1 Nov 2008
المسنَد والمرسل
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت
٤٧٨هـ) : (وَيَنْقَسِمُ إِلى:
- مُرْسَلٍ.
- وَمُسْنَدٍ.
فَالمُسْنَدُ: مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ.
وَالمُرْسَلُ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ إِسْنَادُهُ.
فَإِنْ
كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، إِلاَّ
مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ؛ فَإِنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ
مَسَانِيدَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالعَنْعَنَةُ: تَدْخُلُ عَلَى الأَسَانِيدِ.
وَإِذَا قَرَأَ الشَّيْخُ يَجُوزُ لِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي.
وَإِنْ قَرَأَ هُوَ عَلَى الشَّيْخِ فَيَقُولُ: (أَخْبَرَنِي)، وَلاَ يَقُولُ: (حَدَّثَنِي).
وَإِنْ أَجَازَهُ الشَّيْخُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ فَيَقُولُ: (أَجَازَنِي) أَوْ (أَخْبَرَنِي إِجَازَةً) ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (4) (وَيَنْقَسِمُ إِلَى) قِسْمَيْنِ: (مُرْسَلٍ وَمُسْنَدٍ، فَالْمُسْنَدُ: مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ) بِأَنْ صُرِّحَ بِرُوَاتِهِ كُلِّهِمْ.
(وَالْمُرْسَلُ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ إِسْنَادُهُ) بِأَنْ أُسْقِطَ بَعْضُ رُوَاتِهِ. (فَإِنْ كَانَ مِنْ مَرَاسِيلِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ) لاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّاقِطُ مَجْرُوحًا، (إِلاَّ مَرَاسِيلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ) مِن التَّابِعِينَ، أَسْقَطَ الصَّحَابِيَّ وَعَزَاهَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فَهِيَ حُجَّةٌ؛ (فَإِنَّهَا فُتِّشَتْ) أَيْ: فُتِّشَ عَنْهَا، (فَوُجِدَتْ مَسَانِيدَ) أَيْ: رَوَاهَا لَهُ الصَّحَابِيُّ الَّذِي أَسْقَطَهُ، (عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ فِي الْغَالِبِ صِهْرُهُ -أَبُو زَوْجَتِهِ- أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
- أَمَّا
مَرَاسِيلُ الصَّحَابَةِ بِأَنْ يَرْوِيَ صَحَابِيٌّ عَنْ صَحَابِيٍّ عَن
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُسْقِطَ الثَّانِيَ فَحُجَّةٌ؛
لأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ.
(5) (وَالْعَنْعَنَة) بِأَنْ يُقَالَ: حَدَّثَنَا فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ إِلَى آخِرِهِ.
(تَدْخُلُ عَلَى الإِسْنَادِ)
أَيْ: عَلَى حُكْمِهِ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ بِهَا فِي
حُكْمِ الْمُسْنَدِ، لاَ الْمُرْسَلِ؛ لاتِّصَالِ سَنَدِهِ فِي الظَّاهِرِ.
(6) (وَإِذَا قَرَأَ الشَّيْخُ) وَغَيْرُهُ يَسْمَعُهُ (يَجُوزُ
لِلرَّاوِي أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي. وَإِنْ قَرَأَ هُوَ
عَلَى الشَّيْخِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي، وَلاَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي) لأَنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْهُ.
- وَمِنْهُمْ أَجَازَ: (حَدَّثَنِي) وَعَلَيْهِ عُرْفُ أَهْلِ الْحَدِيثِ؛ لأَنَّ الْقَصْدَ الإِعْلاَمُ بِالرِّوَايَةِ عَن الشَّيْخِ.
(وَإِنْ أَجَازَهُ الشَّيْخُ مِنْ غَيْرِ) قِرَاءةٍ فَيَقُولُ: (أَجَازَنِي) أَوْ(أَخْبَرَنِي إِجَازَةً) ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (4) (ويَنْقَسِمُ
إلى مُرْسَلٍ ومُسْنَدٍ؛ فالْمُسْنَدُ: ما اتَّصَلَ إسنادُهُ، والمُرْسَلُ
إنْ كانَ مِنْ مَراسيلِ غيرِ الصحابةِ فليسَ بِحُجَّةٍ، إلاَّ مَراسيلَ
سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ؛ فإنَّها فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مَسانيدَ).
أصلُ الإسنادِ في اللغةِ: إسنادُ أحدِ الجسمَيْنِ إلى الآخَرِ، ثمَّ استُعْمِلَ أحَدُ الجسمَيْنِ إلى الآخَرِ، ثمَّ استُعْمِلَ في المعاني.
فقيلَ:
أَسْنَدَ فُلانٌ الخبرَ
إلى فُلانٍ، إذا عَزَاهُ إليهِ أوْ تَلَقَّاهُ منهُ. ثمَّ اسْتَعْمَلَ
المُحَدِّثونَ الإسنادَ بمعنى روايَةِ الشخْصِ عن الشخصِ إلى أَصْلِ
الخبرِ.
والإِرْسَالُ:
الإطلاقُ، فكأنَّ مَنْ لمْ يُسَمِّ مَنْ رَوَى عنهُ لمْ يُقَيِّدْ ما
نَقَلَهُ مِن الخبرِ بلْ أَطْلَقَهُ. والدليلُ على انقسامِ الخبَرِ إلى
المُرْسَلِ والمُسْنَدِ، أنَّ الرواةَ لا يَخْلُو:
- إمَّا أنْ يُسَمِّيَ بعضُهم بعضًا حتَّى تَنتهيَ الروايَةُ إلى أَصْلِها أوْ لا.
والأوَّلُ: هوَ المسنَد.
والثاني: هوَ المرسَلُ.
وهذا التقسيمُ هوَ
المذكورُ في الأصولِ وهوَ اللائقُ بها؛ فإنَّ المقصودَ بيانُ الكلامِ
فِيمَا يُقْبَلُ مِن الإسنادِ وما يُرَدُّ بسببِ علْمِ الرُّوَاةِ والجهْلِ
بهم، فلا فَرْقَ بينَ تابِعِي التابعيِّ (والنبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ، أوْ بينَ تَابِعِي التابعيِّ) وبينَ الصحابِيِّ، أوْ بينَ
رَجُلَيْنِ مِن الإسنادِ كيفَ كانَ ذلكَ إلى حينِ بُلُوغِهِ إلينا، وكذلكَ
لوْ كانَ المجهولُ مِن الرُّوَاةِ أكثرَ مِنْ واحدٍ.
ولأهلِ الحديثِ في هذا مَزِيدُ تَقسيمٍ:
-
فإنَّهُم يُطْلِقونَ المُرْسَلَ: على ما ذَكَرَهُ التابعِيُّ عن النبيِّ
صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ولم يُسَمِّ مَنْ سَمِعَ منهُ، ويُسَمُّونَ ما
لمْ يُسَمَّ أَحَدُ رجالِهِ في غيرِ هذهِ الصُّورَةِ مُنْقَطِعًا،
ورُبَّما خَصُّوا ما تَرَكَ مِنْ رُوَاتِهِ تَسميَةَ أكثرَ مِنْ واحدٍ
باسمٍ آخَرَ.
- ولا
يَقْدَحُ فيما اعتَمَدَهُ الأُصولِيُّونَ الإخلالُ بشيءٍ مِنْ ذلكَ؛ فإنَّ
حظَّ الأُصُولِيِّينَ تَمييزُ الخبرِ المقبولِ مِنْ غيرِ المقبولِ، وذلكَ
يَحْصُلُ ببيانِ القِسمَيْنِ المذكورَيْنِ: المُسْنَدِ والمُرْسَلِ.
وقدْ فُسِّرَ المُسْنَدُ
في الكتابِ: بما اتَّصَلَ إسنادُهُ، وفيهِ نَظَرٌ؛ فإنَّ المُسْنَدَ: اسمُ
مفعولٍ مِنْ أَسْنَدَ، ومَنْ لا يَعْرِفُ الْمَصدرَ لا يَعرِفُ اسمَ
المفعولِ مِنْ ذلكَ المَصْدَرِ، فإنَّ مَنْ لا يَعرِفُ اسمَ الضرْبِ لا
يَعرفُ المضروبَ، فكان الواجبُ تَعريفَ الإسنادِ أوَّلاً ثمَّ تعريفَ
المُسْنَدِ بهِ.
- وقدْ
ذَكَرْنا أنَّ الإسنادَ: نَقْلُ الرُّوَاةِ بعضِهم عنْ بعضٍ إلى انتهاءِ
الروايَةِ. وذَكَرَ حُكْمَ المُرْسَلِ ولمْ يُبَيِّنْ حقيقتَهُ، وقدْ
ذَكَرْنا أنَّهُ الذي لمْ يُسَمَّ بعضُ رُوَاتِهِ.
- ومَراسيلُ
الصحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم مَقبولةٌ؛ فإنَّ الصحابِيَّ إمَّا أنْ
يَسْمَعَ مِن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، أوْ مِنْ صحابِيٍّ
مِثلِهِ، والصحابةُ مَقطوعٌ بِعَدَالَتِهم، فلا يَتَطَرَّقُ إلى روايَةِ
الصحابِيِّ قَدْحٌ.
- وقدْ روى ابنُ عبَّاسٍ أحاديثَ، ويُقالُ: أَرْبَعَةَ أحاديثَ، ورُوِيَ عنهُ أوْ عنْ غيرِهِ مِن الصحابةِ أنَّهُ قالَ: ((ليسَ كُلُّ مَا نُحدِّثُكَ بهِ سَمِعْناهُ مِنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ)).
