الدروس
course cover
القياس
1 Nov 2008
1 Nov 2008

7719

0

0

course cover
شرح الورقات في أصول الفقه

القسم الرابع

القياس
1 Nov 2008
1 Nov 2008

1 Nov 2008

7719

0

0


0

0

0

0

0

القياس


قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَأَمَّا القِيَاسُ: فَهُوَ رَدُّ الفَرْعِ إِلى الأَصْلِ بِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا في الحُكْمِ).

هيئة الإشراف

#2

15 Dec 2008

شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي


قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (1) (وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ: رَدُّ الْفَرْعِ إِلَى الأَصْلِ بِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا فِي الْحُكْمِ)؛ كَقِيَاسِ الأُرْزِ عَلَى الْبُرِّ فِي الرِّبَا بِجَامِعِ الطُّعْمِ).

هيئة الإشراف

#3

15 Dec 2008

شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي


قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (1) (وأمَّا القياسُ: فهوَ رَدُّ الفرْعِ إلى الأصلِ في الحُكْمِ بعِلَّةٍ جامعةٍ تَجْمَعُهُما) أصْلُ القِياسِ في اللغةِ: التشبيهُ، ومنهُ قولُهم: (مَنْ قاسَ جَدَاوِلَكَ بِالْغَمام) ؛ أيْ: مَنْ شَبَّهَ، وقولُهم: (يُقَاسُ المَرْءُ بالمَرْءِ) ؛ أيْ: يُشَبَّهُ.
ويُطْلَقُ: على التقديرِ أيضًا، يُقَالُ: قِسْتُ الثوبَ فكانَ ذِرَاعًا؛ أيْ: قَدَّرْتَهُ؛ وذلكَ لأنَّ المتشابِهَيْنِ يَتقاربانِ في الْمِقدارِ بوَجْهٍ أوْ يَتساويانِ فيهِ.
وقد اخْتَلَفَ العُلماءُ في رَسْمِ القِياسِ الشرعيِّ،
وما ذَكَرَهُ هنا أقرَبُ الرُّسُومِ؛ فإنَّ مَنْ قالَ: القِياسُ: عِبارةٌ عن الاعتبار ، لمْ يَزِدْ على إبدالِ لفظٍ بلفظٍ، ولمْ يُشِرْ إلى معنى القِياسِ الشرعيِّ إلاَّ على بُعْدٍ، مِنْ جِهةِ أنَّ الاعتبارَ افْتِعَالٌ مِن العُبُورِ وهوَ المجاوَزَةُ والعُبُورُ مِنْ شيءٍ إلى شيء ؛ فكذلكَ القِياسُ يَعْبُرُ مِنْ حُكْمِ الأَصْلِ إلى حُكْمِ الفرْعِ.
و مَنْ قالَ: القياسُ: أَمارةٌ على الحكْم ، فقولُهُ ظاهرُ الفسادِ؛ لأنَّهُ ليسَ كُلُّ أَمارةٍ قِياسًا؛ فإنَّ ظنَّ تَنَاوُلِ النصِّ العامِّ للحكْمِ أَمارةٌ على الحكْمِ وليسَ قِياسًا.
ومَنْ قالَ: القياسُ: هوَالاجتهادُ ، أَخطأَ مِنْ حيثُ فَسَّرَ الخاصَّ بالعامِّ؛ فإنَّ الاجتهادَ أعَمُّ مِن القياسِ، فإنَّ حَمْلَ العامِّ على الخاصِّ والمُطْلَقِ على المُقَيَّدِ مِنْ أنواعِ الاجتهادِ، وليسَ ذلكَ قِيَاسًا.
وأمَّا الرسْمُ الذي هوَ اختيارُ القاضي أبي بكرٍ، أنَّ القِياسَ: ( حَمْلُ مَعلومٍ في إثباتِ حُكْمٍ أوْ وَصْفٍ لَهُمَا أوْ نَفْيِهِ عنهما بإثباتِ حُكْمٍ أوْ وَصْفٍ لهما أوْ نَفْيِهِ عنهما) ، فقد اختارَهُ الأئِمَّةُ مِنْ أهلِ الأُصولِ، وقالُوا: إنَّهُ جامعٌ مانعٌ؛ فإنَّ لفظَ المعلومِ يَشملُ الموجودَ والمعدومَ، فهوَ أَجوَدُ مِنْ قولِ مَنْ قالَ: حَمْلُ شيءٍ على شيءٍ.
وقولُهُ: (في إثباتِ حُكْمٍ أوْ وَصْفٍ) الحكْمُ مِثْلُ قولِنا: (التَّبْيِيتُ واجِبٌ في صوْمِ رمضانَ) بالقياسِ على (صَوْمِ الكَفَّارةِ) بِجامِعِ اشتراكِهما في الوُجوبِ.
والوصْفُ مِثلُ قولِنا: النَّبِيذُ نَجِسٌ؛ لأنَّهُ مُسْكِرٌ، فكانَ نَجِسًا قِياسًا على الْخَمْرِ، فأَثْبَتَ وَصْفَ النجاسةِ للنَّبيذِ بالقياسِ على الخمْرِ، وهذا راجعٌ إلى إثباتِ حُكْمٍ أيضًا. ولهذا لمْ يَذْكُر الإمامُ الغزاليُّ في هذا الرسْمِ الوصْفَ معَ الحكْمِ، بلْ قالَ: (حَمْلُ معلومٍ على معلومٍ في إثباتِ حُكْمٍ لهما).
والمطلوبُ مِن القياسِ قدْ يكونُ الإثباتَ كإيجابِ التَّبْيِيتِ مَثَلاً، وقدْ يكونُ النفيَ كعَدَمِ وُجوبِ الزكاةِ في الْحُلِيِّ؛ فلذلكَ قالَ: (أوْ نَفْيِهِ)؛ ليَشملَ القياسَ الْمُفيدَ للإثباتِ والقياسَ المفيدَ للنفيِ.
ثمَّ تَعَرَّضَ لتفصيلِ الجامعِ بينَ الأصلِ والفرْعِ بأنَّهُ قدْ يكونُ اشتراكُهما في حُكْمٍ، مِثلُ: (اشتراكِ الكَلْبِ الذي لا مَنفعَةَ فيهِ) و(الْخِنزيرِ في تحريمِ الاقتناءِ)، فقِياسُ الْخِنزيرِ على الكلْبِ في الحكْمِ بالنجاسةِ بجامِعِ اشتراكِهما في حُكْمٍ، وهوَ تحريمُ اقتنائِهما.
وقدْ يكونُ اشتراكُهما في وَصْفٍ، مِثلُ: (اشتراكِ الخمْرِ) و(النبيذِ) في الشدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، فقياسُ النبيذِ على الخمْرِ في الحكْمِ بالتحريمِ بجامِعِ اشتراكِهما في وَصْفٍ، وهوَ الشدَّةُ الْمُطْرِبَةُ.
وقدْ يكونُ الجامعُ اشترَاكَهُما في انتفاءِ حُكْمٍ،مِثلُ قولِنا: (الْخَلُّ لا يَرْفَعُ الحدَثَ)؛ فلا يُزيلُ النجاسةَ (كالْمَرَقِ)، والجامِعُ اشتراكُهما في انتفاءِ حُكْمٍ وهوَ رَفْعُ الحدَثِ.
وقدْ يكونُ الجامعُ اشتراكَهما في انتفاءِ وَصْفٍ، مثلُ قولِنا: (السِّرْجِينُ لا يُباعُ قِياسًا على الْمَيْتَةِ)، بجامِعِ اشترَاكِهِما في انتفاءِ الطهارةِ عنهما.

