1 Nov 2008
أقسام الخبر (متواتر وآحاد)
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَأَمَّا الأَخْبَارُ؛ فَالخَبَرُ مَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالكَذِبُ.
وَالخَبَرُ يَنْقَسِمُ إِلى قِسْمَيْنِ:
- آحَادٍ.
- وَمُتَوَاتِرٍ.
فَالمُتَوَاتِرُ:
مَا يُوجِبُ العِلْمَ. وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ جَمَاعَةٌ لا يَقَعُ
التَّوَاطُؤُ عَلَى الكَذِبِ مِنْ مِثْلِهِم إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى
المُخْبَرِ عَنْهُ.
وَيَكُونُ في الأَصْلِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ أَوْ سَمَاعٍ لاَ عَن اجْتِهَادٍ.
وَالآحَادُ: هُوَ الَّذِي يُوجِبُ العَمَلَ وَلا يُوجِبُ العِلْمَ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (1) (وَأَمَّا الأخْبَارُ، فَالْخَبَرُ: مَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ) لاحْتِمَالِهِ لَهُمَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ خَبَرٌ؛ كَقَوْلِكَ: (قَامَ زَيْدٌ).
يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا، وَأَنْ يَكُونَ كَذِبًا، وَقَدْ يُقْطَعُ بِصِدْقِهِ، أَوْ كَذِبِهِ لأَمْرٍ خَارِجِيٍّ.
الأَوَّلُ: (كَخَبَرِ اللهِ تَعَالَى).
وَالثَّانِي: كَقَوْلِكَ: (الضِّدَّانِ يَجْتَمِعَانِ).
(2) (وَالْخَبَرُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: آحَادٍ وَمُتَوَاتِرٍ)
(فَالْمُتَوَاتِرُ:
مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَهُوَ: أَنْ يَرْوِيَ جَمَاعَةٌ لاَ يَقَعُ
التَّوَاطُؤُ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ مِثْلِهِمْ، وَهَكَذَا إِلَى أَنْ
يَنْتَهِيَ إِلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ، فَيَكُونُ فِي الأَصْلِ عَنْ
مُشَاهَدَةٍ، أَوْ سَمَاعٍ، لاَ عَن اجْتِهَادٍ)؛ كَالإِخْبَارِ عَن
(مُشَاهَدَةِ مَكَّةَ)، أَوْ (سَمَاعِ خَبَرِ اللهِ تَعَالَى مِن
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم). بِخِلاَفِ الإِخْبَارِ عَن مُجْتَهَدٍ
فِيهِ؛ كَإِخْبَارِ الْفَلاَسِفَةِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ.
(3) (وَالآحَادُ) وَهُوَ مُقَابِلُ الْمُتَوَاتِرِ: (هُوَ الَّذِي يُوجِبُ الْعَمَلَ، وَلاَ يُوجِبُ الْعِلْمَ) لاحْتِمَالِ الْخَطَأِ فِيهِ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (1) (أمَّا الأخبارُ، فالخبَر: ما يَدْخُلُهُ الصدْقُ والكذِبُ).
هذا رسْمٌ قديمٌ للخبرِ،
وهوَ مَدخولٌ مِنْ جِهةِ أنَّ الصدْقَ والكذِبَ نوعانِ للخبَرِ، والخبرَ
جِنْسٌ لهما؛ فإنَّكَ تقولُ: الخبرُ يَنقسِمُ إلى الصادِقِ والكاذبِ،
ومَوْرِدُ التقسيمِ مُشترَكٌ بينَ القسميْنِ، فالصِّدْقُ أَحَدُ نَوْعَي
الخبرِ، والكذِبُ كذلكَ، وتعريفُ الجنْسِ بالنوعِ مُمْتَنِعٌ؛ لأنَّ ذلكَ
يُؤَدِّي إلى تعريفِ الشيءِ بما هوَ أَخْفَى منهُ، فإنَّ النوعَ لا
يُعْرَفُ إلاَّ بعدَ مَعرِفةِ الجنْسِ.
وممَّا يُورَدُ على هذا الرَّسْمِ أنَّ مِن الأخبارِ ما لا يكونُ إلاَّ صِدْقًا: (كأخبارِ اللهِ عزَّ وجلَّ).
- ومِن
الأخبارِ ما لا يكونُ إلاَّ كَذِبًا: كقولِ مَنْ قالَ: (النَّقِيضَانِ
يَجتمعانِ)، و(الجزءُ أَعْظَمُ مِن الكلِّ)؛ فلوْ كانَ قَبولُ الصدْقِ
والكذِبِ داخلاً في حقيقةِ الخبَرِ، خرَجَ هذانِ القِسمانِ عن
الْخَبَرِيَّةِ؛ فإنَّ قَبولَ الصدْقِ والكذِبِ مَسلوبٌ عنهما؛ لأنَّ
أحدَهما واجبُ الصدْقِ يَمتنِعُ عليهِ قَبولُ الكذِبِ، والآخرَ بعَكْسِ
ذلكَ، واجبُ الكذِبِ مُمْتَنِعٌ عليهِ قَبولُ الصدْقِ.
- وكذلكَ قَوْلُ مَنْ قالَ: الخبَرُ ما يُحْتَمَلُ أنْ يكونَ صادقًا أوْ كاذبًا.
والصحيحُ أنَّ الخبَرَ
غَنِيٌّ عن التعريفِ بالرَّسْمِ؛ فإنَّ كلَّ عاقلٍ يَجِدُ في نفسِهِ
فَرْقًا بينَ قَوْلِ القائلِ: (قامَ زيدٌ)، وبينَ قولِهِ: (قُمْ يا
زَيْدُ)، ويُجِيبُ كلَّ واحدٍ مِن الكلامَيْنِ بغيرِ ما يُجيبُ بهِ
الآخَرَ، ولا يُحتاجُ في إدراكِ هذهِ التَّفْرِقَةِ إلى تَعَلُّمِ رَسْمِ
الخبَرِ ورَسْمِ الأمْرِ، فلولا أنَّ حقيقةَ كلِّ واحدٍ منهما معلومةٌ
بالبَدِيهَةِ، وإلاَّ لمْ تَحْصُلْ هذهِ التَّفْرِقَةُ بينَهما،
وَلَتَوَقَّفَ ذلكَ على مَعرِفَةِ رَسْمِ كلِّ واحدٍ منهما.
(2) (والأخبارُ
تَنْقَسِمُ إلى: آحادٍ ومُتواترٍ) فالمتواتِرُ: ما يُوجِبُ العلْمَ، وهوَ
أنْ يَرْوِيَ جماعةٌ لا يَقَعُ التَّوَاطُؤُ على الكذِبِ مِنْ مِثْلِهم إلى
أنْ يَنْتَهِيَ إلى الْمُخْبَرِ عنهُ، ويكونُ في الأصلِ عنْ مُشاهَدَةٍ
أوْ سَمَاعٍ لا عن اجتهادٍ).
دليلُ انقسامِ الخبرِ إلى ما ذُكِرَ أنَّ الخبَرَ:
إمَّا أنْ يُفيدَ العلْمَ بِمُخْبَرِهِ أوْ لا يُفيدَهُ.
والأوَّلُ: المتواتِرُ.
والثاني: آحادٌ.
وقالَ غيرُهُ: الخبرُ يَنقسِمُ إلى:
- مُتواتِرٍ.
- ومُستفيضٍ.
- وآحادٍ.
فالمتواتِرُ: ما يُفيدُ العلْمَ.
والمُسْتَفِيضُ: ما اشْتُهِرَ ولمْ يَبْلُغ التواتُرَ.
والآحادُ: ما ليسَ كذلكَ؛ أيْ: ليسَ مُشْتَهِرًا ولا مُفيدًا للعلْمِ.
