذِّهنِ وجودةَ الفهمِ بعدَهُ، فيكونَ مَا بعدهُ شرطًا آخرَ.
- ويحتملُ أنْ يريدَ بكمالِ الآلةِ ما ذكرهُ بعدهُ، فيكونَ تفسيرًا لداعِي قولِهِ: (عارفًا بما يُحتاجُ إليهِ في استِنْباطِ الأحكَامِ) من: النَّحوِ، والفقهِ، ومعرفةِ الرِّجالِ الرَّاوينَ للحديثِ ليَأْخُذَ بروايَةِ المقبولِ منهمْ دونَ المجروحِ.
وإذا أَخَذَ الأحاديثَ منَ
الكتُبِ الَّتي التزمَ مصنِّفوها تخريجَ الصَّحيحِ كـَ (الموَطَّأِ)
والبخاريِّ، ومسلمٍ؛ لم يَحْتَجْ إلَى معرفةِ الرِّجالِ.
(وتَفْسيرِ الآياتِ الوارِدَةِ في الأحْكَامِ والأخبارِ الوارِدةِ فيهَا)
ليوافقَ ذلكَ في اجتهادِهِ ولا يخالِفَهُ، والمرادُ من ذلكَ معرفةُ ما
يتعلَّقُ بفقهِ تلكَ الآياتِ وفقهِ تلكَ الأخبارِ دونَ معرفةِ القَصصِ.
- ولا يُشْتَرَطُ أن يكونَ حافظًا للقرآنِ ولا لآياتِ الأحكامِ منهُ، ولا محيطًا بالأحاديثِ والآثارِ الواردةِ في الأحكامِ.
- قالَ الشَّافِعِيُّ رضِيَ اللَّهُ عنهُ: (لا تَجْتَمِعُ السُّنَنُ كلُّهَا عندَ أحدٍ).
فالمرادُ أنْ يكونَ
عالِمًا بجملةٍ مِن الأحاديثِ الواردةِ في الأحكامِ المشهورةِ عندَ أهلِ
العِلمِ، وعالِمًا بفِقْهِهَا، ولا يُشْتَرطُ أنْ يعرفَ الأحاديثَ
الغريبةَ، ولا تفسيرَ غريبِ الحديثِ، وإنْ كانَ معرفةُ ذلكَ تزيدُهُ
تمكينًا.
(3) (وَمنْ شَرطِ المُسْتَفْتِي أنْ يكونَ منْ أَهلِ التَّقْليدِ) أي: ليسَ منْ أهلِ الاجْتهادِ؛ لكونِهِ لمْ يجتمِعْ فيهِ شروطُهُ فَيُقِّلدَ المُفِتي؛ أي: المجتهدَ في الفَتْوَى.
وأشارَ بذَلِكَ إلَى مسألَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أنَّهُ لا يجوزُ تقليدُ كُلِّ أحدٍ، بلْ إنَّمَا يُقلِّدُ المجتهدَ إنْ وجدَهُ.
والثَّانِي: أنَّهُ
إنَّما يقلِّدُهُ في الفتْوَى، ولا يقلِّدُهُ في الأفعَالِ، فلو رأَى
الجاهلُ العالمَ يَفعَلُ فِعلاً؛ لمْ يَجُزْ لهُ تقليدهُ فيهِ حتَّى
يسألَهُ؛ إذْ لعلَّهُ فَعَلهُ لأمرٍ لمْ يظهرْ للمُقلِّدِ.
وعُلمَ منهُ أنَّ منْ كانَ منْ أهلِ الاجْتِهادِ؛ لمْ يَجُزْ لهُ أنْ يُقَلِّدَ غيرَهُ؛ كمَا نَبَّهَ عليهِ بقولِهِ: (وليسَ للعْالِمِ) أيِ: المُجْتَهدِ (أنْ يُقَلِّدَ) غيرَهُ؛ لتمكُّنِهِ منَ الاجتهادِ.