وفي قولِهِ: (بإِثْبَاتِ حُكْمٍ أوْ وَصْفٍ) مُنَاقَشَةٌ؛ فإنَّ الإثباتَ مَصْدَرُ أَثْبَتَ، فالقياسُ لا يُثْبِتُ الجامعَ بلْ يُظْهِرُهُ؛ لِيَتَعَدَّى الحكْمُ بهِ مِن الأصلِ إلى الفرْعِ. وكذلكَ نفيُ الحكْمِ أو الوصْفِ بجَامِعٍ، ليسَ شيئًا يُحْدِثُهُ القياسُ، بل الانتفاءُ مُتَحَقِّقٌ في نفسِ الأمرِ، يُظْهِرُهُ القياسُ ليَنتفيَ الحكْمُ عن الفرعِ كما انتَفَى عن الأصلِ.
ولهذا قالَ ابنُ الخطيبِ: (بِأَمْرٍ جامعٍ بينَهما مِنْ حُكْمٍ أوْ صفةٍ)، بَدَلَ قولِهِ: (بإثباتِ حُكْمٍ أوْ صفةٍ).
وقولُهُ: (أوْ نَفْيِهِ عنهما) هكذا صوابُ العِبارةِ؛ فإنَّ الجامعَ يَجِبُ أنْ يكونَ مُشْتَرَكًا بينَ الفرعِ والأصلِ، وإلاَّ لمْ يكُنْ جامعًا).
وأَفْرَدَ بعضُهم الضميرَ في عنْهُما، فقالَ: (أو نفيِهِ عنْهُ) على إرادةِ الفرْعِ، يعني: أنْ يُبَيِّنَ إثباتَ الجامِعِ مِنْ إثباتٍ أوْ نفيٍ في الفرْعِ؛ ليَتَعَدَّى الحكْمُ مِن الأصلِ إليهِ ، وفي ذلكَ ما يَقتضِي إثباتَ الجامعِ في الفرْعِ، والجامعُ حَقُّهُ أنْ يكونَ ثابتًا بنفسِهِ؛ ليَثْبُتَ الحكْمُ المُدَّعَى في الفرْعِ بهِ،
وهذا الرسْمُ فَاسِدٌ بأُمُورٍ:
أحدُها:
أنْ يَقتضِيَ مُساواةَ الفرْعِ الأصلَ في إثباتِ حُكْمِهما.
فإنَّهُ قالَ: (حَمْلُ معلومٍ على معلومٍ في إثباتِ حُكْمٍ لهما). فجَعَلَ حُكْمَهما ثابتًا بإثباتِ القايسِ.
وليسَ الأمرُ في القياسِ كذلكَ، بلْ حُكْمُ الأصلِ يَجِبُ أنْ يكونَ ثابتًا قَبلَ القِياسِ، وإنَّما يَجتهدُ القايسُ في إثباتِ مِثلِ حُكْمِ الأصلِ في الفرْعِ، لا في إثباتِ حُكمِ الأصلِ والفرْعِ جميعًا.
الثاني:
أنَّهُ تَعَرَّضَ لتفصيلِ الجامعِ مِنْ كونِهِ إثباتَ حُكْمٍ أوْ صفةٍ أوْ نَفْيَ ذلكَ.
وتفصيلُ الجامعِ ليسَ داخلاً في ماهِيَّةِ القِياسِ، بالَّذِي يَتَوَقَّفُ عليهِ مَعرِفَةُ القياسِ الجامعِ الْمُطْلَقِ؛ فإنَّ الحاجةَ إلى ذِكْرِهِ لنفْسِ كونِهِ جَامِعًا، لا بخُصُوصيَّةٍ مِنْ خُصوصيَّاتِهِ.
ولوْ كانَ ذلكَ داخلاً في التَّعْرِيفِ لَزِمَ التعرُّضُ لأقسامِ الْمَقِيسِ عليهِ، مِنْ كَوْنِهِ مَنصوصًا على عِلَّتِهِ، أوْ مَأْخُوذًا مِن الاستنباطِ؛ فإنَّ الأصلَ في أَحَدِ أركانِ القِياسِ، كما أنَّ الجامِعَ أَحَدُ أَرْكَانِهِ.
فلَمَّا لمْ يَجِب التَّعَرُّضُ لأقسامِ الأصلِ لمْ يَجِبْ ذلكَ في الجامِعِ، فذِكْرُهُ مُستَدْرَكٌ.
الثالثُ:
أنَّ القياسَ الفاسدَ: يَخْرُجُ مِنْ هذا الرسْمِ فهوَ باطلٌ؛ لأنَّ لفظَ القِياسِ يَشْمَلُ الصحيحَ والفاسدَ؛ بدليلِ تقسيمِهم القياسَ إلى الصحيحِ والفاسدِ، ومَوْرِدُ التقسيمِ مشْتَرَكٌ. بيانُ خُروجِ الفاسدِ عنْ هذا الرسْمِ أنَّهُ شَرْطٌ في حُصولِ الجامعِ، ومَتَى تَحَقَّقَ الجامعُ بينَ الأصلِ والفرعِ كانَ القِياسُ صَحيحًا، ومتى لمْ يَتَحَقَّقْ كانَ فاسدًا، فكان حَقُّهُ أنْ يقولَ: (بِجَامِعٍ في نَظَرِ المجتَهِدِ)؛ ليَتناوَلَ الفاسدَ والصحيحَ.
ولأجْلِ هذهِ الإِشْكَالاتِ قالَ أبو الحسينِ البَصريُّ: (القياسُ تحصيلٌ لِحُكْمِ الأَصْلِ في الفرْعِ؛ لاشتباهِهما في عِلَّةِ الحُكْمِ عندَ المجتَهِدِ).
وقولُهُ في الكتابِ: (رَدُّ الفرْعِ إلى الأَصْلِ في الحكْمِ بعِلَّةٍ تَجْمَعُهما) سالِمٌ مِن الإشكالِ الأوَّلِ والثاني دونَ الثالثِ؛ فإنَّهُ يَخْرُجُ منهُ القياسُ الفاسِدُ، فهوَ أَقْرَبُ مِن الْحَدِّ المشهورِ.
ولوْ أُضيفَ إليهِ في نَظَرِ الْمُجْتَهِدِ سَلِمَ مِن الإشكالاتِ الثلاثةِ.
وقيلَ: إنما عُدِلَ في الحَدِّ المشهورِ عنْ ذِكْرِ الفرْعِ والأصلِ؛ لأنَّ المُتَبَادِرَ إلى الفَهْمِ منهما المَوْجُودُ، فعُدِلَ إلى ما يَعُمُّ الموجودَ والمعدومَ، ولا طائلَ في هذا القولِ؛ فإنَّ قولَهُ في الْحَدِّ المشهورِ: (في إثباتِ حُكْمٍ أوْ صِفةٍ لهما)، يُشْعِرُ بالموجودِ إشعارًا ظاهرًا، لا يُفْهَمُ مِثلُهُ مِنْ لَفْظِ الأصلِ والفرْعِ. ثمَّ التَّعَرُّضُ للمعدومِ ليسَ عظيمَ أَمْرٍ في القِياسِ، فلا قِياسَ إنَّما هوَ إضافةٌ بينَ ثابتَيْنِ إمَّا في الذِّهْنِ وإمَّا في الخارجِ، فلا قِياسَ إلاَّ حيثُ يَصْدُقُ الموجودُ، فلا معنى للتَّعَرُّضِ للمعدومِ.
والتعَبُّدُ بالقياسِ جائزٌ عَقْلاً؛ فإنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِهِ مُحالٌ، وكلُّ شيءٍ لا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِهِ مُحَالٌ فهوَ جائزٌ عَقْلاً، ولأنَّ التشبيهَ والتمثيلَ والجمْعَ بينَ الشيئَيْنِ بِوَصْفٍ مُعتَمَدٍ مِن الأمورِ العادِيَّةِ، فلا امتناعَ في كونِهِ طَريقًا إلى تَحصيلِ المصلَحَةِ واجتنابِ الْمَفْسَدةِ.
والفقهاءُ مُجْمِعونَ على أنَّ الشرْعَ وَرَدَ بالتعَبُّدِ بهِ، وأنَّهُ حُجَّةٌ يَجِبُ الرجوعُ إليهِ في الأحكامِ الشرعيَّةِ.