وأمَّا مَراسيلُ
سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ: فقد اشْتُهِرَ أنَّها حُجَّةٌ عندَ الشافعيِّ
رضِيَ اللهُ عنهُ، وعَلَّلَهُ في الكتابِ بأنَّها فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ
مَسانيدَ، وفي هذا التعليلِ نَظَرٌ؛ فإنَّها إذا ظَهَرَتْ مُسْنَدَةً كانَ
الاحتجاجُ بالمُسْنَدِ لا بالْمُرْسَلِ؛ فاستثناؤُها مِنْ جملةِ
الْمَراسيلِ مُسْتَدْرَكٌ على هذا التقديرِ.
والتحقيقُ أنَّ مَراسيلَ سعيدٍ كغيرِهِ.
وإنَّما قالَ الشافعيُّ
رَضِيَ اللهُ عنهُ: (إِرْسَالُ سعيدٍ عندَنا حَسَنٌ)، ولا يَلْزَمُ مِنْ
هذا أنْ يكونَ حُجَّةً، وإنَّما اسْتَحْسَنَها؛ لأنَّ سعيدًا لا يَكادُ
يُرْسِلُ إلاَّ عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهُ؛ فإنَّهُ
صِهْرُهُ، فهوَ يُرْسِلُ عَمَّنْ لوْ سَمَّاهُ كانَ مَقبولاً، بخِلافِ
غيرِهِ؛ فإنَّهُ يُرْسِلُ عمَّنْ لوْ سَمَّاهُ لمْ يُقْبَلْ.
واستقراءُ مَذهبِ
الشافعيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ يَدُلُّ على أنَّهُ إنَّما احْتَجَّ بما
وَجَدَهُ مُسْنَدًا مِنْ مَراسيلِ سعيدِ بنِ الْمُسَيِّبِ.
مثلُ حديثِ:
(بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ)، جاءَ مُرْسَلاً وجاءَ مُسْنَدًا عنْ
سعيدٍ عنْ أبي هُريرةَ، (فأمَّا ما يُرْسِلُهُ سعيدٌ) ولا يُوجَدُ
مُسْنَدًا، فليسَ بِحُجَّةٍ، بلْ هوَ كغيرِهِ مِن الْمَراسيلِ.
وقد اختلَفَ العلماءُ في
قَبولِ المُرْسَلِ والاحتجاجِ بهِ: فعنْ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ
المرسَلَ حُجَّةٌ، واحتُجَّ لِمَذْهَبِهِما بأنَّ العدْلَ إذا رَوَى
حَدِيثًا ولمْ يُسَمِّ مَنْ رَوَى عنهُ كانَ ذلكَ تَعديلاً لِمَنْ رَوَى
عنهُ؛ فَإِنَّهُ لا يُظَنُّ بالعَدْلِ التغريرُ بالروايَةِ عنْ غيرِ
مَقبولٍ، وبأنَّ العُلماءَ في العصْرِ الأوَّلِ ما زَالُوا يُرْسِلونَ
الأحاديثَ ويَحْتَجُّونَ بها على الناسِ منهم ذلكَ، وقدْ كَثُرَ الإرسالُ
مِنْ عُلماءِ التابعينَ مِثلِ الحسَنِ البَصريِّ والشَّعبِيِّ الرواة.
وقالَ عيسى بنُ أَبَانٍ:
(مَراسيلُ التابعينَ وتابِعِي التابعينَ مَقبولةٌ، ومَراسيلُ غيرِهم لا
تُقْبَلُ، إلاَّ أنْ يكونَ الْمُرْسِلُ إمامًا).
وقالَ ابنُ بَرْهَانٍ:
(إنْ كانَ الإرسالُ صادرًا مِمَّنْ يُخالِفُ مَذْهَبَنا في الْجَرْحِ
والتعديلِ قَبِلْنَاهُ، وإنْ كانَ صادرًا مِمَّنْ يُخالِفُ* مَذْهَبَنا في
الْجَرْحِ والتعديلِ لمْ نَقْبَلْهُ).
والمشهورُ مِنْ مَذْهَبِ
الشافعيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ ما ذَكَرْناهُ أوَّلاً مِن الْمَنْعِ مِنْ
قَبولِ الْمُرسَلِ مُطْلَقًا، إلاَّ مَراسيلَالصحابةِ كما تَقَدَّمَ.
(5) (والْعَنْعَنةُ: تَدْخُلُ على الإسنادِ)
والعَنْعَنَةُ: مَصدرُ عَنْعَنَ الحديثَ يُعَنْعِنُهُ، إذا رَواهُ بكَلِمَةِ: عنْ فُلانٍ.
ومعنى دُخولِ
العَنْعَنَةِ: على الإسنادِ أنَّها لا تَخْرُجُ مِن الإسنادِ إلى
الإِرْسَالِ، بلْ إذا قالَ الرَّاوِي: عنْ فُلانٍ، وكانَ مِمَّنْ يُمْكِنُ
لِقاؤُهُ لذلكَ الذي رَوَى عنهُ، كانَ ذلكَ الحديثُ مُسْنَدًا.
وقالَ قومٌ: خَبَرُ
الْعَنْعَنَةِ في حُكْمِ الْمُرْسَلِ؛ لأنَّ الراويَ لمْ يُصَرِّحْ
بالسماعِ مِمَّنْ رَوَى عنهُ، فصارَ في معنى الْمُرْسَلِ، فإنَّهُ يَجوزُ
أنْ يكونَ سَمِعَهُ مِنْ شخصٍ غيرِ الْمُسَمَّى فيكونُ في الإسنادِ رجُلٌ
مجهولٌ.
والأجوَدُ أنَّ الراوِيَ
إذا لمْ يكُنْ مُدَلِّسًا كانتْ عَنْعَنَتُهُ إسنادًا، وإنْ كانَ
مُدَلِّسًا، والذي رَوَى عمَّنْ لمْ يَسْمَعْ منهُ مَوْهُومًا أنَّهُ قدْ
سَمِعَ منهُ فهذا لا تُقْبَلُ عَنْعَنَتُهُ.
وقد
اخْتَلَفوا في كَوْنِ التدليسِ بالمعنى المذكورِ أوْ بذِكْرِ الشيخِ الذي
يَرْوِي عنهُ بغيرِ ما يُعْرِفُ بهِ مِن اسمٍ أوْ نَسَبٍ؛ لِيُتَوَهَّمَ
أنَّهُ غيرُ ذلكَ المشهورِ، هلْ يَقْدَحُ في الراوِي؟
فالأكثرونَ: على أنَّهُ لا يَقْدَحُ؛ لأنَّهُ ليسَ فيهِ تَعَمُّدُ كَذِبٍ.
ومِن الناسِ مَنْ قالَ: إنَّهُ يَقْدَحُ؛ لأنَّهُ إيهامٌ وإيقاعٌ فيما لا يَجوزُ.
فإنَّ النوعَ الأوَّلَ: مِن التَّدْلِيسِ يُوقِعُ مَنْ روى الْمُدَلَّسُ في نِسبةِ الْمُدَلِّسِ إلى أنَّهُ سَمِعَ مِمَّنْ روى عنهُ، وليسَ الأمرُ كذلكَ.
والنوعُ الثاني:
مِن التدليسِ يُوقِعُ في ظَنِّ أنَّ الْمُسَمَّى شيخٌ غيرُ المشهورِ، وقدْ
يكونُ ذلكَ المشهورُ ضَعيفًا، فإذا سُمِّيَ بغيرِ ما يُعْرَفُ بهِ ظُنَّ
أنَّهُ مِمَّنْ يُقْبَلُ حديثُهُ، وفي ذلكَ تغريرٌ، كما حَكَى
الدَّارَقُطْنِيُّ عن النَّقَّاشِ أنَّهُ كانَ يَرْوِي عنْ مُحَمَّدِ بنِ
يُوسفَ الرَّازِيِّ، وهوَ كَذَّابٌ، فيقولُ: عنْ مُحَمَّدِ بنِ طَرِيفٍ.
(6) (وإذا
قرأَ الشيخُ يَجوزُ للراوي أنْ يقولَ: حَدَّثَني وأَخْبَرَني، وإنْ قَرَأَ
هوَ على الشيخِ فيقولُ: أَخْبَرَنا، ولا يقولُ: حَدَّثَنِي)
قراءةُ الشيخِ
على الراوي حديثٌ لهُ وإخبارٌ وتَسميعٌ، فللرَّاوِي أنْ يقولَ:
أَخْبَرَنا، وحَدَّثَنا، وسَمِعْتُهُ يقولُ؛ فإنَّهُ صادقٌ في جميعِ ذلكَ.
وأمَّا إذا قَرَأَ الراوي على الشيخِ فإنَّهُ يقولُ: (أَخْبَرَني)،
إذا سَمِعَ الشيخُ قِراءتَهُ وسَكَتَ؛ فإنَّ سُكوتَهُ إقرارٌ بسَماعِهِ؛
إذْ لوْ لمْ يكُنْ كذلكَ كانَ سُكُوتُهُ تَغْرِيرًا بالرَّاوِي عنهُ
وتَجهيلاً لهُ، وذلكَ حَرامٌ يَقدَحُ في عَدالتِهِ.