وليسَ هذا التقسيمُ
مُناقِضًا للأَوَّلِ؛ فإنَّ المستفيضَ بهذا التفسيرِ داخلٌ في قِسمِ
الآحادِ. وأصلُ التواتُرِ في كلامِ العرب:ِ أنْ يَجيءَ الشيءُ وَقْتًا بعدَ
وقتٍ، يُقالُ: (تواتَرَت الخيلُ)، إذا جاءَ تْ دُفْعَةً بعدَ دُفْعَةٍ،
ومنهُ قولُهم: (فَعَلَهُ تَارَاتٍ)؛ أيْ: في أوقاتٍ مختلِفَةٍ.
وهوَ مُستعمَلٌ في عُرْفِ الأُصولِيِّينَ بمعنى التَّوَاصُلِ الذي لا انقطاعَ فيهِ.
ولَمَّا كانَ حُصولُ العلْمِ لازمًا للخبَرِ المتواتِرِ لمْ يَكْتَفِ بقولِهِ: (ما يُوجِبُ العلْمَ) رَسْمًا للخبَرِ المتواتِرِ، بلْ أشارَ إلى حقيقتِهِ بقولِهِ: (وهوَ أنْ يَرْوِيَ جماعةٌ لا يَقَعُ التَّوَاطُؤُ على الكذِبِ مِنْ مِثْلِهم). وفي قولِهِ: (المُتَواتِرُ ما يُوجِبُ العلْمَ)
إشارةٌ إلى بُطْلانِ قولِ مَنْ زَعَمَ مِن الحُكَمَاءِ أنَّ الْخَبَرَ لا
يُفيدُ العلْمَ، ودَلِيلُ بُطلانِ العلْمِ بالمُدْرَكِ بأَحَدِ الحواسِّ
الخمسةِ وببَدِيهَةِ النظَرِ.
ولمْ يَتَعَرَّضْ إلى أنَّ العلْمَ الحاصلَ بالخبَرِ المتواتِرِ ضَروريٌّ أوْ نَظَرِيٌّ، والمشهورُ أنَّهُ ضَرورِيّ.
- وقالَ
الكَعْبِيُّ: (إنَّهُ نَظَرِيٌّ)، وهوَ باطلٌ بحصولِ العلْمِ لِمَنْ لهُ
أَهْلِيَّةُ النظَرِ ولمَنْ ليسَ لهُ أهليَّةُ النظَرِ.
- وفي
كلامِهِ أيضًا إشارةٌ إلى أنَّ الخبَرَ المتواتِرَ لا يَتعلَّقُ بعَددٍ
محصورٍ، بلْ إذا حَصَلَ العلْمُ عُلِمَ كمالُ عددِ التواتُرِ، وإذا لمْ
يَحْصُلْ عُلِمَ أنَّهُ لمْ يَكْمُلْ.
وذهَبَ جماعةٌ إلى أنَّهُ يَتعلَّقُ بعددٍ محصورٍ.
ثمَّ اخْتَلَفُوا،
فقالَ قومٌ: العددُ الذي يكونُ خَبَرُهم مُتواتِرًا سبعونَ، وتَعَلَّقُوا بأنَّ ذلكَ عددُ المختارِينَ في قولِهِ تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا}.
وقالَ آخَرونَ: اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً؛ تَعَلُّقًا بأنَّ ذلكَ عددُ نُقَبَاءِ بني إسرائيلَ في قولِهِ: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا}.
وقالَ بعضُهم: خمسةٌ؛
لأنَّ الأربعةَ أَكْثَرُ ما اشْتُرِطَ في نِصابِ الشَّهادةِ، والشَّهادةُ
تُوجِبُ الظَّنَّ، فالزيادةُ عليها تُوجِبُ العلْمَ.
وقالَ آخَرُونَ: هوَ
أَكْثَرُ ما قيلَ في عددِ التواتُرِ: إنَّهُ
ثلاثُمِائَةٍوثلاثةُعَشَرَرَجُلاً، عددُ أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ يومَ بَدْرٍ.
وهذهِ كُلُّها أقوالٌ
ضَعيفةٌ؛ فإنَّ العددَ المشروطَ فيها قدْ يَتَحَقَّقُ صُدُورُ الخبَرِ عنهُ
ولا يَحْصُلُ العلْمُ بِمُخْبَرِهِ، وأيضًا فما مِنْ عددٍ مِنْ هذهِ
الأعدادِ إلاَّ يُجِيزُ العقلُ عليهم التَّوَاطُؤَ على الكذِبِ، فعُلِمَ
أنَّهُم لمْ يَبْلُغوا حَدَّ التواتُرِ.
وشَرْطُ إفادةِ الخبرِ المتواتِرِ العِلْمَ:
أنْ يَنْتَهِيَ إلى مُدْرَكٍ بالحسِّ؛ (كالإِخْبارِ عنْ مشاهَدَةِ بلدٍ)
أوْ (شَخْصٍ) أوْ (سَمَاعِ خبرٍ صادقٍ)، فلو انْتَهَى إلى الإخبارِ عنْ
مُجْتَهِدٍ فيهِ لمْ يُفِد العلْمَ؛ ولهذا لوْ أَخْبَرَ الخَلْقُ الكثيرُ
والجَمُّ الغفيرُ عنْ حُدوثِ العالَمِ لمْ يُوجِبْ ذلكَ العلْمَ لسامعِهِ،
بلْ لا يَحْصُلُ العلْمُ بذلكَ وأمثالِهِ إلاَّ بالنظَرِ في الدليلِ
الْمُفْضِي إليهِ.
وقولُهُ: (عنْ مُشاهَدَةٍ أوْ سَمَاعٍ) يعني: عنْ أمْرٍ مُدْرَكٍ بالحِسِّ؛ فإنَّ المشاهَدَةَ هيَ الإدراكُ بحاسَّةِ البصَرِ، (والسَّمَاعَ الإدراكُ بحاسَّةِ السمْعِ).
وإذا تَنَاقَلَ الرُّواةُ الخبَرَ
المتواتِرَ فشَرْطُ كونِهِ مُفيدًا للعلْمِ أنْ يكونَ كُلُّ طَبقةٍ مِنْ
طَبقاتِ الْمُخْبِرينَ لا يَجُوزُ عليهم التواطُؤُ على الكذِبِ، وهذا معنى
قولِهم: يُشْتَرَطُ في التواتُرِ استواءُ الطرفيْنِ والوَسَطِ، فلوْ لمْ
تَكُنْ بعضُ الطَّبَقاتِ كذلكَ خَرَجَ الخبَرُ عنْ كونِهِ مُتواترًا.
وقدْ أُدْرِجَ في الخبَرِ المتواتِرِ قِسْمٌ يُسَمَّى:
تَواتُرًا مَعْنَوِيًّا: وهوَ ما إذا جاءَ تْ أخبارٌ كُلُّها آحادٌ
مُتَّفِقَةُ الخبَرِ بحيثُ تَتوارَدُ على مُخْبِرٍ واحدٍ، كالأَخْبَارِ في
سَخَاوَةِ حاتمٍ؛ فإنَّ العلْمَ بها إنَّما طريقُهُ المفهومُ مِنْ جُملةِ
أخبارِ الآحادِ الواردةِ بما يُفيدُ ذلكَ.
- ولا شَكَّ أنَّ أخبارَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ تُوجِبُ العلْمَ.
