26 Sep 2011
الدرس الثالث: بيانُ وُجوبِ طاعةِ اللهِ ورسولِه
الملف الصوتي:
حفظ الملف.
طاعةُ اللهِ ورسولِه أصلٌ من أصولِ الدينِ، ولا يكونُ العبدُ مسلمًا حتى
ينقادَ لأوامرِ اللهِ ورسولِه، ويعتقدَ وجوبَ طاعةِ اللهِ ورسولِه، وأنَّ
مَن أطاعَ اللهَ ورسولَه فاز برِضْوان اللهِ ورحمتِه وفضلِه العظيمِ،
ونَجَا من العذابِ الأليمِ، ومَن عَصَى وتولَّى خَسِر الخُسْرانَ المُبين،
وعرَّض نفسَه لسَخَطِ اللهِ وعقابِه.
ومن زَعَم أنه يَسَعُه الخروجُ عن طاعةِ اللهِ ورسولِه فهو غيرُ مُسلمٍ.
وقد قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَا
كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٣٦].
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣].
وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٢].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ
يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا
خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [النساء: ١٣–١٤].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ
اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ [النساء: ٦٩–٧٠].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧١].
وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [الجن: ٢٣].
وقال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠].
وقال: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧].
فدلَّت هذه الآياتُ على أن
طاعةَ اللهِ ورسولِه واجبةٌ، وأن اللهَ تعالى قد وعَدَ من أطاعَه ورسولَه
الفضلَ العظيمَ في الدنيا والآخِرة، وتوعَّد مَن عَصَاه ورسولَه بالعذابِ
الأليم.
والطاعةُ تكون بامتثالِ
الأمرِ واجتنابِ النَّهْيِ، وهذه هي حَقِيقةُ الدينِ: التَّعبدُ للَّهِ
تعالى بفعلِ أوامرِه واجتنابِ نواهيهِ.
وقد يسَّرَ اللهُ لنا الدينَ، ولم يُكلِّفْنا إلا ما نستطيعُ، قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦].
وقال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨]، وعن أبي هُريرةَ رضِي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ هذا الدينَ يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غَلَبَهُ)). رواه البخاري
وعن أبي هُريرةَ رضِي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((ما نَهَيتُكم عنه فاجْتَنِبُوه، وما أَمَرْتُكم به فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُم)) متفق عليه.
والأوامرُ التي أمَرَ اللهُ بها وأمَرَ بها رسولُه على ثلاثِ درجاتٍ:
الدَّرَجةُ الأولى: ما يَلْزَمُ منه البقاءُ على دينِ الإسلامِ، وذلك بطاعتِه في توحيدِ اللهِ جل وعلا، والكُفْر بالطاغوتِ، واجتنابِ نواقضِ الإسلامِ.
ومَن خالَفَ في هذه الدرجة
فأشرَكَ باللهِ عز وجل أو ارتكَبَ ناقضًا من نواقضِ الإسلامِ كتكذيبِ
اللهِ ورسولِه أو الاستهزاءِ بشيءٍ من دينِ اللهِ عز وجل، ونحوِ ذلك من
النواقضِ فهو كافرٌ خارجٌ عن ملَّةِ الإسلامِ.
الدَّرَجَةُ الثانيةُ:
ما يَسْلَمُ به العبدُ من العذابِ، وهو أداءُ الواجباتِ، واجتنابُ
المُحرَّماتِ، فمَن أدَّى هذه الدرجةَ فهو ناجٍ من العذابِ بإذن اللهِ،
مَوعودٌ بالثوابِ العظيمِ على طاعتِه، وهذه درجةُ عبادِ اللهِ المُتَّقينَ.
الدَّرَجةُ الثالثةُ:
أداءُ الواجباتِ والمُستحبَّاتِ، وتَرْكُ المُحرَّماتِ والمَكْروهاتِ،
وهذه درجةُ الكمالِ للعبادِ، وأصحابُها من أهلِ الإحسانِ المَوْعودين
بالدرجات العُلَى، نسألُ اللهَ من فَضْلِه.
واللهُ تعالى قد أكمَلَ لنا الدينَ وأتَمَّ علينا نِعْمةَ الإسلامِ، كما قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣].
فدِينُ الإسلامِ كامِلٌ،
وأحكامُ الشريعةِ شامِلةٌ لجميعِ شُئُونِنا، فلا نَقْصَ فيها، ولا اختلافَ،
ولا تَناقُضَ، بل هي شَرِيعةٌ كاملةٌ سَمْحةٌ مُيَسَّرة صالحةٌ لكلِّ
زمانٍ ومكانٍ، ومُهَيْمِنَةٌ على جميعِ أحوالِ العبادِ.
فالذي يُطيع اللهَ ورسولَه مُهتدٍ للتي هي أقْومُ في كل شأنٍ من شُئونِه؛ فإن اللهَ تعالى قال: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: ٩]، فلا يُمْكِنُ أن ينالَ العبدُ أمْرًا أفضلَ له بمعصيةِ الله عز وجل ومخالفةِ كتابِه.
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((وإنَّ أحْسَنَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحمَّدٍ))
فلا هَدْيَ أحسنُ من
هديِه، ولا يمكن أن يَنالَ العبدُ أمرًا أفضلَ له بمخالفةِ هَدْيِ النبيِّ
صلى الله عليه وسلم، وإنما كمالُ العبدِ ونجاتُه وسعادتُه ومَبْلَغُ
هدايتِه على قَدْرِ اتباعِه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.
قال اللهُ تعالى: ﴿قُلْ
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ
الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٨].
فمَن اتَّبَعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فهو مُهْتدٍ، ومَن عَصَاهُ فقد ضَلَّ.
وقد قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥].
فكلُّ مَن عصَى اللهَ
ورسولَه في أيِّ أمرٍ من الأمورِ فهو فاسقٌ بمعصيتِه ضالٌّ في ذلك الأمرِ،
وإن زَعَم أنه يُريدُ تَحْقِيقَ مصلحةٍ أو دَرْءَ مَفْسَدَةٍ؛ فإنَّ
المصالحَ لا تَتحقَّقُ بمعصيةِ اللهِ، والمَفَاسِدَ لا تُدْرَأ
بالتَّعرُّضِ لسَخَطِ اللهِ.
وكلُّ مَن أمَرَ بمعصيةِ اللهِ ورسولِه وزَيَّنَها للناسِ فهو شَيْطانٌ؛ سواءٌ في ذلك شياطينُ الإنسِ والجنِّ.
وعن عليِّ بنِ أبي طَالِبٍ رضِي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لا طاعةَ لمَخْلوقٍ في مَعْصيةِ اللهِ)) رواه أحمدُ ومُسلمٌ.
وهذا يَشْمَلُ جميعَ مَن أمَرَ بمعصيةِ اللهِ في أمورِ العقيدةِ أو العبادات أو المُعاملات أو غيرِها من شُئونِ العبادِ.
وكلُّ مَن دَعَا إلى بِدْعَةٍ ومَنْهَجٍ غيرِ منهجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فهو ضالٌّ مُضِلٌّ، وقد قال اللهُ تعالى: ﴿وَأَنَّ
هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٣].