الدروس
course cover
شروط القياس الصحيح
1 Nov 2008
1 Nov 2008

8033

0

0

course cover
شرح الورقات في أصول الفقه

القسم الرابع

شروط القياس الصحيح
1 Nov 2008
1 Nov 2008

1 Nov 2008

8033

0

0


0

0

0

0

0

شروط القياس الصحيح


قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَمِنْ شَرْطِ الفَرْعِ: أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِلأَصْلِ.
وَمِنْ شَرْطِ الأَصْل: ِأَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الخَصْمَيْنِ.
وَمِنْ شَرْطِ العِلَّةِ: أَنْ تَطَّرِدَ في مَعْلُولاَتِهَا فَلاَ تُنْتَقَضَ لَفْظًا وَلاَ مَعْنًى.
وَمِنْ شَرْطِ الحُكْمِ: أَنْ يَكُونَ مِثْلَ العِلَّةِ في النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ.
وَالعِلَّةُ: هِيَ الجَالِبَةُ لِلْحُكْمِ.
وَالحُكْمُ: هُوَ المَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ*.

هيئة الإشراف

#2

15 Dec 2008

شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي


قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (3) (وَمِنْ شَرْطِ الْفَرْعِ أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا لِلأَصْلِ) فِيمَا يُجْمَعُ بِهِ بَيْنَهُمَا لِلْحُكْمِ؛ أَيْ: أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِمُنَاسِبٍ لِلْحُكْمِ.
(4) (وَمِنْ شَرْطِ الأَصْلِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) لِيَكُونَ الْقِيَاسُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَصْمٌ؛ فَالشَّرْطُ ثُبُوتُ حُكْمِ الأَصْلِ بِدَلِيلٍ يَقُولُ بِهِ الْقِيَاسُ.
(5) (وَمِنْ شَرْطِ الْعِلَّةِ أَنْ تَطَّرِدَ فِي مَعْلُولاَتِهَا، وَلاَ تُنْتَقَضَ لَفْظًا وَلاَ مَعْنًى).فَمَتَى انْتقضَتْ لَفْظًا، بِأَنْ صَدَقَت الأَوْصَافُ الْمُعَبَّرُ بِهَا عَنْهَا فِي صُورَةٍ بِدُونِ الْحُكْمِ، أَوْ مَعْنًى، بِأَنْ وُجِدَ الْمَعْنَى الْمُعَلَّلُ بِهِ فِي صُورَةٍ بِدُونِ الْحُكْمِ؛ فَسَدَ الْقِيَاسُ.
الأَوَّلُ: كَأَنْ يُقَالَ فِي الْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ: (إِنَّهُ قَتْلُ عَمْدٍ عُدْوَانٌ؛ فَيَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ، كَالْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ) فَيُنْتَقَضُ ذَلِكَ بِقَتْلِ الوَالِدِ وَلَدَهُ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ بِهِ قِصَاصٌ.
والثَّانِي: كَأَنْ يُقَالَ: (تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَوَاشِي؛ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ) فَيُقَالُ: يُنْتَقَضُ ذَلِكَ بِوُجُودِهِ فِي الْجَوَاهِرِ، وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا.
(6) (وَمِنْ شَرْطِ الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْعِلَّةِ فِي النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ) أَيْ: تَابِعًا لَهَا فِي ذَلِكَ، إِنْ وُجِدَتْ وُجِدَ، وَإِن انْتَفَت انْتَفَى.
(7) (وَالْعِلَّةُ: هِيَ الْجَالِبَةُ لِلْحُكْمِ) بِمُنَاسَبَتِهَا لَهُ.
(وَالْحُكْمُ: هُوَ الْمَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ) لِمَا ذُكِرَ).

