1 Nov 2008
قول الصحابي
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَقَوْلُ الوَاحِدِ مِن الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى القَوْلِ الجَدِيدِ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (8) (وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِن الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ). وَفِي الْقَدِيمِ حُجَّةٌ؛ لِحَدِيثِ: ((أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ)). وَأُجِيبَ بِضَعْفِهِ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): ( (وقولُ الواحدِ مِن الصحابةِ ليسَ بِحُجَّةٍ في القولِ الجديدِ، وفي القديمِ حُجَّةٌ).
ذِكْرُ الواحدِ مِن
الصحابةِ ليسَ قَيْدًا؛ فإنَّ الخِلافَ في الواحدِ، والاثنيْنِ، والثلاثةِ،
والقَصْدُ في أنَّ الْخِلافَ جارٍ فيما لمْ يُجْمِعُوا عليهِ، وذلكَ إذا
قالَ الواحدُ أو الاثنانِ مِن الصحابةِ قَوْلاً ولمْ يَنْتَشِرْ بحيثُ
يَبْلُغُ الباقينَ، ولمْ يُعْلَمْ لهُ مخالِفٌ، فهلْ هوَ حُجَّةٌ أمْ لا؟
- قالَ في القديمِ: (إنَّهُ حُجَّةٌ يُقَدَّمُ على القياسِ).
- ويُحْكَى هذا عنْ بعضِ أصحابِ أبي حَنيفةَ.
- ومِنْ دليلِ هذا القولِ ما يُرْوَى أنَّهُ عليهِ السلامُ قالَ: ((أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بَأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ)).
- وقالَ: ((اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ)).
- وقال: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)).
- وفي (الصحيحِ): ((خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)).
- والقولُ
الجديدُ، وهوَ الصحيحُ، أنَّهُ ليسَ حُجَّةً؛ أيْ: لا يَجِبُ تقليدُ
الصحابيِّ في قولِهِ، بلْ يَجِبُ على المجتَهِدِ الاجتهادُ في أقوالِهم،
كغيرِهم مِن العلماءِ.
ودليلُ ذلكَ أنَّ قولَ
الصحابِيِّ إذا لمْ يُسْنِدْهُ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ
كانَ اجتهادَ عالِمٍ، يَجوزُ إقرارُهُ على الخطأِ، فلمْ يَجُزْ تقليدُهُ
كغيرِهِ مِن العلماءِ.
- وأمَّا
الأحاديثُ المذكورةُ فإنَّها مَحمولةٌ على اتِّباعِهم في أَصْلِ الدِّينِ،
وما نَقَلُوهُ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وما أَجْمَعوا
عليهِ، أوْ ما قالَهُ بعضُهم وانْتَشَرَ ولمْ يُنْكِرْهُ الباقونَ معَ
عِلْمِهم بهِ.
- وأمَّا قولُ
أحدِهم عن اجتهادِهِ فلا يَجِبُ تقليدُهُ فيهِ، بلْ قَضِيَّةُ الأحاديثِ
المذكورةِ في الأمرِ باتِّبَاعِهم الاجتهادَ في مَواضِعِ الاجتهادِ؛ فإنَّ
جماعةً مِن التابعينَ كالحَسَنِ وسعيدِ بنِ المُسَيِّبِ كانوا يَجتهدونَ في
أيَّامِ الصحابةِ ويُفْتُونَ، وهم لا يُنْكِرونَ عليهم، فعُلِمَ أنَّ مِنْ
سُنَّتِهم تَرْكَ التقليدِ والأخْذَ بالاجتهادِ، ولوْ وَجَبَ تقليدُهم
لأَنْكَروا على مَنْ يَجتَهِدُ في زمانِهم مِن التابعينَ معَ عِلْمِهِ
بأقوالِهم.