- واحْتَجُّوا على ذلكَ بأشياءَ؛ منها قولُهُ تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}، الاعتبارُ: المجاوَزَةُ، فأَمَرَهم بتَعديَةِ حُكْمِ الأصلِ إلى الفرْعِ.
- وقولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ للَّذِي سأَلَهُ عنْ قُبْلَةِ الصائمِ: ((أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَجْتَهُ)).
- وقولُهُ عليهِ السلامُ للَّذِي سَأَلَهُ: ((أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ)).
وكلُّ هذهِ التَّمَسُّكاتِ ضَعيفةٌ؛ فإنَّ سِياقَ الآيَةِ يُعْطِي أنَّ المقصودَ بالاعتبارِ هوَ النظَرُ في فِعْلِ اللهِ سُبحانَهُ بالكافرِ؛ بدليلِ قولِهِ: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةٌ بِمَا ظَلَمُوا}.
وأمَّا الخبرُ: فهوَ خبرُ واحدٍ لا يَصْلُحُ طريقًا لإثباتِ أَصْلٍ مقطوعٍ بهِ، ثمَّ فيهِ إثباتُ القياسِ مُطْلَقًا بقياسٍ منصوصٍ عليهِ.
ولا يَلْزَمُ مِنْ كونِ القياسِ المأخوذِ مِن النصِّ حُجَّةً، أنْ يكونَ كُلُّ قِياسٍ حُجَّةً.
وأَجْوَدُ الطُّرُقِ في إثباتِ القياسِ التمَسُّكُ بإجماعِ الصحابةِ عليهِ؛
فإنَّهُم لَمَّا اخْتَلَفوا في الْجَدِّ وفي الأَكْدَرِيَّةِ، وفي قولِهِ: أنتِ حَرَامٌ، وفي التشريكِ في الميراثِ، أَخَذَ كُلُّ واحدٍ منهم بما رَآهُ عندَهُ قِياسًا صحيحًا، ولمْ يُنْكِرْ بعضُهم على بعضٍ، وذلكَ دليلٌ على إجماعِهم على جَوازِ القياسِ في الشرْعِيَّاتِ.
- وما احْتَجَّ بهِ مُنْكِرو القياسِ مِنْ قولِهِ تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}، وقولِهِ: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}، وقولِهِ تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، والقياسُ ظَنٌّ، وما جاءَ مِنْ ذَمِّ القائلينَ بالرَّأْيِ، كُلُّ ذلكَ شُبهةٌ لا تقومُ بهِ الْحُجَّةُ على دَعواهُم؛ فإنَّ الحكْمَ بالقياسِ راجعٌ إلى الكتابِ، وهوَ رَدٌّ إلى اللهِ ورسولِهِ، وليسَ القياسُ مِن الظنِّ الذي لا يُغْنِي مِن الحقِّ شيئًا؛ فإنَّ ذلكَ الظنَّ هوَ الظنُّ الذي لا أَصلَ لهُ في الشريعةِ، فأمَّا ما لهُ أصْلٌ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ فهوَ مِن الْحَقِّ، والعملُ بهِ واجبٌ؛ بدليلِ الشاهِدِ والْمُفْتِي؛ فإنَّ قَوْلَهما ظَنٌّ ويَجِبُ العملُ بهِ.
وذَمُّ القولِ بالرأيِ مَحمولٌ على الرأيِ بغيرِ أَصْلٍ، والرأيُ أَعَمُّ مِن القياسِ. ومِنْ لطيفِ الأجْوِبَةِ عن التمَسُّكِ بقولِهِ تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}
- قولُ مَنْ قالَ بِرَدِّ القِياسِ وكونِهِ ليسَ حُجَّةً: إن قيلَ: إنَّهُ مأخوذٌ مِنْ نَصِّ الكتابِ، كانَ باطلاً، وإنْ قيلَ بالرَّدِّ إليهِ بِوَسَطٍ، فقدْ حَصَلَ الاعترافُ بإثباتِ حُكْمٍ بأَمْرٍ يَرْجِعُ إلى الكتابِ، والقياسُ كذلكَ، فلا يكونُ في الآيَةِ دَليلٌ على إبطالِهِ.
- وأمَّا التمَسُّكُ بحديثِ مُعاذٍ حينَ قالَ لهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((بِمَ تَحْكُمُ؟))
قَالَ: بِكِتَابِ اللهِ، قَالَ: ((فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟))
قَالَ: بِالسُّنَّةِ، قَالَ: ((فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟))
قالَ: فَإِنِّي أَجْتَهِدُ رَأْيِي فضعيفٌ لأمورٍ:
أحدُها:
أنَّ هذا الحديثَ مُرْسَلٌ، وقدْ تَقَدَّمَ أنَّ الْمُرْسَلَ لا يُحْتَجُّ بهِ.
فإنْ قيلَ: هوَ مُتَلَقًّى بالقَبولِ فيَجبُ العملُ بهِ، كما في قولِهِ عليهِ السلامُ: ((لاَ يَرِثُ الْقَاتِلُ)) ؛ فإنَّهُ مُرْسَلٌ ووجَبَ العملُ بهِ لَمَّا تَلَقَّتْهُ الأمَّةُ بالقَبولِ.
قيلَ: تَلَقِّي خبرِ مُعاذٍ هذا بالقَبولِ ممنوعٌ؛ فإنَّ المُتَدَاوِلَ لهُ بعضُ أهلِ الأصولِ، ولَيْسُوا كُلَّ الأُمَّةِ، وقدْ نَصَّ أَئِمَّةُ الحديثِ على ضَعْفِهِ وإرسالِهِ، بخِلافِ حديثِ مِيراثِ القاتلِ؛ فإنَّ أهلَ العلْمِ على اختلافِهم واختلافِ طَبَقاتِهم قَبِلُوهُ.
ولوْ قيلَ: الحكْمُ مُستفادٌ مِن الاتِّفاقِ عليهِ لا مِن الخبرِ المرسَلِ لمْ يكُنْ بَعيدًا.
والثاني:
أنَّ رأيَ مُعاذٍ قدْ يكونُ مُسَدَّدًا، فهذهِ واقعةُ عَيْنٍ لا عُمومَ لها.
والثالثُ:
أنَّ الرأيَ أَعَمُّ مِن القياسِ؛ فإنَّ الرأيَ هوَ الاجتهادُ، والعلماءُ مُجْمِعونَ على وُجوبِ الاجتهادِ عندَ العَجْزِ عن النصوصِ، ومختلِفونَ في القِياسِ حينئذٍ، وما أُجْمِعَ عليهِ غيرُ ما اخْتُلِفَ فيهِ، ولأنَّ مِنْ أبوابِ الاجتهادِ الأخْذَ بالبراءةِ الأصلِيَّةِ، واستصحابَ الحالِ، والأخْذَ بالأشَدِّ، فلا يَلْزَمُ مِن الإذْنِ في الرأيِ الذي هوَ أَعَمُّ مِن القياسِ الإذْنُ في خُصوصِ القِياسِ.
وأَضْعَفُ مِنْ هذا التمَسُّكُ بكتابِ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ إلى أبي موسى الأشعريِّ
وقولِهِ: (قِس الأمورَ بعضَها ببعض) فإنَّ هذهِ الرسالةَ مُرْسَلةٌ وهيَ قولُ صحابِيٍّ).