هيئة الإشراف

#3

15 Dec 2008

شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي


قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (2) (ومِنْ شَرْطِ الفرْعِ: أنْ يكونُ مُنَاسبًا للأصلِ).
ومِنْ شَرْطِ الأصلِ: أنْ يكونَ ثابتًا بدليلٍ مُتَّفَقٍ عليهِ بينَ الْخَصمَيْنِ.
ومِنْ شَرْطِ العِلَّةِ: أنْ تَطَّرِدَ في مَعلولاتِها، وأنْ لا تُنْتَقَضَ لا لَفْظًا ولا مَعْنًى.
ومِنْ شَرْطِ الحُكْم: أنْ يكونَ مِثْلَ العِلَّةِ في النفيِ والإِثباتِ، والعِلَّةُ هيَ الجالِبَةُ للحُكْمِ، والحكْمُ هوَ المجلوبُ للعِلَّةِ .
الفرْعُ:
هوَ ما يُرادُ إثباتُ حُكْمِ الأصلِ فيهِ، مِثلُ: (الأُرْزِ) مَثلاً يُرادُ إجراءُ الرِّبَا فيهِ بالقياسِ على الْحِنْطَةِ.
ومعنى كونِ الفرْعِ مُناسبًا للأصْلِ: صِحَّةُ إلحاقِهِ بهِ، وذلكَ باشتراكِها في عِلَّةِ الحكْمِ في الأصْل ؛ فذِكْرُ العِلَّةِ في القياسِ يُغْنِي عنْ هذا الشرْطِ عندَ مَنْ لا يَقْبَلُ قِياسَ الطرْدِ؛ فإنَّ مَنْ ردَّ القِياسَ الطرديَّ إنَّما يَعْتَبِرُ الإِجماعَ في عِلَّةِ الحكْمِ، فمتى تَحَقَّقَ ذلكَ صَحَّ القِياسُ، ومتى لمْ يَتَحَقَّقْ ذلكَ بَطَلَ القياسُ، فلا معْنَى لمناسَبَةِ الفرْعِ للأصلِ بعدَ الاشتراكِ في عِلَّةِ الحكْمِ، وإنَّما يَصِحُّ اعتبارُ المناسَبَةِ المذكورةِ شَرْطًا زائدًا عندَ مَنْ يَقْبَلُ القياسَ الطرْدِيَّ؛ فإنَّ الفرْعَ قدْ يكونُ مُشارِكًا للأصْلِ في أَوْصَافٍ، ومعَ ذلكَ لا يَحْسُنُ الجمْعُ بينَهما لعَدَمِ المناسَبَةِ بينَهما، وإنَّما تُعْتَبَرُ الأوصافُ الطرديَّةُ إذا كانَ الجمْعُ بينَ الفرْعِ والأصلِ في الحكْمِ سائغًا مُسْتَحْسَنًا.
- ومِثالُ ذلكَ:
(قولُنا في إِلْزَامِ السَّيِّدِ إجابةَ عَبْدِهِ إلى النِّكاحِ): إنَّ العبدَ مُكَلَّفٌ مُوَلًّى عليهِ، فوَجَبَتْ إجابتُهُ إلى النِّكاحِ إذا طَلَبَ؛ كالسفيهِ؛ فهذا قِياسٌ طَرْدِيٌّ، وبينَ العبدِ الذي هوَ الفرْعُ والسفيهِ الذي هوَ الأصْلُ مُناسَبَةٌ مِنْ حيثُ إنَّ كلَّ واحدٍ منهما مُوَلًّى عليهِ. وعبارتُهُ مُعْتَبَرَةٌ.
- فلوْ قيلَ:
المجنونُ إذا طَلَبَ النِّكاحَ وَجَبَتْ إجابتُهُ؛لأنَّهُ إنسانٌ مُوَلًّى عليهِ، والولَدُ البالغُ المُطْلَقُ يَجِبُ على الأبِ إِجَابَتُهُ إذا طَلَبَ؛ لأنَّهُ بالِغٌ مُكَلَّفٌ، كانَ ذلكَ باطلاً لعَدَمِ المناسَبَةِ بينَ السفيهِ والمجنونِ؛ فإنَّ السفيهَ تُعْتَبَرُ عِبَارَتُهُ فِي العِباداتِ، والمجنونَ لا تُعْتَبَرُ عِبارتُهُ في شيءٍ أَصْلاً.
وكذلكَ: البالِغُ الْمُطْلَقُ مُسْتَقِلٌّ بنفسِهِ، بخلافِ السفيهِ؛ فإنَّهُ مُوَلًّى عليهِ. فالمناسَبَةُ بينَ السفيهِ والعبدِ اشتراكُهما في وَصفَيْنِ خاصَّيْنِ، بخِلافِ البالغِ المطلَقِ والمجنونِ؛ فإنَّهما وإنْ شَارَكَاهُ في وَصفَيْنِ، إلاَّ أنَّ أحدَهما في المجنونِ عامٌّ لا يَخْتَصُّ بالسفيهِ، فإنْ قُلنا: إنسانٌ مُوَلًّى عليهِ، جَمَعْنَا بينَهما بوَصفيْنِ أَحدُهما: الإِنسانيَّةُ، وهيَ أَمْرٌ عامٌّ، لا يَحْسُنُ اعتبارُها في أحكامِ الخصوصِ.
وأمَّا في الولَدِ البالغِ: فإنَّ الجمْعَ وَقَعَ بوَصفيْنِ عامَّيْنِ، وهما البلوغُ والتكليفُ، فهذا معنى مناسَبَةِ الفرْعِ للأصْلِ، ولوْ لمْ يَذْكُرْ هذا الشرْطَ كانَ أَوْلَى بهِ؛ فإنَّ ظاهرَ كلامِهِ الإِعراضُ عنْ قِياسِ الطرْدِ، فتَنْحَصِرُ مُناسَبَةُ الفرْعِ للأصْلِ في الاشتراكِ في عِلَّةِ الحكْمِ، وقدْ ذُكِرَ ذلكَ في حَدِّ القِياسِ.
فإنْ قيلَ: مُناسَبَةُ الفرْعِ: أصلَهُ يُعْتَبَرُ في قِياسِ الشَّبَهِ، فإنَّ الْحُكْمَ فيهِ مُعَلَّقٌ بقُوَّةِ الشبَهِ لا بعِلَّةِ الحكْمِ، فتُعْتَبَرُ المناسَبَةُ فيهِ؛ فلذلكَ ذَكَرَها.
- قيلَ: لمْ يُقَيِّدْ ما ذَكَرَهُ مِن الشرْطِ في الفرْعِ بقياسِ الشبَهِ، فالإِطلاقُ مُستدرَكٌ لوْ سُلِّمَ هذا الجوابُ.