- وكذلكَ
أخبارُ اللهِ سُبحانَهُ وتعالى على لسانِ نَبِيِّهِ، وأخبارُ المُخْبِرِ
بحَضْرَةِ الرسولِ (إذا لمْ يُنْكِرْهُ الرسولُ صَلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ)، فإنْ فُسِّرَ المتواتِرُ بما يُوجِبُ العلْمَ كانتْ هذهِ
الأقسامُ داخلةً في جملةِ الأخبارِ المتواترةِ، (وإنْ فُسِّرَ باجتماعِ
جَمْعٍ مِن المُخْبِرِينَ لا يَجوزُ عليهم الكذِبُ خَرَجَتْ هذهِ الأقسامُ
عنْ جُملةِ الأخبارِ المتواترةِ)، فقدْ جَعَلَها بعضُهم مِنْ أقسامِ أخبارِ
الآحادِ، وجَعَلَ أخبارَ الآحادِ قِسمَيْنِ:
-ما يُفيدُ العلْمَ: وهوَ هذهِ الأخبارُ.
- وما لا يُفيدُ: وهوَ غيرُها مِنْ أخبارِ الآحادِ.
وسِياقُ كلامِهِ هنا
يَقتضِي جَعْلَ هذا النوعِ قِسْمًا ثالثًا غيرَ المتواتِرِ والآحادِ؛ فإنَّ
ما ذَكَرَهُ في حَدِّ التواتُرِ منْ أخبارِ جَمْعٍ لا (يَجوزُ أنْ)يَقَعَ
التواطُؤُ على الكذِبِ مِنْ مِثْلِهم يُخْرِجُ هذهِ الأخبارَ، وما ذَكَرَهُ
في رَسْمِ أخبارِ الآحادِ يُخْرِجُ هذهِ الأخبارَ أيضًا على أنْ يكُونَ
منهما؛ فإنَّهُ قالَ: (3) (والآحادُ: هوَ الذي يُوجِبُ العملَ ولا يُوجِبُ العلْمَ)
وفي هذا الرسْمِ نَظَرٌ؛
فإنَّ وُجوبَ العملِ بخبرِ الآحادِ غيرُ داخلٍ في حقيقتِهِ، بلْ هوَ حُكْمٌ
مِنْ أحكامِهِ استُفيدَ مِنْ دليلٍ خارجٍ عنهُ، فلو اقْتَصَرَ على أنَّ
الآحادَ ما لا يُوجِبُ العلْمَ كَفَاهُ ذلكَ؛ فإنَّ كلَّ خَبَرٍ لا يُفيدُ
العلْمَ هوَ خَبَرُ واحدٍ، وليسَ المرادُ بخَبَرِ الواحدِ ما لا يَرْوِيهِ
إلاَّ واحدٌ عنْ واحدٍ، بلْ خَبَرُ العشرةِ عَن العشرةِ، وهكذا، يُقالُ
لهُ: خَبَرُ واحدٍ، وهوَ في حُكْمِ خبرِ الآحادِ.
وأمَّا الدليلُ على وُجوبِ العملِ بأخبارِ الآحادِ فقدْ سَلَكَ العُلماءُ فيهِ مَسالِكَ؛ أَجْوَدُها:
-
أنَّ الصحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم كانوا يَفْزَعُونَ في الوقائعِ على
رواياتِ الآحادِ، وكَثُرَ ذلكَ مِنهم واشْتُهِرَ مِنْ غيرِ إنكارِ أحَدٍ
منهم لذلكَ، فصارَ إجماعًا على قَبولِ خَبرِ الواحدِ ووُجوبِ العملِ بهِ،
فمِنْ ذلكَ:
- رُجُوعُهم إلى رِوَايَةِ عائشةَ في وُجوبِ الغُسْلِ بالْجِماعِ مِنْ غيرِ إِنْزَالٍ.
- وأَخَذُوا في توريثِ الْجَدَّةِ بروايَةِ الْمُغيرةِ ومُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ.
- وفي قَضِيَّةِ الطاعونِ بروايَةِ عبدِ الرحمنِ بنِ عَوْفٍ.
- وكذلكَ ضَرْبُ الجِزْيَةِ على الْمَجوسِ أَخَذُوا برِوَايَتِهِ، وذلكَ كثيرٌ لِمَنْ تَتَبَّعَهُ.
-
وكانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يُرْسِلُ إلى القبائلِ
والجهاتِ الواحدَ والاثنَيْنِ فتَقومُ الْحُجَّةُ عليهم بذلكَ، ولولا أنَّ
خَبَرَ الواحدِ يُوجِبُ العملَ لَمَا قَامَت الْحُجَّةُ عليهم.
وأمَّا أنَّهُ لا يُوجِبُ
العلْمَ؛ فلأنَّ الواحدَ يَجوزُ عليهِ الكذِبُ والسهْوُ والتَّقِيَّةُ،
وأنْ يُخْبِرَ بالشيءِ على وَفْقِ ظَنِّهِ الكاذبِ، ومعَ تَطَرُّقِ هذهِ
الأمورِ يَمْتَنِعُ حُصولُ العلْمِ.
وعنْ بعضِ أهلِ الحديثِ أنَّ خَبَرَ الواحدِ يُفيدُ العلْمَ، ورُبَّمَا نُسِبَ ذلكَ إلى الإمامِ أحمدَ بنِ حَنبلٍ.
وقال قَوْمٌ: ما في
الصحيحيْنِ البخاريِّ ومُسْلِمٍ معلومٌ ومقطوعٌ بهِ، وكلُّ هذا إنْ
أُطْلِقَ على سبيلِ المجازِ لإرادةِ الظنِّ الغالبِ فصحيحٌ، وإنْ أُريدَ
بهِ العلْمُ الذي لا يَقبلُ التشكيكَ فهوَ باطلٌ؛ فإنَّ خبرَ الواحدِ
بِمُجَرَّدِهِ لا يُوجِبُ الجزْمَ المانعَ مِن النقيضِ، وما في الصحيحَيْنِ
مُتَلَقًّى بالقَبولِ؛ فلذلكَ ظُنَّ أنَّهُ مَقطوعٌ بهِ، وإلاَّ فالإنسانُ
يَجِدُ فَرْقًا بينَ ما يُرْوَى عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ
مِنْ عددِ الصَّلَوَاتِ مِن الأخبارِ، ولوْ كانَ جميعُ ما خَرَّجَاهُ في
صحيحَيْهِمَا مَعلومًا لكَانَا مَعصومَيْنِ، ولمْ يَقُلْ أحدٌ
بعِصْمَتِهِما).
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (1) أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ بيانِ الإجماعِ: شَرَعَ في بيانِ الأخبارِ، وهوَ البابُ الثَّانيَ عَشَرَ.
والأخبارُ هيَ: طريقُ ثبوتِ السُّنَّةِ الشَّريفَةِ إِليْنَا.
وقدِ اخْتَلَفُوا في رَسْمِ الخَبَرِ:
فذهبَ جماعةٌ
إلى عدمِ رَسْمِهِ؛ إذِ الرَّسْمُ لِلتَّعْرِيفِ، والخَبَرُ معروفٌ
بنفسِهِ؛ إذْ كلُّ واحدٍ منَ العُقَلاَءِ يفرِّقُ بَيْنَ (قامَ زيدٌ)
وَبَيْنَ (قُمْ يَا زَيْد)، فهذَا ظاهرٌ منْ غيرِ رَسْمٍ.
وذهبَ الشَّيْخُ - رحمهُ اللهُ - إلى رسمِهِ بأنَّهُ: مَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ والكَذِبُ.
وفيه نظرٌ؛ لأنَّهُمَا
نَوْعَانِ للخبرِ، وهوَ جِنْسٌ لهَا، ولاَ يَجُوزُ تعريفُ الجنسِ
بالنَّوْعِ؛ لأنَّ النَّوعَ لاَ يُعْرَفُ إلاَّ بالجنسِ.
