1 Nov 2008
الأعيان المنتفع بها
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَأَمَّا
الحَظْرُ وَالإِبَاحَةُ؛ فَمِن النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الأَشْيَاءَ
عَلَى الحَظْرِ إِلاَّ مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَة، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ
في الشَّرِيعَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الإِبَاحَةِ يُتَمَسَّكُ بِالأَصْلِ
وَهُوَ الحَظْرُ.
وَمِن
النَّاسِ مَنْ يَقُولُ بِضِدِّهِ، وَهُو: أَنَّ الأَصْلَ في الأَشْيَاءِ
أنَّها عَلَى الإِبَاحَةِ إِلاَّ مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (1) (وَأَمَّا الْحَظْرُ وَالإِبَاحَةُ؛ فَمِن النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الأَشْيَاءَ) بَعْدَ الْبَعْثَةِ (عَلَى الْحَظْرِ)؛ أَيْ: عَلَى صِفَةٍ هِيَ الْحَظْرُ (إِلاَّ
مَا أَبَاحَتْهُ الشَّرِيعَةُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الشَّرِيعَةِ مَا
يَدُلُّ عَلَى الإِبَاحَةِ يُتَمَسَّكُ بِالأَصْلِ، وَهُوَ الْحَظْرُ،
وَمِن النَّاسِ مَنْ يَقُولُ بِضِدِّهِ، وَهُوَ أَنَّ الأَصْلَ فِي
الأَشْيَاءِ) بَعْدَ الْبَعْثَةِ (أَنَّهَا عَلَى الإِبَاحَةِ، إِلاَّ مَا حَظَرَهُ الشَّرْعُ).
وَالصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ وهو:
- أَنَّ الْمَضَارَّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَالْمَنَافِعَ عَلَى الْحِلِّ.
- أَمَّا قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَلاَ حُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِأَحَدٍ؛ لانْتِفَاءِ الرَّسُولِ الْمُوصِلِ إِلَيْهِ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (1) (وأمَّا
الحظْرُ والإباحةُ: فمِن الناسِ مَنْ قالَ: إنَّ أصلَ الأشياءِ على
الحظْرِ إلاَّ ما أَبَاحَتْهُ الشريعةُ، فإنْ لمْ يُوجَدْ في الشريعةِ ما
يَدُلُّ على الإباحةِ فيُتَمَسَّكُ بالأصْلِ، وهوَ الحظْرُ، ومِن الناسِ
مَنْ قالَ بِضِدِّهِ: وهوَ أنَّ أَصْلَ الأشياءِ على الإباحةِ إلاَّ ما
حَظَرَهُ الشرْعُ).
هذهِ المسألةُكلامِيَّةٌ،
وهيَ مِنْ فُروعِ القولِ بالحُسْنِ والقُبْحِ العقلِيَّيْنِ، وإنَّما
جَرَتْ عادةُ أهلِ الأصولِ بالكلامِ عليها وعلى شُكْرِ الْمُنْعِمِ في
أُصُولِ الفِقهِ، فخَصَّ إحدَى المسألتَيْنِ بالذِّكْرِ دُونَ الأخرى
لِمَعْنًى، وهوَ أنَّ مَسألةَ الشكْرِ لا يَكادُ يَتَعَلَّقُ بها شيءٌ مِنْ
أحكامِ الفروعِ، بخِلافِ مسألةِ الحظْرِوالإباحةِ؛ فإنَّ جماعةً مِنْ
أصحابِنا خَرَّجُوا ما لمْ يُذْكَرْ في كتابٍ ولا سُنَّةٍ مِن الحيواناتِ
وغيرِها على وجهَيْنِ، بِناءً على أنَّ أصلَ الأشياءِ الإباحةُ أو الحظْرُ.
فلَمَّا تَعَلَّقَتْ
أحكامُ الفروعِ بهذهِ المسألةِ تَعَيَّنَ ذِكْرُها فيما وُضِعَ للفُقهاءِ
مِن الأُصُولِ. والمشهورُ مِنْ مَذهَبِ الأشعريِّ الوَقْفُ، وألاَّ حُكْمَ
قبلَ وُرودِ الشرْعِ.
ونفيُ الحكْمِ قبلَ الشرْعِ هوَ قَضِيَّةُ قولِهم: لا يُحَسِّنُ العقلُ ولا يُقَبِّحُ.
- وأمَّا المعتزِلَةُ فقد اخْتَلَفوا:
- فقالَ قومٌ منهم: أَصْلُ الأشياءِ الإباحةُ، ويُحْكَى هذا عنْ أبي العبَّاسِ وأبي إسحاقَ مِنْ أصحابِنا.