(7) قولُهُ: (ولا يقولُ: حَدَّثَنا)،
هذا هوَ المختارُ عندَ جماعةٍ مِنْ أهلِ الأصولِ تَعَلُّقًا بظَانٍّ
حَدَّثَنِي صَرِيحًا في كَوْنِ المروِيِّ عنهُ مُحَدِّثًا، فهوَ فيما إذا
قَرَأَ الراوي على الشيخِ كَذِبٌ، فلا يَجوزُ.
وأجازَهُ بعضُهم وقالَ:
الغرَضُ مِنْ (أَخْبَرَنا)
و(حَدَّثَنا) واحدٌ؛ فإنَّ القَصْدَ حُصولُ العلْمِ بأنَّهُ رَوَى عنْ
ذلكَ الشيخِ، فاللَّفْظَانِ سَواءٌ.
ولوْ قالَ: (حَدَّثَنِي
قراءةً عليهِ) فيما قَرَأَهُ على الشيخِ كانَ جائزًا قولاً واحدًا؛ فإنَّهُ
أَفْصَحُ بصورةِ الحالِ، وعُرْفُ أهلِ الحديثِ شاهدٌ بتسميَةِ القراءةِ
على شيخٍ تَحْدِيثًا.
(8) (وإنْ أَجازَ الشيخُ مِنْ غيرِ قِراءةٍ، فيَقولُ الراوي: أَجَازَنِي، أوْ أَخْبَرَنِي إِجازةً). هذا تَصريحٌ منهُ بجَوازِ الروايَةِ بالإجازةِ، وهذا قولُ المتأخِّرينَ.
ونَصَّ جماعةٌ مِن الفُقهاءِ على أنَّ الروايَةَ بالإجازةِ
لا تَجوزُ؛ لأنَّ الشيخَ لمْ يُخْبِرْهُ ولمْ يُحَدِّثْهُ، فلوْ قالَ:
(حَدَّثَنِي) أوْ (أَخْبَرَنِي)، كَذِبَ، ولوْ قالَ: (أَخْبَرَنِي إجازةً)،
كانَ الكلامُ مُتهافِتًا؛ فإنَّ الإخبارَ أنْ يُحَدِّثَهُ والإجازةَ أنْ
لا يُحَدِّثَهُ، بلْ يَقْتَصِرُ على الإذنِ لهُ في الروايَةِ، والْجَمْعُ
بينَ الأمرَيْنِ مُمْتَنِعٌ.
وعُمدةُ مَنْ أجازَ
الروايَةَ بالإجازةِ: إِطْبَاقُ أهلِ الحديثِ على اعتمادِ السلَفِ الإجازةَ
مِنْ غيرِ إنكارِ أحَدٍ منهم لها، وفي هذا نَظَرٌ؛ فإنَّ السلَفَ رَضِيَ
اللهُ عنهم لمْ يُجْمِعُوا على الإجازةِ، ولمْ تكُنْ مَشهورةً في الصَّدْرِ
الأوَّلِ، وإنَّما كانَ اعتمادُهم على الروايَةِ؛ فالحادِثُ بعدَ ذلكَ مِن
اتِّفاقِ المتأخِّرِينَ (لا حُجَّةَ فيهِ)؛ فإنَّ الغالِبَ عليهم قَصْدُ
عُلُوِّ الإسنادِ والتَّكَثُّرُ بالروايَةِ، لا تَحقيقُ طَرِيقِ النقْلِ.
ثمَّ المختارُ عندَ
القائلينَ بجَوازِ اعتمادِ الإجازةِ أنَّهُ لا يَجوزُ للراوي أنْ يقولَ
فيها: (أَخْبَرَنِي) ولا (حَدَّثَني مُطْلَقًا)، بلْ مَقرونًا بقولِهِ:
إجازةً.
- وأجازَ بعضُهم أنْ يقولَ: (حَدَّثَنِي مُطْلَقًا)، وهوَ ضعيفٌ، فإنَّهُ كَذِبٌ؛ لأنَّ مَنْ أجازَ لمْ يُحَدِّثْ.
- والأَوْلَى
أنْ يقولَ: أَجازَنِي؛ فإنْ ذَكَرَ أَخْبَرَنِي أوْ حَدَّثَني معَ قولِهِ،
ففيهِ نَوْعُ تَنَافٍ كما تَقَدَّمَ بَيَانُهُ).
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): (ثُمَّ قسَّمَ الأخبارَ (الآحاديَّةَ) إلى قسميْنِ: (مسندٍ ومرسلٍ).
وَرَسَمَ المسندَ : بِـ مَا اتَّصَلَ إسنادُهُ.
- والمرادُ
بالاتِّصَالِ: أنْ يَروِيَ شخصٌ عنْ شخصٍ إلى المُخْبَرِ عنْهُ يُقَالُ:
أَسْنَدَ الخَبَرَ إلى فلانٍ: إذَا تلقَّاهُ مِنْهُ.
- بخلافِ
المرسلِ: وهوَ إذَا قالَ التَّابِعِيُّ: قالَ رسولُ اللهُ صلى الله عليه
وسلم وَلَمْ يذكُرْ مَنْ سمِعَهُ منْهُ منَ الصَّحابةِ؛ إذِ التَّابعيُّ
لمْ يسمعْ منَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم شيْئًا.
وكذَا مَنْ لمْ يُسَمِّ مَنْ روى عنْهُ فهذَا ليْسَ بمسندٍ؛ لعدمِ اتِّصالِهِ.
- فأمَّا
مراسيلُ الصَّحابةِ فحُجَّةٌ: وهوَ: أنْ يُخْبِرَ منْ غَيْرِ تعرُّضِهِ
للمُخْبَرِ عَنْهُ، سواءٌ كانَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، أوْ صحابيًّا
مثلَهُ؛ لأنَّ في الغالبِ لا يَرْوي الصَّحابيُّ إلاَّ مَا سمعَهُ منْ
مثلِهِ، أوْ منْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وأمَّا مراسيلُ غيرِ الصَّحابةِ:
فذهبَ الشَّافعيُّ: إلى أنَّهَا ليستْ بحجَّةٍ؛ لأنَّ إهمالَ الرَّاوي الإسنادَ دالٌّ على ضعْفِهِ.
- وذهبَ أبو حنيفةَ، ومالكٌ إلى أنَّهُ حجَّةٌ؛ لأنَّهُ مَا حذَفَهُ إلاَّ تزكيةً لقائِلِهِ.
- وربَّمَا يُذكرُ الشَّيْخُ؛ لعدمِ التَّزْكيَةِ.
- ثمَّ اسْتثنى الشَّيْخُ -رحمهُ اللهُ تعالى- مراسيلَ سعيدٍ.
- وثمَّ علَّلها أنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مسانيدَ.
وفي هذَا التَّعْليلِ
نظرٌ، فكأنَّ الأخذَ بالسَّنَدِ، لاَ بالإرْسَالِ، لكنْ نقولُ: إنَّمَا
كانَ يُرْسِلُ عنْ أبي هريرةَ -فقطْ-، ولوْ ذكرَهُ لوجبَ العملُ بهِ،
بخلافِ غيْرِهِ لوْ سمَّاهُ: فيحتملُ أنْ يُقْبَلَ، ويحتملُ أنْ لاَ
يُقْبَلَ.
(3) قولُهُ: (والعَنْعَنَةُ تدخلُ على الإسنادِ) وهوَ: أنْ يقولَ الرَّواي: (عنْ فلان) منْ غَيْرِ أنْ يُسَمِّيَ شَيْخَهُ.
لكنَّ هذِهِ العَنْعَنَةَ لاَ تُخْرِجُهُ عنِ الإرسالِ، بلْ إنْ كانَ الَّذي رواهُ عنهُ يمكنُ لُقاهُ: فهوَ مسندٌ.
-
إلاَّ إذَا كانَ الرَّاوي مُدَلِّسًا: وهوَ: أنْ يرويَ عنْ رجلٍ ضعيفٍ
مشهورٍ يُوْهِمُهُ على السَّامِعِ. فهذَا لمْ يكنْ مرسلاً، وَلاَ مسندًا،
ولمْ يُقْبَل، واللهُ أعلمُ.
(4) أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ بيانِ الأخبارِ وأقسامِهِ: شَرَعَ في بيانِ (كيفيَّةِ المُخْبِرِ بِمَا يرويهِ عنْ شيْخِهِ)
- فإنَّ الشَّيْخَ إذَا قرأَ عليْهِ فلهُ أنْ يقولَ: (حدَّثني)، و(أخْبَرَني)، و(معْتُهُ)، ويكونَ صادقًا في جميعِ ذلكَ.
- وإذَا قَرَأَ هوَ على شيخِهِ، والشَّيْخُ ساكتٌ، فيقولُ: (أخْبَرَني) فقطْ؛ لأنَّ سكوتَهُ إقرارٌ فيمَا سَمِعَ منْهُ.
- وإنْ لمْ يقرأ الشَّيْخُ، وَلاَ هُوَ: فلاَ يجوزُ إلاَّ (أَجَازَني)، أوْ (أَخْبَرَني إِجَازَةً).
وفيهِ دليلٌ على جوازِ روايةِ الحديثِ إجازةً عنْدَ المتأخِّرينَ.
وذهبَ قومٌ: إلى عدمِ جوازِهَا؛ لأنَّهَا لمْ تكنْ في الصَّدْرِ الأَوَّلِ. واللهُ أعلمُ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب]
(ت: 954هـ): ( (4) (وَينْقَسِمُ) أي: خبرُ الآحادِ، (إلَى مُرسَلٍ ومُسنَدٍ).