وفيه نظرٌ آخرُ: أنَّ
الخبرَ قدْ لاَ يحتملُ الكذبَ البتَّةَ كَقَوْلِ القائِلِ: (اللهُ
رَبُّنَا) وَ (محمَّدٌ نبيُّنَا) وَ (النَّارُ حَارَّةٌ) وَمَا أشبَهَ ذلكَ
ممَّا لاَ يَحْتَمِلُ الكَذِبَ.
ومنَ الأخبارِ: مَالاَ
يكونُ إِلاَّ كذبًا، كقولِ الكفَّارِ: (اتَّخَذَ اللهُ ولدًا) أوْ
(صاحِبًا) أَوْ (ثالثُ ثلاثةٍ) تعالى اللهُ عنْ ذلكَ، وَ (الجُزْءُ أعظمُ
منَ الكلِّ)فَهذَا لمْ يحتملِ الصِّدْقَ البَتَّةَ.
وقولُهُ: (وهوَ ينقسمُ إلى آحادٍ ومتواترٍ) ورسَمَ المتواترَ : بمَا يُوْجِبُ العلمَ يقينًا منْ غيرِ ظنٍّ، ولهذَا أشارَ إلى حقيقةِ التَّواتُرِ بقولِهِ: (وهوَ أنْ يَروِيَ جماعةٌ لاَ يقعُ التَّواطؤُ على الكذبِ منْ مثلِهمْ) عنْ جماعةٍ مثلِهِمْ - أيضًا.
- وكذلكَ دائمًا: فمتى
خلتْ طبقةٌ منَ الطبَّقاتِ لمْ يكنْ مُتواترًا؛ لأنَّ التَّواتُرَ: تواصلُ
شيءٍ بعدَ شيءٍ منْ غيرِ انحصارِ عددٍ، بلْ إذَا أفادَ الخبرُ العلمَ
يقينًا عُلِمَ كمالُ عددِ التَّواترِ.
وذهبَ جماعةٌ إلى حَصْرِهِمْ:
منهمْ مَنْ قالَ: أربعةٌ؛ لأنهمْ أكثرُ نِصابِ الشَّهادةِ.
ومنهمْ مَنْ قالَ: اثنا عَشَرَ، متمسِّكونَ بقولِهِ تعالى: {وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة:12].
ومنهمْ مَنْ قالَ: سبعُونَ لقولِهِ تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} [الأعراف:155].
ومنهمْ مَنْ قالَ: ثلاثُمائةٍ وثلاثةَ عَشَرَ رجلاً كأصحابِ بدْرٍ.
والظَّاهرُ: مَا سَبَقَ.
وقولُهُ: (عنْ مشاهدةٍ أوْ سماعٍ) يُشيرُ إلى شرطِ التَّواتُرِ المفيدِ للعلمِ: أنْ ينتهيَ المخبرُونَ إلى المُخْبَرِ عنْهُ بمشاهدةٍ لفعلِهِ، أوْ سَمَاعٍ لقولِهِ مَعَ تصديقِ مَا سمِعُوهُ، أوْ شاهدُوهُ.
فلوْ حَصَلَ لهمْ ذلكَ
منْهُ بظنٍّ أوِ اجتِهادٍ منْ أنْفسِهِمْ: لَمْ يُفِدِ العِلْمَ؛ لتطرُّقِ
الظُّنونِ إليهِ، فيخرجُ عنِ التَّواتُرِ. واللهُ أَعْلَمُ.
(2) أقولُ: لمَّا فَرَغَ منْ أخبارِ التَّواتُرِ: شَرَعَ في أخبارِ الآحادِ، وَرَسَمَ الآحاد:َبِـ: الَّذي يُوْجِبُ العَمَلَ، وَلاَ يُوْجِبُ العِلْمَ؛ لأنَّ خبرَ الآحادِ ظنِّيٌّ؛ لتطرُّقِ الوَهْمِ إلى الآحادِ.
والمرادُ بالآحادِ: مَا لَمْ يَبْلُغُوا رتبةَ التَّواتُرِ.
لاَ أنْ يَرْوِيَ واحدٌ عنْ واحدٍ، بلْ لوْ رَوَى خمسةٌ عنْ خمسةٍ ولمْ تَتَوَاتَرْ، أَوْ خلقٌ كثيرٌ عنْ كثيرٍ، وانقطعَ بيْنَ الرُّواةِ -كمَا سَبَقَ- كانَ آحادًا.
وإنَّمَا أَوْجَبْنَا
العَمَلَ بهِ؛ اقتداءً بأصحابِهِ -رضيَ اللهُ عنهمْ-؛ لأنَّهمْ كانُوا إذَا
اختلفُوا في واقعةٍ رجعُوا إلى قولِ آحادِ الصَّحابةِ، ولمْ يُنْكِرْ
بعضُهُمْ على بعضٍ، ولهذَا أوْجَبْنَا العَمَلَ بالآحادِ؛
فإنَّهُمْ رجعُوا إلى
الغُسْلِ منَ الوطءِ منْ غيرِ إنزالٍ بقوْلِ عائشةَ، وفي توريثِ الجَدَّةِ
بقولِ المُغِيرَةِ، ومحمَّدِ بنِ مَسْلَمةَ. وغيرِ ذلكَ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (باب) يُذكرُ فيهِ الكلامُ علَى الإِخبارِ، وهكذا يُوجدُ في بعضِ النُّسَخِ، وأكثرُ النُّسخِ علَى سُقوطِ البابِ والاكتفاءِ بقولِهِ:
(1) (وَأمَّا الأخبارُ) بفتحِ الهمزةِ؛ فهيَ جمْعُ خبرٍ، فيذكُرُ تعريفَ الخبرِ أوَّلاً، ثمَّ أقسَامَهُ.
(فَالخَبَرُ: مَا يدخُلُهُ الصِّدقُ والكذبُ)
بمعنَى أنَّهُ محتمِلٌ لَهمَا، لا أنَّهمُا يَدخُلانِهِ جَميعًا،
واحتِمالُهُ لهُمَا بالنَّظرِ إلَى ذاتهِ؛ أي: من حيثُ إنَّهُ خبرٌ.
كقَولِكَ: قامَ زيدٌ؛ فالصِّدقُ مُطابَقتُهُ للوَاقِعِ، والكَذِبُ عدمُ مُطابَقتِهِ للواقِعِ.
وقدْ يُقطَعُ بصدقِ الخبرِ أو بكذبِهِ لأمْرٍ خارجيٍّ.
فالأوَّلُ:
(كَخبَرِ اللَّهِ تعالَى وخبَرِ رسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
والثَّاني:
(كقولكَ الضِّدَّانِ يَجتمِعانِ)؛ لاستِحالةِ ذلك عقلاً؛ فلا يُخرِجُهُ القَطعُ بصدقِهِ أو كَذِبِهِ عن كونهِ خبرًا.
(2) (والخبرُ ينقسِمُ إلَى قسمَينِ: آحادٍ ومتَواتِرٍ).
(فالمُتَوَاتِرُ) هوَ (مَا يُوجبُ العلمَ، وهوَ أن يَرويَ جَمَاعةٌ لا يقعُ التَّواطُؤُ علَى الكَذبِ من مِثْلِهمْ) وهكذا (إلَى أنْ ينتهيَ إلَى المُخبَرِ عنهُ، ويكونُ في الأصلِ عن مشاهَدةٍ أو سمَاعٍ لا عنِ اجْتِهَادٍ)
كَالإِخبارِ عن مُشاهدَةِ مكَّةَ، أو(سماعِ خبرِ اللَّهِ تعالَى منَ
النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).بخِلافِ الإِخبارِ عنْ أمرٍ
مُجتَهَدٍ فيهِ؛ (كإِخبارِ الفلاسفةِ بقِدَمِ العالَم).