هذا هوَ الصَّحيحُ، وقيلَ: يَجُوزُ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (1)
لَمَّا فَرَغَ المُصَنِّفُ من الكلامِ علَى الأَدِلَّةِ شَرَعَ
يَتَكَلَّمُ علَى صفاتِ مَنْ يَشْتَغِلُ بالأدلَّةِ وهوَ المُجْتَهِدِ،
فَذَكَرَ شُرُوطَهُ فقالَ:
(2) (وَمِنْ شَرْطِ المُفْتِي) أي: المجتهدِ.
- والمُفْتِي:
اسمُ فاعلٍ منْ أَفْتَى الرُّباعيِّ، ومصدرُهُ: الإفتاءُ، قالَ فِي
(القاموسِ): (أَفْتَاهُ فِي الأمرِ: أَبَانَهُ لهُ، والفُتْيَا والفُتْوَى
(وَتُفْتَحُ) ما أَفْتَى بهِ الفقيهُ) ا. هـ.
والمُرَادُ هنا: المُخْبِرُ عنْ حكمٍ شرعيٍّ.
وللمُفْتِي شروطٌ: لا يكونُ صالِحًا للإفتاءِ إلا بها.
- ومنها: أنْ يكونَ عَالِمًا بالفقهِ، أصلاً وفَرْعًا، خِلافًا وَمَذْهَبًا.
- والمرادُ
بالفقهِ: مسائلُ الفقهِ، وليسَ المُرَادُ ما تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ
الورقاتِ، وهوَ معرفةُ الأحكامِ الشرعيَّةِ؛ لِئَلا يكونَ المعنَى: أنْ
يكونَ عالمًا بمعرفةِ الأحكامِ، وهذا غيرُ مُرَادٍ.
والمرادُ بقولِهِ: (أَصْلاً وَفَرْعًا) أيْ: أصولَ الفقهِ وفروعَهُ.
- فأصولُ الفقهِ: أَدِلَّةُ الفقهِ الإجماليَّةُ وكيفيَّةُ الاستفادةِ منها.
- وفي إدخالِ أصولِ الفقهِ فِي الفقهِ كما يَدُلُّ عليهِ قولُهُ: (أنْ يكونَ عالمًا بالفقهِ أصلاً)
مُسَامَحَةٌ، إلا إنْ كانَ يُرِيدُ بالأصلِ أُمَّهَاتِ المسائلِ التي هيَ
كالقواعدِ، لكنْ يَفُوتُهُ التَّنْبِيهُ علَى معرفةِ أصولِ الفقهِ
للمُجْتَهِدِ إلا أنْ يَدْخُلَ فِي قولِهِ: (كاملَ الآلةِ) كما سَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ.
قالَ ابنُ الجَوْزِيِّ فِي (الإيضاحِ) (ص7):
(قالَ العلماءُ: من الواجبِ علَى الفقيهِ اللازمِ لهُ طَلَبُ الوقوفِ علَى
حقائقِ الأَدِلَّةِ وأوضاعِهَا التي هيَ مَبَانِي قواعدِ الشرعِ) ا. هـ.
وقولُهُ: (وَفَرْعًا)
أيْ: يَعْرِفُ المسائلَ الفِقْهِيَّةَ التابعةَ لهذهِ القواعدِ وغيرِهَا،
وليسَ المرادُ حِفْظَهَا، إنَّمَا المقصودُ أنْ يَحْفَظَ جملةً منها
لِيَتَمَكَّنَ منْ معرفةِ ما يَرِدُ عليهِ أثناءَ الفَتْوَى؛ إذْ لا
يُتَصَوَّرُ العلمُ بِجَمِيعِهَا.