وأيضًا فالمناسَبَةُ في قِياسِ الشبَهِ مُتَحَقِّقَةٌ بينَ الفرْعِ وأَصْلَيْهِ المُتَرَدَّدِ بينَهما، وإنَّما النظَرُ في أيِّ الشَّبَهَيْنِ أَقْوَى، فَقُوَّةُ المشابَهَةِ في الشبَهِ كعِلَّةِ الحكْمِ، إنْ وُجِدَتْ قُوَّةُ المشابَهَةِ كانَ الفرْعُ مُناسِبًا، وإنْ لمْ تُوجَدْ لمْ يكُنْ مُناسبًا، فالجامِعُ قُوَّةُ الشَّبَهِ، فلا معنى لاشتراطِ مُناسبَةٍ أُخرى وراءَ ذلكَ.
وأمَّا الأصلُ: فهوَ المطلوبُ إثباتُ حُكْمِهِ أوْ مِثْلِ حُكْمِهِ في الفرْعِ؛ (كالْحِنْطَةِ معَ الأُرْزِ).
فإذا كانَ حُكْمُ الأصْلِ ثابتًا بنَصٍّ أوْ إجماعٍ، وعُلِمَتْ عِلَّتُهُ بنَصٍّ أو استنباطٍ، جازَ القِياسُ عليهِ.
وإنْ كانَ حُكْمُ الأصلِ ثابتًا بالقياسِ جازَ القِياسُ عليهِ بتلكَ العِلَّةِ. وهلْ يَجوزُ تَغَيُّرُها؟
فيهِ خِلافٌ، مِثالُ ذلكَ: أنْ يُقاسَ (الأُرْزُ) على الْحِنْطَةِ بجامِعِ الطَّعْمِيَّةِ، فيَجوزُ قِياسُ الذُّرَةِ على الأُرْزِ بهذهِ العِلَّةِ.
فلوْ قيلَ: (الذُّرَةُ) (كالأُرْزِ) بجامعِ أنَّ كلَّ واحدٍ منهما قُوتٌ في مكانٍ تُعْدَمُ فيهِ الْحِنطةُ أوْ تَقِلُّ، كانَ ذلكَ قِياسًا بغيرِ عِلَّةِ القياسِ الأوَّلِ.
والصحيحُ أنَّ مِثلَ هذا باطلٌ؛ فإنَّهُ إِلْحَاقٌ بغيرِ عِلَّةِ الحكْمِ، ولأنَّهُ يُفْضِي إلى ما يُسْتَهْجَنُ ولا يُستَحْسَنُ في العقلِ؛ فإنَّهُ إذا جازَ الجمْعُ بينَ الذُّرةِ والأُرْزِ بجامعِ كونِهما قُوتًا في قُطْرٍ تُعْدَمُ فيهِ الْحِنطةُ أوْ تَقِلُّ، جازَ الجمْعُ بينَ الأُرْزِ واللِّينُوفَرِ بأنَّ كلَّ واحدٍ منهما نَباتٌ لا يُقْطَعُ عنهُ الماءُ، فيكونُ اللينوفرُ رِبَوِيًّا بهذا الجامِعِ.
وإذا أَثبتَ الشافعيُّ حُكْمًا بالمفهومِ، وأرادَ الاحتجاجَ على الحنَفِيِّ بالقِياسِ عليهِ، كانَ ذلكَ باطلاً؛ لأنَّ دَليلَ حُكْمِ الأصلِ ممنوعٌ عندَ الحنفِيِّ، فَكَوْنُ القِياسِ حُجَّةً على الْخَصمَيْنِ مَوقوفٌ على إثباتِ حُكْمِ الأصلِ بدليلٍ مُتَّفَقٍ عليهِ بينَهما، ولوْ تَوَاطَئَا على حُكْمِ الأصلِ لَزِمَهما القياسُ بذلكَ التَّوَاطُؤِ، ولمْ يكُنْ حُجَّةً.
وأمَّا العِلَّةُ: فمَنْ لمْ يُجَوِّزْ تخصيصَ العِلَّةِ اشترَطَ اطِّرَادَها، ومعنى ذلكَ تَرَتُّبُ الحكْمِ عليها في جُملةِ صُوَرِ ثُبوتِها، ودليلُ هذا أنَّ العِلَلَ الشرعيَّةَ مَسلوكٌ بها سُبُلَ العِلَلِ العقليَّةِ، والعِلَلَ العقليَّةَ هذا شأنُها.
ومَنْ أجازَ تَخصيصَ العِلَّةِ، اكتفى بظُهورِ المناسَبَةِ ولمْ يَعْتَبِر الاطِّرَادَ، ودليلُهُ أنَّ العِلَلَ الشرعيَّةَ أَماراتٌ، ولا يَلْزَمُ مِنْ كونِ الشيءِ أَمارةً على الحكْمِ في صُورةٍ، أنْ يكونَ أَمارةً عليهِ في كلِّ صُورةٍ، وانتقاضُ العِلَّةِ لَفظًا هوَ أنْ تَصْدُقَ الأوصافُ المُعْتَبَرُ بها عنْ عِلَّةِ الحكْمِ بدُونِ الحكْمِ، كقولِنا في القَتْلِ بالمُثَقَّلِ: إنَّهُ قَتْلٌ عَمْدٌ عُدْوَانٌ، فيَجِبُ القِصاصُ بالقياسِ على القتْلِ بالْمُحَدَّدِ، فتَنْتَقِضُ هذهِ العِلَّةُ بتحقيقِ هذهِ الأوصافِ في قَتْلِ الوَالِدِ وَلَدَهُ معَ أنَّهُ لا قِصاصَ عليهِ. ولهذا قالَ بعضُ أَصحابِنا: القِصاصُ واجبٌ في قَتْلِ الوالدِ وَلَدَهُ، ولكِنَّهُ لا يُقادُ بهِ لِحُرمةِ الأُبُوَّةِ، فتكونُ بالْمُحَدَّدِ مَنْ وَلِيُّهُ صغيرٌ، أنَّ القِصاصَ واجبٌ بالقتلِ، والاستيفاءَ يَتأخَّرُ إلى بُلوغِ الصغيرِ ، فلا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الاستيفاءِ عَدَمُ الوُجوبِ، فلا تكونُ العِلَّةُ مُنْتَقَضَةً.
وأمَّا انْتِقَاضُ العِلَّةِ مِنْ جِهةِ المعنى:
فَأَنْ يُوجَدَ المعنى الذي عُلِّقَ الحكْمُ بهِ في الأصْلِ في مكانٍ آخَرَ، ولا يَتَرَتَّبُ عليهِ الحكْمُ، مِثْلُ أنْ يُقالَ: عِلَّةُ إيجابِ الزكاةِ في الْمَواشِي مَثَلاً دَفْعُ حاجةِ الفُقراءِ، فيُقالُ: هذا يُنْتَقَضُ بالجَوَاهِرِ؛ فإنَّ دَفْعَ حاجةِ الفقراءِ تَحْصُلُ بإيجابِ الزكاةِ فيها، ولا زكاةَ فيها، فانْتَقَضَت العِلَّةُ معنًى؛ أيْ: مِنْ جِهةِ المعنى.