هيئة الإشراف

#4

15 Dec 2008

الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني


قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (1) أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ بيانِ الأخبارِ: شَرَعَ في القياسِ، وهوَ البابُ الثَّالثَ عَشَرَ.
وأصلُ القياسِ في اللُّغةِ: التَّقْديرُ، يُقالُ: (قِسْتُ الثَّوْبَ بالذِّراعِ) إذَا قدَّرْتَهُ بهِ.
وقدْ رُسِمَ القياسُ برسومٍ.
أَظْهَرُهَا عندَ الشَّيْخِ: (رَدُّ الفَرْعِ إلى الأصْلِ في الحُكْمِ بِعلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا).
يُشيرُ إلى إمكانِ القياسِ وهوَلاَ يَحْصُلُ إلاَّ بثلاثةِ أرْكَانٍ:
(أصْلٍ) ، و(فرعٍ) و(علَّةٍ بينَهُمَا)؛ ليُحْكَمَ على الفرعِ بمَا حُكِمَ على الأصلِ.
مثالُهُ: (بيعُ الحِنْطةِ بمثْلِهَا مُتَفاضِلاً) ، حرامٌ اتِّفاقًا للحديثِ، فقِسْنَا عليْهَا بيعَ الذُّرةِ بمثلِهَا متفاضلاً؛ لأنَّ العلَّةَ في تحريمِ التَّفَاضُلِ في الأصْلِ هوَ: الطَّعْمُ، وَهُوَ موجودٌ في الذُّرَةِ، فَحُكِمَ على الُّذَرةِ (بـ) مَا حُكِمَ على الأصلِ؛ لعلَّةٍ بينَهما.
وهذَا دليلٌ ظاهرٌ على وجوبِ العَمَلِ بالقياسِ.
وبهِ قالَ جمهورُ أهلِ السُّنَّةِ.
وذهبَ قومٌ إلى عدمِ العملِ بهِ.
وبهِ قالَ داودُ الظَّاهِريُّ.
متمسِّكينَ بقولِهِ تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]، وبقولِهِ تعالى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59]، وبقولِهِ تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس:36].
واحتجُّوا -أيضًا- بأحاديثَ مِنَ السُّنَّةِ، وأجيبَ عنْ جميعِهَا والحمدُ للهِ، فلاَ نطوِّلُ فيمَا لاَ حاجةَ لنَا فيهِ.
إنَّمَا أَقْتَصِرُ على أدلَّةِ الجُمْهُورِ واللهُ المُسْتَعَانُ.
أقولُ: منَ الأدلَّةِ على وجوبِ العملِ بالقياسِ:
قولُهُ تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر:2] فإنَّ الاعْتِبَارَ مشتقٌّ منَ العُبورِ، وهوَ المجاوزةُ منْ شيْءٍ إلى آخرَ، وهذَا عينُ القياسِ؛ لأنَّهُ مُجاوزةُ الحُكْمِ منَ الأصلِ إلى الفرعِ.
ومنْهَا: قصَّةُ معاذٍ، وأبي موسى حينَ أرسلهُمَا قاضيَيْنِ إلى اليمنِ قَالَ لَهُمَا: (بِمَ تَقْضِيَانِ) قَالاَ: بِكِتَابِ اللهِ. قالَ: (فإِنْ لَمْ تَجِدَاهُ؟) قَالاَ: (بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ - تَعَالى -) قَالَ: (فَإِنْ لَمْ تَجِدَاهُ؟) قَالاَ: (نَجْتَهِدُ رَأْيَنَا) فَأَقرَّهُمَا على ذلكَ.
ومنْهَا: إجماعُ الصَّحابةِ على عدمِ الإنكارِ على مَنْ فَعَلَهُ في زمنِهِمْ كاختلافِهِمْ في توريثِ الجدِّ، والأكدريَّةِ، ومَنْ قالَ لزوجَتِهِ: أنْتِ (عليّ) حرامٌ.
فكلٌّ منْهُمْ ذهبَ إلى قياسِهِ، وعَمِلَ بِهِ، ولمْ يُنكِرْ غيرُهُ عليْهِ.
ومنْهَا: العقلُ دالٌّ على وجوبِ العملِ بالقياسِ، وذلكَ أنَّ الحكمَ إذَا تعلَّقَ بالأصْلِ: كانَ تعلُّقُهُ بالفرعِ أوْلى.

فهذِهِ أدلَّةٌ منَ الكِتابِ، والسُّنَّةِ، والإجماعِ، والعقلِ واللهُ أعلمُ).

هيئة الإشراف

#5

15 Dec 2008

قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب


قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (1) (وأمَّا القياسُ) فهوَ الرَّابِعُ منَ الأدلَّةِ الشَّرْعيَّةِ. وهوَ في اللُّغَةِ: بمعنَى التَّقديرِ؛ نحوُ: (قِسْتُ الثَّوبَ)، وبمعنَى(التَّشبِيهِ)؛ نحوُ قولِهِمْ: (يُقاسُ المرءُ بالمَرءِ).
وأمَّا في الاصطلاح: فهوَ ردُّ الفرعِ إلَى الأصْلِ بعلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا في الحُكْمِ .
ومعنَى ردُّ الفرعِ إلَى الأصْلِ: جعلُهُ راجعًا إليهِ ومساوِيًا لهُ في الحُكمِ؛ كقياسِ الأُرْزِ علَى البُرِّ في الرِّبَا للعلَّةِ الجامِعَةِ بينهُمَا، وهيَ الاقتياتُ والادِّخارُ للقوتِ عندَ المالكيَّةِ، وكونُهُ مطعُومًا عندَ الشَّافِعِيَّةِ).

هيئة الإشراف

#6

15 Dec 2008

شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (1) هذا هوَ الأصلُ الرابعُ من الأصولِ التي يُسْتَدَلُّ بها، وهوَ القِيَاسُ، وخَالَفَ فيهِ الظاهريَّةُ وآخرونَ، وقالُوا: ليسَ من الأصولِ؛ لأنَّهُ لا يُفِيدُ إلا الظَّنَّ.
والصوابُ معَ الجمهورِ؛ فإنَّ القياسَ يُثِيرُ ظَنًّا غَالِبًا يُعْمَلُ بهِ فِي الأحكامِ الشرعيَّةِ.
- وقولُهُم: لا يُفِيدُ إلا الظنَّ.
- نَقُولُ: (خَبَرُ الواحدِ ونحوُهُ لا يُفِيدُ إلا الظَّنَّ).
وقدْ دَلَّ علَى اعتبارِهِ دَلِيلاً: كتابُ اللَّهِ تَعَالَى وسُنَّةُ رسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقوالُ الصحابةِ.
- قالَ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، والميزانُ: ما تُوزَنُ بهِ الأمورُ ويُقَايَسُ بهِ بَيْنَهَا.
ومِن السُّنَّةِ:
ما وَرَدَ عنْ أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ لي غُلامٌ أَسْوَدُ؟!!
فَقَالَ: ((هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟))
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: ((مَا أَلْوَانُهَا؟))
قَالَ: حُمْرٌ.
قَال: ((هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟))
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: ((فَأَنَّى ذَلِكَ؟))
قَالَ: لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ.
قَالَ: ((فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
- قالَ ابنُ العَرَبِيِّ: (فيهِ دليلٌ علَى صِحَّةِ القياسِ والاعتبارِ بالنَّظيرِ). ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ البارِي (9/444).
- ومن أقوالِ الصحابةِ: ما وَرَدَ فِي كتابِ عمرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى قَاضِيهِ أبي موسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وفيهِ: (ثمَّ الفَهْمَ الفَهْمَ فيما أُدْلِيَ عَلَيْكَ مِمَّا وَرَدَ عَلَيْكَ مِمَّا ليسَ فِي قرآنٍ ولا سُنَّةٍ، ثمَّ قَايِس الأمورَ عِنْدَكَ، واعْرِف الأمثالَ، ثمَّ اعْمِدْ فِيمَا تَرَى إلَى أَحَبِّهَا إلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بالحَقِّ).
ونَقَلَ ابنُ القَيِّمِ فِي إعلامِ الموقِّعينَ (1/205) عن المُزَنِيِّ أنَّهُ قالَ: (الفقهاءُ فِي عصرِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا، وَهَلُمَّ جَرًّا، اسْتَعْمَلُوا المَقَايِيسَ فِي الفقهِ فِي جميعِ الأحكامِ فِي أمرِ دِينِهِم).
وقالَ: (وَأَجْمَعُوا علَى أنَّ نظيرَ الحقِّ حقٌّ، ونظيرَ الباطلِ باطلٌ).
(2) والقياسُ لُغَةً: التقديرُ والمساواةُ. تَقُولُ: قِسْتُ الثوبَ بالذراعِ إذا قَدَّرْتَهُ بهِ. وفلانٌ لا يُقَاسُ بفلانٍ، أيْ: لا يُسَاوَى بهِ.
واصطلاحًا: رَدُّ الفرعِ إلَى الأصلِ بِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا فِي الحُكْمِ.
ومَعْنَى (رَدُّ الفرعِ إلَى الأصلِ) جَعْلُهُ مُسَاوِيًا لهُ وَرَاجِعًا إليهِ فِي الحُكْمِ، حيثُ إنَّ الفَرْعَ لم يَرِدْ فِي بيانِ حُكْمِهِ نَصٌّ ولا إجماعٌ، فإذا وُجِدَتْ عِلَّةُ الأصلِ فِي الفَرْعِ أُعْطِيَ حُكْمَ الأصلِ.
ومثالُهُ: قياسُ (الأُرْزِ) علَى (البُرِّ) فِي جَرَيَانِ الرِّبَا، والعِلَّةُ التي تَجْمَعُهُمَا هيَ الطَّعْمُ والكَيْلُ مَثَلاً.
وأَرْكَانُ القِيَاسِ أربعةٌ:
الفَرْعُ: وهوَ المَحَلُّ الذي يُرَادُ إثباتُ الحُكْمِ فيهِ، وَيُسَمَّى المَقِيسَ. وَهُوَ الأرزُ.
الأَصْلُ: وهوَ المَحَلُّ المَعْلُومُ بثبوتِ الحُكْمِ فيهِ، وَيُسَمَّى المَقِيسَ عَلَيْهِ. وهوَ البُرُّ.
والحُكْمُ: وهوَ الأمرُ المَقْصُودُ إِلْحَاقُ الفرعِ بالأصلِ فيهِ. وهوَ جَرَيَانُ الرِّبَا.
العِلَّةُ: وهيَ المَعْنَى المُشْتَرَكُ بينَ الأصلِ والفرعِ المُقْتَضِي إثباتَ الحُكْمِ فِي الفرعِ. وهيَ الطَّعْمُ والكَيْلُ مَثَلاً.
والباءُ فِي قولِ المُصَنِّفِ (بِعِلَّةٍ) سَبَبِيَّةٌ، أيْ: بِسَبَبِ عِلَّةٍ.
والعِلَّةُ فِي المثالِ هيَ (الطَّعْمُ) و(الكَيْلُ) علَى أحدِ الأقوالِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي البُرِّ).