والمرادُ بقولِهِ: (خِلافًا وَمَذْهَبًا)
أنْ يكونَ عَالِمًا بالفقهِ منْ جهةِ المسائلِ الخلافيَّةِ؛ لِيَتَمَكَّنَ
من الإفتاءِ بقولٍ منها، ولوْ كانَ مَؤَلَّفًا منْ قَوْلَيْنِ كالتفصيلِ،
وكذلكَ منْ جهةِ المذهبِ الذي سَيَذْهَبُ إليهِ بأنَّهُ لم يُخَالِف
الإجماعَ، لكنْ إنْ أُرِيدَ بالمُجْتَهِدِ المُجْتَهِدُ المُطْلَقُ
فالمرادُ بالمذهبِ: ما يَسْتَقِرُّ عليهِ رَأْيُهُ.
وإنْ أُرِيدَ المُجْتَهِدُ المُقَيَّدُ - وهوَ مجتهدُ المذهبِ - فالمرادُ: ما يَسْتَقِرُّ عليهِ رأيُ إِمَامِهِ.
- وذَكَرَ فِي (جمعِ الجوامعِ) (2/385)
أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ علمُ المجتهدِ بتفاريعِ الفقهِ؛ لأنَّها إنَّمَا
تَحْصُلُ بعدَ الاجتهادِ، فكيفَ تُشْتَرَطُ فيهِ؟! وهذا خلافُ ما عليهِ
المُصَنِّفُ.
- والظاهرُ أنَّ المجتهدَ لا بُدَّ لهُ منْ معرفةِ بعضِ التفاريعِ، ولوْ لِتَطْبِيقِ بعضِ القواعدِ الفقهيَّةِ كما تَقَدَّمَ.
(3) (أنْ يكونَ كاملَ الآلةِ فِي الاجتهادِ)
أيْ: يَسْتَكْمِلُ من الآلاتِ ما يَتَوَقَّفُ عليهِ الاجتهادُ، وهذا علَى
أنَّهُ لا يُفْتِي إلا مجتهدٌ، وبهِ قالَ جمعٌ منْ أهلِ العلمِ، وَيَرَى
آخرونَ أنَّ المُفْتِيَ إذا كانَ مُتَبَحِّرًا فِي مذهبِ إمامِهِ، فاهِمًا
لِكَلامِهِ، عَالِمًا لِرَاجِحِهِ منْ مَرْجُوحِهِ كَفَى، ولوْ لم يكنْ
مُسْتَطِيعًا اسْتِنْبَاطَ الأحكامِ منْ أَدِلَّتِهَا؛ وذلكَ لأنَّ
اشْتِرَاطَ الاجتهادِ المُطْلَقِ فِي المُفْتِي فيهِ حَرَجٌ ومَشَقَّةٌ،
والقضاءُ - معَ أنَّهُ مَرْكَزٌ عظيمٌ - لا يُشْتَرَطُ فيهِ الاجتهادُ،
فَلْيَكُن المُفْتِي كالقَاضِي الذي يُنَفِّذُ الأحكامَ.
- ولابنِ القَيِّمِ فِي (إعلامِ الموقعينَ) (4/212) كلامٌ جَيِّدٌ ذَكَرَ فيهِ أقسامَ المُفْتِينَ الذينَ يَجُوزُ لهم إفتاءُ الناسِ فَرَاجِعْهُ.
(3) ومِمَّا يُشْتَرَطُ فِي المجتهدِ: (أنْ يكونَ عَارِفًا بما يَحْتَاجُ إليهِ فِي استنباطِ الأحكامِ من النحوِ، واللغةِ) وأصولِ الفقهِ.
- أنْ يكونَ عالمًا بأحوالِ الرجالِ، لِيَعْرِفَ المقبولَ منْ غيرِهِ، وبالناسخِ والمنسوخِ، ومواقعِ الإجماعِ.
- أنْ يكونَ
عارفًا بتفسيرِ الآياتِ الواردةِ فِي الأحكامِ، وكذلكَ أحاديثُهَا، ولا
يُشْتَرَطُ حِفْظُهَا بلْ يَكْفِي معرفةُ مَظَانِّهَا فِي أبوابِهَا
لِيُرَاجِعَهَا وقتَ الحاجةِ إليها.