ورُبَّمَا فُسِّرَ انتقاضُ العِلَّةِ مَعْنًى بما إذا أُبْدِلَ وَصْفٌ مِن الأوصافِ المذكورةِ في العِلَّةِ أوْ حُذِفَ ووُجِدَ الحكْمُ، كما إذا قيلَ في الوُضوءِ: طَهارةٌ تُرَادُ للصلاةِ بالماءِ فلا تَجِبُ فيها النيَّةُ، كَإِزَالةِ النجاسةِ.
فقيلَ:
هذا يُنْتَقَضُ بالتيَمُّمِ؛ فإنَّهُ طَهارةٌ تُرادُ للصلاةِ تَجِبُ النِّيَّةُ فيها، وقولُكم: بالماءِ، لا أَثَرَ لهُ في الحكْمِ، فهذا نَقْضٌ مِنْ طريقِ المعنى، وقدْ يُقالُ لهُ: كَسْرٌ، ولا يَكادُ يَجِيءُ هذا إلاَّ في القياسِ الطرْدِيِّ.
والعلَلُ التي يُعَبَّرُ عنها بأوصافٍ مُجْتَمِعَةٍ: كقولِنا: (قَتْلٌ عَمْدٌ مَحْضٌ عُدوان).
واطِّرَادُ العِلَّةِ في مَعلولاتِها يُغْنِي عنْ قولِهِ: (ولا يُنْتَقَضُ) وإنَّما صَرَّحَ بهِ ليَتَعَرَّضَ لتفصيلِ النقْضِ، وأنَّهُ تارةً يكونُ على اللفظِ، وتارةً يكونُ على المعنى.
وما ذَكَرَهُ في العِلَّةِ إنَّما يُعْتَبَرُ عندَ مَنْ لا يَرى تَخصيصَ العِلَّةِ، وفيما إذا لمْ يكُن الحكْمُ مُعَلَّلاً بعِلَّتيْنِ أو العِلَلِ؛ لاحتمالِ وُجودِ العلَّةِ الأُخرى.
- ومِثالُ هذا: (أنَّ القتْلَ يَجِبُ بالرِّدَّةِ)، و(الزِّنا بعدَ الإِحصانِ) ، و(قتْلِ النفْسِ المعصومةِ المُمَاثِلَةِ)، و(ترْكِ الصلاةِ)؛ فهذهِ الأشياءُ كلُّ واحدةٍ منها عِلَّةٌ لوُجوبِ القتْلِ، ولا يَلزمُ بانتفاءِ أحدِهما أنْ لا يكونَ القتْلُ واجبًا؛ فإنَّهُ إذا فُقِدَت الردَّةُ جازَ أنْ يَجِبَ القتْلُ بالزنا بعدَ الإحصانِ.
(3) وكذلكَ: قولُهُ في الحُكْمِ: ( إنَّ مِنْ شَرْطِهِ أنْ يكونَ مِثلَ العِلَّةِ: في النفيِ والإثباتِ) يعني: أنَّ الحكْمَ إذا كانَ مُعَلَّلاً بعِلَّةٍ واحدةٍ، فإنَّهُ يُوجَدُ إذا وُجِدَتْ، ويَنْتَفِي إذا انْتَفَتْ، فأمَّا إذا كانَ لهُ عِلَّةٌ كما ذَكَرْنَا في القتْلِ، لمْ يَلْزَم انتفاؤُهُ عندَ انتفاءِ بعضِ العِلَلِ.
ومعنى كونِ الحكْمِ مِثلَ العِلَّةِ: مُساواتُهُ لها في الوُجودِ والعدَمِ، فهما مِثْلانِ في الوُجودِ والانتفاءِ، لا في الحقيقةِ.
(والعِلَّةُ: هيَ الجالِبَةُ للحكْمِ) أي: الوصفُ المُنَاسِبُ لِتَرَتُّبِ الحكْمِ عليهِ.
مِثلُ: (دَفْعِ حاجةِ الفقيرِ؛ فإنَّهُ مناسِبٌ لإيجابِ الزكاةِ).
والحكْمُ ما يَصِحُّ تَرَتُّبُهُ على العِلَّةِ، فهوَ مَجلوبٌ لها، وفي هذا ما يُشيرُ إلى إِلْغَاءِ الطَّرْدِ؛ فإنَّ الأوصافَ الطرديَّةَ ليْسَتْ جالِبَةً للحكْمِ؛ أيْ: ليستْ مناسِبَةً لاقتضائِهِ).

