1 Nov 2008
شروط الإجماع
قال إمام الحرمين: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (ت ٤٧٨هـ) : (وَلاَ يُشْتَرَطُ: انْقِرَاضُ العَصْرِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ قُلْنَا: انْقِرَاضُ العَصْرِ شَرْطٌ، يُعْتَبَرُ قَوْلُ مَنْ وُلِدَ في حَيَاتِهِمْ وَتَفَقَّهَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الاجْتِهَادِ، وَلَهُم أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ ذَلِكَ الحُكْمِ).
شرح الورقات للعلامة: جلال الدين محمد بن أحمد المحلي
قال جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (ت ٨٦٤هـ): ( (6) (وَلاَ يُشْتَرَطُ) فِي حُجِّيَّتِهِ (انْقِرَاضُ الْعَصْرِ) بِأَنْ يَمُوتَ أَهْلُهُ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِسُكُوتِ أَدِلَّةِ الْحُجِّيَّةِ عَنْهُ.
- وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَطْرَأَ لِبَعْضِهِمْ مَا يُخْالِفُ اجْتِهَادَهُ فَيَرْجِعَ عَنْهُ.
- وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ؛ لإِجْمَاعِهِمْ عَلَيْهِ. (فَإِنْ قُلْنَا: انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطٌ فَيُعْتَبَرُ) فِي انْعِقَادِ الإِجْمَاعِ (قَوْلُ مَنْ وُلِدَ فِي حَيَاتِهِمْ وَتَفَقَّهَ وَصَارَ مِنْ أَهْلِ الاجْتِهَادِ، وَلَهُمْ) عَلَى هَذَا القَوْلِ (أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ ذَلِكَ) الْحُكْمِ الَّذِي أَدَّى اجْتِهَادُهُمْ إِلَيْهِ).
شرح الورقات لابن الفركاح الشافعي
قال تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري ابن الفركاح الشافعي (ت: 690هـ): (قولُهُ: (فإنْ قُلنا: انْقِرَاضُ العصْرِ شَرْطٌ، يُعْتَبَرُ قولُ مَنْ وُلِدَ في حياتِهم وتَفَقَّهَ وصارَ مِنْ أهلِ الاجتهادِ).
يعني: أنَّ
العُلماءَ إذا أَجْمَعوا على حُكْمٍ، ولَحِقَهم مَنْ بَعْدَهم مَنْ صارَ
في رُتبةِ الاجتهادِ، كانَ وِفَاقُهُ لهم على ذلكَ القولِ مُعْتَبَرًا في
انعقادِ الإِجماعِ على قولِنا: يُعْتَبَرُ انقراضُ العصْرِ.
- ومِنْ
فروعِ هذا القولِ أيضًا: أنَّ المُجْمِعِينَ أوَّلاً يَجوزُ لهم الرجوعُ
عنْ قولِهم الأوَّلِ؛ فإنَّهُ لمْ يَصِرْ بعدُ حُجَّةً.
وعلى قولِنا: لا
يُعْتَبَرُ انقراضُ العصرِ، يَلْزَمُ ضِدُّ هذيْنِ الْحُكميْنِ، فلا يَجوزُ
للمُجمعِينَ الرجوعُ، بلْ لا يَجوزُ عليهم ذلكَ كما بَيَّنَّا، ولا
يَقدَحُ في قولِهم مُخَالَفَةُ مَنْ لَحِقَهم وصارَ مِنْ أهلِ الاجتهادِ
بعدَ اتِّفاقِهم على ذلكَ الْحُكْمِ.
والإِجماعُ المُعْتَمَدُ
هوَ المتبادَرُ إلى الفهْمِ مِنْ قولِ القائلِ: أَجْمَعَ العلماءُ على
كذا. وذلكَ هوَ الإِجماعُ القولِيُّ؛ أيْ: أنْ يقُولُوا كلُّهم: هذا حلالٌ،
أوْ هذا حرامٌ، وغيرُ ذلكَ مِن الأحكامِ.