- وقالَ
ابنُ بَرْهَانٍ: (الحقُّ الْمُبينُ أنَّ الصحابِيَّ إنْ قالَ قَوْلاً
يُخالِفُ القياسَ كانَ حُجَّةً، وإنْ قالَ قولاً لا يُخالِفُ القياسَ لمْ
يكُنْ حُجَّةً.
- واحتَجَّ
بأنَّ قولَ الصحابيِّ المخالِفِ للقياسِ لا يَجوزُ أنْ يكونَ إلاَّ عنْ
تَوْقِيفٍ مِن الشارعِ صِيانةً للصحابِيِّ عن التَّحَكُّمِ في الدِّينِ).
وهذا القولُ الذي اختارَهُ
مَحْكِيٌّ عنْ بعضِ أصحابِ أبي حَنيفةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، واحْتَجَّ في
ذلكَ بأنَّ أبا حَنيفةَ رضِيَ اللهُ عنهُ قَدَّرَ الجُعْلَ في رَدِّ
الآبِقِ بأربعينَ دِرْهمًا لأثَرٍ عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ في
ذلكَ.
- واحتَجَّ
ابنُ بَرْهَانٍ بأنَّ الشافعيَّ رَضِيَ اللهُ عنهُ غَلَّظَ الدِّيَةَ
بالأسبابِ الثلاثةِ، يعني: الْمَحْرَمِيَّةِ، والحَرَمِ، والأشهُرَ
الْحُرُمِ، بأقْضِيَةِ الصحابةِ.
وهذا القولُ ضعيفٌ مِنْ وجهيْنِ:
أحدُهما:
الاستقراءُ لأقوالِ الصحابةِ؛ فإنَّ المردودَ منها ممَّا لمْ يُوافِق
القياسَ كثيرٌ، مثلُ: قولُ عائشةَ في مسألةِ الْعِينَةِ رَدَّهُ الشافعيُّ،
وقولُ ابنِعمرَ في نَقْضِ الوُضوءِ بلَمْسِ الزوجةِ رَدَّهُ أبوحَنِيفَةَ،
وأمثالُ ذلكَ كثيرٌ لِمَن استَقْرَأَهُ.
والوجهُ الثاني: أنَّ
العُمدةَ في هذا القولِ حَصْرُ مُستَنَدِ قولِ الصحابيِّ في التوقيفِ
والقياسِ، وهذا الحصْرُ ممنوعٌ؛ فإنَّ أبوابَ الاجتهادِ غيرُ القياسِ
يَصِحُّ أنْ يكونَ مسْتَنَدًا، مثلُ: التقديمِ والتأخيرِ والعمومِ
والتخصيصِ ونحوِ ذلكَ.
ويَصِحُّ أنْ يكونَ
مُسْتَنَدُ قولِ الصحابِيِّ ما يَراهُ مُسْتَنَدًا عندَهُ ولا يُوافَقُ
عليهِ، مثلُ: اعتقادِ أبي ذَرٍّ أنَّ التقَلُّلَ مِن الدُّنيا بحيثُ يكونُ
أحدُهم على حَدِّ ما كانَ عليهِ في أيَّامِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ واجبٌ.
وإذا لمْ يَنحصِرْ
مُسْتَنَدُ قولِ الصحابِيِّ في التوقيفِ والقياسِ جازَ مخالفَتُهُ وإنْ
خالَفَ القِياسَ؛ فإنَّهُ صارَ كغيرِهِ مِن العُلماءِ، ولوْ كانَ الحكْمُ
بالأفضلِيَّةِ والعلُوِّ في المنزِلَةِ يُوجِبُ على مَنْ دُونَ المفضَّلِ
تَقليدَ المُفَضَّلِ لَزِمَ أنْ يَجِبَ تقليدُ التابعينَ على مَنْ بعدَهم
لكونِهم مِن القرْنِ الثاني المشهودِ لهُ بالفضيلةِ على مَنْ بعدَهُ،
وكذلكَ كانَ يَجِبُ على أهلِ القرنِ الرابعِ تقليدُ القرْنِ الثالثِ؛ فإنَّ
القرْنَ الثالثَ مَشهودٌ بفَضلِهِ على القرْنِ الرابعِ، ولا قائلَ بذلكَ).