(فالمُسنَدُ: مَا اتَّصلَ إسنَادُهُ) بأن ذُكِرَ في السَّنَدِ رُواتُهُ كُلُّهُمْ. (والمُرْسَلُ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ إسنَادُهُ) بأنْ سقطَ بَعضُ روَاتِهِ منَ السَّنَدِ.
(فإنْ كَانَ) المُرْسَلُ (مِن مرَاسِيلِ غيرِ الصِّحَابَةِ) كأنْ يقُولَ التَّابعِيُّ أو مَن بعدَهُ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ (فلَيسَ ذَلكَ) المُرْسَلُ (حُجَّةً) عندَ الشَّافِعيِّ؛ لاحتِمَالِ أن يكُونَ السَّاقِطُ مجْرُوحًا.
- (إلا مراسيلَ سَعيدِ بنِ المسيَّبِ)
بفتحِ المُثنَّاةِ التَّحتيَّةِ وكسْرِهَا، وهوَ من كبَارِ التَّابِعِينَ
رَضيَ اللَّهُ عنهُمْ، فإِذا أسقطَ الصَّحَابيُّ وعزَا الأحاديثَ للنبيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإنَّ مراسيلَهُ حُجَّةٌ.
(فإنَّها فُتِّشَتْ) أي: فُتِّشَ عَنهَا، (فَوُجِدَتْ مَسَانِيدَ) أَي: رواهَا صَحَابيٌّ أسقَطَهُ (عَنِ النَّبيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهوَ في الغَالبِ صهْرُهُ أَبُو زَوجَتِهِ؛ يَعنِي: أَبَا هُريرَةَ رَضيَ اللَّهُ عنهُ.
وقالَ مالكٌ، وأبُو
حنيفةَ، وأحمدُ في أشهَرِ الرِّوايتَينِ عنهُ، وَجمُاعَةٌ من العُلمَاء:
المُرْسَلُ حُجَّةٌ؛ لأنَّ الثِّقةَ لا يُرسِلُ الحديثَ إلا حيثُ يَجْزِمُ
بعدَالةِ الرَّاوِي.
(وأمَّا مَرَاسيلُ الصَّحَابةِ فَحُجَّةٌ)
لأنَّهم لا يَرْوُونَ غَالبًا إلا عنْ صَحابِيٍّ، والصَّحابةُ كُلُّهُمْ
عُدُولٌ، فإذَا قَالَ الصَّحَابيُّ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا لمْ يَسْمَعْهُ منهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ؛ فَهُوَ مَحْمُولٌ علَى أنَّهُ سَمِعَهُ منْ صَحَابيٍّ آخَرَ؛
فلَهُ حُكْمُ المُسْنَدِ.
وقْولُنَا: (غَالِبًا) لأَنَّهُ قدْ وُجِدتْ أحَاديثُ رَوَاهَا الصَّحَابةُ عنِ التَّابِعينَ؛ خلافًا لمنْ أنكَرَ ذلكَ.
وهذا فِيمَا عُلمَ أنَّ
الصَّحَابيَّ لمْ يَسْمَعْهُ منَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، وأمَّا إذا لمْ يُعلَمْ ذلكَ، وقالَ الصَّحَابيُّ: قالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فهُوَ مَحْمُولٌ علَى
أنَّهُ سَمِعَهُ منهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(5) (والعَنْعَنَةُ): مَصْدَرُ عَنْعَنَ الحدِيثَ: إذا رواهُ بكلمَةِ (عَنْ)، فقَالَ: (حدَّثَنَا فلانُ عنْ فلانٍ)، (تَدْخُلُ علَى الأسَانيدِ)
أي: علَى الأحَادِيثِ المسنَدَةِ؛ فلا تُخرِجُهَا عنْ حُكْمِ الإِسنَادِ
إلَى حُكْمِ الإِرْسالِ، فيكُونُ الحدْيثُ المَروِيُّ بهَا مُسنَدًا
لاتِّصالِ سنَدِهِ في الظَّاهرِ لا مُرسَلاً.
(6) (وإذَا قَرَأَ الشَّيخُ) علَى الرُّوَاةِ وهُمْ يَسْمَعُونَ؛ فإنَّهُ (يَجُوزُ للرَّاوي أنْ يَقُولَ: حدَّثَنِي) فُلانٌ، (أو: أَخْبَرَنِي، وَإِذَا قَرَأَ هُوَ) أي: الرَّاوي، (علَى الشَّيخِ، فَيقولُ) الرَّاوِي: (أَخَبْرَني) وَلا (يَقُولُ: حَدَّثَنِي)
لأنَّهُ لمْ يُحَدِّثْهُ، وِمنهُمْ مَنْ أجَازَ ذلكَ، وهوَ قَولُ:
مِالِكٍ، وسُفيانَ، ومُعْظَمِ الحجَازيِّينَ، وعَلَيهِ عُرْفُ أهلِ
الحديثِ؛ لأنَّ القصدَ الإعلامُ بالرِّوايَةِ عن الشَّيخِ، وهذا إذا
أُطلقَ.
- وأمَّا إذا قَالَ:حدَّثَنِي قراءةً علَيهِ؛ فلا خلافَ في جوَازِ ذلكَ. واللَّهُ أعلمُ.
(7) (وإنْ أجَازهُ الشَّيخُ منْ غيرِ قِرَاءةٍ) منَ الشَّيخِ علَيهِ ولا مِنْهُ علَى الشَّيخِ؛ (فيقُولُ) الرَّاوي: (أجَازَنِي) أو (أخَبْرَنِي إِجازَةً)، وَفُهِمَ مَنهُ جوَازُ الرِّوَايَةِ بِالإِجَازَةِ، وهُوَ الصَّحِيحُ. واللَّهُ أعْلَمُ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (5) (ثم ذَكَرَ المُصَنِّفُ أنَّ الآحادَ تَنْقَسِمُ إلَى مُرْسَلٍ ومُسْنَدٍ، وهذا باعتبارِ اتِّصَالِ السندِ وانقطاعِهِ).
فالمُسْنَدُ لُغَةً:
اسمُ مفعولٍ من الإسنادِ وهوَ ضَمُّ جسمٍ إلَى آخرَ، ثمَّ استُعْمِلَ فِي
المعانِي، يُقَالُ: أَسْنَدَ فلانٌ الخبرَ إلَى فلانٍ إذا نَسَبَهُ إليهِ.
واصطلاحًا: ما اتَّصَلَ إسنادُهُ مَرْفُوعًا إلَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومثالُهُ: قولُ البخاريِّ
رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صحيحِهِ: حَدَّثَنَا عبدُ اللَّهِ بنُ يوسُفَ، قالَ:
أَخْبَرَنَا مالكٌ، عن ابنِ شِهَابٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ،
عنْ أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ)).
وتعريفُ المُصَنِّفِ
للمُسْنَدِ فيهِ عمومٌ؛ لأنَّهُ يَشْمَلُ كلَّ ما اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ منْ
رَاوِيهِ إلَى مُنْتَهَاهُ، بأنْ ذُكِرَ فِي السندِ رواتُهُ كُلُّهُم،
فَيَدْخُلُ فيهِ الموقوفُ إذا جاءَ بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ كما فِي (شرحِ النُّخْبَةِ) لابنِ حَجَرٍ (ص58)،
وأَكْثَرُ ما يُسْتَعْمَلُ المسندُ فِي المرفوعِ إلَى النبيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، دونَ ما جاءَ عن الصحابةِ وغيرِهِم.
والمُرْسَلُ لُغَةً:
اسمُ مفعولٍ مُشْتَقٌّ من الإرسالِ: وهوَ الإطلاقُ، فكأَنَّ المُرْسِلَ
أَطْلَقَ الإسنادَ ولم يُقَيِّدْهُ بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ، وقدْ جَمَعُوهُ
علَى: مراسيلَ.
قالَ الشنْقِيطِيُّ: (فكأَنَّ الكسرةَ فِي (مَرَاسِل) أُشْبِعَتْ فَظَهَرَت الياءُ).
وأمَّا فِي الاصطلاحِ: فَعِنْدَ
الأُصُولِيِّينَ المُرْسَلُ ما لم يَتَّصِلْ إسنادُهُ، بمعنَى: أنْ
يَسْقُطَ بعضُ الرواةِ، سواءٌ كانَ الساقطُ واحدًا أوْ أكثرَ منْ أيِّ
موضعٍ فِي السندِ، ففيهِ روايَةُ الراوِي عَمَّنْ لم يَسْمَعْ منهُ.
وعليهِ فالمُرْسَلُ فِي
اصطلاحِ أهلِ الأصولِ يَشْمَلُ أنواعَ الانقطاعِ؛ فَيَدْخُلُ فيهِ
المُنْقَطِعُ والمُعضَلُ، كما يَدْخُلُ فيهِ مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ.
- قالَ ابنُ الأثيرِ فِي: (جامعِ الأصولِ) (1/115): (وهوَ أنْ يَرْوِيَ الرجلُ حَدِيثًا عَمَّنْ عَاصَرَهُ) اهـ.
والمُنْقَطِعُ:
هوَ الذي سَقَطَ منْ إسنادِهِ رجلٌ غيرُ الصحابيِّ.
والمعضلُ:
هوَ الذي سَقَطَ منهُ اثنانِ.
وأمَّا المُرْسَلُ:
عندَ المُحَدِّثِينَ فهوَ
ما رَفَعَهُ التابعيُّ إلَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وذلكَ بأنْ يَسْقُطَ منهُ الصحابيُّ.