هيئة الإشراف

#7

15 Dec 2008

شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)


القارئ: (وأما القياس فهو رد الفرع إلى الأصل في الحكم بعلّة تجمعهما، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قياس علّة، وقياس دلالة، وقياس شبه).

قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (القياس: هو الدليل الرابع من الأدلة التي يقول بها الجمهور:
الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.
- والقياس حجة، قال به جمهور الأمة، وخالف في الاحتجاج به داود بن علي الظاهري وسائر الظاهرية.
والقياس في اللغة: التقدير والتسوية، تقول: قست الثوب بالذراع، إذا قدّرته به، وقاس فلان، وفلان يُقاس بفلان، أي يُسوَّي به.
أما في الاصطلاح: فقد عّرفوه بتعاريف كثيرة:
- منها: أنه إلحاق فرع بأصل في حكم لجامع بينهما، كإلحاق الأُرز بالبُر في تحريم الربا بالجامع وهو الكيل عند الحنابلة.
- والاقتيات والادّخار عند المالكية.
- وقد دلّ على إثبات القياس وأنه حُجة أدلة منها :
قوله سبحانه: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}، الاعتبار من العُبور وهو الانتقال من شيء إلى آخر، والقياس فيه انتقال بالحكم من الأصل إلى الفرع، فيكون مأموراً به.
- وكذلك من الأدلة تصويب النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ -رضي الله عنه-: حين قال: ((بم تقضي؟)) قال: بكتاب الله، قال: ((فإن لم تجد))؛ قال: فبسنة رسول الله، قال: ((فإن لم تجد))؛ قال: أجتهد رأيي ولا آلو))؛ فالاجتهاد حيث لا يكون نص، يكون بالإلحاق بالمنصوص. وحديث معاذ هذا حديث مشهور، وقد حسّنه جماعة.
- وكذلك: قوله -عليه الصلاة والسلام- للخَثْعمية حين سألته عن الحج عن الوالدين، قال: ((أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان ينفعه؟)) قالت: نعم، قال: ((فدين الله أحق أن يُقضى))، فهو تنبيه منه عليه الصلاة والسلام على قياس دين الخلق.
- وكذلك: لما سأل عُمر النبي عليه الصلاة والسلام عن القُبلة للصائم، قال: ((أرأيت لو تمضمضت؟))؛ فهذا قياس للقبلة على المضمضة، ومن الأدلة أيضاً قصة الرجل الذي ولدت امرأته غلاماً أسود، فأتى النبي -عليه الصلاة والسلام- وسأله عن ذلك وكأنه يعرض بنفي هذا الولد فقال له عليه الصلاة والسلام، ((هل لك من إبل))
قال: نعم.
قال: ((ما ألوانها؟))
قال حُمر.
قال: ((هل فيها من أَوْرق؟))
قال: نعم.
قال: ((فمن أين أتاها؟))
قال: لعلها نزعها عرق.
قال: ((فابنك هذا لعله نزعه عرق))؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام قاس ولد هذا الرجل المخالف للونه، بولد الإبل المخالف لونه لألوانها، وذكر العلة الجامعة وهي: نزع العرق، ولأن الوقائع كثيرة، فلو لم يُقل بالقياس لخَلَت وقائع كثيرة من الأحكام، فالحاصل أن الجمهور من أهل العلم على الاحتجاج بالقياس خلافاً للظاهرية.
والقياس له أربعة أركان:
- خلافاً لما ذُكر عندكم هنا ولما ذكر في (الأنجم)-:
الأول:
أصلٌ مَقيسٌ عليه: وهو المحل الذي ثبت حكمه وألحق به غيره،(كالخمر) ثبت لها التحريم وألحق بها (النبيذ).
الثاني:
الفرع: فرع ملحقٌ بالأصل، والفرع في اللغة: (ما توّلد عن غيره وانبنى عليه).
- وفي اصطلاح الأصوليين: المحل المطلوب إلحاقه بغيره في الحكم، (كالنبيذ)، طُلب إلحاقه (بالخمر) في حكمها وهو التحريم.
الثالث:
العلة التي تجمع بين الأصل والفرع: وهي المعنى المشترك بين الأصل والفرع المقتضي إثبات الحكم، (كالإسكار) المُستدعي إلحاق(النبيذ) (بالخمر) في حكم التحريم.
الركن الرابع والأخير:
الحكم الثابت للأصل المقيس عليه: وهو الأمر المقصود إلحاق الفرع بالأصل فيه، (كالقصاص أُثبت في القتل بالمُثّقل إلحاقاً له بالقتل بالمحدّد)).
فعندنا القياس: إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما.
والأركان تُعرف من هذا التعريف:
-(إلحاق فرع)، هذا ركن، (بأصل)، هذا ركن، (في حكم) هذا ركن، (لعلة جامعة) فهذه أركان القياس.
ويشترط للقياس شروط يجب توفرها فيه لصحته، منها:
أولاً: شروط الأصل الذي هو أحد أركان القياس، يشترط فيه:
- أن يكون الحكم ثابتاً بنص أو إجماع أو اتفاق الخصمين: لأن إلحاق فرع بأصل في حكم، هذا الحكم بالنسبة للأصل المقيس عليه.