هيئة الإشراف

#4

15 Dec 2008

الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني


قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (3) أقولُ: لمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيفِ القِيَاسِ، وتَقْسِيمِهِ: شَرَعَ في بيانِ أَرْكَانِهِ وَهُوَ: الفَرْقُ بَيْنَ (الفَرْع) وَ(الأصْل) و(العِلَّةِ) وَ (الحُكْمِ) فَقَالَ:
شَرْطُ الفرعِ: أنْ يكونَ مناسِبًا للأصْلِ؛ إذْ لَوْ لمْ يكنْ مُناسبًا فلاَ يجُوزُ أنْ يُقاسَ عليْهِ.
وأنَّ الأصْلَ لا بُدَّ أنْ يكونَ قدْ ثبتَ بدليلٍ شرعيٍّ متَّفقٍ عليْهِ مقدَّمًا على الفرعِ؛ إذْ لوْ لمْ يثبتِ الأصْلُ أوَّلاً: لمْ يُقَسْ عليْهِ كقياسِ الأُرْزِ على الحنطةِ؛ فإنَّ بيْعَ الأصْلِ بعضِهِ ببعضٍ متفاضِلاً: ثبتَ بدليلٍٍ شرعيٍّ، فيُقَاسُ عليْهِ الأرْزُ؛ لأنَّهُ مناسبٌ للأصْلِ في الطَّعْمِ، ومتأخِّرٌ عنهُ فحُكِمَ عليْهِ بمَا حُكِمَ عَلَى الأصْلِ.
(4) أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ تعريفِ الفرعِ والأصلِ: شَرَعَ في تعريفِ العِلَّةِ وَالحُكْمِ فقالَ: (مِنْ شَرْطِهَا: الاطِّرَادُ في مَعْلُولاَتِهَا) أيْ:لاَ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الصُّوَرِ، دونَ بعضٍ، بلْ تكونُ مطَّرِدَةً في الجميعِ، (وَلاَ تَنْتَقِضُ لَفْظًا وَلاَ مَعْنًى).
كالقتلِ -مثلاً- بالمُثَقَّلِ عمْدًا: يُوجِبُ القِصَاصَ؛ قياسًا على المُحَدَّدِ.
قيلَ: لمْ تطَّرِدْ؛ لأنَّهَا تَنْتَقِضُ لفْظًا، وَهُوَ: عدمُ قَتْلِ الوالدِ بِوَلَدِهِ.
أُجيبَ بِـ:
أنَّ الامْتِنَاعَ مِنَ القَتْلِ إنَّمَا هوَ بوجودِ معنىً قامَ بهِ، وهوَ: حرمةُ الأبوَّةِ يمتنعُ الاسْتِيفَاءُ.
كمَا أنْ يمتنعَ إذَا كانَ مستحِقُّهُ صبيًّا إلى البُلُوغِ.
ولاَ نقولُ: سَقَطَ وجوبُ القَتْلِ بعدمِ الاسْتيفَاءِ، وإنَّمَا تأخَّرَ الاسْتيفَاءُ؛ لمانعٍ قائمٍ في مُسْتَحِقِّهِ، وهوَ: (الصَّبيّ) فكانتِ العِلَّةُ مُطَّرِدَةً.
واحترزَ بقولِه:
(ولاَمعنىً)كمَا لوْ تعلَّقَ الحكمُ بالأصْلِ لمعنىً، وذلكَ المعنى قدْ يوجدُ في غيْرِهِ، وَلاَ يَتْبَعُهُ الحُكْمُ، كمَا يُقَالُ: (إِنَّمَا جُعِلَتِ الزَّكَاةُ في الأَثْمَانِ دفْعًا لحاجةِ الفَقيرِ).
فَيُقَالُ: تنتقضُ هذهِ العِلَّةُ بالجواهِرِ؛ لأنَّهُ قدْ يَحْصُلُ دفعُ الحاجةِ بإيجابِ الزَّكاةِ فيهَا، معَ أنَّهُ لاَ زكاةَ فيهَا.
فَعُلِمَ أنَّ العلَّةَ لا بُدَّ أنْ تكونَ مُطَّرِدَةً في جميعِ أنْواعِهَا.
وقولُهُ - في الحكمِ -: (شَرْطُهُ: أنْ يكونَ مثلَ العِلَّةِ في النَّفْيِ والإثْبَاتِ واضِح ٌ؛ لأنَّهُ تابعٌ لهَا، فإنْ وُجِدَتْ وُجِدَ، وَإِنْ انْتَفَت انْتَفَى، فَهُوَ مساوٍ لهَا في الوجوبِ والعدمِ.
وقولُهُ: (والعِلَّةُ هيَ: الجَالِبَةُ للحُكْمِ) زيادةُ إيضاحٍ لإتْبَاعِ الحُكْمِ العِلَّةَ في الوجودِ والعدمِ؛ لأنَّهَا إذَا وُجِدَتْ: وُجِدَ ، فكانتْ جَالِبَةً لَهُ، وَهُوَ مَجْلُوبٌ لَهَا واللهُ أعلمُ).

هيئة الإشراف

#5

15 Dec 2008

قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب


قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): (وأركَانُ القياسِ أَربعَةٌ:
الفرعُ، والأصلُ، والعلةُ، وحكمُ الأصلِ المقيسِ علَيهِ.
ولكلِّ واحدٍ منهَا شرُوطٌ.
(6) (ومنْ شرْطِ الفَرْعِ أن يكُونَ مُنَاسِبًا للأَصْلِ) في الأمرِ الَّذي يُجْمَعُ بهِ بينهُمَا لِلحُكْمِ: إمَّا بأنْ تكونَ علَّةُ الفَرعِ مماثلةً لِعلَّةِ الأَصلِ في عينِها: (كقَياسِ النَّبيذِ علَى الخمرِ) لعلَّةِ الإِسكَارِ، أو في جِنْسِهَا: كقيَاسِ وجُوبِ القِصَاصِ في الأَطرافِ علَى القِصَاصِ في النَّفسِ بجَامعِ الجنايَةِ.
وقدْ يُقَالُ: إِنَّهُ يُسْتَغْنَى عنْ هذا الشَّرطِ بقولِهِ في حدِّ القِياسِ: رَدُّ الفَرعِ إلَى الأصلِ لعلَّةٍ تجمَعُهُمَا في الحُكمِ .
(7) (ومنْ شَرطِ الأصلِ أنْ يكونَ) حكمُهُ (ثابتًا بدليلٍ متَّفَقٍ علَيهِ بينَ الخَصمَينِ)؛ بأنْ يتَّفِقَا علَى عِلَّةِ حُكمِهِ؛ ليكُونَ القياسُ حُجَّةً علَى الخَصْمِ، فإنْ كانَ حُكمُ الأَصلِ متَّفَقًا علَيهِ بينَهُمَا، ولكنْ لِعلَّتَينِ مُخْتَلِفَتَيْنِ؛ لمْ يِصِحَّ القِيَاسُ، فإن لمْ يكُنْ خَصْمٌ؛ فالشَّرطُ ثبوتُ حُكمِ الأَصْلِ بدليلٍ يقُولُ بهِ القِياسُ.
(8) (ومنْ شرطِ العِلَّةِ أن تَطَّرِدَ في مَعلُولاتِهَا) بحيثُ كُلَّمَا وُجِدَتِ الأوصافُ المُعَبَّرُ بهَا عنْهَا في صُورةٍ؛ وُجِدَ الحُكْمُ؛ (فلا تَنْتَقِضَ لفْظًا) بأنْ تَصْدُقَ الأوصَافُ المُعبَّرُ بهَا عنَها في صورةٍ لا يُوجدُ الحُكمُ معهَا، (ولا معنًى) بأن يوجدَ المعْنَى المعَلَّلُ بهِ في صورةٍ ولا يُوجَدُ الحُكمُ؛ فَمَتَى انْتَقَضَتِ العِلَّةُ لَفْظًا أو معنًى؛ فسَدَ القِيَاسُ.
مثالُ الأوَّلِ:
أن يُقالَ في القَتْلِ بمُثَقَّلٍ: (إنَّهُ قتْلٌ عَمْدٌ عُدْوانٌ)؛ فيجبُ بهِ القِصَاصُ؛ كالقَتْلِ بالمحَدَّدِ، فَيَنْتَقِضُ ذلكَ بقتلِ الوالدِ ولدَهُ؛ فإنَّهُ لا يجِبُ بهِ القِصَاصَ، مع أنَّهُ قَتْلٌ عَمْدٌ عُدْوانٌ.
مثالُ الثَّاني:
أنْ يُقالَ: (تَجِبُ الزَّكاةُ في المَواشِي) لِدفعِ حاجَةِ الفَقيرِ، فَيُقَالُ: يَنْتَقِضُ لفظًا وَمعْنًى إلَى وجودِ العلَّةِ بدونِ الحُكمِ، وإنَّما غايرَ بينهما؛ لأنَّ العلةَ في الأولِ لَمَّا كانتْ مركَّبةً من أوصافٍ متعدِّدةٍ نُظِرَ فيها إلَى جانبِ اللَّفظِ الأوَّلِ، ولمَّا كانتْ في الثَّاني أمرًا واحدًا؛ نُظِرَ فيهَا إلَى المعنَى، وكأنَّهمْ مُجَرَّدُ اصْطِلاحٍ. واللَّهُ أعْلَمُ.
(9) (ومنْ شَرطِ الحكْمِ أنْ يكُونَ مثلَ العِلَّةِ) أي: تابِعًا لهَا، (في النَّفْيِ والإِثباتِ) في الوجُودِ والعدَمِ، (فإنْ وُجدتِ العلَّةُ؛ وُجِدَ الحُكْمُ) ، وإنِ انتفتِ انتفَى، وهذا إنْ كانَ الحكمُ معلَّلاً بعلَّةٍ واحِدةٍ؛ كتَحرِيمِ الخَمْرِ؛ فإنَّهُ مُعَلَّلٌ بالإِسكَارِ، فمَتَى وُجدَ الإِسكَارُ وُجِدَ الحكمُ، ومتَى انْتَفَى انتفَى، وأمَّا إذا كانَ الحُكمُ مُعَلَّلاً بعِلَلٍ؛ فإنَّهُ لا يلزمُ من انتفاءِ تلكَ العلَلِ انتفَاءُ الحُكْمِ؛ كالقتلِ؛ فإنهُ يجبُ بسبب الردَّةِ، والزِّنَى بعدَ الإِحصانِ، وقَتْلِ النَّفسِ المَعصومةِ المماثِلةِ، وتركِ الصَّلاةِ، وغيرِ ذلكَ، واللَّهُ أعلمُ.
(10) (والعلَّةُ هيَ الجالِبَةُ للحُكمِ) أي: الوصَفُ المُنَاسِبُ لتَرتيبِ الحكمِ علَيهِ؛ كدفعِ حاجَةِ الفِقيرِ؛ فإنَّهُ وصفٌ مناسبٌ لإِيجَابِ الزَّكاةِ.
(11) (والحُكْمُ هوَ المَجْلُوبُ للَعِلَّةِ) أي: هوَ الأمرُ الذي يَصِحُّ توثُّبُهُ علَى العِلَّةِ).