ومنْ أمثلتِهِ: ما
أَخْرَجَهُ مسلمٌ فِي صحيحِهِ فِي (كتابِ البُيُوعِ)، قالَ: (حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بنُ رافعٍ، ثنا حُجَيْنٌ، ثنا الليثُ، عنْ عُقَيْلٍ، عن ابنِ
شِهابٍ، عنْ سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ)).
- فسعيدُ
بنُ المُسَيِّبِ: تَابِعِيٌّ كبيرٌ، روَى هذا الحديثَ عن النبيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدونِ أنْ يَذْكُرَ الواسطةَ بينَهُ وبينَ
الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهوَ الصحابيُّ.
وأمَّا حُكْمُ المُرْسَلِ:
فإنْ كانَ منْ مراسيلِ الصحابةِ فهوَ حُجَّةٌ عندَ جماهيرِ أهلِ العلمِ، قالَ الحافظُ فِي (النُّكَت) ِ(2/548): (وهوَ الذي عليهِ عَمَلُ أَئِمَّةِ الحديثِ). اهـ.
وذلكَ
لأنَّ مُرْسَلَ الصحابيِّ موصولٌ مُسْنَدٌ؛ لأنَّ رِوَايَتَهُم غالبًا عن
الصحابةِ، والجهالةُ بالصحابةِ لا تَضُرُّ؛ لأنَّهُم كُلَّهُم عُدُولٌ.
ولهذا لم يَعُدَّ ابنُ
الصلاحِ مُرْسَلَ الصحابيِّ من الحديثِ المُرْسَلِ؛ لأنَّهُ فِي حُكْمِ
الموصولِ المسندِ، فقالَ: (لم نَعُدَّ فِي أنواعِ المُرْسَلِ ونحوِهِ ما
يُسَمَّى فِي أصولِ الفقهِ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ، مثلَ ما يَرْوِيهِ ابنُ
عَبَّاسٍ وغيرُهُ منْ أحداثِ الصحابةِ عنْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولمْ يَسْمَعُوهُ منهُ؛ لأنَّ ذلكَ فِي حُكْمِ الموصولِ
المُسْنَدِ؛ لأنَّ روايَتَهُم عن الصحابةِ، والجهالةُ بالصحابيِّ غيرُ
قادِحَةٍ؛ لأنَّ الصحابةَ كُلَّهُم عدولٌ، واللَّهُ أَعْلَمُ) (مُقَدِّمَة
ابنِ الصلاحِ) (ص26).
وَمُرْسَلُ الصحابيِّ:
هوَ ما أَخْبَرَ بهِ
الصحابيُّ عنْ قولِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ
فِعْلِهِ ولم يَسْمَعْهُ أوْ يُشَاهِدْهُ؛ لأنَّهُ لم يُدْرِكْ زَمَانَهُ،
إمَّا لِصِغَرِ سِنِّهِ أوْ لِتَأَخُّرِ إِسْلامِهِ أوْ غِيَابِهِ.
ومثالُهُ:
ما أَخْرَجَهُ البخاريُّ فِي (صحيحِهِ) بِسَنَدِهِ عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالتْ: ((كَانَ
أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لا يَرَى
رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ..)) الحديثَ.
فهذا منْ مَرَاسِيلِ
الصحابةِ؛ لأنَّ عائشةَ لم تُدْرِكْ هذهِ القِصَّةَ؛ لأنَّها وُلِدَتْ بعدَ
المَبْعَثِ بأربعِ أوْ خمسِ سِنِينَ كما فِي الإصابةِ (12/38).
ومثالُهُ أيضًا:
ما أَخْرَجَهُ البخاريُّ بِسَنَدِهِ، عن ابنِ الزُّبَيْرِ أنَّهُ خَطَبَ فقالَ: قالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَنْ يَلْبَسَهُ فِي الآخِرَةِ)).
فهذا مُرْسَلُ صحابيٍّ؛ لأنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ الزُّبَيْرِ وُلِدَ عامَ الهجرةِ كما فِي (الإصابةِ) أيضًا (6/83).
وقدْ ذَكَرَ الحافظُ فِي (الفَتْحِ) (10/289)
(أنَّهُ تَبَيَّنَ من الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَوْرَدَهُمَا
البخاريُّ بعدَ هذا المُرْسَلِ أنَّ ابنَ الزبيرِ إِنَّمَا حَمَلَهُ عن
النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بواسطةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ، وذَكَرَ الحافظُ أنَّهُ لم يَقِفْ فِي شيءٍ من الطُّرُقِ
المُتَّفِقَةِ عنْ عُمَرَ أنَّهُ رَوَاهُ بلفظِ (لنْ)، بل الحديثُ عنهُ فِي
جميعِ الطُّرُقِ بلفظِ (لمْ) واللَّهُ أَعْلَمُ).
وقدْ ذَكَرَ الحافظُ بعدَ هذا ثلاثةً منْ مراسيلِ ابنِ الزُّبَيْرِ، فَلْيَرْجِعْ إليها مَنْ عُنِيَ بذلكَ.
قالَ: السُّيُوطِيُّ فِي (تدريبِ الراوِي) (1/207):
(وفي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ مراسيلِ الصحابةِ ما لا يُحْصَى؛ لأنَّ أكثرَ
رواياتِهِم عن الصحابةِ، وكلُّهُم عدولٌ، وَرِوَايَاتُهُم عنْ غيرِهِم
نادرةٌ، وإذا رَوَوْهَا بَيَّنُوهَا، بلْ أكثرُ ما رَوَاهُ الصحابةُ عن
التابعِينَ ليسَ أحاديثَ مرفوعةً، بلْ إِسْرَائِيلِيَّاتٍ أوْ حكاياتٍ أوْ
مَوْقُوفَاتٍ) ا. هـ.
هذا فِي مراسيلِ الصحابةِ،
وأمَّا مراسيلُ غيرِ الصحابةِ:
كمُرْسَلِ التابعيِّ ففيهِ خلافٌ، وقدْ ذَكَرَ المُصَنِّفُ أنَّها
لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ، وذلكَ للجهلِ بالساقطِ فِي الإسنادِ، لاحتمالِ أنَّهُ
تَابِعِيٌّ، ثمَّ يُحْتَمَلُ أنَّهُ ضعيفٌ.
وبتقديرِ كونِهِ ثِقَةً يُحْتَمَلُ أنَّهُ رَوَى عنْ تابعيٍّ أيضًا، ويُحْتَمَلُ أنَّهُ ضعيفٌ، وهكذا، وهذا مذهبُ الجمهورِ.
يَقُولُ الإمامُ مسلمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي (مُقَدِّمَةِ كتابِهِ) (1/245): (والمرسلُ من الرواياتِ فِي أصلِ قولِنَا وقولِ أهلِ العلمِ بالأخبارِ ليسَ بِحُجَّةٍ).
ومثلُ: ذلكَ حَكَى ابنُ عبدِ البَرِّ وابنُ الصَّلاحِ والنَّوَوِيُّ وغيرُهُم.
قالَ ابنُ حَجَرٍ فِي (شرحِ النُّخْبَةِ) (ص41): (وإنَّمَا ذُكِرَ المرسلُ فِي قسمِ المردودِ للجهلِ بحالِ المحذوفِ) ا هـ.
وأكثرُ ما تُرْوَى
المراسيلُ منْ أهلِ المدينةِ عنْ (سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ)، ومِنْ أهلِ
مَكَّةَ عنْ عطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ، ومنْ أهلِ البصرةِ عن الحسنِ البصريِّ،
ومنْ أهلِ الكوفةِ عنْ إبراهيمَ بنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ، ومِنْ أهلِ
مِصْرَ عنْ سعيدِ بنِ أبي هِلالٍ، ومنْ أهلِ الشامِ عنْ مَكْحُولٍ.
وقالَ أكثرُ أهلِ العلمِ:
يُحْتَجُّ بمراسيلِ كبارِ
التابعِينَ الذينَ أَكْثَرُ رِوَايَتِهِم عن الصحابةِ: كسعيدِ بنِ
المُسَيِّبِ، وعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ، وذلكَ بشرطِ أنْ يَعْضُدَهُ
مُرْسَلٌ آخرُ، أوْ قولُ صحابيٍّ، أوْ قياسٌ، أوْ يُفْتِيَ بِمُقْتَضَاهُ
أَكْثَرُ أهلِ العلمِ.
ولم يَسْتَثْنِ
المُؤَلِّفُ إلا مَرَاسِيلَ سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَعَلَّلَ ذلكَ بأنَّهُ
فُتِّشَ عنها فَوُجِدَ أنَّ سعيدًا أَسْقَطَ الصحابِيَّ وَعَزَاهَا
للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والغالبُ أنْ يكونَ الصحابيُّ
هوَ صِهْرَهُ أبا زَوْجَتِهِ أبا هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
واعْلَمْ أنَّ المُصَنِّفَ
لَمَّا نَصَّ علَى أنَّ مُرْسَلَ غيرِ الصحابيِّ ليسَ بِحُجَّةٍ فُهِمَ
منهُ أنَّ مرسلَ الصحابيِّ حُجَّةٌ، فيكونُ ذَكَرَ حُكْمَ النَّوْعَيْنِ،
واللَّهُ أَعْلَمُ.
(6) (لِلْحَدِيثِ تَحَمُّلٌ وَأَدَاءٌ)
فَالتَّحَمُّلُ: أَخْذُ الحَدِيثِ عَنِ الغَيْرِ.