الأنجم الزاهرات للشيخ: محمد بن عثمان المارديني
قال شمس الدين محمد بن عثمان بن علي المارديني (ت: 871هـ): ( (4) وأمَّا قولُ الواحدِ منَ الصَّحابةِ: فـ ليْسَ بحجَّةٍ في الجديدِ؛ لجوازِ الخطأِ عليْهِ.
وذهبَ أبُو حنيفةَ إلى أنَّهُ حُجَّةٌ.
ولهذَا قَدَّرَ جُعْلَ رَدِّ الآبقِ بأَرْبَعينَ دِرْهَمًا لأَثرِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وقدْ قالَ عليهِ السَّلامُ: (أصْحابي كالنُّجومِ، بأيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ) وَهذَا دليلٌ على وجوبِ الأخذِ بقولِ كلِّ واحدٍ منهُمْ.
وبِهِ قالَ الشَّافِعيُّ في القديمِ واللهُ أعلمُ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (11) (وقولُ الواحدِ منَ الصَّحابةِ ليسَ بحُجَّةٍ علَى غيرهِ) منَ الصَّحابةِ اتِّفاقًا، ولا علَى غيرهِ من غيرِ الصَّحابةِ، (علَى القولِ الجديدِ) وفي القديمِ هوَ حُجَّةٌ، وهوَ قولُ مالكٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ؛ لِحَديثِ: ((أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ))، رواهُ ابنُ ماجَه، وذكرُ الواحدِ لا مفْهومَ لهُ؛ فإنَّ الخلافَ جَارٍ فيمَا لمْ يُجمِعُوا عليهِ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: ( (4) (قَوْلُ الصَّحَابِيِّ) من الأَدِلَّةِ المُخْتَلَفِ فِي حُجِّيَّتِهَا.
والمرادُ بهِ: ما
أُثِرَ عنْ أحدٍ منْ أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
منْ قولٍ، أوْ فعلٍ، أوْ تقريرٍ فِي أمرٍ منْ أمورِ الدينِ.
وَالصَّحَابِيُّ: مَنْ صَحِبَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولوْ ساعةً، أوْ رَآهُ مُؤْمِنًا وَمَاتَ علَى ذلكَ.
وقولُ الصحابيِّ إنْ ثَبَتَ لهُ حُكْمُ الرفعِ فهوَ مرفوعٌ حُكْمًا، وهوَ حُجَّةٌ.
وإنْ لم يَثْبُتْ لهُ
حُكْمُ الرفعِ فقدْ أَجْمَعَ العلماءُ علَى أنَّ قولَ الصحابيِّ فِي مسائلِ
الاجتهادِ ليسَ بِحُجَّةٍ علَى صحابيٍّ آخرَ.
ومِمَّنْ نَقَلَ ذلكَ الآمِدِيُّ وابنُ الحَاجِبِ والأَسْنَوِيُّ والفُتُوحِيُّ وغَيْرُهُم.
وأمَّا قولُ الصحابيِّ علَى غيرِهِ كالتابعيِّ ومَنْ بَعْدَهُ مِنْ باقِي المُجْتَهِدِينَ فَفِي حُجِّيَّتِهِ خلافٌ بينَ أهلِ العلمِ:
فالقولُ الأَوَّلُ:
أنَّهُ حُجَّةٌ،
وهوَ مذهبُ الإمامِ مالكٍ والشافعيِّ فِي أحدِ قَوْلَيْهِ، وروايَةٌ عن
الإمامِ أحمدَ رَجَّحَهَا ابنُ القَيِّمِ فِي (أعلامِ الموقعينَ) (4/120).