(3) (والآحَادُ): هوَ ممَّا لمْ يَبلُغْ إلَى حدِّ التَّواتُرِ، (وهو الَّذي يُوجبُ العملَ) بمُقْتَضَاهُ، (ولا يُوجِبُ العِلْمَ) لاحْتِمَالِ الخَطأِ فيهِ، ولَو بالسَّهوِّ والنِّسيَانِ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (1)
اعْلَمْ أَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الأُصُولِيِّينَ بِإيرَادِ مَبَاحِثَ مِنْ
عُلُومِ الحَدِيثِ فِي أُصُولِ الفِقْهِ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ الكِتَابَ
وَالسُّنَّةَ هُمَا مَدَارُ البَحْثِ فِي عِلْمِ الأُصُولِ، وَلَمَّا كانَ
القرآنُ لا يَحْتَاجُ إلَى نظرٍ فِي سندِهِ؛ لأنَّهُ ثابتٌ ثُبُوتًا
قَطْعِيًّا بالنقلِ المتواترِ لَفْظًا ومعنًى، صارَ البحثُ مُقْتَصِرًا
علَى النظرِ فِي دلالةِ النصِّ علَى الحُكْمِ.
أمَّا السُّنَّةُ فإنَّ المُسْتَدِلَّ بها يَحْتَاجُ إلَى نَظَرَيْنِ:
- نَظَرٍ فِي ثُبُوتِهَا.
- ونظرٍ فِي دلالةِ النصِّ علَى الحُكْمِ.
لِذَا أَوْرَدَ الأُصُولِيُّونَ هذهِ الشَّذَرَاتِ منْ علومِ الحديثِ.
والأخبارُ: جَمْعُ خَبَرٍ، وهوَ: ما يَدْخُلُهُ الصدقُ والكذبُ، أيْ: يَحْتَمِلُ الصدقَ والكذبَ.
لكنْ أُورِدَ علَى هذا التعريفِ أنَّ مِن الأخبارِ ما لا يَدْخُلُهُ الكَذِبُ.
- ومنها
ما لا يَدْخُلُهُ الصدقُ، فإذا زِيدَ علَى التعريفِ كلمةُ (لِذَاتِهِ)
زالَ هذا الإيرادُ؛ إذْ يَخْرُجُ بهذا القيدِ الخبرُ الذي لا يَحْتَمِلُ
الصدقَ أوْ لا يَحْتَمِلُ الكذبَ باعتبارِ المُخْبِرِ بهِ.
فالأَوَّلُ:
كخبرِ مُدَّعِي الرسالةِ بعدَ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والثاني:
كَخَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى وخبرِ رسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثابتِ عنه.
فإذا قالَ إنسانٌ: (قَدِمَ
أَخوكَ) فهذا خبرٌ يَحْتَمِلُ الصدقَ والكذبَ لذاتِ الخبرِ، فإنْ طَابَقَ
الواقعَ فهوَ صدقٌ، وإنْ خَالَفَهُ فهوَ كذبٌ.
وذلكَ إمَّا علَى السواءِ إنْ كانَ القائلُ مجهولَ الحالِ.
- أوْ معَ رُجْحَانِ الصدقِ إنْ كانَ المُخْبِرُ عَدْلاً.
- أو الكذبِ إنْ كانَ فَاسِقًا.
والخبرُ باعتبارِ وُصُولِهِ إِلَيْنَا قِسْمَانِ:
1 - آحَادٌ.
2 - مُتَوَاتِرٌ.
وبَدَأَ المُصَنِّفُ بالمتواترِ لطولِ الكلامِ علَى الآحادِ، ولاعتبارِهِ فِي معنَى الآحادِ نَفْيَ مَعْنَى المُتَوَاتِرِ.
فالمتواتِرُ لغةً: اسمُ فاعلٍ مُشْتَقٌّ من التَّوَاتُرِ، أي: التَّتَابُعِ، أوْ معَ فَتَرَاتٍ.
قالَ الجوهريُّ فِي (الصِّحَاح)ِ (2/843):
(والمُوَاتَرَةُ: المُتَابَعَةُ، ولا تكونُ المواتَرةُ بينَ الأشياءِ إلا
إذا وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا فترةٌ، وإلا فهيَ مُداركةٌ ومُواصلةٌ).
واصْطَلاحًا: أنْ يَرْوِيَ جماعةٌ لا يَقَعُ التواطؤُ علَى الكذبِ منْ مِثْلِهِم إلَى أنْ يَنْتَهِيَ إلَى المُخْبَرِ عنهُ.
هذا تعريفُ المُصَنِّفِ،
وهوَ تعريفٌ يَحْتَاجُ إلَى تقديرٍ؛ لأنَّ المُتَوَاتِرَ ليسَ هوَ روايَةَ
الجماعةِ، بلْ ما يَرْوِيهِ جماعةٌ، فَيُقَدَّرُ: حالُ المتواترِ أنْ
يَرْوِيَهُ جماعةٌ.
ولوْ قالَ: ما رَوَاهُ جماعةٌ لكانَ أَحْسَنَ.
ومنْ هذا التعريفِ وما بَعْدَهُ يَتَبَيَّنُ أنَّ شروطَ المتواترِ أربعةٌ:
1 - أنْ يَرْوِيَهُ جماعةٌ.
وقد اخْتَلَفَ العلماءُ
فِي العددِ المطلوبِ علَى أقوالٍ كثيرةٍ، كُلُّهَا ضعيفةٌ لِتَكَافُئِهَا
فِي الدعوَى؛ ولأنَّ أَدِلَّتَهَا لا تَعَلُّقَ لشيءٍ منها بالأخبارِ.
والصحيحُ ما قَالَهُ شيخُ
الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَنَسَبَهُ إلَى الأكثرينَ منْ
أنَّ التواترَ ليسَ لهُ عددٌ محصورٌ، بلْ قدْ يَحْصُلُ بكثرةِ
المُخْبِرِينَ، وقدْ يَحْصُلُ بِصِفَاتِهِم لضَبْطِهِم ودِينِهِم، وقدْ
يَحْصُلُ بقرائِنَ تَحْتَفُّ بالخبرِ يَحْصُلُ بمجموعِهَا العلمُ. (18/148).
2 - أنْ تُحِيلَ العادةُ تَوَاطُؤَهُم علَى الكذبِ.
3 - أنْ يَسْتَوِيَ جَمِيعُ طَبَقَاتِ السَّنَدِ بالشَّرْطَيْنِ السَّابِقَيْنِ إلَى أنْ يَنْتَهِيَ إلَى المُخْبَرِ عنهُ.
4 - أنْ
يكونَ مُسْتَنَدُ خَبَرِهِم عنْ مشاهدةٍ أوْ سماعٍ، لا عن اجتهادٍ؛ لأنَّ
الاجتهادَ يُمْكِنُ فيهِ الغلطُ، لكنْ مَنْ أَخْبَرَ عنْ وجودِ مَكَّةَ
إِخْبَارًا عنْ مشاهدةٍ لم يَجُزْ عليهِ الغلطُ.
وَذَكَرَ المُؤَلِّفُ أنَّ المتواترَ يُفِيدُ العلمَ، وهلْ هوَ العلمُ الضروريُّ أو النظريُّ؟
قولانِ:
أَرْجَحُهُمَا:
أنَّ المتواترَ يُفِيدُ
العلمَ الضروريَّ، أي: اليَقِينِيَّ الذي يَضْطَرُّ الإنسانُ إلَى التصديقِ
بهِ تَصْدِيقًا جَازِمًا، كوجودِ الأَئِمَّةِ الأربعةِ، ووجودِ مَكَّةَ
وَدِمَشْقَ مَثَلاً بالنسبةِ لِمَنْ لم يَرَهُمَا، ولوْ أرادَ التَّخَلُّصَ
من العلمِ بذلكَ لم يَقْدِرْ.