- وقالَ آخَرُونَ:
أَصْلُ الأشياءِ الحظْرُ، ويُحْكَى هذا عنْ أبي عَلِيِّ بنِ أبي
هُرَيْرَةَ مِنْ أصحابِنا، ودليلُ هذا القولِ أنَّ التصَرُّفَ في مِلْكِ
الغَيْرِ بغيرِ إذنِهِ قَبيحٌ عَقْلاً، والأشياءُ كلُّها مِلْكٌ للهِ
تعالى، فلا يَحِلُّ لأحَدٍ التصَرُّفُ فيها بغَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ.
ودليلُ الأوَّلِ:
أنَّ هذا انتفاعٌ خالٍ عنْ
أَماراتِ الْمَفسدةِ، ولا مَضَرَّةَ فيهِ على المالِكِ، فكانَ مُباحًا
قِياسًا على الشاهِدِ، يعني: أنَّ الانتفاعَ كذلكَ في الشاهِدِ مُباحٌ،
مِثلُ: الاستظلالِ بجِدارِ الغيرِ؛ فكذلكَ التَّصَرُّفُ في الأشياءِ قبلَ
الشَّرْعِ انتفاعٌ؛ لأنَّ الكلامَ فيما كانَ مَنفعةً ولا مَضَرَّةَ فيهِ
ولا مَفسدةَ، والمالِكُ هوَ اللهُ سُبحانَهُ وتعالى مُتَعَالٍ عن
التضَرُّرِ بذلكَ، فوَجَبَ القولُ بإباحتِهِ.
ولْيُعْلَمْ أنَّ مَحَلَّ
الخِلافِ ما كانَ خارجًا عنْ مَحَلِّ الضرورةِ: كالتنَفُّسِ وأكْلِ ما لا
بُدَّ منهُ في بَقاءِ الصُّورةِ؛ فإنَّ هذا مُباحٌ وِفاقًا.
وقدْ بَيَّنَ وَجْهَ تَعَلُّقِ هذهِ المسألةِ بالفروعِ بقولِهِ: (فإنْ لمْ يُوجَدْ في الشريعةِ ما يَدُلُّ على الإباحةِ يُتَمَسَّكُ بالأصلِ وهوَ الحظْرُ) ).
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (1) أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ بيانِ القياسِ: شَرَعَ في بيانِ الحَظْرِ والإِبَاحَةِ، وَهُوَ البابُ الرَّابعَ عَشَرَ.
وكانَا بابَيْنِ في
الأصْلِ كالنَّاسِخِ والمَنْسُوخِ، وإنَّما جَمَعَ بينَهُمَا هناكَ
وَهُنَا؛ لأنَّ الكلامَ متعلِّقٌ بِهِمَا -معًا- ومُتَردِّدٌ بينَهُمَا؛
لأنَّ العلماءَ قدِ اخْتَلَفُوا في أصْلِ الأشياءِ قبلَ ورودِ الشَّرْعِ
بحلِّهِ، أَوْ حُرْمَتِهِ.
هَلْ تُحْمَلُ على الإباحةِ، أوِ الحرامِ أوِ التَّوقُّفِ؟
فذهبَ أبُو
حنيفةَ، وأبو العباسِ، وأبو إسحاقَ منَ الشَّافعيَّةِ، ومعتزلةُ البصرةِ
إلى الإباحةِ؛ لأنَّهُ لمْ يترتَّبْ عليْهِ مفسدةٌ، ولاَ ضَرَرٌ على
مالكِهِ، وهوَ اللهُ - تعالى -؛ قياسًا على الشَّاهِدِ، وَهُوَ
الانْتِفَاعُ بالاسْتِظْلاَلِ بجدارِ الغَيْرِ، والاقْتِبَاسِ مِنْ
نَارِهِ؛ إذْ لاَ ضَرَرَ على مالِكِهَا؛ فكذَا هُنَا.
- وذهبَ ابنُ
أبي هريرةَ منَ الشَّافِعِيَّةِ، وبعضُ الشِّيعَةِ، ومعتزلةُ بغدادَ إلى
الحُرْمَةِ؛ لأنَّ التَّصَرُّفَ في مِلْكِ الغَيْرِ بغيرِ إذنِهِ قبيحٌ؛
لأنَّ الأشياءَ - كلَّهَا - ملكُ البَاري - تعالى - فلاَ يجوزُ لأحدٍ أنْ
يتناولَ شيئًا حتَّى يَرِدَ الشَّرْعُ بهِ كمَا هُوَ في الشَّاهِدِ في حقِّ
المَخْلُوقِ.