هيئة الإشراف

#6

15 Dec 2008

شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (4) ذَكَرَ هنا بعضَ شروطِ أركانِ القياسِ:
- فمن شروطِ الفرعِ أنْ يكونَ مُنَاسِبًا للأصلِ.
والأَظْهَرُ أنَّ المرادَ المناسبةُ فِي العِلَّةِ بأنْ تَكُونَ عِلَّةُ الحُكْمِ وَصْفًا مُنَاسِبًا لكلٍّ من الأصلِ والفرعِ، مثلَ: تَشْوِيشِ الفِكْرِ وانشغالِ القلبِ.
- وَصْفٌ مناسبٌ لمنعِ الحاقِنِ من القضاءِ، قِيَاسًا علَى منعِ الغضبانِ منهُ.
- وكالاستعجالِ فِي قياسِ قتلِ المُوصَى لهُ للمُوصِي علَى قتلِ الوارثِ مُوَرِّثَهُ، وعلَى هذا فَيُغْنِي عنْ ذكرِهِ ما تَقَدَّمَ فِي التعريفِ منْ قولِهِ: (بِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا فِي الحُكْمِ) إلا أنْ يُقَالَ: إنَّ التعريفَ قدْ لا يُفْهَمُ منهُ أنَّ ذلكَ شرطٌ، لا سِيَّمَا وأنَّ هذهِ الوَرَقَاتِ وُضِعَتْ للطالبِ المُبْتَدِئِ الذي قدْ لا يَسْتَفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ من التعريفِ، أوْ يُرَادُ بالمناسبةِ فِي الحُكْمِ فلا يُقَاسُ واجبٌ علَى مندوبٍ.
وقدْ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي (إرشادِ الفحولِ) (ص209): (أنَّ مِنْ شروطِ الفرعِ مُسَاوَاةَ عِلَّتِهِ لِعِلَّةِ الأصلِ، ومُسَاوَاةَ حُكْمِهِ لحُكْمِ الأصلِ، فهذا قدْ يُفَسِّرُ عِبَارَةَ المُصَنِّفِ، فلا يُقَاسُ التفَّاحُ علَى البُرِّ فِي جريانِ الرِّبَا؛ لأنَّ الفرعَ ليسَ مُسَاوِيًا للأصلِ فِي العِلَّةِ وهيَ الكَيْلُ مَثَلاً؛ حيثُ إنَّ التفَّاحَ ليسَ مَكِيلاً) ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
- ومنْ شروطِ الأصلِ أنْ يكونَ ثابتًا بدليلٍ مُتَّفَقٍ عليهِ بينَ الخَصْمَيْنِ.
وهذا شرطٌ لحُكْمِ الأصلِ كما عَبَّرَ بهِ غيرُهُ، ومعنَى ذلكَ أنْ يكونَ حُكْمُ الأصلِ الذي يُرَادُ إِثْبَاتُهُ للفرعِ مُتَّفَقًا عليهِ بينَ الخَصْمَيْنِ المُتَنَازِعَيْنِ، فإنْ كانَ أَحَدُهُمَا يَمْنَعُهُ فلا يُسْتَدَلُّ عليهِ بالقياسِ فيهِ.
وإنَّمَا شُرِطَ ذلكَ؛ لِئَلا يَمْنَعَ الخَصْمُ الحُكْمَ، فَيَحْتَاجَ الآخرُ إلَى إثباتِهِ، فيكونَ انْتِقَالاً منْ مسألةٍ إلَى مسألةٍ أُخْرَى وَيَنْتَشِرَ الكلامُ، فَيَفُوتَ المقصودُ.
ومثالُهُ: قولُ الحَنْبَلِيِّ: (جِلْدُ المَيْتَةِ نَجِسٌ، فلا يَطْهُرُ بالدِّبَاغِ كجلدِ الكلبِ). فيقولُ الحَنَفِيُّ: لا أُسَلِّمُ حُكْمَ الأصلِ، وهوَ أنَّ جلدَ الكلبِ لا يَطْهُرُ بالدِّبَاغِ، بلْ هوَ يَطْهُرُ بهِ عندي ؛ فَحُكْمُ الأصلِ المَقِيسِ عليهِ ليسَ مُتَّفَقًا عليهِ بَيْنَهُمَا، فلا يَصِحُّ القياسُ، وهذا من القَوَادِحِ فِي بابِ القياسِ، وَيُسَمَّى (المَنْعَ)، فإنْ لم يكنْ خَصْمٌ، فالشرطُ ثُبُوتُ حُكْمِ الأصلِ بدليلٍ يقولُ بهِ القائِسُ.
(5) (ومنْ شرطِ العِلَّةِ أنْ تَطَّرِدَ فِي مَعْلُولاتِهَا).
معنَى الاطِّرَادِ:
أنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَت العِلَّةُ فِي صورةٍ من الصورِ وُجِدَ معها الحُكْمُ، كالإسكارِ: فَكُلَّمَا وُجِدَ الإسكارُ فِي شيءٍ وُجِدَ التحريمُ فيهِ، وكالكَيْلِ والطَّعْمِ مثلاً: فَكُلَّمَا وُجِدَ الكيلُ والطَّعْمُ فِي شيءٍ حَرُمَ الرِّبَا فيهِ.
والمُرَادُ بِمَعْلُولاتِهَا: الأحكامُ المُعَلَّلَةُ بها، كَتَحْرِيمِ الرِّبَا فِي البُرِّ: مُعَلَّلٌ بالكَيْلِ والطَّعْمِ، علَى أحدِ الأقوالِ.
(6) وقولُهُ: (فَلا تُنْتَقَضَ لَفْظًا وَلا مَعْنًى) الانتقاضُ: أنْ يُوجَدَ الوصفُ فِي صورةٍ من الصورِ ولا يُوجَدَ مَعَهُ الحُكْمُ، وهذا من القوادحِ التي تُبْطِلُ القياسَ، وَيُسَمَّى (النَّقْضَ).
ولو اقْتَصَرَ المُصَنِّفُ علَى قولِهِ: (فلا تُنْتَقَضَ) لَكَفَى؛ لأنَّ العِلَّةَ لا تكونُ إلا مَعْنًى، والألفاظُ دَالَّةٌ عليها، وكأنَّهُ جَمَعَ بينَهُمَا للإيضاحِ والتأكيدِ، أيْ: فلا يُنْتَقَضَ لَفْظُ العِلَّةِ ولا مَعْنَاهَا.
واعْلَمْ أنَّ المُصَنِّفَ عَمَّمَ النَّقْضَ، وهوَ تَخَلُّفُ الحُكْمِ، سواءٌ كانَ لمَانِعٍ أوْ لغيرِ مانعٍ، فَيَفْسَدُ القياسُ، وهوَ ما مَشَى عليهِ فِي (جَمْعِ الجوامعِ) (2/294)، وَنَقَلَهُ عن الشافعيِّ، واخْتَارَهُ جماعةٌ.
وَيَرَى آخرونَ أنَّ تَخَلُّفَ الحُكْمِ عن الوصفِ فيهِ تَفْصِيلٌ: فإنْ كانَ لأجلِ مانعٍ مَنَعَ منْ تأثيرِ العِلَّةِ، أوْ لِفَقْدِ شرطِ تَأْثِيرِهَا فلا يكونُ ذلكَ مُبْطِلاً للعلَّةِ، بلْ هوَ تخصيصٌ لها، وإلا فهوَ نقضٌ وإبطالٌ. وبهِ قالَ التِّلِمْسَانِيُّ فِي (مِفْتاحِ الوصولِ) (ص142)، وَنَسَبَهُ الشنْقِيطِيُّ لأكثرِ العلماءِ كما فِي (أضواءِ البيانِ) (2/258، 3/479).