وَالأَدَاءُ: إِبْلاغُ الحَدِيثِ إِلَى الغَيْرِ.
(7)
وَالعَنْعَنَةُ: مِنْ صِيَغِ أَدَاءِ الحَدِيثِ، وَهِيَ رِوَايَةُ
الحَدِيثِ بِلَفْظِ: (عَنْ فُلانٍ، عَنْ فُلانٍ، دُونَ تَصْريِحٍ
بِالتَّحْدِيثِ أَوِ السَّمَاعِ).
وقولُهُ: (تَدْخُلُ عَلَى الأَسَانِيدِ) أيْ:
علَى الأحاديثِ المُسْنَدَةِ، وهذا إشارةٌ إلَى أنَّ الحديثَ المُعَنْعَنَ
فِي حُكْمِ الحديثِ المسندِ فِي القَبُولِ والعملِ بهِ، لا فِي حُكْمِ
المُرْسَلِ فِي رَدِّهِ وَعَدَمِ العملِ بهِ، وذلكَ لاتِّصَالِ سَنَدِهِ
فِي الظاهرِ، وإنَّمَا نَبَّهَ عليهِ دونَ غيرِهِ لوقوعِ الخلافِ فِي
حُكْمِ المُعَنْعَنِ.
فالجمهورُ علَى أنَّ المُعَنْعَنَ مِن المُتَّصِلِ كما ذَكَرَ المُصَنِّفُ بِشَرْطَيْنِ:
الأَوَّلُ:
مُتَّفَقٌ عليهِ: وهوَ سلامةُ مُعَنْعِنِهِ وبراءتُهُ من التدليسِ، فلا يُحْكَمُ بالاتصالِ منْ مُدَلِّسٍ إلا أنْ يُصَرِّحَ بالتَّحْدِيثِ.
الثاني:
مُخْتَلَفٌ فيهِ:
وهوَ لقاءُ الراوِي لِمَنْ رَوَى عنهُ واجْتِمَاعُهُمَا ولوْ مَرَّةً
واحدةً، وبهِ قالَ البخاريُّ وَشَيْخُهُ ابنُ المَدِينِيِّ وغيرُهُمَا منْ
أَئِمَّةِ الحديثِ.
وهذا الرأيُ هوَ المُخْتَارُ الصحيحُ الذي عليهِ أَئِمَّةُ هذا الفَنِّ، كما قالَ النَّوَوِيُّ فِي شرحِ مسلمٍ (1/242).
ومنهم:
مَن اكْتَفَى بإمكانِ اللقاءِ والمعاصرةِ، كالإمامِ مُسْلِمٍ، والمُعَنْعَنُ كَثِيرٌ فِي الصحيحَيْنِ وغَيْرِهِمَا.
ومثالُهُ:
ما أَخْرَجَهُ البخاريُّ
فِي (صحيحِهِ) قالَ: حَدَّثَنَا عبدُ اللَّهِ بنُ يوسُفَ، قالَ:
أَخْبَرَنَا مالكٌ، عن ابنِ شِهَابٍ، عنْ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ
مُطْعِمٍ، عنْ أبيهِ قالَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ)).
فهذا الحديثُ صحيحٌ وسندُهُ مُتَّصِل.
وأمَّا (العَنْعَنَةُ):
فهيَ محمولةٌ علَى الاتصالِ؛ لأنَّ رُوَاتَهُ غيرُ مُدَلِّسِينَ،
فَمَالِكٌ: إمامٌ حافظٌ، وابنُ شهابٍ الزُّهْرِيُّ: فَقِيهٌ حافظٌ
مُتَّفَقٌ علَى جَلالَتِهِ وإِتْقَانِهِ، ومُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرٍ: ثِقَةٌ.
(8) ثم ذَكَرَ المُؤَلِّفُ ألفاظَ الراويَةِ منْ غيرِ الصحابيِّ، ولها مَرَاتِبُ بَعْضُهَا أَقْوَى منْ بَعْضٍ، ومنها:
1- قراءةُ الشيخِ علَى التلميذِ لِيَرْوِيَ عنهُ.
وهذهِ المرتبةُ هيَ الغايَةُ فِي التَّحَمُّلِ، وللتلميذِ فِي هذهِ المَرْتَبَةِ أنْ يقولَ: (حَدَّثَنِي أوْ أَخْبَرَنِي).
2- قراءةُ التلميذِ علَى الشيخِ وهوَ يَسْمَعُ، فيقولُ: (نَعَمْ، أوْ يَسْكُتُ).
فَتَجُوزُ الروايَةُ عنهُ بذلكَ، فيقولُ التلميذُ: (أَخْبَرَنِي) أوْ (حَدَّثَنِي قراءةً عليهِ).
وهلْ يُسَوَّغُ لهُ تَرْكُ (قراءةً عليهِ)؟
قولانِ:
القول الأول:
المُصَنِّفُ ومَنْ وَافَقَهُ يَرَى المنعَ؛ لأنَّهُ لم يُحَدِّثْهُ؛ لأنَّ
التحديثَ فِي عُرْفِهِم عبارةٌ عنْ قراءةِ الشيخِ، وغيرُهُ يَسْمَعُ.
القولُ الثاني: الجوازُ؛ لأنَّ القصدَ الإعلامُ بالروايَةِ عن الشيخِ، وكلٌّ من الصِّيغَتَيْنِ صالحٌ لذلكَ.
والأَوَّلُ:
قالَ بهِ مسلمٌ، وهوَ مذهبُ الشافعيِّ وأصحابِهِ، وروايَةٌ عنْ أحمدَ.
وبالثاني:
قالَ البخاريُّ وبَعْضُ أهلِ العلمِ.
3 - الإجازةُ:
وهيَ أنْ يَأْذَنَ الشيخُ للتلميذِ أنْ يَرْوِيَ عنهُ ما رَوَاهُ، كأنْ
يقولَ لهُ: أَجَزْتُ لكَ أنْ تَرْوِيَ عنِّي (صحيحَ البخاريِّ)، فيقولُ
التلميذُ: (أَجَازَ لي)، أوْ (أَخْبَرَنِي إِجَازَةً) ).
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (أما الأصوليون فإنهم يقسمونه من حيث اتصال السند وانقطاعه إلى قسمين:
مُسند، ومُرسل.
فالمسند: اسم مفعول من الإسناد وهو (ضم جسم لآخر).
ثم استعمل في المعاني، يُقال أسند فلان الخبر إلى فلان إذا نسبه إليه.
أما في الاصطلاح عندهم، فهو: ما اتصل سنده إلى منتهاه، بأن يرويه عن شيخه بلفظ يظهر منه أنه أخذه عنه.
- وكذلك شيخه عن شيخه متصلاً إلى الصحابي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
- أما المُرسل: فهو اسم مفعول من الإرسال.
وهو في الاصطلاح:
رواية الراوي عمن لم يسمع منه، فهو على هذا لم يتصل سنده ظاهراً لسقوط بعض
رواته، سواء كان الساقط واحداً أو أكثر من أي موضع في السند، وهذا في
اصطلاح الأصوليين خلافاً لأهل الحديث.
- إذ
يخصّون اسم المرسل: بما سقط منه الصحابي، سواءٌ كان وحده أو مع غيره، من
الصحابة والتابعين، إذا كان المُرسِل له صحابيّاً أو تابعيّاً، والإنسان
عليه أن يعرف اصطلاح هؤلاء، واصطلاح هؤلاء حتى لا يخلط بين الأمرين.
- والمرسل: يتعلق به كلام كثير، وأفرد ببعض المؤلفات والكتب الخاصة مثل: كتاب العلائي: (جامع التحصيل في أحكام المراسيل) وغيره،
قد يكون المرسل:
- مُرسل صحابي.
- وقد يكون مُرسل تابعي.
- وقد يكون مرسل غير صحابي وغير تابعي.
فمرسل الصحابي: (أن يقول الصحابي فيما لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا).
ويُعرف عدم سماعه من النبي عليه الصلاة والسلام: بأن يكون إسلام هذا الصحابي متأخراً والحديث عن أمر متقدم قبل أن يسلم.
أو أن يكون هذا الصحابي من
صغار الصحابة ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يُدركه وقد يكون
وقع قبل ولادته، فإذا قُدّر أن مثل هذا الصحابي لم يسمع من النبي صلى الله
عليه وسلم مُشافهة بل سمعه منه بواسطة، فتلك الواسطة يغلب على الظن أنها
صحابي آخر أكبر منه أو أسبق إسلاماً
- كأحاديث أبي هريرة رضي الله عنه، عما قبل السنة السابعة من الهجرة لتأخر إسلامه إلى تلك السنة.
-
وكأحاديث ابن عباس وابن عمر، رضي الله عنهم عن أوائل الإسلام، لتأخر
مولدهما، فهذا المُرسل مقبول، لأن الصحابة عُدول فحكمه حكم المسند.
- أما مُرسل التابعي:
إذا أرسل الحديثَ التابعيُّ وأسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
مباشرة، فقد اسقط واسطة بينه وبين رسول الله - عليه الصلاة والسلام - وهذه
الواسطة يحتمل أن تكون صحابياً وتابعياً أو أكثر من ذلك.
-
أما الصحابي فقد عُرفت عدالته وإن جُهل، بخلاف التابعي، فلا سبيل إلى
الحكم عليه لأنه مجهول، والحكم على إنسان فرع معرفته، فمرسل التابعي هذا لا
يُقبل.
- بعضهم استثنى مراسيل المشهورين من كبار التابعين.