- وذهبَ أبُو الحسنِ الأشعريُّ، وأبُو بكرٍ الصَّيْرَفيُّ إلى التَّوَقُّفِ مِنْ غَيْرِ تحريمٍ، ولاَ إباحةٍ قَبْلَ ورودِ الشَّرْعِ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (1) ولَمَّا فرغَ من ذكرِ الدَّلائلِ الشَّرعيَّةِ المتَّفقِ عليها؛ شَرعَ يذكُرُ الدَّلائلَ المختلَفَ فيها:
فمنْهَا أن يُقالَ: إنَّ الأصلَ في الأشياءِ الحُرمةُ أو الإِباحَة.
فقالَ: (وأمَّا الحظرُ) أي: الحرمَةُ، (والإِباحةُ؛ فمنَ النَّاسِ مَن يقولُ: إنَّ الأشياءَ) بعدَ البَعْثَةِ (علَى الحظرِ) أي: مستمرَّةٌ علَى الحُرْمَةِ؛ لأنَّها الأصلُ فيها؛ (إلا مَا أبَاحتْهُ الشَّريعةُ) والاستثناءُ منقطعٌ؛ فإنَّ ما أباحتْهُ الشَّريعةُ الأصلُ فيهِ أيضًا الحرْمَةُ عندَهُ، (فإِنْ لم يوجَدْ في الشَّريعةِ ما يدُلُّ علَى الإِباحةِ؛ يُتَمَسَّكُ بالأصلِ) وهو الحظرُ، ومِنَ النَّاسِ مَنْ يقولُ بضدِّ هذا القولِ (وهو أنَّ الأصلَ في الأشياءِ) بعدَ البَعثةِ (أنَّهَا علَى الإِباحةِ؛ إلا مَا حَظَرهُ الشَّرعُ) أي: حرَّمَهُ.
والصَّحيحُ التَّفصيِلُ، وهوَ أنَّ أصلَ المضَارِّ التَّحريمُ، والمَنافعِ الحِلُّ:
- قالَ اللَّهُ تعالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} ذكرهُ في مَعرِضِ الامْتِنَانِ، ولا يُمْتَنُّ إلا بجائزٍ.
- وقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمَا رواهُ ابنُ مَاجه وغيرُهُ: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ))؛ أي: في دينِنَا؛ أي: لا يجوزُ ذلكَ.
وهذا حكمُ الأشياءِ بعدَ البَعثةِ، وأمَّا قبلَ البَعثَةِ؛ فَليسَ هناكَ حكمٌ شرعيٌّ يتعلَّقُ بشيءٍ؛ لانتفاءِ الرَّسولِ المبيِّنِ للأحكامِ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (1) قولُهُ: (وَأَمَّا الحَظْرُ وَالإِبَاحَةُ) معطوفٌ علَى قولِهِ فِي أَوَّلِ (الورقاتِ): (وَأَمَّا أَقْسَامُ الكَلامِ)، فهوَ منْ جملةِ ما أَرَادَ تَفْصِيلَهُ بعدَ إِجْمَالِهِ.
والمرادُ بالحَظْرِ: المَنْعُ. والإباحةُ ضِدُّهُ.
وهذهِ المسألةُ وهيَ مسألةُ الأَعْيَانِ المُنْتَفَعِ بها، ذَكَرَ المُصَنِّفُ فيها قَوْلَيْنِ:
القول الأَوَّلُ:
أنَّ الأشياءَ
المُنْتَفَعَ بها علَى الحظرِ إلا ما دَلَّت الشريعةُ علَى إباحتِهِ فهوَ
مُبَاحٌ، فإنْ لم يُوجَدْ فِي الشريعةِ ما يَدُلُّ علَى الإباحةِ فإنَّهُ
يُتَمَسَّكُ بالأصلِ وهوَ الحظرُ.
واحْتَجَّ القَائِلُونَ
بذلكَ بأنَّ جميعَ الأشياءِ مَمْلُوكَةٌ للَّهِ جَلَّ وَعَلا، والأصلُ فِي
ملكِ الغيرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ فيهِ إلا بإذنِهِ، وكلامُ المُؤَلِّفِ
يُشْعِرُ بِمَيْلِهِ إلَى هذا القولِ.
القولُ الثاني:
أنَّ الأصلَ فِي المنافعِ الإباحةُ إلا ما حَظَرَهُ الشرعُ.