ومثالُ: النَّقْضِ أنْ يُقَالَ: (القَتْلُ العَمْدُ) العُدْوَانُ عِلَّةٌ لوجوبِ القصاصِ إجماعًا، لكنْ يُنْتَقَضُ ذلكَ بِقَتْلِ الوالِدِ وَلَدَهُ، فإنَّهُ لا يَجِبُ القصاصُ، فلا يُقْتَلُ بهِ معَ وجودِ العِلَّةِ، فَيُقَالُ: إنَّ العِلَّةَ تَخَلَّفَتْ لِمَانِعٍ وهوَ الأُبُوَّةُ؛ لأِنَّها مانعةٌ منْ تأثيرِ العِلَّةِ فِي الحُكْمِ. فلا يُقَالُ: هذهِ العلَّةُ مَنْقُوضَةٌ لتَخَلُّفِ الحُكْمِ عنها فِي هذهِ الصورةِ، بلْ هيَ علَّةٌ مَنَعَ منْ تَأْثِيرِهَا مانعٌ، فلا تَبْطُلُ فِي غيرِ الأبِ، فَكُلَّمَا وُجِدَ القتلُ العمدُ العدوانُ منْ غيرِ الأبِ ونحوِهِ وَجَبَ القِصاصُ حَيْثُ لا مَانِعَ منْ تَأْثِيرِهَا.
وهذا نَقْضٌ علَى رأيِ الأَوَّلِ، وتخصيصٌ علَى القولِ الثاني.
ومثالُ: فَقْدِ الشرطِ: الزِّنَا عِلَّةٌ للرجمِ إِجْمَاعًا، وشرطُهُ: الإحصانُ.
فإذا تَخَلَّفَ الحُكْمُ وهوَ الرَّجْمُ معَ وجودِ العِلَّةِ وهيَ الزِّنَا فلا يُقَالُ إنَّها عِلَّةٌ منقوضةٌ، بلْ عِلَّةٌ تَخَلَّفَ شَرْطُ تَأْثِيرِهَا.
وإنْ كانَ تَخَلُّفُهَا لغيرِ ذلكَ لم يَصِحَّ التعليلُ بها كما لوْ قيلَ: تَجِبُ الزكاةُ فِي المواشِي قِيَاسًا علَى الأموالِ بجامعِ دفعِ حاجةِ الفقيرِ.
فَيُقَالُ: إنَّ التعليلَ بِدَفْعِ حاجةِ الفقيرِ قدْ تَخَلَّفَ الحكمُ عنها فِي الجواهرِ لصلاحِيَتِهَا لدفعِ حاجةِ الفقيرِ، ومعَ هذا فلا زَكَاةَ فيها، فهيَ علَّةٌ منقوضةٌ حيثُ وُجِدَ المَعْنَى المُعَلَّلُ بهِ، وهوَ دفعُ حاجةِ الفقيرِ ولم يُوجَد الحُكْمُ، وهوَ وجوبُ الزكاةِ.
- ومِنْ شرطِ الحكمِ أنْ يكونَ مِثْلَ العِلَّةِ فِي النَّفْيِ والإثباتِ.
أيْ: يكونَ الحكمُ تَابِعًا للعلَّةِ فِي النَّفْيِ والإثباتِ،
أيْ: فِي الوجودِ والعَدَمِ، فإنْ وُجِدَت العِلَّةُ وُجِدَ الحُكْمُ، وإن انْتَفَت انْتَفَى.
وهذا إنْ كانَ الحُكْمُ مُعَلَّلاً بعلَّةٍ واحدةٍ، كتحريمِ الخمرِ لِعِلَّةِ الإسكارِ، فمَتَى وُجِدَ الإسكارُ وُجِدَ التحريمُ.
فإنْ كانَ للحُكْمِ عِلَلٌ مُتَعَدِّدَةٌ لم يَلْزَمْ من انتفاءِ عِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ منها انتفاءُ الحُكْمِ، فَيَثْبُتُ بالعِلَّةِ الأُخْرَى: (كالبَوْلِ والغائطِ والنَّوْمِ لنَقْضِ الوضوءِ) ؛ فلوْ عُدِمُ البولُ والغائطُ ثَبَتَ النقضُ بالنومِ.
واعْلَمْ أنَّ ظاهرَ كلامِ المُصَنِّفِ اشتراطُ الانعكاسِ فِي العِلَّةِ،
ومعناهُ: كُلَّمَا انْتَفَت العِلَّةُ انْتَفَى الحُكْمُ، ومَنْ يَشْتَرِطْ ذلكَ يَمْنَعْ تَعْلِيلَ الحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ؛ لأنَّهُ إذا انْتَفَتْ عِلَّةٌ لم يَنْتَفِ الحُكْمُ لوجودِ العِلَّةِ الأُخْرَى وقيامِهَا مَقَامَهَا.
والصَّحِيحُ أنَّ ذلكَ لا يُشْتَرَطُ وإنْ كانَ هوَ الغالبَ، فَيَجُوزُ تعليلُ الحُكْمِ الواحدِ بِعِلَّتَيْنِ، وذلكَ لوقوعِهِ؛ ولأنَّ العِلَّةَ عَلامَةٌ علَى وجودِ الحُكْمِ، ولا مَانِعَ منْ تَعَدُّدِ العلاماتِ.
- ونُسِبَ هذا إلَى الجمهورِ، وبهِ قالَ المُصَنِّفُ كما فِي (الإرشادِ) للشَّوْكَانِيِّ (ص209)
- ومثالُهُ: ما تَقَدَّمَ منْ تعليلِ إيجابِ الوضوءِ بالبَوْلِ والغائطِ والريحِ والنومِ، ومثالُهُ: أيضًا تعليلُ حُرْمَةِ النكاحِ بالقَرابةِ والصِّهْرِ والرَّضَاعِ.
(4) وقولُ المُصَنِّفِ: (وَالعِلَّةُ هِيَ الجَالِبَةُ لِلْحُكْمِ) هذا أَحَدُ تَعَارِيفِ العِلَّةِ، وهيَ الركنُ الرابعُ منْ أركانِ القياسِ كما تَقَدَّمَ.
ثُمَّ إِنْ أُرِيدَ بالجالِبَةِ للحُكْمِ أيْ: بِذَاتِهَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لأنَّ اللَّهَ تَعَالَى لا يَحْمِلُهُ علَى شَرْعِ الحُكْمِ سِوَى إرادتِهِ جَلَّ وَعَلا، يَخْلُقُ ما يَشَاءُ ويَخْتَارُ.
وإنْ أُرِيدَ أنَّ الشارعَ جَعَلَهَا جَالِبَةً للحُكْمِ فهذا لا بَأْسَ بهِ.
ولكنَّ التعبيرَ بالمُعَرِّفةِ للحُكْمِ أَوْلَى من الجالبةِ للحُكْمِ للاحتمالِ المذكورِ؛ وذلكَ لأنَّ العلَّةَ مُعَرِّفَةٌ لوجودِ الحُكْمِ، فَمَتَى عُرِفَت العِلَّةُ عُرِفَ ثبوتُ الحُكْمِ معَها بِسَبَبِ أنَّ بَيْنَهُمَا مناسبةً تَقْتَضِي الارتباطَ بينَهُمَا والاجتماعَ فِي الحصولِ.
فالإسكارُ عِلَّةٌ، أيْ: إنَّ هذا الوصفَ عَلامَةٌ مُعَرِّفَةٌ علَى حُرْمَةِ المُسْكِرِ كالخمرِ والنَّبيذِ. وليسَ المرادُ بِكَوْنِ العِلَّةِ مُعَرِّفَةً للحكمِ أنَّ الحُكْمَ لا يَثْبُتُ إلا بها، فإنَّ الحُكْمَ لا يَثْبُتُ إلا بدليلٍ شرعيٍّ منْ نَصٍّ أوْ إجماعٍ، بل المَعْنَى أنَّ الحُكْمَ يَثْبُتُ بدليلٍ فيكونُ هذا الوصفُ أَمَارَةً وعلامةً لهُ يُعْرَفُ بهِ أنَّ الحُكْمَ الثابتَ حاصلٌ فِي هذهِ المسألةِ.
(6) وقولُ المُصَنِّفِ: (وَالحُكْمُ هُوَ المَجْلُوبُ لِلْعِلَّةِ) هذا تعريفُ الحُكْمِ، وهوَ أَحَدُ أَرْكَانِ القياسِ كما تَقَدَّمَ).