وقدْ نَسَبَ الشَّوْكَانِيُّ فِي (الإرشادِ) ص 46 هذا القولَ إلَى الجمهورِ، وقالَ:(إنَّهُ الحقُّ).
وكما يُفِيدُ المتواترُ العلمَ يُفِيدُ العملَ بما دَلَّ عليهِ ، بِتَصْدِيقِهِ إنْ كانَ خبرًا، وتَطْبِيقِهِ إنْ كانَ طَلَبًا.
ومثالُ المتواترِ:
عنْ أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)).
قالَ المُنْذِرِيُّ: (وهذا
الحديثُ قدْ رُوِيَ عنْ غيرِ ما واحدٍ من الصحابةِ فِي الصِّحَاحِ
والسُّنَنِ والمسانيدِ وغيرِهِمَا حتَّى بَلَغَ مَبْلَغَ التواترِ،
واللَّهُ أَعْلَمُ) (الترغيب والترهيب) 1/111).
(2) هذا هوَ النوعُ الثاني منْ أنواعِ الخبرِ باعتبارِ وصولِهِ إِلَيْنَا وهوَ الآحادُ.
والآحادُ لُغَةً:
جَمْعُ أَحَدٍ، (كأَجَلٍ) و(آجالٍ بِمَعْنًى واحدٍ)، وَهَمْزَتُهُ
مُبْدَلَةٌ منْ واوٍ، فَأَصْلُهَا: وَحَدَ، وخَبَرُ الآحادِ ما يَرْوِيهِ
الواحدُ.
واصطلاحًا: ما
لم يَتَوَاتَرْ، أيْ: لم تَبْلُغْ نَقَلَتُهُ مبلغَ الخبرِ المتواترِ،
سواءٌ كانَ المخبِرُ بهِ واحدًا، أو اثنينِ، أوْ أربعةً، أوْ خمسةً، أوْ
غيرَ ذلكَ من الأعدادِ التي لا تُشْعِرُ بأنَّ الخبرَ دَخَلَ فِي حدِّ
التواترِ.
(3) وقولُهُ: (يُوجِبُ العَمَلَ)
أيْ: يَجِبُ العملُ بما تَضَمَّنَهُ خبرُ الآحادِ، بِتَصْدِيقِهِ إنْ كانَ
خَبَرًا، وتَطْبِيقِهِ إنْ كانَ طَلَبًا، بشرطِ صِحَّتِهِ عنْ رسولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا فرقَ فِي ذلكَ بينَ
الأحكامِ والعقائدِ علَى القولِ الصحيحِ، لعمومِ الأدلَّةِ فِي وجوبِ
العملِ بخبرِ الواحد.
ومنْ ذلكَ حديثُ ابنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: ((بَيْنَمَا
النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَ هُمْ آتٍ فَقَالَ:
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ
عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ،
فَاسْتَقْبَلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُم إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَدَارُوا
إِلَى الْكَعْبَةِ)).
فهذا دليلٌ ظاهرٌ فِي
العملِ بخبرِ الواحدِ؛ فإنَّ الصحابةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم تَحَوَّلُوا
عنْ بيتِ المقدسِ إلَى الكعبةِ بخبرِ الواحدِ فَصَدَّقُوا خبرَهُ وعَمِلُوا
بهِ.
ومن الأدلَّةِ أيضًا:
أنَّ النبيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَبْعَثُ الآحادَ إلَى النواحِي والقبائلِ
لِتَبْلِيغِ الأحكامِ الشرعيَّةِ، فَلَوْلا أنَّهُ يَجِبُ العملُ بخبرِهِم
لمْ يكنْ لِبَعْثِهِم فائدةٌ.
- يقولُ النَّوَوِيُّ فِي شرحِ مسلمٍ (1/177):
(وقدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ النصوصِ الشرعيَّةِ والحُجَجُ العقليَّةُ علَى
وجوبِ العملِ بخبرِ الواحدِ، وقدْ قَرَّرَ العلماءُ فِي كُتُبِ الفقهِ
والأصولِ ذلكَ بِدَلائِلِهِ، وَأَبْلَغُوهُ أَبْلَغَ إِيضَاحٍ، وَصَنَّفَ
جماعاتٌ منْ أهلِ الحديثِ وغيرِهِم مُصَنَّفَاتٍ مُسْتَكْثَرَاتٍ فِي خبرِ
الواحدِ ووجوبِ العملِ بهِ، واللَّهُ أَعْلَمُ).
- وقالَ أيضًا (1/246):
(فالذي عليهِ جماهيرُ المسلمينَ من الصحابةِ والتابعينَ فمَنْ بَعْدَهُم
من المُحَدِّثِينَ والفقهاءِ وأصحابِ الأصولِ أنَّ خبرَ الواحدِ الثِّقَةِ
حُجَّةٌ منْ حُجَجِ الشرعِ، يَلْزَمُ العملُ بها، ويُفِيدُ الظنَّ ولا
يُفِيدُ العلمَ، وأنَّ وجوبَ العملِ بهِ عَرَفْنَاهُ بالشرعِ، لا بالعقلِ).
(4) وقولُ المُصَنِّفِ: (وَلا يُوجِبُ العِلْمَ)
هذا قولُ الجمهورِ أنَّ الآحادَ لا تُفِيدُ العلمَ، بلْ تُفِيدُ الظنَّ،
وهوَ رُجْحَانُ صِحَّةِ نِسْبَتِهَا إلَى مَنْ نُقِلَتْ عنهُ، وَيَخْتَلِفُ
هذا باختلافِ رُتْبَتِهَا، فالصحيحُ لِذَاتِهِ ليسَ كالحَسَنِ لِغَيْرِهِ،
وهكذا.
وذلكَ بأنَّهُ لوْ أَفَادَ
خبرُ كلِّ واحدٍ العلمَ لِصَدَّقْنَا كلَّ خبرٍ نَسْمَعُهُ، ونحنُ لا
نُصَدِّقُ كلَّ خبرٍ نَسْمَعُهُ، فَدَلَّ علَى أنَّهُ لا يُفِيدُ العلمَ؛
ولأنَّ أَعْدَلَ رواةِ الآحادِ يَجُوزُ فِي حَقِّهِ الكذبُ والغلطُ،
فالقطعُ بصدقِهِ معَ تجويزِ الكذبِ والغلطِ عليهِ لا مَعْنَى لهُ.
- وهناكَ قولٌ آخرُ:
وهوَ أنَّ أخبارَ الآحادِ تُفِيدُ العلمَ، وهوَ مذهبُ الظاهريَّةِ، وقدْ نَصَرَهُ ابنُ حَزْمٍ فِي (إحكامِهِ) (1/107) وهوَ قولُ جماعةٍ منْ أهلِ الحديثِ، ولهم أدلَّةٌ ذَكَرَهَا ابنُ القَيِّمِ فِي (الصواعقِ).
والمختارُ أنَّ أخبارَ الآحادِ تُفِيدُ الظنَّ، وَرُبَّمَا أَفَادَت العلمَ بالقرائن.
مثلَ: أنْ تَتَلَقَّاهُ الأُمَّةُ بالقبولِ تَصْدِيقًا لهُ وَعَمَلاً بهِ.
ومثلَ: كونِهِ مَرْوِيًّا فِي الصحيحَيْنِ، ونحوَ ذلكَ، واللَّهُ أَعْلَمُ).
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
القارئ: (قال (إمام الحرمين أبو المعالي الجويني) -رحمه الله تعالى-: (و
أما الأخبار فالخبر: ما يدخله الصدق والكذب، وهو ينقسم إلى آحاد ومتواتر،
فالمتواتر: ما يوجب العلم، وهو أن يروي جماعة لا يقع التواطؤ على الكذب من
مثلهم إلى أن ينتهي إلى المخبر عنه، ويكون في الأصل عن مشاهدة أو سماع، لا
عن اجتهاد وأخبار).