- ومنْ أَدِلَّةِ ذلكَ قولُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}.
ووجهُ الدلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تَعَالَى
امْتَنَّ علَى خَلْقِهِ بما فِي الأرضِ جميعًا، ولا يَمْتَنُّ إلا
بِمُبَاحٍ؛ إذ لا مِنَّةَ فِي مُحَرَّمٍ، وَخَصَّ منْ ذلكَ بعضَ الأشياءِ
وهيَ الخبائِثُ، لِمَا فيها من الضررِ لهم فِي مَعَاشِهِم أوْ مَعَادِهِم،
فَيَبْقَى ما عَدَاهَا مُبَاحًا بِمُوجَبِ الآيَةِ.
- وقالَ تَعَالَى: {وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ}؛ فَامْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى علَى الأنامِ بأنْ وَضَعَ لهم الأرضَ، وجعلَ لهم فيها أَرْزَاقَهُم من القُوتِ وَالتَّفَكُّهِ.
- وعنْ سعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ)).
وَوَجْهُ الدلالةِ منْ وَجْهَيْنِ:
- أنَّ الأشياءَ لا تَحْرُمُ إلا بِتَحْرِيمٍ خاصٍّ لِقَوْلِهِ: (لَمْ يُحَرَّمْ).
- أنَّ التحريمَ قدْ يَكُونُ لأجلِ المسألة ِ؛ فَبَيَّنَ بهذا أنَّها بِدُونِ ذلكَ ليستْ مُحَرَّمَةً.
وهذا القولُ أَرْجَحُ
الأقوالِ فِي المسألةِ لِقُوَّةِ أَدِلَّتِهِ، وما عَلَّلَ بهِ
الأَوَّلُونَ ضعيفٌ لا يَقِفُ فِي مقابلةِ النصوصِ.
- وقدْ نَصَرَ هذا القولَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَرَاجِعْ كَلامَهُ فِي (مجموعِ الفتاوَى) (21/535).
- واعْلَمْ
أنَّ المسألةَ خاصَّةٌ بالأعيانِ المُنْتَفَعِ بها، كما نَبَّهَ عَلَى
ذَلِكَ جَمْعٌ مِنَ العُلَمَاءِ منهم: صَفِيُّ الدينِ عبدُ المُؤْمِنِ
صاحبُ (قواعدِ الأصولِ) (ص29)، والشيخُ الشنْقِيطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي (مُذَكِّرَتِهِ علَى الرَّوْضةِ) (ص19) وفي (أضواءِ البيانِ) (7/743)، وكذلكَ الفُتُوحِيُّ فِي (شَرْحِهِ للكوكبِ المنيرِ) (1/322)، وغيرُهُم.
- وكلامُ المُصَنِّفِ فِي (الورقاتِ) عامٌّ، حيثُ عَبَّرَ بالأشياءِ، وهيَ تَشْمَلُ المنافعَ والمَضَارَّ كما تَشْمَلُ الأقوالَ والأفعالَ، وقدْ فَصَّلَ شارحُ (الورقاتِ) جلالُ الدينِ المَحَلِّيُّ (ص29) وبَيَّنَ حُكْمَ المنافعِ وأنَّهُ الحِلُّ، والمَضَارِّ وأنَّهُ التَّحْرِيمُ. واللَّهُ أَعْلَمُ).
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
القارئ: (وأما
الحظر والإباحة: فمن الناس من يقول: إن أصل الأشياء على الحظر إلا ما
أباحته الشريعة، فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على الإباحة يتمسك بالأصل
وهو الحظر، ومن الناس من يقول بضد ذلك وهو: أن الأصل في الأشياء الإباحة
إلا ما حظره الشرع).
ومنهم من قال: بالتوقف.
ومعنى استصحاب الحال: أن يستصحب الأصل عند عدم الدليل الشرعي).
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (هذه مسألة يذكرها بعض الأصوليين في أوائل كتب الأصول، كما ذكرها الموفق ضمن مباحث المباح في أول (الروضة).
- وقول المؤلف هنا: (إن الأشياء على الحظر) هذا مطلق، الأشياء يشمل: الأشياء النافعة والضارة ولهذا بعضهم يُعبّر بالأفعال والأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع.
- وحالات الأعيان ثلاث:
- إما أن تكون ضارة ضرراً محضاً، (كالسموم) ونحوها، فهذه حرام.
- وإما أن تكون نافعة نفعاً محضاً، فهذه مُباحة.