- ومِنْ أَدِلَّةِ هؤلاءِ قولُهُ تَعَالَى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، قالُوا: هوَ خِطَابٌ معَ الصحابةِ بأنَّ ما يَأْمُرُونَ بهِ معروفٌ، والمعروفُ يَجِبُ القولُ بهِ.
- ومِن
الأدلَّةِ: أنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ الصحابةَ والتابعِينَ لهم
بِإِحْسَانٍ، وإِنَّمَا اسْتَحَقَّ التابعونَ ذلكَ؛ لأنَّهُم اتَّبَعُوهُمْ
فِي كلِّ شيءٍ، سَوَاءٌ منْ حيثُ الرجوعُ إلَى الكتابِ أو السُّنَّةِ، أو
اجْتِهَادُهِم، أو الاقتداءُ بهم؛ لأنَّ الاتِّبَاعَ يَجِبُ حَمْلُهُ علَى
فَرْدِهِ الكاملِ، قالَ تَعَالَى: {وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ
اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسِانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}.
ولأنَّ اجتهادَ الصحابيِّ
أَقْرَبُ إلَى الصوابِ من اجتهادِ غيرِهِ لمشاهدتِهِ الوَحْيَ، وَقُرْبِهِ
من الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كيفَ والظاهرُ منْ حالِهِ
أنْ لا يَقُولَ ما قالَ إلا سَمَاعًا منْ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا سِيَّمَا فِيمَا يُخَالِفُ القِيَاسَ؟ \
القولُ الثاني:
أنَّهُ ليسَ بِحُجَّةٍ. وهوَ
قولُ الشافعيِّ فِي الجديدِ، وروايَةٌ عن الإمامِ أحمدَ، وَاخْتِيَارُ
الغزالِيِّ،والآمِدِيِّ، وابنِ الحاجبِ، والمُصَنِّفِ حيثُ اقْتَصَرَ
عَلَيْهِ. علَى أنَّ ابنَ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ نَفَى نِسْبَةَ هذا
القولِ إلَى الشافعيِّ فِي كلامٍ ماتعٍ تَجِدُهُ فِي (أعلامِ الموقعينَ) (4/120).
وَعَلَّلَ هؤلاءِ بإمكانِ الغلطِ والخطأِ من الصحابةِ، وبأنَّهُ يَجُوزُ عليهم الاختلافُ، ولم تَثْبُتْ عِصْمَتُهُم.
والراجحُ أنَّ قولَ الصحابيِّ حُجَّةٌ بِشَرْطَيْنِ:
1 - ألا يُخَالِفُ نَصًّا.
فإنْ خَالَفَ نَصًّا أُخِذَ بالنصِّ، وَمِثَالُهُ قولُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (إنَّ الجُنُبَ لا يَتَيَمَّمُ). معَ أنَّهُ وَرَدَ فِي تَيَمُّمِ الجُنُبِ حديثُ عَمَّارٍ، ذُكِرَ ذلكَ فِي طرحِ التَّثْرِيبِ (1/103).
2 - ألا يُخَالِفَ قولَ صحابيٍّ آخَرَ.
فإنْ خَالَفَ قولَ صحابيٍّ آخرَ أُخِذَ بالراجحِ منهما، ومثالُهُ:
صيامُ يومِ الثلاثِينَ منْ شعبانَ إذا حالَ دونَ رؤيَةِ الهلالِ غَيْمٌ
ونحوُهُ، فقدْ رُوِيَ عنْ جماعةٍ من الصحابةِ صيامُهُ، ورُوِيَ عنْ آخرِينَ
عَدَمُ صِيَامِهِ، وهوَ الراجحُ لأدلَّةٍ تُعْرَفُ فِي أَوَّلِ كتابِ
الصيامِ.