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (هذا الباب يتعلق بالأخبار.
-
والخبر في اللغة هو: النبأ، هو جمع خبر، مأخوذٌ من الخَبار وهي الأرض
الرَّخْوة لأن الخبر يثير الفائدة، كما أن الأرض الخبار تثير الغُبار إذا
قرعها الحافر ونحوه.
- والخبر: نوع مخصوص من القول، وقسم من أقسام الكلام، وقد يُستعمل في غير القول، كما قيل:
.................. = تخـبـرك الـعـيـنـان مـا الـقلـب كاتـم
والخبر هنا
المراد به هنا: ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل
أو تقرير، هذا عند المحدثين أن الخبر يُطلق على ما أضيف إلى النبي - صلى
الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير، وبعضهم يزيد: أو وصف خَلقي أو
خُلقي.
- وتعريف
الخبر من حيث هو: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته، وسبق في أول الكتاب الكلام
على شيء من ذلك، فاحتماله الصدق والكذب من حيث كونه خبراً، وقد يقطع بصدق
الخبر أو كذبه لأمر خارجي.
- فالذي نقطع بصدقه أخبار الله جل وعلا، وأخبار رسوله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة.
- ومن الأخبار ما يُقطع بكذبه، كما علم خلافه بالضرورة، مثل: ما لو قال قائل: (النار باردة)، هذا خبر مقطوع بكذبه.
- وكذلك ما علم خلافه بالاستدلال مثل قول الفلاسفة: (العالَم قديم).
وهذا معنى هذه الزيادة، (الخبر ما احتمل الصدق والكذب لذاته) يعني لذات كونه خبراً، بغض النظر عن قائله.
- والخبر:
الذي لا نقطع بصدقه ولا بكذبه، مثل: (ما ظُن صدقه كخبر العدل)، (وما ظُن
كذبه كخبر الفاسق)، وما شُك فيه كخبر مجهول الحال، فإنه يحتمل هذا ويحتمل
هذا.
وبهذا نعرف أن الخبر من حيث وصفه بالصدق والكذب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
- خبر مقطوع بصدقه:
(كالخبر الذي بلغ حدّ التواتر) و(كخبر الله جل وعلا)، و(كخبر رسوله - صلى
الله عليه وسلم - الثابت عنه)، والخبر المعلوم صدقه بالاستدلال، كقول أهل
الحق: (العالم حادث).
- وخبر يُقطع بكذبه: (كالأخبار التي يُعلم خلافها بالضرورة، أو بالاستدلال). وخبر يحتمل الصدق والكذب،
وهذا الخبر له تقسيمات : منها تقسيمه إلى:
- متواتر وآحاد، فالخبر: ينقسم باعتبار طريقه الموصلة إلى المُخبر به إلى قسمين: متواتر وآحاد.
المتواتر: هو في اللغة: المتتابع.
وفي الاصطلاح: ما رواه جماعة كثيرون تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، عن جماعة كذلك إلى أن ينتهي إلى محسوس.
ويشترط في التواتر:
أولا : كثرة رواته.
ثانيا: أن تُحيل العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب.
ثالثاً: أن تستوي جميع طبقات السند بالشرطين السابقين إلى أن يتصل بالمخبر به.
الرابع: أن يكون علمهم بذلك حصل عن مشاهدة أو سماع.
وهذا الخبر المتواتر ينقسم إلى قسمين:
1- متواتر لفظي
2- ومتواتر معنوي.
فالمتواتر اللفظي: ما اشترك رواته في لفظ معين، مثل حديث: ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))، فإن هذا الحديث قد اتفق الرواة على روايته على هذه الصيغة: ((من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).
- وكذلك مثل حديث: ((المرء مع من أحب)).
الثاني: متواتر معنوي:
وهو ما اختلف الرواة في ألفاظه، مع اتفاقهم على معناه، مثل: (أحاديث
الحوض)، و(أحاديث المسح على الخفين)، وما أشبه ذلك، فهذه الأحاديث رُويت
بألفاظ مختلفة، لكنها متفقه من حيث المعنى، فإذا كان الحديث على هذا الشكل
فإنه يُقال إنه متواتر تواتراً معنوياً.
ولا شك أن المتواتر المعنوي أكثر بكثير من المتواتر اللفظي.
- وهذا
الخبر المتواتر يفيدنا علماً ضروريّاً يضطر الإنسان إليه بحيث لا يمكنه
دفعه، هذا هو الصحيح؛ أن الخبر المتواتر: يفيد العلم اليقيني.
- وقال بعضهم إنه يُفيد العلم الظني.
هذا قسم من أقسام الخبر:
القسم الثاني: الآحاد.
والآحاد: سُمي بذلك لأن طرقه محصورة يستطيع الإنسان أن يتتبعها واحداً بعد واحد، وهذا وجه تسميته بهذا الاسم.
وهو: ما فقد شرطاً فأكثر من شروط التواتر السابقة، فإنه يُسمى آحاداً،
فيقولون: الآحاد ما سوى المتواتر.
وهو ينقسم إلى أقسام: من هذه الأقسام أنه: قد يكون صحيحا، وقد يكون حسنا. وقد يكون ضعيفاً.
- وأيضاً تقسيم آخر من حيث كثرة الرواة وقلة الرواة، ينقسم إلى ثلاثة أقسام: مشهور وعزيز وغريب.
فالمشهور:
ما قصُر في عدد رواته عن درجة التواتر ولم ينزل في طبقة من طبقاته عن ثلاثة.
مثل حديث: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)).
والعزيز: وهذا هو الثاني:
ما نزل سنده ولو في بعض الطبقات إلى اثنين.
كحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)).
والغريب - وهو الثالث:
ما نزل سنده ولو في بعض الطبقات إلى واحد.
لكن بالنسبة للتواتر، سبق أن تعريفه: ما رواه جماعة هل هم محصورون بعدد؟ اختلفوا في هذا على أقوال كثيرة:
فمنهم من يقول: المتواتر ما رواه أربعة.
- وقيل: ما رواه خمسة.
- وقيل: عشرة.
- وقيل: عشرون.
- وقيل: خمسون.
- وقيل: سبعون.
- وقيل: ما رواه أكثر من هذا بكثير.
- بعضهم قال: أقوالاً غريبة، أنه يُشترط في الخبر حتى يكون متواتراً، أن يرويه أكثر من ألف رجل.
- بعضهم: أرجعه إلى عدد من شهد بدراً.
- وبعضهم: أرجعه إلى عدد من شهد بيعة الرضوان.
كلها أقوال ليس عليها
دليل، والصحيح أن التواتر ليس لرواته عدد معين، بل قد يكون العدد قليلاً
ومع ذلك يصدق عليه التواتر وذلك لكون من يرويه من العدالة بمكان والثقة،
والضبط،وقد يرويه جمع كثير ويكون متواتراً بسبب ذلك.
- منهم من قال: لا بد أن يرويه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، على عدد أصحاب بدر.
- وقيل: يحصل بألف وخمسمئة على عدد أهل بيعة الرضوان.
- وبعضهم يقول: لا بد أن يرويه سبعون رجلاً.
ويستدل بقوله جل وعلا: {واختار موسى قومه سبعين رجلاً}.
- وبعضهم يقول: يرويه اثنا عشر رجلاً، ويأخذون هذا من قوله: {وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً}.
- ومنهم من يقول: أربعة ، لأنهم أكثر نصاب الشهادة
- وقيل: بخمسة.
- وقيل: بعشرة.
- وقيل: بعشرين.
- وقيل: بأربعين.