- وبعضهم استثنى مراسيل سعيد بن المسيب وحده، قالوا لأنها تتبعت فوجدت يعني مسندة، مرفوعة.
- بعضهم
يقول إن سعيد بن المسّيب يروي عن أبيهريرة- رضي الله عنه - لأنه زوج
ابنته، وهذا وجه استثناء مراسيل سعيد، أنه يروي عن أبي هريرة.
- وسقوط الصحابي لا يضُر، وبعضهم يشترط في قبول المُرسل والعمل به شروطاً كما هو المشهور عن الإمام الشافعي.
- أما مُرسل غير الصحابي والتابعي: هو أن يروي شخص في أثناء السند عمن لم يلقه، فيُسقط واسطة بينه وبين الذي روى عنه.
الحاصل أن المُرسل إذا كان
مُرسل صحابي فإنه مقبول، لأن مراسيل الصحابة في حكم المُسندة، فهي حُجةٌ،
ولا عبرة بشذوذ من شذ في هذا، ويدل على ذلك اتفاق الأمة على قبول رواية ابن
عباس-رضي الله عنهما- وأمثاله من أصاغر الصحابة مع إكثارهم من الرواية،
فبعض روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم مراسيل، وأيضاً الصحابة قد علمت
عدالتهم فلا يروون إلا عن صحابي غالباً، وإن رووا عن غيره نادراً فلا يروون
إلا عمن علموا عدالته.
أما مراسيل التابعين: فمن بعدهم، فهي موضع خلاف حُجة عند بعض أهل العلم، وغير حجة عند آخرين.
- وبعضهم يفصل بين مراسيل سعيد فتكون مقبولة وحجة ومراسيل غيره فلا.
- وبعضهم يقول إن المُرسل إذا أيّده خبر آخر أو عموم أو قول صحابي أو ما أشبه ذلك فإنه يُقبل وإلا فلا.
ولهم اصطلاحات في هذا كثيرة وتقسيمات مثل: وصف بعض النصوص بأنها مرفوعة وبأنها موقوفة، وبأنها مقطوعة.
ويقولون: المرفوع: ما أضيف النبي -صلى الله عليه وسلم- حقيقة أو حكماً.
- فالمرفوع: حقيقة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله وإقراره.
- كما سبق في بيان السنة أنها تطلق على قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله وتقريره، هذا يُقال عنه مرفوع حَقيقة.
والقسم الثاني من قسمي المرفوع:
المرفوع حكماً: وهو ما أضيف إلى سنته أو عهده، أو ما أشبه ذلك.
ومنه قول الصحابي:
(أُمرنا) أو(نُهينا)، كقول ابن عباس: أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت،
إلا أنه خُفّف عن المرأة الحائض، وكقول أم عطيه- رضي الله عنها - نُهينا
عن اتباع الجنائز، هذا له حكم المرفوع، ويقال: مرفوع حُكماً.
وكذلك من مصطلحاتهم:
- الموقوف: وهو ما أضيف إلى الصحابي ولم يثبت له حكم الرفع.
- والصحابي:
هو من اجتمع بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على ذلك، هذا هو
المشهور في تعريفه، كما اختاره الحافظ في (النُّخبة)، من اجتمع بالنبي -صلى
الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على ذلك ولو تخَلّلت رِدّة في الأصح،
وللإمام العلائي رسالة في تحديد الصحابي والكلام عليه وهي رسالة مطبوعة،
اسمها: (مُنيف الرُّتبة في من ثبت له شرف الصحبة).
أما المقطوع: فهو ما أضيف إلى التابعي فمن بعده.
والتابعي:
من اجتمع بالصحابي مؤمناً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ومات على ذلك،
فما يُضاف إلى التابعي يقال إنه مقطوع، وما يُضاف إلى الصحابي يُقال أنه
موقوف).
القارئ: (والآحاد الذي يُوجب العمل ولا يوجب العلم، وينقسم إلى قسمين: مُسندٍ ومُرسل) - وكذلك مرتبه تلي السابقة وهي أن يقول: كنا نفعل كذا، وكانوا يفعلون كذا، فهذا عند إضافته إلى زمن النبوة حجة لظهور الإقرار عليه. القارئ: (وإذا
قرأ الشيخ يجوز أن يقول الراوي: حدثني وأخبرني، وإن قرأ هو على الشيخ
فيقول: أخبرني، ولا يقول: حدثني، وإن أجازه الشيخ من غير قراءة، فيقول
الراوي: أجازني أو أخبرني إجازة. والعنعنة تدخل على الإسناد).
فالمسند: ما اتصل إسناده.
- والمرسل: ما لم يتصل إسناده، فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة إلا مراسيل سعيد بن المسّيب، فإنها فُتشت فوُجدت مُسنده.
- والعنعنة تدخل على الإسناد.
- وإذا قرأ الشيخ يجوز أن يقول الراوي حدثني وأخبرني.
- وإن قرأه هو على الشيخ فيقول أخبرني ولا يقول حدثني.
- وإن أجازة الشيخ من غير قراءه، فيقول الراوي أجازني أو أخبرني إجازة.
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (سعيد بن المسيب:
هو إمام التابعين وأحد الفقهاء السبعة، وهو بالفتح-المسيَّب- هذا هو
المشهور في ضبطه عند المحدثين، وبعضهم ضبطه بالكسر، ويذكر كلمة مشهورة عن
سعيد أنه قال: (سيَّب الله من سيَّب أبي)، لكن ذكر جماعة أن هذه الكلمة لم
تصح ولا يُعرف لها إسناد عن سعيب بن المسيَّب، ولهذا ضبطه الإمام النووي
وغيره بأنه بالفتح.
وصيغ الأداء:
مبسوط الكلام عليها في فن المصطلح، وأن هذه الصيغ لها مراتب، فالصحابي في نقله الخبر عن نبي الله -عليه الصلاة والسلام- ألفاظ: ترتيبها بحسب القوة.
أولاً: أن
يقول الصحابي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو حدثني أو شافهني
أو رأيته يفعل كذا ونحو ذلك، فهذا اللفظ لا يتطرق إليه احتمال الواسطة
أصلاً.
(حدثني): معناه أنه أخذ هذا الحديث عنه مشافهة، هذا لا يتطرق إليه احتمال الواسطة، هذا حجة بلا خلاف.
ثانياً: أن يقول الصحابي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، فهذا محتمل للواسطة، والظاهر فيه الاتصال.
ثالثاً: أن
يقول: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا أو نهى عن كذا، هذا فيه
مع احتمال الواسطة أن يكون الصحابي قد ظن ما ليس بأمر أو نهي أمراً أو
نهياً، والصحيح في هذا أنه كسابقه، وأن الصحابي لا يقول: أمر أو نهى، إلا
بعد سماعه ما هو أمر أو نهي حقيقة.
رابعاً: أن
يقول أُمرنا بكذا، أو نُهينا عن كذا، وهذا فيه مع الاحتمالين السابقين عدم
تعيين الآمر أو الناهي، أهو النبي - صلى الله عليه وسلم - أم غيره.
-
والصحيح أنه لا يُحمل إلا على أمر رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أو
نهيه، لأنه هو الآمر والناهي في وقته عليه الصلاة والسلام، فلا يُحمل على
غيره، وفي معنى هذا إذا قال: من السُّنة كذا، وهذا هو المرفوع حكماً.
- وقال أبو الخطَّاب: إن قول الصحابي: (كانوا يفعلون، نقل للإجماع).
أما ألفاظ الرواية من غير الصحابي فلها مراتب بعضها أقوى من بعض:
المرتبة الأولى:
قراءة الشيخ على التلميذ في معرض الإخبار ليروي عنه.
وهذه المرتبة هي الغاية في
التحمل، وهي طريقة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وللتلميذ في هذه
المرتبة أن يقول: حدثني وأخبرني، وقال فلان، وسمعته يقول ذلك، هذه هي
المرتبة الأولى، الشيخ نفسه هو الذي يقرأ على التلميذ أو التلاميذ.
المرتبة الثانية:
قراءة التلميذ على الشيخ
وهو يسمع، فيقول نعم، أو يسكت، فتجوز الرواية بذلك، خلافاً لبعض الظاهرية،
والتلميذ في هذه المرتبة يقول: أخبرني أو حدثني قراءةً عليه،وهل يسوغ له
ترك قراءةً عليه؟ هل يترك هذه الجملة أو يذكرها؟
قولان، هما روايتان عن الإمام أحمد.
المرتبة الثالثة:
المناولة وهي: أن يناول
الشيخ تلميذه أصله، أو فرعاً مقابلاً عليه، أو يحضر التلميذ ذلك الأصل، أو
فرعه المقابل عليه، ويقول الشيخ: هذه روايتي عن فلان فاروه عني، مذهب
الجمهور: جواز الرواية بهذا، ويقول التلميذ في هذه المرتبة: ناولني أو
أخبرني أو حدثني مناولة وما أشبه ذلك.
المرتبة الرابعة:
الإجازة، وهي: أن يقول
الشيخ لتلميذه: أجزت لك رواية الكتاب الفلاني أو ما صح عندك من مسموعاتي
ومذهب الجمهور جواز الرواية بها، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: لو بطلت
لضاع العلم، ويقول التلميذ في هذه المرتبة: أجازني أو أخبرني أو حدثني
إجازة، وما أشبه ذلك).
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (العنعنة: هي رواية الحديث بلفظ عن، فإذا قال: حدثني فلان عن فلان، عن فلان عن فلان، هذا يُسمى عنعنة.