- وإما أن يكون فيها نفع من جهة ومضرة من جهة، أو تكون مضرتها غالبة، أو مصلحتها راجحة، فيؤخذ بالأحوط في ذلك والمصلحة.
- وهذه المسألة متفرعة عن مسألة التحسين، والتقبيح العقليين، وهي مسألة معروفة، وقال بها المعتزلة، وهي باطلة عند الجمهور.
- وقد اختلف العلماء في الأفعال، وفي الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع بحكمها، وفيها ثلاثة أقوال:-
القول الأول: أنها على الإباحة.
الثاني: أنها على الحظر.
والثالث: التوقف.
- قال الموفّق ابن قدامة رحمه الله في (الروضة): (واخُتلف في الأفعال وفي الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع بحكمها).
- فقال:
التميمي وأبو الخطاب والحنفية: (هي على الإباحة، إذ علم انتفاعنا بها من
غير ضرر علينا ولا على غيرنا، فليكن مُباحاً، ولأن الله سبحانه خلق هذه
الأعيان لحكمة لا محالة، ولا يجوز أن يكون ذلك لنفع يرجع إليه، فثبت أنه
بنفعنا).
- القول الثاني: أنها
على الحظر: قال بهذا ابن حامد، والقاضي أبو يعلى، وبعض المعتزلة، قالوا:
لأن التصرف في مُلك الغير بغير إذنه قبيح، والله سبحانه هو المالك ولم
يأذن.
- ثانياً: ولأنه يحتمل أن في ذلك ضرراً فالإقدام عليه خطر.
القول الثالث:
أنه لا حكم لها: إذ معنى الحكم الخطاب، ولا خطاب قبل ورود السمع، والعقل
لا يُبيح شيئاً ولا يُحرّمه، وإنما هو مُعرّف بالترجيح والاستواء، وقُبح
التصرف في ملك الغير إنما يعلم بتحريم الشارع ونهيه، ولو حُكّمت فيه العادة
إنما قَبُح في حق من يتضرر بالتصرف في ملكه، فليقبح المنع مما لا ضرر فيه،
كالظل وضوء النار، الحاصل أن الأقوال في هذه المسألة ثلاثة، وأرجحها هو
القولالأول لعموم قوله سبحانه: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً}.
- قوله
فيما سبق: (الغير) إدخال (أل) على (غير)، هذا مما انتقده العلاّمة الحريري
في (درّة الغواص)، وبيّن أن (أل) لا تدخل على (غير) لتوغلها في الإبهام،
فإذا أدخلت (أل) على غير ما تستفيد منها تعريفاً، ولهذا المشهور عندهم أن
(أل) لا تدخل على (غير).
- وأن
من أدخلها فقد غلط، وإن كان بعض المجامع اللغوية قد أجاز دخول (أل) على
(غير) في بعض الحالات، لكن صرّح جماعة من المتقدمين أنها لا تدخل عليها
بحال، وأن إدخالها غير فصيح).
العناصر
مسألة الأعيان المنتفع بها
هذه مسألة يذكرها بعض الأصوليين في أوائل كتب الأصول
شرح قوله: (فمن الناس من يقول: إن أصل الأشياء على الحظر)
الأشياء تشمل: الأشياء النافعة والضارة
حالات الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع:
1 - إما أن تكون ضارة ضرراً محضاً، كالسموم ونحوها، فهي حرام
2 - وإما أن تكون نافعة نفعاً محضاً، فهي مُباحة
3 - وإما أن يكون فيها نفع من جهة ومضرة من جهة، فيؤخذ بالأصلح في ذلك
الخلاف في الأفعال والأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع بحكمها:
القول الأول: أنها على الإباحة
أدلة أصحاب القول الأول:
الدليل الأول: قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا}
الدليل الثاني: قوله تعالى: {والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان}
الدليل الثالث: حديث: (إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته)
الدليل الرابع: أن الله سبحانه خلق هذه الأعيان لحكمة لا محالة...
أوجه ترجيح القول الأول
القول الثاني: أنها على الحظر
أدلة أصحاب القول الثاني:
1 - أن التصرف في ملك الغير بغير إذنه قبيح، والله هو المالك ولم يأذن
2 - أنه يحتمل أن في ذلك ضررًا؛ فالإقدام عليه خطر
كلام المؤلف يشعر بميله إلى هذا القول
القول الثالث: أنها لا حكم لها
نصر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-
الأسئلة
س1: ما حالات الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع؟
س2: بين الخلاف في حكم الأفعال والأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع بحكمها.