إلى غير ذلك، وليس على هذه الأقوال دليل واضح، ويعتبر نصّاً في هذا الموضوع، لكن خبر الآحاد هل حصل التعبد به أو لا؟
التعبد بأخبار الآحاد هذا
جائز عقلاً، وقد قام الدليل عليه سمعاً، دل على هذا إجماع الصحابة -رضي
الله عنهم- على قبول أخبار الآحاد، فقد اشتهر عنهم الرجوع إليها في وقائع
لا تنحصر: كما في إرث الجدة السدس، ودية الجنين، وتوريث المرأة من دية
زوجها، وتحوُّلِ أهل قباء إلى القبلة في صلاتهم مع أنه أخبرهم رجل واحد.
- وكذلك أخذ الجزية من المجوس كأهل الكتاب، وعامة أفعاله -عليه الصلاة والسلام - في بيته.
- ومن الأدلة قوله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا أن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}
- وقوله سبحانه: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة}.
-
وكذلك تواتر عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه كان يبعث الآحاد في
النواحي لتبليغ الأحكام مع العلم بتكليف المبعوث إليهم بذلك.
وانعقد الإجماع على
قبول قول المفتي في ما يُخبر به عن ظنه، فما يُخبر به عن السماع الذي لا
شك فيه أولى، فالذين لا يقبلون أخبار الآحاد ويشترطون التواتر هذا قول
مردود.
- وكذلك لا فرق بالنسبة لقبول خبر الآحاد إذا كان صحيحاً، لا فرق بين أن يكون في أصول الدين أو فروعه، الصحيح أنه يُقبل في الجميع.
والمتواتر مقبول قطعاً.
- أما خبر الواحد فيكون صحيحاً، ويكون حسناً.
وكلاهما مقبول، الحسن والصحيح مقبولان.
- ويكون ضعيفاً وهذا مردود بحسب قرائن الصحة، والحسن، أو أسباب الرد، ولكل قسم من هذه الأقسام ضوابطه الخاصة.
فالصحيح لذاته هو: ما اتصل سنده برواية العدل الضابط ضبطاً تامّاً من غير شذوذ ولا علّة، هذه شروط الصحيح لذاته.
أما الصحيح لغيره: ما خفّت فيه شروط الصحيح لذاته وجُبر بكثرة الطرق.أماالحسن لذاته:فهوما خفت فيه شروط الصحيح لذاته، ولم يجبر بكثرة الطرق.
العناصر
الأخبار
سبب ذكر باب الأخبار في أصول الفقه
يحتاج المستدل بالسنة إلى نظرين:
النظر الأول: نظر في ثبوتها
النظر الثاني: نظر في دلالة النص على الحكم
تعريف (الخبر)
تعريف (الخبر) لغةً
تعريف (الخبر) اصطلاحاً
تقسيمات الخبر
أقسام الخبر من حيث وصفه بالصدق والكذب:
القسم الأول: خبر مقطوع بصدقه
أمثلة الخبر الذي يقطع بصدقه القسم الثاني: خبر معلوم صدقه بالاستدلال
أمثلة الخبر الذي يعلم صدقه بالاستدلال
القسم الثالث: خبر يقطع بكذبه
أمثلة الخبر الذي يقطع بكذبه
أقسام الخبر باعتبار وصوله إلينا:
القسم الأول: المتواتر
تعريف المتواتر:
تعريف (المتواتر) لغةً
تعريف (المتواتر) اصطلاحًا
شروط المتواتر:
الشرط الأول: أن يرويه جماعة
مسألة: هل هؤلاء الجماعة محصورون بعدد؟
ذكر الأقوال في عدد الجماعة المشترط
الصحيح أن التواتر ليس لرواته عدد معين، وبيان ذلك
الشرط الثاني: أن تحيل العادة تواطأهم وتوافقهم على الكذب
الشرط الثالث: أن تستوي جميع طبقات السند بالشرطين السابقين إلى أن يتصل بالمخبر به
الشرط الرابع: أن يكون علمهم بذلك حصل عن مشاهدة أو سماع
أقسام الخبر المتواتر:
القسم الأول: متواتر لفظي
تعريف التواتر اللفظي
أمثلة التواتر اللفظي
القسم الثاني: متواتر معنوي
تعريف التواتر المعنوي
أمثلة التواتر المعنوي
ما يفيده الخبر المتواتر:
الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري
القسم الثاني: الآحاد
تعريف (الآحاد)
تعريف (الآحاد) لغةً
تعريف (الآحاد) اصطلاحًا
وجه تسميته بذلك
خبر الآحاد قد يكون صحيحًا، وقد يكون حسنًا، وقد يكون ضعيفًا
أقسام خبر الآحاد من حيث كثرة الرواة وقلتهم:
القسم الأول: المشهور
تعريف (المشهور)
مثال (المشهور)
القسم الثاني: العزيز
تعريف (العزيز)
مثال العزيز
القسم الثالث: الغريب
تعريف (الغريب)
مسألة: التعبد بمقتضى خبر الآحاد؟
التعبد بأخبار الآحاد جائز عقلا، وقد قام الدليل عليه سمعًا، ومن الأدلة:
الدليل الأول: إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على قبول أخبار الآحاد
أمثلة عمل الصحابة بخبر الآحاد:
1 - قبولهم خبر الآحاد في توريث الجدة
2 - قبولهم خبر الآحاد في دية الجنين
3 - قبولهم خبر الآحاد في توريث المرأة من دية زوجها
4 - تحول أهل قباء إلى القبلة في صلاتهم بخبر رجل واحد
5 - أخذهم الجزية من المجوس كأهل الكتاب
الدليل الثاني: قوله جل وعلا: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}
الدليل الثالث: قوله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة}
الدليل الرابع: رسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمصار للتبليغ كانوا آحاداً
الدليل الخامس: الإجماع على قبول قول المفتي في ما يخبر به عن ظنه، فما يخبر به عن السماع الذي لا شك فيه أولى
ما يفيده خبر الآحاد:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: قول الجمهور، أن الآحاد لا تفيد العلم، بل تفيد الظن
القول الثاني: أن أخبار الآحاد تفيد العلم، وهو مذهب الظاهرية
القول الثالث: أن أخبار الآحاد تفيد الظن، وربما أفادت العلم بالقرائن، ومن أمثلة القرائن:
1 - مثل أن تتلقاه الأمة بالقبول تصديقًا له وعملاً به
2 - كونه مرويًّا في الصحيحين
الصحيح أنه لا فرق -بالنسبة لقبول خبر الآحاد الصحيح- بين أن يكون في أصول الدين أو فروعه
أقسام الآحاد من حيث القبول والرد:
القسم الأول: الصحيح لذاته
تعريف الصحيح لذاته
القسم الثاني: الصحيح لغيره
تعريف الصحيح لغيره
القسم الثالث: الحسن لذاته
تعريف الحسن لذاته
القسم الرابع: الحسن لغيره
تعريف الحسن لغيره
القسم الخامس: الضعيف
تعريف الضعيف
أسباب رد الحديث
الأسئلة
س1: بين سبب ذكر باب (الأخبار) في أصول الفقه.
س2: يحتاج المستدل بالسنة إلى نظرين؛ اذكرهما.
س3: عرف (الخبر) لغة واصطلاحاً.
س4: اذكر أقسام الخبر من حيث وصفه بالصدق والكذب.
س5: عرف (المتواتر) لغة واصطلاحاً.
س6: ماذا يفيد الخبر المتواتر؟
س7: عرف (الآحاد) لغة واصطلاحاً.
س8: بين أقسام خبر الآحاد من حيث عدد رواته.
س9: اذكر أمثلة لعمل الصحابة رضي الله عنهم بخبر الآحاد.
س10: اذكر أدلة العمل بأخبار الآحاد.
س11: ماذا يفيد خبر الآحاد؟
س12: بين أقسام الآحاد من حيث القبول والرد.