والعنعنة: حكمها الاتصال إلا من مدلس، فلا يكون لها حكم الاتصال حتى يُصرِّح بالتحديث).
العناصر
أقسام خبر الآحاد من حيث اتصال سنده وانقطاعه عند الأصوليين:
القسم الأول: المسند
تعريف (المسند) لغةً
تعريف (المسند) اصطلاحًا
تنبيه: تعريف المصنف للمسند فيه عموم؛ لأنه يشمل كل ما اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه
مثال المسند
القسم الثاني: المرسل
تعريف (المرسل)
تعريف (المرسل) لغةً
تعريف (المرسل) اصطلاحًا
تنبيه: المرسل في اصطلاح أهل الأصول يشمل أنواع الانقطاع، فيدخل فيه المنقطع والمعضل، ومرسل الصحابي
تعريف المنقطع
تعريف المعضل
المرسل عند المحدثين هو: ما رفعه التابعي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-
مثال المرسل
أقسام المرسل:
القسم الأول: مرسل الصحابي
تعريف مرسل الصحابي
أمثلة على مرسل الصحابي
يعرف عدم سماع الصحابي من النبي _ عليه الصلاة والسلام _ بأمور:
1 - أن يكون إسلام هذا الصحابي متأخراً والحديث عن أمر متقدم قبل أن يسلم
2 - أن يكون هذا الصحابي من صغار الصحابة ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يُدركه وقد يكون وقع قبل ولادته
فائدة: الذي يغلب على الظن أن مرسل الصحابي إنما تلقاه عن صحابي أكبر منه
مرسل الصحابي مقبول؛ لأن الصحابة عدول فحكمه حكم المسند
القسم الثاني: مرسل التابعي
تعريف مرسل التابعي
حكم (مرسل التابعي) من حيث القبول والرد
أكثر أهل العلم يحتجون بمراسيل كبار التابعين بشرط أن يعتضد بخبر معتبر أو قياس صحيح أو يكون عليه العمل
من أشهر مراسيل التابعين: مراسيل سعيد بن المسيب، ومراسيل عروة بن الزبير
سبب استثناء المؤلف لمراسيل سعيد بن المسيب
أغلب مراسيل سعيد سمعها من أبي هريرة
ترجمة سعيد بن المسيب
القسم الثالث: مرسل غير الصحابي والتابعي:
تعريف مرسل غير الصحابي والتابعي
التفصيل في حكم المرسل
1 - إن كان من مراسيل الصحابة، فهو حجة عند جماهير أهل العلم
قال الحافظ في النكت: (وهو الذي عليه عمل أئمة الحديث)
فائدة: لم يعد ابن الصلاح مرسل الصحابي من الحديث المرسل؛ لأنه في حكم الموصول المسند
كلام السيوطي في مراسيل الصحابة
2 - وأما مراسيل غير الصحابة، كمرسل التابعي ففيه خلاف
ذكر المصنف أنها ليست بحجة، وذلك للجهل بالساقط في الإسناد، وهذا مذهب الجمهور
تنبيه: نص المصنف على أن مرسل غير الصحابي ليس بحجة قد يفهم منه أن مرسل الصحابي حجة
ذكر أكثر من تروى عنهم المراسيل
الكتب المصنفة في المراسيل
التعريف ببعض الاصطلاحات:
الاصطلاح الأول: (المرفوع)
تعريف (المرفوع)
المرفوع: هو ما أضيف إلى النبي حقيقة أو حكمًا
أقسام المرفوع:
القسم الأول: المرفوع حقيقة
تعريف المرفوع حقيقة
القسم الثاني: المرفوع حكمًا
تعريف المرفوع حكمًا
أمثلة المرفوع حكمًا
الاصطلاح الثاني: (الموقوف)
تعريف (الموقوف)
الموقوف: هو ما أضيف إلى الصحابي ولم يثبت له حكم الرفع
تعريف (الصحابي)
فائدة: للإمام العلائي رسالة في تحديد الصحابي والكلام عليه
الاصطلاح الثالث: (المقطوع)
تعريف (المقطوع)
المقطوع: هو ما أضيف إلى التابعي فمن بعده
تعريف (التابعي)
صيغ الأداء:
تعريف (الأداء)
تعريف (التحمل)
مراتب صيغ أداء الصحابي:
أعلاها: أن يقول الصحابي: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو حدثني أو شافهني، أو رأيته يفعل كذا
هذه الصيغة لا يتطرق إليها احتمال الواسطة أصلاً
معنى (حدثني)
ثانياً: أن يقول الصحابي: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا
هذه الصيغة تحتمل الواسطة، والظاهر فيها الاتصال
ثالثاً: أن يقول: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا ونهى عن كذا
هذه الصيغة فيها مع احتمال الواسطة أن يكون الصحابي قد ظن ما ليس بأمر أو نهي أمرًا أو نهيًا
الصحيح في هذه المرتبة أنها كسابقتها، وأن الصحابي لا يقول: أمر أو نهى، إلا بعد سماعه ما هو أمر أو نهي حقيقة.
رابعاً: أن يقول أُمرنا بكذا، أو نُهينا عن كذا
هذه الصيغة فيها مع الاحتمالين السابقين عدم تعيين الآمر أو الناهي، أهو النبي - صلى الله عليه وسلم - أم غيره
الصحيح في قول الصحابي: (أمرنا بكذا) أو (نهينا عن كذا) أنه محمول على أمره ونهيه صلى الله عليه وسلم
خامسًا: أن يقول: (كنا نفعل كذا) و(كانوا يفعلون كذا)
هذه الصيغة عند إضافتها إلى زمن النبوة حجة لظهور الإقرار على الفعل
فائدة: قال أبو الخطَّاب: (إن قول الصحابي: (كانوا يفعلون) نقل للإجماع)
مراتب صيغ أداء غير الصحابي:
المرتبة الأولى: قراءة الشيخ على التلميذ في معرض الإخبار ليروي عنه
هذه المرتبة هي الغاية في التحمل، وهي طريقة رسول الله _ عليه الصلاة والسلام
للتلميذ في هذه المرتبة أن يقول: حدثني، وأخبرني، وقال فلان، وسمعته يقول ذلك
المرتبة الثانية: قراءة التلميذ على الشيخ وهو يسمع، فيقول نعم، أو يسكت
حكم الرواية بهذه الصيغة: جائزة خلافاً لبعض الظاهرية
التلميذ في هذه المرتبة يقول: أخبرني أو حدثني قراءةً عليه
مسألة: هل يسوغ له ترك (قراءة عليه)؟ قولان:
القول الأول: المنع، وهو قول الشافعي وأصحابه ومسلم ورواية عن أحمد، واختاره الجويني
سبب المنع: أنه لم يحدثه؛ والتحديث في عرفهم عبارة عن قراءة الشيخ وغيره يسمع
القول الثاني: الجواز، وهو البخاري وبعض المحدثين
سبب عدم المنع: أن القصد الإعلام بالرواية عن الشيخ، وكل من الصيغتين صالح لذلك
المرتبة الثالثة: المناولة
معنى (المناولة): أن يناول الشيخ تلميذه أصله، أو يحضر التلميذ ذلك الأصل ويقول الشيخ: هذه روايتي عن فلان فاروه عني
الفرع المقابل على الأصل له حكم الأصل
حكم الرواية بالمناولة
ذهب الجمهور إلى جواز الرواية بالمناولة
يقول التلميذ في هذه المرتبة: ناولني أو أخبرني أو حدثني مناولة وما أشبه ذلك
المرتبة الرابعة: الإجازة
معنى (الإجازة): أن يقول الشيخ لتلميذه: أجزت لك رواية الكتاب الفلاني أو ما صح عندك من مسموعاتي
مثال الإجازة
حكم الرواية بالإجازة
ذهب الجمهور إلى جواز الرواية بالإجازة، ونقل عن الإمام أحمد أنه قال: لو بطلت لضاع العلم
يقول التلميذ في هذه المرتبة: أجازني أو أخبرني أو حدثني إجازة، وما أشبه ذلك
شرح قوله: (والعنعنة تدخل على الإسناد)
تعريف (العنعنة)
مثال (المعنعن)
الجمهور على أن المعنعن من المتصل كما ذكر المصنف بشرطين:
الشرط الأول: متفق عليه: وهو سلامة معنعنه وبراءته من التدليس
لا يحكم بالاتصال لرواية المدلس إلا أن يصرح بالتحديث
الشرط الثاني: مختلف فيه: وهو لقاء الراوي لمن روى عنه واجتماعهما ولو مرة واحدة
قال به البخاري وشيخه ابن المديني وغيرهما من أئمة الحديث
فائدة: هذا الرأي هو المختار الصحيح الذي عليه أئمة هذا الفن، كما قال النووي في (شرح مسلم)
من أهل العلم من اكتفى بإمكان اللقاء والمعاصرة، كالإمام مسلم
الأسئلة
س13: بين أقسام الآحاد من حيث اتصال سنده وانقطاعه.
س14: ما حكم مرسل الصحابي من حيث القبول والرد؟
س15: ما حكم مرسل التابعي من حيث القبول والرد؟
س16: اذكر بعض الكتب المصنفة في المراسيل.
س17: ما الفرق بين المرفوع حقيقة وحكماً؟
س18: اذكر مراتب صيغ أداء الصحابي.
س19: اذكر مراتب صيغ أداء غير الصحابي.
س20: ما معنى (العنعنة) في الإسناد وما حكم الحديث المعنعن؟