وأمَّا الإِجماعُ الفعليُّ، مِثْلُ: أنْ تَفْعَلَ الأُمَّةُ كُلُّها شيئًا،فيَجِبُ أنْ لا يكونَ ذلكَ حَرامًا، وإلاَّ كانوا مُجْمِعينَ على ضَلالةٍ.
- وهذا دُونَ الإِجماعِ القولِيِّ؛ فإنَّ الفعلَ لا دَلالةَ لهُ على ما في الضميرِ مِنْ عِلْمٍ أوْ تَقليدٍ.
ولهذا قيلَ: اشتراطُ انقراضِ العصرِ في هذا أَوْلَى مِن اشتراطِهِ في الإِجماعِ القولِيِّ).
قرة العين للشيخ: محمد بن محمد الرعيني الحطاب
قال أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعيني المالكي [المعروف: بالحطاب] (ت: 954هـ): ( (6) (ولا يُشتَرَطُ) في حُجِّيَّةِ الإِجماعِ (انقِرَاضُ العصْرِ) بأنْ يموتَ أهلُهُ (علَى الصَّحِيحِ)
لسُكُوتِ أدلَّةِ حُجِّيَّةِ الإِجمَاعِ عن ذلكَ؛ فلَو اجْتَمعَ
المُجْتهِدُونَ في عصرٍ علَى حُكمٍ؛ لمْ يكنْ لهُمْ ولا لغَيرِهمْ
مُخالفَتُهُ.
وقيلَ: يُشْتَرَطُ في حُجِّيَّتِهِ انقرَاضُ المُجتَهِدينَ؛ لجوَازِ أنْ يطرأَ لبعْضِهم مَا يُخالِفُ اجتِهَادَهُ فيرِجِعَ.
وأُجِيبَ: بأنَّا نَمْنَعُ رجُوُعَهُ للإِجمَاعِ قبْلَهُ.
(7) (فإنْ قُلنَا: انقراضُ العصرِ شرطٌ؛ فيُعتبَرُ) في انعقادِ الإِجماعِ (قَولُ من وُلدَ في حَياتِهمْ وتَفَقَّهَ وصَارَ من أهلِ الاجْتِهَادِ) فإنْ خالفَهُمْ؛ لمْ ينعقدْ إجمَاعُهمُ السَّابقُ، (فَلَهُم) علَى هذا القولِ (أن يَرجِعُوا عن ذلكَ الحُكمِ)
الَّذي أجمَعُوا علَيهِ، وعلَى القولِ الصَّحيحِ لا يَقْدَحُ في
إِجمَاعِهمْ مخالفَةُ مَن وُلِدَ في عَصْرِهِمْ، ولا يَجُوزُ لهمُ
الرُّجوعُ).
شرح الورقات للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان
قال الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان: (ثُمَّ ذَكَرَ مسألةَ اشْتِرَاطِ انقراضِ العصرِ، والمرادُ بهِ أنْ يَمُوتَ أَهْلُ الإجماعِ، ثمَّ يَبْدَأَ الاحتجاجُ بإجماعِهِم، وفي المسألةِ قولانِ:
الأَوَّلُ:
أنَّهُ لا يُشْتَرَطُ انقراضُ العصرِ، وهذا مذهبُ الجمهورِ.
فَيَنْعَقِدُ الإجماعُ
بِمُجَرَّدِ اتِّفَاقِ المُجْتَهِدِينَ ولوْ كانوا أَحْيَاءً، فلا يَجُوزُ
مخالفتُهُ؛ وذلكَ لأنَّ أَدِلَّةَ حُجِّيَّةِ الإجماعِ لا تُوجِبُ انقراضَ
العصرِ، ولأنَّ الإجماعَ هوَ الاتِّفَاقُ، وقدْ حَصَلَ، فما الذي يَمْنَعُ
منْ قبولِهِ؟
ولأنَّ التَّابِعِينَ قد
احْتَجُّوا بإجماعِ الصحابةِ قبلَ انقراضِ عصرِهِم، ولوْ كانَ ذلكَ شَرْطًا
لم يَحْتَجُّوا بهِ إلا بعدَ انقراضِ عصرِهِم.