وقولُهُم: إنَّهُ
غيرُ معصومٍ كغيرِهِ، نقولُ: هذا صحيحٌ، ولكنْ يَتَرَجَّحُ الصحابيُّ
بِحُضُورِ التنزيلِ ومعرفةِ التأويلِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
- ومِنْ أمثلةِ قولِ الصحابيِّ قولُ الراوِي: قالَ عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟)
- ومِنْ أمثلةِ الفعلِ قولُ البخاريِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَأَمَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَيَمِّمٌ). واللَّهُ أَعْلَمُ).
شرح الورقات للشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم (مفرَّغ)
القارئ: (والإجماع
حجة على العصر الثاني وأيّ عصر كان ، ولا يُشترط انقراض العصر على الصحيح،
فإن قلنا انقراض العصر شرط فيعتبر قول من وُلد في حياتهم وتفقه وصار من
أهل الاجتهاد، ولهم أن يرجعوا عن ذلك.والإجماع يصح بقولهم وبفعلهم، وقول
البعض وفعل البعض، وانتشار ذلك وسكوت الباقين عنه، وقول الواحد من الصحابة
ليس بحجة على الجديد، وفي القديم حُجة)
قال الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم القاسم: (قول الصحابي هل هو حجة أو لا؟
ذكر المؤلف هنا أن قول الصحابي ليس بحجة على الجديد من قولي الشافعي، وعلى القديم حُجة.
- وقد اختلف العلماء في قول الصحابي هل هو حجة أو لا؟
على أقوال كثيرة:
- فمن أهل العلم من رأى الاحتجاج بقول الصحابي مطلقاً.
- ومنهم من رأى الاحتجاج بقول من اشتهر من الصحابة بالعلم والفتيا بخلاف غيره.
- ومنهم من خصّ هذا بالخلفاء الأربعة الراشدين-رضي الله عنهم- وما عداهم فلا يُحتج بقوله.
- ومنهم
من خص أبا بكر، وعمر، وعثمان، أما علي رضي الله عن الجميع فلا، لا
تنقُّصاً لعلي، وإنما قالوا إن عليّاً -رضي الله عنه- لما تولى الخلافة
انتقل إلى الكوفة ولم يكن عنده من الصحابة مثلما كان عند من قبله حتى
يُشاورهم فيما يحصل، هذا وجه عدم الاعتداد بقوله عند أصحاب هذا القول.
- ومنهم من حَصَر هذا بقول أبي بكر وعمر.
- ولقوله -عليه الصلاة والسلام- ((اقتدوا باللذين من بعدي)).
-
ومن احتج بقول الأئمة الأربعة، الخلفاء الأربعة فقط، فإنه يستدل بحديث
العِرْباض بن سارية-رضي الله عنه- وهو الحديث الثامن والعشرون من (الأربعين
النووية)، قال: وعظنا -رسول الله صلى الله عليه وسلم- موعظة وَجِلت منها
القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله: كأنها موعظة مودّع فأوصنا،
قال: ((أوصيكم بتقوى عز وجل، والسمع والطاعة، وإن
تأمّر عليكم عبدٌ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنتي
وسنة الخلفاء الراشدين -هذا هو الشاهد- وسنة الخلفاء الراشدين المهديين،
تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإيّاكم ومُحدثات الأمور، فإن كل بدعة
ضلالة))، رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
- وللإمام العلائي
مؤلف مطبوع اسمه: (إجمال الإصابة في أقوال الصحابة)، رجَّح فيه أن قول
الصحابي من حيث الجُملة حُجة وأصل صحيح من أصول الفقه، ومُحققه تعقبه في
هذا و ذهب إلى ما ذهب إليه كبار عُلماء الأصول الذين يرون أن قول الصحابي
ليس بحُجة، ولكن يجب الأخذ منها فقط بأقوال الأئمة الخلفاء الراشدين
وأفعالهم، التي حصل بها سُنة للمسلمين وجَرَوْا عليها في حياتهم لإمامتهم،
هذا قول جماعة من علماء الأصول.