ثانياً: أن لا يكون معدولاً به عن قاعدة عامة: مثل: (بيع العرايا)، و(شهادة خُزيمه- رضي الله عنه)- فلا يصحان أصلاً، لأن الحكم في القياس مطّرد، والخارج عن القاعدة العامة ليس مُطرداً، خلافاً لمن يُجيز القياس في الرُّخص، فيجوز -على هذا القول- قياس التين على الرُّطب، وما أشبه ذلك.
- ومسألة القياس في الرخص مسألة معروفة.
فيها قولان مشهوران عند أهل العلم، فليس للإنسان أن يقيس شيئاً على شيء معدولٍ به عند القاعدة.
- فمثلاً شهادة خزيمة ابن ثابت عن شهادة رجلين، فلا يكون غيره مثله في هذا الحكم، فلا نقول نقبل شهادة فلان وحده قياساً على قبول شهادة خزيمة، وهذان الشرطان بناء على القول بأن الأصل هو نفس الحكم لا محل الحكم.
ثانياً: يشترط في الفرع شرطان:
الأول:
وجود علة الأصل فيه: لأنها مناط تعدية الحكم إليه.
- وكذلك:
أن لا يكون منصوصاً على حكمه: فإن كان لم يُحتج إلى قياسه على غيره.أما حكم الأصل: فيُشترط فيه أن يكون الفرع مُساوياً له في الأصل، (كقياس الأُرز على البُرّ في تحريم الربا)، فإن كان الحكم في الفرع أزيد منه في الأصل أو أنقص لم يصح القياس، كأن يكون حكم الأصل الوجوب، وحكم الفرع الندب أو العكس.
- وكذلك:
يُشترط في حكم الأصل أن يكون شرعياً لا عقلياً، فلا يثبت ذلك بالقياس، لأنه يُطلب فيه اليقين، والقياس يُفيد الظن.
ويشترط في العلة شرطان:
- أن تكون العلة متعدية: فإن كانت قاصرة على محلها امتنع القياس بها لعدم تعدّيها إلى الفرع، (كجعل شهادة خُزيمة بن ثابت رضي الله عنه كشهادة رجلين) لعلة سبقه إلى تصديق النبي -صلى الله عليه وسلم- بنوع من التصديق لم يسبقه إليه غيره.
الثاني: أن تكون مطّردة كالإسكار: فكلما وُجد (الإسكار) في شيء وجد التحريم فيه، فإذا تخلّفت فإن كان تخلّفها لمانع فلا تبطل، كما لو قيل:(القتل العمد العدوان علة للقصاص)، هذا صحيح، قد تخلّف القصاص في قتل الوالد لولده عمداً عدواناً، إذ إنه لا يُقتل به، فيُقال إنها تخلفت لمانع هو الأبوة، فلا تبطل في غير الأب، فكلما وجد القتل العمد العدوان من غير الأب وجب القصاص، وإن كان تخلّفها من غير مانع فلا يصح التعليل بها، كما لو قيل تجب الزكاة في المواشي قياساً على الأموال بجامع دفع حاجة الفقير، فيقال إن التعليل بدفع حاجة الفقير قد تخلّف عنها الحكم في الجواهر مثلاً، الحاصل أن العلَّة لا بد أن تكون متعدية وأن تكون مطرّدة.
القارئ: (وأما القياس فهو رد الفرع إلى الأصل في الحكم لعلة تجمعهما، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه، فقياس العلة ما كانت العلة فيه مُوجبة، وقياس الدلالة: هو الاستدلال بأحد النظيرين على الآخر، وهو أن تكون العلة دالة على الحكم ولا تكون موجبة، وقياس الشبه هو الفرع المتردد بين أصلين فيُلحق بأكثرهما شبهاً).
الشيخ: سبق الكلام على تعريف القياس وأركانه وحجيته. وأن القياس: إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة جامعة بينهما، والقياس له تقسيمات.
من تقسيماته : كونه ينقسم إلى قياس قطعي، وإلى قياس ظني.
فالقياس القطعي:
هو ما لا يحتاج معه إلى التعرض للعلة الجامعة، بل يكتفى فيه بنفي الفارق المؤثر في الحكم،(كإلغاء الفارق بين البول في الماء الراكد والبول في إناء وصبِّه فيه).
- وهو أنواع:
- منها: ما كان المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق مع القطع بنفي الفارق: مثل: (إلحاق ضرب الوالدين بالتأفيف في التحريم).
- و(إلحاق ما دون القنطار وفوق الدينار بهما في التأدية من بعض أهل الكتاب إذا اؤتمن عليه).
وكذلك من أنواعه:
- ما كان المسكوت عنه مساوياً للمنطوق في الحكم مع القطع بنفي الفارق: (كإلحاق إغراق مال اليتيم وإحراقه بأكله في التحريم).
- فالأول: يقول الله سبحانه عن الوالدين: {ولا تقل لهما أف}، لو أن شخصاً لم يقل هذه الكلمة لوالديه ولكنه قام بضربهما، الضرب هذا جائز أو محرّم؟
محرّم، وهو من باب أولى بالنسبة للتأفيف.
- وأيضاً يقول الله سبحانه : {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً}، لو أن شخصاً لم يأكل مال اليتيم، لكنه أحرقه أو أغرقه، محرم أو غير محرّم؟
محرّم وهو مسكوت عنه، نقول هذا مساو للمنطوق، الإغراق والإحراق مساوٍ للأكل، والضرب في المثال الأول أولى، فهذا قياس قطعي.
القياس الظني:
ما احتيج فيه إلى البحث عن العلة الجامعة، (كإلحاق الأُرز بالبُر في تحريم الربا بجامع الكيل)، فتحصل من هذا أن للإلحاق طريقين، إلحاق بنفي الفارق، وإلحاق بالجامع).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