هيئة الإشراف

#7

15 Dec 2008

شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)


قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (تقسم العلة في القياس باعتبار مجاري الاجتهاد فيها إلى ثلاثة أقسام:
- تحقيق العلة.
- وتنقيح العلة.
- وتخريج العلة.
وجرت عادة الأصوليين بإضافة هذه المصادر الثلاثة إلى أحد ألقاب العلة، وهو المناط، المناط مشتق من النوط، وهو تعليق الشيء بشيء آخر، فلذا أطلق الفقهاء المناط على متعلق الحكم، وهو العلة الجامعة بين الأصل والفرع.
فتحقيق المناط:
هو البحث عن وجود العلة في الفرع والاجتهاد في تحقيقها فيه بعد النص عليها أو الاتفاق عليها في ذاتها.
- وهو قسمان:
أن تكون القاعد الكلية منصوصة أو متفقاً عليها، وإنما يبحث المجتهد عن تحقيقها في آحاد الصور وتطبيقها على الجزئيات.
- فالقاعدة الكلية مثل قوله تعالى: {فجزاءٌ مثل ما قتل من النعم} الجزئي الذي حققت فيه إيجاب بقرة على من صاد وهو محرم حماراً وحشياً، للمماثلة بينهما في نظر المجتهد، هذا النوع متفق عليه، وليس من القياس في شيء، لأن المجتهد يبحث عن تحقق هذه العلة في آحاد السور وتطبيقها على الجزئيات.
الثاني:
البحث عن وجود العلة في الفرع بعد الاتفاق عليها في ذاتها: كالعلم بأن (السرقة هي مناط القطع)، فيحقق المجتهد وجودها في النباّش لأخذه الكفن من حرز مثله خفية، فهذا يبحث فيه المجتهد عن وجود العلة في الفرع بعد الاتفاق عليها في ذاتها، العلة مثلاً كالعلم بأن السرقة هي مناط القطع، إذا علمنا أن سبب القطع هو السرقة، النباش سارق أو غير سارق؟
سارق، المجتهد يحقق وجود هذه العلة التي هي السرقة في هذه الصورة، في النباش إذا أخذ الكفن من القبر.
الثاني: تنقيح المناط:
التنقيح في اللغة: التهذيب والتصفية.
- فتنقيح المناط تهذيب العلة وتصفيتها بإلغاء ما لا يصلح للتعليل واعتبار الصالح له.
مثال ذلك:
قصة الأعرابي الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يضرب صدره وينتف شعره ويقول: هلكت وأهلكت، واقعت أهلي في نهار رمضان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أعتق رقبة))، فهذا الحديث فيه أن هذا الأعرابي أتى، كون هذا الشخص أعرابياً، وكون الموطوءة زوجة وكونه جاء على هذه الصفة من ضرب صدره ونتف شعره، هذه أوصاف هل تصلح للتعليل أولا تصلح؟
هذه لا تصلح، فتكون لاغية.
- فإذا وطئ شخص من أهل الحضر سُرِّيته، ما وطئ زوجته، وطئ سريته في نهار رمضان، وجاء بتؤدة وطمأنينة، ولم يوجد منه الصفات السابقة التي وجدت في هذا الأعرابي، جاء يسأل عما يجب عليه، أي شيء يُقال؟
س الحكم، هذا يسمى؟
تنقيح المناط: تنقيح العلة أن العلة هي الوطء، فيصفي المجتهد ما لا يصلح للعلة فيلغيه، وما يكون صالحاً للعلة فيبقيه، ويصدر الحكم بناءً عليه، هذا معنى تنقيح المناط.
الثالث: تخريج المناط:
وهو أن ينص الشارع على حكم دون علته، ينص الشارع على حكم من الأحكام دون علته.
تكون العلة غير منصوصة فيستخرج المجتهد علة هذا الحكم باجتهاده ونظره في محل الحكم، مثال ذلك (البُر)، نُصَّ على حكمه وهو تحريم الربا دون العلة، ما نص على العلة، فرأى المجتهد بعد البحث أنها الكيل مثلاً، فقاس عليه الأرز ونحوه.
- فتخريج المناط هو: البحث عن العلة -علة الحكم- بالاجتهاد، يجتهد ويستخرج علة هذا الحكم بعد اجتهاده، فهي مخرجة، ومجتهد في إخراجها، فإذا أوصله اجتهاده إلى أن علة الحكم في تحريم البُر - من حيث الربا فيه- إذا أوصله اجتهاده إلى أن العلة هي الكيل فيقيس على البر كل ما يُكال وهكذا.
فعندنا ثلاثة أشياء:
- عندنا تحقيق المناط.
- وتنقيح المناط.
- وتخريج المناط.
- والمناط هو: لقب من ألقاب العلة.
- مسالك العلة: هي طرقها الدالة عليها وهي كثيرة:
- منها النص الصريح على العلة: وهو ما يدل على التعليل بلفظ موضوع له في لغة العرب مثل: (من أجل) كما في قوله تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل}.
- ومثل: قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر)) ؛ فهذا نص صريح على العلة.
- ومثل: (الباء) في قوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم}.
- ومثل: (اللام) كما في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس} الآية.
- ومثل: قوله سبحانه: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
- ومثل: (كي) كما في قوله تعالى: {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم}.
فهذا المسلك من مسالك العلة التي هي طرقها الدالة عليها هذا فيه النص الصريح على العلة، وهو ما يدل على التعليل بلفظ موضوع للتعليل بلغة العرب، وهذا القسم واضح حيث إن العلة قد نص عليها ووضحت في النص نفسه.
المسلك الثاني: النص الموحي إلى العلة: ويسمى الإيماء والتنبيه.
- وضابطه: أن يقترن الحكم بوصف على وجهٍ لو لم يكن علة له لكان الكلام معيباً عند العقلاء.
- وهو أقسام:
- منها: تعليق الحكم على العلة (بالفاء)، بأن تدخل الفاء على العلة ويكون الحكم متقدماً، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم- في المُحرم الذي وقصته ناقته: ((اغسلوه بماء وسدرٍ وكفنوه في ثوبيه، فإنه يُبعث يوم القيامة مُلبياً)).
- أو تدخل الفاء على الحكم وتكون العلة متقدمة كما في قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}.
- وكما في قوله سبحانه: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض}.
- ويلتحق بهذا القسم ما رتبّه الراوي بالفاء، كقوله ((سمعها النبي - صلى الله عليه وسلم - فسجد))، وزنا ماعز فرُجم، وما أشبه ذلك.
الثاني: من هذا القسم:
ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الشرط والجَزاء.
- مثل: قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً}، {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}.
الثالث:
أن يحكم الشارع بحكم عقب حادثة سُئل عنها: كقوله -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي: ((أَعتق رقبة))، جواباً لسؤاله عن مواقعة أهله في نهار رمضان وهو صائم، فإنه دليل على كون الوقاع علة لوجوب الكفارة.
الرابع:
أن يُذكر مع الحكم شيء لو لم يُقدّر التعليل به لما كان لذكره فائدة.
- وهو قسمان:
الأول: أن يستنطق السائل عن الواقعة بأمر ظاهر الوجود، ثم يذكر الحكم عقبه كقوله -صلى الله عليه وسلم- لما سُئل عن بيع الرُّطب بالتمر، ((أينقص الرطب إذا يبس؟)) قالوا: نعم، قال: ((فلا إذاً))، فلو لم يكن نقصان الرطب باليُبس علة للمنع لكان الاستكشاف عنه لغواً.
الثاني: أن يُعدل في الجواب إلى نظير محل السؤال، كما في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سألته الخثعمية عن الحج عن الوالدين: ((أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان ينفعه؟)) قالت: نعم، قال: ((فدين الله أحق أن يُقضى))، فيفهم منه التعليل بكونه ديناً.
المسلك الثالث من مسالك العلة: الإجماع على العلة:
فإنه متى وُجد الاتفاق من مجتهدي الأمة على العلة صح التعليل بها.
مثال ذلك:
الصغر، أجمع العلماء على أنه علة لثبوت الولاية على المال، فيقاس عليه الولاية على النكاح، هذا شيء مما يتعلق بالعلة).

القارئ: (فقياس العلة ما كانت العلة فيه موجبة)
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (العلة: ليست موجبة بنفسها وإنما هي معرفة للحكم، كونه يقول مُعَرِّفَةً أولى).

القارئ: (وقياس الدلالة: هو الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر، وهو أن تكون العلة دالة على الحكم ولا تكون موجبة.
وقياس الشبه: هو الفرع المتردد بين أصلين فيلحق بأكثرهما شبهاً.
ومن شرط الفرع: أن يكون مناسباً للأصل.
ومن شرط الأصل: أن يكون ثابتاً بدليل متفق عليه بين الخصمين.
ومن شرط العلة: أن تطرد في معلولاتها، ولا تنتقض لا لفظاً ولا معنى.
ومن شروط الحكم: أن يكون مثل العلة في النفي والإثبات.
والعلة: هي الجالبة للحكم، والحكم هو المجلوب للعلة).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

15 Dec 2008

العناصر


مسالك العلة

مسالك العلة: هي طرقها الدالة عليها
مسالك العلة:
المسلك الأول: النص الصريح على العلة
معنى النص الصريح على العلة
أمثلة النص الصريح على العلة
المسلك الثاني: النص الموحي إلى العلة
ضابط هذا المسلك
يسمى هذا المسلك بـ (الإيماء والتنبيه)
أقسام المسلك الثاني:
القسم الأول: تعليق الحكم على العلة بالفاء
أمثلة القسم الأول
القسم الثاني: ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الشرط والجَزاء
أمثلة القسم الثاني
القسم الثالث: أن يحكم الشارع بحكم عقب حادثة سُئل عنها
مثال القسم الثالث
القسم الرابع: أن يُذكر مع الحكم شيء لو لم يُقدّر التعليل به لما كان لذكره فائدة، وهو قسمان:
1 - القسم الأول: أن يستنطق السائل عن الواقعة بأمر ظاهر الوجود، ثم يذكر الحكم عقبه
مثال القسم الأول
2 - القسم الثاني: أن يُعدل في الجواب إلى نظير محل السؤال
مثال القسم الثاني
المسلك الثالث: الإجماع على العلة
مثال المسلك الثالث
من شرط الحكم أن يكون مثل العلة في النفي والإثبات
هذا الشرط إذا كان الحكم معللا بعلة واحدة
إذا كان للحكم علل متعددة فلا يلزم من انتفاء علة منها انتفاء الحكم

شرح قوله: (والعلة هي الجالبة للحكم)
هذا أحد تعاريف العلة
محامل قوله: (الجالبة للحكم):
1 - إن أريد بالجالبة للحكم أي: بذاتها فغير صحيح
2 - إن أريد أن الشارع جعلها جالبة للحكم فهذا لا بأس به

فائدة: التعبير بالمعرِّفة للحكم أولى من الجالبة للحكم
شرح قوله: (والحكم هو المجلوب للعلة)
هذا تعريف الحكم
معنى قوله: (المجلوب للعلة)
الحكم هو ما جلبته العلة واقتضته من تحريم وتحليل، وصحة وفساد، ونحو ذلك
فائدة: إنما كان الحكم مجلوبًا للعلة لمناسبتها له

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

15 Dec 2008

الأسئلة

س15: اشرح بإيجاز قول المصنف: (والعلة هي الجالبة للحكم والحكم هوا لمجلوب للعلة).