ويُمْكِنُ إدخالُ هذهِ الشروطِ تحتَ قولِ المُصَنِّفِ: (وأنْ يكونَ كاملَ الآلةِ فِي الاجتهادِ) فيكونُ تَفْصِيلاً بعدَ إجمالٍ. واللَّهُ أَعْلَمُ.
(4) (المُسْتَفْتِي) اسمُ فاعلٍ من الاستفتاءِ، بمعنَى طلبِ الفَتْوَى، فالسينُ والتاءُ للطلبِ.والمرادُ هنا: السائلُ عنْ حُكْمٍ شرعيٍّ.
ومنْ شرطِ المُسْتَفْتِي:
- أنْ يكونَ
منْ أهلِ التقليدِ، أيْ: أهلِ جوازِ التقليدِ، لا منْ أهلِ الاجتهادِ،
فَيَدْخُلُ فيهِ العَامِّيُّ والمُتَعَلِّمُ الذي لم يَبْلُغْ دَرَجَةَ
الاجتهادِ.
(5) وقولُهُ: (وَلَيْسَ لِلْعَالِمِ أَنْ يُقَلِّدَ)
أيْ: وليسَ للمجتهدِ أنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ إلا إذا اجْتَهَدَ بالفعلِ
ولم يَظْهَرْ لهُ الحكمُ، أوْ نَزَلَتْ بهِ حادثةٌ تَقْتَضِي
الفَوْرِيَّةَ، فَيَجُوزُ أنْ يُقَلِّدَ حِينَئِذٍ للضرورةِ.
ولَمَّا كانَ المجتهدُ لا يُقَلِّدُ بَيَّنَ المُصَنِّفُ حقيقةَ التقليدِ، لِيَتَّضِحَ معنَى حُرْمَةِ التقليدِ عليهِ).
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
القارئ: (ومن
شرط المفتي أن يكون عالماً بالفقه أصلاً وفرعاً، خلافاً ومذهباً ويكون كامل
الأدلة في الاجتهاد، عارفاً بما يحتاج إليه في استنباط الأحكام؛ من نحو
ولغة ومعرفة الرجال وتفسير الآيات الواردة في الأحكام والأخبار الواردة
فيها).
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (هذا شيء مما يتعلق بالمفتي.
- وكذلك يأتي المستفتى، المفتي: اسم فاعل من الإفتاء.
قال في (القاموس): (أفتاه في الأمر: أبانه له، والفتيا ما أفتى به الفقيه، فيقال لها فتوى.
والمفتي: يُطلق على المُخبر بالحق على غيرجهة الإلزام به، وهذا هو الفرق بين المفتي والقاضي.
- أن المفتي يبين الحق، ولكنه لا يُلزم، يفتيك بالحكم أنه كذا، لكنه لا يلزمك.
- أما القاضي فلا، فإنه يُبين لك الحكم ويُلزمك به، فالفتوى لا يحصل بها إلزام، بخلاف الحكم).
- فالمفتي: هو المُخبر بالحق على غير جهة الإلزام.
- وبعضهم يقول: هو المُخبر عن حكم شرعي.
- ويُطلق عند
الأصوليين على المجتهد: وهو الباذل وسعه في النظر في الأدلة ليحصل على
العلم أو الظن بحكم شرعي، بعض الأصوليين يقول: المفتي والمجتهد واحد،
وبعضهم يُفرّق بينهما.
- والمستفتي: اسم فاعل من الاستفتاء وهو لغة:طالب الفتوى.
وفي الاصطلاح: من طلب الحكم الشرعي من المجتهد، فيدخل فيه العامي والمتعلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد.
- فالمستفتي: من طلب الحكم الشرعي.
ويُقال في تعريفه: هو السائل عن حكم شرعي.