- ولا
شك أن اعتبار قول الصحابي من غير الخلفاء كأنه نص من الكتاب، والسنة تُبنى
عليه الأحكام، لا شك أن هذا محل نظر، ولا سيما إذا لم يشتهر لأن من أهل
العلم من يري أن قول الصحابي قد يشتهر ولا يخالفه أحد فتكون حجته أقوى، وقد
لا يشتهر هذا القول فتكون حجته أضعف، ولكنه يُرجح بقول الصحابي أحد
القولين أو أحد القياسين، على كل حال، لكن هل يُحتج به كأنه نص من الكتاب
والسنة؟
لا شك أن هذا محل نظر بالنسبة لغير الخلفاء، وهذا إذا لم يُخالفه غيره، أما إذا خالفه غيره فلا يُحتج بقول صحابي على صحابي، وهذا في الأحكام التكليفية.
- أما
الأشياء التي يقولها الصحابي ولا مدخل للرأي فيها فإنها تُعطى حكم الرفع،
واشترطوا في هذا شروطاً، وأطالوا فيه الكلام، لكن من أراد التوسع في
الموضوع فليرجع إلى كتاب العلائي هذا، وإلى كتاب أيضاً مطبوع في المسألة
وهو كتاب قد خدم هذا الموضوع خدمة جليلة وهو كتاب: (الصحابي وموقف العلماء
من الاحتجاج بقوله)، للشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الدرويش).
العناصر
قول الصحابي:
المراد بقول الصحابي
تعريف الصحابي
من أمثلة قول الصحابي: قول علي: (حدثوا الناس بما يعرفون...)
من أمثلة فعل الصحابي: قول البخاري: (وأمَّ ابن عباس وهو متيمم)
مسألة: الخلاف في حجية قول الصحابي
تحرير محل النزاع في المسألة
الاتفاق على أن قول الصحابي إذا خالفه قول صحابي آخر فلا يحتج به عليه
الاتفاق على أن قول الصحابي إن ثبت له حكم الرفع فهو مرفوع حكمًا
الخلاف في حجية قول الصحابي على من بعده
القول الأول: أنه حجة، وهو مذهب مالك والشافعي في أحد قوليه، ورواية عن أحمد
من أدلة أصحاب القول الأول:
1 - قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف...) فالصحابة لا يأمرون إلا بالمعروف
2 - حديث: (أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم)
3 - حديث: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر)
4- أن التابعين إنما سموا تابعين لاتباعهم الصحابة
5 - أن اجتهاد الصحابي أقرب إلى الصواب من اجتهاد غيره
القول الثاني: أنه ليس بحجة، وهو رواية عن أحمد
حجة أصحاب القول الثاني: إمكان الغلط والخطأ من الصحابة
القول الثالث: يحتج بقول أهل العلم والفتيا من الصحابة دون غيرهم
القول الرابع: يحتج بأقوال الخلفاء الأربعة الراشدين دون غيرهم
استدل أصحاب هذا القول: بحديث العرباض بن سارية، وفيه: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين...)
القول الخامس: يحتج بأقوال الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان فقط
دليلهم: أن عليًّا انتقل إلى الكوفة ولم يكن عنده من الصحابة مثل ما كان عند من قبله
القول السادس: يحتج بقول أبي بكر وعمر فقط
استدل أصحاب هذا القول بحديث: (اقتدوا باللذين من بعدي...)
الراجح أن قول الصحابي حجة بشرطين:
الشرط الأول: ألا يخالف نصًّا
مثال مخالفة قول الصحابي للنص: قول عمر: (إن الجنب لا يتيمم) مع ورود النص في تيمم الجنب
الشرط الثاني: ألا يخالف قول صحابي آخر، فإن خالف رجح بينهما
مثال الخلاف بين الصحابة: الخلاف في صيام يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم
المؤلفات في أقوال الصحابة
الأسئلة
س8: ما المراد بالصحابي ومثل لقوله وفعله؟
س9: بين الخلاف في حجية قول الصحابي مبيناً الراجح في ذلك.