15 Dec 2008

العناصر

القياس
القياس هو الدليل الرابع من الأدلة التي يقول بها الجمهور
تعريف (القياس)
تعريف (القياس) لغةً
تعريف (القياس) اصطلاحًا

حجية القياس:
القياس الصحيح حجة عند جمهور الأمة
خالف في الاحتجاج به داود بن علي الظاهري وسائر الظاهرية
الأدلة على حجية القياس
الدليل الأول: قوله سبحانه وتعالى: {فاعتبروا يا أولي الأبصار}
وجه الدلالة من الآية
الدليل الثاني: قوله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}
الميزان: هو ما توزن به الأمور ويقايس به بينها
الدليل الثالث: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين قال: (أجتهد رأيي ولا آلو)
الدليل الرابع: حديث الخَثْعمية
فيه تنبيه منه عليه الصلاة والسلام على قياس دين الخلق
الدليل الخامس: قياس النبي صلى الله عليه وسلم القبلة للصائم على المضمضة
الدليل السادس: حديث: (لعله نزعه عرق)
وجه الدلالة: قياس مخالفة لون ولد الرجل لأبيه على اختلاف ألوان الإبل
الدليل السابع: كتاب عمر لأبي موسى، وفيه: (ثم قايس الأمور عندك، واعرف الأمثال...)
الدليل الثامن: أن الوقائع كثيرة، فلو لم يقل بالقياس لخلت وقائع كثيرة من الأحكام
أدلة منكري القياس، والرد عليها

أركان القياس
الركن الأول: الأصل
تعريف (الأصل) لغة
تعريف (الأصل) اصطلاحاً
الركن الثاني: الفرع
تعريف (الفرع) لغةً
تعريف (الفرع) اصطلاحاً
الركن الثالث: العلة:
تعريف (العلة)
مثال (العلة)
الركن الرابع: الحكم الثابت للأصل
تعريف (الحكم)
مثال (الحكم)

شروط أركان القياس:
أولاً: شروط الأصل:
الشرط الأول: أن يكون الحكم ثابتاً بنص أو إجماع أو اتفاق الخصمين
سبب اشتراط هذا الشرط
الشرط الثاني: أن لا يكون معدولاً به عن قاعدة عامة
أمثلة المعدول به عن قاعدة عامة
مسألة: هل يجوز القياس في الرخص أو لا؟
ثانياً: شروط الفرع:
الشرط الأول: أن يكون الفرع مناسبًا للأصل
المراد بالمناسبة
أمثلة على الوصف المناسب
الشرط الثاني: أن لا يكون منصوصاً على حكمه
المنصوص على حكمه لا يحتاج فيه إلى قياس
ثالثًا: شروط حكم الأصل:
الشرط الأول: أن يكون الفرع مُساوياً له في الأصل
مثاله: قياس الأُرز على البُرّ في تحريم الربا
مسألة: إن كان الحكم في الفرع أزيد منه في الأصل أو أنقص لم يصح القياس
الشرط الثاني: أن يكون حكم الأصل شرعيًّا لا عقليًّا
رابعًا: شروط العلة:
الشرط الأول: أن تكون العلة متعدية
إن كانت العلة قاصرة على محلها امتنع القياس بها لعدم تعدّيها إلى الفرع
مثال العلة القاصرة
الشرط الثاني: أن تكون العلة مطردة
معنى الاطراد
أمثلة على العلة المطردة

اشتراط الانعكاس في العلة
معنى الانعكاس في العلة
اشتراط الانعكاس في العلة يمنع تعليل الحكم بعلتين
مذهب الجمهور جواز تعليل الحكم الواحد بعلتين
مثال تعليل الحكم الواحد بعلتين

شرح قوله: (فلا تنتقض لفظًا ولا معنًى)
معنى (الانتقاض)
الانتقاض: هو تخلف الحكم عن الوصف
النقض من قوادح القياس

أسباب تخلف الحكم عن الوصف:
1 - وجود مانع من تأثير العلة، أو فقدان شرط تأثيرها
هذا السبب لا يبطل العلة، بل هو تخصيص لها
مثال تخلف العلة لمانع
مثال تخلف العلة لفقد شرط
2 - النقض والإبطال
مثال تخلف العلة لغير مانع ولا لفقدان شرط

تقسيمات القياس:
أقسام القياس باعتبار دلالته:
القسم الأول: القياس القطعي
تعريف القياس القطعي
مثال القياس القطعي
أنواع القياس القطعي:
النوع الأول: ما كان المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق مع القطع بنفي الفارق
مثال النوع الأول
النوع الثاني: ما كان المسكوت عنه مساوياً للمنطوق في الحكم مع القطع بنفي الفارق
أمثلة النوع الثاني
القسم الثاني: القياس الظني
تعريف القياس الظني
مثال القياس الظني

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

15 Dec 2008

الأسئلة

س1: عرف (القياس) لغة واصطلاحاً.

س2: اذكر الأدلة على حجية القياس.
س3: اذكر أدلة منكري القياس رادّاً عليها.
س4: عدد أركان القياس مبيناً ما يشترط في كل ركن.
س5: هل يجوز القياس في الرخص أو لا؟
س6: ما الحكم إذا كانت العلة قاصرة على محلها.
س7: ما معنى (الانتقاض) اصطلاحاً؟
س8: عدد أسباب تخلف الحكم عن الوصف.
س9: ما أنواع القياس القطعي؟