وقد ورد الإفتاء في الكتاب العزيز مُسنداً إلى الرب كما في قوله جل وعلا: {قل الله يُفتيكم}
- وإلى القرآن كما في قوله سبحانه: {وما يُتْلَى عليكُم في الكِتاب} أي: يفتيكم.
- وورد في السنة المطهرة مُسنداً إلى الناس كما في قوله عليه الصلاة والسلام: ((و الإثم ما حاك في نفسك وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك))، والمستفتي والسائل يستفتي ويسأل من يغلب على ظنه أنه أهل للفتوى بما يراه من انتصابه للفتيا وقيامه بذلك.
- وإذا تعدد المفتون في البلد فللمقلد استفتاء من شاء منهم، ولا يلزمه مراجعة الأعلم.
- وقيل: بل يلزمه سؤال الأفضل، واستدل للأول:
بأن المفضول من الصحابة والتابعين كان يُفتي مع وجود الفاضل، مع اشتهار
ذلك وتكرره ولم ينكره أحد، فكان إجماعاً على جواز استفتائه مع القدرة على
استفتاء الفاضل، واستُدل للثاني: بأن الأفضل أعلم في أحكام الشريعة وأسرار الشريعة، ولا شك أن الإنسان ينبغي له أن يحتاط لدينه وأن يسأل من يرى أنه أعلم وأورع.
وللمفتي آداب والمستفتي كذلك، من آداب المفتي:
1- أن يحسن النية، لأن الأعمال بالنيات، والإنسان إذا أحسن النية وُفّق.
2- وكذلك
ينبغي أن يكون حليماً وقوراً، لأن هذا مما يُفيده العلم الشرعي الذي
يحمله، فإذا فقد المفتي ذلك كان علمه كالبدن العاري من اللباس.
3- وكذلك ينبغي له أن يستعفف عما في أيدي الناس، فإنه إن أكل منهم شيئاً أكلوا من لحمه ودمه أضعافه.
4- وينبغي
له أيضاً أن يكون على جانب كبير من المعرفة بأحوال الناس، فإنه إذا عدم
ذلك تصور له الظالم بصورة المظلوم، وعكسه، وراج عليه المكر والخداع
والاحتيال، فينتج عن هذا مفاسد.
5- وكذلك ينبغي له أن يتوجه إلى الله سبحانه، ويتضرع إليه، ويُكثر من الدعاء والاستغفار ليلهمه الصواب ويفتح له طريق السداد.
6- وينبغي له أيضاً أن يحترز في تعبيراته من نسبة الحكم إلى الله جل وعلا أو إلى رسوله عليه الصلاة والسلام إلا بنص يستند عليه في ذلك.
7- وينبغي
له أيضاً أن يستشير في فتواه، قد يعرض له أمر يحتاج إلى استشاره يستشير في
فتواه من يثق بعلمه ودينه، فإن عمر رضي الله عنه على مقامه العظيم في
العلم والدين كان إذا نزلت به النازلة استشار الناس، استشار من حضر هذه
النازلة من الصحابة، ربما جمع الناس وشاورهم.
8- وعليه أن يعمل بعلمه، لأن العمل هو ثمرة العلم.
9- وكذلك
ينبغي له أن يتصور السؤال تصوراً تامّاً ليتمكن من الحكم عليه، فإن الحكم
على الشيء فرع عن تصوره، فإذا أشكل عليه معنى كلام المستفتي سأله عن حاله
وعن معنى العبارة التي لم يعرفها، وإن كان يحتاج إلى تفصيل استفصله، أو
يذكر التفصيل في الجواب،
فلو مثلاً: (سُئل عن رجل
توفي عن بنت وأخ وعم شقيق)، فليسأل عن الأخ هذا لأن الحكم يختلف، هل هذا
الأخ لأم أو شقيق، أو لأب بالنسبة للشقيق ولأب واحد، فإذا كان لأم يختلف،
فإن لم يستفصل منه بأن كان مثلاً أرسل سؤالاً في ورقه، فيفصل في الجواب، إن
كان الأخ هذا من الأم فلا شيء له، لوجود البنت، ويكون الباقي بعد فرض
البنت الذي هو النصف، يكون للعم، وإن كان الأخ هذا أخاً شقيقاً أو لأب فإنه
يكون هو العاصب والعم ليس له شيء.