الثاني:
أنَّهُ يُشْتَرَطُ انقراضُ العصرِ، وهوَ قولُ بعضِ الشافعيَّةِ وروايَةٌ عن الإمامِ أحمدَ.
وَوَجْهُ اشتراطِهِ:
احتمالُ رجوعِ بعضِ المُجْتَهِدِينَ عنْ رَأْيِهِ فَيَؤُولُ ذلكَ إلَى الخلافِ.
والقولُ الأَوَّلُ: هوَ
الراجحُ لقوَّةِ أدلَّتِهِ؛ ولأنَّ القولَ باشتراطِ انقراضِ العصرِ
يُؤَدِّي إلَى تَعَذُّرِ الإجماعِ؛ لأنَّهُ لا يَكَادُ عَصْرٌ يَنْقَرِضُ
حتَّى يَحْدُثَ منْ أولادِهِ مَنْ يَنْشَأُ وَيَبْلُغُ درجةَ الاجتهادِ،
ولهُ أنْ يُخَالِفَ؛ لأنَّ الإجماعَ لم يَنْعَقِدْ، وهذا يُؤَدِّي إلَى
إبطالِ انعقادِ الإجماعِ، وما أَدَّى إلَى ذلكَ فهوَ باطلٌ.
قالَ القَرَافِيُّ فِي (التَّنْقِيحِ) ص (330):
(وانْقِرَاضُ العصرِ ليسَ شرطًا خِلافًا لقومٍ من الفقهاءِ
والمُتَكَلِّمِينَ لِتَجَدُّدِ الولادةِ كلَّ يومٍ، فَيَتَعَذَّرُ
الإجماعُ). ا. هـ.
ثُمَّ بَيَّنَ المُؤَلِّفُ ما
يَنْعَقِدُ بهِ الإجماعُ، فَذَكَرَ أنَّهُ يَنْعَقِدُ الإجماعُ بقولِ
المجتَهِدِينَ أوْ بِفِعْلِهِم، فإذا قالُوا بِجَوَازِ شيءٍ فهذا إجماعٌ
علَى الجوازِ.
- وكذلكَ
إذا فَعَلُوا شيئًا فَيَدُلُّ فِعْلُهُم علَى الجوازِ لِعِصْمَتِهِم عن
الباطلِ كما تَقَدَّمَ، لكنْ يُعْلَمُ أنَّ الإجماعَ لا بُدَّ لهُ منْ
مُسْتَنَدٍ إمَّا من الكتابِ أو السُّنَّةِ).
العناصر
مسألة انقراض العصر
المراد بانقراض العصر
الخلاف في اشتراط انقراض عصر المجمعين
القول الأول: لا يشترط انقراض العصر، وهذا مذهب الجمهور
1 - أدلة الإجماع من الكتاب والسنَّة لا توجب اعتبار انقراضه
2 - التابعون قد احتجوا بإجماع الصحابة قبل انقراض عصرهم
3 - اشتراط انقراض العصر يوجب أن لا يكون إجماع إلى يوم القيامة
القول الثاني: يشترط انقراض العصر، وهو قول بعض الشافعية، ورواية عن أحمد
ما ينعقد به الإجماع:
1 - انعقاده بقول المجتهدين
مثال على الإجماع القولي
2 - انعقاده بفعل المجتهدين
الأسئلة
س3: كيف ترد على الشبه الآتية لمنكري الإجماع:
أ/ منع تصوره؛ لأن علماء العصر غير محصورين.
ب/ أن حديث معاذ المشهور لم يذكر فيه الإجماع.