- وكذلك:
لو سُئل عن شخص توفي وخلّف والديه فقط، يسأل، هل له أخوة، أو لا؟ والفائدة
إن كان له إخوة فإنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، وإن لم يكن له إخوة
أخذت الأم الثلث، فلا بد من تصّور السؤال والاستفصال من السائل. وكذلك
لابد أن يكون عارفاً بالحكم يقيناً أو ظنّاً راجحاً وإلا وجب عليه التوقف.
10- وكذلك
أن لا يعلم من حال السائل أن قصده التعنت، أو تتبع الرُّخص، أو ضرب أراء
العلماء بعضها بعض أو غير ذلك من المقاصد السيئة، فإن علم ذلك من حال
السائل فإنه لا يجب عليه أن يفتي وليس له أن يفتيه.
11- وكذلك
يشترط أن لا يترتب على الفتوى ما هو أكثر منها ضرراً، فإن ترتب عليها ضرر
أكبر منها وجب الإمساك عنها دفعاً لأشد المفسدتيْن بأخفهما.
ومن آداب المستفتي:
1- أن يريد باستفتائه الحق والعمل به، لا تتبع الرخص وإفحام المفتي وغير ذلك من المقاصد السيئة.
2 - وينبغي له أن لا يستفتي إلا من يعلم أو يغلب على ظنه أنه أهل للفتوى.
3- وينبغي له أن يختار أوثق المفتين علماً وورعاً، وقيل إن هذا واجب وليس مستحباً.
4- وكذلك:
ينبغي له أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة ويلتزم الأدب في السؤال، فلا ينبغي له
أن يعمل أو يقول ما لا ينبغي كأن يقول أفتاني غيرك بكذا وكذا، أو يسأله في
حالة ضجر، أو هَمٍّ، أو غضب، أو ما أشبه ذلك.
5- وينبغي له أيضاً أن لا يسأل عما لا يعنيه.
6- وأن لا يُكثر من المسألة، لأن الإكثار من الأسئلة يُسبب السأم، وفيه كتب خاصة عن الفتوى والمفتيوالمستفتى، للإمام ابن الصلاح كتاب في هذا، ولابن حمدان ولغيرهما من أهل العلم).
العناصر
المفتي والمستفتي
المفتي:
تعريف (المفتي)
تعريف (المفتي) لغةً
تعريف (المفتي) اصطلاحًا
الفرق بين (المفتي) و(القاضي)
الفرق بين (المفتي) و(المجتهد)
أحوال ورود (الإفتاء) في القرآن
أحوال ورود (الإفتاء) في السنة
شروط المفتي:
الشرط الأول: أن يكون عالمًا بالفقه أصلا وفرعًا، خلافًا ومذهبًا
الخلاف في اشتراط إلمام المفتي بتفاصيل الأحكام الفقهية
الشرط الثاني: أن يكون كامل الآلة في الاجتهاد
مسألة: هل يجوز لغير المجتهد أن يفتي؟
الشرط الثالث: أن يكون عالماً باللغة العربية وعلومها
هل يشترط التبحر في علوم اللغة؟
أهمية تعلم علوم اللغة العربية
الشرط الرابع: أن يكون عالمًا بأحوال الرجال والأسانيد
الشرط الخامس: أن يكون عالمًا بالناسخ والمنسوخ
الشرط السادس: أن يكون عالمًا بمواقع الإجماع
الشرط السابع: أن يكون عارفًا بتفسير آيات الأحكام وأحاديثها
آداب المفتي:
1 - حسن النية
2 - الحلم والوقار
3 - الاستعفاف عما في أيدي الناس
4 - معرفة أحوال الناس
5 - التوجه إلى الله تعالى والتضرع إليه
6 - الاحتراز في تعبيراته من نسبة الحكم إلى الله جل وعلا أو إلى رسوله عليه الصلاة والسلام إلا بنص يستند عليه في ذلك
7 - الاستشارة في الفتوى
8 - العمل بالعلم
9 - فهم المسائل وحسن تصورها
10 - لا بد أن يكون عارفاً بالحكم يقيناً أو ظنّاً راجحاً وإلا وجب عليه التوقف
11 - أن لا يعلم من حال السائل مقاصد سيئة
12 - أن لا يترتب على الفتوى ضررٌ أكبر
المستفتي:
تعريف (المستفتي)
تعريف (المستفتي) لغةً
تعريف (المستفتي) اصطلاحًا
من شرط المستفتي: أن يكون من أهل التقليد
آداب المستفتي:
1 - أن يريد باستفتائه الحق والعمل به، لا تتبع الرخص وإفحام المفتي وغير ذلك من المقاصد السيئة
2 - ينبغي له أن لا يستفتي إلا من يعلم أو يغلب على ظنه أنه أهل للفتوى
3 - ينبغي له أن يختار أوثق المفتين علماً وورعاً
4 - التخلق بالأخلاق الفاضلة والتزام أدب السؤال
5 - أن لا يسأل عما لا يعنيه
6 - أن لا يُكثر من المسألة
المؤلفات في آداب المفتي والمستفتي
شرح قوله: (فيقلد المفتي في الفتوى)
قوله: (فيقلد المفتي في الفتوى) فيه إشارة إلى مسألتين:
المسألة الأولى: أن الجاهل لا يجوز له تقليد كل أحد
المسألة الثانية: أنه إنما يجوز التقليد في الفتوى فقط
إنما يستفتي المستفتي من يغلب على ظنه أنه أهل للفتوى
مسألة: إذا تعدد المفتون في البلد، فمن يسأل المستفتي؟
القول الأول: أن للمقلد استفتاء من شاء منهم، ولا يلزمه مراجعة الأعلم
دليل أصحاب القول الأول: أن المفضول من الصحابة والتابعين كان يُفتي مع وجود الفاضل
القول الثاني: أنه يلزمه سؤال الأفضل
دليل أصحاب القول الثاني: أن الأفضل أعلم بأحكام الشريعة وسؤاله هو المتوجه
شرح قوله: (وليس للعالم أن يقلد)
مسألة: هل يجوز للمجتهد أن يقلد غيره؟
القول الأول: لا يجوز له التقليد، وهو المشهور عند الأصوليين
القول الثاني: يجوز تقليد العالم مطلقًا، وهو قول أحمد وإسحاق وسفيان
القول الثالث: يجوز للعالم تقليد من هو أعلم منه، وهو قول محمد بن الحسن
القول الرابع: يجوز للعالم التقليد في ما يقع له من الحوادث دون ما يقع لغيره
الأسئلة
س1: عرف (المفتي) لغة واصطلاحاً.
س2: ما الفرق بين (المفتي) و (القاضي)؟
س3: ما الفرق بين (المفتي) و (المجتهد)؟
س4: بين الشروط اللازمة في المفتي.
س5: اذكر بعض الآداب التي ينبغي للمفتي مراعاتها.
س6: عرف (المستفتي) لغة واصطلاحاً.
س7: هل من شرط المستفتي أن لا يكون من أهل التقليد؟
س8: بين بعض آداب المستفتي حين استفتائه.
س9: اذكر بعض المؤلفات في آداب المفتي والمستفتي.
س10: إذا تعدد المفتون في البلد، فمن يسأل المستفتي.
س11: اشرح بإيجاز قول المصنف: (وليس للعالم أن يقلد) ذاكراً الخلاف في حكم تقليد المجتهد لغيره.